درر الحكام شرح غرر الأحكام

منلا خسرو

[مقدمة الكتاب]

[مُقَدِّمَة الْكتاب] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْكَمَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَأَعْلَى أَعْلَامَ الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ بِمُعْظَمِ خِطَابِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُتَطَهِّرِينَ عَنْ النَّقَائِصِ بِتَتْمِيمِ مَسْحِ وُجُوهِهِمْ بِصَعِيدِ بَابِهِ. (وَبَعْدُ) فَإِنَّ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْمُسَلَّمَاتِ الْمُحَرَّرَةِ لَدَى ذَوِي الِاسْتِبْصَارِ أَنَّ شَرَفَ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارَيْنِ وَنَيْلَهُ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فِي الْكَوْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِتَحْلِيَةِ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ تَزْكِيَةِ الْبَاطِنِ بِالْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ، فَالْعِلْمُ الْمُتَكَفِّلُ بِتَعْرِيفِ الْأُولَى وَبَيَانِهَا وَالْمُتَخَصِّصُ مِنْ بَيْنِ الْعُلُومِ بِالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا يَكُونُ مِنْ أَوْلَى الْعُلُومِ بِالِاشْتِغَالِ، وَأَحْرَاهَا لِلْعَزْمِ عَلَيْهِ وَعَقْدِ الْبَالِ وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ الَّذِي اعْتَنَى بِشَأْنِهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ النَّقِيَّةِ وَبَذَلَ الْوُسْعَ فِي تَشْيِيدِ أَرْكَانِهِ عُظَمَاءُ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ نَبِيَّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْمُوَضِّحَ لِأَقْوَمِ الْمَنَاهِجِ وَالسُّبُلِ وَكَانَتْ حَوَادِثُ الْأَيَّامِ خَارِجَةً عَنْ التَّعْدَادِ، وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا لَازِمَةً إلَى يَوْمِ التَّنَادِ، وَلَمْ تَفِ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ بِبَيَانِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لَهَا وَافٍ بِشَأْنِهَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْآلِهِيَّةُ جَعْلَ مَثَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ عُلَمَائِهِمْ كَمَثَلِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ فَجَعَلَ فِي قُدَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَئِمَّةً كَالْأَعْلَامِ، مَهَّدَ بِهِمْ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ، وَشَيَّدَ بُنْيَانَ الْإِسْلَامِ، وَأَوْضَحَ بِآرَائِهِمْ مُعْضِلَاتِ الْأَحْكَامِ لِيَنَالَ الْفَلَاحَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامِ، اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ، وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ، تُضِيءُ الْقُلُوبُ بِأَنْوَارِ أَفْكَارِهِمْ، وَتَسْعَدُ النُّفُوسُ بِاتِّبَاعِ آثَارِهِمْ، وَخَصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ نَفَرًا بِإِعْلَاءِ أَقْدَارِهِمْ وَمَنَاصِبِهِمْ، وَإِبْقَاءِ أَذْكَارِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ. إذْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ مَدَارُ الْأَحْكَامِ، وَبِمَذَاهِبِهِمْ يُفْتِي فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ، وَخَصَّ مِنْهُمْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ، وَالْهُمَامَ الْأَقْدَمَ، سِرَاجَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الثَّابِتِ، الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ نُعْمَانَ الثَّابِتَ، بَوَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ، وَأَفَاضَ عَلَى مَرْقَدِهِ سِجَالَ الْغُفْرَانِ بِكَثْرَةِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِمَذْهَبِهِ وَغَزَارَةِ مُسْتَنْبَطَاتِهِ وَعُذُوبَةِ مَشْرَبِهِ. فَإِنَّ مَا أَفَادَهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِبَدِيعِ قُدْرَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْمِنَحِ لِمَنْ شَاءَ كَمَا تَعَلَّقَ بِهِ سَوَابِقُ إرَادَتِهِ، وَمَنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَخَصَّهُ بِجَزِيلِ نِعْمَتِهِ وَوَفَّقَهُ لِنَهْجِ الرَّشَادِ بِمَحْضِ فَضْلِهِ لِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أُعِدُّهَا لِلْوُقُوفِ بِحَضْرَتِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنَّ سَيِّدَنَا وَسَنَدَنَا وَمَلْجَأَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ بِوَاضِحِ شَرِيعَتِهِ شَهَادَةً تُنْجِي قَائِلَهَا مِنْ الْهَفَوَاتِ وَتُقِيلُهُ عِنْدَ عَثْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعِتْرَتِهِ النَّاقِلِينَ إلَيْنَا أَحْكَامَ دِينِهِ وَمِلَّتِهِ مَا تَجَلَّتْ وُجُوهُ الْأَحْكَامِ بِغُرَرِ التَّحْقِيقِ وَتَحَلَّتْ صُدُورُ الْأَحْكَامِ بِدُورِ التَّوْفِيقِ

الْأَحْكَامِ بَحْرٌ مُتَلَاطِمُ الْأَمْوَاجِ، بَلْ لِإِمَاطَةِ ظُلْمَةِ الضَّلَالِ سِرَاجٌ وَهَّاجٌ، وَلَقَدْ كُنْت مِنْ إبَّانِ الْأَمْرِ وَعُنْفُوَانِ الْعُمْرِ مُغْتَرِفًا مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ وَأُصُولِهِ، مُتَفَحِّصًا عَنْ مَسَائِلِ أَبْوَابِهِ وَفُصُولِهِ، بِالِاسْتِفَادَةِ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ، وَالْإِفَادَةِ لِلطَّالِبِينَ الْمُكِبِّينَ عَلَيْهِ، وَابْتُلِيتُ فِي أَثْنَائِهِ بِبَلَاءِ الْقَضَاءِ بِلَا رَغْبَةٍ فِيهِ وَلَا رِضَاءٍ، وَأَعُدُّ مَا يَمْضِي فِيهِ مِنْ عُمْرِي عَبَثًا وَمُخَالَطَةِ الْعَوَامّ وَمُخَاطَبَةِ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ خُبْثًا، حَتَّى كَانَ يَخْطِرُ فِي خَلَدِي دَائِمًا أَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِحَالِي. وَكُنْت أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَدِّلَ بِالْخَيْرِ مَآلِي، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِابْتِلَاءُ خَالِيًا عَنْ حِكْمَةٍ وَلَا عَارِيًّا عَنْ فَائِدَةٍ وَمَصْلَحَةٍ، حَيْثُ كَانَ سَبَبًا لِتَتَبُّعِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ وَالنَّوَازِلِ، وَالْعُثُورِ عَلَى تَقْيِيدِ إطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ فِي تَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ، فَصَارَ بَاعِثًا لِي عَلَى كَتْبِ مَتْنٍ حَاوٍ لِلْفَوَائِدِ، خَاوٍ عَنْ الزَّوَائِدِ، مَوْصُوفٍ بِصِفَاتٍ مَذْكُورَةٍ فِي خُطْبَتِهِ، دَاعِيَةٍ لِكُمَّلِ الرِّجَالِ إلَى خِطْبَتِهِ، مَرْعِيٍّ فِيهِ تَرْتِيبُ كَتْبِ الْفَنِّ عَلَى النَّمَطِ الْأَحْرَى وَالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ، فَاخْتَلَسْت فُرَصًا مِنْ بَيْنِ الِاشْتِغَالِ، وَانْتَهَزْت نُهَزًا مَعَ تَوَزُّعِ الْبَالِ، وَحِينَ قَرُبَ إتْمَامُهُ وَآنَ أَنْ يُفَضَّ بِالِاخْتِتَامِ خِتَامُهُ خَلَّصَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَلَاءِ الْقَضَاءِ، إذْ بَعْدَ حُصُولِ الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ يُخَلِّصُ مِنْ الْبَلَاءِ، فَوَجَبَ عَلَيَّ شُكْرُ نِعْمَتَيْ إتْمَامِهِ وَإِحْسَانِ التَّلْخِيصِ عَنْ الْبَلَاءِ وَإِنْعَامِهِ، فَشَرَعْتُ فِي شَرْحِهِ شُكْرًا لِلنِّعْمَتَيْنِ الْمَوْصُولَتَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا إلَى الدَّوْلَتَيْنِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ وَيُسَهِّلَ لِي بِالسَّلَامَةِ طَرِيقَ اخْتِتَامِهِ وَعَازِمًا أَنْ أُسَمِّيَهُ بَعْدَ الْإِتْمَامِ (دُرَرَ الْحُكَّامِ فِي شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ) إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالظَّرْفُ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَبْتَدِئُ الْكِتَابَ كَمَا فِي دَخَلْت عَلَيْهِ بِثِيَابِ السَّفَرِ أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالظَّرْفُ لَغْوٌ كَمَا فِي: كَتَبْت بِالْقَلَمِ، مَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أُدْخِلَ فِي التَّعْظِيمِ وَمَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَصْدُرْ بِاسْمِهِ تَعَالَى، وَإِضَافَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ فِي الْجُمْلَةِ تَشْمَلُ أَسْمَاءَهُ كُلَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ وَضْعًا لِذَاتِهِ تَعَالَى الْمُتَّصِفِ بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ اخْتَصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ لِلْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُ مَعَانٍ وَصِفَاتٌ وَفِي التَّبَرُّكِ بِالِاسْمِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ كَمَالُ التَّعْظِيمِ لِلْمُسَمَّى فَلَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهِمَا بَلْ رُبَّمَا يُسْتَدَلُّ بِالْإِضَافَةِ عَلَى تَغَايُرِهِمَا. وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ كَالْغَضْبَانِ مِنْ غَضِبَ، وَالْعَلِيمِ مِنْ عَلِمَ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى، وَمُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى لَا لِأَنَّهُ مِنْ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ: الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا، وَتَعْقِيبُهُ بِالرَّحِيمِ مِنْ قَبِيلِ التَّتْمِيمِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ لِيَتَنَاوَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا. (الْحَمْدُ لِلَّهِ) جَمَعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ فِي الِابْتِدَاءِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُمْتَدًّا مِنْ حِينِ الْأَخْذِ فِي التَّصْنِيفِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الْبَحْثِ فَتُقَارِنُهُ التَّسْمِيَةُ وَالتَّحْمِيدُ وَنَحْوُهُمَا، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ فِي أَوَائِلِ التَّصَانِيفِ أَبْتَدِئُ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا أَوْ لَغْوًا لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالًا لِلْحَدِيثِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَفِي تَقْدِيرِ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَعْدُ) فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى لُطْفِ مَوْلَاهُ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ حَسَنُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ عَلِيِّ الْمُكَنَّى بِأَبِي الْإِخْلَاصِ الْوَفَائِيُّ الشُّرُنْبُلَالِيِّ الْحَنَفِيُّ أَدَامَ اللَّهُ سَوَابِغَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَمُحِبِّيهِ وَالْمُنْتَمِينَ إلَيْهِ وَمَنَحَهُمْ فَوْقَ مَا يَأْمُلُونَهُ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ بَسْطِ يَدَيْهِ وَأَرْبَحَهُمْ مِنْ كَرَمِهِ وَعَامَلَهُمْ بِالرِّضَى الْأَبَدِيِّ لَدَيْهِ آمِينَ: إنِّي لَمَّا قَرَأْت كِتَابَ دُرَرِ الْحُكَّامِ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ عَلَى أَتْقَى أُسْتَاذٍ عَلِمْته مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَأَعْظَمِهِمْ مُرَاقَبَةً فِي الْقِيَامِ بِأَوَامِرِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أُسْتَاذٍ كُنْتُ سَابِقًا قَرَأْت الْكِتَابَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَنِي لِمُلَازَمَةِ الْأُسْتَاذِ الْمَذْكُورِ وَأَمَرَ بِالْمُثَابَرَةِ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَأَمَدَّ بِمَادَّةٍ غَزِيرَةٍ لَدَيْهِ وَلَاحَ مِنْ بَرَكَةِ إخْلَاصِ طَوِيَّتِهِمَا الطَّاهِرَةِ الشَّاهِدِ بِهَا حُسْنُ سِيرَتِهِمَا الظَّاهِرَةِ لَوَامِعُ أَنْوَارِ هِدَايَةٍ أَشْرَقَتْ عَلَيَّ وَسَوَاطِعُ أَسْرَارِ دِرَايَةٍ مِنْ أَنْفَاسِهِمَا الزَّكِيَّةِ عَبِقَتْ لَدَيَّ جَزَاهُمَا

مَعْنًى فَقَطْ، وَقَدَّمَ التَّسْمِيَةَ اقْتِفَاءً بِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أُولُو الْأَلْبَابِ. وَالْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ إنْعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَدْحُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا، وَالشُّكْرُ مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَوْرِدِ وَأَخَصُّ بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَا يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ غَالِبًا. وَاللَّامُ فِي الْحَمْدُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَتُحْمَلُ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيُفِيدُ إثْبَاتَ حَصْرِ الْأَفْرَادِ وَلَا تُفِيدُهُ لَامُ لِلَّهِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا الْحَصْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ، وَالتَّخْصِيصُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ لَامِ الْحَمْدُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ. (الَّذِي فَقَّهَ) أَيْ جُعِلَ فَقِيهًا مِنْ فَقُهَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً أَيْ صَارَ فَقِيهًا وَيُقَالُ فَقِهَ بِالْكَسْرِ فِقْهًا وَفَقَهَةً أَيْ فَهِمَ (الْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ) الْمُجَلِّي مِنْ أَفْرَاسِ السِّبَاقِ هُوَ السَّابِقُ، وَالْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي يَتْلُوهُ لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ صَلَوَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا كَثْرَةُ الْمُمَارَسَةِ، وَالْمُزَاوَلَةِ (فِي حَلْبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ خَيْلٌ تُجَمَّعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اُسْتُعِيرَتْ لِلْمِضْمَارِ (حِلْيَةِ الْعَالِمِينَ الْمُتَّقِينَ) وَهِيَ تَهْذِيبُ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْبَاطِنِ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَارَسَ وَسَعَى فِي تَحْصِيلِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا فَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرْتَبَةَ الْفَقَاهَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْعَمَلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ أُصُولِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. (وَطَهُرَ مَنْ تَيَمَّمَهُ) أَيْ قَصَدَهُ (بِمَسْحِ) أَيْ إصَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَهُ (أَنْفِ الِابْتِهَالِ) أَيْ التَّضَرُّعِ وَإِضَافَةُ الْأَنْفِ إلَيْهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَصِلُ إلَى الْأَرْضِ حَالَ السَّجْدَةِ لِلتَّضَرُّعِ هُوَ الْأَنْفُ (وَالْجَبِينِ) عَطْفٌ عَلَى الْأَنْفِ (عَلَى أَرْضِ الذِّلَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ (عَنْ أَنْجَاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَ (أَنْحَاسِ) النَّحْسُ ضِدُّ السَّعْدِ كَالنُّحُوسَةِ ضِدُّ السَّعَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ، وَالصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ، وَالْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ وَبِأَنْجَاسِهَا الْمُهْلِكَاتُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تَزُلْ لَأَفْضَتْ إلَى الْخُلُودِ فِي النَّارِ (الْمَارِدِينَ) أَيْ الْعَاتِينَ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُزَكَّى) أَيْ الطَّهِرِ (الصَّائِمِ) أَيْ مُمْسِكٍ (قَلْبُهُ عَنْ) مُتَعَلِّقٌ بِصَائِمٍ (أَنْ يَحُجَّ) أَيْ يَقْصِدَ (مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ) بَيَانٌ لِمَا (وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُجَاهِدِينَ فِي رَفْعِ رَايَاتِ آيَاتِ دَقَائِقِ حَقَائِقِ الْحَقِّ الْمُبِينِ) الْحَقُّ الْمُبِينُ هُوَ الشَّرِيعَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ وَحَقَائِقُهَا الْأَحْكَامُ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَالِاعْتِقَادِيَّات وَالْوِجْدَانِيَّات، وَدَقَائِقُ حَقَائِقِهَا الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لَهَا، وَآيَاتُ تِلْكَ الدَّقَائِقِ طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا مِنْ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ وَالِاقْتِضَاءِ، وَرَفْعُ رَايَاتِهَا إظْهَارُ تِلْكَ الطُّرُقِ لِلْمُسْتَدِلِّينَ إفْشَاؤُهَا بَيْنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ حَتَّى قَدَرُوا عَلَى اسْتِخْرَاجِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ فَقُهَ، وَالْمُصَلِّينَ وَتَيَمَّمَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ رِعَايَةِ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ. (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ السَّنِيَّةِ) أَيْ الْعَلِيَّةِ (وَأَتَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ عَنِّي خَيْرَ جَزَائِهِ وَمَتَّعَهُمَا فِي الدَّارَيْنِ بِمَا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَتَكَرَّرَتْ قِرَاءَتِي لِذَا الْكِتَابِ مُرَاجِعًا كُتُبَ الْمَذْهَبِ مُدَاوِمًا لِمُمَارَسَتِهِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا صِيغَ فِيهِ وَشُهْرَتُهُ فَوْقَ الْإِطْنَابِ فِي مِدْحَتِهِ رَحِمَ اللَّهُ مُؤَلِّفَهُ وَتَغَمَّدَهُ بِمَغْفِرَتِهِ. وَصَدَرَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ أُسْتَاذِي بِتَسْطِيرِ مَا ظَفِرْت بِهِ مِنْ تَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ، وَالتَّتْمِيمِ لِفَوَائِدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ حَالَ الِاشْتِغَالِ لِأَتَنَبَّهَ لَهُ فِي الْمَآلِ لَا لِأُبَاهِيَ بِهِ الْأَمْثَالَ أَرَدْت جَمْعَ مَا سَطَّرْته عَلَيْهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ مُرَاجِعًا لِلنَّظَرِ مُرَاعِيًا لِلْقُيُودِ وَالتَّتِمَّاتِ، مُعْتَمِدًا فِي الْآخِرِ كَالْأَوَّلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلُ مُنَبِّهًا فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْته، مُنَوِّهًا بِمَا فُتِحَ بِهِ عَلَيَّ مِمَّا ابْتَكَرْته وَحَرَّرْته عَازِيًا كُلَّ حُكْمٍ لِمَنْ عَنْهُ نَقَلْته فَشَرَعْت مُسْتَعِيذًا بِاَللَّهِ مِنْ الْخَلَلِ فِي كُلِّ مَا كَتَبْته وَقُلْته وَمُعْتَمَدِي فِي الِاخْتِيَارِ، وَالتَّصْحِيحِ عَلَى مُحَقِّقِي الرِّوَايَاتِ، وَالدِّرَايَاتِ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَمَا نَقَلْته بِصِيغَةِ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ

الْمَآرِبِ) جَمْعُ مَأْرَبَةٍ بِمَعْنَى الْحَاجَةِ (السَّمِيَّةِ) أَيْ الرَّفِيعَةِ (الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ تِلْقَاءَهَا) أَيْ جِهَتَهَا (عَنَانُ الْعِنَايَةِ وَيُصْرَفُ إلَيْهَا أَعْمَارُ أَهْلِ الْهِدَايَةِ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ عِلْمَ الْفِقْهِ) اسْمُ إنَّ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ (الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِنِظَامِ الْمَعَاشِ وَنَجَاةِ الْمَعَادِ وَفَلَاحِ الْعِبَادِ بِنَيْلِ الْمُرَادِ يَوْمَ التَّنَادِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفَاعَلَ مِنْ النِّدَاءِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَوْمٌ يُنَادِي أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ وَبِالْعَكْسِ (وَلَقَدْ كُنْت صَرَفْت) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ سَبَبِ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصْنِيفِ (شَطْرًا) أَيْ بَعْضًا (مِنْ عُنْفُوَانِ الشَّبَابِ إلَى تَدَبُّرِ) أَيْ تَفَكُّرٍ (لِطَائِفِهِ وَتَدَرُّبِ) أَيْ اعْتِيَادِ (تَصَفُّحِ) تَقُولُ تَصَفَّحْت الشَّيْءَ إذَا نَظَرْت فِي صَفَحَاتِهِ (مَا فِيهِ مِنْ الْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ حَتَّى اتَّجَهَ لِي أَنْ أَكْتُبَ فِيهِ مَتْنًا كَمَا فِي الْأُصُولِ) وَهُوَ مِرْقَاةُ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ (بَيْدَ) أَيْ إلَّا (أَنَّ عَوَائِقَ الدَّهْرِ عَاقَتْهُ) أَيْ كَتْبَ الْمَتْنِ (عَنْ الْحُصُولِ حَتَّى سَاقَنِي زَمَانِي حِينَ رَمَانِي بِمَا رَمَانِي) إشَارَةٌ إلَى مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ مَرَضِ الطَّاعُونِ عَامَ الْوَبَاءِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ (إلَى أَنْ عَزَمْت) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَاقَنِي (عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى شَأْنُهُ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ إنْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الْآفَةِ بِحَيْثُ أَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ فِي مَهَامِهِ الْمَعَارِفِ، وَالْعُلُومِ وَمَفَاوِزِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْفُهُومِ) الْمَهَامِهُ جَمْعُ مَهْمَهَ بِمَعْنَى الصَّحْرَاءِ، وَالْمَفَاوِزُ جَمْعُ مَفَازَةٍ بِمَعْنَى مَوْضِعِ الْفَوْزِ سُمِّيَ بِهِ الصَّحْرَاءُ تَفَاؤُلًا (أَصْرِفْ) جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ إنْ خَلَّصَنِي (خُلَاصَةً مِنْ بَقِيَّةِ عُمُرِي الْمَوْهِبَةِ إلَى إبْرَازِ مَا فِي خَلَدِي) أَيْ قَلْبِي (بِطَرِيقَةٍ مَنْدُوبَةٍ) بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (بِأَنْ أُصَنِّفَ فِيهِ) أَيْ فِي الْفِقْهِ (مَتْنًا مَتِينًا) أَيْ قَوِيًّا (رَائِقًا) أَيْ مُعْجِبًا (نِظَامُهُ) أَيْ تَرْتِيبُهُ (وَأَرْصُفَ) أَيْ أُرَتِّبَ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ عَقْدُ الْحِجَارَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِلْإِحْكَامِ (بُنْيَانًا) وَهُوَ مَا رُكِّبَ وَسُوِّيَ كَالْحَائِطِ. (رَصِينًا) أَيْ مُحْكَمًا (أَنِيقًا) هُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى مُعْجِبًا (انْتِظَامُهُ خَالِيًا) أَيْ سَالِمًا (عَنْ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ حَالِيًا) أَيْ مُزَيَّنًا (بِالْقُيُودِ) الْمَذْكُورَةِ فِي الشُّرُوحِ، وَالْفَتَاوَى لِإِطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ. (وَالْإِشَارَاتِ) إلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ الْمُسَامَحَاتِ، وَالْمُسَاهَلَاتِ (الشَّرِيفَةِ اللَّطِيفَةِ) مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ، وَالنَّشْرِ (مُحْتَوِيًا عَلَى مَسَائِلَ مُهِمَّاتٍ خَلَتْ عَنْهَا الْمُتُونُ الْمَشْهُورَةُ مُنْطَوِيًا عَلَى أَحْكَامِ) أَيْ قَضَايَا (مُلِمَّاتٍ) أَيْ وَقَائِعَ (لَمْ تَكُنْ) تِلْكَ الْأَحْكَامُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْمُتُونِ الْمَشْهُورَةِ (مَسْطُورَةً مُعْجِبًا نَظْمُهُ الْفَصِيحَ الْأَدِيبَ) أَيْ الْمَاهِرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ. (وَمُونِقًا فَحْوَاهُ الْفَقِيهَ الْأَرِيبَ) أَيْ الْعَاقِلُ وَلَا يَخْفَى لُطْفُ تَوْصِيفِ الْفَصِيحِ بِالْأَدِيبِ، وَالْفَقِيهِ بِالْأَرِيبِ (فَلَمَّا أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيَّ بِإِمَاطَةِ) أَيْ إزَالَةِ (مَا بِي مِنْ السَّقَامَةِ وَأَلْبَسَنِي مِنْ خَزَائِنِ رَأْفَتِهِ حُلَّةَ السَّلَامَةِ شَرَعْتُ فِي مَا أَرَدْتُ وَبَدَأْتُ بِمَا قَصَدْتُ وَرَاعَيْتُ مَا ذَكَرْتُ) مِنْ اتِّصَافِ الْمَتْنِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ (بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ) بِالْمَلِكِ الْمَنَّانِ وَعَزَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ (بِغُرَرِ الْأَحْكَامِ) بَعْدَ أَنْ يُيَسِّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِي الِاخْتِتَامَ مُبْتَهِلًا إلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ. (وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ، وَصَرَفَ عَنِّي الْعَوَائِقَ عَنْ إتْمَامِهِ مَعَ ابْتِلَائِي بِكَثْرَةِ الْمُشَادَّةِ وَالْمَشَاغِلِ، وَتَفَاقُمِ الْمَوَانِعِ عَلَيَّ وَالشَّوَاغِلِ، وَالْمَسْئُولِ مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُوَ أَصَحُّ تَصْحِيحٍ. وَهَذَا حَسَبُ طَاقَتِي وَهِيَ الْقَاصِرَةُ وَهِمَّتِي وَهِيَ الْفَاتِرَةُ مَعَ كَثْرَةِ الْغُمُومِ وَقِلَّةِ الْمَوَادِّ وَوَفْرَةِ الْهُمُومِ، وَنُدْرَةِ الْمَوَادِّ وَابْتِغَائِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَحُصُولَ رِضْوَانِهِ، وَالْفَوْزَ بِمُشَاهَدَةِ ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ فِي أَعَالِي جَنَّاتِهِ وَأَرْجُو مِنْ جَزِيلِ كَرَمِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عُمْدَةً وَذَخِيرَةً لِي وَلِإِخْوَانِي فِي اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَائِلًا مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَمَّا كَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُغْنِيًا فِي بَابِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ طَاوِيًا شُقَّةَ الْمَشَقَّةِ فِي طَلَبِ الْمَسَائِلِ الْمُحَرَّرَةِ مُوَفِّرًا الْعَائِدَةَ عِنْدَ أُولِي النُّهَى، وَالتَّبْصِرَةِ مُوفِي الْفَائِدَةَ لَدَى ذِي التُّقَى، وَالْبَصَائِرِ النَّيِّرَةِ (سَمِيَّةُ غُنْيَةَ ذَوِي الْأَحْكَامِ فِي بُغْيَةِ دُرَرِ الْأَحْكَامِ) وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ ذِي الْجَلَالِ، وَالْإِكْرَامِ وَأَنْ يُوَفِّقَ لِلْإِتْمَامِ وَيُيَسِّرَ لِلِاخْتِتَامِ رَبَّنَا عَلَيْك تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْك أَنَبْنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ أَنْتَ مَوْلَانَا فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ الْمَصِيرُ.

[كتاب الطهارة]

أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ لِي لَمْ يَكُنْ إلَّا مِنْ آثَارِ تَخْلِيصِهِ إيَّايَ مِنْ تِلْكَ الْمَوَانِعِ مَحْضًا وَإِلَيْهِ أَتَضَرَّعُ أَنْ يَقْبَلَ بِفَضْلِهِ دَعْوَتِي وَيُطْفِئَ بِسِجَالِ زُلَالِ لُطْفِهِ لَوْعَتِي إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِإِجَابَةِ رَجَاءِ الْمُؤَمِّلِينَ جَدِيرٌ. (كِتَابُ الطَّهَارَةِ) الْكِتَابُ لُغَةً إمَّا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ سُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَاللِّبَاسِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ وَاصْطِلَاحًا مَسَائِلُ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً شَمَلَتْ أَنْوَاعًا أَوْ لَا، وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا، وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ وَخِلَافُهَا الدَّنَسُ وَشَرْعًا النَّظَافَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُتَنَوِّعَةُ إلَى وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا وَحَّدَهَا لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَنْ جَمَعَهَا قَصَدَ التَّصْرِيحَ بِهِ. (فَرْضُ الْوُضُوءِ) الْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَشَرْعًا غَسْلُ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَالْفَرْضُ لُغَةً الْقَطْعُ وَالتَّقْدِيرُ وَشَرْعًا حُكْمٌ لَزِمَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَحُكْمُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ تَارِكُهُ بِلَا عُذْرٍ وَيَكْفُرَ جَاحِدُهُ، وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَالْوَتْرِ يَفُوتُ بِفَوْتِهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِلْمُتَذَكِّرِ لَهُ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى فَرْضًا اعْتِقَادِيًّا، وَالثَّانِي فَرْضًا عَمَلِيًّا، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِثُبُوتِهِ بِالتَّوَاتُرِ فَإِنْ قِيلَ آيَةُ الْوُضُوءِ مَدَنِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [أَحْكَام الْوُضُوء] [فَرَائِض الْوُضُوء] (كِتَابُ الطَّهَارَةِ) (قَوْلُهُ: وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ) أَقُولُ فَلِذَا اُخْتِيرَ عَلَى الْبَابِ لِقَصْدِ جَمْعِ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ وَإِطْلَاقُهُ أَيْ الْكِتَابِ عَلَى ضَمِّ الْحُرُوفِ إلَى بَعْضٍ عُرْفٌ، وَالضَّمُّ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ مِنْ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ (قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا مَسَائِلُ) كَالْجِنْسِ وَقَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٌ أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ تَبَعِيَّةِ غَيْرِهَا إيَّاهَا لِيَدْخُلَ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِكِتَابِ الصَّلَاةِ وَيَدْخُلُ كِتَابُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ اُعْتُبِرَا مُسْتَقِلَّيْنِ أَمَّا الطَّهَارَةُ فَلِكَوْنِهِ الْمِفْتَاحَ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِقْلَالِ قَدْ يَكُونُ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ غَيْرِهِ ذَاتًا كَاللُّقَطَةِ عَنْ الْآبِقِ أَوْ لِمَعْنًى يُوَرِّثُ ذَلِكَ كَالصَّرْفِ عَنْ الْبَيْعِ، وَالرَّضَاعِ عَنْ النِّكَاحِ، وَالطَّهَارَةِ عَنْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: شَمَلَتْ أَنْوَاعًا. . . إلَخْ) لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكِتَابُ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحِكَمِ كُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بَابًا كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةِ نُورِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ) أَقُولُ، وَالنَّزَاهَةُ، وَالْخُلُوصُ عَنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةٌ أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ يُقَالُ تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ وَهُمْ قَوْمٌ مُتَطَهِّرُونَ مُتَنَزِّهُونَ عَنْ الْأَدْنَاسِ، وَالْآثَامِ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا النَّظَافَةُ الْمَخْصُوصَةُ إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ شَرْعًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَثْبُتُ عِنْدَهَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِذْنُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا لَوْلَاهَا كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ. وَثَانِيهَا: فِي الْفِعْلِ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ كَالْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَثَالِثُهَا: فِي نَفْسِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ نَحْوُ طَهَارَةِ الْمَاءِ دُونَ نَجَاسَتِهِ وَكَالِاخْتِلَافِ فِي طَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَنَجَاسَتِهِ وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي قِيلَ فِي تَعْرِيفِهَا شَرْعًا فِعْلُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ الْبَدَنِ، وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ شَرْطِ الطَّهَارَةِ وَرُكْنِهَا وَسَبَبِهَا وَحُكْمِهَا فَنَقُولُ: أَمَّا شَرْطُهَا مُطْلَقًا فَأَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: شَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ، وَشَرْطُ الصِّحَّةِ فَشَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وُجُودُ الْمُزِيلِ، وَالْمُزَالِ عَنْهُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ، وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْمُزِيلِ مَشْرُوعَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِهِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا التَّكْلِيفُ وَالْحَدَثُ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا صُدُورُ الْمُطَهِّرِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ زَوَالِ مَانِعِهِ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ وَفِي النَّجَسِ الْعَيْنِيِّ زَوَالُهُ وَفِي غَيْرِهِ غَسْلُهُ حَتَّى يَظُنَّ زَوَالَهُ. وَأَمَّا سَبَبُهَا فَاسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا وَهُوَ حُكْمُهَا الدُّنْيَوِيُّ، وَالثَّوَابُ وَلَيْسَ خَاصًّا بِهَا بَلْ كُلُّ عِبَادَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا الثَّوَابَ وَقَدْ جَمَعَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ شُرُوطَهَا لَكِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا هُوَ رُكْنٌ وَذَكَرَ فِيهَا مَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ كَذَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ نَظَمْتهَا مُجَامَلَةً مَعَ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ فَقُلْت شَرْطُ الْوُجُوبِ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ ... وَقُدْرَةُ الْمَاءِ وَالِاحْتِلَامُ وَحَدَثٌ وَنَفْيُ حَيْضٍ وَعَدَمْ ... نِفَاسِهَا وَضِيقُ وَقْتٍ قَدْ هَجَمْ وَشَرْطُ صِحَّةٍ عُمُومُ الْبَشَرَهْ ... بِمَائِهِ الطَّهُورِ ثُمَّ فِي الْمَرَهْ فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا وَأَنْ ... يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ عَنْ الْبَدَنْ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ) أَقُولُ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّظَافَةِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ وَالرَّمْزِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَمِنْ الْوَضَاءَةِ، وَالْحُسْنِ وَقَدْ وَضُؤَ يَوْضُؤُ وُضُوءًا فَهُوَ وَضِيءٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ، وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ فِيمَا جَاءَ عَلَى فَعُولٍ تَوَضَّأْت وَضُوءًا وَتَطَهَّرْت طَهُورًا وَقَبِلْته قَبُولًا اهـ. وَفِي الْمُغْرِبِ بِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ قَالَ الرَّاغِبُ دَخَلْت مِصْرًا فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَفْتَحُ وَاوَهُ مَعَ أَنَّ مَشَايِخَنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ لَمْ يَضُمَّهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِجَوَازِ الْوَجْهَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ لِنَظْمِ الْكَنْزِ 1 -

بِالِاتِّفَاقِ، وَالصَّلَاةُ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ إلَى حِينِ نُزُولِهَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ قَالَ مَا أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ» . وَلِمَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ «إذَا أَحْدَثَ امْتَنَعَ مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا» حَتَّى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ جَوَابَ السُّؤَالِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ إلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْوُضُوءُ بِالْوَحْيِ الْغَيْرِ الْمَتْلُوِّ أَوْ الْأَخْذِ مِنْ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» فَإِنْ قِيلَ إذَا ثَبَتَ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ قُلْنَا لَعَلَّهَا لِتَقْرِيرِ أَمْرِ الْوُضُوءِ وَتَثْبِيتِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَهْتَمَّ الْأُمَّةُ بِشَأْنِهِ وَيَتَسَاهَلُونَ فِي مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُلِّ زَمَنٍ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ وَأَيْضًا إذَا وَرَدَ فِيهِ الْوَحْيُ الْمَتْلُوُّ يَتَأَتَّى اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ (غَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً) لِأَنَّ أَمْرَ فَاغْسِلُوا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ (وَهُوَ) أَيْ الْوَجْهُ (مَا بَيْنَ مَنْبِتِ الشَّعْرِ غَالِبًا) هَذَا الْقَيْدُ يُخْرِجُ النَّزَعَتَيْنِ وَهُمَا جَانِبَا الْجَبْهَةِ يَنْحَسِرُ الشَّعْرُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْبِتِ الشَّعْرِ: مَحَلُّ نَبَاتِهِ غَالِبًا سَوَاءٌ نَبَتَ أَوْ لَا. (وَ) بَيْنَ (أَسْفَلِ الذَّقَنِ، وَالْأُذُنَيْنِ) وَبِهِ يَتِمُّ تَحْدِيدُ الْوَجْهِ بِحَسَبِ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَلَمَّا اقْتَضَى هَذَا التَّحْدِيدُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلَ الْوَجْهِ أَنْ يَجِبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ) أَقُولُ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ، وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُبُوتُ الْوُضُوءِ مِنْ لَازِمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمَسْحُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَدْ أَثْبَتُوا الْوُضُوءَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَكِنَّهُمْ أَنْكَرُوا بَقَاءَ جَوَازِ بَقَاءِ الْمَسْحِ بَعْدَ النُّزُولِ لِظَنِّ نَسْخِهِ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ فَأَثْبَتَ الْمَاسِحُ بَقَاءَهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا أَسْلَمْت بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَمَحَلُّ هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى بَقَاءِ جَوَازِ الْمَسْحِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ، وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْوُضُوءِ قَبْلَ نُزُولِ آيَتِهِ دِرَايَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَفْرُوضًا وَمَنْقُولُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فُرِضَ بِمَكَّةَ وَنَزَلَتْ آيَتُهُ بِالْمَدِينَةِ وَزَعَمَ ابْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَنْدُوبًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ هَذَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ جَابِرٍ صَوَابُهُ عَنْ جَرِيرٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَلَفْظُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَإِسْحَاقُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ «بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ نَعَمْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» . قَالَ الْأَعْمَشُ قَالَ إبْرَاهِيمُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ. وَقَالَ شَارِحُهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِمَا - قَوْلُهُ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] فَلَوْ كَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتَمَلَ كَوْنُ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إسْلَامُهُ مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ، وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُخَصَّصَةً لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا سَمِعْت فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ. قُلْت وَإِمَامُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى بِعَامٍ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَسْلَمَ مَعَ النَّفَرِ السِّتَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعُدُّ مِنْ النَّفَرِ السِّتَّةِ عُتْبَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ النِّبْرَاسِ عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْوَجْهِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ غَسَلْته غَسْلًا وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ أَيْ غَسْلُ الْبَدَنِ، وَالْمَاءُ الَّذِي يَغْتَسِلُ بِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِ، وَالْغَسْلُ إسَالَةُ الْمَاءِ بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَعَدُّدِ الْقَطَرَاتِ لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَلَوْ قَطْرَةً عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ الْمَحَلُّ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ وَلَا يَغْسِلُ دَاخِلَ الْعَيْنِ بِالْمَاءِ وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ، وَقِيلَ إنْ غَمَّضَ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَلَوْ تَرَمَّصَتْ عَيْنُهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ

عَلَى الْمُلْتَحِي الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ مَا تَحْتَ الْعِذَارِ، وَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ، وَاللِّحْيَةِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفَنِّ مَشْحُونَةٌ بِأَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا لَا يَجِبُ أَرَادَ دَفْعَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْعِذَارُ) . . . إلَخْ عِذَارُ اللِّحْيَةِ جَانِبَاهَا اُسْتُعِيرَا مِنْ عِذَارَى الدَّابَّةِ وَهُمَا عَلَى خَدَّيْهَا مِنْ اللِّجَامِ (لَا يُسْقِطُ حُكْمَ مَا وَرَاءَهُ) وَهُوَ الْبَيَاضُ بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ يُسَمَّى الْعَارِضَ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ غَسْلِهِ فَإِنَّ الْعِذَارَ لَا يُسْقِطُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (بَلْ يَنْقُلُ حُكْمَ مَا تَحْتَهُ) وَهُوَ وُجُوبُ الْغَسْلِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعِذَارِ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُ (كَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ) حَيْثُ يَنْقُلَانِ حُكْمَ مَا تَحْتَهُمَا إلَيْهِمَا حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُمَا وَلَا يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُمَا (وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ) أَيْ حُكْمَ مَا تَحْتَهَا (إلَى مَلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ اللِّحْيَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى (أَوْ) لَا تَنْقُلُهُ بَلْ (تُبَدِّلُهُ بِمَسْحِهِ) أَيْ مَسْحِ مَلَاقِي الْبَشَرَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ: وَفِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسْحُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ فَرْضٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ (أَوْ مَسْحِ رُبْعِهِ) أَيْ رُبْعِ الْمَلَاقِي وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ تَحْدِيدِ الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ غَسَلَ جَمِيعَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَحِيًا لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ إنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ خِلَافًا لَهُ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ اسْتَتَرَ بِالْحَائِلِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْحَائِلِ كَبَشَرَةِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ: وَالْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ، وَالْأُذُنِ يَجِبُ غَسْلُهُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ بِخِلَافِ مَحَلِّ الْعِذَارِ لِأَنَّهُ اسْتَتَرَ بِشَعْرٍ نَبَتَ عَلَيْهِ فَقَامَ مَقَامَهُ (وَالْيَدَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى الْوَجْهِ (فُرَادَى) وَكَيْفِيَّتُهُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ مَذْهَبٌ لِأَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْبَحْرِ، وَالْبُرْهَانِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ وَظَاهِرُ النُّقُولِ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يُخْرِجُ أَبُو يُوسُفَ مَا وَرَاءَ الْعِذَارِ. (قَوْلُهُ: كَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ. . . إلَخْ) أَقُولُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا إنَّ الْمُفْتَى بِهِ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ أَيْ الشَّارِبِ كَالْحَاجِبَيْنِ وَعَدَّ فِي التَّجْنِيسِ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى مَنَابِتِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ، وَالشَّارِبِ مِنْ الْآدَابِ مُطْلَقًا اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَقَّالِيِّ لَوْ قَصَّ الشَّارِبَ لَا يَجِبُ تَخْلِيلُهُ وَإِنْ طَالَ يَجِبُ تَخْلِيلُهُ اهـ. وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَيَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةٍ لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ فِي الْمُخْتَارِ لِبَقَاءِ الْمُوَاجَهَةِ بِهَا وَعَدَمِ عُسْرِ غَسْلِهَا وَقِيلَ يَسْقُطُ لِانْعِدَامِ الْمُوَاجَهَةِ الْكَامِلَةِ بِالنَّبَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ) أَيْ حُكْمَ مَا تَحْتَهَا إلَى مُلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا. . . إلَخْ الْمُرَادُ بِحُكْمِ مَا تَحْتَهَا لُزُومُ غَسْلِهِ فَتَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَأَطْلَقَ اللِّحْيَةَ فَشَمَلَ الْكَثِيفَةَ وَغَيْرَهَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ مَعَ زِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَحْدُودُ مِنْ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهُ قَبْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ، وَإِذَا نَبَتَ سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا يَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يَسْقُطُ اهـ. وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا التَّفْصِيلُ فَصَارَ مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ) أَيْ نَقْلُ اللِّحْيَةِ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا إلَى جَمِيعِ ظَاهِرِهَا وَهِيَ كَثِيفَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَالنَّقْلُ إلَيْهَا أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِثُلُثِهَا أَوْ رُبْعِهَا غَسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَسْحِ الْكُلِّ مَتْرُوكٌ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ إنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً) قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ) قَدْ عَلِمْتَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ فِيهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَالْيَدَيْنِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ: فَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ عَلَى الْمَنْكِبِ فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ يَجِبُ غَسْلُهَا، وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ فَمَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ يَجِبُ غَسْلُهُ وَمَا لَا فَلَا وَيُنْدَبُ وَكَذَا مَا تَرَكَّبَ فِي الْيَدِ مِنْ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَكَفٍّ وَسِلْعَةٍ، وَالزَّائِدُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ كَالْيَدَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: فُرَادَى) أَقُولُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِمَا مُنْفَرِدَتَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَعَلَى مَا قَالَهُ يَتَقَيَّدُ بِمَا ذَكَرَهُ وَحُذِفَ فِي الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَحَمْلُ لَفْظَةِ فُرَادَى عَلَى إرَادَةِ أَفْرَادِ الْغَسْلِ يَأْبَاهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ مَرَّةً (قَوْلُهُ: وَكَيْفِيَّتُهُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْكَافِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَعْنِي فِي بَيَانِ الْفَرَائِضِ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ مَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْوُضُوءِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَالْعِبَارَةُ نَاطِقَةٌ بِمَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا فِي الْغَسْلِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ: وَيَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا. . . إلَخْ لِأَنَّ الشَّخْصَ وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَلَا يَتَيَقَّنُ نَجَاسَةً عَلَى يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهَا ثَلَاثًا بِتَوَهُّمِ إصَابَتِهَا مَحَلًّا نَجِسًا بَلْ هُوَ مَسْنُونٌ احْتِيَاطًا فَكَانَ يَنْبَغِي اقْتِفَاءُ أَثَرِ

يَأْخُذَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ وَيَصُبَّ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْخُذَهُ بِيَمِينِهِ وَيَصُبَّ عَلَى الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا وَمَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ وَإِلَّا يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً فِي الْإِنَاءِ وَيَصُبُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَيُدَلِّكُ الْأَصَابِعَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُدْخِلُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى وَوَجْهَهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ نَقْلَ الْبَلَّةِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ وَجَازَ فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مُخْتَلِفَةٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُرْفًا فَلِأَنَّهَا لَا تُغْسَلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعُضْوٍ وَاحِدٍ حُكْمًا نَظَرًا إلَى الدُّخُولِ تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ فَتَعَارَضَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ الِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ فَتَرَجَّحَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ بِالْعُرْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْغُسْلُ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِيهِ مُتَّحِدَةٌ حُكْمًا وَعُرْفًا فَتَرَجَّحَ الِاتِّحَادُ الْحُكْمِيُّ بِالْعُرْفِ وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ مَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى الصَّبِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّيْهِ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ بِالْمِيَاهِ الَّتِي صُبَّتْ عَلَى الْكَفِّ الْيُمْنَى كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَإِنَّ فِيهِ تَرْجِيحًا لِعَادَةِ الْعَوَامّ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ (مَرَّةً) لِمَا مَرَّ (بِالْمِرْفَقَيْنِ) وَهُوَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَضُدِ، وَالذِّرَاعِ (وَالرِّجْلَيْنِ مَرَّةً بِالْكَعْبَيْنِ) وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ الْمُتَّصِلُ بِعَظْمِ السَّاقِ مِنْ طَرَفَيْ الْقَدَمِ لَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ رِجْلٍ وَاحِدٌ كَالْمِرْفَقِ فِي الْيَدِ وَقَدْ ثَنَّى الْكَعْبَ فِي الْآيَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلْعُدُولِ إلَى التَّثْنِيَةِ فَائِدَةٌ، فَإِنْ قِيلَ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي الْآيَةِ تَقْتَضِي كَوْنَ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ غَسْلَ يَدٍ وَرِجْلٍ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ غَسْلُ الْأُخْرَى بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ لَا الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ الْجَرِّ فِي أَرْجُلِكُمْ مُتَوَاتِرَةٌ أَيْضًا فَمُقْتَضَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ إمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ، وَالْمَسْحِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ حَمْلُ النَّصْبِ عَلَى حَالَةِ التَّحَفِّي، وَالْجَرِّ عَلَى حَالَةِ التَّخَفُّفِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ قُلْنَا قِرَاءَةُ الْجَرِّ ظَاهِرُهَا مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ لَمْ يَجْعَلْهُ مُغَيَّا بِالْكَعْبَيْنِ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالْوَعِيدِ عَلَى التَّرْكِ فَكَانَ هَذَا أَوْفَقَ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَأَوْفَى بِتَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْوُضُوءِ وَأَقْرَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِمَا فِي الْغَسْلِ مِنْ الْمَسْحِ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ كَمَا فِي {عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84] ، وَجُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، وَذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَنَظِيرُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَغْسُولِ، وَفَائِدَةُ صُورَةِ الْجَرِّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا وَيُغْسَلَا غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ، لَا يُقَالُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ لَمْ يَجِئْ مَعَ الِالْتِبَاسِ وَهَاهُنَا مُلْتَبِسٌ لِأَنَّا نَقُولُ ضَرْبُ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ رَفْعُ الِالْتِبَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ (، وَالدَّرَنُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ الْوَسَخُ الْحَاصِلُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (وَالْوَنِيمُ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الذُّبَابِ أَوْ الْبُرْغُوثِ (وَالْحِنَّاءُ) أَيْ لَوْنُهُ إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ (لَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ كَالطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ) وُضُوءًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَافِي بِوَضْعِ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ الْكَفَّ فَإِنْ أَدْخَلَهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُبْتَغَى وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لِلِاغْتِرَافِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ وَكَذَا إذَا وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْجُبِّ وَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لِإِخْرَاجِ الْكُوزِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَكَذَا الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ لِيَطْلُبَ الدَّلْوَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ اهـ. وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُكْرَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَمَاءٍ وَضَعَ صَبِيٌّ فِيهِ يَدَهُ اهـ. كَلَامُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لِمَا قَالُوا يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ الْإِنَاءَ قَبْلَ الْغَسْلِ لِحَدِيثِ نَهْيِ الْمُسْتَيْقِظِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى وِجْدَانِ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ ذَكَرَ الْحَمْلَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاغْتِرَافِ لَا بِثَوْبِهِ وَلَا بِفَمِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ (قَوْلُهُ: تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ دُونَ مَسْحِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ أَيْضًا تَضَمَّنَ الْأَمْرُ خِطَابَيْنِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ (قَوْلُهُ: بِالْمِرْفَقَيْنِ) الْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَفِيهِ الْقَلْبُ مُلْتَقَى عَظْمَاتِ الْعَضُدِ وَالذِّرَاعِ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ فَرْضِيَّةِ غَسْلِ الرِّجْلِ الْأُخْرَى كَمَا فِي الْمَضْمَضَةِ نُقِلَتْ مُتَوَاتِرًا عَنْ الرَّسُولِ وَلَيْسَتْ فَرْضًا (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَصَدَ فِي الْأَمْرِ قَصْدًا تَوَسَّطَهُ وَطَلَبَ الْأَسَدَّ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ (قَوْلُهُ: إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ) شَأْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى حُكْمِهِ فَيُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِ الطِّينِ وُصُولَ الْمَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَقِيبَ هَذَا أَنَّ الطِّينَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيُفِيدُ أَنَّ جِرْمَ الْحِنَّاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا فِي الطِّينِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحِنَّاءِ خِلَافًا

[سنن الوضوء]

كَانَ أَوْ غُسْلًا لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ (وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ وَالطِّينِ) بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَنْعِ نُفُوذِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ (وَالْخَاتَمُ) الضَّيِّقُ (يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ) لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَوْضِعِ الْحَلْقَةِ (وَمَسْحُ) عَطْفٌ عَلَى غَسْلِ (رُبْعِ الرَّأْسِ) (مَرَّةً) فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَالْكَرْخِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْ بَاقٍ بَعْدَ غَسْلِ عُضْوٍ لَا مَسْحِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ) الْمَاءُ (لَا مَأْخُوذٍ) عَطْفٌ عَلَى بَاقٍ أَيْ لَا بِمَاءٍ أُخِذَ (مِنْ عُضْوٍ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا (وَلَا يُعَادُ) الْمَسْحُ (بِحَلْقِ الرَّأْسِ كَمَا لَا يُعَادُ الْغَسْلُ بِحَلْقِ الْحَاجِبِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَقَلْمِ الظُّفْرِ) (وَسُنَنُهُ) وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالْمُسْتَحَبُّ مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ (الْبَدْءُ بِالنِّيَّةِ) أَيْ قَصْدِ الْقَلْبِ بِالْوُضُوءِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ. (وَ) الْبَدْءُ (بِالتَّسْمِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْوُضُوءِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَاخْتِيرَ كَوْنُهَا سُنَّةً وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّ السُّنِّيَّةَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَصَاحِبِ الْكَافِي. (قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ) لِأَنَّهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوُضُوءِ (وَبَعْدَهُ) لِأَنَّهُ حَالُ مُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ احْتِيَاطًا لِأَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَعْدَهُ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لَكِنْ لَا حَالَ الِانْكِشَافِ. (وَ) الْبَدْءُ (بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ) سَوَاءٌ اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ أَوْ لَا (وَهُوَ يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ) فَلَا يَلْزَمُ إعَادَتُهُ إذَا غَسَلَ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (السِّوَاكُ) وَهُوَ يَجِيءُ بِمَعْنَى الشَّجَرَةِ الَّتِي يَسْتَاكُ بِهَا وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ (بِيُمْنَاهُ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُتَوَارَثُ (كَيْفَ شَاءَ) أَيْ يَبْدَأُ مِنْ الْأَسْنَانِ الْعُلْيَا أَوْ السُّفْلَى مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ طُولًا أَوْ عَرْضًا أَوْ بِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ، وَالطِّينِ) أَقُولُ جَزَمَ فِي الْبُرْهَانِ بِوُجُوبِ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ الطِّينِ، وَالْعَجِينِ عَلَى الْقَلِيلِ الرَّطْبِ وَاخْتُلِفَ فِي التُّرَابِ فَقِيلَ يُمْنَعُ لِظَاهِرِ حَيْلُولَتِهِ وَقِيلَ لَا لِعَدَمِ لُزُوجَتِهِ اهـ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْفَتْوَى: دَهَنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَاءُ لِلدُّسُومَةِ جَازَ لِوُجُودِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْخَاتَمُ الضَّيِّقُ يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ) أَقُولُ هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي مِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا رِوَايَةً وَدِرَايَةً: مَسْحُ الرُّبْعِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَسْحِ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ فَهِيَ غَيْرُ الْمَنْصُورِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وَإِنْ صَحَّتْ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ. وَلَا يَجُوزُ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ وَمَدَّ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ قَدْرَ الرُّبْعِ أَمَّا لَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَوَضَعَهَا ثُمَّ مَدَّهَا حَتَّى اسْتَوْعَبَ الرُّبْعَ صَحَّ الْمَسْحُ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ وَالْأُصْبُعَانِ مِنْهَا لَا تُسَمَّى يَدًا بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا وَتَمَامُ التَّوْجِيهِ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْمَسْحِ مَا فَوْقَ الْأُذُنِ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى طَرَفِ ذُؤَابَةٍ شُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَجُزْ. اهـ. [سُنَن الْوُضُوء] (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا) فِي التَّعْبِيرِ بِالْجَمْعِ تَسَامُحٌ (قَوْلُهُ: مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ) عَرَّفَهُ بِالْحُكْمِ وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: الْبَدْءُ بِالنِّيَّةِ) أَقُولُ: وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي غَيْرِ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ التَّوَضُّؤِ بِالنَّبِيذِ مِنْهُ أَمَّا فِيهِمَا فَهِيَ شَرْطٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَالْبَدْءُ بِالتَّسْمِيَةِ) مُرَاعَاةُ اسْتِحْبَابِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ يُفَوِّتُ الْبَدْءَ بِالتَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ إضَافِيًّا (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ لَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذَكَرَ عَلَى صِيغَةِ الْحَصْرِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَقِيلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ الْأَفْضَلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ قَاضِي خَانْ وَكَذَا يَغْسِلُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِيُمْنَاهُ) أَقُولُ إمْسَاكُ السِّوَاكِ بِالْيُمْنَى مُسْتَحَبٌّ، وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ تَجْعَلَ الْخِنْصَرَ مِنْ يَمِينِك أَسْفَلَ السِّوَاكِ تَحْتَهُ، وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى، وَالسَّبَّابَةَ فَوْقَهُ وَاجْعَلْ الْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ تَحْتَهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا تَقْبِضْ الْقَبْضَةَ عَلَى السِّوَاكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوَرِّثُ الْبَاسُورَ. (قَوْلُهُ: كَيْفَ شَاءَ. . . إلَخْ) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ الْقُونَوِيُّ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا لِأَنَّهُ يَجْرَحُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ الْأَسْنَانِ وَأَسَافِلَهَا، وَالْحَنَكَ وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فِي الْأَعَالِي وَثَلَاثٌ فِي الْأَسَافِلِ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ عُقَدٍ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَطُولَ شِبْرٍ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ الْمَعْرُوفَةِ. وَيُكْرَهُ الِاسْتِيَاكُ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ كِبَرَ الطِّحَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ الْفَارِضِيُّ فِي حَاشِيَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: مِنْ فَضَائِلِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يُبَطِّئُ بِالشَّيْبِ وَيَحُدُّ الْبَصَرَ وَأَحْسَنُهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الصِّرَاطِ، وَمِنْ آدَابِهِ: أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى شِبْرٍ وَلَا يُوضَعُ مُنْبَسِطًا عَلَى الْأَرْضِ بَلْ قَائِمًا وَيُكْرَهُ فِي الْخَلَاءِ اهـ.

[مستحبات الوضوء]

(وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْخُلْفِ. (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (غَسْلُ الْفَمِ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهِ (وَالْأَنْفِ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَارِنَ (بِمِيَاهٍ) جَدِيدَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) وَهِيَ فِي الْأَوَّلِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى رَأْسِ حَلْقِهِ وَفِي الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَ الْمَارِنَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (إلَّا صَائِمًا) لِأَنَّ فِيهَا احْتِمَالَ انْتِقَاضِهِ. (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ فِي خِلَالِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْأَسْفَلِ إلَى الْأَعْلَى بَعْدَ التَّثْلِيثِ. (وَ) تَخْلِيلُ (الْأَصَابِعِ) مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلَيْنِ بَعْدَ التَّثْلِيثِ، وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْيَدَيْنِ أَنْ يُشَبِّكَ بَيْنَهُمَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى فَيَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَسْفَلِ (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (تَثْلِيثُ الْغَسْلِ) لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَغْسُولَاتِ (وَمَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ مَرَّةً) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ تَأْخِيرُهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ: وَأَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا (وَ) مَسْحُ (الْأُذُنَيْنِ) دَاخِلِهِمَا بِسَبَّابَتَيْهِ وَخَارِجِهِمَا بِإِبْهَامَيْهِ (بِمَائِهِ) أَيْ الرَّأْسِ (وَالتَّرْتِيبُ) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ (وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ عَلَى التَّعَاقُبِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْعُضْوُ الْأَوَّلُ فِي اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ. (وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) أَيْ الشُّرُوعُ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ (وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ لَا الْحُلْقُومِ) فَإِنَّ مَسْحَهُ بِدْعَةٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (وَمِنْ آدَابِهِ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا لِأَنَّ لَهُ آدَابًا أُخْرَى ذُكِرَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) عِنْدَ الْوُضُوءِ (وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ) أَقُولُ هِيَ كَفَقْدِ أَسْنَانِهِ أَوْ فَقْدِ السِّوَاكِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ لَا عِنْدَ الْوُجُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَالْعِلْكُ يَقُومُ مَقَامَهُ لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ) اخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِهِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلِاخْتِصَارِ وَإِلَّا فَهُمَا أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ اهـ. وَقَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَيْسَتْ غَسْلَ الْفَمِ وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ لَيْسَ غَسْلَ الْأَنْفِ بَلْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجِّهِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي فَضْلِ الْجَنَائِزِ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَنْ بَدَّلَهَا بِغَسْلِ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ لَمْ يُصِبْ اهـ. قُلْت يَظْهَرُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَجَّ مِنْ شَرْطِ الْمَضْمَضَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ اهـ. وَلِذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ التَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ، وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوْلَى مِنْ الْغَسْلِ لِمَا فِي الْمَضْمَضَةِ مِنْ مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ الْغَسْلِ وَهُوَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ مِنْ جَذْبِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ لِتَحْصُلَ الْمُبَالَغَةُ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ لِحَدِيثِ: بَالِغْ «إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» وَذَلِكَ بِالْغَرْغَرَةِ، وَالِاسْتِنْثَارِ وَلَوْ بَلَعَهُ أَجْزَأَ إذْ الْمَجُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ كَذَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيُّ (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ) أَقُولُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِغَسْلِ الْفَمِ، وَالْأَنْفِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِكُلِّ غَسْلَةٍ مِنْ تَثْلِيثِ غَسْلِهِمَا وَلَوْ أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ جَازَ وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِيهِ فِي السُّنَّةِ أَوْ الْفَرْضِ فِي الْجَنَابَةِ، وَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ فَمُرَادُهُ أَصْلُ سُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَمَنْ نَفَاهُ أَرَادَ السُّنَّةَ فِيهَا أَيْ تَجْدِيدَ الْمِيَاهِ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) أَقُولُ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْرِمِ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ فِي الْأَصَابِعِ دُونَ اللِّحْيَةِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يُفَضِّلَانِهِ وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي الْقُنْيَةِ كَذَا وَرَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) أَقُولُ لَكِنَّ الْأُولَى فَرْضٌ، وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ، وَالثَّالِثَةَ إكْمَالُ السُّنَّةِ، وَقِيلَ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْأُذُنَيْنِ بِمَائِهِ) أَيْ الرَّأْسِ قُلْت لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ، قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَلَوْ بِمَائِهِ أَيْ الرَّأْسِ. [مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء] (قَوْلُهُ: وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ) يَعْنِي فِي الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عُضْوَانِ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ أَقْطَعَ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ، وَبِالْخَدِّ الْأَيْمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) أَقُولُ جَعَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ مَسْنُونًا فِي الْبُرْهَانِ وَضَعَّفَ اسْتِحْبَابَهُ، فَقَالَ وَسُنَّ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ وَرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الرَّقَبَةِ وَقِيلَ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ مُسْتَحَبَّاتٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ) جَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمَوَاهِبِ مِنْ السُّنَنِ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ سُنَّةً فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ اهـ. وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ

[مكروهات الوضوء]

الْمَعْذُورِ) فَإِنَّ وُضُوءَ الْمَعْذُورِ قَبْلَ الْوَقْتِ يَنْتَقِضُ عِنْدَ زُفَرَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَالْأَحْوَطُ لَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُ (وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ، وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ) احْتِرَازًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ كَمَا مَرَّ، وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ) مِنْ الْأَدْعِيَةِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَارْزُقْنِي مِنْ نَعِيمِهَا وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ أَعْتِقْ عُنُقِي مِنْ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (وَأَنْ يَقُولَ) بَعْدَهُ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ وَأَنْ يَشْرَبَ) بَعْدَهُ (مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا) قَالُوا لَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْمَاءِ قَائِمًا إلَّا هَاهُنَا وَعِنْدَ زَمْزَمَ. وَمَكْرُوهُهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَالْإِسْرَافُ فِيهِ (وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ التَّثْلِيثَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا بَأْسَ بِهِ (وَبِمِيَاهٍ بِدْعَةٌ) . (وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِالْكَسْرِ مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا (مِنْهُ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (إلَى مَا يَطْهُرُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ) أَقُولُ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ: لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ» (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ) يَعْنِي مَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ يَخَافُ فَوْتَهَا بِتَرْكِهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ) لَفْظَةُ " غَسْلٍ " سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ التَّسْمِيَةَ فِي الْمَمْسُوحِ وَعَلَى ثُبُوتِهَا تُسْتَفَادُ بِالتَّغْلِيبِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ مِنْ الْأَدْعِيَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَدْعِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَا أَصْلَ لَهَا وَاَلَّذِي ثَبَتَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ التَّوْشِيحِ كَذَا فِي الْبَحْرِ قُلْت قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّهُ فَاتَ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ أَنَّهُ أَيْ دُعَاءُ الْأَعْضَاءِ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ فِي تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَفْيُ الْمُصَنِّفِ أَصْلَهُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ الصِّحَّةِ أَمَّا بِاعْتِبَارِ وُرُودِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حِينَئِذٍ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَدَمُ شِدَّةِ ضَعْفِهِ وَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ وَأَنْ لَا تُعْتَقَدَ سُنِّيَّةُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى آخِرِهِ) هَذَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ: بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى آخِرِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا) قِيلَ وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا. [مَكْرُوهَات الْوُضُوء] (قَوْلُهُ: وَالْإِسْرَافُ فِيهِ) أَقُولُ وَكَذَا التَّقْتِيرُ لِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ (تَنْبِيهٌ) : الْوُضُوءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْدِثِ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا وَلِجِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ، وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ، وَمَنْدُوبٌ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْهُ وَلِلْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ وَلِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ، وَبَعْدَ غِيبَةٍ وَكَذِبٍ، وَنَمِيمَةٍ، وَإِنْشَادِ شِعْرٍ وَقَهْقَهَةٍ أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَغَسْلِ مَيِّتٍ وَحَمْلِهِ وَلِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ، وَقَبْلَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلِلْجُنُبِ عِنْدَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَوَطْءٍ، وَلِغَضَبٍ وَقُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَرِوَايَتِهِ، وَدِرَاسَةِ عِلْمٍ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلِخُطْبَةٍ، وَزِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُقُوفٍ وَسَعْيٍ وَأَكْلِ جَزُورٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ. [نَوَاقِض الْوُضُوء] (قَوْلُهُ: خُرُوجُ نَجَسٍ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ هُوَ النَّاقِصُ لَا عَيْنُ الْخَارِجِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَنْتَقِضُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَإِنْ قَلَّ قِيلَ الْمُرَادُ خُرُوجُ مَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ عِلَّةُ الِانْتِقَاضِ، وَهِيَ أَيْ الْعِلَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى، وَلِهَذَا قَالُوا الْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ النَّجَسُ الْخَارِجُ لَا خُرُوجُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ تَأْثِيرِ النَّجَسِ فِي النَّقْضِ مَعَ أَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ فَالنَّاقِضُ الْخَارِجُ النَّجَسُ، وَالْخُرُوجُ عِلَّةٌ لِتَحَقُّقِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ النَّجَاسَةُ فَإِضَافَةُ النَّقْضِ إلَى الْخُرُوجِ إضَافَةٌ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَتَأَيَّدَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَا الْحَدَثُ قَالَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْجِيمِ) أَقُولُ خَصَّ الْمَتْنَ هُنَا بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ النَّقْضَ بِمَا لَيْسَ بِطَاهِرٍ (قَوْلُهُ: إلَى مَا يَطْهُرُ أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ) أَقُولُ يَعْنِي أَوْ غَيْرِهِمَا لِيَبْقَى عُمُومُ مَا فَيَشْمَلُ مَسْأَلَةَ الْمُفْتَصِدِ الْآتِيَةَ

أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ قَوْلُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ يَتَنَاوَلُ خُرُوجَهُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَدُّ الْخُرُوجِ الِانْتِقَالُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالسَّيَلَانِ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَبَّرَ عَنْ الْخُرُوجِ بِالسَّيَلَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى رَأْسِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لِأَنَّ رَأْسَ السَّبِيلَيْنِ لَيْسَ مَكَانَ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَكَانِهَا إلَيْهَا فَعُرِفَ الِانْتِقَالُ بِالظُّهُورِ فَأُقِيمَ الظُّهُورُ مَقَامَ الْخُرُوجِ، وَحَدُّ السَّيَلَانِ أَنْ يَعْلُوَ فَيَنْحَدِرُ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَنْحَدِرْ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَكَانِهِ فَإِنَّ مَا يُوَازِي الدَّمَ مِنْ أَعَلَا الْجُرْحِ مَكَانُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَيْنُ السَّيَلَانِ وَيَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى مَا يَطْهُرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ مَا خَرَجَ لَا بِقَوْلِهِ سَالَ فَإِنَّهُ إذَا فُصِدَ وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ، وَسَالَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي الِانْتِقَاضِ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ بَلْ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ثُمَّ سَالَ فَإِنَّ السَّيَلَانَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ قَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّيَلَانُ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَضَعْفُ مَا قَالَ فَالْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ أَنْ يَقُولَ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَا يَطْهُرُ إنْ كَانَ نَجَسًا سَالَ لِأَنَّ مَبْنَاهَا كَوْنُ الْخُرُوجِ مُغَايِرًا لِلسَّيَلَانِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَالَ حَشْوًا بَعْدَ قَوْلِهِ خَرَجَ بَلْ الْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ مَا اخْتَرْنَاهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: خُرُوجُ نَجَسٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غُرِزَتْ إبْرَةٌ فَارْتَقَى الدَّمُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ لَكِنْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْفُوحٍ وَقَوْلُهُ: إلَى مَا يَظْهَرُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ وَعَمَّا إذَا كَانَ فِي عَيْنِهِ قُرْحَةٌ وَصَلَ دَمُهَا إلَى جَانِبٍ آخَرَ مِنْ عَيْنِهِ وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقِ مَارِنِ الْأَنْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَالَ إلَى الْمَارِنِ لِأَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ. (وَ) خُرُوجُ (رِيحٍ أَوْ دُودَةٍ أَوْ حَصَاةٍ مِنْ الدُّبُرِ) ذَكَرَ الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ مَعَ أَنَّهُ نَاقِضٌ لِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَذَكَرَ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ مَا مَعَهُمَا مِنْ النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ (لَا) خُرُوجُ رِيحٍ (مِنْ الْقُبُلِ، وَالذَّكَرِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ (وَلَا) خُرُوجُ (دُودَةٍ مِنْ الْجُرْحِ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ النَّجَسِ قَلِيلٌ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ (كَذَا) لَا يَنْقُضُ (لَحْمٌ سَقَطَ مِنْهُ) أَيْ الْجُرْحِ (وَمَلْءُ الْفَمِ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجٍ وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْ لِخَرَجَ، وَقِيلَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ (فِي قَيْءِ مِرَّةٍ) أَيْ صَفْرَاءَ (أَوْ عَلَقٍ) وَهُوَ لُغَةً دَمٌ مُنْعَقِدٌ لَكِنَّهُ هَاهُنَا سَوْدَاءُ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ (أَوْ) قَيْءُ (طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّ الْخُرُوجَ أَيْ خُرُوجَ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ ثُمَّ قَالَ وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا بِأَنَّ جَعْلَ الظَّاهِرِ الْغَالِبِ كَالْمُتَحَقِّقِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ فِيهِ الْأَصْلُ كَالسَّفَرِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ أَوْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ كَالْإِيلَاجِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْإِنْزَالِ وَأَمَّا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقَ مَارِنِ الْأَنْفِ) يَعْنِي أَقْصَاهُ لَا مَا قَرُبَ مِنْ الْأَرْنَبَةِ فَإِنَّ غَسْلَهُ مَسْنُونٌ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَ الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ مَا مَعَهُمَا مِنْ النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ) أَقُولُ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ وَالذَّكَرِ) أَقُولُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَدَثٌ مِنْ قُبُلِهَا قِيَاسًا عَلَى الدُّبُرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ قُبُلِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ إثْبَاتُ أَنَّهُ رِيحٌ فَيَكُونُ تَعْلِيلُ عَدَمِ نَقْضِهِ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ عَدَمَ نَقْضِهِ بِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ وَلَيْسَ بِرِيحٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ النَّجَسِ قَلِيلٌ) حُكْمٌ بِنَجَاسَةِ الْقَلِيلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْإِسْكَافُ أَخْذًا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ الدَّمِ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ كَمَا سَيَجِيءُ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَ نَجِسًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ) أَقُولُ، وَقِيلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْفَمَ وَقِيلَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إمْسَاكِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَيْءُ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ سَاعَةِ تَنَاوُلِهِ الطَّعَامَ، وَالْمَاءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا أَوْ مَاءً ثُمَّ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلْ وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا فَلَا يَكُونُ نَجِسًا وَكَذَا قَيْءُ الصَّبِيِّ سَاعَةَ ارْتِضَاعِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ: فِي شَرْحِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ لَيْسَ تَصْحِيحًا مَذْهَبِيًّا فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الصَّبَّاغِيُّ هُوَ الْمُخْتَارُ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ أَمَّا لَوْ قَاءَهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَهُوَ فِي الْمَرِيءِ فَإِنَّهُ

الْمُنْضَبِطِ الظَّاهِرِ فَلَا كَمَا فِي مَبْحَثِنَا فَإِنَّ خُرُوجَ الْقَيْءِ مِنْ الْفَمِ لَا يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ أُقِيمَ مِلْءُ الْفَمِ مَقَامَهُ كَيْفَ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ أَيْنَ حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ مُتَيَقَّنٌ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ قَوْلٌ مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ لِأَنَّهُ رَاجِعًا إلَى الْقَيْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجَسِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ. . . إلَخْ. دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ يَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لِأَنَّ النَّجَسَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ ظَاهِرًا لِأَنَّ هَذَا الْقَيْءَ لَيْسَ إلَّا مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ لِلنَّجَسِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ فَلَا يَسْتَصْحِبُهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَحَلُّ فَإِنَّ شُرَّاحَهُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحِلِّهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْحِلِّ (كَذَا) أَيْ كَمَا يَنْقُضُ مِلْءُ الْفَمِ فِيمَا ذَكَرَ يَنْقُضُ (دَمٌ) فِي قَيْئِهِ بِلَا شَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ لِظُهُورِ كَوْنِهِ نَجَسًا لِكَوْنِهِ مَائِعًا (وَقَيْحٌ وَلَوْ) كَانَا مَخْلُوطَيْنِ (بِبُزَاقٍ) لَكِنْ (غَلَبَاهُ أَوْ سَاوَيَاهُ) أَيْ الدَّمُ، وَالْقَيْحُ سَاوَيَا الْبُزَاقَ حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا. (، وَالْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لِلُزُوجَتِهِ لَا تُدَاخِلُهُ النَّجَاسَةُ (إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي صَاعِدٍ مَلَأَهُ) أَيْ الْفَمَ لِتَنَجُّسِهِ بِالْمُجَاوَرَةِ (وَإِنْ اخْتَلَطَ) الْبَلْغَمُ (بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) فَإِنْ غَلَبَ الطَّعَامُ وَمَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ وَإِنْ غَلَبَ الْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَ الْفَمَ. (وَالْمَجْلِسُ يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ) أَيْ الْقَيْءِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَالسَّبَبُ) يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) يَعْنِي لَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: أَقُولُ مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ " لِأَنَّهُ " رَاجِعًا إلَى الْقَيْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجِسِ) أَقُولُ هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى النَّجِسِ فَأُرِيدَ بِهِ نَجَسٌ خَاصٌّ أَوْ مَا يَعُمُّ الْقَيْءَ يُقَالُ إنَّ النَّجَسَ مُنْضَبِطُ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُجْعَلُ الْغَالِبُ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ فَالِاعْتِرَاضُ بَاقٍ، وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ أَيْ الْقَيْءَ الَّذِي يَمْلَأُ الْفَمَ يَخْرُجُ ظَاهِرًا أَيْ إلَى الْفَمِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ إذْ يَلْزَمُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَيُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ فَاعْتُبِرَ الْقَيْءُ خَارِجًا أَيْ فَعُدَّ خَارِجًا لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَيْئًا فَقَدْ اعْتَدَّ بِهِ أَيْ فَعُدَّ نَاقِضًا لِكَوْنِهِ نَجَسًا وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ أَيْنَ حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَمَ مِمَّا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مَا كَانَ بِالْبَاطِنِ مِنْ النَّجَسِ لِتَحَقُّقِهِ بِمِلْءِ الْفَمِ؛ لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ إنَّ الْخُرُوجَ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ أَيْ وَيَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ وَسَقَطَ أَيْضًا قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ مُتَيَقَّنٌ لِأَنَّ تَيَقُّنَ خُرُوجِ الْقَلِيلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِ نَجِسًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا إذَا مَلَأَ الْفَمَ فَكَانَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضًا لِلْعِلَّةِ قَوْلًا سَاقِطًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ النَّجَسُ الْمَوْصُوفُ بِالْخُرُوجِ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا مُطْلَقُ الْخَارِجِ فَالْعِلَّةُ ذَاتُ وَصْفَيْنِ. (قَوْلُهُ: كَذَا دَمٌ فِي قَيْئِهِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِشَيْءٍ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْقُضُ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ نَقَضَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا، قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ وَلَوْ كَانَ مَائِعًا نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا) قَالُوا عَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ، وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ فَيَنْظُرُ مَا يَعْلَمُ بِهِ حَالُ الْقَيْحِ. فَرْعٌ أَلْحَقُوا بِالْقَيْءِ مَاءً فِي فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ بِأَنْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي نَصْرٍ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ طَهَارَتَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجَسٌ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا،. وَفِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَطَ الْبَلْغَمُ بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ) قَدْ صَرَّحَ بِالنَّقْضِ إنْ غَلَبَ الطَّعَامُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَسَاوَيَا. وَقَالَ الْكَمَالُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ يَبْلُغُ مِلْءَ الْفَمِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الْبَلْغَمُ مَلَأَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ سَوَاءً لَا يَنْقُضُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي صَلَاةِ الْمُحْسِنِ قَالَ: الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ وَلَوْ اسْتَوَيَا يُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ وَعَجْزُ هَذَا أَوْلَى مِنْ عَجْزِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجَسٌ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْكَانِ كَالدَّمِ، وَالصَّفْرَاءِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِطَرَفِ كُمِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَقُولُ، وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَالْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: قَدْ نَقَلُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَسْأَلَةً اعْتَبَرَ فِيهَا مُحَمَّدٌ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ السَّبَبَ وَهِيَ نَزْعُ خَاتَمٍ مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ إنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ إعَادَتِهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهَا لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ

بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ صَارَ مِلْءَ الْفَمِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ الْفَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْغَثَيَانُ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ، فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ الْفَمِ بِغَثَيَانٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ. (وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ) مِنْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ (لَيْسَ بِنَجَسٍ) أَمَّا الْقَيْءُ فَلِمَا عَرَفْت أَنَّ قَلِيلَهُ يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الدَّمُ فَلِأَنَّ قَلِيلَهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا لِلْآيَةِ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا وَأَمَّا حُرْمَةُ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ بِنَاءً عَلَى حُرْمَةِ لَحْمِهِ فَلَا يُوجِبُ نَجَاسَةً إذْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِلْكَرَامَةِ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ يَكُونُ عَلَى طَهَارَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَعَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا. . (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (نَوْمٌ يُزِيلُ مُسْكَتَهُ) أَيْ قُوَّتَهُ الْمَاسِكَةَ وَهُوَ النَّوْمُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَقْعَدُهُ عَنْ الْأَرْضِ، وَهُوَ النَّوْمُ مُضْطَجِعًا أَيْ وَاضِعًا أَحَدَ جَنْبَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِ وَرِكَيْهِ أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ أَوْ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ الْمُسْكَةَ إذَا زَالَتْ لَا يُعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ النَّوْمُ مُسْكَتَهُ بِأَنْ كَانَ حَالَ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ إذَا رَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَأَبْعَدَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ (فَلَا) أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ تَعَمَّدَ) أَيْ نَامَ قَصْدًا (فِي الصَّلَاةِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَاخْتُلِفَ فِي) نَوْمِ (مُسْتَنِدٍ إلَى مَا لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ) قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ النَّوَاقِضِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ، وَقَالَ شُرَّاحُهُ هَذَا مِمَّا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْمُحِيطِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْأَرْضِ كَانَ حَدَثًا وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ لَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فَسَقَطَ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ السُّقُوطِ أَوْ حَالَةَ السُّقُوطِ أَوْ سَقَطَ نَائِمًا فَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ اسْتَقَرَّ نَائِمًا ثُمَّ انْتَبَهَ انْتَقَضَ، وَلَوْ نَامَ عَلَى دَابَّةٍ هِيَ عُرْيَانَةٌ إنْ كَانَ حَالَ الصُّعُودِ وَالِاسْتِوَاءِ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَفِي حَالِ الْهُبُوطِ حَدَثٌ. . (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (الْإِغْمَاءُ، وَالسُّكْرُ) الَّذِي حَصَلَ بِهِ فِي مَشْيِهِ تَمَايُلٌ (وَالْجُنُونُ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِزَوَالِ الْمُسْكَةِ بِهِمَا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْحَدَثَ عَنْ غَيْرِهِ. . . (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (قَهْقَهَةُ بَالِغٍ) وَهِيَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ وَأَمَّا الضَّحِكُ الْمَسْمُوعُ لَهُ فَقَطْ فَلَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ بَلْ الصَّلَاةَ، وَالتَّبَسُّمُ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْهُمَا (يَقْظَانَ) فِي صَلَاتِهِ (يُصَلِّي بِالتَّوَضُّؤِ) أَيْ بِمُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ وُضُوءٍ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ (صَلَاةً كَامِلَةً) أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إلَّا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» وَرَدَ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَنْقُضُ غَيْرُ الْقَهْقَهَةِ وَلَا قَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْتَسِلِ، وَالْقَهْقَهَةُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ أَفْسَدَتْهُمَا (وَلَوْ) كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ (عِنْدَ السَّلَامِ) أَيْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ (إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَبْرَأُ وَإِنْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي آخَرَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ، وَالسَّبَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّحْوِيلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ لَيْسَ بِنَجَسٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْكَمَالُ: قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ نَجَسٌ، وَكَانَ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوانِيُّ يُفْتِيَانِ بِقَوْلِهِ وَجَمَاعَةٌ اعْتَبَرُوا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رِفْقًا بِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَمْتَنِعُ الصَّلَاةُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَارِجَ بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ حَدَثٌ، وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ الْخُرُوجِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِإِنْسَانٍ طَهَارَةٌ فَلَزِمَ أَنَّ مَا لَيْسَ حَدَثًا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا شَرْعًا وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا لَمْ يُعْتَبَرْ نَجَسًا فَلَوْ أَخَذَ مِنْ الدَّمِ الْبَادِي فِي مَحَلِّهِ بِقُطْنَةٍ وَأَلْقَى فِي الْمَاءِ لَمْ يَنْجُسْ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا أَيْ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا) أَقُولُ يَعْنِي لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ (تَنْبِيهَانِ) أَحَدُهُمَا لَيْسَ النَّاقِضُ النَّوْمَ بَلْ الْحَدَثَ وَلَكِنْ أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَهُوَ النَّوْمُ مَقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ. الثَّانِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّوْمِ يُخْرِجُ النُّعَاسَ مُضْطَجِعًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ: إنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ عَامَّةَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ كَانَ حَدَثًا كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ اهـ. قُلْت لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ مِنْ غَيْرِ إسْنَادِهِ لِأَحَدٍ فَاقْتَضَى كَوْنَهُ الْمَذْهَبَ، فَقَالَ: وَالنُّعَاسُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ قَلِيلُ نَوْمٍ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ وَيَجْرِي عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِالتَّوَضُّؤِ أَيْ بِمُبَاشَرَةِ. . . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَاضِي خَانْ النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ) أَقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَتْنًا أَوْ شَرْحًا فَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَاقِضُهُ قَهْقَهَةُ بَالِغٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ بُطْلَانِ وُضُوئِهِ كَصَلَاتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ إلَّا زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ

الْمُصَلِّي فِي الْقَهْقَهَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ خُرُوجًا بِصُنْعِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ (فَإِذَا) (خَرَجَ الْإِمَامُ) عَنْ الصَّلَاةِ (بِهِ) أَيْ بِتَعَمُّدِ الْقَهْقَهَةِ (فَقَهْقَهَ الْمَأْمُومُ) (لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ) لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ خُرُوجٌ لَهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا) فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ. . (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ) وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ فَرْجُهُ فَرْجَهَا (لِلْجَانِبَيْنِ) أَيْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ (لَا مَسُّ الذَّكَرِ، وَالْمَرْأَةِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قُشِرَتْ نَفْطَةٌ فَسَالَ مَاءٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَالصَّدِيدِ، وَالدَّمِ (نَقَضَ، وَإِنْ عَلَا) عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ (فَأُزِيلَ) لَوْ كَانَ (بِحَيْثُ إذَا تُرِكَ سَالَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا) يَنْقُضُ (خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ قَيْحٌ لَوْ) خَرَجَ (بِوَجَعٍ نَقَضَ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْجِرَاحَةِ (وَإِلَّا فَلَا) يَنْقُضُ (فِي عَيْنِهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ضَعْفُ الْبَصَرِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ (إنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ وَإِنْ اسْتَمَرَّ صَارَ صَاحِبَ عُذْرٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (كَمَا إذَا كَانَ بِهَا) أَيْ بِالْعَيْنِ (غَرْبٌ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عِرْقٌ فِي الْعَيْنِ يَسْقِي وَلَا يَنْقَطِعُ. (الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَلَوْ بَيَاضَهُ) الْخَالِي عَنْ الْخَطِّ (إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا) وَهُوَ الْمُشَرَّزُ (وَقِيلَ مُنْفَصِلًا) كَالْخَرِيطَةِ وَنَحْوِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ تَصْرِيحٌ بِفَسَادِ الْوُضُوءِ بِقَهْقَهَةٍ عَمْدًا بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالنَّقْضِ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ فَقَالَ: وَنَقَضْنَا بِهَا أَيْ بِالْقَهْقَهَةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وُضُوءَهُ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَنَفَاهُ زُفَرُ اعْتِبَارًا لَهُ بِالصَّلَاةِ اهـ. وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَإِنْ يَكُنْ شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الْقَهْقَهَةَ عِنْدَ السَّلَامِ لَا تَكُونُ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا قَدْ عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ) الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَقَوْلُهُ: كَيْفَ كَانَ يَعْنِي مِنْ حَدَثٍ عَمْدًا وَكَلَامٍ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ مَعًا وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِفَسَادِ وُضُوئِهِمَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا) أَقُولُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنْ يَكُنْ شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ خُرُوجٌ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الِاسْتِقَامَةِ وَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا كَمَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَقَهْقَهَةُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ بِقَهْقَهَةِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يَبْقَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَهْقَهَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ اهـ. وَلَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ يُعَيِّنُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتْنٌ وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَ اسْتِقَامَتِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ فَرْجُهُ فَرْجَهَا) أَقُولُ كَذَا فَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَزَادَ الْكَمَالُ فِي تَفْسِيرِهَا الْمُعَانَقَةَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ: فَقَالَ وَهِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَا مَعًا مُتَعَانِقَيْنِ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَنْقُضُ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ شَيْءٍ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ، وَالْغُلَامِ وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهِمَا اهـ. وَفِي الْبَحْرِ وَكَذَا عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لَا مَسُّ الذَّكَرِ) أَقُولُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدِ مِنْهُ،. وَفِي الْبَدَائِعِ: مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: قُشِرَتْ نَفْطَةٌ إلَخْ) . أَقُولُ هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْهُ إلَى مَا يَطْهُرُ لَكِنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ قَيْحٌ. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدَأً انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ أَوْ بِدُونِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ غَيْرُ اهـ. قُلْت وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلُ الْكَمَالِ ثُمَّ الْجُرْحُ وَالنَّفْطَةُ وَمَاءُ الثَّدْيِ، وَالسُّرَّةِ وَالْأُذُنِ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ إلَخْ) أَقُولُ فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا اهـ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ الشَّكَّ، وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عُلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ عَلَى ظَنِّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ اهـ. (قُلْت) لَكِنْ صَرَّحَ الْكَمَالُ بِالْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ: قَالُوا مَنْ رَمِدَتْ عَيْنَاهُ، وَسَالَ الْمَاءُ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ اهـ. وَصِيغَةُ قَالُوا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ الْخِلَافُ فَيُفْهَمُ عَدَمُ الْوُجُوبِ مِنْ مُقَابِلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ بِهِمَا غَرْبٌ) أَقُولُ: وَالنَّقْضُ بِمَا سَالَ مِنْهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي التَّجْنِيسِ الْغَرْبُ فِي الْعَيْنِ إذَا سَالَ مِنْهُ مَاءٌ نَقَضَ لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ وَلَيْسَ بِدَمْعٍ، وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ وَرَمٌ فِي الْمَآقِي. (قَوْلُهُ: إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا وَهُوَ الْمُشَرَّزُ) أَقُولُ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ صُحِّحَ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ دُونَ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ مَسُّ الْجِلْدِ الْمُتَّصِلِ بِهِ

[أحكام الغسل]

وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَالْكَافِي وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ (وَلَمْ يُكْرَهْ) مَسُّهُ (بِالْكُمِّ وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ: كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَسَّ الْمُصْحَفِ بِالْكُمِّ لِلْحَائِضٍ وَالْجُنُبِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ (وَرُخِّصَ الْمَسُّ بِالْيَدِ فِي) الْكُتُبِ (الشَّرْعِيَّةِ إلَّا التَّفْسِيرَ) ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهِ (وَلَا) يَمَسُّ (دِرْهَمًا فِيهِ سُورَةٌ) قَالُوا الْمُرَادُ بِهَا الْآيَةُ (إلَّا بِصُرَّةٍ وَإِنْ جَازَ قِرَاءَتُهُ) فَرَّقَ فِي الْمُحْدِثِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ، وَالْمَسِّ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ الْفَمِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُ الْيَدِ لَا الْفَمِ، وَاسْتَوَيَا فِي الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ حَلَّا بِالْفَمِ وَالْيَدِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِيهِمَا وَلَا تَرِدُ الْعَيْنُ لِأَنَّ الْجُنُبَ حَلَّ نَظَرُهُ إلَى الْمُصْحَفِ بِلَا قِرَاءَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَكُرِهَ دُخُولُهُ) أَيْ الْمُحْدِثِ (مَسْجِدًا) مِنْ الْمَسَاجِدِ (وَطَوَافُهُ) بِالْكَعْبَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَالْحَيْضِ، وَالْجَنَابَةِ. [أَحْكَام الْغُسْل] [فَرَائِضُ الْغُسْلِ] (فَرْضُ الْغُسْلِ) الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ الِاعْتِقَادِيَّ وَالْعَمَلِيَّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ (غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَ) سَائِرِ (الْبَدَنِ حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ وَ) غَسْلُ (السُّرَّةِ وَالشَّارِبِ، وَالْحَاجِبِ وَجَمِيعِ اللِّحْيَةِ) أَيْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ اللِّحْيَةِ كَمَا يَجِبُ إلَى أُصُولِهَا إذْ لَا حَرَجَ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ مَا يَكُونُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ (لَا) غَسْلُ (مَا فِيهِ حَرَجٌ كَالْعَيْنِ وَثَقْبِ الْفَمِ) لِأَنَّهُ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ثَقْبِ الْقُرْطِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ وَكَذَا إنْ انْضَمَّ بَعْدَ نَزْعِ الْقُرْطِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ فِيهِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ أَيْضًا (كَذَا) أَيْ كَالْعَيْنِ فِي الْحَرَجِ (نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ غَسْلُهَا (وَكَفَى بَلُّ أَصْلِهَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (لَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهِ) حَيْثُ يَجِبُ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْكَافِي. (وَسُنَّتُهُ) أَيْ الْغُسْلِ (الْبَدْءُ بِمَا ذَكَرَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَسُّ حَوَاشِي الْمُصْحَفِ، وَالْبَيَاضِ الَّذِي لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ اهـ. وَلِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَجَافِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْكُمُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الْجِلْدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْخَرِيطَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَصَحُّ: هُوَ الْجِلْدُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ) قَدْ عَلِمْت تَعَيُّنَ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا) أَقُولُ عِبَارَةُ الْكَافِي: وَلَا يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: فَرْضُ الْغُسْلِ) الْفَرْضُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَذَا فِي الْكَشَّافِ، وَالْغُسْلُ يَعْنِي بِهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ وَهُوَ لُغَةً: بِضَمِّ الْغَيْنِ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ، وَاصْطِلَاحًا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الْبَدَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَيَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ لَا اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ دَاخِلَ الْقُلْفَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْخَالِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَيُدْخِلُهُ أَيْ الْمَاءَ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا. وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً اهـ. (قُلْت) يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ يُمْكِنُ فَسْخُ الْقُلْفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّاخِلِ قَالَ الْكَمَالُ: وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ لِأَنَّهُ كَالْفَمِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُهَا الْأُصْبُعَ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتَى اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنَّهَا تَبُلُّ ذُؤَابَتَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجِبُ بَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ،. وَفِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ، وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ. ، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ.

[سنن الغسل]

الْوُضُوءِ) مِنْ النِّيَّةِ، وَالتَّسْمِيَةِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ (وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ بَدَنِهِ) إنْ كَانَ فِيهِ خَبَثٌ (وَالتَّوَضُّؤُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ (إلَّا رِجْلَيْهِ) وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَّا رِجْلَيْهِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ لَيْسَتْ بِمَغْسُولَةٍ بَلْ بَعْضُهَا مَمْسُوحَةٌ وَفِي لَفْظِ التَّوَضُّؤِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ كَمَا فِي وُضُوءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (لَوْ) كَانَ رِجْلَاهُ (بِمُسْتَنْقَعٍ) أَيْ بِمُسْتَجْمَعِ مَاءٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ يَغْسِلُهُمَا (ثُمَّ تَثْلِيثُ صَبٍّ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ (مُسْتَوْعِبٍ) جَمِيعَ الْبَدَنِ حَالَةَ كَوْنِهِ (بَادِئًا) فِي الْغُسْلِ (بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ رَأْسِهِ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ (ثُمَّ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الصَّبِّ الْمُسْتَوْعِبِ (يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ تَكْمِيلًا) لِلْوُضُوءِ وَتَنْظِيفًا لَهُمَا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ غَسْلِ رِجْلَيْهِ بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ بَادِئًا وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى (وَ) سُنَّتُهُ أَيْضًا (الدَّلْكُ) لِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَصَحَّ نَقْلُ بَلَّةِ عُضْوٍ إلَى آخَرَ فِيهِ) أَيْ الْغُسْلِ (إذَا تَقَاطَرَتْ) الْبَلَّةُ (دُونَ الْوُضُوءِ) لِمَا بَيَّنَّا سَابِقًا. (وَفُرِضَ) أَيْ الْغُسْلُ (عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ) وَلَوْ فِي نَوْمٍ (مُنْفَصِلٍ) عَنْ مَوْضِعِهِ (بِشَهْوَةٍ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ بِحَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُفْرَضْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ بِهَا أَيْ بِالشَّهْوَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. (وَ) فُرِضَ (عِنْدَ إيلَاجِ) أَيْ إدْخَالِ (آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ أَوْ الِاحْتِلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [سُنَن الْغُسْل] قَوْلُهُ: وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ بَدَنِهِ إنْ كَانَ فِيهِ) أَقُولُ لَمْ يَكْتَفِ بِغَسْلِ الْخَبَثِ عَنْ الْفَرْجِ لِأَنَّ غَسْلَ الْفَرْجِ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ كَتَقْدِيمِ الْوُضُوءِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَكَانَ يُغْنِيهِ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةٍ لَوْ كَانَتْ عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجِهِ لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ لَمْ يُصَبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَصُبَّ ثَلَاثًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ لَمْ يُثَلِّثْ، وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءٍ جَارٍ إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ: وَيُقَاسُ مَا لَوْ اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَوْ وَقَفَ فِي الْمَطَرِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. (قَوْلُهُ: بَادِئًا فِي الْغُسْلِ بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ كَيْفِيَّةَ الصَّبِّ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ «وَضَعْت لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَهُ ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَبِهِ يُضَعَّفُ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ، وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الرَّأْسَ كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى اهـ. (تَنْبِيهٌ) : آدَابُ الْغُسْلِ هِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ الْإِسْرَافُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. [مُوجِبَات الْغُسْل] (قَوْلُهُ: وَفُرِضَ أَيْ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ. . . إلَخْ) أَقُولُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ لِلْوُجُوبِ لَا أَسْبَابٌ فَإِضَافَةُ الْوُجُوبِ إلَيْهَا مَجَازٌ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ سَبَبُ وُجُوبِهِ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَقِيلَ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ وُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ مَعَهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي: إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ، وَالْإِنْزَالُ وَالِالْتِقَاءُ شَرْطٌ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَقُولُ يَعْنِي لَيْسَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا وَذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّفْقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ وَاعْتُرِضَ عَلَى مَنْ شَرَطَ الدَّفْقَ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا اهـ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ مَثَلًا فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَنَزَلَ الْمَنِيُّ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الضَّيْفِ عِنْدَ خَوْفِ الرِّيبَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ. . . إلَخْ) . أَقُولُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ فَشَمَلَ حَالَةَ النَّوْمِ، وَالْيَقَظَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ: امْرَأَةٌ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ اهـ. قُلْت وَعَلَى هَذَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِتْيَانِهِ يَقَظَةً وَرَأَتْ الْمَاءَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ

(حَشَفَةً أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِهَا (فِي أَحَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِيلَاجِ (سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّ إدْخَالَهَا فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ الْبَهَائِمِ لَا يُوجِبُ غُسْلًا لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ (حَيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ إدْخَالِهَا فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ (عَلَى مُكَلَّفِهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضِ الْمُقَدَّرِ فِي إيلَاجٍ (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ) مَنِيًّا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِهِ الْإِنْزَالُ فَيَجِبُ احْتِيَاطًا (وَ) عِنْدَ (رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَاءٌ رَقِيقٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ (وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حُلُمًا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِهَوَاءٍ أَصَابَهُ (لَا) يُفْرَضُ (إنْ تَذَكَّرَهُ) أَيْ الْحُلْمَ. (وَ) تَذَكَّرَ (اللَّذَّةَ، وَالْإِنْزَالَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا) لِأَنَّهُ تَفَكُّرٌ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي الْيَقِظَةِ بِلَا إنْزَالٍ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ بَلَلًا إنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَعَلَيْهِ أَيْضًا الْغُسْلُ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمَا أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ النَّائِمَ غَافِلٌ وَالْمَنِيُّ قَدْ يَرِقُّ بِالْهَوَاءِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْمَذْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا (كَذَا الْمَرْأَةُ فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَنِيُّ إنْ وَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ مَاءَهَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى رَحِمِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الظُّهُورُ فِي حَقِّ الْغُسْلِ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْلَجَهَا) أَيْ الْحَشَفَةَ مَلْفُوفَةً (بِخِرْقَةٍ وَجَبَ) الْغُسْلُ (إنْ وَجَدَ لَذَّةَ) الْجِمَاعِ (وَ) فُرِضَ عِنْدَ (انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ لَا) عِنْدَ (خُرُوجِ مَذْيٍ وَوَدْيٍ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَاءٌ غَلِيظٌ يَعْقُبُ الْبَوْلَ (وَحُقْنَةٍ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ مَذْيٍ (وَلَا) عِنْدَ (إدْخَالِ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ فِي الدُّبُرِ وَوَطْءِ بَهِيمَةٍ بِلَا إنْزَالٍ) لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ كَمَا مَرَّ. (أَتَى عَذْرَاءَ وَلَمْ تَزُلْ عُذْرَتُهَا) يَعْنِي رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ عَذْرَاءُ فَأَتَاهَا وَلَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا (لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُنْزِلْ) لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَمْنَعُ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى. (وَوَجَبَ) الْغُسْلُ (لِلْمَيِّتِ) أَيْ وَجَبَ عَلَى الْحَيِّ أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ وُجُوبًا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ (وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) وَقِيلَ هُمَا مَنْدُوبَانِ (أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ) بَلْ بِالْإِنْزَالِ (فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِلْمَجْمُوعِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ بِالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَعْدَ الْبُلُوغِ بَعْدَ الْإِنْزَالِ فَلَوْ وَجَبَ بِهِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ قُلْنَا الْإِنْزَالُ دَلِيلُ تَكَامُلِ الْقُوَى فَيَكُونُ مُظْهِرًا لِلْوُجُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ. . . إلَخْ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ حَكَى فِي السِّرَاجِ خِلَافًا فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَجِبُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا فَهِيَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ. (قَوْلُهُ: وَوَجَبَ الْغُسْلُ لِلْمَيِّتِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَيْ الْغُسْلُ فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي فِي الْجَنَائِزِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يَتَيَمَّمُ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ: إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ فَصَارَ كَالْكَافِرَةِ إذَا حَاضَتْ فَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ عِنْدَهَا مُخَاطَبٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَدَوَامُهَا بَعْدَهُ كَإِنْشَائِهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اهـ. لَكِنْ رَدَّ مَا ذُكِرَ مِثْلُ هَذَا ابْنُ كَمَال بَاشَا وَمُحَصَّلُهُ لُزُومُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا فِيمَا انْقَطَعَ دَمُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ وَعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُنُبِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبُرْهَانِ فَقَالَ وَفُرِضَ أَيْضًا يَعْنِي الْغُسْلَ بِبُلُوغِ صَبِيٍّ بِاحْتِلَامٍ وَإِسْلَامِ كَافِرٍ مِنْ بَعْدِ جَنَابَةٍ وَانْقِطَاعِ حَيْضٍ فِي الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْجَنَابَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الشُّرُوطِ بِزَوَالِهَا إلَّا بِهِ فَيُفْتَرَضُ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ لِعَدَمِ وُجُوبِ السَّبَبِ بَعْدَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ بَلْ بِالْإِنْزَالِ) أَقُولُ لَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ بَلْ بِالْإِنْزَالِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَنْ بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ وَغَيْرِهِ كَالْحَيْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ لِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ النَّفْسِ نِفَاسٌ،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ، قَالَ فِي الْمُفِيدِ: هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا احْتِيَاطًا وَاكْتَفَيَا بِالْوُضُوءِ آخِرًا أَيْ فِي قَوْلِهِمَا الْآخَرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَلُّقِهِ بِالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً وَالْوُضُوءُ لَازِمٌ لِلرُّطُوبَةِ الْمَوْجُودَةِ

لَا مُثْبِتًا لِيَلْزَمَ ذَلِكَ (أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا) فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا وَاجِبًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (وَسُنَّ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قِيلَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ (وَلِعِيدٍ وَإِحْرَامٍ وَعَرَفَةَ) إعَادَةُ اللَّامِ لِئَلَّا يُفْهَمَ كَوْنُهُ سُنَّةً لِصَلَاةِ الْعِيدِ (وَنُدِبَ لِمَنْ أَسْلَمَ طَاهِرًا أَوْ بَلَغَ بِسِنٍّ) سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ سِنَّ الْبُلُوغِ فِي الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ أَفَاقَ عَنْ جِنَّةٍ وَلِمَكَّةَ وَلِمُزْدَلِفَةَ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا عَلَى زَوْجِهَا) غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً. (وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لِلْعُبُورِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ. (وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (الطَّوَافُ) بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَاحْتِيجَ إلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ الطَّوَافُ أَوْلَى كَذَا فِي الْكَافِي وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَمْرٌ عَارِضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْإِمَامِ السُّرُوجِيِّ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَابِرُ لِدُخُولِ النَّقْصِ فِي الطَّوَافِ لَا لِدُخُولِهِمَا الْمَسْجِدَ (وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَقِيلَ الْآيَةُ، وَقِيلَ مَا دُونَهَا أَيْضًا (بِقَصْدِهِ) وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِقَصْدِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ نَحْوُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وَتَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَمَسُّ مَا هُوَ) أَيْ الْقُرْآنُ (فِيهِ) كَاللَّوْحِ، وَالْأَوْرَاقِ (وَحَمْلُهُ) أَيْ حَمْلُ مَا هُوَ فِيهِ (وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْأَدْعِيَةِ) وَمَسِّهَا وَحَمْلِهَا وَذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّسْبِيحِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَغَسْلِ يَدَيْهِ، وَلَا فِي النَّوْمِ وَمُعَاوَدَةِ أَهْلِهِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى. (وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُبِ (كِتَابَتُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ فِي الْإِيضَاحِ لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ أَوْ اللَّوْحُ أَوْ الْوِسَادَةُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ، وَالْكِتَابَةُ وُجِدَتْ حَرْفًا حَرْفًا وَإِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أُحِبُّ أَنْ لَا يَكْتُبَ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْحُرُوفِ تَجْرِي مَجْرَى الْقِرَاءَةِ. (وَ) يُكْرَهُ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوِلَادَةِ اهـ. وَسَنَذْكُرُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا وَاجِبًا) أَقُولُ هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ الْوَاجِبُ الِاصْطِلَاحِيُّ لَا الْفَرْضُ وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ كَثِيرِينَ وَنَظَرَ فِيهَا وَصَرَّحَ بِالْفَرْضِ فِي جَمِيعِ مَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ. (قَوْلُهُ: وَعَرَفَةَ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي عَرَفَةَ وَإِنَّمَا أَقْحَمَ لَفْظَ فِي لِأَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ لِعَرَفَةَ اهـ. قُلْتُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَبِهِ يَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَى اسْتِنَانِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ عَرَفَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَعَادَ اللَّامَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِيَوْمِ الْعِيدِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: الْغُسْلُ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْتِ وَقَالُوا الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ الْمَشْيُ عَلَى الصَّحِيحِ بِجَعْلِ الْغُسْلِ فِي الْعِيدِ لِصَلَاتِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْجُمُعَةِ بِجَعْلِهِ لِصَلَاتِهَا لِيَكُونَ مَشْيُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلِمَكَّةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلِدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَسْلِ الْمَيِّتِ، وَالْحِجَامَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ (تَنْبِيهٌ) : يَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِعِيدٍ وَجُمُعَةٍ اجْتَمَعَا مَعَ جَنَابَةٍ كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ (قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا إلَخْ) . أَقُولُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَاءَ الْوُضُوءِ. وَقَالَ الْكَمَالُ: وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً اهـ. وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ: وَحَرُمَ عَلَيْهِ الطَّوَافُ يَعْنِي الْجُنُبَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَةَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ بِرُمَّتِهَا (قَوْلُهُ: فَقِيلَ الْآيَةَ) أَقُولُ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ يُبَاحُ قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا دُونَهَا أَيْضًا) أَقُولُ يَعْنِي فَهُوَ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ الْآيَةِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ الْآيَةُ وَمَا دُونَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ حَرْفًا حَرْفًا) يَنْظُرُ مَا الْمُرَادُ بِهِ الْهِجَائِيُّ أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَأَيْت مَا نَصُّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيمِ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ الْقُرْآنَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً مَا دُونَ الْآيَةِ لَا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. (قَوْلُهُ: وَمَسُّ مَا هُوَ فِيهِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ) أَيْ لِلْجُنُبِ (قَوْلُهُ: كِتَابَتُهُ أَيْ الْقُرْآنِ. . . إلَخْ) أَقُولُ إنْ كَانَ سَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِيضَاحِ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ حَامِلًا لِلصَّحِيفَةِ وَهُوَ يَكْتُبُ فَهُوَ حَامِلٌ قُرْآنًا وَتَقَدَّمَ حُرْمَةُ مَسِّ مَا هُوَ فِيهِ وَحَمْلِهِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيُكْرَهُ لَهُمْ أَيْ لِلْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَكْتُبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ: أَنَّهُ لَا يَكْتُبُهُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مَا دُونَ الْآيَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ

[أحكام المياه]

(قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ، وَالزَّبُورِ، وَالْإِنْجِيلِ لَا) قِرَاءَةُ (الْقُنُوتِ) لِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ (وَلَا يُكْرَهُ لَهُ مَسُّ الْقُرْآنِ بِالْكُمِّ) عَلَى مَا سَبَقَ (وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلَ حِفْظِ الْقُرْآنِ فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلَانِ بِهِ فَقَالَ (وَيَجُوزَانِ) أَيْ الْوُضُوءُ، وَالْغُسْلُ (بِمَاءِ الْبَحْرِ، وَالْعَيْنِ، وَالْبِئْرِ، وَالْمَطَرِ، وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) أَيْ تَسْخِينَهُ بِالشَّمْسِ (وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَائِلُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَفِي قَوْلِهِ " قَصَدَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا. (وَ) يَجُوزَانِ (بِمَاءٍ يَنْعَقِدُ بِهِ الْمِلْحُ) كَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ (لَا بِمَاءِ الْمِلْحِ) أَيْ الْحَاصِلِ بِذَوَبَانِ الْمِلْحِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالثَّانِيَ انْقَلَبَ إلَى طَبِيعَةٍ أُخْرَى (وَإِنْ مَاتَ) أَيْ يَجُوزَانِ بِالْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ (فِيهِ) أَيْ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ (غَيْرُ دَمَوِيٍّ) أَيْ مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلًا (كَالزُّنْبُورِ) ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْبَقِّ، وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهَا (أَوْ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ كَالسَّمَكِ) ، وَالسَّرَطَانِ، وَالضُّفْدَعِ وَنَحْوِهَا، وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ سَوَاءٌ وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ (أَوْ خَارِجَهُ) عَطْفٌ عَلَى فِيهِ أَيْ وَإِنْ مَاتَ خَارِجَهُ (فَأُلْقِيَ فِيهِ) يَعْنِي لَا فَرْقَ فِي الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَهُ فَأُلْقِيَ فِيهِ (لَا مَائِيُّ الْمَعَاشِ وَبَرِّيُّ الْمَوْلِدِ) عَطْفٌ عَلَى مَائِيِّ الْمَوْلِدِ (كَالْبَطِّ) ، وَالْإِوَزِّ فَإِنَّ مَوْتَهُ فِي الْمَاءِ يُفْسِدُهُ (كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ (سَائِرُ الْمَائِعَاتِ) فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (أَوْ غَيَّرَ) عَطْفٌ عَلَى مَاتَ (أَوْصَافَهُ) أَيْ أَوْصَافَ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ وَهِيَ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ (مُكْثٌ أَوْ طَاهِرٌ جَامِدٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَائِعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ هَكَذَا أَوْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ طَاهِرٌ فَتَوَهَّمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَحَدِ احْتِرَازٌ عَمَّا فَوْقَهُ حَتَّى قَالَ إذَا غَيَّرَ الْوَصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ أَوْ الْبَاقِلَاءَ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ جَوَازُهُ حَتَّى أَنَّ أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَتُغَيِّرُ مَاءَهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَأَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَيْهِ وَلَكِنْ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى رِقَّتِهِ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَصَارَ بِهِ ثَخِينًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي (كَأُشْنَانٍ وَزَعْفَرَانٍ وَفَاكِهَةٍ وَوَرَقٍ فِي الْأَصَحِّ) إشَارَةٌ إلَى مَا نَقَلَ مِنْ الْيَنَابِيعِ، وَالنِّهَايَةِ (إنْ بَقِيَ عَلَى رِقَّتِهِ) قَيْدٌ لِلْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ غَيَّرَ أَوْصَافَهُ (مَا غَيَّرَ أَحَدَهَا) أَيْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ (نَجَسٌ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ» هُوَ النَّجَسُ لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا يُنَجِّسُ طَاهِرًا (وَبِجَارٍ) عَطْفٌ عَلَى مَاءٍ يَنْعَقِدُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمَاءِ الْجَارِي فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي وَهُوَ مَا (يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ) وَقَعَ (فِيهِ نَجَسٌ لَمْ يُرَ) أَيْ لَمْ يُدْرَكْ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ لِشُبْهَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ أُبَيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَهُ فِي مُصْحَفِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ) كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْمُطَابَقَةِ. (فَرْعٌ مُهِمٌّ) : لَوْ كَانَ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ هَذَا أَفْضَلُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. [أَحْكَام الْمِيَاه] [الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَالْعَيْنِ وَالْبِئْرِ وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ] (قَوْلُهُ: وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ) يَعْنِي بِلَا كَرَاهَةٍ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. ، وَالْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ الْبَرِّيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: كَذَا) أَيْ كَالْمَاءِ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَائِعِ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ بَرِّيُّ الْمَوْلِدِ وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ نَجَّسَهُ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا غَيَّرَ أَحَدَهُمَا نَجَسٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ وَلَمْ يُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا أَثَرٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَلِيلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَلِأَنَّ عَطْفَهُ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. . . إلَخْ فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي سِيَاقِ دَلِيلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِاعْتِبَارِهِ الْأَوْصَافَ مُطْلَقًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» . . . إلَخْ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَاسْتَدَلَّ فِي الشَّرْحِ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ بِالْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ عَلَى جُزْءِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ: فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي) أَقُولُ لَمْ يَقَعْ مُخْتَارًا فِي الْهِدَايَةِ بَلْ نُقِلَ فِيهَا عَلَى صِيغَةِ الضَّعْفِ وَعِبَارَتُهَا

(أَثَرُهُ) وَهُوَ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ حَتَّى إنْ رُئِيَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ (أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْجَارِي (وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ) أَيْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ بِحَسَبِ الطُّولِ، وَالْعَرْضِ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْعُمْقِ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ (لَا تَنْحَسِرُ) أَيْ لَا تَنْكَشِفُ (أَرْضُهُ بِالْغَرْفِ) لِلتَّوَضُّؤِ وَقِيلَ لِلِاغْتِسَالِ، وَإِذَا لَمْ يَتَنَجَّسْ كُلُّهُ هَلْ يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً تَنَجَّسَ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يَتَنَجَّسُ فِيهِمَا (وَقَدْ يُعْتَبَرُ مَا هُوَ بِقَدْرِهِ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ طُولٌ وَعُمْقٌ وَلَا عَرْضَ لَهُ لَكِنْ لَوْ بُسِطَ صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَصِلُ إلَى الْعَرْضِ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ: يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَرْضِ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّنَجُّسَ لَكِنَّ اعْتِبَارَ الطُّولِ لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَتَنَجَّسُ (هُوَ) أَيْ كَوْنُهُ طَاهِرًا هُوَ (الْمُخْتَارُ) لَا مَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْحَوْضُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَكِنَّهُ عَمِيقٌ فَوَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ حَتَّى تَنَجَّسَ ثُمَّ انْبَسَطَ وَصَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمَاءُ فَصَارَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ فَهُوَ طَاهِرٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (الْحَوْضُ مُدَوَّرٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا هُوَ الصَّحِيحُ) فَإِنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ إذَا رُبِّعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ وَقِيلَ هُوَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ اهـ. نَعَمْ هُوَ كَمَا فِي الْكَافِي لِأَنَّ لَفْظَهُ: وَالْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ اهـ. وَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ. وَقَالَ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ: وَحَدَّ الْجَرَيَانَ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا رَابِعُهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَالتُّحْفَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ شَرْحِ الْكَنْزِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجَارِي عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاضِحُهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَالتَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَثَرُهُ وَهُوَ اللَّوْنُ، وَالطَّعْمُ، وَالرَّائِحَةُ حَتَّى إنْ رُئِيَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ) أَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرَّائِحَةِ أَثَرٌ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَوْلُهُ: وَهُوَ طَعْمٌ أَيْ الْأَثَرُ هُوَ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ، وَالرَّائِحَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ) قَالَ الْكَمَالُ وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ سَبْعًا وَذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ سَبْعٌ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ، وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ أَوْ الْكِرْبَاسِ أَوْ فِي كُلِّ زَمَانِ وَمَكَانِ ذُرْعَانِهِمْ أَقْوَالٌ كُلٌّ مِنْهَا صَحَّحَهُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ، وَالْكُلُّ فِي الْمُرَبَّعِ اهـ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً تَنَجَّسَ وَإِلَّا فَلَا) أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُدَارَ الْحُكْمُ عَلَى ظُهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ مَرْئِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا لِحُكْمِنَا أَنَّهُ كَالْجَارِي كَمَا قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَالْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا اهـ. لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ الْكَثْرَةِ التَّنَجُّسَ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ أَيْضًا الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ: إنَّ مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ جَوَّزُوا الْوُضُوءَ مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ تَنْتَقِلُ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِالنَّجَاسَةِ فِي مَحَلِّ التَّوَضُّؤِ اهـ. (قُلْت) وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَطَهُ النَّجَسُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ أَثَرُ الْمُخَالِطِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ جَارِيًا لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ فِي الْجَارِي لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَحَلِّ إلَّا بِظُهُورِ الْأَثَرِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فَرَّعَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ أَيْ مَا كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ كَالْجَارِي لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ كَالْجَارِي فَإِذَا تَنَجَّسَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ مِنْ الْجَارِي فَمِنْهُ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هُوَ أَيْ كَوْنُهُ طَاهِرًا هُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ مِثْلِ هَذَا عَنْ الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ يَعْنِي مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ تَفْوِيضًا لِرَأْيِ الْمُبْتَلَى يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ لَوْ ضُمَّ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ عُمِّقَ بِلَا سَعَةٍ وَلَوْ بُسِطَ بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ جَعْلَهُ كَثِيرًا، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَحْكِيمِ الرَّأْيِ فِي عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَعِنْدَ تَقَارُبِ الْجَوَانِبِ لَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ ظَنِّ الْخُلُوصِ إلَيْهِ، وَالِاسْتِعْمَالُ يَقَعُ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ فَأَقْرَبُ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ عَرْضِهِ، وَبِهِ خَالَفَ حُكْمَ الْكَثِيرِ إذْ لَيْسَ حُكْمُ الْكَثِيرِ تَنَجُّسَ الْجَانِبِ الْآخَرِ بِسُقُوطِهَا فِي مُقَابَلَةٍ بِدُونِ تَغَيُّرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: الْحَوْضُ الْمُدَوَّرُ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ مُدَوَّرًا فَقُدِّرَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَالْمُخْتَارُ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي الْحِسَابِ يُكْتَفَى بِأَقَلَّ عَنْهَا بِكَسْرٍ لِلنِّسْبَةِ لَكِنْ يُفْتَى بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ كَيْ لَا يَتَعَسَّرَ رِعَايَةُ الْكَسْرِ، وَالْكُلُّ تَحَكُّمَاتٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ

كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لِأَنَّ الدَّائِرَةَ أَوْسَعُ الْأَشْكَالِ وَهُوَ مُبَرْهَنٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحُسَّابِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (لَا) أَيْ لَا يَجُوزَانِ (بِمَا) الرِّوَايَةُ بِالْقَصْرِ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ (اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ) وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَا يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ (أَوْ) اُعْتُصِرَ مِنْ (ثَمَرٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ إذْ لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهِ الذِّهْنُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ. (وَ) لَا يَجُوزَانِ أَيْضًا (بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ (زَالَ طَبْعُهُ) وَهُوَ السَّيَلَانُ وَالْإِرْوَاءُ وَالْإِنْبَاتُ بِالطَّبْخِ (كَشَرَابِ الرِّيبَاسِ) مِثَالٌ لِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ كَالْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ مُشْكِلٌ (وَالْخَلِّ) مِثَالُ مَا اُعْتُصِرَ مِنْ ثَمَرٍ (وَالْمَرَقِ) مِثَالٌ لِمَا زَالَ طَبْعُهُ بِالطَّبْخِ (أَوْ بِغَلَبَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ) وَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ لِأَنَّ عِبَارَاتِ الْقَوْمِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَرِوَايَاتِهِمْ فِي الظَّاهِرِ مُتَخَالِفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطَةٍ يُعْرَفُ بِهَا حَقِيقَةُ الْحَالِ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُتْلَى عَلَيْك مِنْ الْمَقَالِ وَهِيَ أَنَّ الْمُطَهِّرَ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ فَزَوَالُ إطْلَاقِهِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْمُمْتَزِجِ، الْأَوَّلُ إمَّا بِالطَّبْخِ بِطَاهِرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا فَالْأَوَّلُ إنْ جَرَى عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالْغَالِبُ الْمَاءُ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِطُ لَا يُخَالِفُ الْمَاءَ فِي صِفَةٍ مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ أَوْ يُخَالِفُهُ فِي جَمِيعِهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا، فَالْأَوَّلُ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ، وَالْمُسْتَخْرَجِ مِنْ النَّبَاتِ بِالتَّقْطِيرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ، وَالثَّانِي إنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَ أَوْ الثِّنْتَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي صِفَةٍ أَوْ صِفَتَيْنِ يُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ غَالِبًا فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِالطَّعْمِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ جَمِيعُ مَا جَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ اهـ. لَكِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ مَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْكَمَالُ مِنْ جِهَةِ الْحِسَابِ بَعِيدٌ، وَالصَّوَابُ وَاضِحٌ لِمَنْ يَعْرِفُ الْحِسَابَ. (ثُمَّ قُلْت) مُبَيِّنًا لِلصَّوَابِ وَهُوَ كَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ الَّذِي تَبِعَهُ مُؤَلِّفُ الدُّرَرِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فِي الْمُدَوَّرِ تَبْلُغُ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَالْعَشْرِ فِي عُشْرِ الْمُرَبَّعِ بِزِيَادَةِ كَسْرٍ فَإِلْزَامُ قَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ لَا وَجْهَ لَهُ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْحُسَّابِ، وَطَرِيقُ مِسَاحَتِهِ أَنْ تَضْرِبَ نِصْفَ قُطْرِ الْمُسْتَدِيرِ فِي نِصْفِ دَوْرِهِ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ، وَقُطْرُ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمْسُ ذِرَاعٍ، وَنِصْفُ الْقُطْرِ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعَشْرٌ فَتَضْرِبُ نِصْفَ الْقُطْرِ فِي نِصْفِ السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَبْلُغُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ، بَيَانُهُ: أَنْ تَبْسُطَ الْخَمْسَةَ وَالنِّصْفَ، وَالْعَشْرَ سِتَّةً وَخَمْسِينَ لِدُخُولِ النِّصْفِ فِي الْعَشْرِ وَزِيَادَةُ وَاحِدٍ هُوَ بَسْطُ الْكَسْرِ ثُمَّ تَضْرِبُ سِتَّةً وَخَمْسِينَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ الَّتِي هِيَ نِصْفُ الدَّوْرِ فَيَخْرُجُ أَلْفٌ وَثَمَانِيَةٌ فَتَقْسِمُهَا عَلَى مَخْرَجِ الْكَسْرِ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَبِقِسْمَةِ أَلْفٍ عَلَى عَشَرَةٍ يَخْرُجُ مِائَةٌ وَبِقِسْمَةِ ثَمَانِيَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ يَخْرُجُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَهَذَا مِثَالُ الْحَوْضِ الْمُدَوَّرِ وَقُطْرِهِ، وَالْقُطْرُ: هُوَ الْخَطُّ الْمَارُّ عَلَى الْمَرْكَزِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى جَانِبَيْ الْمُحِيطِ لِلْمُدَوَّرَةِ، وَنِصْفُهُ هُوَ هَذَا الْقَاطِعُ لِنِصْفِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّنَا عَلِمْنَا الدَّوْرَ وَالْمِسَاحَةَ الَّتِي هِيَ تَكْسِيرُ الدَّائِرَةِ فَقَسَمْنَا الْمِسَاحَةَ عَلَى رُبْعِ الدَّوْرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ فَخَرَجَ الْقُطْرُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَبُرْهَانُ اعْتِبَارِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِقِسْمَةِ الْمِسَاحَةِ وَهِيَ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ عَلَى نِصْفِ الْقُطْرِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا الزَّهْرُ النَّضِيرُ عَلَى الْحَوْضِ الْمُسْتَدِيرِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَالِفَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَوَّرُ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لَا وَجَهْلِهِ فِي قَوْلِ الْحُسَّابِ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَتَوَضَّأُ بِمَا يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ) أَقُولُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: الْأَوَّلِ إمَّا بِالطَّبْخِ بِطَاهِرٍ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّنْظِيفَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ طُبِخَ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ لَا يَزُولُ بِهِ إطْلَاقُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ فَيَسْلُبُ رِقَّتَهُ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ) هَذَا عَلَى غَيْرِ الْأَظْهَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ خُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعِلَاجٍ (قَوْلُهُ: كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ غَالِبًا فِيهِ لَمْ يَجُزْ) أَقُولُ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُقْتَحِمُ لِهَذَا الضَّابِطِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ (وَتَوْضِيحُهُ) مَا قَالَهُ فِي تِبْيَانِ التَّوْفِيقِ بِقَوْلِهِ: وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ يُخَالِفُهُ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ

[طهارة الجلود بالدباغ]

(أَوْ) بِمَاءٍ (اُسْتُعْمِلَ لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ) الْمَاءُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِكُلٍّ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِزَالَةِ الْحَدَثِ، فَإِذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وُضُوءًا غَيْرَ مَنْوِيٍّ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَلَوْ تَوَضَّأَ غَيْرُ الْمُحْدِثِ وُضُوءًا مَنْوِيًّا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالثَّانِي فَقَطْ (وَإِنْ كَانَ) الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ (طَاهِرًا فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، وَعَمَّا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (الْإِهَابُ) وَهُوَ جِلْدٌ غَيْرُ مَدْبُوغٍ (يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ) وَهُوَ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ، وَالْفَسَادَ وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا (إلَّا) إهَابَا (الْخِنْزِيرِ، وَالْآدَمِيِّ) قَدَّمَ الْخِنْزِيرَ لِكَوْنِ الْمَقَامِ لِلْإِهَانَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِكَرَامَتِهِ (وَمَا) أَيْ جِلْدٌ (يَطْهُرُ بِهِ) أَيْ بِالدِّبَاغِ (يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ) لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدِّبَاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوِقَايَةِ: وَمَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ أَقُولُ فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ضَمِيرَ " يَطْهُرُ " الثَّانِيَ رَاجِعٌ إلَى مَا، وَهُوَ فَاسِدٌ لِاقْتِضَائِهِ اسْتِدْرَاكَ قَوْلِهِ الْآتِي، وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهَا وَإِنْ أُرْجِعَ إلَى جِلْدِهِ لَزِمَ التَّفْكِيكُ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ مَا ذَكَرْنَا (بِخِلَافِ لَحْمِهِ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ وَإِنْ كَانَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَهُ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخِنْزِيرَ إذَا ذُبِحَ طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ. (شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا وَعَصَبُهَا وَحَافِرُهَا وَقَرْنُهَا وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ وَدَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ) أَمَّا السَّبْعَةُ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تُحِلُّهَا، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَبْيَضُّ إذَا جَفَّ (كَذَا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِضَرُورَةِ اسْتِعْمَالِهِ فَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِوُقُوعِهِ فِيهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجَسٌ فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ. (، وَالْكَلْبُ نَجِسُ الْعَيْنِ) صَرَّحَ بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ (وَقِيلَ لَا) لِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ: إنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَيَسْتَدِلُّونَ بِطَهَارَةِ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ. وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ الْكَلْبُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (وَقِيلَ جِلْدُهُ نَجَسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ) فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الْكَلْبُ إذَا دَخَلَ الْمَاءَ ثُمَّ خَرَجَ وَانْتَفَضَ فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَفْسَدَهُ وَلَوْ أَصَابَهُ مَاءُ مَطَرٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ بِمَاءٍ اُسْتُعْمِلَ لِقُرْبَةٍ) أَقُولُ وَهِيَ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى وُضُوئِهِ بِنِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْهُ أَوْ تَوَضَّأَتْ حَائِضٌ تَقْصِدُ الْإِتْيَانَ بِالْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَبِغَسْلِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ أَوْ دَابَّةٍ تُؤْكَلُ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ رَأْسِهِ لِلطِّينِ أَوْ الدَّرَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ) أَقُولُ وُضُوءُ الصَّبِيِّ كَالْبَالِغِ وَبِتَعْلِيمِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يُرِدْ سِوَاهُ لَا يُسْتَعْمَلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: الْمَاءُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. . . إلَخْ) كَذَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِثَالِثٍ أَيْضًا وَهُوَ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالثَّانِي فَقَطْ) أَقُولُ هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ تَخْرِيجًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْجُنُبِ الْمُنْغَمِسِ فِي الْبِئْرِ، وَمَنَعَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ عَنْهُ نَصًّا، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَمِثْلُهُ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. [طَهَارَة الْجُلُود بِالدِّبَاغِ] (قَوْلُهُ: الْإِهَابُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ) يَعْنِي إنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَجِلْدِ الْحَيَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْفَأْرَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ، وَأَمَّا قَمِيصُ الْحَيَّةِ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ. . . إلَخْ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلْ لَمْ يَطْهُرْ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: وَمَا يَطْهُرُ بِهِ أَيْ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ) أَقُولُ قُيِّدَتْ الذَّكَاةُ بِالشَّرْعِيَّةِ فَخَرَجَ ذَكَاةُ الْمَجُوسِيِّ حَيَوَانًا، وَالْمُحْرِمِ صَيْدًا وَتَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الزَّاهِدِيِّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ، وَالْمُجْتَبَى: إنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا تُوجِبُ الطَّهَارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا ثُمَّ قَالَ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ بِصِيغَةِ قِيلَ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَحْمِهِ فِي الصَّحِيحِ) أَقُولُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّ تَصْحِيحٍ يُفْتَى بِهِ فِيهَا وَوُجِّهَ فِي الْبُرْهَانِ. [طَهَارَة شعر الْمَيِّتَة وَعَظْمُهَا وَعَصَبُهَا وَحَافِرُهَا وَقَرْنُهَا وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ وَدَمُ السَّمَك] (قَوْلُهُ: شَعْرُ الْمَيْتَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ ذَكَرَ الْكَمَالُ أَنَّ الْعَصَبَ مِمَّا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى طَهَارَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ كَلَامِ الْكَمَالِ فِي إدْخَالِ الْعَصَبِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ فِي الْعَصَبِ رِوَايَتَيْنِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الصَّحِيحَ نَجَاسَتُهُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ تَبِعَ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ. اهـ. [طَهَارَة الْكَلْب] (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّصْحِيحِ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُمُومُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ يَعْنِي الْكَلْبَ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهَا فَوَجَبَ حَقِيقَةُ تَصْحِيحِ عَدَمِ نَجَاسَتِهَا فَيَطْهُرُ يَعْنِي جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُتَّخَذُ دَلْوًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ جِلْدُهُ نَجِسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَهُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ الشَّعْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ شَعْرُهُ أَيْضًا فَلْيُرَاجِعْ مَا قَرَّرَهُ مَنْ أَرَادَهُ

[فصل بئر دون عشر في عشر وقع فيها نجس]

لَمْ يُفْسِدْهُ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْأَوَّلِ أَصَابَ جِلْدَهُ وَجِلْدُهُ نَجِسٌ، وَفِي الثَّانِي أَصَابَ شَعْرَهُ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ. (وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ طَاهِرَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ رَطْبَةً وَلِغَيْرِ الْمَذْبُوحَةِ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً لَكِنَّهَا لِلْمَذْبُوحَةِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ لِغَيْرِ الْمَذْبُوحَةِ لَكِنَّهَا يَابِسَةٌ فَهِيَ أَيْضًا طَاهِرَةٌ (وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ حَلَالٌ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَزَادَ قَوْلَهُ حَلَالٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحِلُّ كَمَا فِي التُّرَابِ. (وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ (وَلَا يُشْرَبُ أَصْلًا) لَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ مُطْلَقًا. [فَصْلٌ بِئْرٌ دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ وَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ] (فَصْلٌ بِئْرٌ دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَتَنَجَّسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُ الْمَاءِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي يُخْرِجُ (وَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ وَإِنْ عُفِيَ خُرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ وَتَقَاطُرُ بَوْلٍ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) حَتَّى لَوْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا لَمْ يُعْفَ (وَغُبَارٌ نَجِسٌ وَبَعْرَتَا إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَجْهٌ، وَالْعَفْوُ أَنَّ الْآبَارَ فِي الْفَلَوَاتِ لَيْسَ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ، وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَبْعَرُ حَوْلَهَا فَتُلْقِيهِ الرِّيَاحُ فِيهَا فَلَوْ أَفْسَدَ الْقَلِيلُ لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ، وَالصَّحِيحِ، وَالْمُنْكَسِرِ، وَالْبَعْرِ، وَالْخُثَى، وَالرَّوْثِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ آبَارِ الْمِصْرِ، وَالْفَلَوَاتِ فِي الصَّحِيحِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ فِي الْجُمْلَةِ (كَمَا إذَا وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ فَرُمِيَتَا) الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ، قَالَ فِي: الْمَبْسُوطِ لَا يَنْجُسُ إذَا رُمِيَتْ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا لَوْنٌ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَبْعَرُ عِنْدَ الْحَلْبِ (أَوْ انْتَفَخَ فِيهَا حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا لَا دَمَ لَهُ إذَا انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فِي الْمَاءِ أَوْ الْعَصِيرِ لَمْ يَنْجُسْ لَمْ يَذْكُرْ التَّفَسُّخَ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُفْهَمُ مِنْ انْتِفَاخٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ (أَوْ مَاتَ نَحْوُ آدَمِيٍّ يُخْرِجُ الْوَاقِعَ) فِي الْبِئْرِ (فَيَنْزَحُ كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ مَائِهَا فَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا تَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ النَّزْحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى غَسْلِ الْأَحْجَارِ، وَنَقْلِ الْأَوْحَالِ (وَإِنْ تَعَسَّرَ) نَزْحُ كُلِّهَا (فَقَدْرَ مَا فِيهَا) أَيْ فَيَنْزَحُ قَدْرَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ (فَيُفَوَّضُ) فِي نَزْحِ قَدْرِ مَا فِيهَا (إلَى ذَوِي بَصَارَةٍ) أَيْ رَجُلَيْنِ لَهُمَا شُعُورٌ وَمَعْرِفَةٌ (فِي) حَالِ (الْمَاءِ) فَأَيَّ مِقْدَارٍ قَالَا إنَّهُ فِي الْبِئْرِ نَزَحَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِكَوْنِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَإِنْ عُفِيَ خُرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ خُرْءَ الْحَمَامِ، وَالْعُصْفُورِ نَجِسٌ لِإِطْلَاقِ الْعَفْوِ عَلَيْهِ كَالْقَطَرَاتِ مِنْ الْبَوْلِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى سُقُوطِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَزُرْقُ سِبَاعِ الطَّيْرِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ إذَا فَحُشَ وَيُفْسِدُ مَاءَ الْأَوَانِي وَلَا يُفْسِدُ مَاءَ الْبِئْرِ اهـ. وَفِي الْفَيْضِ وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ التَّنَجُّسِ (قَوْلُهُ: يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرٌ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ الْبَعْضِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تُفْسِدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الدَّلَائِلِ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا الْفَهْمُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَتْ بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَاحِشٍ كَذَا نَقَلَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَالْكَثِيرُ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ، وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي، وَالْمِعْرَاجِ وَالْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَوْ أَنَّهُ مَا لَا يَخْلُو وَلَوْ عَنْ بَعْرَةٍ، وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ) أَقُولُ يَعْنِي وَقَعَتَا مِنْ الشَّاةِ وَهِيَ تَبْعَرُ وَقْتَ الْحَلْبِ فِي الْمِحْلَبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِحْلَبِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِنَاءِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الشَّاةِ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ بَعْرَةً أَوْ بَعْرَتَيْنِ قَالُوا تُرْمَى الْبَعْرَةُ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْبِئْرِ فِي حَقِّ الْبَعْرَةِ، وَالْبَعْرَتَيْنِ اهـ. وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْرَةِ، وَالْبَعْرَتَيْنِ لَيْسَ احْتِرَازًا عَمَّا فَوْقَ ذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْفَيْضِ وَلَوْ وَقَعَ الْبَعْرُ فِي الْمِحْلَبِ عِنْدَ الْحَلْبِ فَرُمِيَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْجُسُ إذَا رُمِيَتْ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا لَوْنٌ) يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ التَّنَجُّسِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْمُكْثِ، وَاللَّوْنِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ أَخَّرَ أَوْ أَخَذَ اللَّبَنُ لَوْنَهَا لَا يَجُوزُ اهـ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا لَا دَمَ لَهُ. . . إلَخْ) صَوَابُهُ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: يَخْرُجُ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ) يَعْنِي مِمَّا ذَكَرَ إذَا وَجَبَ نَزْحُ شَيْءٍ فَلَا يَجِبُ إخْرَاجُ نَحْوِ الْبَعْرَتَيْنِ لِعَدَمِ نَزْحِ شَيْءٍ بِوُقُوعِهِ، وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا عَظْمٌ أَوْ خَشَبَةٌ أَوْ قِطْعَةُ ثَوْبٍ مُتَلَطِّخَةٌ بِنَجَاسَةٍ وَتَعَذَّرَ اسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ فَبِنَزْحِ الْمَاءِ يَطْهُرُ ذَلِكَ تَبَعًا كَخَابِيَةِ خَمْرٍ تَخَلَّلَ كَمَا فِي الْفَيْضِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ. . . إلَخْ) كَذَلِكَ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرِّشَاءُ، وَالْبَكَرَةُ وَيَدُ الْمُسْتَقِي كَطَهَارَةِ عُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ بِطَهَارَةِ الْيَدِ إذَا أَخَذَهَا كُلَّمَا غَسَلَ يَدَهُ

نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ الِابْتِلَاءِ بِأَمْرٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] (وَقِيلَ يُقَدَّرُ مَا فِيهَا) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُحْفَرَ حُفْرَةٌ عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ وَيُصَبُّ الْمَاءُ فِيهَا فَإِنْ امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا، وَالثَّانِي أَنْ يُرْسِلَ قَصَبَةً فِي الْمَاءِ وَيَجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يَنْزَحَ عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيَنْظُرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَصَ الْعَشْرُ فَهُوَ مِائَةٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا (وَقِيلَ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ لِأَنَّ آبَارَهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ بِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ (وَإِنْ مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ فَأَرْبَعُونَ دَلْوًا وَسَطًا إلَى سِتِّينَ) الْأَرْبَعُونَ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ. (وَ) إنْ مَاتَ نَحْوُ (فَأْرَةٍ أَوْ عُصْفُورٍ فَعِشْرُونَ إلَى ثَلَاثِينَ) هُوَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (وَمَا جَاوَزَ الْوَسَطَ اُحْتُسِبَ بِهِ ثُمَّ مَا بَيْنَ الْفَأْرَةِ، وَالْحَمَامَةِ كَالْفَأْرَةِ) فَيُنْزَحُ عِشْرُونَ إلَى ثَلَاثِينَ (وَمَا بَيْنَ الدَّجَاجَةِ، وَالشَّاةِ كَالدَّجَاجَةِ) فَيُنْزَحُ أَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ فَإِلَى الْأَرْبَعِ يُنْزَحُ عِشْرُونَ وَلَوْ خَمْسًا فَأَرْبَعُونَ إلَى التِّسْعِ وَلَوْ عَشْرًا فَجَمِيعُ الْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ فَأَرْبَعُونَ وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ يُنْزَحُ كُلُّهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَتَنَجُّسُهَا) أَيْ الْبِئْرِ (مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ إنْ عُلِمَ) ذَلِكَ الْوَقْتُ (وَإِلَّا فَمُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِخْ) فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا غَسْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيُّ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الصَّبَّاغِيَّ كَانَ يُفْتِي بِهَذَا (وَإِنْ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فَمُنْذُ) أَيْ تَنَجُّسِهَا مُنْذُ (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) ذَكَرَ هَاهُنَا التَّفَسُّخَ لِأَنَّ حُكْمَهُ هَاهُنَا لَا يُفْهَمُ مِنْ الِانْتِفَاخِ لِأَنَّ التَّفَسُّخَ أَكْثَرُ إفْسَادًا لِلْمَاءِ مِنْ الِانْتِفَاخِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَدَّرَ لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَ لِلِانْتِفَاخِ فَلَوْ اقْتَصَرَ فِي تَقْدِيرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى الِانْتِفَاخِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ التَّفَسُّخَ يَقْتَضِي مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الِانْتِفَاخِ وَلَوْ عَكَسَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الِانْتِفَاخَ يَقْتَضِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِلْحُكْمِ وَدَفْعًا لِلْوَهْمِ فَظَهَرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا يَنْبَغِي حَيْثُ جَمَعَ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ الِانْتِفَاخِ، وَالتَّفَسُّخِ وَاقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى الِانْتِفَاخِ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْعَكْسَ (وَقَالَا) تَنَجُّسُهَا (مُنْذُ وُجِدَ) حَتَّى لَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا. (وَلَوْ أُخْرِجَ) الْحَيَوَانُ الْوَاقِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيلَ يُقَدِّرُ مَا فِيهَا) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَقِيلَ أَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ الْأَوْجُهِ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مَا فِيهَا عِنْدَ تَعَسُّرِ نَزْحِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْبَغِي. . . إلَخْ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يُفِيدُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَتْنًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ. . . إلَخْ) . أَقُولُ هَذَا، وَالْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ غَسْلِهِ لَا يُفْسِدُهَا، وَالْكَافِرُ يُفْسِدُهَا وَلَوْ غُسِّلَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: الشَّهِيدُ كَالْمُغَسَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَمَّا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي بِهِ غَيْرُ طَاهِرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا غُسِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ إلَى قَوْلِهِ فَجَمِيعُ الْمَاءِ) حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ. . . إلَخْ) حَكَيَاهُ بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَلْحَقَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ مِنْهَا إلَى الْخَمْسِ بِالْهِرَّةِ، وَالسِّتَّ بِالْكَلْبِ وَأَبُو يُوسُفَ الْخَمْسَ إلَى التِّسْعِ بِالْهِرَّةِ، وَالْعَشَرَةَ بِالْكَلْبِ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا) أَيْ وَهُمْ مُحْدِثُونَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ) أَيْ مِنْ نَجَاسَةٍ أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ. وَتَعَقَّبَ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْغَسْلِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْعِلْمِ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفَأْرَةِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثِّيَابِ مِنْ بَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّنْجِيسِ فِي الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ الْإِعَادَةَ وَلَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا بِتَنَجُّسِهَا مُنْذُ وُجِدَ إلَخْ) يَعْنِي حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ قَالَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ قَوْلُهُ: مَا هُوَ الْمُخْتَارُ قُلْت لَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُرْهَانِيِّ، وَالنَّسَفِيِّ وَالْمَوْصِلِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَرَجَّحَ دَلِيلَهُ فِي جَمِيعِ الْمُصَنَّفَاتِ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ، وَقَوْلَهُ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ، وَالْفَيْضِ بِقَوْلِهِمْ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا اهـ. فَلَعَلَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا قَالَهُ.

[سؤر الخنزير والكلب وسباع البهائم والهرة]

فِي الْبِئْرِ (حَيًّا) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ نَجَسِ الْعَيْنِ) أَيْ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ، وَالْكَلْبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ (وَلَا بِهِ خَبَثٌ لَا يُنَجِّسُهَا) حَتَّى إذَا كَانَ طَاهِرًا كَالشَّاةِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ نَجِسًا لَا لِعَيْنِهِ كَالْحِمَارِ، وَالْبَغْلِ، وَالْهِرَّةِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَأُخْرِجَ حَيًّا لَا يُنَجِّسُهَا أَمَّا الطَّاهِرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا النَّجِسُ لَا لِعَيْنِهِ فَلِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَسِبَاعِ الْوَحْشِ، وَالطُّيُورِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَكَذَا الْحِمَارُ، وَالْبَغْلُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِيهِ لِأَنَّ بَدَنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لَنَا اسْتِعْمَالًا وَإِنَّمَا تَصِيرُ نَجِسَةً بِالْمَوْتِ (إلَّا أَنْ يُدْخِلَ فَاهُ) أَيْ فَمَه (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (فَيَكُونُ حُكْمُهُ) أَيْ الْمَاءِ (حُكْمَ لُعَابِهِ) فَإِنْ كَانَ لُعَابُهُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا فَالْمَاءُ مَشْكُوكٌ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُهُ. (وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ الطَّاهِرِ الْفَمِ) سَوَاءً كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ صَغِيرًا أَوْ كَافِرًا (وَ) سُؤْرُ (كُلِّ مَا يُؤْكَلُ كَذَلِكَ) أَيْ طَاهِرُ الْفَمِ (طَاهِرٌ) لِأَنَّ لُعَابَهُمْ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ بِهِ مِثْلَهُ. (وَ) سُؤْرُ (الْخِنْزِيرِ، وَالْكَلْبِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ، وَالْهِرَّةِ فَوْرَ أَكْلِ الْفَأْرَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ سُؤْرَهَا قَبْلَ أَكْلِهَا وَبَعْدَ أَكْلِهَا وَمُضِيِّ سَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ لَيْسَ بِنَجِسٍ بَلْ مَكْرُوهٌ، فَقِيلَ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ، وَالْأَوْلَى إلَى الْقُرْبِ مِنْ الْحُرْمَةِ (وَشَارِبِ الْخَمْرِ فَوْرَ شُرْبِهَا نَجِسٌ) أَمَّا سُؤْرُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلِاخْتِلَاطِهِ بِاللُّعَابِ النَّجِسِ وَأَمَّا سُؤْرُ الْأَخِيرَيْنِ فَلِاخْتِلَاطِهِ بِنَجِسٍ فِي الْفَمِ. (وَ) سُؤْرُ (الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ) أَيْ الْجَائِلَةِ فِي عَذِرَاتِ النَّاسِ (وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ) كَالْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْوَزَغَةِ (مَكْرُوهٌ) أَمَّا الدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ فَلِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى تَحْتِ قَدَمِهَا لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ فَلِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ فَأَشْبَهَتْ الْمُخَلَّاةَ حَتَّى لَوْ حُبِسَتْ وَعَلِمَ صَاحِبُهَا خُلُوَّ مِنْقَارِهَا عَنْ الْقَذَرِ لَا يُكْرَهُ، وَأَمَّا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا أَوْجَبَتْ نَجَاسَةَ سُؤْرِهَا لَكِنَّهَا سَقَطَتْ لِعِلَّةِ الطَّوَافِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ. (وَ) سُؤْرُ (الْحِمَارِ، وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ) هَذِهِ عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ، وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرَ كَوْنَ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَشْكُوكًا فِيهِ، وَقَالَ سُؤْرُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ لَوْ غَمَسَ فِيهِ الثَّوْبَ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ حَالَ الِاخْتِيَارِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَالْمَشَايِخُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّوَقُّفُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِي الضَّرُورَةِ فَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَالْقُنْيَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ. وَالْبَغْلُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْكَلْبُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ أَوْ لَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ لَمْ يُفْرِدْ سُؤْرَ الْفَرَسِ فَشَمَلَهُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا، وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ الْإِمَامِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ طَهَارَتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. [سُؤْرُ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالْهِرَّةِ] (قَوْلُهُ: وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ) أَقُولُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ كَرَاهَةَ سُؤْرِ الْهِرَّةِ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا فِي الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ أَمَّا الْبَرِّيَّةُ فَسُؤْرُهَا نَجَسٌ كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ. [سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ] (قَوْلُهُ: وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِنْ كَانَتْ تَخْلِطُ وَأَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا أَوْجَبَ نَجَاسَةَ سُؤْرِهَا. . . إلَخْ) يُفِيدُ نَجَاسَةَ لَحْمِ الْمَذْكُورَاتِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَتْ فِي الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْعَقْرَبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ. [سُؤْرُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ] (قَوْلُهُ: وَبَعْضُهُمْ) هُوَ الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ كَانَ يُنْكِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ، وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ) عِبَارَةُ الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهَا هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ، وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا عُلِمَ ضَعْفُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِالشَّكِّ فِي طَهُورِيَّتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ فَإِنَّ وُجُوبَ غَسْلِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ وَالثَّابِتُ الشَّكُّ فِيهَا فَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّأْسُ بِالشَّكِّ فَلَا يَجِبُ، وَعُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَفْرِيعًا عَلَى كَوْنِ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي) عِبَارَةُ الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ فَقِيلَ الشَّكُّ إلَى وَهُوَ الصَّحِيحُ فَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ. . . إلَخْ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ فَإِنْ قُلْت أَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُك الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحِلِّ، وَالْحُرْمَةِ قُلْت ذَلِكَ إذَا لَمْ يَغْلِبْ شَبَهُهُ بِالْأَبِ أَمَّا إذَا غَلَبَ شَبَهُهُ فَلَا اهـ. وَبِهَذَا سَقَطَ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ فِي الْبَحْرِ

[باب التيمم]

لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ،. وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا، وَإِذَا كَانَ مَشْكُوكًا (يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ) مِنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ، الْمُرَادُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا دُونَ الْجَمْعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ فَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ (بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ) حَيْثُ يَتَوَضَّأُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَطْ وَمُحَمَّدٌ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَالْمُرَادُ بِهِ حُلْوٌ رَقِيقٌ يَسِيلُ كَالْمَاءِ أَمَّا إذَا اشْتَدَّ وَصَارَ مُسْكِرًا لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ اتِّفَاقًا قَالَ قَاضِي خَانْ: بِئْرٌ بَالُوعَةٌ جَعَلُوهَا بِئْرَ مَاءٍ إنْ جُعِلَتْ أَوْسَعَ وَأَعْمَقَ مِقْدَارَ مَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَانَ طَاهِرًا، وَإِنْ حُفِرَتْ أَعْمَقَ وَلَمْ تُجْعَلْ أَوْسَعَ مِنْ الْأُولَى فَجَوَانِبُهَا نَجِسَةٌ وَقَعْرُهَا طَاهِرٌ، بِئْرٌ تَنَجَّسَ فَغَارُ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّزْحِ وَكَذَا بِئْرٌ وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا فَنُزِحَ عَشَرَةٌ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ عَادَ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بِئْرِ الْبَالُوعَةِ وَبَيْنَ بِئْرِ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا لَا تَصِلُ النَّجَاسَةُ إلَى بِئْرِ الْمَاءِ وَقُدِّرَ فِي الْكِتَابِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ السُّؤْرِ وَكَانَ أَحْكَامُ الْعَرَقِ أَيْضًا مُحْتَاجًا إلَى الْبَيَانِ قَالَ (وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَوْنُ سُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكًا مَعَ أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَرَقِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمُخَالِفِ لِلْقِيَاسِ وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًّا» ، وَالْحَرُّ حَرُّ الْحِجَازِ، وَالثِّقْلُ ثِقْلُ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَرَقُهُ نَجِسًا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ بَدَنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ قُلْنَا مَعْنَى مَا سَبَقَ كَوْنُ ظَاهِرِ الْبَدَنِ طَاهِرًا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّ مَا يُلَاقِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يَكُونُ نَجِسًا لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ بَاطِنِهَا نَجِسًا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ. (بَابُ التَّيَمُّمِ) هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ الصَّعِيدِ بِقَصْدِ التَّطْهِيرِ (جَازَ وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ) خِلَافًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: يَتَوَضَّأُ بِهِ) أَقُولُ وَيَنْوِي احْتِيَاطًا لِمَا قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ إنَّمَا قَالَ ثُمَّ أَحْدَثَ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الصَّلَاةِ مِمَّا لَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَإِلَّا فَلَا دَخْلَ لِلْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ قَبْلَ حَدَثِهِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ قَالَ الْكَمَالُ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّاهَا صَحَّتْ الظُّهْرُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَى هَامِشِهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ مُحَمَّدٌ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ وَرَحِمَهُ يَعْنِي وَلَمْ يُحْدِثْ بَيْنَهُمَا لَكِنْ كُرِهَ لَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ اسْتَلْزَمَ أَدَاءَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ اهـ. قُلْت وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا الْحَدَثُ وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ سُؤَالًا عَلَى مَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا الْحَدَثُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا الْجَمْعُ قُلْنَا ذَاكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا أَصْلًا أَمَّا هُنَا فَقَدْ أَدَّاهَا بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ شَرْعًا كَمَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكْفُرُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ) وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مَكَانَ الْكِفَايَةِ الْكَافِي وَلَمْ أَرَ الْعِبَارَةَ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَطْ) أَقُولُ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَالتَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ نَبِيذِ التَّمْرِ مُتَعَيَّنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ كَمَا يُفْتِي بِهِ أَبُو يُوسُفَ، وَالْعَكْسُ أَيْ تَعَيَّنَ الْوُضُوءُ بِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّمَا اخْتَلَفَ أَجْوِبَتُهُ لِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: مُعْرَوْرِيًّا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ اعْرَوْرَى الدَّابَّةَ رَكِبَهُ عُرْيًا، وَمِنْهُ «كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًّا» وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرًى اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ [بَابُ التَّيَمُّمِ] [كَيْفِيَّة التَّيَمُّم] (بَابُ التَّيَمُّمِ) (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ) يَعْنِي مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا. . . إلَخْ) كَذَا قَالُوا، وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ مِنْ الصَّعِيدِ، وَالْقَصْدُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ طَاهِرٍ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ

لِلشَّافِعِيِّ (وَلِأَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ) وَاحِدٍ (وَغَيْرِهِ) يَعْنِي يُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالنَّوَافِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَيُصَلِّي مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ (لِمُحْدِثٍ) مُتَعَلِّقٌ بِجَازِ (وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ عَجَزُوا عَنْ الْمَاءِ) أَيْ مَاءٍ يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا انْتَبَهَ مِنْ النَّوْمِ مُحْتَلِمًا وَكَانَ لَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِأَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُحْدِثِ مَاءٌ يَكْفِي لِغَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ (لِبُعْدِهِ) أَيْ الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِعَجَزُوا (مِيلًا) وَهُوَ ثُلُثُ فَرْسَخٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ (أَوْ مَرَضٍ) لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ التَّلَفِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (أَوْ بَرْدٍ) يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ أَوْ الْمَرَضِ (وَلَوْ فِي الْمِصْرِ) خِلَافًا لَهُمَا (أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ إلَى الصَّعِيدِ لِلتَّطْهِيرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصَحُّ لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى اشْتِرَاطُ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ، وَالتَّيَمُّمُ بِالْحَجَرِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ. اهـ. . قُلْت هُوَ وَإِنْ كَانَ أَصَحَّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ مَدْلُولَهُ الْقَصْدَ الْمَخْصُوصَ وَعَلِمْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ) يَعْنِي فَالتَّيَمُّمُ السَّابِقُ بَاقٍ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ. (قَوْلُهُ: لِبُعْدِهِ مِيلًا) يَنْفِي اشْتِرَاطَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا لُحُوقُ الْحَرَجِ وَبِبُعْدِهِ مِيلًا عَمَّا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ وَيَنْفِي أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ، وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي التَّقْدِيرِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيَعْتَبِرُ أَبُو يُوسُفَ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ غَيْبَةَ رُفْقَتِهِ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَيْ الْمَاءُ قَالُوا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا حُدَّ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُغْتَالَ دُونَهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قُلْت وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخَوْفُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ) أَقُولُ هَذَا عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْ الْمِيلِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَالْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ، وَالْمِيلُ فِي تَقْدِيرِ ابْنِ شُجَاعٍ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَفِي تَفْسِيرِ غَيْرِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ وَهِيَ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ اهـ. قُلْت لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا خِلَافَ لِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ شُجَاعٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْ الْمِيلُ ثُلُثُ فَرْسَخٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ كُلِّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرَ الْبَطْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) أَقُولُ نَفْيُ الْقُدْرَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَوْ بِعَكْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَوَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ إلَّا الْحَرَكَةُ إلَى الْمَاءِ وَلَا يَضُرُّهُ الْمَاءُ كَالْمَبْطُونِ وَصَاحِبِ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَإِنْ وَجَدَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ أَوْ لَا وَأَهْلُ طَاعَتِهِ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ أَجِيرُهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي التَّأْسِيسِ. وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا اهـ. وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَضُرُّهُ الْمَاءُ وَيَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ كَمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ حُمَّى أَوْ جِرَاحَةٌ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ. هَذَا وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ عَجَزَ أَيْضًا عَنْ التَّيَمُّمِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي عَلَى قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَقْدِرَ أَيْ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُصَلِّي تَشَبُّهًا وَيُعِيدُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَرْدٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَلَا أُجْرَةِ الْحَمَّامِ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَجِدُ ثَوْبًا يَتَدَفَّى بِهِ وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ اهـ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا خَوْفُ الْمَرَضِ مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِهِ هَلْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ جَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مُبِيحًا. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً اهـ. (تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَمَعْرِفَتُهُ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ، وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنَّ الضَّعْفَ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ: الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَا وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ الصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَذَا فِي شَرْحِ الْغَزِّيِّ مِنْ الْعَوَارِضِ فِي الصَّوْمِ فَيَكُونُ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ) وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَمَانَتِهِ أَوْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ فَاسِقٍ عِنْدَ الْمَاءِ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الدَّائِنُ عِنْدَ الْمَاءِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الْإِعَادَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَإِلْقَاءُ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ حَرَامٌ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ (أَوْ عَطَشٍ) يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِدَابَّتِهِ (أَوْ عَدَمِ آلَةٍ) كَالدَّلْوِ، وَالْحَبْلِ (أَوْ خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ (لِغَيْرِ الْأَوْلَى) يَعْنِي إذَا خَافَ غَيْرُ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَهُوَ مَنْ لَا يَكُونُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ وَالِيًا أَوْ إمَامَ الْحَيِّ فَوْتَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إنْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَعِبَارَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى (أَوْ) خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ (عِيدٍ وَلَوْ بِنَاءً) أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ لِلْبِنَاءِ يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مُتَوَضِّئًا ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَخَافَ أَنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِلْبِنَاءِ (لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ (لِفَوْتِ الْوَقْتِيَّةِ، وَالْجُمُعَةِ) لِأَنَّ فَوْتَهُمَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ، وَالْقَضَاءُ. (بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ فَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الصَّلَاةَ (فَلَغَا) أَيْ إذَا شُرِطَ فِيهِ النِّيَّةُ لَغَا (تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءٌ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ، وَالْوُضُوءُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِهَا فَلَوْ تَوَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِهِ. (بِضَرْبَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ عَطَشٍ يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِدَابَّتِهِ) يَعْنِي وَلَوْ كَانَتْ كَلْبًا أَوْ احْتِيَاجِهِ لِلْعَجْنِ كَالشُّرْبِ لَا اتِّخَاذِ الْمَرَقِ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ وَرَفِيقُ الْقَافِلَةِ كَرَفِيقِ الصُّحْبَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ كَانَ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا وَمُقَاتَلَتُهُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَاحِبَ الْمَاءِ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرَّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ أَوْ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُضْطَرُّ قِيمَةَ الْمَاءِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَدَمِ آلَةٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ الطَّاهِرِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ وَيُخْرِجُ الْمَاءَ قَلِيلًا قَلِيلًا بِالْبَلِّ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ اهـ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْأَوْلَى) مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَلَوْ صَلَّوْا لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ لَمْ يُنْتَظَرْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا خَافَ غَيْرُ الْأَوْلَى. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَكَذَا الْأَوْلَى وَقَدْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ خَوْفِ فَوْتِ التَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَ الْبَعْضِ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَعِبَارَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى) يَعْنِي لِشُمُولِهَا ظَاهِرًا لَكِنْ أُجِيبَ عَنْ الَّذِي عَبَّرَ بِالْوَلِيِّ أَنَّ كَلَامَهُ شَامِلٌ أَيْضًا إذْ يُعْلَمُ الْحُكْمُ فِيمَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ السُّلْطَانِ وَمَا بَعْدَهُ فَمَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ عِيدٍ) . قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنْ تَفُوتَهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ بَعْضَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ وَقَيَّدَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَقَالُوا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ الزَّوَالَ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا لِتَصَوُّرِ الْفَوَاتِ بِالْفَسَادِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ، وَالْإِمَامُ فِي الْعِيدِ لَا يَتَيَمَّمُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ لَا يُجْزِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فَوْتَهُمَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ، وَالْقَضَاءُ) إطْلَاقُ الْخَلْفِيَّةِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ بِاعْتِبَارِ تَغْلِيبِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَلَا خَلْفِيَّةَ فِي الظُّهْرِ عَنْ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَأَصْلُ الْإِطْلَاقِ فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَدَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ زُفَرَ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ خَلَفٌ وَالظُّهْرَ أَصْلٌ فَلَا وَدَفَعَ بِأَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِصُورَةِ الْخَلَفِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَكَانَ الظُّهْرُ خَلَفًا صُورَةً أَصْلًا مَعْنًى وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّافِعِ فَقَالَ لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ الْأَصْلُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ) أَقُولُ وَلَوْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ تُجْزِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ يُرِيدُ التَّيَمُّمَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ وَقَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ تَعْلِيمَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) أَقُولُ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ هُنَا لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً ابْتِدَاءً يُعْقَلُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، وَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَنْكِفِينَ مِنْ الْكُفَّارِ وَلِذَا أُدِّيَتْ فِي ضِمْنِ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ) أَقُولُ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمَا وَيَعْتَبِرُهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: بِضَرْبَتَيْنِ) يَعْنِي بِبَاطِنِ الْكَفَّيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِالضَّرْبِ يُفِيدُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الضَّرْبِ بِالْحَدَثِ قَبْلَ الْمَسْحِ كَبُطْلَانِ بَعْضِ الْوُضُوءِ بِالْحَدَثِ وَبِهِ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ التُّرَابَ كَذَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ: يَجُوزُ كَمَنْ مَلَأَ كَفَّيْهِ مَاءً فَأَحْدَثَ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَدَمُ اعْتِبَارِ ضَرْبَةِ

أَيْضًا بِجَازِ (إنْ اسْتَوْعَبَتَا) أَيْ الضَّرْبَتَانِ، وَالْمُرَادُ الْيَدَانِ الْمَضْرُوبَتَانِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَقْعٌ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَجْزِيهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْتَوْعِبَا (فَثَالِثَةٌ) أَيْ يَلْزَمُ ضَرْبَةٌ ثَالِثَةٌ لِيَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ بِالنَّقْعِ أَوْ الْيَدِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ، فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ مَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْغُبَارُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّلَ أَصَابِعَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ لِتَخْلِيلِهَا مِنْ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النَّقْعِ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ وَلَوْ بِلَا نَقْعٍ فَتَدَبَّرْ (عَلَى طَاهِرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِضَرْبَتَيْنِ (مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ) كَالتُّرَابِ، وَالرَّمْلِ، وَالْحَجَرِ، وَالْكُحْلِ، وَالزِّرْنِيخِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالتُّرَابِ أَوْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ عَلَيْهِمَا غُبَارٌ وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمِلْحُ الْمَائِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ (وَهُوَ لَا يَنْطَبِعُ) أَيْ لَا يَلِينُ احْتِرَازًا عَنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهَا (وَلَا يَتَرَمَّدُ) أَيْ لَا يَصِيرُ رَمَادًا (بِالِاحْتِرَاقِ) كَالشَّجَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَتَرَمَّدُ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الطَّاهِرُ (بِلَا نَقْعٍ) أَيْ غُبَارٍ (وَعَلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى طَاهِرٍ، وَالضَّمِيرُ لِلنَّقْعِ أَيْ وَبِضَرْبَتَيْنِ عَلَى النَّقْعِ (بِلَا عَجْزٍ) عَنْ الصَّعِيدِ كَمَا إذَا كَنَسَ دَارًا أَوْ هَدَمَ حَائِطًا أَوْ كَالَ حِنْطَةً فَأَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ فَمَسَحَ جَازَ حَتَّى إذَا لَمْ يَمْسَحْ لَمْ يَجُزْ. (وَيَجِبُ طَلَبُهُ) أَيْ الْمَاءِ (غَلْوَةً) وَهِيَ مِقْدَارُ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ ذَهَبَتْ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ كَانَ بَعِيدًا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ (إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ) أَيْ الْمَاءِ (وَإِلَّا فَلَا) يَجِبُ طَلَبُهُ (وَنُدِبَ لِرَاجِيهِ) أَيْ الْمَاءِ (تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ) فَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ لَا يُعِيدُهَا. (وَضَعَهُ) أَيْ الْمَاءَ (فِي رَحْلِهِ أَوْ أَمَرَ) غَيْرَهُ (بِهِ) أَيْ بِوَضْعِهِ فِيهِ (وَنَسِيَ فَصَلَّى بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ (لَمْ يُعِدْ) الصَّلَاةَ (إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ) وَضَعَهُ (غَيْرُهُ بِلَا عِلْمِهِ فَقِيلَ جَازَ) التَّيَمُّمُ (وِفَاقًا وَقِيلَ) هُوَ أَيْضًا (مُخْتَلَفٌ فِيهِ، طَلَبَهُ مِنْ رَفِيقِهِ فَإِنْ مَنَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضِ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَسْحُ لَيْسَ غَيْرُ فِي الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} [النساء: 43] وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ» إمَّا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَسْحَتَيْنِ كَمَا قُلْنَا أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: إنْ اسْتَوْعَبَتَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيُشْتَرَطُ الْمَسْحُ بِجَمِيعِ الْيَدِ أَوْ بِأَكْثَرِهَا حَتَّى لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَرَّرَ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ بِخِلَافِ الرَّأْسِ، وَالِاسْتِيعَابُ فَرْضٌ لَازِمٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ تَرَكَ قَلِيلًا مِنْ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَلْزَمُهُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَنَزْعُ الْخَاتَمِ أَوْ تَحْرِيكُهُ وَيَمْسَحُ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَمُوقِ الْعَيْنَيْنِ وَمِنْ وَجْهِهِ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ، وَالشَّعْرَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي السِّرَاجِ لَا يَجِبُ مَسْحُ اللِّحْيَةِ وَلَا الْجَبِيرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْيَدُ الْمَضْرُوبَةُ عَلَى الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ النَّقْعِ شَرْطٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ بَلْ عَلَى هَذَا يَرِدُ كَمَا عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمِلْحُ الْمَائِيُّ) أَقُولُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ بِالْمَائِيِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ بِالْجَبَلِيِّ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَصَحَّحَ كُلًّا مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي التَّجْنِيسِ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ بِالْجَبَلِيِّ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَتَرَمَّدُ) فِي الْعَطْفِ بِأَوْ تَسَامُحٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ عَطْفُ خَاصٍّ (قَوْلُهُ: أَيْ وَبِضَرْبَتَيْنِ عَلَى النَّقْعِ) إنْ كَانَ مَشْيًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّرْبَ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ فَاعْتِبَارُ الضَّرْبَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ الْعُضْوِ لِلتَّمْثِيلِ لَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا كَنَسَ دَارًا. . . إلَخْ وَإِنْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّاهُ فَظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ غَلْوَةً) يَعْنِي يُفْتَرَضُ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ طَلَبُ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ يُشْتَرَطُ وَفِي الْفَلَوَاتِ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْمَاءَ يَجِدُهُ أَوْ خُبِّرَ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ يَمِينًا وَيَسَارًا عَلَى قَدْرِ غَلْوَةٍ اهـ. وَقَيَّدَ الْمُخْبِرَ فِي الْبَدَائِعِ بِالْعَدْلِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَقُدِّرَ الطَّلَبُ بِغَلْوَةٍ مِنْ جَانِبِ ظَنِّهِ وَطَلَبُ وُصُولِهِ كَطَلَبِهِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لِبُعْدِهِ مِيلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَالْمُصَنِّفِ بَلْ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ) أَقُولُ وَكَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ لِرَاجِيهِ. . . إلَخْ) يَعْنِي فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هُوَ أَيْضًا مُخْتَلَفٌ فِيهِ) قَالَهُ فِي الْكَافِي وَذِكْرُ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ: طَلَبَهُ مِنْ رَفِيقِهِ) أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ، وَالْكَنْزِ وَقَدْ فَصَّلَ صَاحِبُهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْ سَأَلَ أَعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ تَيَمَّمَ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَسَأَلَهُ

[التيمم على أرض نجسة]

أَوْ أَعْطَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ) أَعْطَاهُ (بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ (وَهُوَ لَيْسَ عِنْدَهُ تَيَمَّمَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَوْ أَعْطَاهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ عِنْدَهُ (فَلَا) يَتَيَمَّمُ (وَقَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ (قِيلَ جَازَ) التَّيَمُّمُ اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ لَا) اخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوطِ. (وَلَمْ يَجُزْ) التَّيَمُّمُ (عَلَى أَرْضٍ تَنَجَّسَتْ وَزَالَ أَثَرُهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ طَيِّبَةً وَإِنْ طَهُرَتْ (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ) إذْ الطَّهَارَةُ كَافِيَةٌ فِيهَا. (وَنَاقِضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) لِأَنَّهُ خَلَفُهُ (وَالْقُدْرَةُ) عَلَى مَاءٍ (كَافٍ) لِطُهْرِهِ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ فَتَنْتَهِي طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجِ نَجِسٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ عَدِمَهُ أَعَادَ التَّيَمُّمَ، وَإِذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ ظَهْرَهُ مَثَلًا وَفَنِيَ الْمَاءُ وَأَحْدَثَ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَتَيَمَّمَ لَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ مِنْ الْمَاءَ مَا يَكْفِيهِمَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ لِأَحَدِهِمَا بَقِيَ فِي حَقِّهِمَا، وَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ غَسَلَهُ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَإِنْ كَفَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا غَسَلَ اللُّمْعَةَ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ (فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِهَا كَدَفْعِ الْعَطَشِ كَانَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (مُرُورُ النَّاعِسِ بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ (عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَعْطَاهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا، وَإِنْ مَنَعَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً اهـ. وَفِي الْبَحْرِ الْغَالِبُ عَدَمُ الضِّنَةِ بِالْمَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَجْرِي الضِّنَّةُ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَعْطَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ) يَعْنِي بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَهُوَ ضِعْفُ الْقِيمَةِ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَقِيلَ شَطْرُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَيْسَ عِنْدَهُ) يَعْنِي فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ (قَوْلُهُ: اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ) أَقُولُ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَالَا لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً اهـ. فَتَأَمَّلْ وَفِي الْبُرْهَانِ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدَ الْجَصَّاصِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَمُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ، وَمُرَادُهُمَا: إذَا ظَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْكِ فِي الْكَافِي خِلَافًا، وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهَا. [التَّيَمُّم عَلَى أَرْض نَجِسَة] (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ عَلَى أَرْضٍ. . . إلَخْ) سَيَذْكُرُهَا أَيْضًا فِي بَابِ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ. [نَوَاقِض التَّيَمُّم] (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ) يَعْنِي فَإِنْ كَانَ تَيَمَّمَ لِحَدَثٍ ثُمَّ أَحْدَثَ أَعَادَهُ وَإِنْ كَانَ لِجَنَابَةٍ ثُمَّ أَجْنَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ لَهَا وَإِنْ أَحْدَثَ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَنْتَقِضُ بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ فَثَبَتَ أَحْكَامُ الْحَدَثِ لَا أَحْكَامُ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ لَا جُنُبٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَلَفُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ بِلَا شَكٍّ اتِّفَاقًا لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَدَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَصْحَابِنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ الثَّانِي الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ الْمَاءِ، وَالتُّرَابِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ وَهُمَا التَّيَمُّمُ، وَالْوُضُوءُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فَأَجَازَاهُ وَمَنَعَهُ وَسَيَأْتِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَقُدْرَةُ مَاءٍ) لَوْ قَالَ وَزَوَالُ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ. . . إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ نَاقِضٌ حَقِيقَةً لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُمَا لَيْسَ بِطَهَارَةٍ ضَرُورِيَّةٍ وَلَا خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ بَلْ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَمِلَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ شَرْطًا لِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَحُصُولِ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا فَانْتَفَى لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ انْتِفَاؤُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ) يَعْنِي وَلَمْ يَكْفِ الْآخَرَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَفَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا) يَعْنِي غَيْرَ عَيْنٍ بِأَنْ كَانَ يَكْفِي هَذَا فَقَطْ أَوْ الْآخَرَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: غَسَلَ اللُّمْعَةَ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَأَعَادَ تَيَمُّمَهُ لِلْحَدَثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ، وَوُجُوبُ صَرْفِهِ إلَى الْجَنَابَةِ لَا يُنَافِي قُدْرَتَهُ عَلَى صَرْفِهِ إلَى الْحَدَثِ وَلِهَذَا لَوْ صَرَفَهُ إلَى الْوُضُوءِ جَازَ وَيَتَيَمَّمُ لِجَنَابَتِهِ اتِّفَاقًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ إلَى اللُّمْعَةِ، وَالْمُسْتَحِقُّ بِجِهَةٍ كَالْمَعْدُومِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ) أَقُولُ كَذَا هُوَ بِصُورَةِ اللَّامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْكَافِ وَالدَّالِّ لِيَشْمَلَ احْتِيَاجَهُ لِلْعَجِينِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَنَاقِضُهُ أَيْضًا مُرُورُ النَّاعِسِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبْقَيَا تَيَمُّمَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَالْمَجْمَعِ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْفَتْوَى عَدَمُ الِانْتِقَاضِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ جَازَ تَيَمُّمُهُ اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ. وَفِي الْبُرْهَانِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَفِي جَنْبِهِ بِئْرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْإِدَاوَةِ الْمُعَلَّقَةِ فِي عُنُقِهِ وَفِي أُخْرَى يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ إذْ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. فَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِهِ لِمُسْتَيْقِظٍ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِانْتِقَاضِ تَيَمُّمِ الْمَارِّ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ غَفْلَتِهِ اهـ. مَا فِي الْبُرْهَانِ تَبَعًا لِلْكَمَالِ قُلْت لَكِنْ رُبَّمَا يُفَرِّقُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا تَخَلَّلَهُ الْيَقَظَةُ

[باب المسح على الخفين]

الْمَاءِ) حَتَّى لَوْ مَرَّ النَّائِمُ بِهِ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ عَلَى الْمَاءِ (كَالْمُسْتَيْقِظِ) أَيْ كَانْتِقَاضِهِ بِمُرُورِ الْمُسْتَيْقِظِ بِهِ عَلَى الْمَاءِ (لَا الرِّدَّةُ) فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ حَتَّى إذَا تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِهِ (جُرِحَ أَكْثَرُهُ) أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ (تَيَمَّمَ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا (غَسَلَ) الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ (وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ، وَالْغُسْلِ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا الْمَاءُ وَبِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا التَّيَمُّمُ لَا يُصَلِّي. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (الْمَانِعُ) مِنْ الْوُضُوءِ (لَوْ) كَانَ (مِنْ) قِبَلِ (الْعِبَادِ) كَأَسِيرٍ يَمْنَعُهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْوُضُوءِ وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ وَمَنْ قِيلَ لَهُ إنْ تَوَضَّأْت قَتَلْتُك (جَازَ لَهُ) التَّيَمُّمُ (وَيُعِيدُهَا) أَيْ الصَّلَاةَ (إذَا زَالَ) الْمَانِعُ. (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) (جَازَ بِالسُّنَّةِ) الْمَشْهُورَةِ فَيَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَيَكُونُ مَنْ لَمْ يَرَهُ مُبْتَدِعًا لَكِنْ مَنْ رَآهُ وَلَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مُثَابًا قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قُلْت هَذِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ بِإِتْيَانِ الْعَزِيمَةِ إذْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا، وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ، وَالْغَسْلِ وَإِذَا نَزَعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءَ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ لَمَا بَطَلَ بِغَسْلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَقُولُ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ سَهْوٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي بِالْمَشْرُوعِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ فَجُعِلَ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا أَوْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَاءِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ، وَالنَّائِمُ قَادِرٌ تَقْدِيرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهِ نَائِمٌ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُحْدِثِ الْغَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ أَمَّا لَوْ كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا مُتَمَكِّنًا فَالنَّقْضُ بِالْمُرُورِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) أَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْجَرِيحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ فَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا تَسَاوَى الْجَرِيحُ وَالصَّحِيحُ وَلِمَا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ صَحِيحًا وَعَلَيْهِ مَشَى قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ اسْتَوَى الْجَرِيحُ، وَالصَّحِيحُ تَكَلَّمُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ الصَّحِيحِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسَاوِيَ كَالْغَالِبِ فَيَتَيَمَّمُ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهُوَ أَشْبَهُ (قَوْلُهُ: غَسَلَ الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْلِ) أَقُولُ الْمُرَادُ غَسَلَ الْأَعْضَاءَ الصَّحِيحَةَ وَأَمَّا الْجَرِيحَةُ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَعَلَى الْخِرْقَةِ إنْ ضَرَّهُ (قَوْلُهُ: الْمَانِعُ مِنْ الْوُضُوءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعِيدُ وَتَقَدَّمَ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ وَهَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ هُوَ بِسَبَبِ الْعَبْدِ فَتَجِبُ ذَهَبَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنْ يُقَالُ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ الْخَوْفُ الَّذِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّجَرُّدِ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ لَهُ مِنْ الْغَيْرِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قُلْت) قَدْ نُقِلَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْوِقَايَةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ بِالِاتِّفَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ حُبِسَ فِي السَّفَرِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ انْضَمَّ عُذْرُ السَّفَرِ إلَى الْعُذْرِ الْحَقِيقِيِّ، وَالْغَالِبُ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ فَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. (قُلْت) وَلَا يَخْلُو عَنْ قَيْدٍ ظَاهِرٍ لِلْمُتَأَمِّلِ. [بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] [حُكْم الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ] (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي. . . إلَخْ) أَقُولُ مُحَصَّلُهُ أَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِ الْكَافِي بِمَعْنَى الْحِلِّ الْمُقَابِلِ لِلْحُرْمَةِ لَا بِمَعْنَى الصِّحَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْبُطْلَانِ فَإِشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ غَيْرُ وَارِدٍ فَإِنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ فَقَدْ أَقَرَّ صِحَّةَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِدًا عَلَى الْكَافِي وَلَمْ يَرْتَضِ الْكَمَالُ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ وَنَظَرَ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَمَبْنَى هَدْمِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ يَعْنِي الَّذِي نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِبُطْلَانِ الْمَسْحِ

الْجَوَازُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ لَا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُهُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِالْعَزِيمَةِ ثَمَّةَ بِأَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَأْثَمُ مَعَ أَنَّ فَرْضَهُ يَتِمُّ وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ أَنَّ الْمُتَرَخِّصَ مَا دَامَ مُتَرَخِّصًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ فَإِذَا زَالَ التَّرَخُّصُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى إذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَالِافْتِتَاحُ بِالرَّكْعَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَإِذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ تَحَوَّلَتْ إلَى الْأَرْبَعِ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهَا الْغَسْلُ حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَثِمَ وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ، وَإِذَا نَزَعَ الْخُفَّ وَزَالَ التَّرَخُّصُ صَارَ الْغَسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ وُضُوحِهِ لِمَنْ تَدَرَّبَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى فَحْلٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْفُحُولِ (مَرَّةً) إذْ لَمْ يُسَنَّ فِي الْمَسْحِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ فِي الْغَسْلِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ الْمَاسِحُ (امْرَأَةً) لِأَنَّ دَلِيلَ جَوَازِهِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ مَعَ دُخُولِهِنَّ فِي عُمُومَاتِ الْخِطَابِ. (لَا جُنُبًا) لِأَنَّ الْمَسْحَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَنَابَةُ وَلِأَنَّ صِيغَةَ الْمُبَالَغَةِ أَعْنِي {فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَوْجَبَتْ كَمَالَ التَّطْهِيرِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْمَسْحِ يَفُوتُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالُوا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْوِيرِ فَإِنَّ مَنْ أَجْنَبَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ لَكِنْ قِيلَ صُورَتُهُ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ثُمَّ يُجْنِبُ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَجْنَبَ فِي الْمُدَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخَوْضِ الْمَاءِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَيَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورِ مِنْ بَعْدِ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ يَعْنِي الْغَسْلَ لَمْ يَزُلْ بِهِ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْغَسْلُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ، وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ ثُمَّ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ انْتَهَى كَلَامُ الْكَمَالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَقُولُ) وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْفَرْقِ فِيهِ تَأَمُّلٌ وَإِنَّ الْأَوْجَهِيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا إذَا خَاضَ الْمَاءَ لَا عَلَى مَا إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ دَاخِلَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ ذَلِكَ الْفَرْعُ بِالْإِجْزَاءِ بِالْخَوْضِ فِيمَا ذَكَرَ صَرِيحًا بَلْ بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ هُوَ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ بِغَسْلِ الرِّجْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ كَغَسْلِ مَا لَمْ يَجِبْ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَلَمْ يُوجِبْ النَّزْعَ لِحُصُولِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ وَهَذَا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ الْفَرْقِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ لِي هَذَا أَنَّ تِلْمِيذَهُ الْمُحَقِّقَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ. وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَنْعَ صِحَّةِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ الْآنَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَانِعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْحَدَثِ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّخَفُّفِ فَإِذَا نَزَعَ أَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا يَجِبُ الْغَسْلُ لِظُهُورِ عَمَلِ الْمُقْتَضِي الْآنَ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْغَسْلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ بَعْدَ نَزْعِ الْخُفِّ هَذَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كُلًّا مِنْ تَنْظِيرِ الْكَمَالِ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ فِي إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَلْحَظٍ غَيْرِ مَا لَحَظَهُ الْآخَرُ وَقَدْ نَقَلَهُمَا جَمِيعًا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قُلْنَاهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هُدَاهُ ثُمَّ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَّ قَدَمُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ. قُلْت لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ فَرْعٍ يُخَالِفُ فَرْعًا غَيْرَهُ بُطْلَانُهُ كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ مَاسِحُ الْخُفِّ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ وَابْتَلَّ مِنْ رِجْلِهِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُجْزِئُ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْمَسْحِ وَإِنْ ابْتَلَّ بِهِ جَمِيعُ الْقَدَمِ وَبَلَغَ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ: وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مُحِيطٌ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْمَسْحِ: وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ. فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَصَحِّيَّةِ الْفَرْعِ وَضَعْفِ مَا يُقَابِلُهُ (قَوْلُهُ: يَأْثَمُ) فِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ) أَقُولُ الْأَوْلَى عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ التَّامَّةَ تَشْمَلُ التَّيَمُّمَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَيَمِّمِ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا لَا مَانِعًا. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ. . . إلَخْ) فِي هَذَا التَّمْثِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوَجْهَيْنِ عَدَمِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَعَدَمِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللُّبْسِ وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ الثَّانِي فَقَطْ مَا لَوْ تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا لَكِنَّهُ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْيُسْرَى.

[مدة المسح على الخفين]

وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ. (مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ) هَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَاهُنَا الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَنَحْنُ نَقُولُ يَكْفِي كَوْنُ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ مَوْجُودَيْنِ وَقْتَ الْحَدَثِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ زَمَانُ بَقَاءِ اللُّبْسِ لَا زَمَانُ حُدُوثِهِ، وَالْمُفِيدُ لِلْبَقَاءِ، وَالِاسْتِمْرَارِ هُوَ الِاسْمُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُفِيدُ التَّجَدُّدَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَحْسَنُ لِجَوَازِ تَوْجِيهِ عِبَارَةِ الْقَوْمِ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ لَبِسَ وَعِنْدَ الْحَدَثِ مُتَعَلِّقًا بِتَامٍّ، وَالْمَعْنَى إذَا لَبِسَهُمَا كَائِنًا عَلَى طُهْرٍ هُوَ تَامٌّ عِنْدَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ مَآلُ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدًا. (لِلْمُقِيمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: جَازَ (يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» (مِنْ حِينِ الْحَدَثِ) لَا حِينِ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ لِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمَسْحِ هُوَ وَقْتُ الْحَدَثِ. (عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ جَازَ، الْخُفُّ مَا يَسْتُرُ الْكَعْبَ أَوْ يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرَهَا أَمَّا لَوْ ظَهَرَ قَدْرَهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَرْقِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ وَاسِعًا بِحَيْثُ تُرَى رِجْلُهُ مِنْ أَعْلَى الْخُفِّ قَيَّدَ بِالظَّاهِرِ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ (أَوْ جُرْمُوقَيْهِ) هُمَا خُفَّانِ يُلْبَسَانِ فَوْقَ الْخُفِّ وِقَايَةً لَهُمَا (الْمَلْبُوسَيْنِ عَلَى الْخُفِّ قَبْلَ الْحَدَثِ) حَتَّى لَوْ لَبِسَهُمَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ بِالرَّأْيِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَلْ عَنْ الرِّجْلِ كَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا الْجُرْمُوقُ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ كَانَتْ بِالرِّجْلِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْخُفِّ وَظِيفَةٌ لِيَصِيرَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَيَصِيرُ الْجُرْمُوقُ بَدَلًا مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَيْهِ بَلْ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ إلَى الرِّجْلِ وَلِذَا قُلْنَا إذَا أَحْدَثَ وَمَسَحَ بِالْخُفِّ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ فَلَبِسَ الْجُرْمُوقَ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ اسْتَقَرَّ بِالْخُفِّ فَصَارَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حُكْمًا فَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ وَإِذًا لَا يَجُوزُ كَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ لُبِسَ فَوْقَ مَخِيطٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ جُوخٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْجُرْمُوقَ إذَا كَانَ بَدَلًا مِنْ الرِّجْلِ وَجُعِلَ الْخُفَّ مَعَ جَوَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ] قَوْلُهُ: مِنْ حِينِ الْحَدَثِ) هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لَا حِينَ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ) يَعْنِي كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالظَّاهِرِ. . . إلَخْ) أَقُولُهُ وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى غَيْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُفُّ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ نُصْبِ الشَّرْعِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ لَكِنْ بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: هُمَا خُفَّانِ يُلْبَسَانِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ قَيَّدَ الْجُرْمُوقَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أُدُمٍ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْكِرْبَاسِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى مَا تَحْتَهُ اهـ. وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْبَحْرِ. (وَأَقُولُ) لَعَلَّ هَذَا التَّقْيِيدَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الثَّخِينِ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ مُنْفَرِدًا فَيَجُوزُ وَلَوْ لُبِسَ عَلَى خُفٍّ مِثْلِهِ أَوْ مِنْ أُدُمٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُفَّاهُ صَالِحَيْنِ لِلْمَسْحِ لِخَرْقِهِمَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوقَيْنِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْكَافِي، وَنَقَلَ مِنْ فَتَاوَى الشَّاذِيِّ أَنَّ مَا يُلْبَسُ مِنْ الْكِرْبَاسِ الْمُجَرَّدِ تَحْتَ الْخُفِّ يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فَاصِلًا وَقِطْعَةُ كِرْبَاسٍ تُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ لَا تَمْنَعُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلُبْسٍ لَكِنْ يُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ لِأَنَّ الْخُفَّ الْغَيْرَ صَالِحٍ لِلْمَسْحِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلًا فَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْكِرْبَاسِ

الْمَسْحِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ وَيُجْعَلَ مَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ أَوْلَى كَمَا فِي اللِّفَافَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ وَالرَّافِعِيَّ فِي شَرْحِهِ لَهُ مَعَ الْتِزَامِهِمَا بِذِكْرِ خِلَافِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسَائِلِ أَوْرَدَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ وَكَأَنَّ مَشَايِخُنَا إنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا اُشْتُهِرَ مِنْ كُتُبِهِمْ اكْتِفَاءً بِمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْمُوقِ مِنْ كَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الرِّجْلِ (أَوْ جَوْرَبَيْهِ الثَّخِينَيْنِ) أَيْ بِحَيْثُ يَسْتَمْسِكَانِ عَلَى السَّاقِ بِلَا شَكٍّ كَانَ الْإِمَامُ لَا يُجَوِّزُ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا وَيُجَوِّزُهُ صَاحِبَاهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَبِهِ يُفْتِي (أَوْ الْمُنَعَّلَيْنِ) الْمُنَعَّلِ، وَالْمُنَعَّلُ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَالْخُفِّ (أَوْ الْمُجَلَّدَيْنِ) وَهُوَ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ فَيَكُونُ كَالْخُفِّ (لَا) يَجُوزُ الْمَسْحُ (عَلَى عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَبُرْقُعٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْخِمَارُ (وَقُفَّازَيْنِ) مَا يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ أَوْ مِخْلَبِ الصَّقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ فِي نَزْعِهَا لَكِنْ لَوْ مَسَحَتْ عَلَى خِمَارِهَا وَنَفَذَتْ الْبَلَّةُ إلَى رَأْسِهَا حَتَّى ابْتَلَّ قَدْرُ الرُّبْعِ جَازَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (وَفَرْضُهُ) أَيْ فَرْضُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعِ الْيَدِ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى مِقْدَارَ خَمْسِ أَصَابِعَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبِلَا تَجْدِيدٍ لَا، وَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءُ مَطَرٍ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ أَوْ الطَّلِّ أَوْ أَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ قَدْرَ الْوَاجِبِ وَذِكْرُ الْيَدِ احْتِرَازٌ عَنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ كَمَا رَوَى الْكَرْخِيُّ. (وَسُنَّتُهُ مَدُّهَا) أَيْ الْأَصَابِعِ حَالَ كَوْنِهَا (مُفَرَّجَةً مِنْ أَصَابِعِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْمَشَايِخِ يَشْهَدُ بِهِ التَّتَبُّعُ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إنَّمَا هُوَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَدَّ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ إذَا كَانَ سُنَّةً لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَأَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرَ (خَرْقُ قَدْرِ ثَلَاثِهَا) أَيْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ (الْأَصَاغِرِ يَمْنَعُهُ) أَيْ الْمَسْحَ وَهُوَ خَبَرُ قَوْلِهِ خَرْقُ اعْتَبَرَ أَصَابِعَ الْقَدَمِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْقَدَمِ حَتَّى تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِهَا بِلَا كَفٍّ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَلِأَنَّهَا الْمُنْكَشِفَةُ وَاعْتَبَرَ الْأَصَاغِرَ لِلِاحْتِيَاطِ هَذَا إذَا كَانَ خَرْقُ الْخَلْفِ غَيْرَ مُقَابِلٍ لِلْأَصَابِعِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقِبِ أَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَاصِلًا أَوْلَى اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِنَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الرُّومِ فِي الرُّومِ كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الشَّاذِيِّ وَأَفْتَى بِمَنْعِ الْمَسْحِ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الْمَلَكِ فِي عَزْوِهِ لِلْكَافِي إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَافِي النَّسَفِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِالْجَوَازِ وَهُوَ الْحَقُّ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا) أَقُولُ وَلَمْ يَكُنْ الرُّجُوعُ نَصًّا مِنْهُ بَلْ اسْتِدْلَالًا لِمَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ لِعُوَّادِهِ فَعَلْت مَا كُنْت أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُحِيطِ وَكَانَ الشَّيْخُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ هَذَا كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ رُجُوعًا إلَى قَوْلِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ رُجُوعًا وَيَكُونُ اعْتِذَارًا لَهُمْ إنَّمَا أَخَذْت بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَبُرْقُعٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْخِمَارُ) أَقُولُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُوَ كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ الْبُرْقُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا خُرَيْقَةٌ تُثْقَبُ لِلْعَيْنَيْنِ تَلْبَسُهَا الدَّوَابُّ وَنِسَاءُ الْعَرَبِ عَلَى وُجُوهِهِنَّ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ) يَعْنِي مِنْ أَصْغَرِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالْبُرْهَانِ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ قَدْرِ الْآلَةِ عَنْ ذِكْرِ قَدْرِ الْمَمْسُوحِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِبَيَانِ الْآلَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَأَشَارَ بِلَفْظِ الْقَدْرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِذَاتِ الْأَصَابِعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ. (تَنْبِيهٌ) : شَرْطُهُ بَقَاءُ قَدْرِ الْمَفْرُوضِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْقَدَمَيْنِ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الرِّجْلِ إذْ لَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ قَدْرُهُ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ الطَّلِّ) هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالطَّلِّ لِأَنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ لَا مَاءٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْيَدَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ، وَالْمُحْتَرِزُ بِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: إلَى السَّاقِ) يَعْنِي فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْمَشَايِخِ) أَقُولُ أَسْنَدَ النَّقْلَ إلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ نَقَلُوا ذَلِكَ الْفِعْلَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَكُونَ مَسْنُونًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَيَانِ سُنَّةِ الْمَسْحِ يَبْدَأُ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ هَكَذَا نُقِلَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. (قَوْلُهُ: خَرْقُ قَدْرِ ثَلَاثِهَا. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَقْطُوعُ الْأَصَابِعِ يَعْتَبِرُ بِأَصَابِعِ غَيْرِهِ وَقِيلَ بِأَصَابِعِ نَفْسِهِ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ، وَالْأَوْجَهُ الثَّانِي وَلَكِنْ لَمْ يَعْزُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ أَصَابِعُ الْيَدِ

[نواقض المسح الخفين]

إذَا كَانَ مُقَابِلًا لَهَا فَالْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِمَّا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرْقِ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ فِي مَوْضِعِهَا وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَكْثَرُهُ، وَالْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ لَا يَمْنَعُ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلُبْسِهِ، وَظُهُورُ الْأَنَامِلِ لَا يَمْنَعُ فِي الْأَصَحِّ بَلْ الْمَانِعُ ظُهُورُ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ مُنْفَرِجًا يُرَى مَا تَحْتَهُ فَإِنْ لَمْ يُرَ مَا تَحْتَهُ لِصَلَابَةِ الْخُفِّ لَكِنَّهُ إذَا أَدْخَلَ فِيهِ الْأَصَابِعَ دَخَلَتْ لَا يَمْنَعُ، وَلَوْ بَدَا حَالَ الْمَشْيِ لَا حَالَ وَضْعِ الْقَدَمِ يَمْنَعُ لِأَنَّهُ لِلْمَشْيِ يُلْبَسُ. (وَتَجَمُّعُ) الْخُرُوقِ (فِي خُفٍّ لَا فِيهِمَا) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ خُرُوقٌ كَثِيرَةٌ تَحْتَ السَّاقِ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ يَبْدُو مِنْهَا الْقَدْرُ الْمَذْكُورُ مَنَعَ الْمَسْحَ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ السَّفَرَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ فِي خُفَّيْهِ لَمْ يَمْنَعْهُ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ عَنْ السَّفَرِ، وَالْخَرْقُ الْمُعْتَبَرُ مَا يَدْخُلُ فِيهِ مَسْأَلَةٌ وَمَا دُونَهَا كَالْعَدَمِ (بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ) الْمُتَفَرِّقَةِ حَيْثُ تُجَمَّعُ وَإِنْ كَانَتْ فِي خُفَّيْهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَ) بِخِلَافِ (الِانْكِشَافِ) أَيْ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ بِالتَّفَرُّقِ كَانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَشَيْءٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَشَيْءٍ مِنْ بَطْنِهَا وَشَيْءٍ مِنْ فَخِذِهَا وَشَيْءٍ مِنْ سَاقِهَا حَيْثُ يُجْمَعُ لِمَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ. (الْمَعْذُورُ) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ (يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ) خِلَافًا لِزُفَرَ (إلَّا إذَا انْقَطَعَ) عُذْرُهُ (وَقْتَ الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ) حَتَّى إذَا وُجِدَ حَالَ الْوُضُوءِ لَا اللُّبْسِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ فِي الْحَالَيْنِ لَمْ يَمْسَحْ بَعْدَهُ. (وَنَاقِضُهُ) أَيْ الْمَسْحِ (نَاقِضُ الْوُضُوءِ) لِأَنَّهُ بَعْضُهُ (وَنَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ حَيْثُ زَالَ الْمَانِعُ فَيَجِبُ نَزْعُ الْآخَرِ إذْ لَا يُجْمَعُ الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ (وَلَوْ) كَانَ النَّزْعُ (بِخُرُوجِ أَكْثَرِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ) لِأَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْحِ فَارَقَ مَكَانَهُ فَكَأَنَّهُ ظَهْرُ رِجْلِهِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْكَافِي، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ خُرُوجِ الْقَلِيلِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْصُلُ بِلَا قَصْدٍ فَيَلْزَمُ الْحَرَجُ (وَقِيلَ أَكْثَرِ الْعَقِبِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ بَقِيَ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ فِي مَوْضِعِ الْمَسْحِ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَإِنْ كَانَ الْقَدَمُ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْعَقِبُ يَخْرُجُ وَيَدْخُلُ لَمْ يَبْطُلْ مَسْحُهُ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَ) نَاقِضُهُ أَيْضًا (مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا (إنْ لَمْ يَخَفْ ذَهَابَ رِجْلَهُ) يَعْنِي إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَيَخَافُ ذَهَابَ رِجْلِهِ مِنْ الْبَرْدِ لَوْ نَزَعَ خُفَّيْهِ جَازَ الْمَسْحُ كَذَا فِي الْكَافِي وَعُيُونِ الْمَذَاهِبِ (وَبَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ النَّزْعِ، وَالْمُضِيِّ (غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَطْ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ السَّابِقِ إلَيْهِمَا دُونَ بَاقِي الْأَعْضَاءِ (قِيلَ وَبُلُوغُ الْمَاءِ الْكَعْبَ وَقِيلَ إصَابَتُهُ أَكْثَرَ الْقَدَمِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى التَّتَارْخَانِيَّة إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ دَخَلَ الْمَاءُ الْخُفَّ وَابْتَلَّ مِنْ رِجْلَيْهِ قَدْرُ ثَلَاثٍ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ وَلَوْ ابْتَلَّ جَمِيعُ الْقَدَمِ وَبَلَغَ الْمَاءُ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي ذَخِيرَةِ الْفُقَهَاءِ. وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ اقْتَصَرُوا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى النَّوَاقِضِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَكَأَنَّهُمْ اخْتَارُوا الرِّوَايَةَ الْأَخِيرَةَ (نَزَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَظُهُورُ الْأَنَامِلِ لَا يَمْنَعُ فِي الْأَصَحِّ) أَقُولُ كَذَا فِي الْكَافِي وَرَأَيْت بِطُرَّتِهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَاخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُمْنَعُ انْتَهَى. قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَبِخِلَافِ أَعْلَامِ الثَّوْبِ مِنْ الْحَرِيرِ فَإِذَا بَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَمْعِ الْخُرُوقِ فِي أُذُنَيْ الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ انْكِشَافِ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُفَّ شُرِعَ رُخْصَةً فَلَا يُنَاسِبُ الضِّيقَ وَكَيْفِيَّةُ جَمْعِ الِانْكِشَافِ سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا انْقَطَعَ عُذْرُهُ وَقْتَ الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ) أَيْ فَيَكُونُ مُدَّةُ مَسْحِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَوْ مُقِيمًا وَثَلَاثًا لَوْ مُسَافِرًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا وَجَدَ حَالَ الْوُضُوءِ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي وُجِدَ لِلْعُذْرِ اهـ. وَجَعَلَهُ مُحَشِّي الْكِتَابِ الْمَرْحُومُ الْوَانِيُّ رَاجِعًا إلَى الِانْقِطَاعِ فَقَالَ: حَتَّى إذَا وُجِدَ أَيْ الِانْقِطَاعُ اهـ. وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْوَقْتِ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ مَا إذَا وُجِدَ الِانْقِطَاعُ فِي الْحَالَيْنِ أَيْ حَالَ الْوُضُوءِ، وَاللُّبْسِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مَتْنًا مُصَرِّحَةٌ بِصِحَّةِ الْمَسْحِ بَعْدَهُ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَبِهَا صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَالصَّوَابُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْعُذْرِ. [نَوَاقِضُ الْمَسْحِ الْخُفَّيْنِ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ بِخُرُوجِ أَكْثَرِ الْقَدَمِ) أَقُولُ الْقَدَمُ مِنْ الرِّجْلِ مَا يَطَأُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ لَدُنْ الرُّسْغِ إلَى مَا دُونَ ذَلِكَ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ، وَالْعَقِبُ بِكَسْرِ الْقَافِ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ، وَلَوْ كَانَ أَعْرَجَ يَمْشِي عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَقَدْ ارْتَفَعَ الْعَقِبُ عَنْ مَحَلِّهِ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ مَا لَمْ يَخْرُجْ قَدَمُهُ إلَى السَّاقِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا يَمْسَحُ الْأَعْرَجُ لَوْ كَانَ لَا عَقِبَ لِلْخُفِّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) أَقُولُ وَفِي النِّصَابِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إنْ بَقِيَ فِيهِ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ طُولًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ يَنْتَقِضُ (قَوْلُهُ: قِيلَ وَبُلُوغُ الْمَاءِ الْكَعْبَ) تَعْبِيرُهُ بِقِيلَ لَا يُنَاسِبُ سَنَدَهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ اقْتَصَرُوا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى النَّوَاقِضِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ)

[المسح على الجبيرة والعصابة]

جُرْمُوقَيْهِ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ) لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا لَيْسَ مَسْحًا عَلَى الْخُفَّيْنِ لِانْفِصَالِهِمَا عَنْ الْخُفَّيْنِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ لَوْ نَزَعَ أَحَدَ طَاقَيْهِ أَوْ قَشَّرَ جِلْدَ ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ حَيْثُ لَا يُعِيدُ الْمَسْحَ عَلَى مَا تَحْتَهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لِلِاتِّصَالِ فَصَارَ كَحَلْقٍ بَعْدَ الْمَسْحِ (وَلَوْ نَزَعَ إحْدَاهُمَا) بَطَلَ مَسْحُهُمَا فَحِينَئِذٍ (يُعِيدُ مَسْحَ الْجُرْمُوقِ الْآخَرِ، وَ) مَسْحَ (الْخُفِّ) لِأَنَّ الِانْتِقَاضَ فِي الْوَظِيفَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا انْتَقَضَ فِي أَحَدِهِمَا انْتَقَضَ فِي الْآخَرِ (وَقِيلَ يَنْزِعُ) الْجُرْمُوقَ (الْآخَرَ) لِأَنَّ نَزْعَ أَحَدِهِمَا كَنَزْعِهِمَا لِعَدَمِ التَّجَزِّي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (مُقِيمٌ مَسَحَ فَسَافَرَ قَبْلَ) تَمَامِ (يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ مُدَّةَ السَّفَرِ) أَيْ تَتَحَوَّلُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا (وَلَوْ) سَافَرَ (بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (نَزَعَ) لِأَنَّ الْحَدَثَ سَرَى إلَى الْقَدَمِ، وَالسَّفَرُ لَا يَرْفَعُهُ (وَمُسَافِرٌ أَقَامَ بَعْدَهُمَا نَزَعَ وَقَبْلَهُمَا يُتِمُّهُمَا) أَيْ الْيَوْمَ، وَاللَّيْلَةَ لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُسَافِرَ الْمُقِيمُ أَوْ يُقِيمَ الْمُسَافِرُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بَعْدَهُ. [الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْعِصَابَةِ] (الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ) وَهُوَ عُودٌ يُجْبَرُ بِهِ الْعَظْمُ الْمَكْسُورُ (وَخِرْقَةِ الْقُرْحَةِ) وَهِيَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْقُرْحَةِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ (وَالْعِصَابَةِ) مَا يَشُدُّ بِهِ الْخِرْقَةَ لِئَلَّا تَسْقُطَ (كَالْغَسْلِ) لِمَا تَحْتَهَا (فَلَا يَتَوَقَّتُ) بِمُدَّةٍ كَالْغَسْلِ (وَيُجْمَعُ بِهِ) أَيْ بِالْغُسْلِ وَلَوْ كَانَ مَسْحًا حُكْمًا لِمَا جُمِعَ بِهِ كَغَسْلِ أَحَدِ قَدَمَيْهِ وَمَسْحِ أَحَدِ خُفَّيْهِ (وَجَازَ) أَيْ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ (وَلَوْ شُدَّتْ) أَيْ الْجَبِيرَةُ بِلَا وُضُوءٍ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ حَرَجًا. (وَتَرَكَ) أَيْ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ (إنْ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا) يَتْرُكُ (وَإِنَّمَا يَجُوزُ) الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ (إذَا عَجَزَ عَنْ مَسْحِ الْمَوْضِعِ) أَيْ مَوْضِعِ الْجَبِيرَةِ بِأَنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَاءُ أَوْ كَانَتْ مَشْدُودَةً يَضُرُّ حَلُّهَا أَمَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى مَسْحِهِ فَلَا يَجُوزُ مَسْحُ الْجَبِيرَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ (وَلَا يُبْطِلُهُ) أَيْ الْمَسْحَ (سُقُوطُهَا) أَيْ الْجَبِيرَةِ (إلَّا عَنْ بُرْءٍ فَإِنْ سَقَطَتْ فِي الصَّلَاةِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ بُرْءٍ (بَطَلَ) الْمَسْحُ (وَاسْتُؤْنِفَتْ) الصَّلَاةُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ عَنْ بُرْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِمَا نَقَلَهُ، وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ وَلِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا تَخْفَى شُهْرَتُهُمْ وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا دُخُولُ خُفِّهِ الْمَاءَ لِأَنَّ رِجْلَهُ تَصِيرُ بِذَلِكَ مَغْسُولَةً وَيَجِبُ غَسْلُ رِجْلِهِ الْأُخْرَى لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ اهـ. وَقَدَّمْنَا بَعْضَهُ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يُعِيدُ مَسْحَ الْجُرْمُوقِ الْآخَرِ) فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ فَلَا يَمْسَحُهُ عِنْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) وَجْهُ عَدَمِ وُجُوبِ النَّزْعِ جَوَازُ ابْتِدَاءِ الْمَسْحِ عَلَى الْجُرْمُوقِ الْوَاحِدِ مَعَ مَسْحِ الْخُفِّ الْوَاحِدِ فَالْبَقَاءُ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَالْمَسْحُ عَلَى جَبِيرَةٍ وَخُرْقَةِ الْقُرْحَةِ وَنَحْوِهَا وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَا وَاسْتِحْبَابُهُ رِوَايَةٌ قِيلَ وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ أَمَّا الْمَكْسُورُ فَيَجِبُ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَقَوْلُهُمَا بِعَدَمِ جَوَازِ تَرْكِهِ فِيمَنْ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ وَقَوْلُهُ: بِجَوَازِهِ فِيمَنْ يَضُرُّهُ اهـ. وَقَدْ احْتَجَّ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ إلَى تَقْوِيَةِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: وَغَايَةُ مَا يُفِيدُ الْوَارِدُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ الْوُجُوبُ فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ لَا الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ اهـ. قُلْت وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ لِمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَيْ الْمَسْحُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ حَتَّى تَجُوزَ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّازِيّ تَفْصِيلًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ لَوْ ظَهَرَ أَمْكَنَ غَسْلُهُ فَالْمَسْحُ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ. قَالَ الصَّيْرَفِيُّ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ اهـ. (قُلْت) وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ لَوْ ظَهَرَ أَمْكَنَ غَسْلُهُ. . . إلَخْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَلِّ الْجَبِيرَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَى مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ إذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لَا بِالْحَارِّ يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ بِالْحَارِّ، وَإِنْ ضَرَّهُ الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ يَمْسَحُ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وَلَا يَمْسَحُ فَوْقَهَا اهـ. قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ لَكِنْ قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ غَسْلُ الْجِرَاحَةِ إلَّا بِالْمَاءِ الْحَارِّ خَاصَّةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ تَكَلُّفُ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَيُجْزِيهِ الْمَسْحُ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ فِي الْبَحْرِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرَرِ الْمُعْتَبَرُ مِنْهُ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَا يَخْلُو عَنْ أَدْنَى ضَرَرٍ وَذَلِكَ لَا يُبِيحُ التَّرْكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَتْ مَشْدُودَةً يَضُرُّ حَلُّهَا) أَقُولُ يَعْنِي وَلَا يَضُرُّ مَسْحُهُ مَوْضِعَ الْجَبِيرَةِ لِكَوْنِهِ قَسِيمًا؛ لِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِأَنْ عَجَزَ عَنْ مَسْحِ الْمَوْضِعِ بِأَنْ كَانَ يَضُرُّهُ الْمَاءُ اهـ. (قُلْتُ) وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْمُحَقِّقِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا ضَرَّهُ الْحَلُّ لَا الْمَسْحُ لِظُهُورِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ انْتَهَى

[باب دماء تختص بالنساء]

إمَّا بِأَنْ لَا تَسْقُطَ أَوْ سَقَطَتْ لَكِنْ لَا عَنْ بُرْءٍ (فَلَا) أَيْ فَلَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ وَلَا تُسْتَأْنَفُ الصَّلَاةُ. (وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مَسْحِهَا) أَيْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ، وَالْخِرْقَةِ، وَالْعِصَابَةِ (التَّثْلِيثُ، وَالنِّيَّةُ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَيُسَنُّ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبَعْضِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الرَّأْسِ (وَيَكْفِي) الْمَسْحُ (عَلَى أَكْثَرِ الْعِصَابَةِ) وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاسْتِيعَابُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْكَافِي: فَصَدَ وَوَضَعَ خِرْقَةً وَشَدَّ الْعِصَابَةَ قِيلَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى الْخِرْقَةِ وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ شَدُّ الْعِصَابَةِ بِلَا إعَانَةٍ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ وَقِيلَ إنْ كَانَ حَلُّ الْعِصَابَةِ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهَا يَضُرُّ الْجِرَاحَةَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ خِرْقَةٍ جَاوَزَتْ مَوْضِعَ الْقُرْحَةِ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ حَلُّهَا بَلْ نَزْعُهَا عَنْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ يَضُرُّ يَحُلُّهَا وَيَغْسِلُ مَا تَحْتَهَا إلَى مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ فَيَشُدُّهَا وَيَمْسَحُ مَوْضِعَ الْجِرَاحَةِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى جَوَازِ مَسْحِ عِصَابَةِ الْمُفْتَصِدِ وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ مَا يَلِي بَيْنَ الْعُقْدَتَيْنِ مِنْ الْعِصَابَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ الْمَسْحُ إذْ لَوْ غَسَلَ تَبْتَلُّ الْعِصَابَةُ فَرُبَّمَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَوْضِعِ الْفَصْدِ. بَابُ دِمَاءٍ تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: حَيْضٌ وَنِفَاسٌ وَاسْتِحَاضَةٌ (الْحَيْضُ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ بَالِغَةٍ) أَيْ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ احْتَرَزَ بِالرَّحِمِ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ، وَعَنْ الرُّعَافِ، وَالدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَعَمَّا تَرَاهُ الْحَامِلُ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرَّحِمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَبِلَتْ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ (لَا دَاءَ بِهَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَنْفُضُهُ الرَّحِمُ لِمَرَضٍ كَالْوِلَادَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا إيَاسَ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا وَجْهَ لِأَخْذِهِ فِي حَدِّ الْحَيْضِ (وَأَقَلُّهُ) يَعْنِي أَقَلَّ مُدَّتِهِ (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا) يَعْنِي ثَلَاثَةَ لَيَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلَتَيْنِ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي تَقْدِيرِهِ الْأَقَلَّ بِيَوْمٍ، وَالْأَكْثَرَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. (وَلَوْنٌ) رَأَتْهُ (فِي مُدَّتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إمَّا بِأَنْ لَا تَسْقُطَ) هَذَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُذْكَرَ فِي مُقَابَلَةِ السُّقُوطِ عَنْ بُرْءٍ بَلْ يُكْتَفَى بِالسُّقُوطِ لَا عَنْ بُرْءٍ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى الرَّأْسِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ حُكْمَهَا فِي الرَّأْسِ كَغَيْرِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ بِالرَّأْسِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا مَا يُجْزِي فِي الْفَرْضِ، وَالصَّوَابُ هُوَ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (تَتِمَّةٌ) فِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ رَجُلٌ بِهِ رَمَدٌ فَدَاوَاهُ وَأُمِرَ أَنْ لَا يَغْسِلَ فَهُوَ كَالْجَبِيرَةِ وَفِي الْأَصْلِ إذَا انْكَسَرَ ظُفْرُهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ الدَّوَاءَ أَوْ الْعِلْكَ وَتَوَضَّأَ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ لَا يَنْزِعَ عَنْهُ يُجْزِيهِ إنْ لَمْ يَخْلُصْ إلَيْهِ الْمَاءُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمَسْحُ وَلَا إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الدَّوَاءِ وَالْعِلْكِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَشُرِطَ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَى الْعِلْكِ وَلَا يَكْفِيهِ الْمَسْحُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً أَوْ عِلْكًا أَوْ أَدْخَلَ جِلْدَةَ مَرَارَةٍ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ تَرَكَهُ وَإِنْ كَانَ بِأَعْضَائِهِ شُقُوقٌ أَمَرَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا مَسَحَ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَ وَإِلَّا تَرَكَهَا وَغَسَلَ مَا حَوْلَهَا اهـ. وَإِذَا تَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى الدَّوَاءِ ثُمَّ سَقَطَ الدَّوَاءُ إنْ سَقَطَ عَنْ بُرْءٍ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ مَا يَلِي بَيْنَ الْعُقْدَتَيْنِ. . . إلَخْ) يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ يَلِي فَتَأَمَّلْ. [بَابُ دِمَاءٍ تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ] [أَحْكَام الْحَيْض] (بَابُ دِمَاءٍ تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ) (قَوْلُهُ: الْحَيْضُ. . . إلَخْ) هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْحَيْضِ خَبَثٌ أَمَّا إنْ كَانَ حَدَثًا فَتَعْرِيفُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِنْتِ تِسْعٍ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ لِتَعْرِيفِ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهَا حَيْضٌ لِبُلُوغِهَا وَقِيلَ بِنْتُ سِتٍّ وَضَعَّفَهَا وَسَبْعٍ (قَوْلُهُ: احْتَرَزَ بِالرَّحِمِ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ) أَقُولُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَيْدِ الْبُلُوغِ وَاحْتَرَزَ بِهِ غَيْرُهُ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ قَوْلُكُمْ إنَّ دَمَ الصَّغِيرَةِ اسْتِحَاضَةٌ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهَا وَدَمَ الصَّغِيرَةِ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الشَّرْعِ فَذِكْرُهُ لِإِصْلَاحِ التَّعْرِيفِ لَا لِإِخْرَاجِ حُكْمِهِ عَنْ حُكْمِ دَمِ الْحَيْضِ اهـ. قُلْتُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِتَرَتُّبِ حُكْمِ الصَّلَاةِ صِحَّةً وَفَسَادًا إذَا اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا وَصِحَّةِ صَوْمِهَا وَعَدَمِ مَنْعِهِ حِلَّ وَطْئِهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ وَلَا إيَاسٍ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَقُولُ يَرِدُ الْبُلُوغُ فَإِنَّهُ أُخِذَ فِي الْحَدِّ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَا وَجْهَ لِأَخْذِهِ فِي حَدِّ الْحَيْضِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَقَلَّ مُدَّتِهِ) هَذَا يُعَيِّنُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةٌ خَبَرًا لَهُ فَاحْتَاجَ لِبَيَانِ مَا أَضْمَرَهُ وَإِلَّا فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: بِلَيَالِيِهَا) صَرَّحَ بِهِ لِزِيَادَةِ إيضَاحٍ وَإِلَّا فَلَا فَذِكْرُ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ مِثْلَهَا مِنْ اللَّيَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [آل عمران: 41] وَقَالَ {ثَلاثَ لَيَالٍ} [مريم: 10] ، وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا وَقَالَ أَوَّلًا خَمْسَةَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَعَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي التَّقْدِيرِ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ، وَعَلَى مَالِكٍ بِسَاعَةٍ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَلَوْنٌ رَأَتْهُ فِي مُدَّتِهِ) الْمُرَادُ بِالْمُدَّةِ زَمَانُ عَادَتِهَا

أَيْ الْحَيْضِ (سِوَى الْبَيَاضِ وَطُهْرٍ مُتَخَلَّلٍ فِيهَا) أَيْ تِلْكَ الْمُدَّةِ (حَيْضٌ) يَعْنِي إذَا أَحَاطَ الدَّمُ بِطُهْرٍ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ كَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ. (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ) الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَكَانَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّهْرِ يَوْمَانِ لَيْسَ فِيهِمَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ قُلْنَا هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ إذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ الْوَاحِدُ، وَالْحَيْضُ الْوَاحِدُ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحِيضُ فِي الشَّهْرِ عَشَرَةً لَا مَحَالَةَ وَلَوْ حَاضَتْ فَلَا تَطْهُرُ عِشْرِينَ لَا مَحَالَةَ بَلْ تَحِيضُ ثَلَاثَةً وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَقَدْ تَحِيضُ عَشَرَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَقَدْ لَا تَرَى الْحَيْضَ أَبَدًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ (إلَّا عِنْدَ نُصُبِ الْعَادَةِ إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِأَكْثَرِهِ عَادَةً وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً لِأَنَّ الْعَادَةَ نُقْصَانُ طُهْرِ غَيْرِ الْحَامِلِ عَنْ طُهْرِ الْحَامِلِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَانْتَقَصَتْ عَنْ هَذَا بِشَيْءٍ وَهُوَ السَّاعَةُ صُورَتُهُ مُبْتَدِئَةٌ رَأَتْ عَشَرَةً دَمًا وَسِتَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَا يُمْكِنُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ وَهُوَ مَا قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: سِوَى الْبَيَاضِ) شَامِلٌ لِلْخُضْرَةِ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْكُدْرَةُ، وَالتَّرِيَّةُ، وَالصُّفْرَةُ، وَالْخُضْرَةُ إنَّمَا تَكُونُ حَيْضًا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ الْعَجَائِزِ أَمَّا فِي الْعَجَائِزِ فَيُنْظَرُ إنْ وَجَدَتْهَا عَلَى الْكُرْسُفِ وَمُدَّةُ الْوَضْعِ قَرِيبَةٌ فَهِيَ حَيْضٌ وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْوَضْعِ طَوِيلَةً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِأَنَّ فَمَ رَحِمِ الْعَجَائِزِ يَكُونُ مُنْتِنًا فَيَتَغَّيَّرُ الْمَاءُ فِيهِ لِطُولِ الْمُكْثِ وَمَا عَرَفْت مِنْ الْجَوَابِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ الْحَيْضِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِيهَا فِي النِّفَاسِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْحَيْضِ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَطُهْرٍ مُتَخَلَّلٍ فِيهَا أَيْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ حَيْضٌ) أَشَارَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ عَنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ بِأَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا مَثَلًا لَا يَكُونُ حَيْضًا لِأَنَّ الدَّمَ الْأَخِيرَ لَمْ يُوجَدْ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَكَذَا النِّفَاسُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ لَكِنْ لَمْ تُصَحَّحْ فِي الشُّرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قِيَاسَهَا عَلَى النِّصَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الدَّمَ مُنْقَطِعٌ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ. (قَوْلُهُ: إلَّا عِنْدَ نُصُبِ الْعَادَةِ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِثَلَاثِ مَسَائِلَ مَسْأَلَةُ مَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ، وَمَنْ لَهَا عَادَةٌ فِي الطُّهْرِ، وَالْحَيْضِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَحَيْضُهَا وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ فَعِدَّتُهَا بِحَبْسِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَالثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْمُضَلِّلَةِ وَتُسَمَّى الْمُحَيِّرَةُ وَفِيهَا فُصُولٌ ثَلَاثَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ كَذَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ إلَّا فِي عِدَّةِ الْمُحَيِّرَةِ وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَأَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَدَوْرَهَا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْإِطْلَاقُ وَلَا مَا صَوَّرَهُ مِنْ الصُّوَرِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ:، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. . . إلَخْ) . أَقُولُ كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا فِي الْمُحَيِّرَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ حَيْضِهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَاهَا وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَجَوَابُهُ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مُحَرَّمًا لَمْ يُنْزِلُوهُ مُطْلَقًا فِيهِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ اهـ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ آكَدُ خُصُوصًا الْعِدَّةَ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى تَوَهُّمِ مُصَادَفَةِ الطَّلَاقِ الطُّهْرَ فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِيَقِينٍ اهـ. ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعْنِي الطُّهْرَ لِلْمُحَيِّرَةِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي سَهْلٍ الْغَزَالِيِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَاخْتَارَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُفْتِي وَالنِّسَاءِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ. قُلْت فَعَلَى هَذَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثِ حَيْضَاتٍ بِشَهْرٍ اهـ. وَبَاقِي الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ تَأْخُذُ فِيهِ بِالْأَحْوَطِ وَكَيْفِيَّتُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: صُورَتُهُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَدَّمَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ طُهْرُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ عَادَةً لَهَا لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَدْ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِيمَا دُونَهُ كَمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُحَيِّرَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُخْتَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ عَادَتِهَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا إذَا بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ عَشَرَةٍ مَثَلًا دَمًا وَسِتَّةٍ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ، وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ: حَيْضُهَا مَا رَأَتْ وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ

[أحكام النفاس والاستحاضة]

أَشْهُرٍ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حَيْضَاتٍ كُلُّ حَيْضٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَإِلَى ثَلَاثِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً، اعْلَمْ أَنَّ إحَاطَةَ الدَّمِ لِلطَّرَفَيْنِ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ وَأَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بَلْ هُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا لَا يَفْصِلُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ بَلْ هُوَ أَيْضًا كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي عِنْدَهُ لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الصَّحِيحِ شَرْعًا فَيَجُوزُ بُدَاءَةُ الْحَيْضِ وَخَتْمُهُ بِالطُّهْرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ. وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَفْصِلُ إنْ أَحَاطَ الدَّمُ بِطَرَفَيْهِ فِي عَشَرَةٍ أَوْ أَقَلَّ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْهُ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ كَوْنُ الدَّمَيْنِ نِصَابًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ مَعَ هَذَا كَوْنُ الطُّهْرِ مُسَاوِيًا لِلدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ إذَا صَارَ الطُّهْرُ لِكَوْنِهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي دَمًا عِنْدَهُ فَإِنْ وُجِدَ فِي عَشَرَةِ ذَلِكَ الطُّهْرِ فِيهَا طُهْرٌ آخَرُ يَغْلِبُ الدَّمَيْنِ الْمُحِيطَيْنِ بِهِ لَكِنْ يَصِيرُ مَغْلُوبًا إنْ عُدَّ ذَلِكَ الدَّمُ الْحُكْمِيُّ دَمًا فَإِنَّهُ يُعَدُّ دَمًا حَتَّى يَجْعَلَ الطُّهْرَ الْآخَرَ حَيْضًا أَيْضًا إلَّا فِي قَوْلِ أَبِي سُهَيْلٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطُّهْرِ الْآخَرِ مُقَدَّمًا عَلَى ذَلِكَ الطُّهْرِ أَوْ مُؤَخَّرًا، وَعِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الطُّهْرُ الَّذِي يَكُونُ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ يَفْصِلُ مُطْلَقًا فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ وَوَضَعُوا مِثَالًا يَجْمَعُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مُبْتَدِئَةٌ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ يَوْمًا د وَثَمَانِيَةً ط ثُمَّ يَوْمًا د وَسَبْعَةً ط ثُمَّ يَوْمَيْنِ د وَثَلَاثَةً ط ثُمَّ يَوْمًا د وَثَلَاثَةً ط ثُمَّ يَوْمًا د وَيَوْمَيْنِ ط ثُمَّ يَوْمًا د فَهَذِهِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا فَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ الْأُولَى الَّتِي حَادِيهَا دَمٌ وَعَاشِرُهَا طُهْرٌ، وَالْعَشَرَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي طَرَفَاهَا طُهْرٌ حَيْضٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ الْعَشَرَةُ بَعْدَ طُهْرٍ هُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَيْضٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ الْعَشَرَةُ بَعْدَ طُهْرٍ هُوَ ثَمَانِيَةُ حَيْضٍ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْعَشَرَةُ بَعْدَ طُهْرٍ هُوَ سَبْعَةُ حَيْضٍ. وَعِنْدَ أَبِي سُهَيْلٍ السِّتَّةُ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ حَيْضَةٌ. وَعِنْدَ الْحَسَنِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ حَيْضٌ وَمَا سِوَى مَا حَكَمَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ بِكَوْنِهِ حَيْضًا اسْتِحَاضَةٌ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَاكِمِ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ يَكُونُ الطُّهْرُ النَّاقِصُ فَاصِلًا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ إنْ كَانَ أَحَدُ الدَّمَيْنِ نِصَابًا كَانَ حَيْضًا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصَابًا فَالْأُولَى حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا نِصَابًا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ اسْتِحَاضَةٌ وَلْنُصَوِّرْ صُورَةً يُفْهَمُ مِنْهَا الْأَقْوَالُ بِسُهُولَةٍ وَهِيَ هَذِهِ (د هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ د هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ د هـ هـ هـ هـ هـ هـ هـ د د هـ هـ هـ د هـ هـ هـ د هـ هـ د) هَذَا مَا تَيَسَّرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ. (، وَالنِّفَاسُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوَلَدَ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ إذَا وَضَعَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَنِسْوَةٌ نِفَاسٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا اهـ. قُلْت فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا صَوَّرَهُ هُوَ هَكَذَا فِي الْحُكْمِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّنْقِيضِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِهِ الطَّلَاقَ أَوَّلَ الطُّهْرِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَضْبُوطًا فَلَيْسَ هَذَا التَّقْدِيرُ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِ حِسَابِهِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَذْكُورِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ أَوْ آخِرَ الطُّهْرِ فَيُقَدَّرُ بِسَنَتَيْنِ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْبُوطًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُزَادَ الْعَشَرَةُ إنْزَالًا لَهُ مُطْلَقًا أَوَّلَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا اهـ. فَقُلْت وَبِهَذَا تُعْلَمُ صِحَّةُ جَوَابِنَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: اعْلَمْ. . . إلَخْ) مَحَلُّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَطُهْرٍ مُتَخَلَّلٍ فِيهَا حَيْضٌ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ وَكَانَ يَقُولُ هُوَ أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي، وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ رَأْيُ صَدْرِ الْإِسْلَامِ حُسَامِ الدِّينِ وَبِهِ يُفْتِي اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ رِوَايَةَ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا (قَوْلُهُ: كَوْنُ الدَّمَيْنِ نِصَابًا) أَقُولُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى اهـ. وَيَعْنِي بِالْأَوَّلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا (قَوْلُهُ: فَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ الْأُولَى. . . إلَخْ) فَإِنْ قُلْت فِي جَعْلِ الْعَشَرَةِ الْأُولَى حَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّ شَرْطَهُ وُجُودُ نِصَابِ أَقَلِّهِ وَذَلِكَ إمَّا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَوْ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يُوجَدْ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا لَمْ يَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَانَ فَاسِدًا فَلَمْ يَكُنْ فَاصِلًا فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَإِذَا كَانَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي فَالْحَيْضُ عَشَرَةٌ، وَالطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. [أَحْكَام النِّفَاس وَالِاسْتِحَاضَة] (قَوْلُهُ: وَالنِّفَاسُ. . . إلَخْ) تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ وَأَمَّا اشْتِقَاقُهُ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ أَوْ خُرُوجِ النَّفْسِ بِمَعْنَى الْوَلَدِ فَلَيْسَ بِذَاكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي عَنْ الْمُغْرِبِ

وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعَلَاءُ يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ غَيْرُ نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَلَدِ أَمَارَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الرَّحِمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا يُؤَيِّدُ جَانِبَ كَوْنِهَا مِنْ الرَّحِمِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ إذْ لَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الرَّحِمِ فَجُعِلَ الِامْتِدَادُ مُرَجِّحًا (وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» . (وَكُلٌّ) مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ (يَمْنَعُ اسْتِمْتَاعَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) كَالْمُبَاشَرَةِ، وَالتَّفْخِيذِ وَتَحِلُّ الْقُبْلَةُ وَمُلَامَسَةُ مَا فَوْقَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَّقِي مَوْضِعَ الدَّمِ فَقَطْ (وَالصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ (وَتَقْضِيهِ فَقَطْ) أَيْ تَقْضِي الصَّوْمَ لَا الصَّلَاةَ لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَصِحَّةَ أَدَائِهَا وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَنَفْسُ وُجُوبِهِ ثَابِتٌ وَيَمْنَعُ صِحَّةَ أَدَائِهِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ إذَا طَهُرَتْ. (وَتُوطَأُ بِلَا غُسْلٍ بِانْقِطَاعِهِ لِلْأَكْثَرِ وَلِلْأَقَلِّ لَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَسَعُ الْغُسْلَ، وَالتَّحْرِيمَةَ) أَيْ حَلَّ وَطْءُ مَنْ قُطِعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ لَا وَطْءُ مَنْ قُطِعَ دَمُهَا لِأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ بِأَنْ يَنْقَطِعَ الْحَيْضُ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ، وَالنِّفَاسُ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَّا إذَا مَضَى أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ يَسَعُ الْغُسْلَ وَالتَّحْرِيمَةَ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا فَإِذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ فِيمَا دُونَ الْعَادَةِ يَجِبُ أَنْ تُؤَخِّرَ الْغُسْلَ إلَى آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ خَافَتْ الْفَوْتَ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ، وَالْمُرَادُ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لَا وَقْتُ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ عَلَى رَأْسِ عَادَتِهَا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَتُؤَخِّرُ الِاغْتِسَالَ اسْتِحْبَابًا، وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَتْ الْفَوْتَ تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ ثُمَّ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ إذَا عَادَ الدَّمُ فِي الْعَشَرَةِ بَطَلَ الْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا مُبْتَدَأَةً كَانَتْ أَوْ مُعْتَادَةً وَإِذَا انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَبِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا وَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاغْتِسَالُ وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا طُهْرًا هَكَذَا إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَإِذَا طَهُرَتْ فِي الثَّانِي تَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ ثُمَّ فِي الثَّالِثِ تَتْرُكُهُمَا، وَفِي الرَّابِعِ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ هَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ (وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ) أَيْ وَطْءِ الْحَائِضِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ. (وَالنَّاقِصُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي اسْتِحَاضَةٌ (عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ) أَيْ الثَّلَاثَةِ (وَالزَّائِدُ عَلَى أَكْثَرِهِ) أَيْ الْعَشَرَةِ (أَوْ) عَلَى (أَكْثَرِ النِّفَاسِ) أَيْ أَرْبَعِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْكَمَالُ: ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ فَيُقَالُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا تَكُونُ صَاحِبَةَ جُرْحٍ سَائِلٍ لَا نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ بِهِ وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَقَعَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ. وَإِنْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الْأَسْفَلِ صَارَتْ نُفَسَاءَ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ السُّرَّةِ لِأَنَّهُ وُجِدَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ اهـ. وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَرَ دَمًا لَا تَكُونُ نُفَسَاءَ، وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا احْتِيَاطًا لِعَدَمِ خُلُوِّهِ عَنْ قَلِيلِ دَمٍ ظَاهِرًا وَاكْتَفَيَا بِالْوُضُوءِ فِي قَوْلِهِمَا الْآخَرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ وَذَكَرْنَاهُ أَيْضًا هُنَا لِتَعَلُّقِهِ بِكُلٍّ مِنْ الْمَحَلَّيْنِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَ الْإِمَامِ بِالْوُجُوبِ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَهَذَا مَا وَعَدْنَا بِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهَا مِنْ الرَّحِمِ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الدِّمَاءِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَذْكِيرَهُ لِرُجُوعِهِ لِلنِّفَاسِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ. . . إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ فِيهِ قُصُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِالْحَائِضِ، وَالْمَتْنُ شَامِلٌ لِلنُّفَسَاءِ وَهِيَ كَالْحَائِضِ فِي الْأَحْكَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: أَيْ حَلَّ وَطْءُ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرَ) أَقُولُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا مَضَى أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي بِهِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعَ آخِرَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ إنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا لَا أَعَمَّ مِنْهُ كَمَا غَلِطَ فِيهِ بَعْضُهُمْ ثُمَّ الْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَمَّا أَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا صَلَّتْ بِهِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ قُصُورٌ لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْكَلَامِ عَلَى الْغُسْلِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ فِيمَا دُونَ الْعَادَةِ. . . إلَخْ) لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِحُكْمِ إتْيَانِهَا وَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ قُرْبَانُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (تَنْبِيهٌ) : مُدَّةُ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ وَإِنْ كَانَ تَمَامُ عَادَتِهَا بِخِلَافِهِ لِلْعَشَرَةِ حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي الْأُولَى، وَالْبَاقِي قَدْرُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ الْغُسْلِ لُبْسُ الثِّيَابِ وَهَكَذَا صَوْمُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ أَيْ وَطْءَ الْحَائِضِ) أَقُولُ اُخْتُلِفَ فِي تَكْفِيرِهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ: أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَتْنَ شَامِلٌ لِلنُّفَسَاءِ وَقَدْ خَصَّهُ بِالْحَائِضِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ وَطِئَ النُّفَسَاءَ مِنْ حَيْثُ تَكْفِيرُهُ أَمَّا حُرْمَةُ وَطْئِهَا فَمُصَرَّحٌ بِهِ.

(أَوْ) عَلَى (عَادَةٍ عُرِفَتْ لَهُمَا وَجَاوَزَا أَكْثَرَهُمَا) أَيْ عَادَةٍ عُرِفَتْ لِحَيْضٍ وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ أَوْ نِفَاسٍ وَجَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ فَإِذَا كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فِي الْحَيْضِ كَسَبْعَةٍ مَثَلًا فَرَأَتْ الدَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ السَّبْعِ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فِي النِّفَاسِ وَهِيَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا مَثَلًا فَرَأَتْ الدَّمَ خَمْسِينَ يَوْمًا فَالْعِشْرُونَ الَّتِي بَعْدَ الثَّلَاثِينَ اسْتِحَاضَةٌ هَذَا حُكْمُ الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ الْمُبْتَدَأَةِ فَقَالَ (أَوْ) عَلَى (عَشَرَةِ حَيْضٍ مَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ) عَلَى (أَرْبَعِينَ نِفَاسِهَا وَمَا رَأَتْ حَامِلٌ) مِنْ الدَّمِ (اسْتِحَاضَةٌ) أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَلِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا بَيَّنَ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرَهُ وَأَكْثَرَ النِّفَاسِ عُلِمَ أَنَّ النَّاقِصَ عَنْ الْأَقَلِّ، وَالزَّائِدَ عَلَى الْأَكْثَرِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا فَيَكُونُ اسْتِحَاضَةً بِالضَّرُورَةِ، وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ تَدَعَ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا وَتُصَلِّيَ فِي غَيْرِهَا فَعُلِمَ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى أَيَّامِ أَقْرَائِهَا اسْتِحَاضَةٌ، وَأَمَّا الْخَامِسُ وَالسَّادِسُ فَلِأَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ الَّتِي بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً حَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ فَيَكُونُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ يَوْمًا وَأَمَّا النِّفَاسُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ عَادَةٌ فَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالزَّائِدُ عَلَيْهَا اسْتِحَاضَةٌ. وَأَمَّا السَّابِعُ فَلِمَا عَرَفْت فِي أَوَّلِ الْبَابِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الِاسْتِحَاضَةِ فَقَالَ (لَا تَمْنَعُ صَلَاةً وَصَوْمًا وَوَطْئًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِمُسْتَحَاضَةٍ تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» فَثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الصَّلَاةِ عِبَارَةً وَحُكْمُ الْوَطْءِ وَالصَّوْمِ دَلَالَةً لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ دَمَ الرَّحِمِ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْوَطْءَ وَدَمَ الْعِرْقِ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا مِنْهَا فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ هَذَا الدَّمُ الصَّلَاةَ عَلَى أَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا دَمُ رَحِمٍ فَثَبَتَ الْحُكْمَانِ الْآخَرَانِ دَلَالَةً. (وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ التَّوْأَمَيْنِ) هُمَا وَلَدَانِ مِنْ بَطْنٍ يَكُونُ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (مِنْ) الْوَلَدِ (الْأَوَّلِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ (وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ الْآخَرِ) وِفَاقًا لَهُمْ أَنَّهَا حَامِلٌ بِهِ فَلَا يَكُونُ دَمُهَا مِنْ الرَّحِمِ وَلِذَا لَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ إلَّا بِوَضْعِ الثَّانِي وَلَنَا أَنَّ النِّفَاسَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَصَارَ كَالدَّمِ الْخَارِجِ عَقِيبَ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ (وَسِقْطٌ يُرَى بَعْضُ خَلْقِهِ) كَيَدٍ وَرِجْلٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ (وَلَدٌ) فَتَكُونُ بِهِ نُفَسَاءَ وَتَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَحْنَثُ لَوْ كَانَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِالْوِلَادَةِ. (وَأَمَّا الْإِيَاسُ فَقِيلَ لَا يُحَدُّ بِمُدَّةٍ) بَلْ هُوَ أَنْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا يَحِيضُ مِثْلُهَا فَإِذَا بَلَغَتْ هَذَا الْمَبْلَغَ وَانْقَطَعَ دَمُهَا يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا (فَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ حَيْضٌ) أَيْ إذَا لَمْ يُحَدَّ فَإِنْ رَأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ دَمًا كَانَ حَيْضًا فَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ، وَتَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ (وَقِيلَ يُحَدُّ) وَاخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ يُحَدُّ (بِخَمْسِينَ سَنَةً) وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَفِي الْحُجَّةِ الْيَوْمُ يُفْتَى بِهِ تَيْسِيرًا عَلَى مَنْ اُبْتُلِيَتْ بِارْتِفَاعِ الْحَيْضِ بِطُولِ الْعِدَّةِ (وَقِيلَ) يُحَدُّ (بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ) سَنَةً، وَبِهِ أَفْتَى مَشَايِخُ بُخَارَى وَخُوَارِزْمَ وَمَرْوَ (وَقِيلَ) يُحَدُّ (بِسِتِّينَ) سَنَةً وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا وَمُعْتَبَرٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ (وَاخْتُلِفَ فِيمَا رَأَتْهُ بَعْدَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ عَلَى عَادَةٍ عُرِفَتْ لَهُمَا) أَقُولُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ وَقَالَ الْخُلَاصَةُ، وَالْكَافِي: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ لِثُبُوتِ الْعَادَةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَا الْجَعْلِيَّةِ وَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيَقْصِدْ فَتْحَ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: فَرَأَتْ الدَّمَ خَمْسِينَ يَوْمًا فَالْعَشَرَةُ. . . إلَخْ) . فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ يَقُلْ فَالْعِشْرُونَ كَمَا قَالَ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ السَّبْعِ اسْتِحَاضَةٌ قُلْت حِكْمَةُ ذَلِكَ لِيُعْرَفَ بِهِ جَوَازُ إطْلَاقِ الِاسْتِحَاضَةِ عَلَى جَمِيعِ الزَّائِدِ وَعَلَى مَا يَتِمُّ بِهِ الْأَكْثَرُ اهـ. وَمَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ فَالْعِشْرُونَ الَّتِي بَعْدَ الثَّلَاثِينَ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ فَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ السَّبْعِ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَى الْبَيَانِ الْعَشَرَةُ الَّتِي بَعْدَ الثَّلَاثِينَ لَا مَا فَوْقَهُ فِيهِ تَسَاهُلٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ يَوْمًا) أَقُولُ الْعِشْرِينَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ: إنَّهُ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَشَهْرٌ عِشْرُونَ وَشَهْرٌ تِسْعَةَ عَشَرَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّفَاسُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ عَادَةٌ. . . إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ هُوَ الثَّابِتُ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ لِمَنْ لَا عَادَةَ لَهَا (قَوْلُهُ: وَأَمَّا السَّابِعُ فَلِمَا عَرَفْت) يَعْنِي مِنْ انْسِدَادِ فَمِ الرَّحِمِ بِالْحَبَلِ (قَوْلُهُ: لَا تَمْنَعُ صَلَاةً) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ فَلَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ الزَّائِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا تُصَلِّي بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْأَصْلِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا احْتِيَاطًا حَتَّى يَتَيَقَّنَ حَالَهَا. (قَوْلُهُ: هُمَا وَلَدَانِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةً بَيْنَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَذَا بَيْنَ الثَّانِي، وَالثَّالِثِ وَلَكِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيُجْعَلُ حَمْلًا وَاحِدًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَسِقْطٌ يُرَى بَعْضُ خَلْقِهِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ بِأَنْ أَسْقَطَتْ فِي الْمَخْرَجِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ إنْ أَسْقَطَتْ أَوَّلَ أَيَّامِهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَدْرَ عَادَتِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْإِيَاسُ) قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ فَلْيُرَاجَعْ.

[باب تطهير الأنجاس]

أَيْ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيَاسِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا إنْ رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا كَالْأَسْوَدِ، وَالْأَحْمَرِ الْقَانِي كَانَ حَيْضًا وَيَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ التَّمَامِ وَبَعْدَهُ لَا وَإِنْ رَأَتْ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ تُرَابِيًّا فَاسْتِحَاضَةٌ. (صَاحِبُ الْعُذْرِ ابْتِدَاءً مَنْ اسْتَوْعَبَ عُذْرُهُ تَمَامَ وَقْتِ صَلَاةٍ وَلَوْ حُكْمًا) بِأَنْ لَا يَجِدَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ. (وَفِي الْبَقَاءِ كَفَى وُجُودُهُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَفِي الزَّوَالِ شَرْطُ اسْتِيعَابِ الِانْقِطَاعِ حَقِيقَةً) قَالَ الْفَاضِلُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَالْفَتَاوَى الْمَرْغِينَانِيَّةِ، وَالْوَاقِعَاتِ، وَالْحَاوِي: وَخَيْرِ مَطْلُوبٍ وَجَامِعِ الْخَلَّاطِيِّ، وَالْمَنَافِعِ، وَالْحَوَاشِي أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ فِيهَا حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا الدَّمُ وَقْتَ صَلَاةٍ كَامِلًا وَيَسْتَوْعِبَ الْوَقْتَ كُلَّهُ، وَيَكُونُ الثُّبُوتُ مِثْلَ الِانْقِطَاعِ فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِيعَابِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: بَعْدَمَا اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْغَايَةِ، وَنَقَلَهُ. وَفِي الْكَافِي لِحَافِظِ الدِّينِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ ثُمَّ قَالَ فَهَذِهِ عَامَّةُ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَرَاهُ فَكَانَ هُوَ الْأَظْهَرَ وَأَرَادَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الْكَافِي بِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِتِلْكَ الْكُتُبِ أَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ذُكِرَ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ مِنْ اسْتِيعَابِ ثُبُوتِ الْعُذْرِ تَمَامَ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَيْنُ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي بِدَلِيلِ أَنَّ شُرَّاحَ جَامِعِ الْخَلَّاطِيِّ قَالُوا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لِأَنَّ زَوَالَ الْعُذْرِ بِاسْتِيعَابِ الْوَقْتِ كَالثُّبُوتِ أَنَّ الِانْقِطَاعَ الْكَامِلَ مُعْتَبَرٌ فِي إبْطَالِ رُخْصَةِ الْمَعْذُورِ، وَالْقَاصِرَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إجْمَاعًا فَاحْتِيجَ إلَى حَدٍّ فَاصِلٍ فَقَدَّرْنَا بِوَقْتِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّرْنَا بِهِ ثُبُوتَ الْعُذْرِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِهِ فِي الِابْتِدَاءِ دَوَامُ السَّيَلَانِ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ ابْتِدَاءً إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَيُصَلِّي خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ وَلِلْإِشَارَةِ إلَى دَفْعِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ قُلْت أَوَّلًا وَلَوْ حُكْمًا وَآخِرًا حَقِيقَةً (وَهُوَ) أَيْ صَاحِبُ الْعُذْرِ (يَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ فَرْضٍ وَيُصَلِّي بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (مَا شَاءَ) مِنْ فَرْضٍ وَنَفْلٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَيُصَلِّي النَّوَافِلَ بِتَبَعِيَّةِ الْفَرْضِ. (وَيَنْقُضُهُ) أَيْ وُضُوءَ الْمَعْذُورِ (خُرُوجُ الْوَقْتِ لَا دُخُولُهُ) وَعِنْدَ زُفَرَ دُخُولُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا فَيُصَلِّي الْمُتَوَضِّئُ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ خِلَافًا لَهُمَا لِوُجُودِ دُخُولِ الْوَقْتِ لَا خُرُوجِهِ وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَنْ تَوَضَّأَ قَبْلَ طُلُوعِهَا وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ لَا الدُّخُولِ (بَابُ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ) (يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ) ثَوْبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ (عَنْ) نَجَاسَةٍ (مَرْئِيَّةٍ بِزَوَالِ عَيْنِهَا وَ) زَوَالِ (أَثَرِهَا) كَاللَّوْنِ، وَالرَّائِحَةِ (إنْ لَمْ يَشُقَّ) عَلَيْهِ (زَوَالُهُ) بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الصَّابُونِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْآلَةَ الْمُعَدَّةَ لِقَلْعِ النَّجَاسَاتِ هِيَ الْمَاءُ فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ (بِالْمَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِزَوَالِ (وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ الْإِزَالَةُ بِأَنْ يَكُونَ إذَا عُصِرَ انْعَصَرَ (كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ) كَمَاءِ الْوَرْدِ (بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّبَنِ) كَالدُّهْنِ فَإِنَّ فِيهِ دُسُومَةً لَا تَنْعَصِرُ عَنْ الثَّوْبِ فَيَبْقَى بِنَفْسِهِ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُزِيلُ غَيْرَهُ. (وَ) يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ (عَنْ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ (بِالْغَسْلِ إلَى غَلَبَةِ ظَنِّ الطَّهَارَةِ) فَإِنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مِنْ الْأَدِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا. . . إلَخْ) قُلْت يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا يَعْنِي مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْكَافِي يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لَهَا يَعْنِي لِتِلْكَ الْكُتُبِ إذْ قَلَّمَا يَسْتَمِرُّ كَمَالُ وَقْتٍ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيِ تَحَقُّقِهِ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ بِدَوَامِ انْقِطَاعِهِ وَقْتًا كَامِلًا وَهُوَ مِمَّا يَتَحَقَّقُ. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ الْوَقْتِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَاسْتَمَرَّ إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِخُرُوجِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْوَقْتِ وَقْتُ الْمَفْرُوضَةِ لِيَخْرُجَ بِهِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلضُّحَى، وَأَضَافَ الْمَشَايِخُ النَّقْضَ إلَى الْخُرُوجِ لِيَسْهُلَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ وَإِلَّا فَلَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ فِي الِانْتِقَاضِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْحَدَثُ السَّابِقُ عِنْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. [بَابُ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ] أَيْ تَطْهِيرِ مَحَلِّ الْأَنْجَاسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَرْجَمَةَ مَنْ تَرْجَمَ بِبَابِ الْأَنْجَاسِ أَوْلَى مِنْ هَذَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ (قَوْلُهُ: مَرْئِيَّةٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ كَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ لَا مَا لَا يُرَى بَعْدَهُ كَالْبَوْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِزَوَالِ عَيْنِهَا وَأَثَرِهَا) أَقُولُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: كَاللَّوْنِ، وَالرَّائِحَةِ) أَيْ، وَالطَّعْمِ وَلَيْسَ مِنْ الْأَثَرِ مَا بَقِيَ مِنْ دُهْنٍ مُتَنَجِّسٍ عَلَى يَدِهِ بَعْدَ غَسْلِهَا لِأَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ فَيَبْقَى عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا بِخِلَافِ دُهْنِ الْمَيْتَةِ لِأَنَّهُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِهِ (قَوْلُهُ: وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ) يَعْنِي وَلَوْ فِي الْبَدَنِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَحْوِ اللَّبَنِ) أَقُولُ وَمَا رُوِيَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كَوْنِ اللَّبَنِ مُزِيلًا فِي رِوَايَةٍ فَضَعِيفٌ وَعَلَى ضَعْفِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ

الشَّرْعِيَّةِ (وَقَدَّرُوهُ بِالْغَسْلِ وَالْعَصْرِ ثَلَاثًا فِي الْمُنْعَصِرِ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْعَصِرَ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ (مُبَالِغًا فِي) الْمَرَّةِ (الثَّالِثَةِ) بِحَيْثُ لَوْ عَصَرَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ لَا يَسِيلُ مِنْهُ الْمَاءُ وَلَوْ لَمْ يُبَالِغْ فِيهِ صِيَانَةً لِلثَّوْبِ لَا يَطْهُرُ. (وَ) تَثْلِيثِ (الْجَفَافِ) عَطْفٌ عَلَى الْعَصْرِ أَيْ وَقَدَّرُوهُ بِالْغَسْلِ وَالْعَصْرِ وَتَثْلِيثِ الْجَفَافِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُنْعَصِرِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَفَافِ انْقِطَاعُ التَّقَاطُرِ لَا الْيُبْسُ فَقَدْ أَقَامُوا انْقِطَاعَ التَّقَاطُرِ مَقَامَ الْعَصْرِ كَمَا أَقَامُوا إجْرَاءَ الْمَاءِ مَقَامَ الْغَسْلِ ثَلَاثًا كَمَا سَيَأْتِي اعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يَنْعَصِرُ إذَا تَنَجَّسَ لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَبَدًا لِأَنَّ النَّجَسَ إنَّمَا يَزُولُ بِالْعَصْرِ وَلَمْ يُوجَدْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَتَجْفِيفِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ لَوْنٌ وَلَا رَائِحَةٌ وَبِهِ يُفْتَى فَإِذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُنْتَفِخَةً، وَاللَّحْمُ مَغْلِيٌّ بِالْمَاءِ النَّجِسِ فَطَرِيقُ غَسْلِهِ وَتَجْفِيفِهِ أَنْ تُنْقَعَ الْحِنْطَةُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ حَتَّى تَتَشَرَّبَ ثُمَّ تُجَفَّفَ وَيُغْلَى اللَّحْمُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ ثُمَّ يُبَرَّدُ وَيُفْعَلُ ذَلِكَ فِيهِمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَوْ كَانَ السِّكِّينُ مَسْقِيًّا بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُسْقَى بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَوْ تَنَجَّسَ الْعَسَلُ فَتَطْهِيرُهُ أَنْ يُصَبَّ فِيهِ مَاءٌ بِقَدْرِهِ فَيَغْلِي حَتَّى يَعُودَ إلَى مَكَانِهِ، وَالدُّهْنُ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَغْلِي فَيَعْلُو الدُّهْنُ الْمَاءَ فَيُرْفَعُ بِشَيْءٍ هَكَذَا يُفْعَلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّطْهِيرِ لَمَّا كَانَ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالطَّهَارَةِ وَكَانَ حُصُولُهَا مُخْتَلِفًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمَحَالِّ وَبَيَّنَ بَعْضَهَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ بَعْضًا آخَرَ فَقَالَ: (وَعَنْ الْمَنِيِّ) أَيْ يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ بِالْمَنِيِّ ثَوْبًا كَانَ أَوْ بَدَنًا (بِغَسْلِهِ) رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا (أَوْ فَرْكِ يَابِسِهِ إنْ طَهُرَ رَأْسُ الْحَشَفَةِ) حَتَّى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا لَمْ يَكْفِ الْفَرْكُ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ دُسُومَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّرُوهُ بِالْغَسْلِ، وَالْعَصْرِ ثَلَاثًا) أَقُولُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَالْمُفْتَى بِهِ فِي الْغَسْلِ اعْتِبَارُ غَلَبَةِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ مَا لَمْ يَكُنْ مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ، وَيُكْتَفَى فِي الْعَصْرِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَهُوَ أَرْفَقُ وَاشْتِرَاطُ الْعَصْرِ لِمَا يَنْعَصِرُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا غَسَلَ فِي إجَّانَةٍ أَمَّا إذَا جَرَى عَلَيْهِ الْمَاءُ أَوْ عَلَى مَا لَا يَنْعَصِرُ طَهُرَ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ وَلَا التَّجْفِيفُ وَلَا تَكْرَارُ الْغَمْسِ، وَالْغَدِيرُ الْعَظِيمُ كَالْجَارِي وَهُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ طَاقَتِهِ) فِيهَا إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ طَاقَةِ غَيْرِ الْغَاسِلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ طَاقَةِ الثَّوْبِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يُبَالِغْ. . . إلَخْ) هَذَا مُخْتَارُ قَاضِي خَانْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ الْحِنْطَةُ. . . إلَخْ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا طُبِخَتْ الْحِنْطَةُ بِالْخَمْرِ لَا تَطْهُرُ أَبَدًا وَبِهِ يُفْتَى اهـ. وَالْكُلُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَقِبَ نَقْلِهِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ صُبَّتْ الْخَمْرُ فِي قِدْرٍ فِيهَا لَحْمٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الْغَلَيَانِ يَطْهُرُ اللَّحْمُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغَلَيَانِ لَا يَطْهُرُ وَقِيلَ يُغْلَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُجَفَّفُ كُلَّ مَرَّةٍ وَتَجْفِيفُهُ بِالتَّبْرِيدِ اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ أُلْقِيَتْ الدَّجَاجَةُ حَالَ الْغَلَيَانِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا لِتُنْتَفَ أَوْ كَرِشٌ قَبْلَ الْغَسْلِ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا لَكِنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَنْ يَطْهُرَ عَلَى قَانُونِ مَا تَقَدَّمَ فِي اللَّحْمِ قُلْت وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ هُوَ مُعَلَّلٌ بِتَشَرُّبِهِمَا النَّجَاسَةَ الْمُتَخَلَّلَةَ بِوَاسِطَةِ الْغَلَيَانِ وَعَلَى هَذَا اُشْتُهِرَ أَنَّ اللَّحْمَ السَّمِيطَ بِمِصْرَ نَجَسٌ لَا يَطْهُرُ لَكِنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَا تَثْبُتُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَيَمْكُثَ فِيهِ اللَّحْمُ بَعْدَ ذَلِكَ زَمَانًا يَقَعُ فِي مِثْلِهِ التَّشَرُّبُ وَالدُّخُولُ فِي بَاطِنِ اللَّحْمِ وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فِي السَّمِيطِ الْوَاقِعِ حَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى حَدِّ الْغَلَيَانِ وَلَا يُتْرَكُ فِيهِ إلَّا مِقْدَارَ مَا تَصِلُ الْحَرَارَةُ إلَى سَطْحِ الْجِلْدِ فَيَنْحَلُّ مَسَامُّ السَّطْحِ عَلَى الصُّوفِ بَلْ ذَلِكَ التَّرْكُ يَمْنَعُ مِنْ وُجُودِهِ انْقِلَاعُ الشَّعْرِ فَالْأَوْلَى فِي السَّمِيطِ أَنْ يَطْهُرَ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا لِتَنَجُّسِ سَطْحِ الْجِلْدِ بِذَلِكَ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْتَرِسُونَ فِيهِ عَنْ النَّجَسِ، وَقَدْ قَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا فِي الدَّجَاجِ، وَالْكَرِشِ، وَالسَّمِيطِ مِثْلَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ فَرْكِ يَابِسِهِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ بِالْفَرْكِ وَهُوَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ: هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهَا قَالَا لِذَهَابِ عَيْنِهِ بِالتَّفَتُّتِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: الْفَرْكُ مُقَلِّلٌ لِلنَّجَاسَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هُوَ الْأَظْهَرُ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْمَائِعِ الْقَالِعِ (قَوْلُهُ: إنْ طَهُرَ رَأْسُ الْحَشَفَةِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّ خُرُوجِ الْمَنِيِّ لَا يَضُرُّ مَا بِهِ مِنْ أَثَرِ الْبَوْلِ بَلْ مَا إذَا لَطَّخَ الْحَشَفَةَ وَأَصَابَهُ الْمَنِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا كَانَ رَأْسُ الذَّكَرِ طَاهِرًا بِأَنْ بَالَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ الْبَوْلُ مِنْهُ مَخْرَجَهُ أَوْ تَجَاوَزَ وَاسْتَنْجَى اهـ. وَفِيهِ اخْتِلَافٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا لَمْ يَسْبِقْهُ مَذْيٌ فَإِنْ سَبَقَهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَمِنْ هُنَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يَمْذِي ثُمَّ يُمْنِي إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ مُسْتَهْلِكٌ فِيهِ فَيُجْعَلُ تَبَعًا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يَمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ أَعْنِي اُعْتُبِرَ مُسْتَهْلِكًا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغُسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ وَقِيلَ لَوْ بَالَ وَلَمْ يَنْتَشِرْ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ بِأَنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الثَّقْبَ فَأَمْنَى لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ الْمَنِيِّ وَكَذَا إنْ جَاوَزَ وَلَكِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دَفْقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى مُرُورِهِ عَلَى الْبَوْلِ فِي مَجْرَاهُ وَلَا أَثَرَ

[ما يعفى عنه من النجاسة]

يَجِبُ الْغَسْلُ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ لَا يَطْهُرُ الْبَدَنُ بِالْفَرْكِ. . (وَ) يَطْهُرُ (الْخُفُّ عَنْ) نَجِسٍ (ذِي جِرْمٍ جَفَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخُفِّ (بِالدَّلْكِ بِالْأَرْضِ كَذَا رَطْبُهُ) أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ أَيْضًا عَنْ نَجِسٍ ذِي جِرْمٍ رَطْبٍ عَلَى الْخُفِّ بِالدَّلْكِ (إذَا بُولِغَ فِيهِ) أَيْ الدَّلْكِ (وَ) يَطْهُرُ الْخُفُّ (عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ نَجِسٍ غَيْرِ ذِي جِرْمٍ (بِالْغَسْلِ) . (وَ) يَطْهُرُ (الصَّيْقَلُ) كَالْمِرْآةِ، وَالسَّيْفِ، وَالسِّكِّينِ وَنَحْوِهَا (بِالْمَسْحِ) وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالصَّيْقَلِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ خَشِنًا أَوْ مَنْقُوشًا لَا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ. (وَ) يَطْهُرُ (الْبِسَاطُ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ قِيلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (وَقِيلَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) كَذَا فِي الْحُجَّةِ (وَقِيلَ لَيْلَةً) كَذَا فِي الْوِقَايَةِ (تَنَجَّسَ بَعْضُ أَطْرَافِهِ) أَيْ الْبِسَاطِ (يُصَلِّي عَلَى) الطَّرَفِ (الطَّاهِرِ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ طَرَفُهُ الْآخَرُ بِتَحْرِيكِهِ أَوْ لَا وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّمَا يُصَلِّي عَلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ إذَا لَمْ يَتَحَرَّكْ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الْآخَرِ. (وَ) تَطْهُرُ (الْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ) لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَقْتَضِي صَعِيدًا طَيِّبًا وَفِي الصَّلَاةِ تَكْفِي الطَّهَارَةُ (كَذَا الْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ، وَالْخُصُّ) وَهُوَ السُّتْرَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ مِنْ الْقَصَبِ (وَشَجَرٌ وَكَلَأٌ قَائِمَانِ) فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ (وَالْمَقْطُوعُ) مِنْ الشَّجَرِ، وَالْكَلَأِ (يُغْسَلُ) وَلَا يَكْفِي فِيهِمَا الْيُبْسُ وَذَهَابُ الْأَثَرِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِهَا إلَى الْغَلِيظَةِ وَالْخَفِيفَةِ وَبَيَانِ مَا هُوَ عَفْوٌ مِنْهُمَا، وَقَالَ (وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَهُوَ مِثْقَالٌ فِي) النَّجَسِ (الْكَثِيفِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ اهـ. مَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ الْإِطْلَاقُ أَعْنِي سَوَاءٌ بَالَ وَاسْتَنْجَى أَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ الْمَنِيَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ مُسْتَهْلَكٌ كَالْمَذْيِ وَلَمْ يُعَفْ فِي الْمَذْيِ إلَّا لِكَوْنِهِ مُسْتَهْلَكًا لَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى جَعْلِ عِلَّةِ الْعَفْوِ الضَّرُورَةَ كَمَا بَيَّنَهُ الْكَمَالُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْبَوْلِ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِيهِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ وَكَوْنِ الثَّوْبِ جَدِيدًا أَوْ غَسِيلًا أَوْ مُبَطَّنًا عَلَى الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: وَالْخُفُّ عَنْ ذِي جِرْمٍ) أَيْ كَالرَّوْثِ، وَالْعَذِرَةِ، وَالدَّمِ، وَالْمَنِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْجِرْمُ مِنْهَا أَوْ مُكْتَسِبًا كَمَا إذَا الْتَصَقَ بِهِ رَمْلٌ أَوْ تُرَابٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: بِالدَّلْكِ بِالْأَرْضِ) تَبِعَ فِيهِ رِوَايَةَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَسْحُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا مَسَحَهَا بِالتُّرَابِ تَطْهُرُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ حَكَّهُ أَوْ حَتَّهُ بَعْدَ مَا يَبِسَ طَهُرَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْلَا الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَكُنَّا نَقُولُ إنَّهُ إذَا لَمْ يَمْسَحْهُمَا بِالتُّرَابِ لَا تَطْهُرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَذَا رَطْبُهُ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: إذَا بُولِغَ فِيهِ) يَعْنِي بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْأَرْضِ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِشَرْطِ ذَهَابِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا لَا يَطْهُرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ الصَّيْقَلُ. . . إلَخْ) أَقُولُ أَطْلَقَ فِي طَهَارَتِهِ بِالْمَسْحِ سَوَاءٌ أَصَابَهُ نَجَسٌ لَهُ جِرْمٌ أَوْ لَا رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَيُشْتَرَطُ زَوَالُ الْأَثَرِ بِمَا مَسَحَ بِهِ تُرَابًا كَانَ أَوْ خِرْقَةً أَوْ صُوفَ الشَّاةِ أَوْ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيَتَفَرَّعُ مَا لَوْ أَصَابَتْ ظُفْرَهُ أَوْ زُجَاجَةً أَوْ آنِيَةً مَدْهُونَةً أَوْ الْخَشَبَ الْخَرَائِطِيَّ أَوْ الْقَصَبَ الْبُورِيَّا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي عَوْدِ نَجَاسَةِ الصَّيْقَلِ بِقَطْعِ نَحْوِ الْبِطِّيخِ أَوْ إصَابَةِ الْمَاءِ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ الْمَنِيُّ إذَا فُرِكَ، وَالْخُفُّ إذَا دُلِكَ، وَالْأَرْضُ إذَا جَفَّتْ، وَالْبِئْرُ إذَا غَارَتْ، وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا يُفِيدُهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِالطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ وَمُلَاقَاةُ الطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ اخْتَارَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَيْلَةً) هَذَا التَّقْدِيرُ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ وَإِلَّا فَالْمَذْكُورُ فِي الْمُحِيطِ قَالُوا الْبِسَاطُ إذَا تَنَجَّسَ فَأَجْرَى عَلَيْهِ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَتَوَهَّمَ زَوَالَهَا طَهُرَ لِأَنَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ اهـ. فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِاللَّيْلَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: يُصَلِّي عَلَى الطَّاهِرِ مِنْهُ مُطْلَقًا) هُوَ الصَّحِيحُ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي طَرَفِ عِمَامَتِهِ وَكَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَتَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ اهـ. وَكَانَ حَقُّهُ ذِكْرَ هَذِهِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ:، وَالْأَرْضُ بِالْيُبْسِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالشَّمْسِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالنَّارِ وَالرِّيحِ، وَإِذَا قَصَدَ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ بِالْمَاءِ صَبَّهُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَجُفِّفَتْ كُلَّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ وَكَذَا لَوْ صَبَّهُ عَلَيْهَا بِكَثْرَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا رِيحُهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ) أَقُولُ وَأَمَّا الْحَجَرُ فَقَدْ ذَكَرَ الْخُجَنْدِيُّ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ. وَقَالَ الصَّيْرَفِيُّ إنْ كَانَ أَمْلَسَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ، وَإِنْ كَانَ يَشْرَبُ النَّجَاسَةَ كَحَجَرِ الرَّحَا فَهُوَ كَالْأَرْضِ، وَالْحَصَى بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَشَجَرٌ وَكَلَأٌ قَائِمَانِ) هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ. [مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ النَّجَاسَة] (قَوْلُهُ: وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ) الْمُعْتَبَرُ فِيهِ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجَسًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ فَانْفَرَشَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ اتِّسَاعِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لَا. وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ مِنْ ثَوْبٍ ذِي طَاقٍ بِخِلَافِ ذِي طَاقَيْنِ وَدِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ، ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ

بِالدِّرْهَمِ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ وَهُوَ الْمِثْقَالُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ لَا مَا يَكُونُ عَشَرَةً مِنْهُ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ (وَعَرْضُ مُقَعَّرِ الْكَفِّ) وَهُوَ دَاخِلُ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ (فِي) النَّجَسِ (الرَّقِيقِ) رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَارَةً اعْتَبَرَهُ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَهُوَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ وَتَارَةً اعْتَبَرَهُ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ مُقَعَّرِ الْكَفِّ فَوَفَّقَ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَا (مِمَّا غَلُظَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ (كَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ بَوْلَ صَغِيرٍ لَمْ يَطْعَمْ يَكُونُ طَاهِرًا (وَغَائِطٍ وَدَمٍ وَخَمْرٍ وَخُرْءِ دَجَاجٍ وَرَوْثٍ وَخِثْيٍ وَ) عُفِيَ (مَا دُونَ رُبْعِ ثَوْبٍ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ رُبْعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ رُبْعُ مَوْضِعِ إصَابَةِ النَّجَسِ كَالذَّيْلِ وَالدِّخْرِيصِ، وَقَدَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ بِشِبْرٍ فِي شِبْرٍ (مِمَّا خَفَّ كَبَوْلِ فَرَسٍ وَ) بَوْلِ (مَا يُؤْكَلُ وَخُرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ كَذَا) أَيْ عُفِيَ أَيْضًا (بَوْلٌ) أَيْ بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْغَلِيظِ وَمَا دُونَ الرُّبْعِ مِنْ الْخَفِيفِ (لَا) يُعْفَى (الْوَارِدِ) أَيْ الْمَاءُ الَّذِي يَرِدُ (عَلَى النَّجَسِ) نَجِسٌ (كَالْمَوْرُودِ) أَيْ كَالْمَاءِ الَّذِي يَرِدُ عَلَيْهِ النَّجَسُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَهِيَ اخْتِلَاطُ النَّجَسِ بِالْمَاءِ (لَا رَمَادَ قَذَرٍ وَلَا مِلْحٍ كَانَ حِمَارًا) فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِنَجِسَيْنِ لِتَبَدُّلِ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْمَيْتَةِ إذَا صَارَتْ مِلْحًا، وَالْعَذِرَةِ إذَا صَارَتْ تُرَابًا، وَالْخَمْرِ خَلًّا وَنَحْوِ ذَلِكَ. (يُصَلِّي عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مُضَرَّبٍ بِطَانَتُهُ نَجِسَةٌ) حَتَّى لَوْ كَانَ مُضَرَّبًا لَمْ يَجُزْ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا (كَمَا) يُصَلِّي (فِي ثَوْبٍ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا (ظَهَرَ فِيهِ بَلَّةُ ثَوْبٍ نَجِسٍ لُفَّ) هَذَا الثَّوْبُ النَّجِسُ (فِيهِ) أَيْ فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ لَكِنْ لَا يَكُونُ ظُهُورُ الْبَلَّةِ فِيهِ (كَمَا لَوْ عُصِرَ) الثَّوْبُ (قَطَرَتْ تِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَا لَا يَسْتَمْسِكُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمِثْقَالُ) أَقُولُ وَهُوَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا (قَوْلُهُ: كَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ) أَقُولُ إلَّا بَوْلَ الْخُفَّاشِ وَخَرْأَهُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ بَوْلَ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ عَلَى الظَّاهِرِ ، وَقِيلَ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ إذَا طُحِنَ فِي الْحِنْطَةِ جَازَ أَكْلُ الدَّقِيقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْخُرْءِ فِيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَدَمٍ) الْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَفِي حُكْمِهِ اللَّحْمُ الْمَهْزُولُ إذَا قُطِعَ فَالدَّمُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ نَجَسًا وَكَذَا الدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ، وَلَيْسَ دَمَ الْبَقِّ وَالْبَرَاغِيثِ بِشَيْءٍ، وَدَمُ الشَّهِيدِ طَاهِرٌ مَا دَامَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتَهُ، بِخِلَافِ قَتِيلٍ غَيْرِ شَهِيدٍ لَمْ يُغَسَّلْ أَوْ غُسِّلَ وَكَانَ كَافِرًا لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَخُرْءِ دَجَاجَةٍ) مِثْلُهُ الْبَطُّ وَالْإِوَزُّ (قَوْلُهُ: وَرَوْثٍ وَخِثْيٍ) الرَّوْثُ لِلْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ، وَالْخِثْيُ لِلْبَقَرِ، وَالْبَعْرُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا نَجَاسَتُهَا خَفِيفَةٌ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَطَهَّرَهَا مُحَمَّدٌ آخِرًا كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: وَعُفِيَ مَا دُونَ رُبْعِ ثَوْبٍ) أَقُولُ كَذَا بَدَنٍ (قَوْلُهُ: قِيلَ الْمُرَادُ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ الثَّوْبَ الْكَامِلَ وَقَدْ قِيلَ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّرَ بِهِ، وَالْحُكْمُ فِي الْبَدَنِ كَالثَّوْبِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ رُبْعُ الثَّوْبِ الْكَامِلِ قَالَ بِمِثْلِهِ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ رُبْعُ الْمَوْضِعِ الْمُصَابِ كَالْكُمِّ قَالَ كَذَلِكَ رُبْعُ الْعُضْوِ كَالْيَدِ وَصُحِّحَ الْجَمِيعُ إلَّا أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ لَمْ يُفِدْ حُكْمَ الْبَدَنِ وَتَرَجَّحَ الْقَوْلُ بِاعْتِبَارِ رُبْعِ طَرَفٍ أَصَابَهُ مِنْ الثَّوْبِ، وَالْبَدَنِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَيْ بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ) لَوْ أَبْقَى الْمُصَنِّفُ مَتْنَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ الْحُكْمَ فِي كُلِّ بَوْلٍ انْتَضَحَ بِالنَّصِّ لَا بِالْإِشَارَةِ (قَوْلُهُ: كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) أَقُولُ وَلَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ فَكَثُرَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَالْمُرَادُ بِرُءُوسِ الْإِبَرِ مَا يَشْمَلُ وَلَوْ مَحَلَّ إدْخَالِ السِّلْكِ وَمَا أَصَابَ الْغَاسِلَ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي عِلَاجِهِ لَا يُنَجِّسُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: الْوَارِدُ كَالْمَوْرُودِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُ فَالْأَوْلَى فِي الثَّوْبِ النَّجَسِ وَضْعُهُ فِي إجَّانَةٍ ثُمَّ صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لَا وَضْعُ الْمَاءِ أَوَّلًا ثُمَّ وَضْعُ الثَّوْبِ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ ذَلِكَ) يَعْنِي بِهِ الْمِسْكَ، وَالزُّبَّادَ لِطَهَارَتِهِمَا بِالِاسْتِحَالَةِ إلَى الطِّيبِيَّةِ. (قَوْلُهُ: يُصَلِّي عَلَى ثَوْبٍ غَيْرِ مُضَرَّبٍ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْكَافِي وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالْخِلَافِ فِي اللَّبَدِ النَّجَسِ أَحَدِ وَجْهَيْهِ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَالْأَصَحُّ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا يَكُونُ ظُهُورُ الْبَلَّةِ فِيهِ كَمَا لَوْ عَصَرَ الثَّوْبَ قَطَرَتْ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مَا ظَهَرَ فِيهِ مِنْ رُطُوبَةٍ لَا تَنْعَصِرُ وَلَوْ كَانَ النَّجَسُ يَنْعَصِرُ لَوْ عُصِرَ، وَبِهِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَيَتَعَيَّنُ عَدَمُ الْجَوَازِ حِينَئِذٍ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ ابْتَلَّ فِرَاشٌ أَوْ تُرَابٌ نَجِسَانِ مِنْ عَرَقِ نَائِمٍ أَوْ بَلَلِ قَدَمٍ وَظَهَرَ أَثَرُهَا فِي الْبَدَنِ، وَالْقَدَمِ تَنَجُّسًا وَإِلَّا لَا كَثَوْبٍ طَاهِرٍ تَنَدَّى مِنْ لَفِّهِ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ رَطْبٍ لَا يَنْعَصِرُ الثَّوْبُ النَّجِسُ لَوْ عُصِرَ لِعَدَمِ انْفِصَالِ شَيْءٍ مِنْ جِرْمِهَا إلَيْهِ حِينَئِذٍ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيمَا لَوْ كَانَ الطَّاهِرُ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ لَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ فِي الْأَصَحِّ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَا يَنْبُعُ عِنْدَ عَصْرِهِ رُءُوسٌ صِغَارٌ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ السَّيَلَانِ لِيَتَّصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَقْطُرُ بَلْ تَقِرُّ فِي مَوَاضِعِ نَبْعِهَا ثُمَّ تَرْجِعُ إذَا حُلَّ الثَّوْبُ وَيَبْعُدُ الْحُكْمُ عَلَى مِثْلِهِ بِالطَّهَارَةِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُخَالَطَةِ فَالْأَوْلَى

[فصل الاستنجاء]

الْبَلَّةُ مِنْهُ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ (كَذَا) أَيْ كَالثَّوْبِ الْمَلْفُوفِ فِيهِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ (لَوْ وُضِعَ) الثَّوْبُ حَالَ كَوْنِهِ (رَطْبًا عَلَى) جِدَارٍ (يَابِسٍ طُيِّنَ بِمَا فِيهِ سِرْقِينٌ أَوْ تَنَجَّسَ) عَطْفٌ عَلَى وُضِعَ (طَرَفٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الثَّوْبِ (فَنَسِيَ) أَيْ وَقَعَ النِّسْيَانُ (وَغَسَلَ) طَرَفًا (آخَرَ) مِنْهُ (بِلَا تَحَرٍّ كَمَا لَوْ بَالَ حُمُرٌ عَلَى مَا تَدُوسُهُ) مِنْ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا (فَقَسَّمَ أَوْ غَسَلَ بَعْضَهُ حَيْثُ يَطْهُرُ الْبَاقِي) وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّحَرِّي. (غَسَلَ) النَّجَاسَةَ (الْمَرْئِيَّةَ عَنْ الثَّوْبِ فِي إجَّانَةٍ حَتَّى زَالَتْ) النَّجَاسَةُ (أَوْ غَيْرَهَا ثَلَاثًا) أَيْ غَسَلَ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ مِنْ النَّجَاسَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثِ إجَّانَاتٍ أَوْ وَاحِدَةٍ بَعْدَ غَسْلِهَا مَرَّتَيْنِ (وَعَصَرَ) النَّجَاسَةَ (كَمَا مَرَّ) أَيْ ثَلَاثًا مُبَالِغًا فِي الثَّالِثَةِ (طَهُرَ) الثَّوْبُ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَطْهُرَ إلَّا بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ أَوْ الْغَسْلِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ ثُمَّ الْإِجَّانَةِ (وَالْمِيَاهُ) الَّتِي غَسَلَ بِهَا الثَّوْبَ (نَجِسَةٌ) لِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ إلَى الْمَاءِ (لَكِنَّ) تِلْكَ الْمِيَاهَ فِي النَّجَاسَةِ (كَالْمَحَلِّ حَالَ اللِّقَاءِ) أَيْ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ إيَّاهُ وَاتِّصَالِهِ بِهِ لَا حَالَ الِانْفِصَالِ عَنْهُ (فِي الْأَظْهَرِ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الطَّحَاوِيِّ إنَّ تَنَجُّسَ الْمَاءِ كَتَنَجُّسِ الْمَحَلِّ عِنْدَ انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْهُ (فَتَطْهُرُ) بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ النَّجَاسَةُ (الْأُولَى) أَيْ الْمُتَنَجِّسُ بِالنَّجَاسَةِ الْأُولَى الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَى الْمَاءِ بِأَوَّلِ الْغَسَلَاتِ فِيمَا إذَا أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا أَوْ عُضْوًا (بِالثَّلَاثِ) أَيْ بِالْغَسْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (وَالْوُسْطَى بِثِنْتَيْنِ) أَيْ الْمُتَنَجِّسُ بِالنَّجَاسَةِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَى الْمَاءِ بِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ (وَالْأُخْرَى بِمَرَّةٍ) أَيْ يَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسُ بِالنَّجَاسَةِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَى الْمَاءِ بِالْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمَحَلِّ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْمَاءِ وَهَكَذَا لَا تَطْهُرُ الْإِجَّانَةُ الْأُولَى إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا، وَالثَّانِيَةُ بِمَرَّتَيْنِ، وَالثَّالِثَةُ بِمَرَّةٍ وَعَلَى غَيْرِ الْأَظْهَرِ يَطْهُرُ مَا تَنَجَّسَ بِالْمَاءِ الْأَوَّلِ بِالْغَسْلِ مَرَّتَيْنِ وَبِالْمَاءِ الثَّانِي بِالْغَسْلِ مَرَّةً وَبِالْمَاءِ الثَّالِثِ بِمُجَرَّدِ الْعَصْرِ عَلَى مَا هُوَ حُكْمُ الْمَغْسُولِ عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَكَذَا تَطْهُرُ الْإِجَّانَةُ الْأُولَى بِمَرَّتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ بِمَرَّةٍ، وَالثَّالِثَةُ بِالْإِرَاقَةِ [فَصْلٌ الِاسْتِنْجَاءُ] (فَصْلٌ) (سُنَّ الِاسْتِنْجَاءُ) فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ النَّجْوُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ طَلَبُ الْفَرَاغِ عَنْهُ وَعَنْ أَثَرِهِ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ (مِنْ نَجِسٍ يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ) كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، وَالْمَنِيِّ، وَالْمَذْيِ، وَالدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَلَا يَسْتَنْجِي مِنْ الرِّيحِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَطْنِ، وَلَا يُسَمَّى تَطْهِيرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ اسْتِنْجَاءً (بِنَحْوِ حَجَرٍ) كَمَدَرٍ وَخَشَبٍ وَتُرَابٍ (لَا) أَيْ لَمْ يُسَنَّ (الْعَدَدُ بَلْ نُدِبَ) قَالَ فِي الْوِقَايَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِلَا عَدَدٍ يُدْبِرُ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِهِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُرْتَبِطٍ بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْعَدَدَ إذَا نُفِيَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ سُنِّيَّتِهِ لَمْ يُنَاسِبْ بَعْدَهُ ذِكْرُ الْعَدَدِ بِقَوْلِهِ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ. . . إلَخْ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا لَا الْعَدَدُ ثُمَّ أَضْرَبَ بِقَوْلِهِ بَلْ اُسْتُحِبَّ ثُمَّ قَالَ (يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ وَيُقْبِلُ بِالثَّانِي) الْإِدْبَارُ الْإِذْهَابُ إلَى جَانِبِ الدُّبُرِ، وَالْإِقْبَالُ ضِدُّهُ وَيُدْبِرُ بِالثَّالِثِ صَيْفًا، وَيُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي شِتَاءً، فَإِنَّ فِي الْمَسْحِ إقْبَالًا وَإِدْبَارًا مُبَالَغَةً فِي التَّنْقِيَةِ وَفِي الصَّيْفِ يُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ فِيهِ مُدَلَّاةٌ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَاطَةُ عَدَمِ النَّجَاسَةِ بِعَدَمِ نَبْعِ شَيْءٍ عِنْدَ الْعَصْرِ لِيَكُونَ مُجَرَّدَ نَدْوَةٍ لَا بِعَدَمِ التَّقَاطُرِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نَدْوَةٍ إلَّا إذَا كَانَ النَّجِسُ الرَّطْبُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَاطَرُ بِعَصْرِهِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُصِيبَ الثَّوْبَ الْجَافَّ قَدْرٌ كَثِيرٌ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا يَنْبُعُ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَصْرِهِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ عِنْدَ الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُفْتَى بِخِلَافِ مَا صَحَّحَ الْحَلْوَانِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَنَجَّسَ طَرَفٌ مِنْهُ فَنَسِيَ إلَخْ) هَكَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ غَسْلَ الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَيْسَ الْبَعْضُ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَغَسْلُ طَرَفٍ آخَرَ مِنْهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَنَسِيَ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ تُشْعِرُ بِالْعِلْمِ بِغَيْرِهِ وَلِذَا حَذَفَ لَفْظَ الْآخَرِ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ تَنَجَّسَ طَرَفٌ مِنْ الثَّوْبِ فَنَسِيَهُ فَغَسَلَ طَرَفًا مِنْهُ بِتَحَرٍّ أَوْ بِدُونِ تَحَرٍّ طَهُرَ اهـ. لَكِنَّهُ يُتَأَمَّلُ فِي الْحُكْمِ بِالطَّهَارَةِ مَعَ عَدَمِ التَّحَرِّي فِي الْمَحَلِّ الْمَغْسُولِ وَلَمْ يُعْلَمْ لِلنَّجَاسَةِ مَحَلٌّ غَالِبًا لَا ظَنًّا وَلَا يَقِينًا. (بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ) (قَوْلُهُ: مِنْ نَجَسٍ يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ) أَقُولُ هُوَ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ نَجَاسَةٍ مِنْ الْخَارِجِ تُصِيبُ الْمَخْرَجَ لِأَنَّهَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قُلْت وَفِي إطْلَاقِ الزَّيْلَعِيِّ طَهَارَتَهَا بِالْحَجَرِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُقَلِّلٌ لَا مُطَهِّرٌ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَائِلٌ بِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ إذَا قَعَدَ بِمَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ إذَا أَصَابَ الْمَخْرَجَ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. وَصَاحِبُ الْبَحْرِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ نَقَلُوا هَذَا التَّصْحِيحَ هُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَجَرٍ) يَعْنِي مُنَقٍّ كَمَا فِي الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: كَمَدَرٍ وَخَشَبٍ وَتُرَابٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَنْجِي بِمَا لَهُ قِيمَةٌ غَيْرُ الْمَاءِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ (قَوْلُهُ: مُبَالَغَةً فِي التَّنْقِيَةِ) أَقُولُ وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ النَّجَاسَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ فِي حَقِّ الْعَرَقِ حَتَّى إذَا أَصَابَهُ الْعَرَقُ مِنْ الْمَقْعَدَةِ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَوْ قَعَدَ بِمَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

[استقبال القبلة في البول والغائط]

يُقْبِلُ احْتِرَازًا عَنْ تَلَوُّثِهَا ثُمَّ يُقْبِلُ ثُمَّ يُدْبِرُ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الشِّتَاءِ فَيُقْبِلُ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّنْقِيَةِ ثُمَّ يُدْبِرُ ثُمَّ يُقْبِلُ لِلْمُبَالَغَةِ (، وَالْمَرْأَةُ فِي الْوَقْتَيْنِ) أَيْ فِي الصَّيْفِ، وَالشِّتَاءِ (مِثْلُهُ صَيْفًا) يَعْنِي تُدْبِرُ الْمَرْأَةُ بِالْأَوَّلِ أَبَدًا لِئَلَّا يَتَلَوَّثَ فَرْجُهَا (وَالْغَسْلُ بَعْدَهُ) أَيْ الْحَجَرِ (أَوْلَى إنْ أَمْكَنَ بِلَا كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يُرْخِي الْمَخْرَجَ بِمُبَالَغَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَيَغْسِلُهُ بِبَطْنِ أُصْبُعٍ) وَاحِدٍ إنْ حَصَلَ بِهَا النَّقَاءُ (أَوْ أُصْبُعَيْنِ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةٍ (أَوْ ثَلَاثٍ) إنْ اُحْتِيجَ إلَى أَزْيَدَ وَيُصْعِدُ الرَّجُلُ أُصْبُعَهُ الْوُسْطَى عَلَى سَائِرِ الْأَصَابِعِ صُعُودًا قَلِيلًا فِي ابْتِدَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهُ ثُمَّ يُصْعِدُ بِنْصِرَه إذَا غَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُصْعِدُ خِنْصَرَهُ ثُمَّ سَبَّابَتَهُ وَيَغْسِلُ مَوْضِعَهُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، وَالْمَرْأَةُ تُصْعِدُ بِنْصِرَهَا وَأَوْسَطَهَا جَمِيعًا مَعًا ثُمَّ تَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ لِأَنَّهَا لَوْ بَدَأَتْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ كَالرَّجُلِ عَسَى يَقَعُ أُصْبُعُهَا فَتَلَذَّذُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَهِيَ لَا تَشْعُرُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ثَانِيًا وَيَجِبُ) أَيْ غَسْلُ الْمَخْرَجِ (بِمُجَاوَزَةِ مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ) مِنْ النَّجِسِ (الْمَخْرَجَ) مَفْعُولُ الْمُجَاوَزَةِ (إلَى أَنْ يُنَقَّى) مُتَعَلِّقُ بِيَجِبُ (وَلَوْ بِمَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْغَسْلُ بِمِقْدَارٍ (فَوْقَ الثَّلَاثِ) فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِنْقَاءُ لَا الْعَدَدُ حَتَّى لَوْ حَصَلَ بِوَاحِدَةٍ كَفَى وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ زَادَ عَلَيْهَا (يَغْسِلُ) الْمُسْتَنْجِي (الدُّبُرَ أَوَّلًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا ثَانِيَةً) . (وَيُكْرَهُ بِعَظْمٍ) لِأَنَّهُ زَادُ الْجِنِّ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ (وَطَعَامٍ) لِلْإِنْسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْقِيرِ الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ شَرْعًا وَلِلْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْجِيسِ الطَّعَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَرَوْثٍ) لِأَنَّهُ نَجِسٌ فَيُنَافِي التَّنْقِيَةَ (وَآجُرٍّ وَخَزَفٍ وَفَحْمٍ وَجِصٍّ وَشَيْءٍ مُحْتَرَمٍ) بَيْنَ النَّاسِ كَخِرْقَةِ الدِّيبَاجِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ يُنَافِي الِاحْتِرَامَ مَعَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ (وَيَمِينٍ) لِلنَّهْيِ أَيْضًا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) بِأَنْ تَكُونَ يُسْرَاهُ مَقْطُوعَةً أَوْ بِهَا جِرَاحَةٌ وَلَوْ اسْتَنْجَى بِالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي الشَّرْعِيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ. [اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ] . (وَ) يُكْرَهُ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ كَذَا اسْتِدْبَارُهَا) لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ (بِكَشْفِ الْعَوْرَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَعَظِّمُوا قِبْلَةَ اللَّهِ لَا تَسْتَقْبِلُوهَا وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْأَجْنَاسِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدَثِ بَلْ لِإِزَالَتِهِ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا (وَلَوْ فِي الْبُنْيَانِ) لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَمْ يُفَرِّقْ. (وَ) يُكْرَهُ (فِعْلُهُمَا) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ (فِي الْمَاءِ، وَالظِّلِّ) أَيْ ظِلِّ قَوْمٍ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ (وَالطَّرِيقِ وَتَحْتَ شَجَرٍ مُثْمِرٍ) بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُثْمِرِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْجَمِيعِ فِي الْحَدِيثِ، وَالسِّرُّ ظَاهِرٌ (وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا (، وَالْبَوْلُ قَائِمًا إلَّا لِعُذْرٍ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (وَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْمَشْيِ أَوْ التَّنَحْنُحِ أَوْ النَّوْمِ) أَيْ الِاضْطِجَاعِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ قَلْبُهُ عَلَى انْقِطَاعِ الْعَوْدِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَقِيلَ يَكْتَفِي بِمَسْحِ الذَّكَرِ وَاجْتِذَابِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ مُخْتَلِفَةٌ فَمَنْ فِي قَلْبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ فِي الْوَقْتَيْنِ مِثْلُهُ صَيْفًا) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَاضِي خَانْ: وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ مِثْلَ فِعْلِ الرَّجُلِ فِي الشِّتَاءِ اهـ. وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِخَشْيَةِ تَلْوِيثِ الْفَرْجِ لَوْ أَبْتَدَأَتْ مِنْ خَلْفُ (قَوْلُهُ: وَغَسْلُهُ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ الْحَجَرِ أَوْلَى) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قِيلَ هُوَ أَدَبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ وَقِيلَ هُوَ سُنَّةٌ فِي زَمَانِنَا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَقِيلَ سُنَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ (قَوْلُهُ: إنْ أَمْكَنَ بِلَا كَشْفِ الْعَوْرَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ مَخْرَجَهَا لِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْوُجُوبِ فِيهِ فِيمَا سَيَأْتِي فَيَقْتَضِي وَلَوْ أَدَّى إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ (قَوْلُهُ: وَيَغْسِلُهُ بِبَطْنِ أُصْبُعٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي لَا رُءُوسِهَا احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْأُصْبُعِ وَإِذَا اسْتَنْجَى بِأُصْبُعٍ يُرَاعِي الْكَيْفِيَّةَ الْآتِيَةَ لَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْأُصْبُعِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ تُصْعِدُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ عَذْرَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَسْتَنْجِي بِأَصَابِعِهَا خَوْفًا مِنْ زَوَالِ الْعُذْرَةِ بَلْ بِبَاطِنِ كَفِّهَا (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَيْ غَسْلُ الْمَخْرَجِ بِمُجَاوَزَةِ مَا فَوْقَ الدِّرْهَمِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ وَإِنْ كَانَ الْمُجَاوِزُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ فَمَا دُونَهُ فَالْغَسْلُ وَاجِبٌ، وَقَدْ جَعَلَ الِاسْتِنْجَاءَ قِسْمَيْنِ: مَسْنُونًا، وَوَاجِبًا وَقَدْ قَسَّمَهُ فِي السِّرَاجِ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٌ فَرِيضَةٌ مِنْ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْجَنَابَةِ، وَالرَّابِعُ إذَا تَجَاوَزَتْ مَخْرَجَهَا، وَالْخَامِسُ الْمَسْنُونُ إذَا كَانَتْ مِقْدَارَ الْمَخْرَجِ فِي مَحَلِّهِ وَفِيهِ تَسَامُحٌ ذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ زَادَ عَلَيْهَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ طَهُرَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّ الْإِنْقَاءَ لِلرِّيحِ فِي الْغَائِطِ وَاجِبٌ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَقَوْلَانِ قِيلَ يَطْهُرُ، وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ تَزُلْ الرَّائِحَةُ وَإِنْ بَالَغَ. [الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ] (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الْبَوْلِ. . . إلَخْ) كَذَا اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ احْتِرَامًا لَهُمَا وَكَذَا مَهَبُّ الرِّيحِ لِئَلَّا يُصِيبَهُ رَشَاشُ بَوْلِهِ (قَوْلُهُ: وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا لِلنَّهْيِ عَنْهُ) أَقُولُ اسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ كَاشِفَيْنِ عَوْرَتَهُمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ»

[كتاب الصلاة]

أَنَّهُ صَارَ طَاهِرًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَعْلَمُ بِحَالِهِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (وَمَعَ طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ تَطْهُرُ الْيَدُ) كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. (كِتَابُ الصَّلَاةِ) (شَرْطٌ لِفَرْضِيَّتِهَا الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ) لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَدَارَ التَّكْلِيفِ بِالْفُرُوعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ (وَإِنْ وَجَبَ ضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ) أَيْ صَبِيٍّ سِنُّهُ عَشْرُ سِنِينَ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى تَرْكِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ» . (وَمُنْكِرُهَا) أَيْ مُنْكِرُ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِمَعْنَى مُنْكِرِ فَرْضِيَّتِهَا (كَافِرٌ) لِثُبُوتِهَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ. (وَتَارِكُهَا عَمْدًا مَجَانَةً) أَيْ تَكَاسُلًا (فَاسِقٌ يُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِأَنَّهُ يُحْبَسُ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَحَقُّ بِهِ (وَقِيلَ يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ) مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ. . (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا بِالْجَمَاعَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ لِوُجُودِهَا فِي سَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَهُوَ مِنَّا» قَالُوا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَاتَنَا الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ لِوُجُودِ الصَّلَاةِ بِدُونِ الْجَمَاعَةِ فِي الْكَفَرَةِ أَيْضًا. (وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا النِّيَابَةُ أَصْلًا) أَيْ لَا بِالنَّفْسِ كَمَا صَحَّتْ فِي الْحَجِّ وَلَا بِالْمَالِ كَمَا صَحَّتْ فِي الصَّوْمِ بِالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجُوزُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ. (وَتَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى غَيْرِ مَعْذُورٍ) لِوُجُودِ السَّبَبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. (وَ) تَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَعْذُورِ كَصَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَا وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا (بِآخِرِهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ (وَلَا تَجُوزُ قَبْلَهُ) لِامْتِنَاعِ تَقَدُّمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ. (فَوَقْتُ الْفَجْرِ) قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ وَمَنْ قَدَّمَ الظُّهْرَ نَظَرَ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ أَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ (مِنْ) طُلُوعِ (الصُّبْحِ الثَّانِي) وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُنْتَشِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمَعَ طَهَارَةِ الْمَغْسُولِ تَطْهُرُ الْيَدُ) أَقُولُ وَلَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِئَلَّا تَتَشَرَّبَ الْمَسَامُّ النَّجَاسَةَ وَبَعْدَهُ أَيْضًا مُبَالَغَةً فِي النَّظَافَةِ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ اسْتِعَاذَةٍ وَتَقْدِيمُ التَّسْمِيَةِ وَتَقْدِيمُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى فِي الدُّخُولِ، وَالْيُمْنَى فِي الْخُرُوجِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ خُرُوجِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. [كِتَابُ الصَّلَاةِ] (كِتَابُ الصَّلَاةِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَعْرِيفِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحْرِيكِ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ عِنْدَ الْعَجِيزَةِ فَهِيَ مُغَيَّرَةٌ شَرْعًا أَوْ عَنْ الدُّعَاءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمَنْقُولَةِ لِوُجُودِهَا بِدُونِهِ فِي الْآدَمِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّغْيِيرِ، وَالنَّقْلِ أَنَّ فِي النَّقْلِ لَمْ يَبْقَ الْمَعْنَى الَّذِي وَضَعَهُ الْوَاضِعُ مَرْعِيًا وَفِي التَّغْيِيرِ يَكُونُ بَاقِيًا لَكِنَّهُ زِيدَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمَعْلُومَةِ. [إنْكَار الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة] (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا) أَقُولُ لَكِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. [النِّيَابَةُ فِي الصَّلَاة] (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى غَيْرِ مَعْذُورٍ) أَقُولُ وَسَيَذْكُرُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ قَبْلَهُ فَالْمُرَادُ بِوُجُوبِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ الْوُجُوبُ الْمُوَسَّعُ وَهَذَا سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ، وَأَمَّا سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَقَالَ فِي الْكَافِي إنَّهُ الْخِطَابُ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَعْذُورِ. . . إلَخْ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَعْذُورِ مَنْ ذَكَرَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ اتَّصَفَ فِي الْوَقْتِ بِالْأَهْلِيَّةِ كَالْبُلُوغِ، وَالْإِسْلَامِ لَا يُقَالُ لَهُ مَعْذُورٌ لِأَنَّ الْمَعْذُورَ مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ مَعَ قِيَامِ مَا بِهِ مِنْ حَدَثٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ وَهُوَ كَالصَّحِيحِ لَا يَفْتَرِقُ حَالُهُمَا فِي السَّبَبِ وَثَانِيًا: أَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِالْأَهْلِيَّةِ مِمَّنْ ذَكَرَهُ لَا يَكُونُ آخِرُ الْوَقْتِ سَبَبًا لَازِمًا فِي حَقِّهِ بَلْ الْجُزْءُ الْمُتَّصِفُ فِيهِ بِالْأَهْلِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْآخِرَ أَوْ غَيْرَهُ. [أَوْقَات الصَّلَوَات] [وَقْتُ الْفَجْرِ] (قَوْلُهُ: فَوَقْتُ الْفَجْرِ أَيْ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ. . . إلَخْ) مُتَضَمِّنٌ أَنَّ الْفَرَائِضَ خَمْسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَافِظُوا} [البقرة: 238] الْآيَةَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَدًا لَهُ وُسْطَى وَوَاوُ الْجَمْعِ لِلْعَطْفِ الْمُقْتَضِي لِلْمُغَايَرَةِ وَأَقَلُّهُ خَمْسٌ ضَرُورَةً وَلِلسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ كَذَا اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ صَاحِبُ الْكَافِي وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي مُقَدِّمَتِهِ وَقَالَ شَارِحُهَا الْقَرْمَانِيُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا يَصِحُّ إذَا لَمْ يَجْعَلْ الْوُسْطَى بِمَعْنَى الْفُضْلَى، وَأَنْ لَا يَبْطُلَ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْفُضْلَى كَمَا هُوَ رَأْيُ الْأَكْثَرِينَ أَوْ بَطَلَ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ مِنْ الْقَاعِدَةِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِدْلَال فَافْهَمْ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ثَبَتَ كَوْنُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ) هَذَا أَحَدُ مَا قِيلَ، وَقِيلَ لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَوْ لِأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَدَّمَ الظُّهْرَ) أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فَعَلَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ: نَظَرَ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَالْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةُ (قَوْلُهُ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ. . . إلَخْ) اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ الْعِبْرَةُ لِأَوَّلِ طُلُوعِهِ أَوْ لِاسْتِطَارَتِهِ أَوْ لِانْتِشَارِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْأَخِيرُ لِتَعْرِيفِهِمْ الصَّادِقَ بِهِ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[وقت المغرب]

فِي الْأُفُقِ الْمُسَمَّى بِالصُّبْحِ الصَّادِقِ (إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا وَكَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ ثُمَّ قَالَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، وَقْتٌ لَك وَلِأُمَّتِك» . (وَ) وَقْتُ (الظُّهْرِ مِنْ زَوَالِهَا) أَيْ الشَّمْسِ (إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ زَوَالِهَا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَلِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقْتَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِإِمَامَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعِنْدَهُمَا آخِرُهُ إذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ (سِوَى الْفَيْءِ) أَيْ فَيْءِ الزَّوَالِ الْفَيْءُ لُغَةً الرُّجُوعُ وَعُرْفًا ظِلٌّ رَاجِعٌ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ حِينَ يَقَعُ عَلَى خَطِّ نِصْفِ النَّهَارِ وَإِضَافَتُهُ إلَى الزَّوَالِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِحُصُولِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُعَدُّ تَسَامُحًا. (وَ) وَقْتُ (الْعَصْرِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ (إلَى غُرُوبِهَا) أَيْ الشَّمْسِ أَمَّا أَوَّلُهُ فَالْمَذْكُورُ هَاهُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. [وَقْتُ الْمَغْرِب] (وَ) وَقْتُ (الْمَغْرِبِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ غُرُوبِهَا (إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ) وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (الْبَيَاضُ) الَّذِي يَعْقُبُ الْحُمْرَةَ (وَعِنْدَهُمَا الْحُمْرَةُ وَبِهِ يُفْتَى) لِإِطْبَاقِ أَهْلِ اللِّسَانِ عَلَيْهِ حَتَّى نُقِلَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَيْهِ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ حَمْلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ الشَّفَقَ عَلَى الْحُمْرَةِ،. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُهُمَا أَوْسَعُ، وَقَوْلُهُ أَحْوَطُ. (وَ) وَقْتُ (الْعِشَاءِ وَالْوَتْرِ مِنْهُ) أَيْ غُرُوبِ الشَّفَقِ (إلَى الصُّبْحِ) أَمَّا أَوَّلُهُ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَدْخُلُ عَقِيبَ الشَّفَقِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْحَائِضَ إذَا طَهُرَتْ بِاللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا وَقْتُ الْوَتْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ) بِلَا خِلَافٍ فِي الْآخِرِ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَتْرَ فَرْضٌ عِنْدَهُ وَسُنَّةٌ عِنْدَهُمَا كَمَا سَيَجِيءُ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْوَتْرَ قَبْلَ الْعِشَاءِ نَاسِيًا أَوْ صَلَّاهُمَا فَظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ لَا الْوَتْرِ فَإِنَّ الْوَتْرَ يَصِحُّ وَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا عِنْدَهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِمِثْلِ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتَعْرِيفِهِ بِهِ قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمُجَرَّدِ طُلُوعِهِ وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْرِيفُ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الِانْتِشَارَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِشَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ جَانِبٍ مِنْهُ، يُؤَيِّدُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ «ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَزَغَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامَ عَلَى الصَّائِمِ» (قَوْلُهُ: إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ) يَعْنِي إلَى قُبَيْلِ طُلُوعِهَا لِمَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ. [وَقْتُ الظُّهْرِ] (قَوْلُهُ: فَأَمَّا الثَّانِي فَلِإِمَامَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي الظُّهْرَ وَقَدْ صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ مَرَّةً فَلَمْ يُطَابِقْ الْمُدَّعَى فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ مِنْ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهِ قِيلَ بِالْمِثْلِ وَبِالْمِثْلَيْنِ فَبِالْخُرُوجِ بِالْمِثْلِ يَشُكُّ فِي الْخُرُوجِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ بُلُوغُهُ مِثْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا آخِرُهُ إذَا صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ) أَقُولُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي تَصْحِيحِ الشَّيْخِ قَاسِمٍ [وَقْتُ الْعَصْر] (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا الْحُمْرَةُ وَبِهِ يُفْتَى. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اخْتَارَ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا وَلَا تُسَاعِدُهُ رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَوَافَقَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ وَقَالَ فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصَحُّ لَكِنَّ صَاحِبَ الْبُرْهَانِ مَعَ مُتَابَعَتِهِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ مَشَى عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمُوَافِقَةِ لِقَوْلِهِمَا وَقَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ إطْبَاقُ أَهْلِ اللِّسَانِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهَا نَفْيًا لِلْمُجَاوِزِ وَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْبَيَاضِ نَفْيًا لِلِاشْتِرَاكِ (قَوْلُهُ: حَتَّى نُقِلَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَيْهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مِثْلَهُ ثُمَّ قَالَ وَإِثْبَاتُ هَذَا الِاسْمِ لِلْبَيَاضِ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ؛ وَلِأَنَّ الطَّوَالِعَ ثَلَاثَةٌ، وَالْغَوَارِبَ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ الْوَسَطُ مِنْهَا وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي فَكَذَا فِي الْغَوَارِبِ الْمُعْتَبَرُ لِدُخُولِ الْوَقْتِ الْوَسَطُ، وَهُوَ الْحُمْرَةُ فَبِذَهَابِهَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْبَيَاضِ مَعْنَى الْحَرَجِ فَإِنَّهُ لَا يَذْهَبُ إلَّا قَرِيبًا مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ رَاعَيْت الْبَيَاضَ بِمَكَّةَ فَمَا ذَهَبَ إلَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ اهـ. لَكِنْ حَمَلَ الزَّيْلَعِيُّ مَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ عَلَى بَيَاضِ الْجَوِّ وَذَلِكَ يَغِيبُ آخِرَ اللَّيْلِ وَأَمَّا بَيَاضُ الشَّفَقِ وَهُوَ رَقِيقُ الْحُمْرَةِ فَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا إلَّا قَلِيلًا قَدْرَ مَا يَتَأَخَّرُ طُلُوعُ الْحُمْرَةِ عَنْ الْبَيَاضِ فِي الْفَجْرِ. اهـ. [وَقْتُ الْعِشَاء] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا آخِرُهُ فَلِإِجْمَاعِ السَّلَفِ) أَقُولُ لَمْ يَسْتَدِلَّ لَهُ بِحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِلْمُدَّعَى ظَاهِرًا لَكِنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعَاتِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ فَلِهَذَا لَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

[وقت التراويح]

الْعُذْرِ وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوَتْرَ أَيْضًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهَا، وَالثَّانِي أَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ حَتَّى لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُصَلِّ الْوَتْرَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذْ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ. (وَلَا يَجِبَانِ) أَيْ الْعِشَاءُ وَالْوَتْرُ (لِفَاقِدِ وَقْتِهِمَا) أَيْ مَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الْعِشَاءِ وَالْوَتْرِ بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ يَطْلُعُ فِيهِ الْفَجْرُ كَمَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ لَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ لِعَدَمِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْوَقْتُ. (وَ) وَقْتُ (التَّرَاوِيحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ) قَبْلَ الْوَتْرِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ (وَقِيلَ بَيْنَ الْعِشَاءِ، وَالْوَتْرِ) حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا قَبْلَ الْعِشَاءِ أَوْ بَعْدَ الْوَتْرِ لَمْ يُؤَدِّهَا فِي وَقْتِهَا (وَقِيلَ اللَّيْلُ كُلُّهُ) قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ الْوَتْرُ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهَا قِيَامُ اللَّيْلِ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَصْلِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ، فَقَالَ: (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ إلَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ تَرْتِيلُ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ إعَادَتُهُ إنْ لَزِمَتْ) بِأَنْ ظَهَرَ فَسَادُ وُضُوئِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» . (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَأْخِيرُ ظُهْرِ الصَّيْفِ لِلْإِبْرَادِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» (وَ) تَأْخِيرُ (الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ) بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا قَبْلَ آخِرِ الثُّلُثِ وَانْتِهَاؤُهَا فِي آخِرِ الثُّلُثِ وَلَوْ بِالتَّخْمِينِ، وَبِهِ يُوَفَّقُ بَيْنَ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ وَقَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ (وَ) تَأْخِيرُ الْوَتْرِ إلَى الْفَجْرِ (لِلْوَاثِقِ بِالِانْتِبَاهِ) وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ الْوَتْرَ أَيْضًا) يَعْنِي عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ قَبْلَهَا) يَعْنِي لَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ عَنْ السُّنَّةِ فَنَفْيُ الصِّحَّةِ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ صِحَّةِ أَدَائِهِ سُنَّةً لَا نَفْيُ أَصْلِ الصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبَانِ لِفَاقِدِ وَقْتِهِمَا) أَقُولُ وَبِهِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ ثُمَّ وَافَقَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَأَفْتَى الْإِمَامُ الْبُرْهَانِيُّ الْكَبِيرُ بِوُجُوبِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَلَا يُسَاعِدُ الْقَائِلَ بِالْوُجُوبِ حَدِيثُ الدَّجَّالِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَمَّا «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُبْثِ الدَّجَّالِ فِي الْأَرْضِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَيَكْفِينَا صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ» . لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ عِشَاءٍ مَثَلًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي الْإِيجَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ زَمَنٌ يَمْضِي فِيهِ مِقْدَارُ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَالْوَتْرِ لِيُقَدَّرَ لَهُ بِهِ [وَقْتُ التَّرَاوِيح] (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْفَجْرِ) هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَرْأَةِ، وَالْأَفْضَلُ لَهَا فِي الْفَجْرِ الْغَلَسُ، وَفِي غَيْرِهَا الِانْتِظَارُ إلَى فَرَاغِ الرِّجَالِ عَنْ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي سُنِّيَّةِ التَّغْلِيسِ بِفَجْرِ مُزْدَلِفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: إلَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ تَرْتِيلُ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ إعَادَتُهُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ الْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْوُضُوءِ أَيْضًا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مُوفِيًا بِهِ. وَقَالَ الْكَمَالُ: قَالُوا وَحَدُّهُ يَعْنِي الْإِسْفَارَ بِالْفَجْرِ أَنْ يَبْدَأَ فِي وَقْتٍ يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ أَدَائِهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مَا لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ صَلَاتِهِ أَعَادَهَا بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ مُرَتَّلَةٍ بَيْنَ الْخَمْسِينَ، وَالسِّتِّينَ آيَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّغْلِيسَ إلَّا مَنْ لَمْ يَضْبِطْ ذَلِكَ الْوَقْتَ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ ظُهْرِ الصَّيْفِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ أَوْ بِجَمَاعَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ فِي بِلَادٍ حَارَّةٍ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ لَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَنُفَضِّلُ الْإِبْرَادَ بِالظُّهْرِ مُطْلَقًا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ فَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قِيلَ، وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ أَصْلًا وَاسْتِحْبَابًا فِي الزَّمَانَيْنِ اهـ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَأْخِيرَ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقَالَ فِي الْكَافِي: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ فِي كُلِّ زَمَانٍ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَأْمُرُ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ» ، وَالْعِبْرَةُ لِتَغَيُّرِ الْقُرْصِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا لِتَغَيُّرِ الضَّوْءِ كَمَا قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ لِأَنَّ ذَا يَحْصُلُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَمَتَى صَارَ الْقُرْصُ بِحَيْثُ لَا تَحَارُ فِيهِ الْأَعْيُنُ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ) أَطْلَقَهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ يَوْمِ الْغَيْمِ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُوَفِّقُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَقَدْ ظَفِرْت بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ إلَيْهِ وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْبُرْهَانِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُوَفَّقُ بِهِ لِفَكِّ التَّعَارُضِ وَقَدْ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا شَارِحُ الْمَجْمَعِ بِأَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ إلَى الثُّلُثِ مُسْتَحَبًّا فِي الشِّتَاءِ وَإِلَى مَا قَبْلَهُ فِي الصَّيْفِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ وَأَمَّا التَّأْخِيرُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَمُبَاحٌ وَإِلَى آخِرِهِ فَمَكْرُوهٌ اهـ. وَعَلَّلَ الْكَرَاهَةَ فِي الْهِدَايَةِ بِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ اهـ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ يَخْشَى فَوْتَ الْجَمَاعَةِ، وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَإِلَّا فَلَا كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَمُذَاكَرَةِ الْفِقْهِ، وَالْحَدِيثِ مَعَ الضَّيْفِ، وَالْعُرْسِ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ الْوَتْرِ إلَى الْفَجْرِ) ظَاهِرُ مَا فِي الْبُرْهَانِ، وَالْمَجْمَعِ أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ لِلْمُتَهَجِّدِ آخِرَ اللَّيْلِ وَهُوَ مَنْ يَأْلَفُ صَلَاةَ اللَّيْلِ لِلْإِتْيَانِ بِمَا يَتَنَفَّلُ بِهِ مَعَهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِذَا أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، وَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا يُعِيدُ الْوَتْرَ وَلَزِمَهُ تَرْكُ الْأَفْضَلِ الْمُفَادِ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا»

«مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَهُ» . (وَ) يُسْتَحَبُّ (تَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ مَا نَدْرِي أَمَا ذَهَبَ مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُ أَمْ مَا بَقِيَ مِنْهُ» ، رَوَاهُ أَحْمَدَ (وَ) تَعْجِيلُ (الْمَغْرِبِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَيَوْمَ غَيْمٍ يُعَجِّلُ الْعَصْرَ، وَالْعِشَاءَ) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ احْتِمَالَ وُقُوعِهِ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَفِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَرِ، وَالطِّينِ (وَيُؤَخِّرُ غَيْرَهُمَا) يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ لِأَنَّ الْفَجْرَ وَالظُّهْرَ لَا كَرَاهَةَ فِي تَأْخِيرِهِمَا، وَالْمَغْرِبُ يُخَافُ وُقُوعُهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ لِشِدَّةِ الِالْتِبَاسِ. (لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ وَسَجْدَةُ تِلَاوَةٍ كَانَتْ) تِلْكَ التِّلَاوَةُ (فِي) الْوَقْتِ (الْكَامِلِ وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ قَبْلَ) أَيْ قَبْلَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ بِقَوْلِهِ (حَالَ الطُّلُوعِ، وَالِاسْتِوَاءِ، وَالْغُرُوبِ) وَهُوَ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ (إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ فَإِنْ أَدَّاهَا لَا يُكْرَهُ وَقْتُ الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ إنْ لَمْ يُؤَدِّ قَبْلَهُ فَإِذَا أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ كَالْقَضَاءِ لَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَفْوِيتُهُ، قَالُوا الْمُرَادُ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَا تَلَاهَا قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ وَأَمَّا إذَا تَلَاهَا فِيهَا فَجَازَ أَدَاؤُهَا فِيهَا بِلَا كَرَاهَةٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا لِيُؤَدِّيَهَا فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا حَضَرَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ حَضَرَتْ فِيهَا جَازَتْ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّهَا أُدِّيَتْ كَمَا وَجَبَتْ إذْ الْوُجُوبُ بِالْحُضُورِ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَالتَّأْخِيرُ مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَجُزْ الْمَذْكُورَاتُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهَا فِي الْحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا أَوْقَاتٌ يَعْبُدُ فِيهَا عَبَدَةُ الشَّمْسِ (كَذَا) أَيْ كَمَا جَازَ الْعَصْرُ وَقْتَ الْغُرُوبِ (جَازَ تَطَوُّعٌ بَدَأَ بِهِ فِيهَا) أَيْ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ (أَوْ نَذَرَ أَدَاءَهُ فِيهَا وَقَضَاءُ تَطَوُّعٍ بَدَأَ بِهِ فِيهَا فَأَفْسَدَهُ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا وَجَبَ نَاقِصًا يُؤَدَّى نَاقِصًا (وَالْأَفْضَلُ فِي الْأَوَّلَيْنِ) يَعْنِي تَطَوُّعًا بَدَأَ بِهِ فِيهَا أَوْ نَذَرَ أَدَاءَهُ فِيهَا (وَالْقَطْعُ، وَالْقَضَاءُ فِي) الْوَقْتِ (الْكَامِلِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (وَكُرِهَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَأَدَاءِ) صَلَاةِ (الْعَصْرِ إلَى أَدَاءِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ النَّفْلِ سِوَى سُنَّةِ الْفَجْرِ) فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ. (وَ) كُرِهَ (الْمَنْذُورُ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَمَا بَدَأَ بِهِ فَأَفْسَدَهُ لَا) تُكْرَهُ (الْفَائِتَةُ) فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ (إلَّا فِي) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَتَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّبِيعِ، وَالْخَرِيفِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الرَّبِيعَ مُلْحَقٌ بِالشِّتَاءِ، وَالْخَرِيفَ بِالصَّيْفِ (قَوْلُهُ: وَتَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ) أَقُولُ وَلَمْ يُفِدْ حُكْمَ تَأْخِيرِهَا وَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَكُونُ قَلِيلًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَفِي الْكَرَاهَةِ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ خِلَافٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَالْعَصْرِ إلَى وَقْتِ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَالْمَغْرِبِ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ قُلْت لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ أَشْغَلَ جَمِيعَ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْقِرَاءَةِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا فَيُنْظَرُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَغْرِبِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَدَّاهَا لَا يُكْرَهُ وَقْتَ الْغُرُوبِ) كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنْ أَدَّاهَا يَصِحُّ وَقْتَ الْغُرُوبِ لِيُنَاسِبَ الِاسْتِثْنَاءَ وَإِنْ فُهِمَ الْحُكْمُ مِنْ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ لَا يُكْرَهُ فِعْلُهَا فِيهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَدْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْفِعْلِ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا هُوَ تَأْخِيرُهُ لَا أَدَاؤُهُ وَقِيلَ الْأَدَاءُ مَكْرُوهٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْكَافِي وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَالتُّحْفَةِ، وَالْبَدَائِعِ وَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْحَدِيثِ. اهـ. وَسَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا تَلَاهَا فِيهَا. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَلَا يَصِحُّ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ شَيْءٌ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ عِنْدَنَا سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَجَبَتَا فِيهَا فَإِنَّهَا تَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لَا بِدُونِهَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ (قَوْلُهُ: كَذَا جَازَ تَطَوُّعٌ بَدَأَ بِهِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا (قَوْلُهُ: وَالْأَفْضَلُ فِي الْأَوَّلَيْنِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَعَلَى هَذَا الْأَفْضَلُ قَضَاءُ تَطَوُّعٍ بَدَأَ بِهِ فِيهَا فَأَفْسَدَهُ الْقَضَاءُ فِي كَامِلٍ وَإِنْ صَحَّ فِي مِثْلِ مَا بَدَأَ بِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ يَعْنِي الزَّيْلَعِيَّ فِيهِمَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ ضَعِيفٌ كَمَا قَدْ قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ يُخْرِجُهُ يَعْنِي الْقَضَاءَ فِيهِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ آثِمًا اهـ. وَرَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ هَذَا كَلَامُ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْقَطْعِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَإِذَا افْتَتَحَ التَّطَوُّعَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ ثُمَّ يَقْضِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. فَهَذَا نَصٌّ عَلَى الْوُجُوبِ لِلْآمِرِ. (قَوْلُهُ: سِوَى سُنَّةِ الْفَجْرِ) الْمُرَادُ بِهِ فِيمَا قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إذْ لَا تُقْضَى سُنَّةُ الْفَجْرِ إلَّا تَبَعًا (قَوْلُهُ: لَا تُكْرَهُ الْفَائِتَةُ) أَقُولُ وَلَوْ وِتْرًا (قَوْلُهُ: إلَّا فِي

[باب الأذان]

وَقْتِ (الِاحْمِرَارِ) فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ مَكْرُوهٌ (وَلَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ) فِيهِمَا. (وَكُرِهَ مَا سِوَى الْفَائِتَةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ) أَيْ صُعُودِهِ إلَى الْمِنْبَرِ (لِلْخُطْبَةِ) أَطْلَقَهَا لِيَتَنَاوَلَ جَمِيعَ الْخُطَبِ كَخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدِ وَخُطَبٍ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ (حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ) لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْخُطْبَةِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ تُكْرَهُ الْفَوَائِتُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْفَائِتَةُ تَجُوزُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَاخْتِيرَ هَاهُنَا قَوْلُهُ لِكَوْنِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ. (لَا يُجْمَعُ فَرْضَانِ فِي وَقْتِ الْعُذْرِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ، وَالْمَرَضِ، وَالسَّفَرِ (بَلْ بِحَجٍّ) فَإِنَّ الْحَاجَّ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فِي عَرَفَةَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ (تَطَهَّرَتْ فِي وَقْتِ عَصْرٍ أَوْ عِشَاءٍ تَقْضِيهِمَا فَقَطْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَقْضِي الظُّهْرَ مَعَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَاحِدٌ وَكَذَا وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلِهَذَا جَوَّزَ الْجَمْعَ بِالْعُذْرِ كَمَا مَرَّ (صَارَ أَهْلًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَقْضِيهِ لَا مَنْ حَاضَتْ فِيهِ أَوْ نَفِسَتْ) الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ آخِرُ الْوَقْتِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَوَّلُهُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ يَلْزَمُهُمْ فَرْضُ الْوَقْتِ عِنْدَنَا وَلَوْ حَاضَتْ فِيهِ عِنْدَنَا لَا تَقْضِيهِ خِلَافًا لَهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ [بَابُ الْأَذَانِ] [حُكْم الْأَذَان وَالْإِقَامَة] (بَابُ الْأَذَانِ) هُوَ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَشَرْعًا إعْلَامُ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِوَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ (سُنَّ) سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (لِلْفَرَائِضِ) وَهِيَ الرَّوَاتِبُ الْخَمْسُ وَقَضَاؤُهَا وَالْجُمُعَةُ بِخِلَافِ الْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ وَالْجِنَازَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالسُّنَنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتِ الِاحْمِرَارِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فِيهِ مَكْرُوهٌ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ. . . إلَخْ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَمَنَعَ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالْعَصْرِ لَا عَنْ قَضَاءِ فَائِتَةٍ. . . إلَخْ الْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا اهـ. قُلْت وَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِحَمْلِ نَفْيِ الْجَوَازِ عَلَى الْحِلِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ مِثْلِهِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ كَامِلٌ لِعَدَمِ نَقْصٍ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِكَامِلٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَمَنْ خُوطِبَ بِالصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ حُكْمُهُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّلَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ الْفَوَائِتَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَا بَأْسَ بِالْقَضَاءِ فِيهِمَا إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ وَتَغَيُّرِهَا فِي الْعَصْرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ حَتَّى تَغْرُبَ لِأَنَّ الْغُرُوبَ فِيهَا مُؤَوَّلٌ بِالتَّغَيُّرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ عَلَى الْفَوَائِتِ الْوَاجِبِ تَرْتِيبُهَا مَعَ الْجُمُعَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى فَوَائِتَ غَيْرِ وَاجِبَةِ التَّرْتِيبِ فَلَا مُعَارَضَةَ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْحُكْمَ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا لِمَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُ مَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِتِ اللَّازِمِ أَدَاؤُهَا مُرَتِّبًا. (تَتِمَّةٌ) : يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ عِنْدَ الْإِقَامَةِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ جَمَاعَةٍ وَقَبْلَ الْعِيدِ مُطْلَقًا وَبَعْدَهُ فِي الْمَسْجِدِ لَا الْبَيْتِ وَبَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ، وَعِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْمَكْتُوبَةِ وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَحُضُورِ طَعَامٍ تَتُوقُهُ نَفْسُهُ وَمَا يَشْغَلُ الْبَالَ وَيُخِلُّ بِالْخُشُوعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا بِخَيْرٍ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِالْمَشْيِ فِي حَاجَتِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ إلَى الشَّمْسِ وَقِيلَ إلَى ارْتِفَاعِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (بَابُ الْأَذَانِ) . (قَوْلُهُ وَشَرْعًا إعْلَامُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) أَقُولُ لَعَلَّ السِّرَّ فِي عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِ غَيْرِهِ إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لِمَا أَنَّهُ يُبْرَدُ بِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الصَّيْفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ سُنَّ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَا الْإِقَامَةُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَاجِبٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِمُقَاتَلَةِ أَهْلِ بَلْدَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يُحْبَسُونَ وَيُضْرَبُونَ وَلَا يُقَاتَلُونَ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوِتْرِ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ أَذَانَ الْعِشَاءِ لَا يَقَعُ لِلْوِتْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ أَذَانُ الْعِشَاءِ إعْلَامٌ بِدُخُولِ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُهَا. (قَوْلُهُ وَصَلَاةِ الْعِيدِ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْلَا مَا رَوَيْنَا فِي الْعِيدِ لَأَذَّنَّا لَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْوُجُوبِ يَعْنِي وُجُوبَ الْعِيدِ أَمَّا السُّنَّةُ فَلَا وَمَا رَوَاهُ هُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِيدَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» .

[كيفية الأذان]

وَالنَّوَافِلِ (فِي وَقْتِهَا) أَيْ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ إلَّا لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ، وَإِنْ فَاتَ وَقْتُ الْأَدَاءِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» أَيْ وَقْتُ قَضَائِهَا (فَيُعَادُ لَوْ أُذِّنَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ. (بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سُنَّ (بَدْءًا) بِأَنْ يَقُولَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ (بِلَا لَحْنٍ) وَهُوَ التَّغَنِّي (وَلَا تَرْجِيعٍ) وَهُوَ أَنْ يَخْفِضَ بِالشَّهَادَتَيْنِ صَوْتَهُ ثُمَّ يَرْجِعَ فَيَرْفَعَ بِهِمَا صَوْتَهُ (يَضَعُ) الْمُؤَذِّنُ (أُصْبُعَيْهِ) وَجَازَ وَضْعُ يَدَيْهِ (فِي أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ اجْعَلْ أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» ، وَإِنْ تُرِكَ فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ (وَيَتَرَسَّلُ) أَيْ يَتَمَهَّلُ وَلَا يُسْرِعُ (وَيَلْتَفِتُ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ يَمِينًا وَيَسَارًا إنْ أَمْكَنَ الْإِسْمَاعُ بِالثَّبَاتِ) فِي مَكَانِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَوَّلَ وَجْهَهُ يَمِينًا وَيَسَارًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي الْيَمِينِ وَالْفَلَاحُ فِي الْيَسَارِ، وَقِيلَ الصَّلَاةُ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَالْفَلَاحُ كَذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِلَّا اسْتَدَارَ فِي صَوْمَعَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْمِئْذَنَةُ بِحَيْثُ لَوْ حَوَّلَ وَجْهَهُ مَعَ ثَبَاتِ قَدَمَيْهِ لَا يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ اسْتَدَارَ فِيهَا فَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْكُوَّةِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَذْهَبُ إلَى الْكُوَّةِ الْيُسْرَى وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ (وَيَقُولُ بَعْدَ فَلَاحِ) أَذَانِ (الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كَيْفِيَّة الْأَذَانِ] قَوْلُهُ بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ) لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْإِتْيَانِ بِهِ وَمَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ تَتْرَى وَسَنَذْكُرُ أَيْضًا مَا يُفِيدُ التَّخْيِيرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِأَبِي الْمَكَارِمِ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَيْ التَّرَسُّلِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَقِفَ ثُمَّ يَقُولَ مَرَّةً أُخْرَى وَهَكَذَا بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَنْبَارِيِّ أَنَّ عَوَامَّ النَّاسِ يَضُمُّونَ الرَّاءَ مِنْ أَكْبَرُ وَكَانَ الْمُبَرَّدُ يَقُولُ إنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا فِي مَقَاطِعِهِ فَالْأَصْلُ فِيهِ اللَّهُ أَكْبَرْ بِسُكُونِ الرَّاءِ فَحُوِّلَتْ فَتْحَةُ الْهَمْزَةِ إلَيْهَا، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ اهـ. وَاحْتُرِزَ بِالتَّكْبِيرِ أَرْبَعًا بَدْءًا عَمَّا قِيلَ إنَّ أَبَا يُوسُفَ يُثَنِّيهِ كَمَالِكٍ إلْحَاقًا لَهُ بِالتَّكْبِيرِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ بِلَا لَحْنٍ وَهُوَ التَّغَنِّي) أَيْ بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ كَلِمَاتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْهُ تَغْيِيرٌ لَا بَأْسَ فِيهِ، وَإِنْ لَحِقَهُ كَانَ مَكْرُوهًا قِيلَ إنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْأَذْكَارِ. وَأَمَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ لَا يُلَحَّنُ الْأَذَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ مَطْلُوبٌ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا وَقَيَّدَهُ الْحَلْوَانِيُّ بِمَا هُوَ ذِكْرٌ فَلَا بَأْسَ بِإِدْخَالِ الْمَدِّ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَلَا تَرْجِيعٍ) أَقُولُ فَلَوْ رَجَّعَ قَالَ فِي الْبَحْرِ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ التَّرْجِيعَ عِنْدَنَا مُبَاحٌ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّارِحُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَا التَّطْرِيبُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْجِيعَ هُنَا لَيْسَ هُوَ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ بَلْ هُوَ التَّغَنِّي اهـ. قُلْت وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ لِقَوْلِهِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ فِي حَالِ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي. اهـ. (قَوْلُهُ يَضَعُ الْمُؤَذِّنُ إصْبَعَيْهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ ضَمَّنَ وَضَعَ مَعْنَى الْإِدْخَالِ فَعَدَّاهُ بِفِي. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجَازَ وَضْعُ يَدَيْهِ فَمَعْمُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَى أُذُنَيْهِ وَلَا يُعَدَّى بِفِي؛ لِأَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا تَضْمِينَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَ وَوَضَعَهَا عَلَى أُذُنَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ جَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى أُذُنِهِ فَحَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تُرِكَ فَلَا بَأْسَ) أَقُولُ لَا يُخَالِفُ هَذَا مَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الْأَذَانَ حَسَنٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ يَعْنِي لَا إنَّ عَدَمَ وَضْعِ الْأُصْبُعَيْنِ حَسَنٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ إذْ لَمْ يَكُنْ فِي أَذَانِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ، فَإِنْ قِيلَ تَرْكُ السُّنَّةِ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ مَعَهُ أَحْسَنُ فَإِذَا تَرَكَهُ بَقِيَ الْأَذَانُ حَسَنًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَتَرَسَّلُ) هُوَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ بِسَكْتَةٍ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَذَّنْت فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ» وَالْأَمْرُ لِلنَّدَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْمَلَكِ النَّازِلِ حَتَّى لَوْ تَرَسَّلَ فِيهِمَا أَوْ حَدَرَ فِيهِمَا أَوْ تَرَسَّلَ فِي الْإِقَامَةِ وَحَدَرَ فِي الْأَذَانِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَتَرْكُ مَا هُوَ زِينَةٌ لَا يَضُرُّ، كَذَا فِي الْكَافِي وَيُسَكِّنُ كَلِمَاتِهِمَا بِالْوَقْفِ لَكِنْ فِي الْأَذَانِ حَقِيقَةٌ وَفِي الْإِقَامَةِ يَنْوِي الْوَقْفَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي الْمُبْتَغَى التَّكْبِيرُ جَزْمٌ. وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي التَّكْبِيرِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْجَزْمِ، وَإِنْ كَرَّرَ التَّكْبِيرَ مِرَارًا فَالِاسْمُ الْكَرِيمُ مَرْفُوعٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَذِكْرُ أَكْبَرُ فِيمَا عَدَا الْمَرَّةَ الْأَخِيرَةَ بِالرَّفْعِ وَفِي الْأَخِيرِ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ذَكَرَهُ بِالرَّفْعِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْجَزْمِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَلْتَفِتُ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ) أَقُولُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ سُنَّةَ الْأَذَانِ فَلَا يُتْرَكُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ حَتَّى قَالُوا فِي الَّذِي يُؤَذِّنُ لِلْمَوْلُودِ يَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ يَمِينًا وَيَسَارًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَوِّلُ وَرَاءَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَلَا أَمَامَهُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِهَا مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْمَنَارَاتِ الْمَعْهُودَةِ الْآنَ فَيَسْتَدِيرُ بِجُمْلَتِهِ وَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إنْ أَمْكَنَ الِاسْتِمَاعُ بِالثَّبَاتِ وَإِلَّا اسْتَدَارَ فِي مَوْضِعِهِ (فَرْعٌ) مِنْ الْقُنْيَةِ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ فَتَعْوِي الْكِلَابُ فَلَهُ ضَرْبُهَا إنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِضَرْبِهِ وَإِلَّا فَلَا

النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَهُ نَائِمًا فَقَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْسَنَ هَذَا اجْعَلْهُ فِي أَذَانِك وَخُصَّ الْفَجْرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ الْإِعْلَامِ كَمَا خُصَّ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ (كَذَا) أَيْ كَالْأَذَانِ (الْإِقَامَةُ) فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ لَكِنْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَكُونُ (بِلَا وَضْعٍ) لِأُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ (وَ) تَكُونُ (بِحَدْرٍ) وَهُوَ الْإِسْرَاعُ ضِدُّ التَّرَسُّلِ (وَبِزِيَادَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَ فَلَاحِهَا) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ (مَرَّتَيْنِ) ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِلَا الْتِفَاتٍ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَفُهِمَ عَدَمُ جَوَازِهِ أَصْلًا، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ لَا يُحَوِّلُ فِي الْإِقَامَةِ إلَّا لِأُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ (وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (الْقِبْلَةَ وَلَا يَتَكَلَّمُ) فِي أَثْنَائِهِمَا (وَيُثَوِّبُ) التَّثْوِيبُ الْعَوْدُ إلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَتَثْوِيبُ كُلِّ بَلْدَةٍ عَلَى مُتَعَارَفِ أَهْلِهَا (وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (إلَّا فِي الْمَغْرِبِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَيُثَوِّبُ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّثْوِيبَ لِإِعْلَامِ الْجَمَاعَةِ وَهُمْ فِي الْمَغْرِبِ حَاضِرُونَ لِضِيقِ وَقْتِهِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ مَكْرُوهٌ فَيُكْتَفَى بِأَدْنَى الْفَصْلِ احْتِرَازًا عَنْهُ (وَيَأْتِي) الْمُصَلِّي (بِهِمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (لِفَائِتَةٍ) وَاحِدَةٍ (وَأُولَى الْفَوَائِتِ وَخُيِّرَ فِيهِ) أَيْ الْأَذَانِ (لِلْبَاقِي) مِنْ الْفَوَائِتِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِي الْإِقَامَةِ بَلْ يَأْتِي بِهَا فِي الْكُلِّ. (جَازَ) أَيْ الْأَذَانُ (لِلْحَدَثِ وَالصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ وَالْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ وَكُرِهَ لِلْجُنُبِ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ) أَيْ مَنْ يُؤَذِّنُ قَاعِدًا (إلَّا) أَنْ يُؤَذِّنَ (لِنَفْسِهِ) مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْأَذَانِ وَعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ (وَيُعَادُ لِغَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ) وَهُمَا الْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ (كَذَا) أَيْ كَمَا كُرِهَ أَذَانُ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورِينَ (كُرِهَ إقَامَتُهُمْ وَإِقَامَةُ الْمُحْدِثِ لَكِنْ لَا تُعَادُ) إقَامَتُهُمْ لِعَدَمِ شَرْعِيَّةِ تَكْرَارِ الْإِقَامَةِ. (وَيَأْتِي بِهِمَا) أَيْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (الْمُسَافِرُ وَالْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً وَفِي بَيْتِهِ بِمِصْرٍ وَكُرِهَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ الْمُسَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ كَمَا خُصَّ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَالتَّطْوِيلُ فِي ذَاتِهِ يُشَارِكُهُ فِيهِ الظُّهْرُ. (قَوْلُهُ وَيَسْتَقْبِلُ فِيهِمَا الْقِبْلَةَ) أَيْ بِهِمَا لِحَدِيثِ النَّازِلِ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَكُرِهَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ سُنِّيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ مَا إذَا أَذَّنَ رَاكِبًا فَإِنَّهُ لَا يُسَنُّ الِاسْتِقْبَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَاشِيًا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي أَثْنَائِهِمَا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ كَلَامٍ فَلَا يَحْمَدُ لَوْ عَطَسَ هُوَ وَلَا يُشَمِّتُ عَاطِسًا وَلَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ فِي نَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي أَثْنَائِهِ اسْتَأْنَفَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ خَمْسُ خِصَالٍ لَوْ وُجِدَ أَحَدُهَا فِي الْأَذَانِ أَوْ فِي الْإِقَامَةِ يُوجَبُ الِاسْتِقْبَالُ إذَا غُشِيَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَوْ الْمُقِيمِ أَوْ مَاتَ أَوْ ذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ أَوْ حُصِرَ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُلَقِّنُهُ أَوْ خَرِسَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الثُّبُوتُ لَا حَقِيقَةُ الْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ وَيُثَوِّبُ) أَقُولُ وَيَكُونُ الْمُثَوِّبُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْجَاهِ حَانَ وَقْتُ الصَّلَاةِ سِوَى الْمُؤَذِّنِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْضَالٌ لِنَفْسِهِ. (قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَيُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَيُكْرَهُ وَصْلُهَا بِهِ وَلَمْ يُقَدَّرْ الْفَصْلُ بِشَيْءٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ بِقَدْرِ مَا يَحْضُرُ الْقَوْمُ الْمُلَازِمُونَ لِلصَّلَاةِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَالْفَصْلُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِسَكْتَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ فِي رِوَايَةٍ أَوْ يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ فِي أُخْرَى، وَقَالَا يُسْتَحَبُّ الْفَصْلُ بِجِلْسَةٍ حَفِيفَةٍ قَدْرَ الْجِلْسَةِ فِي الْخُطْبَةِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ. . . إلَخْ) جَعَلَ عِلَّةَ اسْتِثْنَاءِ التَّثْوِيبِ فِي الْمَغْرِبِ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ عَمَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ فَيُكْتَفَى بِأَدْنَى الْفَصْلِ) احْتِرَازًا عَنْهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى أَدْنَاهُ مَكْرُوهَةٌ. وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ قَدْرَ أَدَاءِ رَكْعَتَيْنِ مَكْرُوهٌ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ التَّأْخِيرِ الْقَلِيلِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِهِمَا إذَا تَوَسَّطَ فِيهِمَا لِيَتَّفِقَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَأْتِي بِهِمَا لِفَائِتَةٍ) أَقُولُ إلَّا لِلظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمِصْرِ فَإِنَّ أَدَاءَهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مَكْرُوهٌ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَهُ: وَإِلَّا مَا تُؤَدِّيهِ النِّسَاءُ أَوْ تَقْضِيهِ بِجَمَاعَتِهِنَّ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَمَّتْهُنَّ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مَشْرُوعَةً وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُنْفَرِدَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمَا لَمَّا كَانَ هُوَ السُّنَّةَ حَالَ شَرْعِيَّةِ الْجَمَاعَةِ كَانَ حَالُ الْإِفْرَادِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. . وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ. (قَوْلُهُ وَخُيِّرَ فِيهِ لِلْبَاقِي) يَعْنِي إنْ اتَّحَدَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَأَلَّا يَأْتِي بِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَيَأْتِي بِهِمَا الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً) يَعْنِي بِهِ مَسْجِدًا عَلَى الطَّرِيقِ مُطْلَقًا أَوْ فِي مَحَلَّةٍ وَلَمْ يُفْعَلَا فِيهِ قَبْلُ لِمَا فِي الْبَحْرِ، وَإِنْ أُذِّنَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ وَصَلَّوْا يُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يُؤَذِّنُوا

[الأذان والإقامة للنساء]

(تَرْكُهَا) أَيْ الْإِقَامَةِ (وَلِلثَّانِي) أَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ (تَرْكُهُ) أَيْ الْأَذَانِ (أَيْضًا) أَيْ كَالْإِقَامَةِ (بِخِلَافِ الثَّالِثِ) أَيْ الْمُصَلِّي فِي بَيْتِهِ بِمِصْرٍ حَيْثُ لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَيَأْتِي بِهِمَا الْمُسَافِرُ وَالْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً أَوْ فِي بَيْتِهِ بِمِصْرٍ وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْأَوَّلَيْنِ لَا لِلثَّالِثِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ كَرَاهَةُ تَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْمُسَافِرِ وَالْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً. وَأَمَّا تَرْكُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ وَلِهَذَا غَيَّرْت عِبَارَتَهُ هَاهُنَا إلَى مَا تَرَى. (وَكُرِهَا) أَيْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ (لِلنِّسَاءٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ. (أَقَامَ غَيْرُ مَنْ أَذَّنَ بِغَيْبَتِهِ) أَيْ غَيْبَةِ الْمُؤَذِّنِ (لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ) أَقَامَ (بِحُضُورِهِ كُرِهَ إنْ لَحِقَهُ بِهَا) أَيْ بِإِقَامَتِهِ وَحْشَةُ السَّامِعِ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ (يَقُولُ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ إلَّا الْحَيْعَلَتَيْنِ) فَإِنَّ مَعْنَاهُمَا أَسْرِعُوا إلَى الصَّلَاةِ وَأَسْرِعُوا إلَى مَا فِيهِ نَجَاتُكُمْ فَيُشْبِهُ إعَادَتُهُ الِاسْتِهْزَاءَ (وَقَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) فَإِنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ بَلْ يَقُولُ فِي الْأَوَّلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَفِي الثَّانِي صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ وَيَقُولُ عِنْدَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا اللَّهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَسَمِعَ الْأَذَانَ لَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهُ إجَابَةٌ بِالْحُضُورِ، وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَيُجِيبُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) الشَّرْطُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ لَمْ يَقُلْ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ جَعَلَهُ صِفَةً كَاشِفَةً لَا مُمَيِّزَةً إذْ لَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ مَا لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا حَتَّى يَكُونَ احْتِرَازًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُعِيدُوا الْجَمَاعَةَ وَلَكِنْ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا، وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى الطَّرِيقِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنُوا فِيهِ وَيُقِيمُوا. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الثَّالِثِ. . . إلَخْ) يَعْنِي بِهِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي تَرْكِهِمَا إذَا وُجِدَا أَيْ الْإِقَامَةُ وَالْأَذَانُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ؛ لِأَنَّ مُؤَذِّنَهَا نَائِبٌ عَنْ أَهْلِهَا فِيهِمَا [الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِلنِّسَاءِ] (قَوْلُهُ يَقُولُ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِجَابَةُ وَنَاقَشَ دَلِيلَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي إجَابَتِهِ بِاللِّسَانِ اهـ. وَالْمُرَادُ أَنْ يُجِيبَ الْأَوَّلَ إنْ تَكَرَّرَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْجِدِهِ وَهَذَا إذَا سَمِعَ الْمَسْنُونَ مِنْهُ وَهُوَ مَا لَا لَحْنَ فِيهِ وَلَا تَلْحِينَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْأَذَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَلَا يُغَيَّرُ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَيَقُولُ عِنْدَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَالْإِجَابَةُ لِلْإِقَامَةِ مُسْتَحَبَّةٌ. (قَوْلُهُ لَا يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ) أَقُولُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقَةِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ،. وَفِي الْعُيُونِ قَارِئٌ سَمِعَ النِّدَاءَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُمْسِكَ وَيَسْمَعَ وَعَنْ الرُّسْتُغْفَنِيُّ يَمْضِي فِي قِرَاءَتِهِ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذَانَ مَسْجِدِهِ اهـ. لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْإِجَابَةَ لَا تَخْتَصُّ بِمُؤَذِّنِ مَسْجِدِهِ. (تَتِمَّةٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدُّعَاءَ عَقِبَ التَّسْمِيعِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ ثُمَّ دَعَا بَعْدَ الْفَرَاغِ بِالْوَسِيلَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] هِيَ جَمْعُ شَرْطٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ. وَأَمَّا شَرَائِطُ فَوَاحِدُهَا شَرِيطَةٌ فَمَنْ عَبَّرَ بِالشَّرَائِطِ فَمُخَالِفٌ لِلُّغَةِ وَلِلْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ فَإِنَّ فَعَائِلَ لَمْ يُحْفَظْ جَمْعًا لِفَعْلٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ. وَأَمَّا فَرَائِضُ فَصَحِيحٌ لِكَوْنِ مُفْرَدِهِ فَرِيضَةً كَصَحَائِفَ جَمْعِ صَحِيفَةٍ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ جَعَلَهُ صِفَةً كَاشِفَةً) أَرَادَ بِهِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَتَحْقِيقُهُ كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ هَذَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ كَالْحَيَاةِ لِلْأَلَمِ وَالْجَعْلِيِّ كَدُخُولِ الدَّارِ لِلطَّلَاقِ، وَقِيلَ لِإِخْرَاجِ مَا لَا يَتَقَدَّمُهَا كَالْقَعْدَةِ شَرْطُ الْخُرُوجِ وَتَرْتِيبِ مَا لَا يُشْرَعُ مُكَرَّرًا شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَعَلَى الثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ عَقْلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مُتَقَدِّمٌ فَلَا يُخْرِجُ قَيْدُ التَّقَدُّمِ الْعَقْلِيَّ وَالْجَعْلِيَّ لِلْقَطْعِ بِتَقَدُّمِ الْحَيَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ عَلَى الْأَلَمِ مَثَلًا وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَا يُقَالُ بِأَنَّ الْجَعْلِيَّ سَبَبٌ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ بَلْ السَّبَبُ أَنْتِ طَالِقٌ لَكِنَّ عَمَلَهُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ الْجَعْلِيِّ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا تَقْيِيدٌ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَا مُطْلَقِ الشُّرُوطِ وَلَيْسَ لِلصَّلَاةِ شَرْطٌ جَعْلِيٌّ وَيَبْعُدُ الِاحْتِرَازُ عَنْ شَرْطِهَا الْعَقْلِيِّ مِنْ الْحَيَاةِ وَنَحْوِهِ إذْ الْكِتَابُ مَوْضُوعٌ لِبَيَانِ الْعَلَامَاتِ فَلَا يَخْطُرُ غَيْرُهَا. (قَوْلُهُ إذْ لَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ مَا لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا) أَقُولُ تَحْقِيقُهُ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ وَشَرْطُ الْخُرُوجِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَيْسَا شَرْطَيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ الْخُرُوجُ وَالْبَقَاءُ، وَإِنَّمَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ شَرْطُ الصَّلَاةِ نَوْعٌ مِنْ التَّجَوُّزِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ اهـ. وَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ أَيْ قَيْدِ التَّقَدُّمِ احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَتَقَدَّمُهَا بَلْ تُقَارِنُهَا أَوْ تَتَأَخَّرُ عَنْهَا وَهِيَ الَّتِي تُذْكَرُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ كَالتَّحْرِيمَةِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ، وَالْمُرَادُ شَرْطُ الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الْوُجُودِ وَلِذَلِكَ صَحَّ تَنَوُّعُهُ إلَى النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ اهـ لَا يَخْلُو عَنْ تَأَمُّلٍ

عَنْهُ (مِنْهَا طُهْرُ ثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ مِنْ خُبْثٍ وَطُهْرُ بَدَنِهِ مِنْهُ وَمِنْ حَدَثٍ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الدِّرَايَةِ (عَادِمُ ثَوْبٍ صَحَّ صَلَاتُهُ قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَعَدَمَ أَدَاءِ الْأَرْكَانِ وَفِي الْقِيَامِ كَشْفُهَا وَأَدَاءُ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ (وَنُدِبَتْ قَاعِدًا وَمُومِيًا بِهِمَا) ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَمْ يَجِبَا إلَّا لِحَقِّ الصَّلَاةِ، وَكَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ (وَوَاجِدٌ مَا كُلُّهُ نَجِسٌ أَوْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِهِ طَاهِرٌ نُدِبَ صَلَاتُهُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ وَفَرْضَ الطَّهَارَةِ مُخْتَصٌّ بِهَا (وَوَاجِدٌ مَا رُبُعُهُ طَاهِرٌ لَا يُصَلِّي عُرْيَانًا) ؛ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ كُلَّهُ طَاهِرٌ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ (بِثَوْبَيْهِ نَجِسٍ مَانِعٌ) عَنْ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَكُونَ بِثَوْبٍ مَثَلًا نَجَسٌ قَدْرَ الدِّرْهَمَيْنِ وَبِثَوْبٍ نَجَسٌ قَدْرَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ (أَقَلُّهُمَا) أَيْ أَيُّهُمَا أَقَلُّ نَجَاسَةً (أَحَبُّ) لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِنْ بَلَغَ النَّجَسُ (رُبْعَ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ) لِلصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ مُلِئَ أَحَدُهُمَا نَجَسًا وَرُبْعُ الْآخَرِ طَاهِرٌ تَعَيَّنَ الْآخَرُ) لِمَا مَرَّ آنِفًا (وَجَدَتْ) عُرْيَانَةٌ (ثَوْبًا يَسْتُرُ بَدَنَهَا وَرُبْعَ رَأْسِهَا يَجِبُ سَتْرُهُمَا) حَتَّى لَوْ تَرَكَتْ سَتْرَ الرَّأْسِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا لِمَا عَرَفْت أَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ فَصَارَتْ تَارِكَةً سَتْرَ الرَّأْسِ مَعَ الْإِمْكَانِ (وَلَا يَجِبُ) السَّتْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ مِنْهَا طُهْرُ ثَوْبِهِ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ النَّجَسِ لِمَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَلَا يَرِدُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُنَا وَيَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِنَابُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَذَكَرَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصَ الْقُنْيَةِ خِلَافًا فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرُ. (قَوْلُهُ وَمَكَانِهِ) أَقُولُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ اشْتِرَاطَ طَهَارَةِ مَوْضِعِ كِلَا الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى لَوْ كَانَ تَحْتَ أَحَدِهِمَا مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مُنِعَ الْجَوَازُ وَإِنْ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَ رَفْعِهِ وَلَا يُجْعَلُ كَأَنَّهَا لَمْ تُوضَعْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَطَهَارَةِ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي اللَّيْثِ وَتَصْحِيحُهُ فِي الْعُيُونِ وَعُمْدَةِ الْفَتَاوَى وَالْحُكْمُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِدُونِ وَضْعِهِمَا يُنْكِرُهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَوْضِعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ الِاكْتِفَاءِ بِالسُّجُودِ بِالْأَنْفِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ عَادِمُ ثَوْبٍ) الْمُرَادُ بِالْعَدَمِ عَدَمُ الْوُجْدَانِ، وَلَوْ بِالْإِبَاحَةِ فَيَلْزَمُهُ السَّتْرُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِالثَّوْبِ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، وَلَوْ حَرِيرًا أَوْ حَشِيشًا أَوْ نَبَاتًا أَوْ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى عَلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ لَوْ وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ بِهِ عَوْرَتَهُ وَيَبْقَى حَتَّى يُصَلِّيَ يَفْعَلُ اهـ فَظَاهِرُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ بِخِلَافِ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَحْرِ اهـ. وَلَوْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ وَيَسْتُرُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ إلَّا أَحَدَهُمَا قِيلَ يَسْتُرُ الدُّبُرَ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَقِيلَ الْقُبُلَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتُرُهُ بِغَيْرِهِ وَالدُّبُرُ بِالْأَلْيَتَيْنِ. (قَوْلُهُ صَحَّ صَلَاتُهُ قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) أَقُولُ لَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ صِحَّةِ صَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ قَائِمًا لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ، وَلَوْ أَوْمَأَ الْقَائِمُ أَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ الْقَائِمُ جَازَ اهـ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُومِيًا بِهِمَا إمَّا قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَجِدُ ثَوْبًا فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سَتْرَ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ جَائِزًا حَالَةَ الْقِيَامِ لَمَا اسْتَقَامَ هَذَا الْكَلَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَتْ قَاعِدًا مُومِيًا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ. . . إلَخْ) لَيْسَ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ لِجَوَازِهِ كَيْفَ كَانَ. (قَوْلُهُ مَادًّا رِجْلَيْهِ) أَقُولُ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِهِ طَاهِرٌ نُدِبَ صَلَاتُهُ فِيهِ) أَقُولُ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَيَلِيهِ فِي الْفَضْلِ الصَّلَاةُ قَاعِدًا عَارِيًّا بِالْإِيمَاءِ وَدُونَهُمَا فِي الْفَضْلِ الصَّلَاةُ قَائِمًا عَارِيًّا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ كُلُّهُ نَجِسٌ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَوْجَبَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ الصَّلَاةَ فِيهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ حَسَنٌ نَقَلَهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْأَسْرَارِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ السَّتْرِ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ الِانْكِشَافُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُلِئَ أَحَدُهُمَا نَجَسًا. . . إلَخْ) يَعْنِي، وَلَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ. (قَوْلُهُ وَجَدَتْ عُرْيَانَةٌ) الْمُرَادُ بِهَا الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُرَاهِقَةٌ صَلَّتْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ عُرْيَانَةٌ تُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ، وَإِنْ صَلَّتْ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَصَلَاتُهَا تَامَّةٌ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُصَلِّي حَائِضٌ بِغَيْرِ قِنَاعٍ» وَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْحَائِضِ، وَلِأَنَّ سَتْرَ عَوْرَةِ الرَّأْسِ لَمَّا سَقَطَ بِعُذْرِ الرِّقِّ فَبِعُذْرِ الصِّبَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا الْخِطَابُ بِالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ وَهَذَا وَاضِحٌ خُصُوصًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الصَّبِيَّ مُكَلَّفٌ بِخِطَابِ الْوَضْعِ كَرَبْطِ صِحَّةِ الْأَحْكَامِ بِشَرَائِطِهَا. (قَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ السَّتْرُ فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ وُجِدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ الْعَوْرَةِ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَيُسْتَرُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ اهـ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ بَعْضِ الرَّأْسِ

(فِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ) حَتَّى لَوْ تَرَكَتْ سَتْرَ الرَّأْسِ جَازَتْ صَلَاتُهَا إذْ لَيْسَ لِمَا دُونِ الرُّبْعِ حُكْمُ الْكُلِّ وَلَكِنَّ السَّتْرَ أَوْلَى تَقْلِيلًا لِلِانْكِشَافِ (عَادِمُ مُزِيلِ النَّجَسِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ (يُصَلِّي) مَعَ النَّجَسِ (وَلَا يُعِيدُ) الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ (سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَهِيَ) أَيْ الْعَوْرَةُ (لِلرَّجُلِ مَا تَحْتَ سُرَّتِهِ) فَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ (إلَى تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ) فَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ (وَنَحْوُهُ الْأَمَةُ) أَيْ مَا يَكُونُ عَوْرَةً مِنْ الرَّجُلِ يَكُونُ عَوْرَةً مِنْ الْأَمَةِ (مَعَ ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا) فَإِنَّهُمَا فِي الرَّجُلِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ وَفِيهَا عَوْرَةٌ (وَنَحْوُهَا) أَيْ الْأَمَةِ (الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) فِي كَوْنِ ظَهْرِهِنَّ وَبَطْنِهِنَّ أَيْضًا عَوْرَةً (الْحُرَّةُ) أَيْ جَمِيعُ أَعْضَائِهَا (عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَقَدَمَيْهَا) فَإِنَّهَا لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ مُزَاوَلَةِ الْأَشْيَاءِ بِيَدَيْهَا وَفِي كَفَّيْهَا زِيَادَةٌ ضَرُورَةً وَمِنْ الْحَاجَةِ إلَى كَشْفِ وَجْهِهَا خُصُوصًا فِي الشَّهَادَةِ وَالْمُحَاكَمَةِ وَالنِّكَاحِ وَتَضْطَرُّ إلَى الْمَشْيِ فِي الطُّرُقَاتِ وَظُهُورُ قَدَمَيْهَا خُصُوصًا الْفَقِيرَاتِ مِنْهُنَّ وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى عَلَى مَا قَالُوا {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] أَيْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ وَالْجِبِلَّةُ عَلَى ظُهُورِهِ وَيُرْوَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ (يُفْسِدُ) الصَّلَاةَ (كَشْفُ رُبْعِ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ غَلِيظَةٌ كَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ أَوْ خَفِيفَةٌ كَمَا عَدَاهُمَا) مِنْ الْبَطْنِ وَالْفَخِذِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُفْسِدُهَا كَشْفُ نِصْفِهِ، ذَكَرَ الْعَوْرَتَيْنِ إشَارَةً إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْكَشْفِ الْمَانِعِ أَنَّهُ مِقْدَارُ الرُّبْعِ أَوْ النِّصْفِ (وَكُلٌّ مِنْ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ عُضْوٌ وَاحِدٌ (وَرَأْسُهَا وَشَعْرُهُ) أَيْ شَعْرُ رَأْسِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ النَّازِلُ وَغَيْرُهُ (وَأُذُنُهَا وَثَدْيُهَا الْمُتَدَلِّي) احْتِرَازٌ عَنْ النَّاهِضِ فَإِنَّهُ تَابِعُ لِلصَّدْرِ (عُضْوٌ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ وَكُلٌّ (انْكَشَفَتْ) الْعَوْرَةُ (أَوْ قَامَ) الْمُصَلِّي (عَلَى نَجِسٍ مَانِعٌ) مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ (أَوْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ عَادِمُ مُزِيلِ النَّجَسِ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُقَلِّلُهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بِخِلَافِ مَا يَكْفِي بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَيْثُ يُبَاحُ التَّيَمُّمُ مَعَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتْ عَوْرَةً لِقُبْحِ ظُهُورِهَا لِغَضِّ الْأَبْصَارِ عَنْهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَوَرِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ وَالْقُبْحُ وَمِنْهُ عَوَرُ الْعَيْنِ وَالْكَلِمَةُ الْعَوْرَاءُ الْقَبِيحَةُ، وَحَدُّ السَّتْرِ أَنْ لَا يُرَى مَا تَحْتَ السَّاتِرِ حَتَّى لَوْ كَانَ يَصِفُهُ لَا يَجُوزُ وَأَطْلَقَ السَّتْرَ فَشَمِلَ مَا لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ وَيَأْثَمُ مَعَ وُجْدَانِ غَيْرِهِ وَلُزُومَ السَّتْرِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا بِبَيْتٍ مُظْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ السَّاتِرُ لَا يَحْجُبُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَتَارِكُهُ يَرَاهُ سُبْحَانَهُ عَادِمَ الْأَدَبِ وَاللَّازِمُ سَتْرُ جَوَانِبِ الْعَوْرَةِ وَأَعْلَاهَا عَنْ غَيْرِهِ لَا عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ رَآهَا مِنْ زِيقِهِ أَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَرَاهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِمْكَانُ رُؤْيَتِهَا مِنْ أَسْفَلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالْمُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ فِي قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ وَتُكْرَهُ فِي السَّرَاوِيلِ مُنْفَرِدَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ مَعَ ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا) أَقُولُ وَالْجَنْبُ تَبَعٌ لِلْبَطْنِ وَالْبَطْنُ مَا لَانَ مِنْ الْمُقَدَّمِ وَالظَّهْرُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُؤَخَّرِ. (قَوْلُهُ وَكَفَّيْهَا) عَبَّرَ بِالْكَفِّ دُونَ الْيَدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُحِيطِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَاطِنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْكَفِّ عَوْرَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي مُخْتَلِفَاتِ قَاضِي خَانْ ظَاهِرُ الْكَفِّ وَبَاطِنُهُ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ إلَى الرُّسْغِ وَرَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. . . إلَخْ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. وَأَمَّا الذِّرَاعُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِلْحَاجَةِ إلَى كَشْفِهِ لِلْخِدْمَةِ، وَلِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَهُوَ السِّوَارُ، وَصَحَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ عَوْرَةٌ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَا خَارِجَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَدَمَيْهَا) هَذَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَيُرْوَى أَنَّ الْقَدَمَ عَوْرَةٌ) أَقُولُ صَحَّحَهُ الْأَقْطَعُ وَقَاضِي خَانْ وَاخْتَارَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ والمرغيناني وَصَحَّحَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ خَارِجِهَا وَرَجَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَوْنَهُ عَوْرَةً مُطْلَقًا، كَذَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَدَمَيْنِ لَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْ ذَكَرِهِ وَأُنْثَيَيْهِ) بِلَا ضَمٍّ هُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ عَوْرَةٌ وَالدُّبْرُ ثَالِثُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةٍ لِابْنِ الشِّحْنَةِ قَوْلُهُ: أَيْ النَّازِلُ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ انْكَشَفَ رُبْعٌ مِنْ شَعْرِ الْمَرْأَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي إفْسَادِ الصَّلَاةِ انْكِشَافُ مَا فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ لَا مَا تَحْتَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي حُرْمَةِ النَّظَرِ سَوَّى مَا بَيْنَهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرُّكْبَةِ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَخِذِ؛ لِأَنَّهَا مُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ لَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ، وَكَعْبُ الْمَرْأَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ. (قَوْلُهُ انْكَشَفَتْ الْعَوْرَةُ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَانِعُ مِنْهَا، وَإِنْ وَقَعَ الِانْكِشَافُ عَلَى مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ الْعَوْرَةِ يُجْمَعُ فَإِنْ بَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا مَنَعَ جَوَازَ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَدْنَى يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْقَلِيلَ يَمْنَعُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ الْمُنْكَشِفِ، بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ انْكَشَفَ نِصْفُ ثُمُنِ الْفَخِذِ مَثَلًا وَنِصْفُ ثَمَنِ الْأُذُنِ يَبْلُغُ رُبْعَ الْأُذُنِ وَأَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ رُبْعَ جَمِيعِ الْعَوْرَةِ الْمُنْكَشِفَةِ وَمِثْلُهُ نِصْفُ عُشْرِ كُلٍّ وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ يُخَالِفُ الْقَاعِدَةَ اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَرَدَّهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ لِمَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الزِّيَادَاتِ

قَامَ (فِي صَفِّ النِّسَاءِ قَدْرَ) أَدَاءِ (رُكْنٍ) أَيْ زَمَانًا يُمْكِنُ فِيهِ أَدَاءُ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (فَسَدَتْ) صَلَاتُهُ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ وُجِدَ فِيهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لَا) تَفْسُدُ (مَا لَمْ يُؤَدِّهِ) أَيْ الرُّكْنَ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ أَدَاءُ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَلَمْ يُوجَدْ، قَيَّدَ بِقَدْرِ الْأَدَاءِ إذْ لَوْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الِانْكِشَافِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا، وَلَوْ لَمْ يَلْبَثْ جَازَتْ اتِّفَاقًا. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ (اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِلْمَكِّيِّ) إجْمَاعًا حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتُهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَ الْجُدْرَانُ وَقَعَ الِاسْتِقْبَالُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ. (وَ) اسْتِقْبَالُ (جِهَتِهَا لِغَيْرِهِ) وَهُوَ الْآفَاقِيُّ فَإِنَّ الْمَوَانِعَ لَوْ أُزِيلَتْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَقَعَ الِاسْتِقْبَالُ عَلَى عَيْنِهَا بَلْ عَلَى جِهَتِهَا فِي الصَّحِيحِ إذْ لَيْسَ التَّكْلِيفُ إلَّا بِحَسَبِ الْوُسْعِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَى الْآفَاقِيِّ أَيْضًا اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا قَالُوا فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا وَجِهَتُهَا أَنْ يَصِلَ الْخَطُّ الْخَارِجُ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي إلَى الْخَطِّ الْمَارِّ بِالْكَعْبَةِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ بِحَيْثُ يَحْصُلُ قَائِمَتَانِ أَوْ نَقُولُ هُوَ أَنْ تَقَعَ الْكَعْبَةُ فِيمَا بَيْنَ خَطَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ فِي الدِّمَاغِ فَيَخْرُجَانِ إلَى الْعَيْنَيْنِ كَسَاقَيْ مُثَلَّثٍ كَذَا قَالَ التَّحْرِيرِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْعَيْنِ انْحِرَافًا لَا يَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ جَازَ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا تَيَامَنَ أَوْ تَيَاسَرَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْإِنْسَانِ مُقَوَّسٌ فَعِنْدَ التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ يَكُونُ أَحَدُ جَوَانِبِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَعَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ قَالَ قِبْلَةُ الْبَشَرِ الْكَعْبَةُ وَقِبْلَةُ أَهْلِ السَّمَاءِ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَقِبْلَةُ الْكَرُوبِيِّينَ الْكُرْسِيُّ وَقِبْلَةُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ الْعَرْشُ وَمَطْلُوبُ الْكُلِّ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَقِبْلَةُ الْعَاجِزِ) عَنْ التَّوْجِيهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِجِهَتِهَا بِأَنْ خَافَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ مَرَضٍ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَيْهَا أَوْ كَانَ عَلَى خَشَبٍ فِي الْبَحْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ يَسْتَقِيمُ مَا قَالَ مَوْلَانَا بَدِيعٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا نَصٌّ أَيْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ عَلَى أَمْرَيْنِ النَّاسُ عَنْهُمَا غَافِلُونَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بِالْأَجْزَاءِ كَالْأَسْدَاسِ وَالْأَتْسَاعِ بَلْ بِالْمِقْدَارِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَكْشُوفَ لَوْ كَانَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَكْشُوفَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ مِنْ الْأُذُنِ تُسْعُهَا وَمِنْ السَّاقِ تُسْعُهَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْمَكْشُوفَ قَدْرُ رُبْعِ الْأُذُنِ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْجَمْعِ إنَّمَا هُوَ بِالْمِقْدَارِ وَفِيهِ نَفْيٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ كَلَامٌ مَدْخُولٌ فِيهِ بَيَانُهُ أَنَّ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا هُوَ رُبْعُ الْمُنْكَشِفِ وَهَذَا خُلْفٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الِانْكِشَافُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَثَمَّةَ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ بِأَنْ انْكَشَفَ مِنْ فَخِذِهِ مَثَلًا مَوَاضِعُ مُتَعَدِّدَةٌ. وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالِانْكِشَافُ حَصَلَ فِي أَعْضَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَوْرَةٌ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي اعْتِبَارِ أَدْنَاهَا؛ لِأَنَّهُ بِهِ يُوجَدُ الْمَانِعُ فَيُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُنْكَشِفِ مِنْ جَمِيعِهَا فَإِنْ بَلَغَ قَدْرَ رُبْعِ أَصْغَرِهَا حَكَمْنَا بِالْفَسَادِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ قَدْرِ رُبْعِ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ الْمُنْكَشِفِ وَأَنَّهُ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَهَذَا لَازِمٌ عَلَى الِاعْتِبَارِ بِالْأَجْزَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ نِصْفَ ثُمُنِ الْفَخِذِ وَنِصْفَ ثُمُنِ الْبَطْنِ وَنِصْفَ ثُمُنِ الْأُذُنِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ بِالْأَجْزَاءِ لَا يَبْلُغُ رُبْعًا وَمِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ يَبْلُغُ قَدْرَ رُبْعِ عُضْوٍ كَامِلٍ مِنْهَا وَهُوَ الْأُذُنُ فَيَلْزَمُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ مَعَ انْكِشَافِ قَدْرِ رُبْعِ عُضْوٍ تَامٍّ هُوَ عَوْرَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْكَشِفِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَفِيهِ تَرْكُ الِاحْتِيَاطِ وَالْعَجَبُ مِنْ شَيْخِنَا الْمُحَقِّقِ كَيْفَ تَبِعَهُ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَنْصُوصِ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُمْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِي الِانْكِشَافِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ الْمُرَادُ بِهِ فِي الِاعْتِبَارِ الْجَمْعُ لَا فِي اعْتِبَارِ رُبْعِ مَجْمُوعِهَا فَتَأَمَّلْهُ مُمْعِنًا فِيهِ النَّظَرَ وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لِلْمَكِّيِّ إجْمَاعًا) أَقُولُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُشَاهِدَ لِلْكَعْبَةِ وَغَيْرَهُ وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ. . . إلَخْ وَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي حَقِّ الْمُشَاهِدِ لِلْكَعْبَةِ أَمَّا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ فَلَا إجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِ عَيْنِهَا فِي حَقِّهِ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِ حَقِيقَةِ الْمُسَامَتَةِ فِي كُلِّ بُقْعَةٍ يُصَلِّي فِيهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ، وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيَصِلَ إلَى الْيَقِينِ قَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدِي فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ وَتَرْكَ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ) يَعْنِي عِنْدَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ اسْتِقْبَالِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الِاسْتِقْبَالِ وَالْقَائِلُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجُرْجَانِيِّ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ أَمَّا اشْتِرَاطُ نِيَّةِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ يُصَلِّي إلَى الْمِحْرَابِ لَا يُشْتَرَطُ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ يُشْتَرَطُ فَإِذَا نَوَى الْقِبْلَةَ أَوْ الْكَعْبَةَ أَوْ الْجِهَةَ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِجِهَتِهَا) يَعْنِي أَوْ بِعَيْنِهَا. (قَوْلُهُ بِأَنْ خَافَ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَوْ قَالَ كَأَنْ خَافَ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ دَابَّتُهُ فِي الْفَرْضِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ لَوْ كَانَ عَلَى الدَّابَّةِ يَخَافُ النُّزُولَ لِلطِّينِ وَالرَّدْغَةِ يَسْتَقْبِلُ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعِنْدِي هَذَا إذَا كَانَتْ وَاقِفَةً فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُفَصِّلَ بَيْنَ كَوْنِهِ لَوْ أَوْقَفَهَا لِلصَّلَاةِ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ لَا يَخَافُ فَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يُوقِفَهَا وَيَسْتَقْبِلَ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ

(جِهَةُ قُدْرَتِهِ) أَيْ يُصَلِّي إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا (وَيَتَحَرَّى الْمُصَلِّي) التَّحَرِّي بَذْلُ الْمَجْهُودِ لِنَيْلِ الْمَقْصُودِ (لِلِاشْتِبَاهِ) أَيْ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ بِانْطِمَاسِ الْأَعْلَامِ أَوْ تَرَاكُمِ الظَّلَامِ أَوْ تَطَامِّ الْغَمَامِ (وَعَدَمِ الْمُخْبِرِ بِهَا) فَإِنَّ الْأَصْحَابَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - تَحَرَّوْا وَصَلَّوْا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّقْرِيرُ دَلِيلُ الْجَوَازِ (وَلَمْ يُعِدْ) الصَّلَاةَ (إنْ أَخْطَأَ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَلَا وُسْعَ فِي إصَابَةِ الْجِهَةِ حَقِيقَةً فَصَارَتْ جِهَةُ التَّحَرِّي هُنَا كَجِهَةِ الْكَعْبَةِ لِلْغَائِبِ عَنْهَا، وَقَدْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] أَيْ قِبْلَةُ اللَّهِ نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ حَالَ الِاشْتِبَاهِ (وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ) فِيهَا (بِلَا تَحَرٍّ) ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ جِهَةُ تَحَرِّيهِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ عَلِمَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (إصَابَتَهُ) ؛ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَاسِدٌ وَحَالُهُ بَعْدَ الْعِلْمِ أَقْوَى مِنْ حَالِهِ قَبْلَهُ (وَلَوْ عَلِمَ) إصَابَتَهُ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ لَا يُعْتَبَرُ حُصُولُهُ بَلْ حُصُولُ الْغَيْرِ كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (وَلَوْ عَلِمَ خَطَأَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (أَوْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ) بَعْدَ الشُّرُوعِ بِالتَّحَرِّي (اسْتَدَارَ) فِي الْأَوَّلِ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَفِي الثَّانِي إلَى جِهَةِ تَحَوُّلِ رَأْيِهِ إلَيْهَا (تَحَرَّى كُلٌّ) مِنْ الْمُصَلِّينَ (جِهَةً) يَعْنِي أَنَّ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ وَتَحَرَّى الْقَوْمُ وَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى جِهَةٍ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْمُقْتَدِي (مُخَالَفَةَ إمَامِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ) أَيْ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ فِي الْوَاقِعِ (جَازَ) فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ قِبْلَتَهُمْ جِهَاتُ تَحَرِّيهِمْ وَلَمْ تَضُرَّهُ الْمُخَالَفَةُ كَجَوْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّيَمُّمِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ مَضَى إلَى الْمَاءِ تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ وَيَنْقَطِعُ جَازَ وَإِلَّا ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ وَاسْتَحْسَنُوهَا اهـ. أَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ جَمُوحًا لَا يُمْكِنُهُ الرُّكُوبُ لَوْ نَزَلَ إلَّا بِمُعِينٍ أَوْ شَيْخًا وَلَا يَجِدُ الْمُعِينَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ تَطَامِّ الْغَمَامِ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ عَلَى ظَنِّهِ بِالْمُعْجَمَةِ هَذَا لَعَلَّهُ مِنْ تَحْرِيفِ النَّاسِخِ وَإِلَّا فَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَا الظَّاءِ الْمُشَالَةِ اهـ. لِمَا قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَكُلُّ شَيْءٍ كَثُرَ حَتَّى عَلَا وَغَلَبَ فَقَدْ طَمَّ يَطِمُّ، وَقَالَ أَيْضًا وَتَضَامَّ الْقَوْمُ إذَا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ اهـ. فَيَصِحُّ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَعَدَمِ الْمُخْبِرِ بِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا مِثْلَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْأَلْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى فَإِنْ أَصَابَ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَأَلَهُ فَلَمْ يُخْبِرْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَقَالَ الْكَمَالُ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَيْ التَّحَرِّي مَعَ الْمَحَارِيبِ وَفِي قَوْلِهِ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ مَنْ يَسْأَلُهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ لِلْمَسْجِدِ قَوْمًا مِنْ أَهْلِهِ مُقِيمِينَ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا حَاضِرِينَ فِيهِ وَقْتَ دُخُولِهِ وَهُمْ حَوْلَهُ فِي الْقَرْيَةِ وَجَبَ طَلَبُهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ قَبْلَ التَّحَرِّي اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ رَجُلٌ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ بِالتَّحَرِّي فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَعَ أَبْوَابَ النَّاسِ لِلسُّؤَالِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا تُعْرَفُ الْقِبْلَةُ بِمَسِّ الْجُدْرَانِ وَالْحِيطَانِ وَعَسَى يَكُونُ ثَمَّةَ مُؤْذِيَةٌ فَجَازَ لَهُ التَّحَرِّي اهـ. قُلْت فَيُحْمَلُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ عَلَى مَنْ دَخَلَ نَهَارًا لِدَفْعِ التَّعَارُضِ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعِدْ إنْ أَخْطَأَ) هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى ظَنِّ الطَّهَارَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ نَجِسٌ حَيْثُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ طَهَارَتُهُ أَوْ أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ لَا يُجْزِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِي عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْبَزَّازِيَّةِ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ ثُمَّ بَانَ بِخِلَافِهِ جَازَ، وَإِنْ صَلَّى عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ الْقِبْلَةِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَقَدْ وُجِدَ وَالْوَاجِبُ التَّوَجُّهُ إلَى مَا هُوَ قِبْلَةٌ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ فِيهَا بِلَا تَحَرٍّ) فِيهِ تَسَامُحٌ نَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ فِيهَا إصَابَتَهُ) وَاصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَبْنِي عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلِمَ إصَابَتَهُ بَعْدَهَا صَحَّتْ) أَقُولُ فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِفَسَادِ صَلَاتِهِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ ثُمَّ بِالصِّحَّةِ هُنَا وَالصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ لَا تَتَّصِفُ بِنَقِيضَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَوْ شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَالْأَصْلُ هُوَ الْفَسَادُ فَإِنْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ أَوْ بِالتَّحَرِّي تَقَرَّرَ الْفَسَادُ، وَإِنْ ظَهَرَ صَوَابُهُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَكَّ وَبَنَى صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ احْتَمَلَ وَاحْتَمَلَ فَإِنْ ظَهَرَ الْخَطَأُ تَيَقَّنَا بِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ صَوَابٌ فَفِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يُحْكَمْ بِالْجَوَازِ بِالشَّكِّ بَلْ بِالْفَسَادِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ فَإِذَا تَبَيَّنَ الصَّوَابُ بَطَلَ الْحُكْمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَثَبَتَ الْجَوَازُ مِنْ الْأَصْلِ اهـ. أَوْ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ صَلَّى مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ بِلَا تَحَرٍّ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ أَصَابَ اهـ. وَإِصْلَاحُ الْعِبَارَةِ بِإِسْقَاطِ لَفْظَةِ إنْ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ عَلِمَ فَيُقَالُ وَفَسَدَتْ إنْ شَرَعَ فِيهَا بِلَا تَحَرٍّ وَعَلِمَ فِيهَا إصَابَتَهُ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقْتَدِي مُخَالَفَةَ إمَامِهِ) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْمُقْتَدِيَ جَهْلُهُ بِجِهَةِ إمَامِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْكَنْزِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ قَيْدِ كَوْنِهَا فِي الْمَفَازَةِ كَغَيْرِهِ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ فِي كِتَابِ الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً صَلَّوْا فِي الْمَفَازَةِ عِنْدَ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَفَازَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَحْرِيَّ لَا يَجُوزُ فِي الْقَرْيَةِ وَالْمِصْرِ مِنْ

الْكَعْبَةِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِمَامِهِ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ (فَلَا) يَجُوزُ فِعْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ اعْتَقَدَ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ بِخِلَافِ جَوْفِ الْكَعْبَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ قِبْلَةٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ كَمَا إذَا وَقَعَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ بِقَوْلِهِ وَهُمْ خَلْفَهُ بَيَانُ كَوْنِهِمْ خَلْفَهُ فِي الْوَاقِعِ لَا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ خَلْفَهُ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى التَّسَاهُلِ كَمَا حَمَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ نَعَمْ فِي قَوْلِهِ لَا لِمَنْ عَلِمَ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِحَالِهِ لَا يُفِيدُ عَدَمَ الْجَوَازِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ مُخَالَفَتَهُ لِلْإِمَامِ وَلِهَذَا غَيَّرْتُ الْعِبَارَةَ إلَى مَا تَرَى. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ (النِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَهِيَ الْإِرَادَةُ) وَهِيَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (لَا الْعِلْمُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ فِي صَلَاتِهِ إذَا عَلِمَ أَيَّةَ صَلَاةٍ يُصَلِّي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ هَذَا الْقَدْرُ نِيَّةٌ، وَكَذَا فِي الصَّوْمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ نِيَّةً؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الْعِلْمِ، أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ الْكُفْرَ لَا يَكْفُرُ، وَلَوْ نَوَاهُ يَكْفُرُ وَالْمُسَافِرُ إذَا عَلِمَ الْإِقَامَةَ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا، وَلَوْ نَوَاهَا يَصِيرُ مُقِيمًا. وَفِي الْهِدَايَةِ النِّيَّةُ هِيَ الْإِرَادَةُ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَيَحْسُنُ ذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ عَزِيمَتِهِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا نَزْعٌ إلَى تَفْسِيرِ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يَجْزِمَ تَخْصِيصَ الصَّلَاةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا وَيُمَيِّزَهَا عَنْ فِعْلِ الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ نَفْلًا وَعَمَّا يُشَارِكُهَا فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهَا وَهِيَ الْفَرْضِيَّةُ إنْ كَانَتْ فَرْضًا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ وَالتَّمْيِيزَ بِدُونِ الْعِلْمِ لَا يُتَصَوَّرُ أَقُولُ هَذَا الْجَوَابُ يُقَوِّي الِاعْتِرَاضَ وَلَا يَدْفَعُهُ؛ لِأَنَّ الْجَزْمَ عِلْمٌ خَاصٌّ بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ عَمَلُ الْقَلْبِ اللَّازِمُ لِلْإِرَادَةِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بَدَاهَةً أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجَوَابِ إلَّا بِتَأَمُّلٍ لَمْ يَجُزْ صَلَاتُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِالذِّكْرِ اللِّسَانِيِّ فَمَبْنَى كُلٍّ مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابِ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ أَمَّا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ (وَالتَّلَفُّظُ مُسْتَحَبٌّ) لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْقَلْبِ لِاجْتِمَاعِ الْعَزِيمَةِ (وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا) أَيْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ (بِغَيْرِ لَائِقٍ لِلصَّلَاةِ) كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا. وَأَمَّا نَحْوُ الْوُضُوءِ وَالْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَضُرُّهُ (وَوَقْتُهَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَارِنَ الشُّرُوعَ) بِأَنْ يَتَّصِلَ بِالتَّحْرِيمَةِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، (وَقِيلَ تَصِحُّ) النِّيَّةُ (مَا دَامَ) الْمُصَلِّي (فِي الثَّنَاءِ، وَقِيلَ) تَصِحُّ (قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَقِيلَ) تَصِحُّ (قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ) عَنْ الرُّكُوعِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمُصَلِّي إذَا غَفَلَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ سُؤَالٍ، وَقَدْ أَسْلَفْنَاهُ اهـ. وَذَكَرْته قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِمَامِهِ) أَيْ حَالَ اقْتِدَائِهِ فَسَدَتْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ ذَكَرَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الْخُلَاصَةِ. (تَنْبِيهٌ) : يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ إمْسَاسُ الْمِحْرَابِ كَمَا تَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ بَلْ حَالُهُ عِنْدَنَا كَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) ، كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأُصُولِيِّينَ ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ قَبِيلِ ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ مُشْتَرَكُ الدَّلَالَةِ فَيُفِيدُ السُّنِّيَّةَ وَالِاسْتِحْبَابَ لَا الِافْتِرَاضَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَنْزِعُ أَيْضًا إلَى تَفْسِيرِ النِّيَّةِ بِالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ النِّيَّةَ الَّتِي هِيَ الْإِرَادَةُ بِعَمَلِ الْقَلْبِ وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يَعْلَمَ بَدَاهَةً أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَالشَّرْطُ أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ لَيْسَ تَفْسِيرَ الْإِرَادَةِ لِيَلْزَمَ مَا قِيلَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَتَأَتَّى نِسْبَةُ مَا ذُكِرَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الظَّاهِرِ وَكَلَامُهَا ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ) يَعْنِي طَرِيقٌ حَسَنٌ أَحَبَّهُ الْمَشَايِخُ لَا إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ الْمَنْقُولُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ» فَهَذِهِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ عِنْدَ قَصْدِ جَمْعِ الْعَزِيمَةِ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُصَرِّحْ بِكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَفِي الْمُحِيطِ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ صَلَاةَ، كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا نَحْوِ نَوَيْتُ أَوْ أَنْوِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ سُؤَالَ التَّوْفِيقِ وَالْقَبُولِ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ التَّلَفُّظِ بِهَا يُذْكَرُ فِي الْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ لِكَثْرَةِ مَشَاقِّهِ وَطُولِ زَمَانِهِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي نَفْيِ قِيَاسِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَفْهُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْكَنْزِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ الصَّوْمُ بِالْحَجِّ فِي سُؤَالِ التَّيْسِيرِ كَالْقَبُولِ لِطُولِ زَمَانِهِ وَمَشَقَّتِهِ فَوْقَ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَالْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ) يَعْنِي إلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَوَقْتُهَا الْأَفْضَلُ. . . إلَخْ) يَعْنِي الْأَفْضَلَ مِمَّا شَمِلَهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ عَدَمُ صِحَّتِهَا بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ فَتَصِحُّ بِالْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ أَجْنَبِيٍّ وَبِالْمُقَارَنَةِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهُمَا الْمُقَارَنَةُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَصِحُّ النِّيَّةُ مَا دَامَ فِي الثَّنَاءِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ كَمَا قِيلَ إنَّهَا تَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِهِ فَقِيلَ إلَى التَّعَوُّذِ، وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ، وَقِيلَ إلَى الرَّفْعِ مِنْهُ قِيَاسًا عَلَى نِيَّةِ الصَّوْمِ

النِّيَّةِ أَمْكَنَ لَهُ التَّدَارُكُ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ إبْطَالِ الصَّلَاةِ (لَا بُدَّ لِمُصَلٍّ الْفَرْضِ) كَالرَّوَاتِبِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ. (وَالْوَاجِبِ) كَالْوِتْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا (مِنْ تَعْيِينِهِ) لِيَمْتَازَ كُلٌّ مِنْهَا عَمَّا يُشَارِكُهُ فِي أَخَصِّ أَوْصَافِهِ وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ أَوْ الْوُجُوبُ (دُونَ) تَعْيِينِ (عَدَدِ رَكَعَاتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا فَقَدْ نَوَى عَدَدَ الرَّكَعَاتِ وَالْخَطَأُ فِي عَدَدِهَا لَا يَضُرُّ حَتَّى لَوْ نَوَى الْفَجْرَ أَرْبَعًا أَوْ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا جَازَ وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِمُصَلِّي الْفَرْضِ فَإِنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ كَافٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى أَنْوَاعِ الصَّلَاةِ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ النِّيَّةِ إلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ النَّفَلُ (التَّرَاوِيحَ أَوْ السُّنَنَ الْمُؤَكَّدَةَ) فَإِنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ كَافٍ فِيهِمَا أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ فِي الْأَصْلِ (فَفِي الْفَرْضِ) تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا بُدَّ لِمُصَلِّي الْفَرْضِ. . . إلَخْ يَعْنِي يَنْوِي فِي الْفَرْضِ (ظُهْرَ الْيَوْمِ) مَثَلًا، وَلَوْ نَوَى ظُهْرَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ جَازَ لِوُجُودِ التَّعْيِينِ، وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْوَقْتِ حِينَئِذٍ غَيْرُ الظُّهْرِ (وَلَوْ) نَوَى (فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ) لِلِاخْتِلَافِ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ فِيهَا (فَفِيهَا صَلَاتَهَا) أَيْ يَنْوِي فِي الْجُمُعَةِ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ (وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا الظُّهْرَ) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ سُنَّتِهَا (قَائِلًا نَوَيْتُ) أَنْ أُصَلِّيَ (آخِرَ ظُهْرٍ أَدْرَكْتُ وَقْتَهُ وَلَمْ أُصَلِّ بَعْدُ) ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ الَّتِي صَلَّاهَا إنْ لَمْ تَجُزْ فَعَلَيْهِ الظُّهْرُ، وَإِنْ جَازَتْ أَجْزَأَتْهُ الْأَرْبَعُ عَنْ ظُهْرٍ فَائِتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ كَالرَّوَاتِبِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبِ كَالْوِتْرِ) الْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَهَا وَنَحْوِهَا وَالْمُرَادُ بِنَحْوِهَا مَا أَوْجَبَهُ بِنَذْرٍ أَوْ إفْسَادٍ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ اهـ. وَكَذَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ تَعْيِينِ السُّجُودِ لِلتِّلَاوَةِ لَا نِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي السَّجَدَاتِ وَالْمُرَادُ بِاشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ وُجُودُهُ عِنْدَ الشُّرُوعِ فَقَطْ حَتَّى لَوْ نَوَى فَرْضًا وَشَرَعَ فِيهِ ثُمَّ نَسِيَ فَظَنَّهُ تَطَوُّعًا فَأَتَمَّهُ عَلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ فَهُوَ فَرْضٌ مُسْقَطٌ، وَكَذَا الْعَكْسُ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْجِنَازَةِ) فِي عَدِّ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ تَسَامُحٌ. (قَوْلُهُ وَالْخَطَأُ فِي عَدَدِهَا لَا يَضُرُّ) أَقُولُ، وَكَذَا فِي وَصْفِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الذِّكْرَ بِاللِّسَانِ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ حَتَّى لَوْ نَوَى الظُّهْرَ وَتَلَفَّظَ بِالْعَصْرِ كَانَ شَارِعًا فِي الظُّهْرِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُنْتَقِلِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَالِاكْتِفَاءُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ فِي النَّفْلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ كَافٍ فِيهِمَا أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ) أَقُولُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالظَّرْفُ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا إلَّا بِالتَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ دُونَ النَّفْلِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ النَّفَلَ مُتَّفَقٌ عَلَى مُطْلَقِ النِّيَّةِ فِيهِ لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ التَّعْيِينُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ عَدَمَ جَوَازِهَا بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الْمُتَنَفِّلُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وَكَذَا التَّرَاوِيحُ وَالسُّنَنُ كُلُّهَا عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا، وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّ التَّرَاوِيحَ وَالسُّنَنَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْفَرْضِ يَنْوِي ظُهْرَ الْيَوْمِ) أَقُولُ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ ظَهْرَ الْيَوْمِ بَلْ قَالَ الظُّهْرُ لَا غَيْرُ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى ظَهْرَ الْوَقْتِ وَالْوَقْتُ بَاقٍ جَازَ) الْوَقْتُ فِيهَا كَمَا نَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ خَرَجَ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ اهـ. قُلْت وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ جَازَ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُ أَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ اهـ. أَيْ فَتَجُوزُ بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا الظُّهْرَ) أَقُولُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِهِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سَرِيِّ الدِّينِ عَنْ جَدِّهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ الشِّحْنَةِ اهـ. وَقَالَ شَيْخُ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قُلْت يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُهُ بِمَا قَالَ حَفِيدُهُ أَنَّهُ عِنْدَ مُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَمَّا عِنْدَ قِيَامِ الشَّكِّ وَالِاشْتِبَاهِ فِي صِحَّتِهَا أَيْ الْجُمُعَةِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَقِدُ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْأَرْبَعِ وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُ التُّمُرْتَاشِيِّ بِلَا بُدَّ، وَكَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ اهـ. لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهَذِهِ الصَّلَاةِ لِلْعَوَامِّ الَّذِينَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْوُقُوعُ فِي الْأَوْهَامِ سُئِلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ قَوْمٍ كُسَالَى عَادَتُهُمْ الصَّلَاةُ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَيُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لَا انْتَهَى فَلَا يُفْتَى بِهَا إلَّا لِلْخَوَاصِّ، وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ. (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهَا تُصَلَّى قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي نُورِ الشَّمْعَةِ لِلْمَقْدِسِيِّ. (قَوْلُهُ قَبْلَ سُنَّتِهَا) هَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَتَدَاوَلَهُ الشُّرَّاحُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهَا تُؤَخَّرُ عَنْ السُّنَّةِ، وَكَذَا فِي الْحُجَّةِ وَلَكِنْ زَادَ فِيهَا أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهُ سُنَّةَ الْوَقْتِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فَيَصِيرُ مَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ عَشْرًا وَأَنْتَ أَدْرَى بِمَا هُوَ أَحْوَطُ وَأَحْرَى. (تَنْبِيهٌ) : يُقْتَصَرُ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْهُ وَلَا يَفْسُدُ بِتَرْكِهَا وَلَا تُسْتَفْتَحُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فَقِيلَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ فِي الْأَرْبَعِ، وَقِيلَ فِي الْأَوَّلَيْنِ كَالظُّهْرِ قَالَ مَجِيدُ الدِّينِ وَهُوَ اخْتِيَارِي وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَنْ يَقْضِي الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنْ يُحَكِّمَ فِيهَا رَأْيَهُ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ يَقْرَأَهُمَا فِي الْأَرْبَعِ يُفِيدُهُ كَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارَ وَاخْتُلِفَ فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ ثُمَّ قَالَ هَلْ يُؤْتَى لَهَا بِإِقَامَةٍ أَمْ لَا لَمْ أَطَّلِعْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَيُمْكِنُ

عَلَيْهِ (ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِنِيَّةِ السُّنَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا أَحْسَنُ مِنْ مُطْلَقِ النِّيَّةِ (وَ) يَنْوِي (فِي الْوِتْرِ صَلَاتَهُ) أَيْ الْوِتْرَ (لَا الْوَاجِبَ) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ (وَ) يَنْوِي (فِي) صَلَاةِ (الْجِنَازَةِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِهَذَا الْمَيِّتِ، وَإِنْ اشْتَبَهَ) أَنَّهُ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (قَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ مَعَ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ، وَ) يَنْوِي (فِي قَضَاءِ النَّفْلِ) الَّذِي شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ (قَضَاءَهُ) أَيْ قَضَاءَ نَفْلٍ أَفْسَدَهُ. (وَ) يَنْوِي (فِي الْعِيدِ صَلَاتَهُ) أَيْ صَلَاةَ الْعِيدِ (الْمُقْتَدِي) بِالْإِمَامِ (يَنْوِي صَلَاتَهُ) أَيْ صَلَاةَ نَفْسِهِ (وَ) يَنْوِي (اقْتِدَاءَهُ بِالْإِمَامِ) إذْ يَلْزَمُهُ الْفَسَادُ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامٍ، وَلَوْ نَوَاهُ حِينَ وَقَفَ الْإِمَامُ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ جَازَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الظُّهْرَ أَوْ نَوَى الشُّرُوعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَنْصَرِفُ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَقُولَ اقْتَدَيْتُ بِمَنْ هُوَ إمَامِي أَوْ بِهَذَا الْإِمَامِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُقْتَدِي أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ لِيَكُونَ مُقْتَدِيًا بِالْمُصَلِّي أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْأَفْضَلَ إذَا كَانَ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْأَفْضَلُ تَكْبِيرَ الْمُقْتَدِي بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَةَ إمَّا مُقَارِنٌ بِالنِّيَّةِ أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُكَبِّرَ الْقَوْمُ مَعَ الْإِمَامِ. (وَ) يَنْوِي الْإِمَامُ (صَلَاتَهُ فَقَطْ) لَا إمَامَةَ الْمُقْتَدِي (إذَا أَمَّ الرِّجَالَ وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ إذَا لَمْ تَقْتَدِ مُحَاذِيَةٌ) . وَأَمَّا إذَا اقْتَدَتْ مُحَاذِيَةٌ لِرَجُلٍ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ إمَامَتَهَا وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يُقَالَ يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ، وَذَكَرَ مَا يُفِيدُهُ وَهَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِنُورِ الشَّمْعَةِ فِي بَيَانِ ظُهْرِ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْك بِهِ قُلْت وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِيهَا بَلْ تُؤَدَّى عَلَى الِانْفِرَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمَقْدِسِيُّ. (قَوْلُهُ وَيَنْوِي اقْتِدَاءَهُ بِالْإِمَامِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْجُمُعَةَ، وَقَالَ قَاضِي خَانْ، وَلَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ اهـ. قُلْت فَعَلَى هَذَا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ. (قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ. . . إلَخْ) أُجِيبَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّ مَا قَالَهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ. (قَوْلُهُ أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ) الْأَوْلَى تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُ لِرُجُوعِهِ لِلنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ قَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنَّمَا شُرِطَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ إذَا تَمَّتْ مُحَاذِيَةً أَيْ إذَا كَانَتْ الْمُحَاذَاةُ ثَابِتَةً زَمَانَ اقْتِدَائِهَا بِهِ بِأَنْ قَامَتْ بِجَنْبِ رَجُلٍ خَلْفَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا تُلْزِمُ الَّذِي بِجَنْبِهَا فَسَادًا وَهُوَ مُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ إمَامِهِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى إلْزَامِهِ كَمَا لَوْ وَقَفْت بِجَنْبِ الْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ زَمَانَ اقْتِدَائِهَا بِهِ بِأَنْ قَامَتْ خَلْفَ الصُّفُوفِ فَفِي رِوَايَةٍ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا بِلَا نِيَّةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ فِي الْحَالِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ ثَمَّ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَهُنَا الْفَسَادُ مَوْهُومٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ، وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ لِلْفَسَادِ الَّذِي يَعْتَرِي الْمُقْتَدِيَ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ تُشْتَرَطْ النِّيَّةُ فَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تُلْزِمَ الْمَرْأَةُ أَحَدًا فَسَادًا فَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ بَقِيَ اقْتِدَاؤُهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بَطَلَ اقْتِدَاؤُهَا لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اُحْتُمِلَ الْفَسَادُ مِنْ جِهَتِهَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِيَارِهِ بِلَا اعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَا مُفْضٍ إلَى الْحَرَجِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَالْأَوَّلِ أَيْ كَمَا إذَا أَتَمَّتْ مُحَاذِيَةً فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ تَصِيرُ دَاخِلَةً فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْإِمَامِ ثُمَّ إنْ لَمْ تُحَاذِ أَحَدًا تَمَّتْ صَلَاتُهَا، وَإِنْ تَقَدَّمَتْ حَتَّى حَاذَتْ رَجُلًا أَوْ وَقَفَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا دُونَ الرَّجُلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُحَاذِيَةِ ابْتِدَاءً أَنَّ الْفَسَادَ فِي هَذِهِ مُحْتَمَلٌ وَفِي تِلْكَ لَازِمٌ اهـ. قُلْت إلَّا أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ أَوْ وَقَفَ بِجَنْبِهَا رَجُلٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَافِي وَالْعِنَايَةِ بَلْ اقْتَصَرَا عَلَى مَا إذَا تَقَدَّمَتْ بَعْدَ إحْرَامِهَا فَحَاذَتْ رَجُلًا وَذَا ظَاهِرٌ فِي فَسَادِ صَلَاتِهَا لِعَدَمِ إيفَائِهَا بِالشَّرْطِ؛ لِأَنَّهَا أَلْزَمَتْ الْفَسَادَ لِمَنْ حَاذَتْهُ بِصُنْعِهَا وَهُوَ تَقَدُّمُهَا إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهَا. وَأَمَّا إذَا وَقَفَ رَجُلٌ بِجَنْبِهَا، وَقَدْ أَحْرَمَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الصُّفُوفِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا إلْزَامُ فَسَادٍ فَلْيُتَأَمَّلْ فَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَخَالَفَ فِي هَذَا الْعُمُومِ بَعْضُهُمْ يَعْنِي فِي عُمُومِ عَدَمِ صِحَّةِ صَلَاتِهِنَّ إذَا لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُنَّ فَقَالُوا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ النِّسَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهُنَّ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي حَقِّهِنَّ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ. يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْخِلَافُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَقْتَدِ مُحَاذِيَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً عِنْدَ الِاقْتِدَاءِ فَلَا خِلَافَ فِي لُزُومِ نِيَّةِ إمَامَتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا إذَا لَمْ تَقْتَدِ مُحَاذِيَةٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ظَاهِرُهُ الْحَمْلُ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ حَتَّى إذَا عُلِمَ عَدَمُ النِّيَّةِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ أَيْضًا لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عِنْدَ كَثِيرٍ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ يَجُوزُ بِدُونِهَا نَظَرًا إلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ حَمْلًا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَفْسَرْ حَالُهُ اهـ. لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ مِنْ الْخِلَافِ فِي نِسْبَةِ مَا قِيلَ مِنْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لِلْأَكْثَرِ اهـ. وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ اقْتِدَائِهِنَّ فِيهَا نِيَّةُ إمَامَتِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ اهـ.

[باب صفة الصلاة]

(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ) (لَهَا فَرَائِضُ مِنْهَا التَّحْرِيمَةُ) التَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا وَالْهَاءُ لِتَحْقِيقِ الِاسْمِيَّةِ وَخُصَّتْ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ (وَهِيَ التَّكْبِيرُ) أَيْ الْوَصْفُ بِالْكِبْرِيَاءِ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ (بِالْحَذْفِ) وَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهُ وَلَا فِي بَاءِ أَكْبَرُ (بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ) هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] ِ) أَيْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ قِيلَ الصِّفَةُ وَالْوَصْفُ فِي اللُّغَةِ وَاحِدٌ وَفِي عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِخِلَافِهِ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْوَصْفَ لُغَةً ذِكْرُ مَا فِي الْمَوْصُوفِ مِنْ الصِّفَةِ وَالصِّفَةُ هِيَ مَا فِيهِ وَلَا يُنْكَرُ أَنَّهُ يُطْلَقُ الْوَصْفُ وَيُرَادُ الصِّفَةُ وَبِهَذَا لَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ لُغَةً إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَصْفَ مَصْدَرُ وَصَفَهُ إذَا ذَكَرَ مَا فِيهِ ثُمَّ الْمُرَادُ هُنَا بِصِفَةِ الصَّلَاةِ الْأَوْصَافُ النَّفْسِيَّةُ لَهَا وَهِيَ الْأَجْزَاءُ الْعَقْلِيَّةُ الصَّادِقَةُ عَلَى الْخَارِجِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْهَوِيَّةِ مِنْ الْقِيَامِ الْمُجْزِئِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَهَا حُكْمُ الْجَوَاهِرِ وَلِهَذَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ وَالْفَسْخِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ الشَّيْءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الْعَيْنُ وَهِيَ مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ وَالْعَيْنُ هُنَا الصَّلَاةُ وَالرُّكْنُ وَهُوَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ كَالْقِيَامِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ بِالشَّيْءِ كَجَوَازِهِ وَفَسَادِهِ وَثَوَابِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ الْآدَمِيُّ الْمُكَلَّفُ وَشَرْطُهُ كَالطَّهَارَةِ وَالسَّبَبُ كَالْوَقْتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لَهَا فَرَائِضُ) الْمُرَادُ مَا يَفُوتُ الْجَوْزُ بِفَوْتِهِ. (قَوْلُهُ مِنْهَا التَّحْرِيمَةُ) هِيَ شَرْطٌ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رُكْنٌ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَالشَّرْطُ الْإِتْيَانُ بِهَا قَائِمًا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَحَنَى ظَهْرَهُ ثُمَّ كَبَّرَ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ قَائِمًا يُرِيدُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ جَازَتْ صَلَاتُهُ. (تَنْبِيهٌ) : مِنْ فَرَائِضِهَا النِّيَّةُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا شَرْطٌ وَلَمْ تُذْكَرُ هُنَا لِمَا سَبَقَ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تُحَرِّمُ الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ التَّكْبِيرُ أَيْ الْوَصْفُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا شَرْطٌ عِنْدَنَا عَلَى الْقَادِرِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ الْأُمِّيُّ وَالْأَخْرَسُ لَوْ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا اهـ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَبَرِيُّ، وَلَوْ نَوَى الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إتْيَانِهِ بِجُمْلَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِالْمُبْتَدَأِ وَحْدَهُ كَاللَّهُ وَلَا بِأَكْبَرَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي التَّجْرِيدِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَصِيرُ شَارِعًا بِكُلِّ اسْمٍ مُفْرَدًا أَوْ خَبَرًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَلَالَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ وَفَرَّقَ قَاضِي خَانْ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ وَلَمْ يَزِدْ يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ قَالَ الْكَبِيرُ أَوْ الْأَكْبَرُ أَوْ أَكْبَرُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا قَالَ فِي الْفَتْحِ كَانَ الْفَرْقُ الِاخْتِصَاصَ فِي الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ قُلْت فَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُسْنَدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِيرُ شَارِعًا بِذِكْرِ الِاسْمِ دُونَ الصِّفَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ اهـ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. اهـ. وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَالَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَ الَّذِي تَقَدَّمَ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهُ كَانَ فِي قِيَامِهِ وَقَوْلَهُ أَكْبَرُ وَقَعَ فِي رُكُوعِهِ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ وَإِلَّا فَيَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ مُصَلٍّ وَمُصَلٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لَا يَأْتِي بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهِ وَلَا فِي أَكْبَرَ) أَقُولُ فَإِنْ أَتَى بِهِ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ يَكْفُرُ لِلشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِالْكُفْرِ فِي الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ لَوْ مَدَّ أَلِفَ اللَّهِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَخِيفَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إنْ كَانَ قَاصِدًا اهـ. وَإِنْ أَتَى بِهِ فِي بَاءِ أَكْبَرَ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي لَامِ اللَّهُ فَحَسَنٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ اهـ. وَجَزْمُ الْهَاءِ مِنْ الِاسْمِ الْكَرِيمِ خَطَأٌ وَمَا بَحَثَهُ الْأَكْمَلُ مِنْ عَدِّ الْفَسَادِ وَالْكُفْرِ بِالْمَدِّ فَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَعَادَ الْمُصَنِّفُ حَرْفَ الْجَرِّ فِي قَوْلِهِ وَلَا فِي أَكْبَرَ لِيُفِيدَ النَّهْيَ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَتِهَا وَبَائِهَا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا قَدَّمْنَا. (قَوْلُهُ بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ هُوَ الْأَصَحُّ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ عُلَمَائِنَا وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَبُو يُوسُفَ يَرَى الرَّفْعَ مَعَ التَّكْبِيرِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلًا وَحَكَى عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِعْلًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَقَاضِي خَانْ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ وَقْتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ لَكِنْ يُضَعِّفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي اثِّنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ اهـ

نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ (حِذَاءَ إذْنَيْهِ) أَيْ يَرْفَعُ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَيُمِسُّ طَرَفَيْ إبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ (وَ) بَعْدَ رَفْعِ (الْمَرْأَةِ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَاتُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجِنَازَةِ (وَالْأَصَابِعُ بِحَالِهَا) أَيْ غَيْرُ مُفَرَّجَةٍ وَلَا مَضْمُومَةٍ بَلْ مَنْشُورَةٌ (وَجَازَتْ) التَّحْرِيمَةُ (بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ) نَحْوُ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ (وَبِالتَّسْبِيحِ) نَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ (وَالتَّهْلِيلِ) نَحْوِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (وَبِالْفَارِسِيَّةِ) نَحْوِ خداي بزركست كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا (لَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الدُّعَاءِ) نَحْوِ رَبِّ اغْفِرْ لِي فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْدِلَ بِذِكْرٍ يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ وَلَا يَشُوبُ بِالدُّعَاءِ (وَجَهَرَ بِهِ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ (الْإِمَامُ وَكَبَّرَ مَعَهُ الْمُؤْتَمُّ سِرًّا) الْأَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُكَبِّرَ الْمُقْتَدِي مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُقَارَنَةِ وَعِنْدَ هُمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ وَفِي التَّسْلِيمِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ اللَّهُ أَكْبَرُ قَبْلَ قَوْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) أَقُولُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ سَوَاءٌ كَانَ دُونَ الْمَسْنُونِ أَوْ فَوْقَهُ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَعَلَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (تَنْبِيهٌ) : سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْآدَابَ فِي آخِرِ الْبَابِ كَإِخْرَاجِ الْكَفَّيْنِ مِنْ الْكُمَّيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا هُنَا وَوَضْعُ كُلٍّ مِنْهَا فِي مَحَلِّهِ كَمَا صَنَعَ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ. (قَوْلُهُ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَيُمِسُّ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ مُغَايَرَتُهُ لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْمُرَادُ بِالْمُحَاذَاةِ أَنْ يَمَسَّ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ لِيَتَيَقَّنَ مُحَاذَاةَ يَدَيْهِ أُذُنَيْهِ اهـ فَلَا مُخَالَفَةَ عَلَى هَذَا. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ رَفْعِ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا حُرَّةً فَشَمِلَ الْأَمَةَ لَكِنْ قَالَ الْحَدَّادِيُّ. وَأَمَّا الْأَمَةُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ وَكَالْحُرَّةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَعْنِي أَنَّهَا تَنْضَمُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَجَازَتْ التَّحْرِيمَةُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِاللَّهِ أَكْبَرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَوْ الْأَكْبَرُ أَوْ الْكَبِيرُ وَيَتَرَدَّدُ فِي كَبِيرٍ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَلَا يُجِيزُهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَزَادَ فِي الْخُلَاصَةِ خَامِسًا اللَّهُ الْكُبَارُ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ نَحْوُ اللَّهُ أَجَلُّ) أَقُولُ. وَأَمَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَوْ افْتَتَحَ بِهَا قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَالسِّرَاجِ. (قَوْلُهُ وَبِالتَّسْبِيحِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُشْرَعَ بِالتَّكْبِيرِ وَهَلْ يُكْرَهُ الشُّرُوعُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِافْتِتَاحِ بِالتَّكْبِيرِ لِمَنْ يُحْسِنُهُ وَتَضْعِيفَ مَا صَحَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ وَتَضْعِيفَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ أَنَّ مُرَاعَاةَ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي افْتِتَاحِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَاجِبَةٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَبِالْفَارِسِيَّةِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا لَا خُصُوصَ الْفَارِسِيَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ وَهُوَ التَّعْظِيمُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ كَالْإِيمَانِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إجْمَاعًا وَكَالتَّلْبِيَةِ وَالسَّلَامِ وَرَدِّهِ وَالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ وَالْأَصَحُّ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَيْهِمَا أَيْ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ جَوَازِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ بِالْفَارِسِيَّةِ لِغَيْرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ. (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا) هَذَا أَيْضًا مَرْجُوعٌ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ فَإِنَّهُ لَوْ قَرَأَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اُكْتُفِيَ بِهِ أَيْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيِّ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ اهـ. وَحَكَى مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا وَبِحَمْلِ مَا فِي الْفَتَاوَى عَلَى الْقَصَصِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَا وَلَا تُفْسِدُ وَفِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ بِهَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا لُبِّ الْأُصُولِ اهـ. وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ جَائِزٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ نَحْوِ رَبِّ اغْفِرْ لِي) أَيْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاحْفَظْنِي فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى اللَّهُمَّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالدِّرَايَةِ. وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا. (قَوْلُهُ الْأَفْضَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ لَا الْجَوَازِ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ اللَّهُ أَكْبَرُ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُؤْتَمَّ عَلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْخَطَأَ بِيَقِينٍ أَوْ بِغَالِبِ الظَّنِّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ أَكْبَرُ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَفْظُ أَكْبَرُ أَعْنِيَ الْخَبَرَ لَمْ أَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بَلْ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مَا لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ أَعْنِيَ الْمُبْتَدَأَ

فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ شَارِعًا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَهِيَ) أَيْ التَّحْرِيمَةُ (شَرْطٌ) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ يَصِحُّ أَنْ يَقُومَ إلَى النَّفْلِ بِلَا إحْرَامٍ جَدِيدٍ وَعِنْدَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ، وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا كَانَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْلِ بِشَرْطٍ أَدَّى بِهِ الْفَرْضَ وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلْفَرْضِ وَأَدَّى بِهِ النَّفَلَ، وَإِذَا كَانَتْ رُكْنًا كَانَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْلِ بِرُكْنِ الْفَرْضِ وَذَا لَا يَجُوزُ (وَالْمَذْكُورَاتُ سُنَنٌ) يَعْنِي رَفْعَ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَشْرَ أَصَابِعِهِ وَجَهْرَ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ. (وَمِنْهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (الْقِيَامُ فِي الْفَرْضِ) يَعْنِي أَنَّ فَرْضِيَّةَ الْقِيَامِ مَخْصُوصَةٌ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَلَا يَكُونُ فَرْضًا فِي النَّفْلِ حَتَّى جَازَ أَدَاؤُهُ بِدُونِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (وَفِيهِ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضَعُ عَلَى صَدْرِهِ، وَصِفَةُ الْوَضْعِ أَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقَ بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ (وَيُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَفِيهِ الْوَضْعُ وَكُلَّ قِيَامِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَفِيهِ الْإِرْسَالُ (وَيُثْنِي) أَيْ يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ تَقَعْ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ أَكْبَرُ قَبْلَ قَوْلِ الْإِمَامِ. . . إلَخْ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْأَصَحِّيَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَهُمَا مُتَغَايِرَتَانِ عَلَى مَا رَأَيْتُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَيُكَبِّرُ الْمُقْتَدِي مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ قَالَ الْمُقْتَدِي اللَّهُ أَكْبَرُ، وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَقَعَ قَبْلَ قَوْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ اهـ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ لَفْظَ أَكْبَرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ مِنْ الْخَانِيَّةِ. (تَنْبِيهٌ) : عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا لَا مُنْفَرِدًا وَلَا مُقْتَدِيًا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ كَبَّرَ قَبْلَ إمَامِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يُجَدِّدْ؛ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي صَلَاتِهِ وَلَا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُشَارَكَةَ وَهِيَ غَيْرُ صَلَاةِ الِانْفِرَادِ اهـ لَكِنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهِ قَبْلَ إمَامِهِ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ اهـ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ يَعْنِي رَفْعَ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ. . . إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ حُكْمَ إسْرَارِ الْمُقْتَدِي بِالتَّكْبِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي بَيَانُهُ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقِيَامُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَحَدُّهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ لَا يَنَالُ رُكْبَتَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِقْدَارُهُ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَفْرُوضَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَرْضًا وَالْوَاجِبَ وَاجِبًا وَالسُّنَّةَ سُنَّةً وَلَمْ أَرَهُ. (قَوْلُهُ فِي الْفَرْضِ) أَقُولُ، وَكَذَا مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ كَالْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ فَرْضِيَّةَ الْقِيَامِ مَخْصُوصَةٌ بِالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ الْقَطَعِيُّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَالْوِتْرِ لَا بُدَّ مِنْ الْقِيَامِ فِيهَا لَا عَلَى الْقَطْعِيِّ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ يَضَعُ يَمِينَهُ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْقِيَامِ وَلَا يُفِيدُ تَعْيِينَ الْوَضْعِ فِي ابْتِدَائِهِ بَلْ أَعَمُّ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ يَضَعُ. (قَوْلُهُ تَحْتَ سُرَّتِهِ هَذَا سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ) . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا الْوَضْعُ عَلَى صَدْرِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ حَالِهَا كَمَا قَدَّمَهُ فِي الرَّفْعِ لِلتَّكْبِيرِ. (قَوْلُهُ وَصِفَةُ الْوَضْعِ. . . إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمَرْأَةُ تَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى صَدْرِهَا وَلَا تَقْبِضُ بَلْ تَضَعُ كَفَّهَا الْأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الْأَيْسَرِ ذَكَرَهُ الْغَزْنَوِيُّ. (قَوْلُهُ وَيُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُعْتَمَدُ فَإِنَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ ذِكْرًا مَسْنُونًا وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَوْ التَّحْمِيدُ وَعَلَى هَذَا مَشَى صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ اهـ. ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ اتِّفَاقُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) أَقُولُ، وَقِيلَ يَضَعُ بَيْنَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ. . . إلَخْ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سُنَّةٌ لِلْقِرَاءَةِ فَيُرْسِلُ فِي الثَّنَاءِ وَالْقُنُوتِ وَالْجِنَازَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ أَيْ يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ) يَعْنِي إلَى آخِرِهِ وَهُوَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك سُبْحَانَ مَصْدَرٌ كَغُفْرَانٍ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ فِعْلِهِ وُجُوبًا فَمَعْنَاهُ أُسَبِّحُك تَسْبِيحًا أَيْ أُنَزِّهُك تَنْزِيهًا أَيْ أَعْتَقِدُ نَزَاهَتَك عَنْ كُلِّ صِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِك وَبِحَمْدِك أَيْ نَحْمَدُك بِحَمْدِك فَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَطَفَ الْجُمْلَةَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَنَفَى بِسُبْحَانَكَ صِفَاتِ النَّقْصِ وَأَثْبَتَ بِقَوْلِهِ وَبِحَمْدِكَ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ إظْهَارُ الصِّفَاتِ الْكَمَالِيَّةِ وَهَذَا وَجْهُ تَقْدِيمِ التَّسْبِيحِ عَلَى التَّحْمِيدِ وَتَبَارَكَ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَعَلَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَكَاثَرَ خُيُورِ أَسْمَائِك الْحُسْنَى وَزَادَتْ عَلَى خُيُورِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الذَّاتِ السُّبُّوحِيَّةِ الْقُدْسِيَّةِ الْعُظْمَى وَالْأَفْعَالِ الْجَامِعَةِ لِكُلِّ مَعْنًى أَسْنَى وَتَعَالَى جَدُّك أَيْ ارْتَفَعَ عَظَمَتُك أَوْ سُلْطَانُك أَوْ غِنَاك عَمَّا سِوَاك وَلَا إلَهَ غَيْرُك فِي الْوُجُودِ فَأَنْتَ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ فَبَدَأَ بِالتَّنْزِيهِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَى التَّوْحِيدِ ثُمَّ خَتَمَ بِالتَّوْحِيدِ

إلَّا قَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُك فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْمَشَاهِيرِ (سِرًّا إنْ أَمَّ أَوْ انْفَرَدَ أَوْ اقْتَدَى بِمُسِرٍّ أَوْ مُجَاهِرٍ قَبْلَ الْجَهْرِ) حَتَّى إذَا اقْتَدَى حِينَ يَجْهَرُ لَا يُثْنِي (وَلَا يُوَجِّهُ) أَيْ لَا يَضُمُّ إلَى الثَّنَاءِ قَوْلَهُ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ عِنْدَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ يَقُولُ إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي. . . إلَخْ وَعِنْدَهُمَا لَوْ قَالَهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِإِحْضَارِ الْقَلْبِ فَهُوَ حَسَنٌ (وَيَتَعَوَّذُ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلثَّنَاءِ فَيَتَعَوَّذُ الْمَسْبُوقُ) فِي قَضَاءِ مَا سَبَقَ (لَا الْمُؤْتَمُّ) ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْرَأُ وَلَا يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ أَثْنَى حَالَ اقْتِدَائِهِ فَيَتَعَوَّذُ وَالْمُؤْتَمُّ يُثْنِي وَلَا يَقْرَأُ فَلَا يَتَعَوَّذُ (وَيُؤَخِّرُهُ) أَيْ التَّعَوُّذَ (عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الثَّنَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّعَوُّذُ مُتَّصِلًا بِالْقِرَاءَةِ لَا بِالثَّنَاءِ (وَهِيَ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ (أَيْضًا سُنَنٌ) يَعْنِي وَضْعَ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ وَالْإِرْسَالَ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَرَقِّيًا فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذِكْرِ النُّعُوتِ السَّلْبِيَّةِ وَالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ إلَى غَايَةِ الْكَمَالِ فِي الْجَلَالِ وَالْجَمَالِ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الِانْفِرَادُ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي الْأَحَدِيَّةِ وَالصَّمَدِيَّةِ فَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. (قَوْلُهُ إلَّا قَوْلَهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُك) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ، وَإِنْ زَادَ وَجَلَّ ثَنَاؤُك لَا يُمْنَعُ عَنْهُ، وَإِنْ سَكَتَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَكَذَا فِي الْكَافِي لَكِنْ بِلَفْظِ قَالُوا. (قَوْلُهُ فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُقَيِّدًا بِالْفَرَائِضِ وَأَطْلَقَهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَظَرًا إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَرْوِيِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمَحِلِّ، وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ أَوْ بِمُجَاهِرٍ قَبْلَ الْجَهْرِ) أَقُولُ فَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ يُحْرِمُ قَائِمًا وَيَرْكَعُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ يَأْتِي بِهِ بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الْقَعْدَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُوَجِّهُ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِهِ عِنْدَهُمَا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْبُرْهَانِ مَا يُفِيدُ سُنِّيَّةَ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَهُمَا حَيْثُ قَالَ وَيَجْمَعُ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَهُمَا أَيْ التَّوَجُّهِ وَالثَّنَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ آخِرًا أَيْ فِي قَوْلِهِ الْآخِرِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَّهْت وَجْهِي» فَيَكُونُ مُفَسِّرًا لِمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ اهـ، وَكَذَا مَا فِي الْكَافِي يُفِيدُ سُنِّيَّةً فِي النَّافِلَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَقُولُ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي) أَقُولُ لَفْظَةُ إنِّي لَمْ يَذْكُرْهَا الزَّيْلَعِيُّ وَالْبُرْهَانُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ وَتَمَامُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اهـ. وَزَادَ عَلَى هَذَا فِي الْبُرْهَانِ مَرْوِيًّا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرْفَعُهُ «لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . (تَنْبِيهٌ) : لَوْ قَالَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْأَصَحِّ إذَا لَمْ يُخْبِرْ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ كَانَ تَالِيًا وَإِذَا كَانَ مُخْبِرًا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَوْ قَالَ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِإِحْضَارِ الْقَلْبِ فَهُوَ حَسَنٌ) أَقُولُ نَسَبَ هَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَحَّحَ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْقِيَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ» أَيْ مُتَحَيِّرِينَ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَتَعَوَّذُ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّتَهُ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ فِي الْكَافِي الْمُخْتَارُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ مِنْ اسْتِعَاذَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا قِيلَ الْمُخْتَارُ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ حَمْزَةَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الْأَوْلَى لِيُوَافِقَ الْقُرْآنَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدْنَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَتَعَوَّذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ اهـ. (قَوْلُهُ لَا لِلثَّنَاءِ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ التَّعَوُّذَ هَلْ هُوَ لِلصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْقِرَاءَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا فَيَكُونَ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ وَلَا يُثْنِي؛ لِأَنَّهُ أَثْنَى حَالَ اقْتِدَائِهِ) أَقُولُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُثْنِ حَالَ اقْتِدَائِهِ أَتَى بِهِ فِي قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِيمَا إذَا اقْتَدَى حِينَ الْجَهْرِ فَكَانَ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ وَيُؤَخِّرُهُ أَيْ التَّعَوُّذَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) أَقُولُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ رَاجِعٌ إلَى مَنْ يَأْتِي بِالتَّعَوُّذِ وَهُوَ الْإِمَامُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى وَيُؤَخَّرَ لِلْمَجْهُولِ. (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّعَوُّذُ مُتَّصِلًا بِالْقِرَاءَةِ لَا بِالثَّنَاءِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُرَتِّبُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّنَاءِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ مَحَلَّ التَّعَوُّذِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَوَّذَ قَبْلَ الثَّنَاءِ أَعَادَهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ التَّعَوُّذَ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَتَعَوَّذُ لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ اهـ. (تَتِمَّةٌ) : قَالَ فِي الْكَافِي وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَيْ الْإِتْيَانُ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَاجِبًا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ إلَّا أَنَّ السَّلَفَ أَجْمَعُوا عَلَى سُنِّيَّتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهِيَ أَيْ الْمَذْكُورَاتُ إلَى قَوْلِهِ وَالثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ)

الْعِيدِ وَالثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ. (وَمِنْهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (الْقِرَاءَةُ) فَرْضُهَا آيَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَمَا دُونَهَا خَارِجٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ (وَالْمُكْتَفِي بِهَا مُسِيءٌ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ سُورَةٍ أَوْ مِقْدَارِهَا إلَيْهَا وَاجِبٌ وَفِيهِ تَرْكُهُ (وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيُسَمِّي) أَيْ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (سِرًّا فِيهَا فَقَطْ) أَيْ لَا يُسَمِّي فِي سُورَةٍ بَعْدَهَا (وَيُؤَمِّنُ) أَيْ يَقُولُ آمِينَ (بَعْدَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (سِرًّا) سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا (وَيَضُمُّ إلَيْهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (سُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ (وَمَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالضَّمِّ سُنَّةٌ) فَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ سُنَّةً يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُسَمِّي أَوَّلَ صَلَاتِهِ ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ كَالتَّعَوُّذِ وَالثَّنَاءِ (وَهُمَا) أَيْ الْفَاتِحَةُ وَالضَّمُّ (وَاجِبَانِ) قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ عِنْدَنَا، وَكَذَا ضَمُّ السُّورَةِ إلَيْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَاتِحَةِ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا لَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتَرَضَ الْإِمَامُ السُّرُوجِيُّ عَلَى قَوْلِهِ وَلِمَالِكٍ فِيهِمَا بِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَقُلْ إنَّ ضَمَّ السُّورَةِ رُكْنٌ وَخَطَّأَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فِيهِ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَمْ تَجُزْ لَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَقُلْنَا بِوُجُوبِهِمَا لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبُ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ، وَثَلَاثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَالْإِسْرَارَ بِهِمَا أَيْ بِالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. (قَوْلُهُ وَفَرْضُهَا آيَةٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةُ مُطْلَقِ الْآيَةِ لَوْ قَرَأَ آيَةً هِيَ كَلِمَاتٌ نَحْوُ {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: 19] أَوْ كَلِمَتَانِ نَحْوُ ثُمَّ نَظَرَ يَجُوزُ بِلَا خِلَاف بَيْنَ الْمَشَايِخِ أَوْ آيَةً هِيَ كَلِمَةٌ نَحْوُ {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64] ص ق ن فَإِنَّهَا آيَاتٌ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقُرَّاءِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا إلَّا قَارِئًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ قَارِئَ مَا دُونِ الثَّلَاثِ أَوْ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ لَا يُعَدُّ قَارِئًا عُرْفًا فَشُرِطَتْ الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ أَوْ ثَلَاثٌ قِصَارٌ تَحْصِيلًا لِوَصْفِ الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطًا وَحَرُمَتْ قِرَاءَةُ الْآيَةِ الْقَصِيرَةِ وَمَا دُونَ الطَّوِيلَةِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ احْتِيَاطًا أَيْضًا لِعَيْنِ الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَالْمُكْتَفِي بِهَا مُسِيءٌ) يَعْنِي، وَقَدْ أَتَى بِهَا فِي كُلٍّ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَامِلَةً فَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اُخْتُلِفَ فِيهِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَصَحَّحَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيُسَمِّي) الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ التَّعَوُّذِ فَلَوْ سَمَّى قَبْلَ التَّعَوُّذِ أَعَادَهَا بَعْدَهُ، وَلَوْ نَسِيَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَا يُسَمِّي لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكَنْزِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُسَمِّي فِي سُورَةٍ بَعْدَهَا) أَقُولُ أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُسَنُّ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي السِّرِّيَّةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا لِلسُّورَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الْإِتْيَانِ بِهَا بَلْ إنْ سَمَّى بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ كَانَ حَسَنًا سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً وَأَشَرْنَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ إلَى سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا رَوَاهُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ احْتِرَازًا عَمَّا رَوَى الْجِنُّ أَنَّ مَحَلَّهَا أَوَّلُ الصَّلَاةِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْكِفَايَةِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُسَمِّي مَرَّةً فِي الْأُولَى فَحَسْبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا. (قَوْلُهُ وَيُؤَمِّنُ أَيْ يَقُولُ آمِينَ) أَقُولُ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهُنَّ وَأَشْهُرُهُنَّ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ وَالثَّانِيَةُ بِالْقَصْرِ وَالتَّخْفِيفِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَالثَّالِثَةُ بِالْإِمَالَةِ وَالرَّابِعَةُ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ حَكَى الْأَخِيرَتَيْنِ الْوَاحِدِيُّ وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالرَّابِعَةِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَمِنْ الْخَطَأِ التَّشْدِيدُ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ مَقْصُورًا وَمَمْدُودًا وَلَا يَبْعُدُ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا) أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ، رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ آمِينَ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ مَأْمُومًا) أَقُولُ اُخْتُلِفَ فِي تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ إذَا سَمِعَ تَأْمِينَ الْإِمَامِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُؤَمِّنُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْمُقْتَدَى التَّأْمِينَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يُؤَمِّنُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى اهـ قُلْت فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهِمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فَتَكُونُ التَّسْمِيهُ سُنَّةً) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ صَحَّحَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْقُنْيَةِ وُجُوبَهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ رَوَى الْحَسَنُ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبُ حَتَّى يُؤْمَرَ. . . إلَخْ) ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلْفَقِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبِتَرْكِ الْوَاجِبِ تَثْبُتُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ قَالُوا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا فَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ عِنْدَ تَرْكِ السُّورَةِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا كَتَرْكِ الْفَاتِحَةِ نَعَمْ الْفَاتِحَةُ آكُدُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ السُّورَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا دُونَ السُّورَةِ وَالْآكَدِيَّةُ لَا تَظْهَرُ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ

آيَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هَاهُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ (وَسُنَّتُهَا) أَيْ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ (فِي السَّفَرِ عَجَلَةً الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ وَأَمَنَةً نَحْوُ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ وَفِي الْحَضَرِ اُسْتُحْسِنَ فِي السَّفَرِ وَالظُّهْرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ أَوْسَاطُهُ وَالْمَغْرِبِ قِصَارُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) مِنْ الْحُجُرَاتِ طِوَالٌ إلَى الْبُرُوجِ وَمِنْهَا أَوْسَاطٌ إلَى لَمْ يَكُنْ وَمِنْهَا قِصَارٌ إلَى الْآخِرِ. (وَمِنْهَا) أَيْ الْفَرَائِضِ (الرُّكُوعُ يُكَبِّرُ لَهُ خَافِضًا) أَيْ مُنْحَطًّا؛ لِأَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» (وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفْرِجًا أَصَابِعَهُ) لَا يُنْدَبُ التَّفْرِيجُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (بَاسِطًا ظَهْرَهُ) حَتَّى لَوْ صُبَّ الْمَاءُ عَلَى ظَهْرِهِ لَاسْتَقَرَّ (لَا رَافِعًا رَأْسَهُ وَلَا مُنَكِّسًا وَيُطَمْئِنُ فِيهِ) أَيْ الرُّكُوعِ (مُسَبِّحًا) أَيْ قَائِلًا سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا هِيَ أَدْنَاهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَمَنْ قَالَ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهَا، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا أَتَمَّهَا فِي رِوَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَكُلُّ مَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ عَلَى وِتْرٍ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطْلَقًا لَا الْوَاجِبِ الْمُتَأَكِّدِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ؛ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي السَّفَرِ عَجَلَةً الْفَاتِحَةُ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) أَقُولُ أَطْلَقَ السُّنَّةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَمَا مَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ السُّنَّةُ لِثُبُوتِهَا بِهَا وَإِلَّا فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ سَفَرًا وَحَضَرًا. (قَوْلُهُ وَأَمَنَةً نَحْوُ الْبُرُوجِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَانْشَقَّتْ) لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْكَافِي بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ نَحْوُ الْبُرُوجِ يَعْنِي وَمَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ وَاضِحٌ لِيُنَاسِبَ التَّخْفِيفَ فِي سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ. وَأَمَّا انْشَقَّتْ فَهِيَ مِنْ الطِّوَالِ فَلَا تَخْفِيفَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مِنْ الْأَوْسَاطِ عَلَى مَا قِيلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) قَسِيمٌ لِمَا قَبْلَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ وَأَطْلَقَ مَا يَقْرَأُ فَشَمِلَ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا لَكِنْ مَثَّلَ فِي الْكَافِي الضَّرُورَةَ لِلْمُسَافِرِ بِقَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ لِصٍّ وَمَثَّلَ لِلضَّرُورَةِ بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَأَيَّ سُورَةٍ شَاءَ وَفِي الْحَضَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ يَقْرَأُ بِقُدْرَةِ مَا لَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ اهـ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَخْتَصُّ التَّخْفِيفُ لِلضَّرُورَةِ بِالسُّورَةِ فَقَطْ بَلْ كَذَلِكَ الْفَاتِحَةُ كَمَا إذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ مِنْ عَدُوٍّ فَقَرَأَ آيَةً مَثَلًا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ طِوَالٌ) أَقُولُ هَذَا عَلَى مَا قِيلَ هُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْحُجُرَاتِ، وَقِيلَ مِنْ سُورَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مِنْ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ (ق) كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ إلَى الْبُرُوجِ) أَقُولُ، وَقِيلَ إلَى عَبَسَ (قَوْلُهُ وَأَوْسَاطُهُ إلَى لَمْ يَكُنْ) أَقُولُ، وَقِيلَ أَوْسَاطُهُ مِنْ كُوِّرَتْ إلَى الضُّحَى وَالْبَاقِي قِصَارُهُ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (تَنْبِيهٌ) : الْغَايَةُ لَيْسَتْ مِمَّا قَبْلَهَا فَالْبُرُوجُ مِنْ الْأَوْسَاطِ لَا الطِّوَالِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَرَأَ فِي الْعَصْرِ فِي الْأُولَى الْبُرُوجَ وَفِي الثَّانِيَةِ سُورَةَ الطَّارِقِ» . اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الرُّكُوعُ) أَقُولُ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرُّكُوعِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ. وَفِي الْحَاوِي فَرْضُ الرُّكُوعِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ أَصْلًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الرُّكُوعِ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِذَا بَلَغَتْ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَخْفِضُ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِي حَقِّهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يُكَبِّرُ لَهُ خَافِضًا) أَقُولُ، كَذَا فِي الْوِقَايَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَالْمُرَادُ أَنْ يُقَارِنَ التَّكْبِيرَ ابْتِدَاءُ الِانْحِطَاطِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُقَارِنٌ لِلِانْحِطَاطِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرَ، وَقَدْ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ الْقُدُورِيَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالْوَاوِ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ وَرَكَعَ الْمُحْتَمِلُ لِلْمُقَارَنَةِ وَضِدِّهَا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَهْوِي وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ قَالُوا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِئَلَّا تَخْلُوَ حَالَةُ الِانْحِنَاءِ عَنْ الذِّكْرِ وَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ. (قَوْلُهُ وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) أَقُولُ وَيَكُونُ نَاصِبًا سَاقَيْهِ، وَإِحْنَاؤُهُمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ. (قَوْلُهُ مُفْرِجًا أَصَابِعَهُ) هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَفْرِجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ» ) أَقُولُ أَيْ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ كَمَالُهُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحْمَلُ لِلسُّنَّةِ لَا اللُّغَوِيُّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ تَوَاضُعًا وَتَذَلُّلًا نَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُقَابِلَهُ الْعَظَمَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ غَايَةَ التَّسَفُّلِ نَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُقَابِلَهُ الْعُلُوُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِاقْتِدَارُ لَا الْعُلُوُّ فِي الْمَكَانِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثَّلَاثِ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

يُمِلُّ الْقَوْمَ بِهِ (ثُمَّ يُسَمِّعُ) أَيْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ (رَافِعًا رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ (وَالْإِمَامُ يَكْتَفِي بِهِ) أَيْ بِالتَّسْمِيعِ (وَالْمُقْتَدِي) يَكْتَفِي (بِالتَّحْمِيدِ) يَعْنِي رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ. وَفِي الْمُحِيطِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ الثَّنَاءِ (وَالْمُنْفَرِدُ قِيلَ كَالْمُقْتَدِي) يَعْنِي يَكْتَفِي بِالتَّحْمِيدِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ مَعَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ) الْمُنْفَرِدُ (يَجْمَعُهُمَا) أَيْ التَّسْمِيعَ وَالتَّحْمِيدَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ (وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا) بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ (وَمَا سِوَى الِاطْمِئْنَانِ) وَهُوَ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، وَمَا سِوَاهُ تَكْبِيرُ الرُّكُوعِ وَتَفْرِيجُ الْأَصَابِعِ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّسْمِيعُ وَالْقِيَامُ مُسْتَوِيًا (سُنَنٌ وَهُوَ) أَيْ الِاطْمِئْنَانُ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ (وَاجِبٌ) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَكْمِيلِ رُكْنٍ مَقْصُودٍ بِخِلَافِ الْقَوْمَةِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّ الِاطْمِئْنَانَ فِيهَا سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مُكَمِّلَ الْفَرْضِ وَاجِبٌ وَمُكَمِّلَ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (السُّجُودُ يُكَبِّرُ لَهُ) ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» إلَّا عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ (وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ) عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَقُلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ لَوْ أَتَمَّهُ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ قَبْلَ الْمُقْتَدِي لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يُتِمُّهُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَاجِبَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ أَيْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِسَمِعَ قِيلَ يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ زَيْدٍ أَيْ قَبِلَهُ فَهُوَ دُعَاءٌ بِقَبُولِ الْحَمْدِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَاللَّامُ فِي لِمَنْ لِلْمَنْفَعَةِ وَالْهَاءُ فِي حَمِدَهُ لِلْكِنَايَةِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي الْفَوَائِدِ أَنَّهَا لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، كَذَا نَقَلَ الثِّقَاتُ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مَكَانَ النُّونِ اللَّامَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَغْوًا، وَإِنْ كَانَ لِسَانُهُ لَا يُطَاوِعُهُ يَتْرُكُ اهـ. (قَوْلُهُ رَافِعًا رَأْسَهُ) الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ التَّسْمِيعُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ رَفْعِهِ. (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ يَكْتَفِي بِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَضُمُّ إلَيْهِ التَّحْمِيدَ. (قَوْلُهُ وَالْمُقْتَدِي يَكْتَفِي بِالتَّحْمِيدِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أَفْضَلُ) أَقُولُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ " رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ " وَمِنْ " رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ "؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَهُ أَرْبَعَةٌ وَأَفْضَلُهَا " اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ "؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْوَاوِ تُوجِبُ الْأَفْضَلِيَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ وَيَلِيهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُحِيطِ وَيَلِيهِ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ. . . إلَخْ) أَقُولُ حَكَى كُلًّا مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ لِلْقَوْلَيْنِ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ وَحَيْثُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا رَأَيْت فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرْجِيحِ فَالْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ مَا فِي الْمَتْنِ يَعْنِي مَتْنَ الْكَنْزِ وَاكْتَفَى الْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي الْمُنْفَرِدِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ عَلَيْهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا) لَوْ قَالَ وَالْقِيَامُ وَالِاسْتِوَاءُ فِيهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوْمَةِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّ الِاطْمِئْنَانَ فِيهَا سُنَّةٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَوُجُوبُ نَفْسِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِلْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَلِمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ لُزُومِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ سَاهِيًا، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ فَيَكُونُ حُكْمُ الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكُلِّ هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ حَتَّى قَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمُكَمِّلَ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ) أَقُولُ وَمُكَمِّلُ السُّنَّةِ أَدَبٌ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا السُّجُودُ) أَقُولُ وَحَقِيقَتُهُ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ وَالصُّدْغُ وَمُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ عُذْرٍ بَلْ مَعَهُ يَجِبُ الْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ مَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِهِمَا بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَيَكْفِيهِ وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ لَمْ يَضَعْ الْأَصَابِعَ أَصْلًا وَوَضَعَ ظَهْرَ الْقَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَرَفْعُ قَدَمٍ وَوَضْعُ آخَرَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ وَضْعَهُمَا سُنَّةٌ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً. وَالْأَوْجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ هُوَ الْوُجُوبُ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ وَضْعَهُمَا فَرْضٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ هَذَا. (قَوْلُهُ إلَّا عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ) أَقُولُ أَيْ فَلَا يُكَبِّرُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَمِّعُ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ

وَاضِعًا كَمَا قَالَ فِي الرُّكُوعِ خَافِضًا؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يُقَارِنُ الْخَفْضَ هُنَاكَ وَلَا يُقَارِنُ الْوَضْعَ هُنَا (ثُمَّ) يَضَعُ (يَدَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى رَاحَتَيْهِ) ؛ «لِأَنَّ وَائِلًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَجَدَ وَاتَّكَأَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَرَفَعَ مَا بَيْنَ وَرِكَيْهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ يَسْجُدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (ثُمَّ) يَضَعُ (وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا قَالَ وَائِلٌ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ» وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ» مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ (ضَامًّا أَصَابِعَهُ) لَا يُنْدَبُ الضَّمُّ إلَّا هَاهُنَا (مُبْدِيًا) أَيْ مُظْهِرًا (عَضُدَيْهِ مُبْعِدًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا، وَقِيلَ لَا يَفْعَلُهُ إنْ كَانَ فِي الصَّفِّ حَذَرًا عَنْ إضْرَارِ الْجَارِ (وَاضِعًا رِجْلَيْهِ) عَلَى الْأَرْضِ (مُوَجِّهًا أَصَابِعَهُمَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ» (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا (فَيَسْجُدُ) عَطْفٌ عَلَى يُكَبِّرُ (بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) لِمُوَاظَبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ قَدَّمَ الْأَنْفَ عَلَى الْجَبْهَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقْوَى مِنْهُ فِي السُّجُودِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ إذَا سَجَدَ (عَلَى مَا يَجِدُ حَجْمَهُ وَتَسْتَقِرُّ فِيهِ جَبْهَتُهُ) وَحَدُّ الِاسْتِقْرَارِ أَنَّ السَّاجِدَ إذَا بَالَغَ لَا يُنْزِلُ رَأْسَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ عَلَى الْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ وَالتِّبْنِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهَا إلَّا أَنْ يَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ (فَجَازَ) السُّجُودُ (عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ دَوْرِهَا (وَفَاضِلِ ثَوْبِهِ) كَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ (إذَا وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ وَجَازَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاتَهُ) بِأَنْ يُصَلِّيَا الظُّهْرَ مَثَلًا حَتَّى إذَا لَمْ يُصَلِّيَا أَوْ صَلَّى الْمَسْجُودُ عَلَيْهِ غَيْرَ صَلَاةِ السَّاجِدِ لَمْ يَجُزْ (فِي الزِّحَامِ) لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَجُوزُ فِي السَّعَةِ (وَإِنْ كُرِهَ الْأَوَّلَانِ) أَيْ السُّجُودُ عَلَى الْكَوْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَيَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلَا عُذْرَ لَهُ وَالْمَرْأَةُ تَضَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا. (قَوْلُهُ وَمَا رُوِيَ. . . إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَفْعَلَ أَيَّهُمَا تَيَسَّرَ جَمْعًا لِلْمَرْوِيَّاتِ بِنَاءً أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ هَذَا أَحْيَانَا وَهَذَا أَحْيَانَا إلَّا أَنَّ بَيْنَ الْكَفَّيْنِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ كَانَ حَسَنًا اهـ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ ضَامًّا أَصَابِعَهُ) قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي السُّجُودِ فَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَفْعَلُهُ إنْ كَانَ فِي الصَّفِّ) أَقُولُ، كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ الضَّعْفَ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِمْ قَدْ جَزَمَ فِيهَا بِعَدَمِ فِعْلِهِ فِي الصَّفِّ حِذَارًا عَنْ الْحَرَامِ وَإِضْرَارِ الْجَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَةٌ. (قَوْلُهُ فَيَسْجُدُ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْأَنْفِ مَا صَلُبَ مِنْهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْجَبْهَةُ مَا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ وَعَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ. وَأَمَّا مِقْدَارُ اللَّازِمِ مِنْهَا فَقَالَ فِي التَّجْنِيسِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ إنْ كَانَ أَكْثَرُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا وَهَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مَعْزِيًّا إلَى نَصِيرٍ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ السُّجُودِ يَصْدُقُ بِوَضْعِ شَيْءٍ مِنْ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ أَكْثَرِهَا كَمَا قَالُوا فِي الْقَدَمَيْنِ يَكْفِي وَضْعُ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى سَجَدَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ جَبْهَتِهِ جَازَ وَنَقَلَ كَلَامَ نَصِيرٍ فَدَلَّ عَلَى تَضْعِيفِهِ نَعَمْ وَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَجَازَ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَيْ دَوْرِهَا) أَقُولُ أَيَّ دَوْرٍ مِنْ أَدْوَارِهَا نَزَلَ عَلَى جَبْهَتِهِ لَا جُمْلَتِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَيُقَالُ كَارَ الْعِمَامَةَ وَكَوَّرَهَا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَهَذِهِ الْعِمَامَةُ عَشَرَةُ أَكْوَارٍ وَعِشْرُونَ كَوْرًا وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَنَبَّهْنَا بِمَا ذَكَرْنَا كَمَا نَبَّهَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ تَنْبِيهًا حَسَنًا وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ إذَا كَانَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ فَقَطْ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُصِبْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ عَلَى الْقَوْلِ تَعْيِينِهَا وَلَا عَلَى أَنْفِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَعْيِينِهَا لَا يَصِحُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ يَتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ فَيَظُنُّ الْجَوَازَ كَذَلِكَ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَفَاضِلِ ثَوْبِهِ) هَذَا إذَا كَانَ عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ يُصِحُّ الْجَوَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ عَلَى فَخِذِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَلَوْ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْإِيمَاءَ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَجَازَ عَلَى ظَهْرِ مِنْ يُصَلِّي صَلَاتَهُ) أَقُولُ قَيَّدَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنْ يَكُونَ الْمَسْجُودُ عَلَى ظَهْرِهِ سَاجِدًا عَلَى الْأَرْضِ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ سَاجِدٍ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ لَا يَجُوزُ فَالشُّرُوطُ أَرْبَعَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ قُلْت وَيَجُوزُ السُّجُودُ، وَلَوْ زَادَ الظَّهْرَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ لِلضَّرُورَةِ وَيُحْمَلُ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لَوْ أَنَّ مَوْضِعَ السُّجُودِ أَرْفَعُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ مِقْدَارَ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ أَرَادَ لَبِنَةَ بُخَارَى وَهِيَ رُبْعُ ذِرَاعٍ اهـ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ هَذِهِ لَكِنْ هَلْ التَّقْيِيدُ بِالظَّهْرِ اتِّفَاقِيٌّ أَوْ احْتِرَازِيٌّ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا لَمْ يُصَلِّيَا أَوْ صَلَّى الْمَسْجُودُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ لَا عُمُومِ السَّلْبِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُرِهَ الْأَوَّلَانِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِنَقْلِ «فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ» تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ فَلَمْ تَكُنْ تَحْرِيمِيَّةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ

وَفَاضِلِ الثَّوْبِ (كَالِاكْتِفَاءِ بِالْأَنْفِ) فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ (بِخِلَافِ الْجَبْهَةِ) فَإِنَّ السُّجُودَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا كَرَاهَةٍ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا مَنْظُورٌ فِيهِ (وَيَطْمَئِنُّ) فِي السُّجُودِ (مُسَبِّحًا) أَيْ قَائِلًا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا هِيَ أَدْنَاهُ) لِمَا رَوَيْنَا فِي الرُّكُوعِ وَنُدِبَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَخْتِمَ بِالْوِتْرِ كَالْخَمْسِ وَالسَّبْعِ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْتِمُ بِالْوِتْرِ» ، وَإِنْ أَمَّ لَا يُطَوِّلُ عَلَى وَجْهٍ يُمِلُّ الْقَوْمَ، وَقَالُوا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ خَمْسًا لِيَتَمَكَّنَ الْقَوْمُ مِنْ الثَّلَاثِ (وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) لِمَا مَرَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» قِيلَ فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا إذْ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا فَتَحَقَّقُ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ إذَا أُزِيلَتْ جَبْهَتُهُ عَنْ الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَجْرِي الرِّيحُ بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ عَنْ السَّجْدَتَيْنِ (وَيَجْلِسُ مُطْمَئِنًّا) قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ (وَيُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ مُطْمَئِنًّا) فَإِنْ قِيلَ فَرْضِيَّةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثَبَتَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وَالْأَمْرُ لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ تَكْرَارُ الرُّكُوعِ فَبِمَاذَا ثَبَتَ فَرْضِيَّةُ تَكْرَارِ السُّجُودِ وَلِمَا إذَا تَكَرَّرَ قُلْنَا قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ آيَةَ الصَّلَاةِ مُجْمَلَةٌ وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ قَدْ يَكُونُ بِفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ يَكُونُ بِقَوْلِهِ وَفَرْضِيَّةُ تَكْرَارِهِ ثَبَتَتْ بِفِعْلِهِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ تَوَاتُرًا إذْ كُلُّ مَنْ نَقَلَ صَلَاةَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقَلَ تَكْرَارَ سُجُودِهِ. وَأَمَّا وَجْهُ تَكْرَارِهِ فَقِيلَ إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُطْلَبُ فِيهِ الْمَعْنَى كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَقِيلَ إنَّ الشَّيْطَانَ أُمِرَ بِسَجْدَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ، وَقِيلَ الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّا خُلِقْنَا مِنْ الْأَرْضِ وَالثَّانِيَةُ إلَى أَنَّا نُعَادُ إلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ الْآيَةَ (ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْقِيَامِ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ) عَلَى عَكْسِ السُّجُودِ (وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا بِلَا اعْتِمَادٍ) عَلَى الْأَرْضِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ (وَلَا قُعُودٍ) قَبْلَ الْقِيَامِ يُسَمَّى جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. (وَ) الرَّكْعَةُ (الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى لَكِنْ لَا ثَنَاءَ وَلَا تَعَوُّذَ وَلَا رَفْعَ يَدٍ فِيهَا) أَيْ يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يَفْعَلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَكِنْ لَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ كَمَا رَفَعَ فِي الْأُولَى وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْمِيَةِ (تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فَتَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّكَلُّمِ قَضَاهَا فِي الصَّلَاةِ) يَعْنِي إذَا تَرَكَ سَجْدَةً ثُمَّ تَذَكَّرَهَا قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَقَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ سَجَدَهَا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ عَنْ مَحِلِّهَا الْأَصْلِيِّ وَلَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ بِفَوَاتِهَا عَنْهُ لِوُجُودِ الْمَحِلِّ فِي الْجُمْلَةِ لِقِيَامِ التَّحْرِيمَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالِاكْتِفَاءِ بِالْأَنْفِ فِي السُّجُودِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَالْأَصَحُّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ بِلَا عُذْرٍ فِي الْجَبْهَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَنْفِ. وَأَمَّا مَا لَانَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ. (قَوْلُهُ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا مَنْظُورٌ فِيهِ) أَقُولُ لَا يَتَّجِهُ التَّنْظِيرُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا قَالَهُ رِوَايَةٌ، وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَنْفِ عُذْرٌ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا اهـ. وَمَا قَالَهُ فِي الْكَنْزِ حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ وَلَا فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَرْجُوحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ قِيلَ فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَمْ يَجُزْ. . . إلَخْ) أَقُولُ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَيُفْتَرَضُ الرَّفْعُ مِنْ السُّجُودِ إلَى قُرْبِ الْقُعُودِ فِي الْأَصَحِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا زَالَتْ جَبْهَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ) أَقُولُ هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَحَّحَهَا وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِمِقْدَارِ مَا يُسَمَّى رَافِعًا جَازَ الْفَصْلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ هُوَ الْأَصَحُّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلْقِيَامِ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا بِلَا اعْتِمَادٍ) أَقُولُ سَيَذْكُرُ أَنَّ تَرْكَ الِاعْتِمَادِ سُنَّةً أَيْ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَإِنْ اعْتَمَدَ قَالَ الْوَبَرِيُّ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِرَاحَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ النُّهُوضِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ سَوَاءٌ كَانَ شَيْخًا أَوْ شَابًّا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فَتَرْكُهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا قُعُودَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ حَتَّى لَوْ فُعِلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا اهـ لَكِنْ وَجَّهَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ سِيَاقِهِ مِثْلَ الْأَوْجَهِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ

خَرَجَ عَنْ الصَّلَاةِ فَسَدَتْ، وَيَتَشَهَّدُ عَقِيبَ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السَّجْدَةِ الْأَصْلِيَّةِ يَرْفَعُ تَشَهُّدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ فَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (وَبَعْدَ سَجْدَتَيْهَا يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا نَاصِبًا يُمْنَاهُ وَاضِعًا يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَيْنِ عَلَى فَخِذَيْهِ مُوَجِّهًا أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَقْعُدُ الْقَعْدَتَيْنِ عَلَى هَذَا» (وَيَتَشَهَّدُ كَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ الْمُلْكُ، وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ، وَقِيلَ الْعَظَمَةُ، وَقِيلَ السَّلَامَةُ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ وَجَمِيعِ وُجُوهِ النَّقْصِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا جُمِعَتْ التَّحِيَّاتُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَقِيلَ لَنَا قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ الْأَلْفَاظُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُلْكِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَوَاتُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَقِيلَ كُلُّ الصَّلَوَاتِ، وَقِيلَ الرَّحْمَةُ، وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ الْعِبَادَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ قَالَ الْأَكْثَرُونَ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَهِيَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا وَالَاهُ، وَقِيلَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ (وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ هُنَا) أَيْ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى يَعْنِي لَا يَأْتِي بِالصَّلَاةِ (وَيَكْتَفِي بِالْفَاتِحَةِ فِيمَا بَعْدَ الْأَوَّلَيْنِ) عَبَّرَ بِهِ لِيَتَنَاوَلَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ (وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ أَوْ سَكَتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ إلَى السَّجْدَةِ الْأَصْلِيَّةِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ) فِيهِ تَسَامُحٌ وَالْمُرَادُ رَفْعُ الْقُعُودِ. (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّشَهُّدِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ) فِيهِ تَسَامُحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقُعُودِ قُدْرَةُ التَّشَهُّدِ لَا حَقِيقَةُ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ وَتَرْكَهُ مُفْسِدٌ وَالتَّشَهُّدُ وَاجِبٌ وَتَرْكُهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ فَرْضٌ. (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ التَّشَهُّدُ سُمِّيَ تَشَهُّدًا بِاسْمِ جُزْئِهِ الْأَشْرَفِ. (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمُلْكُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي تَفْسِيرِهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ أَحْسَنُهَا أَنَّ التَّحِيَّاتِ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتِ الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ وَالطَّيِّبَاتِ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةِ فَجَمِيعُ الْعِبَادَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ وَلَا يُتَقَرَّبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَى مَا سِوَاهُ ثُمَّ هُوَ عَلَى مِثَالِ مَنْ يَدْخُلُ عَلَى الْمُلُوكِ فَيُقَدِّمُ الثَّنَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ الْخِدْمَةَ ثَانِيًا ثُمَّ بَذْلَ الْمَالِ ثَالِثًا. (تَنْبِيهٌ) : اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ مَعَانِي التَّشَهُّدِ لِلِاتِّكَالِ عَلَى الطَّالِبِ فِي بَاقِيهَا وَيَنْبَغِي لَنَا ذِكْرُهَا مُخْتَصَرًا؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقْصِدُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَعَانِيَهَا مُرَادَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ بِأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ مَعَانِيَهَا الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا مِنْ عِنْدِهِ كَأَنَّهُ يُحَيِّي اللَّهَ وَيُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِهَذَا يَضْعُفُ مَا فِي السِّرَاجِ أَنَّ قَوْلَهُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ حِكَايَةُ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا ابْتِدَاءُ سَلَامٍ مِنْ الْمُصَلِّي اهـ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَهِيَ مَا أَثْنَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَهِيَ سَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ ثَلَاثَةٌ بِمُقَابَلَةِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي أَثْنَى بِهَا، وَالسَّلَامُ تَسْلِيمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ أَوْ تَسْلِيمُهُ مِنْ الْآفَاتِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الرَّحْمَةَ هُنَا الْمُرَادُ بِهَا نَفْسُ الْإِحْسَانِ وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الْخَيْرِ وَيُقَالُ الْبَرَكَةُ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ. وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَهُوَ إعْطَاءُ نَصِيبٍ مِنْ هَذِهِ الْكَرَامَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَكَرُّمًا لِإِخْوَانِهِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَالْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ شَيْءٌ أَشْرَفَ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةِ الشَّارِعِ لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ هُوَ صَالِحٌ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِي ظَنِّي خَوْفًا مِنْ الشَّهَادَةِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ. وَأَمَّا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَمَعْنَاهُ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَعُبُودِيَّةَ مُحَمَّدٍ وَرِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُدِّمَتْ الْعُبُودِيَّةُ عَلَى الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ صِفَاتِهِ وَلِذَا وَصَفَهُ سُبْحَانَهُ بِهَا فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ بِقَوْلِهِ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} [النجم: 10] . (قَوْلُهُ وَيَكْتَفِي بِالْفَاتِحَةِ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا مُبَاحَةٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ إنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ نَفْلًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِيهِمَا سَاهِيًا لَمْ يَلْزَمْ السُّجُودُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءَ بِهَا أَيْ الْفَاتِحَةِ وَيُحْمَلُ مَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الِاخْتِيَارِ مِنْ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِ أَوْ سَكَتَ) لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مِقْدَارًا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إنْ شَاءَ سَكَتَ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ إنْ شَاءَ سَكَتَ أَيْ قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إنْ شَاءَ سَبَّحَ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ قَدْرَهَا وَالْأَوَّلُ أَلْيَقُ بِالْأُصُولِ اهـ

جَازَ) لَكِنَّهُ إنْ سَكَتَ عَمْدًا أَسَاءَ، وَإِنْ سَهْوًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودَ السَّهْوِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتْرُكَهَا، وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ (وَمَا سِوَى وَضْعِ الرِّجْلَيْنِ وَتَعْيِينِ الْأُولَيَيْنِ لِلْقِرَاءَةِ وَالِاطْمِئْنَانِ فِي السُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ الْأُولَى وَالتَّشَهُّدِ فِيهِمَا) أَيْ الْقَعْدَتَيْنِ (وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى) أَيْ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (سُنَنٌ) أَرَادَ بِمَا سِوَى الْمَذْكُورَاتِ تَكْبِيرَ السُّجُودِ وَتَسْبِيحَهُ ثَلَاثًا وَوَضْعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَافْتِرَاشَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبَ الْيُمْنَى وَالْقَوْمَةَ وَالْجِلْسَةَ فَإِنَّهَا سُنَنٌ (وَالْأَوَّلُ) أَيْ وَضْعُ الرِّجْلَيْنِ (فَرْضٌ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ حَتَّى إذَا سَجَدَ وَرَفَعَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ عَنْ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ، وَلَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا جَازَ قَالَ قَاضِي خَانْ وَيُكْرَهُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَهُوَ الْحَقُّ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَالْبَوَاقِي وَاجِبَةٌ) وَهِيَ تَعْيِينُ الْأُولَيَيْنِ. . . إلَخْ حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى التَّشَهُّدِ قَدْرَ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ، وَقِيلَ حَرَّفَ عَمْدًا أَثِمَ أَوْ سَهْوًا سَجَدَ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ فِيهِ التَّشَهُّدَ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ إذَا قُلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْفِعْلِ قَرَأَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إذَا قُلْت هَذَا أَيْ قَرَأَتْ التَّشَهُّدَ وَأَنْتَ قَاعِدٌ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْقُعُودِ. وَقَوْلُهُ أَوْ فَعَلَتْ هَذَا أَيْ قَعَدَتْ وَلَمْ تَقْرَأْ شَيْئًا فَصَارَ التَّخْيِيرُ فِي الْقَوْلِ لَا الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَنَاهِيَةٌ وَالتَّنَاهِي لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّمَامِ وَالتَّمَامُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِتْمَامِ وَذَا إنَّمَا يُعْلَمُ بِبَيَانِ الشَّارِعِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِيهِ فَيَكُونُ فَرْضًا فَإِنْ قِيلَ لَا تَثْبُتُ الْفَرْضِيَّةُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قُلْنَا نَعَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ جَازَ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْحِلُّ بِلَا كَرَاهَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ لَا الْجَوَازُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ الْمُجَامِعِ لِلْكَرَاهَةِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَإِنْ سَبَّحَ فِيهِمَا أَوْ سَكَتَ جَازَ لِعَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا لَكِنْ لَوْ سَكَتَ عَمْدًا يَكُونُ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْكَافِي قَالَ وَيَقْرَأُ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ وَهُوَ بَيَانُ الْأَفْضَلِ فِي الصَّحِيحِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاجِبَةٌ رَوَاهُ الْحَسَنُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا عَامِدًا كَانَ مُسِيئًا، وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالسُّكُوتِ اهـ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَكِنَّهُ. . . إلَخْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَالْقَوْمَةَ) أَيْ إتْمَامَهَا حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِي الرَّفْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. (قَوْلُهُ وَالْجِلْسَةَ) كَذَا نَصَّ فِي الْكَنْزِ عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُهَا وَالْمَذْهَبُ السُّنِّيَّةُ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُهَا إنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إلَى الدِّرَايَةِ فَمُسَلَّمٌ لِمَا عَمِلْت مِنْ الْمُوَاظَبَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُونَ بِالسُّنِّيَّةِ فَيُتَّبَعُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ. (قَوْلُهُ وَالْبَوَاقِي وَاجِبَةٌ وَهِيَ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ يُفْتَرَضُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرَتْ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضَعْ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ السَّجْدَةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَا نَأْخُذُ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ شَمِلَ إطْلَاقُهُ أَيْضًا الْقُعُودَ الْأَوَّلَ وَتَشَهُّدَهُ أَيْ وُجُوبَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ بِسُنِّيَّتِهِمَا أَوْ بِسُنِّيَّةِ التَّشَهُّدِ وَحْدَهُ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَحْدَهَا فَيَرْفَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ فِي الرَّفْعِ وَالْوَضْعِ وَاحْتَرَزْنَا بِالصَّحِيحِ عَنْ قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ وَبِقَوْلِنَا بِالْمُسَبِّحَةِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْقِدُ يُمْنَاهُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ، ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمَ الْيَدَيْنِ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ هَلْ يُسَنُّ أَوْ يَجِبُ رَفْعُهُمَا وَوَضْعُهُمَا عَلَى الْفَخِذَيْنِ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ) أَقُولُ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى فَرْضِيَّتِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي رُكْنِيَّتِهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَيْسَتْ رُكْنًا. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْمَاهِيَّةِ عَلَيْهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ فَعُلِمَ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِلْخُرُوجِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ هَذَا الِاخْتِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ التَّخْيِيرُ فِي الْقَوْلِ) لَيْسَ فِي لَفْظِ النُّبُوَّةِ هَذَا مَا يُفِيدُ التَّخْيِيرَ بَلْ بَيَانُ مَا بِهِ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، وَتَرْكُ التَّشَهُّدِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَصَارَ الْفِعْلُ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ دُونَ الْقَوْلِ لَكِنْ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ وَنَصِّهِ ثُمَّ قَالَ «إذَا فَعَلْت هَذَا أَوْ قُلْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ»

لَا تَثْبُتُ بِهِ ابْتِدَاءً أَمَّا إذَا بَيَّنَ الْمُجْمَلَ بِهِ فَتَثْبُتُ كَمَا مَرَّ ثُمَّ قِيلَ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الْقَعْدَةِ مَا يَأْتِي فِيهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالْأَصَحُّ مَا اُخْتِيرَ فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّ التَّشَهُّدَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ (كَالْأُولَى) فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى (لَكِنَّهُ يَزِيدُ هَاهُنَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَفَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكَتْ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ وَدَعَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ (بِمَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ) أَيْ بِمَا يُشْبِهُهُ لَفْظًا وَمَعْنًى كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِيَّ أَوْ يَقُولَ اغْفِرْ لِأَبِي (أَوْ الْمَأْثُورَ) عَطْفٌ عَلَى مَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ أَيْ بِالْمَرْوِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الْقَعْدَةِ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِصِيغَةِ زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْقَدْرَ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَزِيدُ فِيهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَقُولُ وَالْمَسْبُوقُ يَزِيدُهُ أَيْضًا كَالْإِمَامِ تَبَعًا لَهُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ إنَّمَا لَا يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ خُصُوصًا إذَا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا. . . إلَخْ) أَقُولُ إلَّا أَنَّهَا تُقْتَرَضُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً إذْ لَا يَقْتَضِي الْأَمْرُ صَلُّوا التَّكْرَارَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَوْ كُلَّمَا ذُكِرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ بَلْ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُهَا بِسَبَبٍ مُتَكَرِّرٍ وَهُوَ الذِّكْرُ فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَصَحَّحَ فِي التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ مَا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاخْتُلِفَ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ يَتَدَاخَلُ الْوُجُوبُ فَيَكْفِيهِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَتَكَرَّرُ مِنْ غَيْرِ تَدَاخُلٍ صَحَّحَ فِي الْكَافِي مِنْ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الزَّائِدَ نَدْبٌ، وَكَذَا التَّشْمِيتُ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى الثَّانِيَ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْبُرْهَانِ الِافْتِرَاضُ كُلَّمَا ذُكِرَ عَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ إنَّمَا قَالَ بِالْوُجُوبِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا اهـ قُلْت وَبَقِيَ تَصْحِيحٌ آخَرُ ذَكَرُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كُلَّمَا ذُكِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَيْفِيَّتُهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ صَرَّحَ بِهَا ضَابِطُ الْمَذْهَبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ مَعَ تَكْرَارِ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي إفْصَاحِ ابْنِ هُرَيْرَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ذَكَرَ الصَّلَاةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةٍ فِي الْعَالَمِينَ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ فَمَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ ضَعِيفٌ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) أَعَادَ حَرْفَ الْجَرِّ فِي الْآلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ آلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَاخْتُلِفَ فِيهِمْ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُمْ قَرَابَتُهُ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الْأُمَّةِ وَالتَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت إمَّا رَاجِعٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْ الْمُشَبَّهِ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ أَجْوِبَةً جَمَّةً فَلْتُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِيمَا يُقَالُ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ أَوْ السَّلَامِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَدْعُو. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَقَالَ وَيَدْعُو بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَدَّمَهَا عَلَى دُعَائِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَتَى بَابَ الْمَلِكِ لَا بُدَّ مِنْ التُّحْفَةِ لِخَاصَّتِهِ وَأَخَصُّ خَوَاصِّهِ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتُحْفَتُهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَيْهِ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَجَابَةٌ وَالدُّعَاءُ بَعْدَ الْمُسْتَجَابِ يُرْجَى أَنْ يُسْتَجَابَ؛ لِأَنَّ الْكَرِيمَ بَعْدَ إجَابَتِهِ أَوَّلَ الْمَسْئُولَاتِ لَا يَرُدُّ بَاقِيَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدِيَّ. . . إلَخْ) أَقُولُ قَدَّمَ الدُّعَاءَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَيَسْتَغْفِرُ لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ إنْ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ وَلِجَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ بِتَحْرِيمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ وَلَا يُوجِبُ الْكُفْرَ كَالدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِ بِهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَكْذِيبِ الْآحَادِ وَالْقَطْعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِالدُّعَاءِ لِلْكَافِرِ بِالْمَغْفِرَةِ غَيْرُ عَاصٍ بِالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الشِّرْكِ عَقْلًا قِيلَ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ فِي الْوَعِيدِ كَرَمٌ فَيَجُوزُ مِنْ اللَّهِ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ أَنْ يَقُولَ «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاعْفَرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ لَا يَدْعُو بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامُهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ، ثُمَّ الْمُفْسِدُ إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا إذَا قَعَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) لَكِنَّ (الْمَرْأَةَ تَتَوَرَّكُ) أَيْ تُخْرِجُ رِجْلَيْهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَتُمَكِّنُ وَرْكَيْهَا مِنْ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهَا أَسْتَرُ لَهَا وَمَبْنَى حَالِهَا عَلَى السَّتْرِ (فِيهِمَا) أَيْ الْقَعْدَتَيْنِ (وَالصَّلَاةُ وَالدُّعَاءُ سُنَّتَانِ) الْأَوَّلُ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (تَرْتِيبُ الْقِيَامِ) أَيْ تَقْدِيمُهُ بِقَصْدِ التَّرْتِيبِ (عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ) حَتَّى لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِيَامِ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَهَا مَاهِيَّةٌ مُرَكَّبَةٌ شَرْعًا مِنْ أَجْزَاءٍ مَادِّيَّةٍ هِيَ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَجُزْءٌ صُورِيٌّ هِيَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِرَاءَةَ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْمَادِّيَّةِ أَيْضًا إذْ لَا دَخْلَ لَهَا فِي حُصُولِ الْجُزْءِ الصُّورِيِّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَحَلًّا مَخْصُوصًا بِطَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا عَيَّنَ لِبَاقِي الْأَرْكَانِ بَلْ جَعَلَهَا فَرْضًا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ تُرِكَتْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَوُجِدَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ لَوْ تُرِكَتْ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِهَذَا السِّرِّ الدَّقِيقِ جَعَلُوا مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ لَا الْفَرَائِضِ وَاقْتَصَرُوا فِي التَّمْثِيلِ لِوُجُوبِ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي آخِرِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ مَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ يُرَاعَى وُجُودُهُ صُورَةً وَمَعْنًى فِي مَحِلِّهِ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ شُرِعَ فَإِذَا غَيَّرَهُ فَقَدْ قَلَبَ الْفِعْلَ وَعَكَسَهُ وَقَلْبُ الْمَشْرُوعِ بَاطِلٌ وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَحْقِيقُ مَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ وَمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مَا شُرِعَ مُكَرَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ كَالسَّجْدَةِ فَإِنْ تَرَكَ الثَّانِيَةَ سَاهِيًا وَقَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَتَذَكَّرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا شُرِعَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ فِيهَا كَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ السُّجُودِ لَا تَقَعُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ مُعْتَدًّا بِهَا بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ حَتَّى قَالَ فِي الْجَلَّالِيَّةِ التَّرْتِيبُ فَرْضٌ فِيمَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ فِيمَا تَعَدَّدَتْ شَرْعِيَّتُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَانْحَطَّ عَنْ رُكُوعِهِ فَسَجَدَهَا لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ فَإِنْ قِيلَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فَرْضٌ كَالْأُولَى وَمِنْ الْأَجْزَاءِ الْمَادِّيَّةِ فَأَيُّ سِرٍّ فِي جَعْلِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا وَاجِبًا لَا فَرْضًا قُلْنَا السِّرُّ فِيهِ أَنَّ أَصْلَ السَّجْدَةِ ثَابِتٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْجُدُوا وَتَكْرَارُهَا بِفِعْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَبَقَ فَإِذَا وُجِدَتْ الْأُولَى فِي مَحَلِّهَا فَقَدْ حَصَلَ التَّرْتِيبُ الْمَفْرُوضُ لِوُجُودِ مُقْتَضَى النَّصِّ، وَلَوْ فُرِضَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَزِمَ مُسَاوَاةُ مَا ثَبَتَ بِالْفِعْلِ لِمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الثَّانِي وَيُعْلَمُ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى، وَإِنْ كَانَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الْعَرَبِ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ لَيْسَ بِحَتْمٍ عِنْدَنَا أَيْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ بَلْ الْعَفْوُ عَنْ الْجَمِيعِ مَرْجُوٌّ لِمُوجَبِ قَوْله تَعَالَى {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] اهـ فَيَجُوزُ أَنْ يَطْلُبَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِفَرْطِ شَفَقَتِهِ عَلَى إخْوَانِهِ الْأَمْرَ الْجَائِزَ الْوُقُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا اهـ. (قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ) مُسْتَدْرَكٌ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ الْفُرُوضِ تَرْتِيبُ الْقِيَامِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمِنْهَا تَرْتِيبُ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ عَلَى غَيْرِهِ كَالسُّجُودِ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقُعُودِ سَجْدَةً أَوْ نَحْوَهَا بَطَلَ الْقُعُودُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ فَرْضٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ أَيْ تَقْدِيمُهُ بِقَصْدِ التَّرْتِيبِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا فِي مَحَالِّهَا وَهُوَ لَا يَشْتَرِطُ تَحْصِيلُهُ. (قَوْلُهُ وَجُزْءٌ صُورِيٌّ هِيَ الْهَيْئَةُ) أَنَّثَ الْعَائِدَ، وَإِنْ كَانَ الْمَرْجِعُ مُذَكَّرًا رِعَايَةً لِلْخَبَرِ الْهَيْئَةُ

تَحْقِيقُ مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا تَقْدِيمُ الرُّكْنِ نَحْوُ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ خَاصَّةً وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمْ وَفَرْضٌ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى أَرْكَانِ الْمَرْتَبَةِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْأَرْكَانِ بِمَا ذَكَرْنَا وَيُعْلَمُ مِنْ جَمِيع مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ كَلَامَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هَاهُنَا مُخْتَلٌّ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَكَرَّرَ لَيْسَ قَيْدًا. . . إلَخْ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ احْتَرَزَ عَمَّا شُرِعَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ كَالرُّكُوعِ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ السُّجُودِ لَا يَقَعُ مُعْتَدًّا بِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَهُمْ لِنَظِيرِ تَقْدِيمِ الرُّكْنِ الرُّكُوعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَهَا مَدْخَلٌ فِي التَّرْتِيبِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَعُلِمَ أَنَّ رِعَايَةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِي صُورَةٍ بِخُصُوصِهَا وُجُوبُ رِعَايَتِهِ فِي صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْخُصُوصِ. وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَخْطُرُ بِبَالِي. . . إلَخْ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْطُرَ بِالْبَالِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ نَفْسُهُ فِي مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَرْكَانِ وَتَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ بَلْ هُوَ شَرْطٌ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ سَيَأْتِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، وَلَوْ سُلِّمَ فَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا لِيَكُونَ مَقْدُورًا فَيَكُونَ فَرْضًا وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَخِيرَةٌ وَتَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ لَا تَقْبَلُ فَكَّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ تَوْجِيهًا لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِي لِكَشْفِ أَسْرَارِ هَذَا الْمَقَامِ وَتَحْقِيقِهِ، وَقَدْ وَقَعَ هَاهُنَا مِنْ بَعْضِ أَهْلِ السَّلَفِ وَمَنْ حَالُهُ حِرْصٌ عَلَى رَدِّ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ وَشَغَفٌ مَا يَتَعَجَّبُ النَّاظِرُ فِيهِ مِنْ حَالِهِ وَيَقِيسُ عَلَيْهِ سَائِرَ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ مَقَالِهِ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفَرَائِضِ (الْخُرُوجُ) مِنْ الصَّلَاةِ (بِصُنْعِهِ) أَيْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارِيِّ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا لَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ يُضَادُّ الصَّلَاةَ فَلَا يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَلَهُ أَنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا إلَّا بِصَنْعَةٍ كَالْحَجِّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ وَكُلُّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَهُمْ) أَقُولُ إنْ أَرَادَ نَحْوَ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ فَقَدْ بَيَّنَ وَجْهَهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ لَازِمُ التَّقْدِيمِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ عَنْ الرُّكُوعِ فَصَدَقَ قَوْلُهُمْ الرُّكُوعُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ يُوجِبُ السَّهْوَ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَعَ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ صَحِيحٌ لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْقِيَامِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ تَقْدِيمِ الْمُتَّحِدِ شَرْعِيَّةً عَلَى مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ) يَعْنِي مِنْ بَيَانِ فَرْضِ التَّرْتِيبِ فِيمَا اتَّحَدَتْ شَرْعِيَّتُهُ وَعِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُمْ أَوْرَدُوهُ لِبَيَانِ مَا يُفْتَرَضُ تَرْتِيبُهُ وَلَيْسَ إلَّا لِبَيَانِ مَا يَجِبُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ الرُّكُوعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ وَهَذَا إذَا كَانَ فِي رُبَاعِيَّةٍ أَمَّا الثُّنَائِيَّةُ وَبَاقِي الْمَغْرِبِ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَى مِنْهَا فَيُفْتَرَضُ تَقْدِيمُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ فِيهَا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِ بِتَرْكِهِ فِيهَا فَقَوْلُهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ هُنَا فَاعْلَمْهُ. (قَوْلُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ. . . إلَخْ) يَعْنِي فَيَكُونُ التَّرْتِيبُ فِي صُورَةٍ خَالِيَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْخُصُوصِ إمَّا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا) إنْ أَرَادَ الْإِشَارَةَ لِكَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي مَتْنِهِ فَالْمُرَادُ الْأَرْكَانُ الْمُتَكَرِّرَةُ فِي الرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَالْمُتَّحِدَةُ. (قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ سَيَأْتِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا سَيَأْتِي بَلْ قَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَا يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ بِقَوْلِهِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سُلِّمَ) أَيْ مَا خَطَرَ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ. (قَوْلُهُ فَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا) أَقُولُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّوَابُ نَفْيُ الْفَرْضِيَّةِ مَعَ إمْكَانِ فَكِّ التَّرْتِيبِ فَيُقَالُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إنَّمَا لَا يَكُونُ فَرْضًا إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ لِيَكُونَ مَقْدُورًا فَيَكُونَ فَرْضًا) ضَمِيرُهُ يَرْجِعُ لِلتَّرْتِيبِ فَالْمَعْنَى إذَا أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ كَانَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا مَقْدُورًا فَرْضًا وَهَذَا بَاطِلٌ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ مَتَى أَمْكَنَ فَكُّ التَّرْتِيبِ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا. (قَوْلُهُ وَالْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضًا بَلْ وَاجِبَةً فِيمَا بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُمْكِنُ فَكُّ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا لِلْقُدْرَةِ عَلَى تَدَارُكِ الْمَتْرُوكِ وَصِحَّةِ الْفِعْلِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ فَكَّ التَّرْتِيبِ فَرْضٌ كَالسُّجُودِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ بِتَدَارُكِ الرُّكُوعِ وَحْدَهُ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِي. . . إلَخْ) قَدْ ذَكَرَ مِثْلَهُ مَنْ حَشَّى عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ وَأَجَابَ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مُحَشِّي هَذَا الْكِتَابِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ أَخَذَهُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ فَقَالَ لَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فَرْضٌ لَمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَعَلَى تَخَرُّجِ الْكَرْخِيِّ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَسَنَذْكُرُهُ ثُمَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

مِثْلَهُ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ فِي قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ. . . إلَخْ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ عَدَمَ الرُّكْنِيَّةِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْفَرِيضَةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ كَالتَّحْرِيمَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ اسْتِدْلَالُ الْإِمَامِ بِقَوْلِهِ إنَّ لِلصَّلَاةِ تَحْرِيمًا وَتَحْلِيلًا. وَبَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الْخُرُوجِ بِقَوْلِهِ (يُسَلِّمُ) الْمُصَلِّي (مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ مُقَارِنًا سَلَامَهُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا فِي التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بَعْدَ الْإِمَامِ كَمَا مَرَّ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ كَمَا يُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بَعْدَهُ (عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَى جَانِبَيْهِ «؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» (نَاوِيًا) بِخِطَابِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ (الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ، وَقِيلَ لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَحْضُرْنَ الْمَسْجِدَ غَالِبًا، وَبِالثَّانِيَةِ مَنْ عَنْ يَسَارِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُهُمْ بِوَجْهِهِ وَيُخَاطِبُهُمْ بِلِسَانِهِ فَيَنْوِيهِمْ بِجَنَانِهِ إذْ السَّلَامُ قُرْبَةٌ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ. (وَ) نَاوِيًا (الْإِمَامَ فِي جَانِبِهِ وَفِيهِمَا إنْ حَاذَاهُ) يَعْنِي يَنْوِي إمَامَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إلَيْهِمْ بِالْتِزَامِ صَلَاتِهِمْ صِحَّةً وَفَسَادًا، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ نَوَاهُ فِيهِمْ، وَلَوْ فِي الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِمْ، وَلَوْ بِحِذَائِهِ نَوَاهُ بِالْأَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذْ تَعَارَضَ الْجَانِبَانِ فَرَجَّحَ الْيَمِينَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْوِي فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَ التَّعَارُضِ مُمْكِنٌ فَلَا يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ (وَ) يُسَلِّمُ (الْإِمَامُ) نَاوِيًا (بِهِمَا) أَيْ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَالْمُرَادُ خِطَابُهُمَا (الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ، وَ) يُسَلِّمُ (الْمُنْفَرِدُ) نَاوِيًا بِهِمَا (الْحَفَظَةَ فَقَطْ) إذْ لَيْسَ مَعَهُ سِوَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ خِطَابُ الْغَائِبِ (وَهُوَ) أَيْ لَفْظُ السَّلَامِ (وَاجِبٌ وَالْبَوَاقِي سُنَنٌ) وَهِيَ ظَاهِرَةٌ (وَلَهَا) أَيْ لِلصَّلَاةِ (وَاجِبَاتٌ أُخَرُ كَرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فِيمَا تَكَرَّرَ فِي الرَّكْعَةِ كَالسَّجْدَةِ) ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ (وَتَرْكِ التَّكْرِيرِ فِيمَا فُرِضَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ كَالرُّكُوعِ) حَتَّى لَوْ كَرَّرَهُ عَمْدًا أَثِمَ أَوْ سَهْوًا وَجَبَ السَّجْدَةُ (وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِيمَا يُجْهَرُ وَيُسَرُّ) بِقَدْرِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ هُمَا سُنَّتَانِ حَتَّى لَا يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِمَا (وَلَهَا آدَابٌ هِيَ نَظَرُهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ) حَالَ الْقِيَامِ وَإِلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ حَالَ الرُّكُوعِ وَإِلَى أَرْنَبَتِهِ حَالَ السُّجُودِ وَإِلَى حِجْرِهِ فِي قُعُودِهِ وَإِلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ حَالَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَإِلَى الْأَيْسَرِ عِنْدَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُشُوعُ وَتَرْكُ التَّكَلُّفِ فَإِذَا تَرَكَهُ وَقَعَ بَصَرُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَكَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ) يَعْنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ. (قَوْلُهُ أَقُولُ فِي قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ. . . إلَخْ) الِاعْتِرَاضُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِجُلَّتِهَا حَقِيقَتُهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُمْلَةِ مَا تَتِمُّ بِهِ الصَّلَاةُ. (قَوْلُهُ يُسَلِّمُ الْمُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ) أَقُولُ أَيْ إنْ كَانَ فَرَغَ الْمُصَلِّي مِنْ التَّشَهُّدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (تَنْبِيهٌ) : يُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ بِهَذِهِ الْفَرَائِضِ فِي الْيَقِظَةِ فَلَوْ أَتَى بِأَحَدِهَا نَائِمًا لَا يَحْتَسِبُ بِهِ بَلْ يُعِيدُهُ وَنَوْمُهُ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ لَا يُبْطِلُهُ لِتَحَقُّقِهِ قَبْلَ النَّوْمِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِهَا يَقَظَةً أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ) الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا الْجَوَازِ عَلَى الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالسُّنَّةُ عِنْدَنَا قَوْلُ الْعَامَّةِ وَبِمُجَرَّدِ لَفْظِ السَّلَامِ يَخْرُجُ مِنْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ. . . إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ أُخْرَى اهـ. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَنَسِيَ يَسَارَهُ حَتَّى قَامَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. . . إلَخْ) هُوَ السُّنَّةُ فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِكَرَاهَةِ الْأَخِيرِ وَأَنَّهُ لَا يَقُولُ وَبَرَكَاتُهُ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ ثَابِتٌ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّهَا جَاءَتْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد اهـ. وَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) أَقُولُ وَمُؤْمِنِي الْجِنِّ أَيْضًا وَيُزَادُ عَلَيْهِ نِيَّةُ مَنْ كَأَنَّهُ أَمَامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ بِالدَّلَالَةِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَصَحَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ سَلَامِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَنْوِي جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْحَفَظَةَ) أَخَّرَهُ لِلْإِشْعَارِ بِالتَّفْضِيلِ بَيْنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالتَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. (قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ. . . إلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ، وَقِيلَ يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْ لَفْظُ السَّلَامِ وَاجِبٌ) أَقُولُ أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْوَاجِبُ لَفْظُ السَّلَامِ دُونَ عَلَيْكُمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَالْبَوَاقِي سُنَنٌ) أَقُولُ حَتَّى الِالْتِفَاتُ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ يَمِينًا وَيَسَارًا وَالْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ فِيهِمَا

[فصل في الإمامة]

أَيْ سَتْرُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» (وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ (وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ) ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُفْسِدُهَا فَيَجْتَنِبُهُ مَا أَمْكَنَ (وَالْقِيَامُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ الْأُولَى) يَعْنِي حِينَ يُقَالُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِهِ إذْ مَعْنَاهُ هَلُمَّ وَأَقْبِلْ فَيُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ (وَالشُّرُوعُ عِنْدَ قَامَتْ الصَّلَاةُ) ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ فَيُشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْكَذِبِ. فَصْلٌ (الْإِمَامُ يَجْهَرُ فِي الْفَجْرِ وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ أَدَاءً وَقَضَاءً وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالتَّرَاوِيحِ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا (إلَّا فِي قُنُوتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ (وَالْمُنْفَرِدُ يُخَيَّرُ فِي) الصَّلَاةِ (الْجَهْرِيَّةِ إنْ أَدَّى) أَيْ إذَا أَرَادَ الْمُنْفَرِدُ الْأَدَاءَ خُيِّرَ إنْ شَاءَ جَهَرَ لِكَوْنِهِ إمَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَفْضَلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَيُرْوَى إنْ صَلَّى عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ إذْ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ قَيَّدَ بِالْجَهْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ) أَقُولُ يَعْنِي إنْ كَانَ رَجُلًا. (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ عِنْدَ الْحَيْعَلَةِ الْأُولَى) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَاضِرًا بِقُرْبٍ مِنْ الْمِحْرَابِ وَإِلَّا فَيَقُومُ كُلُّ صَفٍّ حِينَ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ قُدَّامَ وَقَفُوا حِينَ يَقَعُ بَصَرُهُمْ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَالشُّرُوعُ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (تَتِمَّةٌ) : سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لِلْجُلُوسِ لِلْإِتْيَانِ بِالدُّعَاءِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِتْيَانِ بِالسُّنَنِ لَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرْضَ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ ذَلِكَ. وَرَوَى أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ حَتَّى يَتَشَوَّشَ الصُّفُوفَ، كَذَا فِي الْكَرْخِيِّ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَوْرَادِ الَّتِي وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لِكُلِّ مُصَلٍّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا لَكِنَّهُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا بَعْدَهَا سُنَّةً فَالسُّنَّةُ وَصْلُهَا بِالْفَرْضِ وَرَجَّحَ كَرَاهَةَ الْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرْضِ بِالْأَذْكَارِ وَالْأَوْرَادِ وَالْأَدْعِيَةِ وَمُقَابِلُ مَا رَجَّحَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَيْنَهُمَا الْأَوْرَادَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ اهـ. وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَكَذَلِكَ يَقْرَأَ الْمُصَلِّي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا الْمَوْتُ وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ آمَنَهُ اللَّهُ عَلَى دَارِهِ وَدَارِ جَارِهِ وَأَهْلِ دُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ إلَّا أَنَّهُ ضَعَّفَ إسْنَادَهُ وَيَقْرَأُ الْمُعَوِّذَاتِ وَيُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً وَيَحْمَدُ كَذَلِكَ وَيُكَبِّرُ كَذَلِكَ ثُمَّ يُهَلِّلُ مَرَّةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَبَّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ. وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْجَامِعَةِ الْمَأْثُورَةِ لِقَوْلِ أَبِي أُمَامَةَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ رَافِعًا يَدَيْهِ حِذَاءَ صَدْرِهِ جَاعِلًا بُطُونَ يَدَيْهِ مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ بِخُشُوعٍ وَسُكُونٍ ثُمَّ يَخْتِمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ} [الصافات: 180] الْآيَةَ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى مِنْ الْأَجْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَكُنْ آخِرُ كَلَامِهِ إذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ سُبْحَانَ رَبِّك الْآيَةَ وَيَمْسَحُ يَدَيْهِ، وَوَجْهَهُ فِي آخِرِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دَعَوْت اللَّهَ فَادْعُ بِبَاطِنِ كَفَّيْك وَلَا تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا فَإِذَا فَرَغْت فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. [فَصْلٌ فِي الْإِمَامَة] (فَصْلٌ) . (قَوْلُهُ الْإِمَامُ يَجْهَرُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ اهـ. وَإِذَا جَهَرَ فَوْقَ حَاجَةِ النَّاسِ فَقَدْ أَسَاءَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي قُنُوتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا كَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجْهَرُ فِي قُنُوتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْثُورَ فِيهِ الْإِخْفَاءُ وَهَذَا كَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيُسِرُّ بِهِ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُقْتَدِي وَمَذْهَبُ الْعِرَاقِيِّينَ الْجَهْرُ بِالْقُنُوتِ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَيُرْوَى أَنَّ مَنْ صَلَّى. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَكِنْ لَا يُبَالِغُ أَيْ الْمُنْفَرِدُ فِي الْجَهْرِ مِثْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْجَهْرِيَّةِ. . . إلَخْ) ، كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يُخَافَتُ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ إذَا جَهَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ فِيمَا دَفَعَ بِهِ شَارِحُ الْكَنْزِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا نُنْكِرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدًا مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السُّجُودِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ

لَا يُخَيَّرُ فِي غَيْرِهَا بَلْ يُخَافِتُ فِيهِ حَتْمًا هُوَ الصَّحِيحُ (كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ) فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ (وَقِيلَ يُخَافِتُ) الْمُنْفَرِدُ (إنْ قَضَى الْجَهْرِيَّةَ كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ) فِي الْهِدَايَةِ مَنْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَقَضَاهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ أَمَّ فِيهَا جَهَرَ، وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتَ حَتْمًا وَلَا يَتَخَيَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (وَقِيلَ يُخَيَّرُ) فِي الْكَافِي مَنْ قَضَى الْعِشَاءَ نَهَارًا إنْ أَمَّ جَهَرَ وَإِذَا كَانَ وَحْدَهُ خُيِّرَ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هُوَ الصَّحِيحُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي شُرُوحِهِمْ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ سَبَبَيْ الْجَهْرِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ انْتَفَى كُلٌّ مِنْهُمَا فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ. وَأَمَّا مُوَافَقَةُ الْقَضَاءِ الْأَدَاءَ فَلَيْسَ عَلَى سَبَبِيَّتِهَا إجْمَاعٌ وَلَا نَصٌّ فَجَعْلُهَا سَبَبًا يَكُونُ إثْبَاتَ سَبَبٍ بِالرَّأْيِ ابْتِدَاءً وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَعَلَّ هَذَا حَمَلَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ عَلَى حَصْرِ الصِّحَّةِ فِيهِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ الصِّحَّةَ دِرَايَةً لَا رِوَايَةً أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَنْتَفِي إذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حَصْرِ السَّبَبِيَّةِ فِي الْمَذْكُورَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَيْفَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْحَصْرِ إجْمَاعٌ لَمَا حَصَلَ الذُّهُولُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْفُحُولِ بَلْ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا سَبَبًا لِلْجَهْرِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ يَجُوزُ تَعْلِيلُهُ وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ وَجَوَازُ الْجَهْرِ فِي الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ بَلْ أَفْضَلِيَّتُهُ مُعَلَّلٌ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ كَمَا هِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأَدَاءِ مَشْرُوعَةٌ أَيْضًا فِي الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ فِي قَضَاءِ الْمُنْفَرِدِ الْجَهْرِيَّةَ أَيْضًا أَفْضَلَ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ دِرَايَةً أَيْضًا وَلِذَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ اهـ قُلْت وَمَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْوُجُوبُ أَيْ وُجُوبُ الْمُخَافَتَةِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُخَافِتُ الْمُنْفَرِدُ إنْ قَضَى الْجَهْرِيَّةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ جَعَلَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْهِدَايَةِ سَنَدًا لِقَوْلِهِ قِيلَ يُخَافِتُ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْكَافِي سَنَدًا لِقَوْلِهِ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَالْأَكْثَرُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْكَافِي فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا كَيْفَ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مِنْ مُخَالَفَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ فِي قَضَاءِ الْمُنْفَرِدِ الْجَهْرِيَّةَ أَيْضًا أَفْضَلَ بِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ) أَقُولُ الْحَدِيثُ هُوَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَيُرْوَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ. . . إلَخْ، وَقَدْ نَظَرَ الْكَمَالُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخَافَتَةُ فِي الْجَهْرِيَّةِ إذَا قَضَاهَا نَهَارًا فَقَالَ: وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ. . . إلَخْ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَنْتَفِي بِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَعْلُومُ مِنْ الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْجَهْرِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ تَخْيِيرًا فِي الْوَقْتِ وَحَتْمًا عَلَى الْإِمَامِ مُطْلَقًا، وَلَوْلَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ لَقُلْنَا بِتَقْيِيدِهِ بِالْوَقْتِ فِي الْإِمَامِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْفَرِدِ مَعْدُومٌ فَيَبْقَى الْجَهْرُ فِي حَقِّهِ عَلَى الِانْتِفَاءِ الْأَصْلِيِّ وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شَرْعِيَّةُ الْإِخْفَاءِ وَالْجَهْرُ بِعَارِضِ دَلِيلٍ آخَرَ فَعِنْدَ فَقْدِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ نَقْلِهِمْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فَشَرَعَ الْكُفَّارُ يُغَلِّطُونَهُ فَأَخْفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ» فَإِنَّهُمْ كَانُوا غُيَّبًا نَائِمِينَ وَبِالطَّعَامِ مَشْغُولِينَ فَاسْتَقَرَّ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَصْلَ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ بِعَارِضٍ وَأَيْضًا نَفْيُ الْمُدْرَكِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى أَدَائِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِمَا الْإِعْلَامَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ سُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يُعْلِمُهُ بِهِمَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ رُوِيَ مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ اهـ. وَرَأَيْت بِهَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا صُورَتُهُ هَذَا الْقِيَاسُ لَمْ أَرَهُ إلَّا لِشَيْخِنَا وَاسْتَقَرَّ كَلَامُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا سَمْعَ فِيهَا وَعِنْدِي أَنَّ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا، وَلَوْ شَاءَ لَرَدَّهَا إلَيْنَا فِي حِينٍ غَيْرِ هَذَا فَإِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا ثُمَّ فَزِعَ إلَيْهَا فَلْيُصَلِّهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا» دَلِيلٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ. وَقَوْلُهُ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا يَعُمُّ الْإِمَامَ وَيَعُمُّ الْجَهْرَ وَغَيْرَهُ، وَكَذَا مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي غَدَاةِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ افْعَلُوا مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ قَالَ فَفَعَلْنَا، وَكَذَلِكَ فَافْعَلُوا مَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ» فَإِنَّ مَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ يَعُمُّ الْجَهْرَ وَمَنْ نَامَ أَوْ نَسِيَ يَعُمُّ الْمُنْفَرِدَ وَغَيْرَهُ اهـ. وَكَذَا تَعَقَّبَ الْهِدَايَةِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَجُوزُ أَنْ مَعْلُولًا بِعِلَلٍ شَتَّى وَعِلَّةُ الْجَهْرِ هُنَا أَنَّ الْقَضَاءَ يُحَاكِي الْأَدَاءَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْقَضَاءِ كَالْأَدَاءِ اهـ فَبِهَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوَّلَ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْكَافِي كَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَلِذَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَافِي) أَيْ اخْتَارَ التَّخْيِيرَ لِمَنْ قَضَى الْعِشَاءَ نَهَارًا وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ كَمَا قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ الْجَهْرُ إسْمَاعُ غَيْرِهِ) أَطْلَقَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ. (قَوْلُهُ وَالْمُخَافَتَةُ

(الْجَهْرُ إسْمَاعُ غَيْرِهِ وَالْمُخَافَتَةُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ) هَذَا مُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيِّ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الْجَهْرُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ وَالْمُخَافَتَةُ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ لَا الصِّمَاخِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بِلَا صَوْتٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ فِي الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ فِي التِّلَاوَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ. (تَرَكَ سُورَةَ أُولَيَيْ الْعِشَاءِ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَرَأَهَا) أَيْ السُّورَةَ (مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ) فِي الْأُولَيَيْنِ (لَا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْأُخْرَيَيْنِ فَلَوْ قَضَى فِيهِمَا فَاتِحَةَ الْأُولَيَيْنِ لَزِمَ تَكْرَارُ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. (وَتُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ) عَلَى الثَّانِيَةِ (فَقَطْ) أَيْ لَا أُولَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْفَجْرِ إجْمَاعًا لِيُدْرِكَ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإسْمَاعُ نَفْسِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي إلَّا لِمَانِعٍ أَيْ فَيَكْفِي مَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ لَسَمَّعَ نَفْسَهُ. (قَوْلُهُ هَذَا مُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيِّ) أَقُولُ، وَكَذَا قَالَ الْفَضْلِيُّ أَدْنَى الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَأَدْنَى الْمُخَافَتَةِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَصَحُّ أَنْ لَا يَجْزِيهِ مَا لَمْ يَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَيَسْمَعْ مَنْ بِقُرْبِهِ كَمَا فِي الْكَافِي وَمُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ كَالتَّسْمِيَةِ. . . إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْع أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُسْمِعَ الْمُشْتَرِيَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِ مُخْتَلَفَاتِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدِي أَنَّ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُكْتَفَى بِسَمَاعِهِ وَفِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ غَيْرِهِ مَثَلًا فِي الْبَيْعِ لَوْ أَدْنَى الْمُشْتَرِي صِمَاخَهُ إلَى فَمِ الْبَائِعِ وَسَمِعَ يَكْفِي، وَلَوْ سَمَّعَ الْبَائِعُ نَفْسَهُ وَلَمْ يُسْمِعْهُ الْمُشْتَرِيَ لَا يَكْفِي وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَنَادَاهُ مِنْ بُعْدٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ لَا يَحْنَثُ اهـ قُلْت قَدْ ضَعَّفَهُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ، وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّ فِي بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ يُكْتَفَى بِسَمَاعِهِ. . . إلَخْ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ اهـ. وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ الشَّرْطُ سَمَاعُ نَفْسِهِ، وَكَذَا يُضَعِّفُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ قَرَأَهَا أَيْ السُّورَةَ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَ قَضَاءِ السُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ وَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَجَرَى مَجْرَى إخْبَارِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ اهـ. كَذَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَيْ مَا فِي الْأَصْلِ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ. (قَوْلُهُ مَعَ الْفَاتِحَةِ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِهِمَا، وَقَالَ الْكَمَالُ قِيلَ يُقَدِّمُ السُّورَةَ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ إذْ تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى الْفَاتِحَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلْمَعْهُودِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي الْفَاتِحَةِ هَلْ تَصِيرُ وَاجِبَةً كَالسُّورَةِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ جَهْرًا) قَيْدٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ شَنِيعٌ وَتَغْيِيرُ النَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ أَوْلَى وَصَحَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ فَقَطْ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّوَابَ قَوْلًا بَعْدَ التَّخْيِيرِ وَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ السُّورَةَ تَلْتَحِقُ بِمَوْضِعِهَا تَقْدِيرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ قُلْت فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخَافَتَةِ وَالْجَهْرِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْتَدِي بِهِ وَاخْتَارَ الْمُخَافَتَةَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ دَخَلَ فِي صَلَاةِ جَمَاعَةٍ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ إنْ قَصَدَ الْإِمَامَةَ اهـ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَمْعَ هُنَا بِاعْتِبَارَيْنِ فَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا. . . إلَخْ) أَقُولُ يَرِدُ عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ كَمَا أَوْرَدَهُ أَبُو يُوسُفَ لِنَفْيِهِ قَضَاءَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَشْرُوعَةٌ فَإِذَا قَرَأَهَا مَرَّةً وَقَعَتْ عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا فِي مَحِلِّهَا، وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا أَدَاءً فَجَازَ أَنْ تَقَعَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَضَاءِ اهـ قُلْت فَظَاهِرُهُ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَشْرُوعَةٌ لَهُ نَفْلًا وَالْقَضَاءُ صَرْفُ مَا شُرِعَ لَهُ لِمَا عَلَيْهِ فَقَضَاءُ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَشْرُوعٌ وَبِالْإِتْيَانِ بِهِ يَحْصُلُ قَضَاءُ مَا عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ مُورِدًا عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَدْ يُقَالُ إنْ كَانَ إيقَاعُ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ يُخْلِيهِمَا عَنْهَا حُكْمًا كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ ثَانِيًا لِلْقَضَاءِ يَجِبُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَيَخْلُوَ الثَّانِي عَنْ تَكْرَارِهَا حُكْمًا ثُمَّ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ الْمُتَحَقِّقُ عَدَمُ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَزِمَ كَوْنُهَا قَضَاءً. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ لَا أُولَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) أَيْ الْمَفْرُوضَاتِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَالْفَجْرِ

[قراءة المؤتم خلف الإمام]

وَسُنَّةَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ غَفْلَةٍ بِخِلَافِ سَائِرِهَا وَالتَّطْوِيلُ مُعْتَبَرٌ مِنْ حَيْثُ الْآيُ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً اعْتَبَرَ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ الثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَذَا بَيَانُ الِاسْتِحْبَابِ أَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَالتَّفَاوُتُ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَا بَأْسَ بِهِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَإِطَالَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى تُكْرَهُ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّفَاوُتُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ، وَإِنْ كَانَ آيَةً وَآيَتَيْنِ لَا يُكْرَهُ؛ «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ» وَأُخْرَاهُمَا أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى بِآيَةٍ، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَلَمْ تَتَعَيَّنْ سُورَةٌ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ) يَعْنِي لَمْ يَجُزْ تَعْيِينُهَا لِجَوَازِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تُقْرَأْ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ مُتَعَيِّنَةٌ لِلْجَوَازِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» قُلْنَا النَّصُّ مُطْلَقٌ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُقَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ (وَكُرِهَ تَعْيِينُهَا) أَيْ سُورَةٍ (لَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ مِثْلُ أَنْ يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَهَلْ أَتَى فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي قَالُوا هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا أَوْ رَأَى غَيْرَهَا مَكْرُوهًا أَمَّا لَوْ قَرَأَهَا لِكَوْنِهَا أَيْسَرَ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهَا أَحْيَانَا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهَا لَا يَجُوزُ (سِوَى الْفَاتِحَةِ) فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِلْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِجَوَازِهَا. (الْمُؤْتَمُّ لَا يَقْرَأُ) خَلْفَ الْإِمَامِ (بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِكَرَاهَةِ تَطْوِيلِ رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ وَنَقْصِ أُخْرَى وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهَا أَسْهَلُ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْيُسْرِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ غَفْلَةٍ) أَقُولُ يَعْنِي بِالنَّوْمِ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْغَفْلَةِ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَلِهَذَا أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ السُّنَّةَ فِي الْجَمِيعِ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْغَفْلَةِ بِسَبَبِ الْكَسْبِ وَالْغَفْلَةِ بِالنَّوْمِ بِأَنَّ الْأُولَى مُضَافَةٌ إلَيْهِ حَتَّى اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا الْعِقَابَ بِخِلَافِ النَّوْمِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ كَمَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفِي نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيِّ تَسْتَوِي الرَّكْعَتَانِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ. وَفِي الْمِعْرَاجِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ مَا يَظْهَرُ بِهِ قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا ثُمَّ قَالَ وَحَيْثُ ظَهَرَ قُوَّةُ دَلِيلِهِمَا كَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ أَمَّا بَيَانُ الْحُكْمِ فَالتَّفَاوُتُ، وَإِنْ كَانَ فَاحِشًا لَا بَأْسَ بِهِ) أَقُولُ يَعْنِي بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ إطَالَةَ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا مَكْرُوهَةٌ كَمَا يَذْكُرُهُ اهـ. وَعَدَمُ الْبَأْسِ إذَا لَمْ يُثْقِلْ عَلَى الْقَوْمِ وَإِلَّا فَفِيهِ بَأْسٌ بِمَعْنَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُكْرَهُ التَّفَاوُتُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «قِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ اسْمِ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِهَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ» مَعَ أَنَّ الثَّانِيَةَ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَإِنَّ الْأُولَى تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً وَالثَّانِيَةَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ آيَةً، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ فَلَا أَوْ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ وَفِعْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ لَا يُوصَفُ بِهَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِاسْتِنَانِ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ اهـ قُلْت الْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا لَا يَرِدُ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ التَّطْوِيلَ مُعْتَبَرٌ مِنْ حَيْثُ الْآيُ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً اعْتَبَرَ الْكَلِمَاتِ وَالْأَحْرُفَ اهـ إذْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ لِتَفَاوُتِ آيَاتِهِمَا فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ مِنْ غَيْرِ تَقَارُبٍ فَتَفَاوُتُهُمَا فِي الْكَلِمَاتِ يَسِيرٌ. (قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَتَمَامُهُ وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الْعِلْمَ فَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْفَاتِحَةِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا صَلَاةَ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» . (قَوْلُهُ سِوَى الْفَاتِحَةِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ تَعْيِينُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. [قِرَاءَة الْمُؤْتَمّ خَلْف الْإِمَام] (قَوْلُهُ الْمُؤْتَمُّ لَا يَقْرَأُ) أَقُولُ فَإِنْ قَرَأَ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُطْلِقُوا اسْمَ الْحُرْمَةِ عَلَيْهَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِهِمْ إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ قَطْعِيًّا وَمَا يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُسْتَحْسَنُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فَضَعِيفٌ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ كَقَوْلِهِمَا وَصَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي كُتُبِهِ بِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَمَا لَا يُجْهَرُ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ الْآثَارِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَعْدَ مَا أَسْنَدَ إلَى عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ مَا قَرَأَ قَطُّ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَا يُجْهَرُ فِيهِ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ لَا نَرَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ يُجْهَرُ فِيهِ أَوْ لَا يُجْهَرُ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ أَيْ بِالْقِرَاءَةِ فِي قَوْلِ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي وَمَنْعُ الْمُقْتَدِي عَنْ الْقِرَاءَةِ مَأْثُورٌ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ الْمُرْتَضَى وَالْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَقَدْ دَوَّنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَسَامِيَهُمْ اهـ

[حكم صلاة الجماعة]

وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (، كَذَا الْخُطْبَةُ) أَيْ الْمُؤْتَمُّ يَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ وَيُنْصِتُ (وَإِنْ صَلَّى) الْخَطِيبُ (عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا إذَا قَرَأَ صَلُّوا عَلَيْهِ فَيُصَلِّي) الْمُسْتَمِعُ (سِرًّا) وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ هَكَذَا لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ إمَامُهُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ أَوْ خَطَبَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوْ خَطَبَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَرَأَ فَلَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مُمْكِنُ الدَّفْعِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُؤْتَمُّ بِمَعْنَى مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَأْتَمَّ وَيُجْعَلُ قَوْلُهُ أَوْ خَطَبَ عَطْفًا عَلَى قَرَأَ الْمَحْذُوفُ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ فَالْمَعْنَى لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا قَرَأَ إمَامُهُ بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ إذَا خَطَبَ إمَامُهُ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ لَكِنْ غَيَّرْتُ الْعِبَارَةَ فَقُلْتُ، كَذَا الْخُطْبَةُ. . . إلَخْ لِئَلَّا يُرَدَّ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ (وَالْبَعِيدُ) عَنْ الْخَطِيبِ (كَالْقَرِيبِ) فِي وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ. (الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) ، وَقِيلَ فَرْضٌ (لِلرِّجَالِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي عَدَمِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَلَيْسَ مُقْتَضَى أَقْوَاهُمَا الْقِرَاءَةَ بَلْ الْمَنْعَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ) أَقُولُ، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِالدُّعَاءِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا سَأَلَهَا وَآيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ» مَحْمُولٌ عَلَى النَّوَافِلِ مُنْفَرِدًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مُمْكِنُ الدَّفْعِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَكِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ الْمُؤْتَمِّ فِي حَقِيقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ قَرَأَ آيَةَ التَّرْغِيبِ أَوْ التَّرْهِيبِ وَمَجَازِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ اهـ قُلْت وَبَقِيَ مِنْ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ كَلَامَ الْكَنْزِ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِقَوْلِهِ أَوْ خَطَبَ عَطْفٌ عَلَى قَرَأَ لَمَّا كَانَتْ الْخُطْبَةُ قَائِمَةً مُقَامَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ نَزَلَ مَنْ حَضَرَهَا مَنْزِلَةَ الْمُؤْتَمِّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ تَكُونَ الْخُطْبَةُ أَوْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقِعَتَيْنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَلَا اتِّجَاهَ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْصَاتُ وَاجِبًا قَبْلَ الْخُطْبَةِ لِانْعِدَامِ التَّنْزِيلِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. (قَوْلُهُ لَكِنْ غَيَّرْتُ الْعِبَارَةَ فَقُلْتُ، كَذَا الْخُطْبَةُ) أَقُولُ، وَكَذَا غَيَّرَهَا فِي النُّقَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَكَذَا فِي الْخُطْبَةِ. [حُكْم صَلَاة الْجَمَاعَة] (قَوْلُهُ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ هُوَ الْأَصَحُّ) وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ غَايَةَ التَّأْكِيدِ. وَفِي الْغَايَةِ لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ نَاحِيَةٍ أَثِمُوا وَوَجَبَ قِتَالُهُمْ بِالسِّلَاحِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ نَضْرِبُهُمْ وَلَا نُقَاتِلُهُمْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ اهـ. وَالْجَمَاعَةُ مَا زَادَتْ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَسَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا، كَذَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ بِنَحْوِ صَفْحَةٍ وَإِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا آخَرَ لِلْجَمَاعَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي زَمَانِنَا يَتَّبِعُهَا وَسُئِلَ الْحَلْوَانِيُّ عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانَا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ قَالَ لَا وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فَرْضٌ) أَقُولُ فَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ اهـ وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ. وَالْقَائِلُ بِالْفَرْضِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُهَا لِلصِّحَّةِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِمُصَنِّفِهَا ابْنِ وَهْبَانَ وَبَقِيَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ عَنْ الْغَايَةِ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ. وَفِي التُّحْفَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ سَمَّاهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّة لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ اهـ. وَبَقِيَ قَوْلٌ خَامِسٌ هُوَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قَالَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ بِصِيغَةِ، وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إلَّا بِعُذْرٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ لِلرِّجَالِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قُلْت هَذَا الشَّرْطُ لَا يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فَيَكُونُ كَذَلِكَ شَرْطًا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا، وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ دَادَهْ زاده فِي مَنْظُومَتِهِ الَّتِي عَلَى مِنْوَالِ نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ الْأَعْذَارَ الْمُسْقِطَةَ لِلْجَمَاعَةِ فَقَالَ وَذَا مَطَرٌ بَرْدٌ وَخَوْفٌ وَظُلْمَةٌ ... وَحَبْسٌ عَمًى فَلْجٌ وَقَطْعٌ وَيُذْكَرُ سِقَامٌ وَإِقْعَادٌ وَوَحْلٌ زَمَانَةٌ ... وَشَيْخُوخَةٌ تَكْرَارُ فِقْهٍ يُسْطَرُ

[الأحق بالإمامة]

وَسَيَأْتِي أَنَّ جَمَاعَةَ النِّسَاءِ مَكْرُوهَةٌ. (وَلَا تُكَرَّرُ) الْجَمَاعَةُ (فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِمَسْجِدٍ إمَامٌ وَجَمَاعَةٌ مَعْلُومَانِ فَصَلَّى بَعْضُهُمْ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لَا يُبَاحُ لِبَاقِيهِمْ تَكْرَارُهَا بِهِمَا لَكِنْ لَوْ كَانَ مَسْجِدَ الطَّرِيقِيِّ يُبَاحُ تَكْرَارُهَا بِهِمَا، وَلَوْ كَرَّرَ أَهْلُهُ بِدُونِهِمَا جَازَ (إلَّا إذَا صَلَّى بِهِمَا) أَيْ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (فِيهِ أَوَّلًا غَيْرُ أَهْلِهِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ (أَوْ صَلَّى) بِهِمَا فِيهِ أَوَّلًا (أَهْلُهُ) لَكِنْ (بِمُخَافَتَةِ الْأَذَانِ) ؛ لِأَنَّ مُخَافَتَتَهُمْ تَكُونُ عُذْرًا لِبَاقِيهِمْ. (وَالْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) بَيْنَ الْحَاضِرِينَ (الْأَعْلَمُ) أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ صِحَّةً وَفَسَادًا بَعْدَ مَا يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْعِلْمِ أَكْثَرُ بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِهِ (فَالْأَقْرَأُ) أَيْ إنْ تَسَاوَوْا فِي الْعِلْمِ فَالْأَحَقُّ بِهَا أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا وَتَجْوِيدًا لِقِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ (فَالْأَوْرَعُ) أَيْ إنْ تَسَاوَوْا فِيهِ فَالْأَحَقُّ أَشَدُّهُمْ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابًا مِنْ الشُّبُهَاتِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» (فَالْأَسَنُّ) أَيْ إنْ تَسَاوَوْا فِيهِ فَالْأَحَقُّ بِهَا أَكْثَرُهُمْ سِنًّا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِابْنَيْ أَبِي مُلَيْكَةَ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا سِنًّا» (فَالْأَحْسَنُ خُلُقًا) أَيْ إنْ تَسَاوَوْا فِيهِ فَالْأَحَقُّ أَحْسَنُهُمْ مَعَاشًا بِالنَّاسِ (فَالْأَحْسَنُ وَجْهًا) أَيْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةً بِاللَّيْلِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَثَّرَ صَلَاةً بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» (فَالْأَشْرَفُ نَسَبًا فَالْأَنْظَفُ ثَوْبًا) ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ اسْتَوَوْا يُقْرَعُ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (وَكُرِهَ إمَامَةُ عَبْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَأَعْرَابِيٍّ) وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ (وَفَاسِقٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ دِينِهِ (وَأَعْمَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيعَابِ الْوُضُوءِ غَالِبًا (وَمُبْتَدِعٍ) أَيْ صَاحِبِ هَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ حَتَّى إذَا كَفَرَ بِهِ لَمْ تَجُزْ أَصْلًا (وَوَلَدِ زَنَى) إذْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُؤَدِّبُهُ فَيَغْلِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَمْ يَكُنْ تَكْرَارُ جَمْعٍ بِهَيْئَةٍ ... مَضَتْ فِي صَحِيحِ الْقَوْلِ فَالْكُرْهُ يُنْكَرُ اهـ قُلْت وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ إذْ بَقِيَ مِنْهَا مُدَافَعَةُ أَحَدِ الْأَخْبَثِينَ وَإِرَادَةُ السَّفَرِ وَقِيَامُهُ بِمَرِيضٍ وَحُضُورُ طَعَامٍ تَتُوقُهُ نَفْسُهُ وَشِدَّةُ رِيحٍ لَيْلًا لَا نَهَارًا ذَكَرَ هَذِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا تُكَرَّرُ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ لَا بَأْسَ بِهَا فِي مَسْجِدٍ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. وَفِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ مَسْجِدٌ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ وَلَا مُؤَذِّنٌ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ فَوْجًا فَوْجًا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عَلَى حِدَةٍ. اهـ. . (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا كَانَ لِمَسْجِدٍ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ عَدَمُ إبَاحَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ لِلْبَاقِينَ بِمَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ الْمُعَيَّنُ صَلَّى بِالْبَعْضِ أَوَّلًا. [الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ] (قَوْلُهُ وَالْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ الْأَعْلَمُ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ رَاتِبٌ. وَأَمَّا الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ، وَكَذَا إمَامُ الْحَيِّ إلَّا إذَا كَانَ الضَّعِيفُ ذَا سُلْطَانٍ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ النُّقَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبُرْهَانِ أَنْ يُحْسِنَ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ فَالْأَوْرَعُ. . . إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى أَنَّ الْوَرَعَ اجْتِنَابُ الشَّهَوَاتِ وَالتَّقْوَى اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. (قَوْلُهُ فَالْأَسَنُّ) هَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَفِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ وَالْآخَرُ أَوَرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَالْأَحْسَنُ وَجْهًا أَيْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةً بِاللَّيْلِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ سَمَاحَةَ الْوَجْهِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ. . . إلَخْ) قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ لَمْ يَجِدْهُ الْمُخَرِّجُونَ نَعَمْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مَرْفُوعًا «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ صَلَاتَكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَالْأَشْرَفُ نَسَبًا) أَقُولُ قَدَّمَ فِي الْفَتْحِ الْحَسَبَ عَلَى صَبَاحَةِ الْوَجْهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْحُسْنِ فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا وَفِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي النَّسَبِ فَأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا، وَذَكَرَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ زِيَادَةَ أَوْصَافٍ فِي الْأَحَقِّ فَلْتُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ أَوْ الْخِيَارُ لِلْقَوْمِ) أَقُولُ لَوْ اخْتَارَ الْبَعْضُ وَاحِدًا وَالْبَعْضُ آخَرَ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ، وَلَوْ قَدَّمُوا غَيْرَ الْأَوْلَى أَسَاءُوا ذَكَرَهُ فِي زَادِ الْفَقِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ. [إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيّ وَالْفَاسِق وَالْأَعْمَى وَالمُبْتَدِعِ وَوَلَدِ الزِّنَا] (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إمَامَةُ عَبْدٍ وَأَعْرَابِيٍّ) عَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَزَادَ عَلَيْهِ فِي الْبُرْهَانِ نُدْرَةَ التَّقْوَى فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ عَالِمًا مُتَّقِيًا صَارَ كَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَفَاسِقٍ) أَقُولُ فَإِنْ تَعَذَّرَ مَنْعُهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَهُ وَيَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ إنْ أُقِيمَتْ فِي غَيْرِ مَسْجِدِهِ وَإِلَّا اقْتَدَى بِهِ فِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَأَعْمَى) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ بَصِيرٌ أَفْضَلُ مِنْهُ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى «لِاسْتِخْلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى تَبُوكَ وَكَانَ أَعْمَى» . (قَوْلُهُ وَمُبْتَدِعٍ) أَيْ صَاحِبِ بِدْعَةٍ وَهِيَ مَا أُحْدِثَ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ الْمُتَلَقَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ حَالٍ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ أَوْ اسْتِحْسَانٍ وَجَعْلِهِ دِينًا قَوِيمًا وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، كَذَا قَالَ الشُّمُنِّيُّ وَفِي الْمُغْرِبِ هِيَ أَمْرُ مَنْ ابْتَدَعَ الْأَمْرَ إذَا ابْتَدَأَهُ وَأَحْدَثَهُ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى مَنْ بِهِ زِيَادَةٌ فِي الدِّينِ أَوْ نُقْصَانٌ مِنْهُ

[جماعة النساء وحدهن]

عَلَيْهِ الْجَهْلُ، وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» . (وَكُرِهَ تَطْوِيلُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (الصَّلَاةَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ فَإِنَّ فِيهِمْ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» . (وَكُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ) وَحْدَهُنَّ (إذْ يَلْزَمُهُنَّ أَحَدُ الْمَحْظُورَيْنِ) قِيَامِ الْإِمَامِ وَسْطَ الصَّفِّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَوْ تَقَدُّمُ الْإِمَامِ وَهُوَ أَيْضًا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِنَّ (وَلَوْ فَعَلْنَ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْإِمَامُ) بَلْ يَقِفُ وَسْطَهُنَّ إذْ بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ (كَالْعُرَاةِ) جَمْعُ عَارٍ فَإِنَّهُمْ إذَا صَلَّوْا لَمْ يَتَقَدَّمْ إمَامُهُمْ. (وَكُرِهَ حُضُورُ الشَّابَّةِ كُلَّ جَمَاعَةٍ) فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَ) حُضُورُ (الْعَجُوزِ الظُّهْرَيْنِ) أَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (وَالْجُمُعَةِ) ؛ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَجْتَمِعُونَ فِي أَوْقَاتِهَا وَفَرْطُ شَبَقِهِمْ قَدْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى رَغْبَةِ الْعَجَائِزِ وَفِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ يَنَامُونَ وَفِي الْمَغْرِبِ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَالْجَبَّانَةُ مُتَّسِعَةٌ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ فِي الْكَافِي الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) أَقُولُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى إلَّا أَنْ يُقَالَ قَدَّمَ وُجْهَةَ الْكَرَاهَةِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْتَقِلًّا وَلَئِنْ سُلِّمَ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ وَجْهُ كَرَاهَةِ إمَامَةِ الْمُبْتَدِعِ، وَوَجْهُهَا أَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِإِهَانَتِهِ كَالْفَاسِقِ. (تَتِمَّةٌ) : لَوْ قَالَ وَكُرِهَ إمَامَةُ الْجَاهِلِ لَاسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا. اهـ. وَالِاقْتِدَاءُ بِالْفَاسِقِ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ. وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى لِجَهْلِهِمْ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قِيَاسِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعِلَّةَ قَاصِرَةٌ لِانْتِفَائِهَا فِي الْأَعْمَى وَالْمُبْتَدِعِ اهـ. وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ فَإِنْ كَانَ مُرَاعِيًا لِلشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ عِنْدَنَا فَالِاقْتِدَاءُ بِهِ صَحِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ. وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْكِفَايَةِ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ مَكْرُوهٌ لَكِنَّهُ إنْ عَلِمَ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَالْفَصْدِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ شَاهَدَهُ يَمَسُّ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قِيلَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَالْأَقْيَسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِي زَعْمِ الْإِمَامِ أَنَّ صَلَاتَهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ اهـ قُلْت يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ كُرِهَ أَنَّ مَحِلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا جَهِلَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ لَكِنَّهُ إنْ عَلِمَ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ. . . إلَخْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوِتْرِ اهـ. وَيُفِيدُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِمَا لَا يُخِلُّ بِالشَّرَائِطِ لَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ اهـ. وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مَعَ مُرَاعَاتِهِ لِلشَّرَائِطِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ عَنْ النِّهَايَةِ إذَا عَلِمَ مِنْهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ مَرَّةً عَدَمَ الْوُضُوءِ مِنْ الْحِجَامَةِ ثُمَّ غَابَ عَنْهُ ثُمَّ رَآهُ يُصَلِّي فَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ قَالَهُ إنْ عَلِمَ مِنْهُ الِاحْتِيَاطَ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَتَمَامُ تَفْرِيعِهِ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) ظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِلْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ إلَّا لِصَارِفٍ وَلِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ بَحَثْنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَا نَهَى عَنْهُ غَيْرَ مَا كَانَ دَأْبَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ اهـ قُلْت فِي إطْلَاقِ الْبَحْثِ تَأَمُّلٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُصَلِّ بِهِمْ صَلَاةَ أَضْعَفِهِمْ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى صَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ وَصَلَاةُ أَضْعَفِهِمْ لَا تَبْلُغُ الْمَسْنُونَ لِغَيْرِهِ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَعَ مُرَاعَاةِ حَالَةٍ مَسْنُونَةٍ لِلْحَدِيثِ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا لَهُ أَوْجَزْت قَالَ سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيت أَنْ تَفُتْنَ أُمُّهُ» اهـ. وَلَا يَخْرُجُ مَا قُلْنَاهُ عَنْ كَلَامِ الْمُحَقِّقِ لِقَوْلِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ. [جَمَاعَة النِّسَاء وَحْدهنَّ] (قَوْلُهُ وَكُرِهَ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ) أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّهَا تَفُوتُ لِلْبَاقِيَاتِ بِأَدَاءِ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَلِيُصَلِّيَنهَا جَمَاعَةً كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ إذَا أَمَّهُنَّ رَجُلٌ فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ مَعَهُنَّ مَحْرَمٌ لَهُ أَوْ زَوْجَةٌ لَا فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْضًا مَكْرُوهٌ فِي حَقِّهِنَّ) أَيْ كَمَا كُرِهَ لِإِمَامِ الرِّجَالِ الْقِيَامُ وَسْطَ الصَّفِّ كَذَلِكَ كُرِهَ لِإِمَامِ النِّسَاءِ الْقِيَامُ أَمَامَهُنَّ. (قَوْلُهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْإِمَامُ) أَقُولُ لَمْ يَقُلْ الْإِمَامَةَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ. (قَوْلُهُ بَلْ يَقِفُ وَسْطَهُنَّ) أَقُولُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَقِبُهَا عَنْ عَقِبِ مَنْ خَلْفَهَا لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ اهـ. وَالْوَسْطُ بِسُكُونِ السِّينِ لِمَا كَانَ يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَالصَّفِّ وَالْقِلَادَةِ وَبِفَتْحِهَا لِمَا لَا يَبِينُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. (قَوْلُهُ كَالْعُرَاةِ جَمْعُ عَارٍ) أَقُولُ التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِلْحُكْمِ وَالْكَيْفِيَّةِ فَتُكْرَهُ جَمَاعَةُ الْعُرَاةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ غَيْرُهُ وَأَفْتَى الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَنْعِ الْعَجُوزِ مِنْ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ كُلِّهَا اهـ. وَهُوَ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي وَمَتَى كُرِهَ حُضُورُ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ لَأَنْ يُكْرَهَ حُضُورُ مَجَالِسِ الْوَعْظِ خُصُوصًا عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ الَّذِينَ تَحَلَّوْا بِحِلْيَةِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى، ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُعْتَمَدُ مَنْعُ الْكُلِّ فِي الْكُلِّ إلَّا الْعَجَائِزَ الْمُتَفَانِيَاتِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي دُونَ الْعَجَائِزِ الْمُتَبَرِّحَاتِ وَذَوَاتِ الرَّمَقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِهِنَّ فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

لِظُهُورِ الْفَسَادِ. (وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ يَمِينِ الْإِمَامِ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ فَوَقَعَ سُجُودُهُ أَمَامَ الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَضْعِ الْوُقُوفِ لَا لِمَكَانِ السُّجُودِ، وَإِنْ صَلَّى فِي يَسَارِهِ أَوْ فِي خَلْفِهِ جَازَ وَأَسَاءَ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ. (وَ) يَقِفُ (الِاثْنَانِ خَلْفَهُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَلِكَ. (وَيَقْتَدِي مُتَوَضِّئٌ بِمُتَيَمِّمٍ) ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ عِنْدَنَا كَالْوُضُوءِ وَلِهَذَا لَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ. (وَ) يَقْتَدِي (غَاسِلٌ بِمَاسِحٍ) ؛ لِأَنَّ الْخُلْفَ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفَّيْنِ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ (وَقَائِمٌ بِقَاعِدٍ) ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ» (وَمُومِئٌ بِمُومِئٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا (وَمُتَنَفِّلٌ بِمُفْتَرِضٍ) ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَقِفُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِهِ) أَقُولُ أَيْ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ لَا وَالْمَرْأَةُ لَا تَكُونُ إلَّا خَلْفَهُ أَوْ خَلْفَ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ الذُّكُورِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَيْ فَيَكُونُ مُحَاذِيًا لِيَمِينِ الْإِمَامِ مُسَاوِيًا لَهُ لَا كَمَا رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ. . . إلَخْ) اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ شَرْطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ. (قَوْلُهُ وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ) أَقُولُ وَعَنْ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ يَقُومُ وَسْطَهُمَا، وَلَوْ قَالَ كَالنُّقَايَةِ وَالزَّائِدُ خَلْفَهُ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ وَيَقْتَدِي مُتَوَضِّئٌ بِمُتَيَمِّمٍ) قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَ الْمُتَوَضِّئِينَ مَاءٌ خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَصْلِهِ. (فَرْعٌ إذَا رَأَى) الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِي بِالْمُتَيَمِّمِ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ وَمَنَعَهُ زُفَرُ بِأَنْ وُجُودَهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِعِلْمِهِ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِأَنْ يُحْمَلُ الْفَسَادُ عِنْدَهُمْ إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ عِنْدَنَا كَالْوُضُوءِ) أَشَارَ بِهِ إلَى الْخِلَافِ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ فِي صِحَّةِ اقْتِدَاء الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فَأَجَازَاهُ وَمَنَعَهُ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْخَلَفِيَّةَ بَيْنَ التُّرَابِ وَالْمَاءِ عِنْدَهُمَا وَظَاهِرُ النَّصِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَاسْتَوَتْ الطَّهَارَتَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ فَيَصِيرُ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِيهَا بِالْمُتَيَمِّمِ لَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَغَاسِلٌ بِمَاسِحٍ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ خَصَّهُ بِمَاسِحِ الْخُفَّيْنِ وَالْمَتْنُ يَحْتَمِلُ أَعَمَّ مِنْهُ لِشُمُولِهِ مَسْحَ الْجَبَائِرِ. (قَوْلُهُ وَقَائِمٌ بِقَاعِدٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. . . إلَخْ) هَذَا دَلِيلُهُمَا وَادَّعَى مُحَمَّدٌ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ الْأَحْوَطُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ قُلْت وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ النَّفْلِ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ فِي التَّرَاوِيحِ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ) هِيَ الظُّهْرُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامًا اهـ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِإِمَامَةِ الْأَحْدَبِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَبُهُ حَدَّ الرُّكُوعِ وَإِذَا بَلَغَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ هَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَقِيلَ تَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ بَاحِثًا وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ اسْتِوَاءُ النِّصْفِ الْأَعْلَى وَفِي الْحَدَبِ اسْتِوَاءُ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ جَعَلَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ سَنَدًا لِلْخِلَافِ وَهُوَ فِي مُطْلَقِ الْأَحْدَبِ وَالْخِلَافُ فِي بَالِغِ حَدَبُهُ الرُّكُوعَ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَأَمَّا إمَامَةُ الْأَحْدَبِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ حَدَبَهُ إذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ فَعَلَى الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ اسْتِوَاءُ النِّصْفَيْنِ، وَقَدْ وُجِدَ اسْتِوَاءُ الْأَسْفَلِ فَيَجُوزُ عِنْدَهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَاعِدُ الْقَائِمَ لِوُجُودِ اسْتِوَاءِ نِصْفِهِ الْأَعْلَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ. وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ، وَقَدْ قِيلَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُومِئَ الْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا وَالْإِمَامُ مُضْطَجِعًا) أَيْ فَلَا يَجُوزُ وَهَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ يَجُوزُ كَمَا التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٌ بِمُفْتَرِضٍ) أَقُولُ وَيَصِحُّ، وَلَوْ أَفْسَدَ وَاقْتَدَى بِهِ فِيهِ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْقِرَاءَةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً لِلْإِمَامِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَفَرْضًا عَلَى الْمُقْتَدِي لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ أَخَذَتْ حُكْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِالِاقْتِدَاءِ وَلِذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ أَرْبَعٌ فِي اقْتِدَائِهِ بِمُصَلِّي الرُّبَاعِيَّةِ وَكَانَ تَبَعًا لِإِمَامِهِ فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي نَفْلًا فِي حَقِّهِ كَإِمَامِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ أَمَّا لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ أَيْ اقْتِدَاءَ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ فَشَمِلَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِالْمَكْتُوبَةِ ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اخْتِلَافًا وَأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ الْجَوَازِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ اهـ قُلْت لَيْسَ فِي عِبَارَةِ قَاضِي خَانْ نَفْيُ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ بِالْمَكْتُوبَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ إذَا صَلَّى

فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَيَتَحَقَّقُ الْبِنَاءُ (وَبِمُتَنَفِّلٍ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَالِ (وَحَالِفٌ بِحَالِفٍ) يَعْنِي حَلَفَ رَجُلَانِ أَنْ يُصَلِّيَ كُلٌّ مِنْهُمَا رَكْعَتَيْنِ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ صَحَّ كَاقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُتَنَفِّلِ. (وَ) حَالِفٌ (بِنَاذِرٍ) يَعْنِي نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَآخَرُ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ رَكْعَتَيْنِ وَاقْتَدَى الْحَالِفُ بِالنَّاذِرِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَاقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ (بِلَا عَكْسٍ) أَيْ لَا يَقْتَدِي نَاذِرٌ بِحَالِفٍ؛ لِأَنَّهُ كَاقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ (لَا نَاذِرٌ بِنَاذِرٍ) يَعْنِي نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَآخَرُ كَذَلِكَ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تِلْكَ الْمَنْذُورَةَ) بِأَنْ نَذَرَ رَجُلٌ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ آخَرُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ تِلْكَ الْمَنْذُورَةِ ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ جَازَ لِوُجُودِ الِاشْتِرَاكِ (وَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ) أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا. وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ (وَلَا طَاهِرٌ بِمَعْذُورٍ وَلَا قَارِئٌ بِأُمِّيٍّ وَلَابِسٌ بِعَارٍ وَغَيْرُ مُومِئٍ بِمُومِئٍ وَمُفْتَرِضٌ بِمُتَنَفِّلٍ) ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ وَذَا لَا يَجُوزُ (وَبِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ) لِانْتِفَاءِ الِاشْتِرَاكِ (وَلَا مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ بَعْدَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَغَيَّرُ) بِالسَّفَرِ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْرِيمَةُ الْمُقِيمِ أَيْضًا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ كَانَتْ فِي الْوَقْتِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ فَاقْتَدَى الْمُسَافِرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَحْرِيمَتُهُمَا فِي الْوَقْتِ فَخَرَجَ وَهُمَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا لَا يَتَغَيَّرُ كَالْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ حُكْمًا أَمَّا فِي الْقَعْدَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ إذْ الْقَعْدَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِ نَفْلٌ عَلَى الْإِمَامِ فَرْضٌ عَلَى الْمُقْتَدِي (بَلْ فِي الْوَقْتِ) أَيْ يَقْتَدِي الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ فِيمَا يَتَغَيَّرُ فِي الْوَقْتِ لِاتِّحَادِ حَالِهِمَا فِي الِافْتِرَاضِ وَالتَّنَفُّلِ إذْ يَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ تَكْمِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ فَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ وَلَمْ يَنْوِ التَّرَاوِيحَ وَلَا صَلَاةَ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِرَجُلٍ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْمَكْتُوبَةَ وَلَا صَلَاةَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. . وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِصِ بِالْمُتَنَفِّلِ وَعَلَى الْقَلْبِ يَجُوزُ اهـ نَعَمْ مَا نَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِقَاضِي خَانْ صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فَقَالَ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْ التَّرَاوِيحِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَى كُلِّ شَفْعٍ يُكْرَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَحَالِفٌ بِنَاذِرٍ بِلَا عَكْسٍ) قَدْ جَعَلَ الْحَالِفَ كَالْمُتَنَفِّلِ وَالنَّاذِرَ كَالْمُفْتَرِضِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِمَا نَذَرَهُ أَوْ حَلَفَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَالْفَرْقُ مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ أَقْوَى مِنْ الْمَحْلُوفِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَصْدًا وَوُجُوبُ الْمَحْلُوفِ بِهَا عَارِضًا لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ وَبِالنَّاذِرِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ جَوَازَ اقْتِدَاءِ الْحَالِفِ بِالْمُتَطَوِّعِ بِخِلَافِ النَّاذِرِ بِالْمُتَطَوِّعِ وَبَحَثَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ الْمَحْلُوفُ بِهَا خَلْفَ النَّافِلَةِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ. (قَوْلُهُ وَبِمُتَنَفِّلٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الِاقْتِدَاءَ بِمُصَلِّي سُنَّةٍ أُخْرَى كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ أَوْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةِ خَلْفَ مُصَلِّي الْقَبْلِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ لَا نَاذِرٌ بِنَاذِرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُصَلِّيًا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَالنَّاذِرِينَ؛ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَفْلِيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. قُلْت يُعَارِضُ مَا نَقَلَهُ وَيُوَافِقُ مَا بَحَثَهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ طَافَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُسْبُوعًا فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ صَحَّ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْمُتَطَوِّعِ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا صَبِيٍّ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ النَّافِلَةَ خَلْفَهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الْبَالِغِ مَضْمُونٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَلَا يَرِدُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضًا ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الظَّانِّ مُجْتَهَدٌ فِيهِ لِوُجُوبِهِ عِنْدَ زُفَرَ، وَمَشَايِخُ بَلْخِي جَوَّزُوا اقْتِدَاءَ الْبَالِغِ بِالصَّبِيِّ فِي غَيْرِ الْفَرْضِ قِيَاسًا عَلَى الظَّانِّ وَالِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الصَّبِيِّ هَلْ هِيَ صَلَاةٌ أَمْ لَا؟ قِيلَ لَيْسَتْ صَلَاةً، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا تَخَلُّقًا وَلِهَذَا لَوْ صَلَّتْ الْمُرَاهِقَةُ بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَقِيلَ هِيَ صَلَاةٌ وَلِهَذَا لَوْ قَهْقَهَ الْمُرَاهِقُ فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ اهـ فَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَلَا طَاهِرٌ بِمَعْذُورٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمَعْذُورِ بِمِثْلِهِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّ إمَامَةَ الْإِنْسَانِ لِمُمَاثِلِهِ صَحِيحَةٌ إلَّا الْمُسْتَحَاضَةَ وَالضَّالَّةَ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلَ بِمِثْلِهِ وَلِمَنْ دُونَهُ صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا وَلِمَنْ فَوْقَهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا. اهـ. . (قَوْلُهُ وَلَا قَارِئٌ بِأُمِّيٍّ) أَشَارَ بِهِ إلَى جَوَازِ اقْتِدَائِهِ بِأُمِّيٍّ مِثْلِهِ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْأُمِّيِّ بِالْأَخْرَسِ لِكَوْنِهِ أَقْوَى مِنْهُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَفِي إمَامَةِ الْأَخْرَسِ بِالْأُمِّيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ

صَلَاتِهِ الرُّبَاعِيَّةِ حَالَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا فِي حَقِّ هَذِهِ الصَّلَاةِ تَبَعًا لِإِمَامِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِغَيْرِ الْمُفْتَرِضِ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَفِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ إذْ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) أَيْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ صَلَّى بِقَوْمٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ جَنَابَةً أَعَادَ وَأَعَادُوا» . (اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) أَمَّا صَلَاةُ الْقَارِئِ فَلِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا. وَأَمَّا صَلَاةُ الْأُمِّيَيْنِ فَلِأَنَّهُمَا لَمَّا رَغِبَا فِي الْجَمَاعَةِ وَجَبَ أَنْ يَقْتَدِيَا بِالْقَارِئِ لِتَكُونَ قِرَاءَتُهُ قِرَاءَةً لَهُمَا فَتَرَكَا الْقِرَاءَةَ التَّقْدِيرِيَّةَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَارِئُ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَسَدَتْ لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ وَجَبَتْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلَمْ تُوجَدْ، خَصَّ الْأُخْرَيَيْنِ بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَصْلُحَ الْأُمِّيُّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِلِاسْتِخْلَافِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا. (وَيُصَفُّ الرِّجَالُ) خَلْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذْ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا أَتَمَّ الْمُسَافِرُ وَحْدَهُ وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ فِي تَنَفُّلِهِ بِالْأُخْرَيَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ لِصَيْرُورَةِ رَكَعَاتِهِ فَرْضًا فَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ لِاتِّحَادِ صِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذْ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ فِيمَا لَوْ كَانَ وَلَا رَكَعَاتِ نَفْلٍ حَالَ الِاقْتِدَاءِ لِيَخْتَلِفَ بِهَا الْحَالُ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَكَانَ حَالُهُمَا وَاحِدًا فِي صِفَةِ الرَّكَعَاتِ وَقِرَاءَتِهَا فَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ اهـ. وَمَعَ هَذَا لَا يَخْفَى عَدَمُ مُنَاسَبَةِ تَعْلِيلِهِ لِلْمَقَامِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إذْ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ مُتَّحِدَةٌ فِي حَقِّهِمَا. (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَمْ يَرِدْ ثَمَّ عَلَى مَا هُنَا بَلْ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ وَأَحَالَ عَلَى شُرُوحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثٌ أَعَادَ) الْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِالْفَرْضِ لَا الْإِعَادَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ أَيْ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْجَابِرَةِ لِلنَّقْصِ فِي الْمُؤَدَّى فَلَوْ قَالَ بَطَلَتْ لَكَانَ أَوْلَى وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا ظَهَرَ حَدَثُ الْإِمَامِ وَلَا مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُ إعَادَتُهُ إذَا أُخْبِرَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِمُشَاهَدَةِ الْمُقْتَدِي الْمُنَافِيَ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ بِإِخْبَارِ الْإِمَامِ فَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى أَخْبَرَهُمْ الْإِمَامُ أَنَّهُ أَمَّهُمْ شَهْرًا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ مَعَ عِلْمِهِ بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ لَا تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِكُفْرِهِ وَقَوْلُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي الدِّيَانَاتِ فَكَيْفَ قَوْلُ الْكَافِرِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ إذَا صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ الْمَانِعَةِ عَمْدًا لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا لِقَوْلِ مَالِكٍ بِسُنِّيَّتِهَا. اهـ. قُلْت فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَمِّدًا الصَّلَاةَ مَعَ الْمُنَافِي وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ بِقَوْلِهِ لَوْ قَالَ كُنْت مُحْدِثًا أَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِي نَجَاسَةٌ فَعَلَى الْقَوْمِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ وَيُعِيدُوا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي أُمُورِ الدِّينِ حُجَّةٌ يُعْمَلُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَاجِنًا فَلَا يُصَدِّقُوهُ وَالْمَاجِنُ الْفَاسِقُ وَهُوَ أَنْ لَا يُبَالِيَ بِمَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ وَتَكُونُ أَعْمَالُهُ عَلَى نَهْجِ أَعْمَالِ الْفُسَّاقِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يُعْلِمَ الْجَمَاعَةَ بِحَالِهِ وَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ لَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ الْإِعْلَامُ إذَا كَانُوا قَوْمًا غَيْرَ مُعَيَّنِينَ. وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا أَمَّ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ التَّفْرِيقِ يَجِبُ الْإِخْبَارُ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِلِسَانِهِ أَوْ كِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ يُخْبِرُهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَنَظِيرُهُ إذَا رَأَى غَيْرَهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءٍ نَجِسٍ أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ) أَقُولُ سَوَاءٌ عَلِمَ الْأُمِّيُّ حَالَ مَنْ خَلْفَهُ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَارِئَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ مُنْفَرِدًا وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفَائِدَتُهُ عَدَمُ انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ بِالْقَهْقَهَةِ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرُهُ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا قَالَ بَعْدَهُ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَصْحِيحُ الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا صَلَاةُ الْأُمِّيَيْنِ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِفَسَادِ صَلَاةِ الْأُمِّيِّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْقَارِئِ وَلَا تَفْسُدُ إنْ صَلَّى وَحْدَهُ مَعَ وُجُودِ الْقَارِئِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمَا رَغْبَةٌ فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ اقْتَدَى الْأُمِّيُّ ثُمَّ حَضَرَ الْقَارِئُ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَلَوْ حَضَرَ الْأُمِّيُّ بَعْدَ افْتِتَاحِ الْقَارِئِ فَلَمْ يَقْتَدِ بِهِ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ اهـ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّصْحِيحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْقَارِئُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَأَجْمَعُوا عَلَى الصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ، وَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَسَائِلِ الْأُمِّيِّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ لَيْسَ بِقَادِرٍ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَا كَذَلِكَ هَاهُنَا إذْ لَوْ أَحْرَمَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا فَائْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَيُصَفُّ الرِّجَالُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ قِيلَ الْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ تَنْتَهِي إلَى اثْنَيْ عَشَرَ صَفًّا وَالتَّرْتِيبُ الْحَاضِرُ لَهَا أَنْ يُقَدَّمَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى

الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» أَيْ لِيَقْرُبْ مِنِّي الْبَالِغُونَ (فَالصِّبْيَانُ فَالْخَنَاثَى) بِفَتْحِ الْخَاءِ جَمْعُ الْخُنْثَى كَالْحَبَالَى جَمْعُ الْحُبْلَى قَدَّمَ الصِّبْيَانَ لِتَمَحُّضِهِمْ فِي الذُّكُورَةِ (فَالنِّسَاءُ لَوْ حَاذَتْهُ قَدْرَ رُكْنٍ) اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ مُفْسِدَةً لِلصَّلَاةِ مَشْرُوطٌ بِأُمُورٍ الْأَوَّلُ الْمُكْثُ فِي مَكَانِ الْمُحَاذَاةِ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ حَتَّى لَا يُفْسِدَهَا مَا دُونَهُ. الثَّانِي كَوْنُ الْمُحَاذِيَةِ مُشْتَهَاةً بِأَنْ كَانَتْ ضَخْمَةً قَابِلَةً لِلْجِمَاعِ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُرَادُ كَوْنُهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى لَا يُفْسِدُهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَحْرَمًا أَوْ عَجُوزًا تَنْفِرُ عَنْهَا الطِّبَاعُ تُفْسِدُ. الثَّالِثُ كَوْنُ صَلَاتِهِمَا ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَإِنْ كَانَا يُصَلِّيَانِ بِالْإِيمَاءِ حَتَّى إنَّ الْمُحَاذَاةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا تُفْسِدُ. الرَّابِعُ كَوْنُ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَأْدِيَةً بِأَنْ يَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِبَارُ ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ اهـ قُلْت لَاحَ لِي اشْتِبَاهٌ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْخُنْثَى، وَقَدْ صَارَ خَلْفَ صَفِّ مِثْلِهِ أَوْ مُحَاذِيًا لَهُ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ فَتَفْسُدُ بِالْمُحَاذَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إمْكَانِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ صِحَّةُ صَلَاةِ أَصْحَابِهَا وَذَلِكَ لِمُعَامَلَةِ الْخُنْثَى بِالْأَضَرِّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ اهـ. وَأَجَابَ شَيْخُنَا أَمْتَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ بِأَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِيمَا إذَا وُجِدَ مَعَهُ مَنْ حَالُهُ وَاضِحَةٌ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي الِاصْطِفَافِ وَالْقِيَامِ مُحَاذِيًا لِمِثْلِهِ اهـ لَكِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إمَامَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِمِثْلِهِ اهـ. وَبِهِ يَظْهَرُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِمُحَاذَاتِهِ لِمِثْلِهِ وَاصْطِفَافِهِ خَلْفَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ إذَا قَامُوا إلَى صَلَاةٍ أَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا بَيْنَ مَنَاكِبِهِمْ فِي الصُّفُوفِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ بِإِزَاءِ الْوَسْطِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ أَسَاءَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْمَلَ مَا يَلِي الْإِمَامَ مِنْ الصُّفُوفِ حَتَّى إنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةً دُونَ الثَّانِي لَهُ أَنْ يَخْرِقَ الثَّانِيَ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ لِتَقْصِيرِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَسُدُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ مَا يُكْمِلُوا مَا يَلِيهِ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً سَدَّهَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ لَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ مَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ» . وَرَوَى الْبَزَّارُ وَبِإِسْنَادِ حَسَنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً مِنْ الصَّفِّ غُفِرَ لَهُ» وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ تَحَرُّكِهِ لِأَجْلِهِ بَلْ ذَلِكَ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةِ سَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ، وَالْقِيَامُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي ثُمَّ وَثُمَّ لِمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْزَلَ الرَّحْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ يُنْزِلُهَا أَوَّلًا عَلَى الْإِمَامِ ثُمَّ تَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى مَنْ يُحَاذِيهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ إلَى الْمَيَامِنِ ثُمَّ إلَى الْمَيَاسِرِ ثُمَّ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي» وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْتَبُ لِلَّذِي خَلْفَ الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ مِائَةُ صَلَاةٍ وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ خَمْسُونَ صَلَاةً وَلِلَّذِي فِي سَائِرِ الصُّفُوفِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ صَلَاةً» كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ حَاذَتْهُ) الضَّمِيرُ لِلْمُصَلِّي الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَالْخِطَابِ بِتَأْخِيرِهِنَّ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الصَّبِيِّ بِالْمُحَاذَاةِ عَلَى هَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ قَدْرَ رُكْنٍ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِأَدَائِهِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ الْخَامِسُ أَيْ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا وَخَلْفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ قِيلَ هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَوْ وَقَفَتْ قَدْرَهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ، وَقِيلَ لَوْ حَاذَتْهُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِهِ فَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا إلَّا فِي قَدْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ كَوْنُهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجْنُونَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَتْ كَالصَّغِيرَةِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِمُحَاذَاةِ الْمَجْنُونَةِ بِعَدَمِ جَوَازِ صَلَاتِهَا كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَكُونُ خَارِجَةً بِقَيْدِ الِاشْتِرَاكِ تَأْدِيَةً. (قَوْلُهُ الرَّابِعُ كَوْنُ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا تَأْدِيَةً. . . إلَخْ) أَقُولُ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ مُشْتَرَكَةً تَأْدِيَةً عَمَّا قِيلَ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً إذْ يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ تَأْدِيَةً اشْتِرَاكُ تَحْرِيمَةٍ وَيَعُمُّ الِاشْتِرَاكَيْنِ كَمَا فُسِّرَ بِهِ وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ قِيلَ بَدَلَ مُشْتَرَكَةً تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً مُشْتَرَكَةً أَدَاءً وَيُفَسَّرُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَالَةَ الْمُحَاذَاةِ أَوْ أَحَدُهُمَا إمَامٌ لِلْآخَرِ لَعَمَّ الِاشْتِرَاكَيْنِ اهـ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ لَكِنْ ذَكَرُوهُمَا لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ أَدَاءً الِاشْتِرَاكُ تَحْرِيمَةً اهـ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا أَنَّهُمْ أَفْرَدُوا بِالذِّكْرِ كُلًّا مِنْ الِاشْتِرَاكِ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً، وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَدَاءِ مُغْنِيًا تَفْصِيلًا لِمَحِلِّ

أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ أَوْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ فَيَشْمَلُ الشَّرِكَةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَبَيْنَ الْمَأْمُومِينَ ثُمَّ إنَّ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الصَّلَاةِ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْمُدْرِكِ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا كَمَا فِي اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَقْتَضِي كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَيْضًا إنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ الْمُحَاذَاةَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُفْسِدَةٌ. الْخَامِسُ كَوْنُهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ بِلَا حَائِلٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْمُحَاذَاةَ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ؛ لِأَنَّ أَدْنَى الْأَحْوَالِ الْقُعُودُ فَقُدِّرَ أَدْنَاهُ بِهِ وَغِلَظُهُ كَغِلَظِ الْإِصْبَعِ وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ وَلِهَذَا لَمْ يُفْرِدْهَا بِالذِّكْرِ وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مَا يَقُومُ فِيهِ الرَّجُلُ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. السَّادِسُ كَوْنُ جِهَتِهِمَا مُتَّحِدَةً حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَتْ لَا تُفْسِدُ وَلَا يُتَصَوَّرُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ إلَّا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَصَلَّى كُلٌّ بِالتَّحَرِّي كَذَا قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ. السَّابِعُ أَنْ يَنْوِيَ إمَامَتَهَا وَإِمَامَةَ النِّسَاءِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُحَاذَاةَ لَا يَجِبُ كَوْنُهَا بِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ بَلْ يَكْفِي كَوْنُهَا بِبَعْضِهَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ حَدُّ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَالرَّجُلُ بِحِذَائِهَا أَسْفَلُ مِنْهَا إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ إذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ مُشْتَهَاةٌ فَاعِلُ حَاذَتْهُ أَيْ حَاذَتْ مُشْتَهَاةٌ رَجُلًا مِقْدَارَ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ) كَانَتْ تِلْكَ الْمُحَاذَاةُ (بِعُضْوٍ) وَاحِدٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ قَدْرَ رُكْنٍ إشَارَةً إلَى الشَّرْطِ الْأَوَّلِ. وَقَوْلُهُ (مُشْتَهَاةً، وَلَوْ مَحْرَمًا لَهُ) بِأَنْ تَكُونَ أُخْتَهُ أَوْ بِنْتَه أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي. وَقَوْلُهُ (فِي صَلَاتِهِمَا الْكَامِلَةِ) إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ. وَقَوْلُهُ (الْمُشْتَرَكَةُ تَأْدِيَةً) إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَلَمْ يَقُلْ أَدَاءً لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مُقَابِلُ الْقَضَاءِ. وَقَوْلُهُ (فِي مَكَان بِلَا حَائِلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حَاذَتْهُ وَإِشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ الْخَامِسِ. وَقَوْلُهُ (وَاتَّحَدَتْ جِهَتُهُمَا) إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ السَّادِسِ. وَقَوْلُهُ (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ لَوْ حَاذَتْهُ. وَقَوْلُهُ (إنْ نَوَى إمَامَتَهَا وَإِلَّا صَلَاتَهَا) إشَارَةٌ إلَى الشَّرْطِ السَّابِعِ. (قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ ظُلَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَتَحْتَهُمْ قُدَّامَهُمْ نِسَاءٌ أَوْ طَرِيقٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمْ) ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ وَصَفَّ النِّسَاءِ مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَوْ بِحِذَائِهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ نِسَاءٌ جَازَتْ) صَلَاةُ مَنْ كَانَ عَلَى الظُّلَّةِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نِسَاءٌ فَلَا مُحَاذَاةَ هَاهُنَا لِمَكَانِ الْحَائِلِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ كَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ صَلَّيَا صَلَاةً وَاحِدَةً وَبَيْنَهُمَا حَائِطٌ. (الْمُصَلِّي عَلَى رُفُوفِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ فِي صَحْنِهِ مَكَانًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا) . (وَيَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ) بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي وَهُوَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْعَجَلَةُ وَالْأَوْقَارُ (وَالنَّهْرُ الْكَبِيرُ) وَهُوَ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الزَّوْرَقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِلَافِ عَنْ مَحِلِّ الْوِفَاقِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ تَحْرِيمَةً شَرْطٌ اتِّفَاقًا وَالِاشْتِرَاكُ أَدَاءً شَرْطٌ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ حُكْمًا كَمَا فِي اللَّاحِقِ فَإِنَّهُ فِيمَا يَقْتَضِي. . . إلَخْ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُمَا لَاحِقَانِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُمَا مُشْتَغِلَانِ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا فَانْعَدَمَتْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً وَإِنْ وُجِدَتْ تَحْرِيمَةً وَلَا بُدَّ مِنْ الْمَجْمُوعِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَأَيْضًا إنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ) أَقُولُ وَأَعَمُّ مِنْ اتِّحَادِ الصَّلَاةِ إذْ يَشْمَلُ مَا لَوْ اخْتَلَفَ صَلَاتُهُمَا حَتَّى لَوْ نَوَتْ الظُّهْرَ خَلْفَ مُصَلِّي الْعَصْرِ وَحَاذَتْهُ أَبْطَلَتْ صَلَاتَهُ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهَا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا يَصِحُّ نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنْ هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بَقَاءِ أَصْلِ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَسَادِ الِاقْتِدَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ الْخَامِسُ كَوْنُهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَالْإِشَارَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْحَائِلِ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ إذَا حَاذَتْهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ وَنَوَى إمَامَتَهَا فَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّأْخِيرُ بِالتَّقَدُّمِ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ لِلْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ فِي تَأْخِيرِهَا بِالْإِشَارَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ أَخَّرَ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ تَرَكَتْ حِينَئِذٍ فَرْضَ الْمُقَامِ فَتَسْفُدُ صَلَاتُهَا دُونَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْعَرِيضَةُ الَّتِي تُحَاذِي رَأْسَ الرَّاكِبِ وَتَشْدِيدُ الْخَاءِ خَطَأٌ قَالَهُ الْحَدَّادِيُّ. (قَوْلُهُ السَّابِعُ. . . إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَيْدِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ إلَّا بِنِيَّةِ إمَامَتِهَا إذْ لَوْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا. (قَوْلُهُ مُشْتَهَاةً) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى إخْرَاجِ مُحَاذَاةِ الْأَمْرَدِ فَقَدْ صَرَّحَ الْكُلُّ بِعَدَمِ إفْسَادِهَا إلَّا مَنْ شَذَّ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ فِي الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ ظُلَّةٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ، وَكَذَا مُخْتَصَرُ الظَّهِيرِيَّةِ قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ ظُلَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَتَحْتَ أَقْدَامِهِمْ نِسَاءٌ أَوْ طَرِيقٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِحِذَائِهِمْ) يَعْنِي عَنْ يَمِينِهِمْ أَوْ يَسَارِهِمْ فَتَغَايُرُ مَسْأَلَةَ مَا لَوْ كُنَّ تَحْتَ أَرْجُلِهِمْ وَقُدَّامَهُمْ. . (قَوْلُهُ الْمُصَلِّي عَلَى رُفُوفِ الْمَسْجِدِ) كَذَا مِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا إنَّ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ مَكْرُوهَةٌ. (قَوْلُهُ النَّهْرُ الْكَبِيرُ. . . إلَخْ) اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ، وَقَالَ

(فِي الْمَسْجِدِ) حَالٌ مِنْ الطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ (لَا) أَيْ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ (الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقِيلَ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ أَيْضًا (، وَقَدْرُ مَا يُمْكِنُ الِاصْطِفَافُ فِيهِ) حَالَ كَوْنِهِ (فِي الصَّحْرَاءِ، وَقِيلَ) يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ (فُرْجَةٌ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ) فِي الصَّحْرَاءِ. (وَالْجَبَّانَةُ عِنْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ كَالْمَسْجِدِ) قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ بِالْجَبَّانَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَضَاءٌ وَاتِّسَاعٌ؛ لِأَنَّ الْجَبَّانَةَ عِنْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ (الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي لَوْ كَانَ (بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (حَالُ الْإِمَامِ يَمْنَعُهُ) أَيْ الِاقْتِدَاءَ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَبِهْ (فَلَا) يَمْنَعُهُ (إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَكَانُ) قَالَ قَاضِي خَانْ إنْ قَامَ عَلَى الْجِدَارِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ دَارِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَإِنْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ، وَدَارُهُ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ سَطْحِ دَارِهِ كَثِيرُ التَّخَلُّلِ فَصَارَ الْمَكَانُ مُخْتَلِفًا، أَمَّا فِي الْبَيْتِ مَعَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَخَلَّلْ إلَّا الْحَائِطُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْمَكَانِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إلَّا إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَيْضًا الْإِمَامُ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيَمِينُ الْقِبْلَةِ مَا يَكُونُ حِذَاءَ يَسَارِ الْمُسْتَقْبِلِ وَيَسَارُ الْقِبْلَةِ مَا يَكُونُ بِحِذَاءِ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ. (تَكْمِلَةٌ) لِمَبَاحِثِ الِاقْتِدَاءِ (الْمُدْرِكُ) فِي الِاصْطِلَاحِ (مَنْ صَلَّى الرَّكَعَاتِ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقُ مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِهَا) أَيْ بِالرَّكَعَاتِ (كُلِّهَا) بِأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ الْأَخِيرِ أَوْ فِي التَّشَهُّدِ (أَوْ بِبَعْضِهَا) بِأَنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الثُّنَائِيَّةِ أَوْ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ. (وَاللَّاحِقُ مَنْ فَاتَهُ كُلُّهَا) أَيْ كُلُّ الرَّكَعَاتِ (أَوْ بَعْضُهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ) بِأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ وَجَاءَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَشَرَعَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بِالتَّمَامِ أَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ أَدَاءِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ فَشَرَعَ يُصَلِّي مَا فَاتَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِ الْمَسْبُوقُ (فِيمَا يَقْضِي) لَهُ جِهَتَانِ جِهَةُ الِانْفِرَادِ حَقِيقَةً فَإِنَّ مَا يُصَلِّي لَيْسَ مِمَّا الْتَزَمَهُ مَعَ الْإِمَامِ وَجِهَةُ الِاقْتِدَاءِ صُورَةً حَيْثُ بَنَى تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى كَانَ (كَالْمُنْفَرِدِ حَتَّى يُثْنِيَ) أَيْ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ الَّتِي يَجْهَرُ بِهَا (وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ وَيَفْسُدُ مَا يَقْضِي بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا بِالْمُحَاذَاةِ وَيَتَغَيَّرُ) إلَى الْأَرْبَعِ مَا يَقْضِي (بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَحَدُّ الْكَبِيرِ مَا لَا يُحْصَى شُرَكَاؤُهُ، وَقِيلَ مَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ اهـ. وَقِيلَ مَا يَجْتَازُهُ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ بِوَثْبَةٍ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الصُّفُوفِ فَضَاءٌ أَوْ اتِّسَاعٌ) عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ عَطَفَهَا بِالْوَاوِ لَا بِأَوْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَشْتَبِهْ فَلَا يَمْنَعُهُ إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَكَانُ) أَقُولُ هَذَا عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ لِمَا سَنَذْكُرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلِاشْتِبَاهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا خِلَافُ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِثْلَهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْحَدَثِ. اهـ. قُلْتُ فَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِيمَا لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ فَلَوْ اقْتَدَى مَنْ بِالْخَلَاوِي الْعُلْوِيَّةِ مِنْ خَانِقَاهُ الشَّيْخُونِيَّةِ بِإِمَامِهَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ حَتَّى مَنْ بِالْخَلْوَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَوْقَ الْإِيوَانِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّ أَبْوَابَهَا خَارِجَةٌ عَنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ اشْتَبَهَ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ لَا كَالِاقْتِدَاءِ مِنْ سَطْحِ دَارِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ اهـ إنَّمَا هُوَ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ وَالصَّحِيحُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ كَبِيرٌ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ مِنْهُ إلَى الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ حَالُهُ عَلَيْهِ بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِانْتِقَالَاتِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ اهـ. وَعَلَى الصَّحِيحِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمَحَالِّ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَبْوَابُهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ. (قَوْلُهُ أَمَّا فِي الْبَيْتِ مَعَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَخَلَّلْ إلَّا الْحَائِطُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) أَقُولُ إطْلَاقُ التَّخَلُّلِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ قَامَ عَلَى الْحَائِطِ وَلِذَا قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُتَّحِدًا مَعَ قَوْلِهِ، وَإِنْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ، وَقَدْ حَكَمَ فِيهِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَيْضًا الْإِمَامُ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. (قَوْلُهُ بِأَنَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْتَصُّ اللَّاحِقُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ بَعْدَ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى شَيْءٌ بِسَبَبِ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ زَحْمَةٍ أَوْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَهُوَ لَاحِقٌ وَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ وَهُوَ اللَّاحِقُ الْمَسْبُوقُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَنْ سُبِقَ بِأَوَّلِ الصَّلَاةِ ثُمَّ اقْتَدَى وَفَاتَهُ أَيْضًا بَعْضُهَا بِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَغَفْلَةٍ وَعِبَارَةُ مَتْنِهِ تَشْمَلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ اللَّاحِقَ هُوَ مَنْ فَاتَهُ بَعْدَ مَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِيَشْمَلَ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ وَتَعْرِيفُهُمْ اللَّاحِقَ بِأَنَّهُ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَفَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا بِعُذْرٍ تَسَاهُلٌ اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخُصَّ الْمُصَنِّفُ مَتْنَهُ بِمَا صَوَّرَهُ بِهِ لِيَشْمَلَ هَذَا الْقِسْمَ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا زَالَ عُذْرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا فَاتَهُ بِالْعُذْرِ ثُمَّ يَقْضِيَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ الَّذِي سُبِقَ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُرَتِّبْ هَكَذَا أَجَزْنَاهُ خِلَافًا

وَتَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ بِالسَّهْوِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا يَقْضِي وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُنْفَرِدِ. (وَ) بِالنَّظَرِ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ (كَالْمُقْتَدِي حَتَّى لَا يُؤْتَمَّ) أَيْ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ فِي حَقِّ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ (وَإِنْ صَلَحَ لِلْخِلَافَةِ) أَيْ؛ لَأَنْ يَجْعَلَهُ إمَامُهُ خَلِيفَةً لَهُ إذَا أَحْدَثَ (وَيَقْطَعُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ تَحْرِيمَتُهُ) أَيْ لَوْ كَبَّرَ نَاوِيًا اسْتِئْنَافَ صَلَاةٍ وَقَطَعَهَا يَصِيرُ مُسْتَأْنِفًا وَقَاطِعًا بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ (وَيَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ بِسَهْوِ إمَامِهِ) يَعْنِي لَوْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَعَلَى الْإِمَامِ سَجْدَتَا سَهْوٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ، وَلَوْ لَمْ يَعُدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ السُّجُودُ بِسَهْوِ غَيْرِهِ (وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) الْمَسْبُوقُ (فِي سَهْوِهِ) أَيْ سَهْوِ إمَامِهِ (وَيَأْتِي) الْمَسْبُوقُ (بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ) بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ (وَاللَّاحِقُ) لَيْسَ لَهُ الْجِهَتَانِ بَلْ هُوَ (كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى لَا يَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَلَا يَأْتِي بِقِرَاءَةٍ وَلَا سَهْوٍ) أَيْ سَجْدَةِ سَهْوٍ إذَا سَهَا (وَلَا بِمَا) أَيْ لَا يَأْتِي بِمَا (تَرَكَهُ إمَامُهُ بِالسَّهْوِ وَيَفْسُدُ مَا يَقْضِي بِالْمُحَاذَاةِ وَعِلْمِهِ بِخَطَأِ الْقِبْلَةِ مِنْ إمَامِهِ) وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُقْتَدِي (الْمَسْبُوقُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ وَآخِرَهَا فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ) مَعَ الْإِمَامِ (قَضَى بَعْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَفَصَلَ بِقَعْدَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَضَى رَكْعَةً فَكَأَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّشَهُّدِ (وَقَرَأَ فِي كُلٍّ) مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ (الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً) ؛ لِأَنَّ مَا يَقْضِي كَأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ، وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي أَحَدِهِمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ (وَلَوْ أَدْرَكَهَا) أَيْ رَكْعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQلِزُفَرَ وَصَوَّرَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فِي خَمْسِ صُوَرٍ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يُؤْتَمَّ) أَقُولُ، وَكَذَا لَا يَأْتَمُّ فِيمَا يَقْضِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَحَ لِلْخِلَافَةِ) أَقُولُ يَعْنِي فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا خُصُوصِ هَذَا الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا يَقْضِيهِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَلْ فِي حَالَةِ اقْتِدَائِهِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ إمَامِهِ. (قَوْلُهُ وَيَفْسُدُ مَا يَقْضِي بِالْمُحَاذَاةِ) أَيْ بِمُحَاذَاةِ لَاحِقَةِ مِثْلِهِ. (قَوْلُهُ وَعِلْمِهِ بِخَطَأِ الْقِبْلَةِ مِنْ إمَامِهِ) أَقُولُ، وَكَذَا بِتَبَدُّلِ اجْتِهَادِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ) أَيْ مَا لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَمِيعَ أَحْكَامِ الْمَسْبُوقِ إذْ لَهُ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا لَوْ ظَنَّ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَهْوًا فَسَجَدَ لَهُ فَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَا سَهْوَ فَالْأَشْهُرُ فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ الْخَامِسَةَ فَتَابَعَهُ الْمَسْبُوقُ إنْ قَعَدَ الْإِمَامُ عَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى يُقَيِّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ، وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ سَاهِيًا أَوْ قَبْلَهُ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ، وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ سَلَامُ عَمْدٍ فَتَفْسُدُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمَتَيْنِ فَوْرًا بَلْ يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الْإِمَامِ بَعْدَهُمَا لِاحْتِمَالِ سَهْوٍ عَلَى الْإِمَامِ فَيَصْبِرُ حَتَّى يَفْهَمَ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا مُحَصِّلُهُ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَرُبَّمَا اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ الْعَمَلَ بِالْجَائِزِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَقُومَ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ الْجُلُوسِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ إذَا خَافَ تَمَامَ مُدَّةِ مَسْحِهِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ أَوْ خُرُوجَ الْوَقْتِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْفَجْرِ أَوْ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَهُوَ مَعْذُورٌ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ خَافَ مُرُورَ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا، وَمِنْهَا لَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً وَعَادَ إلَيْهَا يُتَابِعُهُ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ لَيْسَ الْجِهَتَانِ. . . إلَخْ) هَذَا بَيَانُ أَحْكَامِهِ كَمَا وَعَدَ بِهِ وَلَمْ يُوفِ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ زَوَالِ عُذْرِهِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلًا فَالْأَوَّلُ وَاضِحٌ وَالثَّانِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا فَاتَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُتَابِعَ الْإِمَامَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ، فَلَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ أَوَّلًا ثُمَّ أَتَى بِمَا فَاتَهُ صَحَّ وَلَكِنْ يَأْثَمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ. وَقَالَ زُفَرُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِمَا فَاتَهُ أَوَّلًا، وَمِنْ أَحْكَامِهِ لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَهُوَ مُسَافِرٌ فَدَخَلَ مِصْرَهُ لِلْوُضُوءِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا تَنْقَلِبُ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا، وَمِنْهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِقَهْقَهَةِ الْإِمَامِ فِي مَوْضِعِ السَّلَامِ، وَقَدْ جَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ فِعْلَهُ أَدَاءً شَبِيهًا بِالْقَضَاءِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ تَغَيُّرِ فَرْضِهِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَالْمَسْبُوقُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ. . . إلَخْ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِمَّا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَلَوْ أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِبَ إحْرَامِهِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ مُشَارَكَتِهِ لِإِمَامِهِ فِيمَا أَدْرَكَهُ قَالُوا يُكْرَهُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقِيلَ تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِالْمَنْسُوخِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَصَحَّحَ فِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ عَدَمَ فَسَادِ صَلَاتِهِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ مَا صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْفَسَادِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْأَظْهَرُ الْقَوْلُ بِالْفَسَادِ لِمُوَافَقَتِهِ الْقَاعِدَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدْرَكَهَا) أَيْ رَكْعَةً مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. . . إلَخْ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِيهِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمَذْهَبَ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَيْضِ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمَا فَقَالَ نَاقِلًا عَنْ الْمُسْتَصْفَى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ثُمَّ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَأْتِي بِالثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةٍ خَاصَّةٍ، وَقَالَا يَأْتِي بِرَكْعَةٍ بِفَاتِحَةٍ

[باب الحدث في الصلاة]

(مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ صَلَّى رَكْعَةً) أُخْرَى (وَقَرَأَهُمَا) أَيْ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً (وَتَشَهَّدَ) ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّشَهُّدِ (ثُمَّ صَلَّى) رَكْعَةً (أُخْرَى وَقَرَأَهُمَا) أَيْ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً؛ لِأَنَّ مَا يَقْضِي أَوَّلُ صَلَاتِهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِرَاءَةِ (وَلَا يَتَشَهَّدُ) ؛ لِأَنَّ مَا يَقْضِي آخِرُ صَلَاتِهِ بِالنَّظَرِ إلَى التَّشَهُّدِ (وَخُيِّرَ فِي الثَّالِثَةِ) بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّرْكِ (وَالْأَفْضَلُ الْقِرَاءَةُ) . (بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ) (إمَامٌ سَبَقَهُ حَدَثٌ غَيْرُ مَانِعٍ لِلْبِنَاءِ) لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ كَمَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا سَيَظْهَرُ. (وَلَوْ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ سَبْقُ الْحَدَثِ (بَعْدَ التَّشَهُّدِ) قَبْلَ السَّلَامِ إذْ حِينَئِذٍ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُوجَدْ (يَسْتَخْلِفُ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ إمَامٌ أَيْ يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ إذْ خُلُوُّ مَكَانِ الْإِمَامِ عَنْ الْإِمَامِ يُفْسِدُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ، كَذَا فِي الْكَافِي صُورَةُ الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَتَأَخَّرَ مُحْدَوْدِبًا وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ رَعَفَ فَيَنْقَطِعُ عَنْهُ الظُّنُونُ وَيُقَدِّمُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ بِالْإِشَارَةِ، وَلَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ فِي الصَّحْرَاءِ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ هَذَا الْحَدَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسُورَةٍ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ أُولَاهُمَا بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ وَثَانِيَتُهُمَا بِفَاتِحَةٍ خَاصَّةٍ. [بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ] (قَوْلُهُ سَبَقَهُ حَدَثٌ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَلَوْ مِنْ تَنَحْنُحِهِ أَوْ عُطَاسِهِ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَصَحَّحُوا الْبِنَاءَ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنُحِهِ اهـ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ عَطَسَ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ مِنْ عُطَاسِهِ أَوْ تَنَحْنَحَ فَخَرَجَ مِنْ قُوَّتِهِ رِيحٌ قِيلَ لَا يَبْنِي هُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ. (قَوْلُهُ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَقُولُ يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ وَالْبِنَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْخُرُوجُ غَيْرَ فَرْضٍ بَلْ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ يَسْتَخْلِفُ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ إمَامٌ أَيْ اسْتِخْلَافُهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ عَامِلًا كَمَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَكَذَا أَيْ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ وَلَا يُقَدَّرُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اللُّزُومِ كَوَجَبَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَفْضَلُ لِلْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي الْبِنَاءُ صِيَانَةً لِلْجَمَاعَةِ وَلِلْمُنْفَرِدِ الِاسْتِئْنَافُ تَحَرُّزًا عَنْ الْخِلَافِ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتُونِ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الِاسْتِخْلَافُ صِيَانَةً لِصَلَاةِ الْقَوْمِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ قُلْت عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مَنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي كَمَا لَوْ كَانَ إمَامًا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ اتِّفَاقًا قَالُوا بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِخْلَافُ صِيَانَةً لِصَلَاةِ الْقَوْمِ اهـ فَلَا اتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ قَالُوا إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهَا فِيمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ اهـ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ اللَّازِمَ مِنْ حَيْثِيَّةِ بَقَاءِ صِحَّةِ صَلَاةِ الْقَوْمِ لَا مِنْ حَيْثِيَّةِ تَرَتُّبِ الْعِقَابِ بِتَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ تَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ إذْ خُلُوُّ مَكَانِ الْإِمَامِ عَنْ الْإِمَامِ يُفْسِدُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي) أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ وَقَفَ فِيهِ بَعْدَ الْحَدَثِ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي) أَقُولُ لَيْسَ جُمْلَتُهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ مِنْهُ بَلْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ صُورَةُ الِاسْتِخْلَافِ. . . إلَخْ) هَذَا عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ وَيُقَدِّمُ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ بِالْإِشَارَةِ) أَقُولُ أَوْ يَأْخُذُ ثَوْبَ مَنْ يُقَدِّمُهُ إلَى الْمِحْرَابِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَقُولُ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ ثُمَّ خَرَجَ فَحُكْمُهُ هُوَ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ لَوْ اسْتَحْلَفَ مِنْ آخِرِ الصُّفُوفِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إنْ نَوَى الْخَلِيفَةُ الْإِمَامَةَ مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ إمَامًا فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ مُتَقَدِّمَهُ دُونَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فِي صَفِّهِ وَمَنْ خَلْفَهُ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ إمَامًا إذَا قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَخَرَجَ الْأَوَّلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، وَشَرْطُ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَلِيفَةِ وَالْقَوْمِ أَنْ يَصِلَ الْخَلِيفَةُ إلَى الْمِحْرَابِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ حَتَّى جَاوَزَ هَذَا الْحَدَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْقَوْمِ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ سَوَاءٌ كَانَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً إلَى خَارِجِ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا وَسَيُصَرِّحُ بِهِ فِيمَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَهُوَ صَرِيحُ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ بِصُفُوفِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ اسْتِخْلَافُهُ وَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اهـ. وَمَفْهُومُهُ صِحَّةُ الِاسْتِخْلَافِ مِنْ خَارِجٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ وَقَلَبَ الْخِلَافَ صَاحِبُ الظَّهِيرِيَّةِ فَجَعَلَ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ مِنْ خَارِجٍ قَوْلَهُمَا لَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ إنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِخْلَافُ مَا دَامَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ اسْتَخْلَفَ رَجُلًا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ جَازَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ

وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ (كَمَا إذَا حَصِرَ) الْإِمَامُ (عَنْ الْقِرَاءَةِ) أَيْ قِرَاءَةِ قَدْرِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ حِينَئِذٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (فَيَتَوَضَّأُ) الْإِمَامُ (وَيَبْنِي) بَاقِيَهَا عَلَى مَا مَضَى (وَيُتِمُّ) صَلَاتَهُ (ثَمَّةَ) أَيْ مَكَانَ التَّوَضُّؤِ (أَوْ يَعُودُ) إلَى مَكَانِهِ (إنْ فَرَغَ إمَامُهُ) أَيْ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يُتِمُّ ثَمَّةَ أَوْ يَعُودُ (كَالْمُنْفَرِدِ) فَإِنَّهُ أَيْضًا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِتْمَامِ ثَمَّةَ وَبَيْنَ الْعَوْدِ، وَوَجْهُ التَّخْيِيرِ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ قِلَّةَ الْمَشْيِ، وَفِي الثَّانِي أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَيَخْتَارُ أَيًّا شَاءَ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ إمَامُهُ (عَادَ) إلَى مَكَانِهِ قَطْعًا (كَذَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ) أَقُولُ صُحِّحَ كُلٌّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الْأَصَحَّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ الْفَسَادُ اهـ. وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَمْ يُبَيِّنْ مُحَمَّدٌ حَالَ الْإِمَامِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا، وَذَكَرَ أَبُو عِصْمَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ كَالْمُنْفَرِدِ لِفَسَادِ اسْتِخْلَافِهِ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا إذَا حَصِرَ) بِوَزْنِ تَعِبَ فِعْلًا وَمَصْدَرًا الْعَيُّ وَضِيقُ الصَّدْرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي النِّهَايَةِ ضَمُّ الْحَاءِ فِيهِ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُصِرَ عَلَى فُعِلَ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ مِنْ حَصَرَهُ إذَا حَبَسَهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَعْنَاهُ حُبِسَ وَمُنِعَ عَنْ الْقِرَاءَةِ بِسَبَبِ خَجَلٍ أَوْ خَوْفٍ بِالْوَجْهَيْنِ حَصَلَ لِي السَّمَاعُ وَبِهِمَا صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَدْ وَرَدَتْ اللُّغَتَانِ أَيْضًا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ كَالصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ فَأَمَّا إنْكَارُ الْمُطَرِّزِيِّ ضَمَّ الْحَاءِ فَهُوَ فِي مَكْسُورِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَا يَجِيءُ لَهُ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ إلَّا فِي مَفْتُوحِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ يَجُوزُ بِنَاءُ الْفِعْلِ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ فَافْهَمْ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ حِينَئِذٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَقُولُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا الْحُكْمُ عِنْدَهُمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ هَلْ تَبْطُلُ أَوْ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ جَازَ أَيْ الِاسْتِخْلَافُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يُجْزِيهِمْ اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ بَلْ يُتِمُّهَا بِدُونِ الْقِرَاءَةِ كَالْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ أُمِّيِّينَ وَنَسَبَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إلَى السَّهْوِ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ قُلْت وَمَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهُ يُتِمُّهَا بِلَا قِرَاءَةٍ عِنْدَهُمَا تَبِعَهُ فِيهِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا عَنْ شَيْخِهِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ بِلَا خِلَافٍ) أَقُولُ، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَمَدَةِ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ بِصِيغَةِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ لِمَا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي فَتْحِ الْمُصَلِّي عَلَى إمَامِهِ بِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ قَرَأَ الْإِمَامُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا فَكَذَلِكَ هُنَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ مُطْلَقًا اهـ قُلْت يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى كَتَبْت فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا حُصِرَ فَاسْتَخْلَفَ بَعْدَ مَا قَرَأَ مَا تَجُوزُ بِهِ صَلَاتُهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَلَمْ أَذْكُرْ أَنَّهُ هَلْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنِّي كَتَبْت فِي مَسْأَلَةِ الْأُمِّيِّ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ عَمَلٌ كَثِيرٌ يُفْسِدُ فَيُفْسِدُ هَذَا أَيْضًا فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ نَفْسَ الْفَتْحِ لَا يُفْسِدُ فَلَا يُفْسِدُ أَيْضًا هُنَا؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ لَيْسَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ فَلَوْ أَفْسَدَ إنَّمَا يُفْسِدُ لَا؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَكِنْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَهُنَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَلَا تَفْسُدُ اهـ. (قُلْت) وَلِلِاحْتِيَاجِ لِلْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ أَوْ الْمَسْنُونِ مِنْ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِقِرَاءَةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ الْحَصْرُ فِي رَكْعَةٍ بَعْدَ الْأُولَى، وَقَدْ قَرَأَ فِيهِمَا مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ فَقَطْ مَا تَجُوزُ بِهِ ثُمَّ حُصِرَ فِيهَا جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ بِلَا خِلَافٍ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَيَتَوَضَّأُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَتَوَضَّأُ ثَلَاثًا وَيَسْتَوْعِبُ رَأْسَهُ بِالْمَسْحِ وَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ وَيَأْتِي بِسَائِرِ سُنَنِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَرَّةً، وَإِنْ زَادَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. وَسَنَذْكُرُ الْخِلَافَ فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ لِلْوُضُوءِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ الْمَاءَ مِنْ الْبِئْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَاءٌ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ أَنَّ الِاسْتِقَاءَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَيَبْنِي) أَقُولُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي صَلَاتِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ كَالْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ أَيْضًا مُخَيَّرٌ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْأَفْضَلَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ لِلْمُنْفَرِدِ وَالْمُقْتَدِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ قَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْعَوْدُ أَفْضَلُ لِيَكُونَ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالْفَضْلِيِّ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَقِيلَ فِي مَنْزِلِهِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الْمَشْيِ قَالَ الْأَكْمَلُ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا، وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ الْعَوْدَ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ مَشَى بِلَا حَاجَةٍ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ أَيْ عَدَمُ الْفَسَادِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ لَمْ يَفْرُغْ إمَامُهُ عَادَ إلَى مَكَانِهِ قَطْعًا) أَقُولُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصُ عَيْنِ مَكَانِهِ بَلْ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا فِيهِ حَتَّى لَوْ أَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ فِي مَوْضِعِ وُضُوئِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِيمَا هُوَ حُكْمُ الْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ جَازَ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى مُصَلَّاهُ وَإِذَا عَادَ قَالَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنْ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ فِي حَالِ اشْتِغَالِهِ بِالْوُضُوءِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ ثُمَّ يَقْضِيَ آخِرَ صَلَاتِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ ثُمَّ يَقْضِيَ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ خِلَافًا لِزُفَرَ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ قُلْت وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا

أَيْ كَالْإِمَامِ (الْمُقْتَدِي) إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ (وَالْأَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ وَمُقْتَدٍ فَرَغَ إمَامُهُ الِاسْتِئْنَافُ) لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَدَاءُ بِلَا خَلَلٍ وَيَبْنِي الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ. (وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مَسْبُوقًا) جَازَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ (أَتَمَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ أَوَّلًا) بِأَنْ ابْتَدَأَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى إلَيْهِ الْإِمَامُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ (وَإِذَا انْتَهَى) إلَى السَّلَامِ (قَدَّمَ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ وَحِينَ أَتَمَّهَا) أَيْ الْمَسْبُوقُ صَلَاةَ الْإِمَامِ بِأَنْ قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (يَضُرُّهُ) أَيْ الْمَسْبُوقَ وَالْمُرَادُ صَلَاتُهُ (الْمُنَافِي لِلصَّلَاةِ) كَالْقَهْقَهَةِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِمَا. (وَ) يَضُرُّ الْإِمَامَ (الْأَوَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ أَثْنَاءَ صَلَاتِهِمَا (إلَّا عِنْدَ فَرَاغِهِ) أَيْ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ بِأَنْ تَوَضَّأَ وَأَدْرَكَ خَلِيفَتَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَسْبِقْهُ شَيْءٌ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ خَلْفَ خَلِيفَتِهِ (لَا الْقَوْمَ) أَيْ لَا يَضُرُّ الْمُنَافِي الْقَوْمَ إذْ قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ (وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ) أَيْ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ حَدَثٌ (وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا) فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدَّمْنَاهُ فِي اللَّاحِقِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا فَاتَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُتَابِعَ الْإِمَامَ وَإِلَّا أَثِمَ فَلَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ التَّخْيِيرُ هُنَا عَلَى الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ وَمُقْتَدٍ فَرَغَ إمَامُهُ الِاسْتِئْنَافُ. . . إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمُقْتَدٍ فَرَغَ إمَامُهُ الِاسْتِئْنَافُ مُدَافِعٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَالْمُقْتَدِي يَبْنِي إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَرَاغِ إمَامِ الْمُقْتَدِي وَعَدَمِهِ وَحَاصِلُ الْحُكْمِ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ الِاسْتِئْنَافُ أَفْضَلُ مُطْلَقًا أَوْ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي وَالْبُرْهَانِ إنَّ الِاسْتِئْنَافَ أَفْضَلُ لِلْجَمِيعِ تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَسْتَقْبِلُ وَالْإِمَامَ وَالْمُقْتَدِيَ يَبْنِي صِيَانَةً لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ اهـ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بِصِيغَةِ قِيلَ مُقَابِلًا لِإِطْلَاقِ أَفْضَلِيَّةِ الِاسْتِئْنَافِ صَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَظَاهِرُ الْمُتُونِ أَنَّ الِاسْتِئْنَافَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ. اهـ. فَالْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمُدَافَعَةِ وَمَعْنَى الِاسْتِئْنَافِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَشْرَعُ بَعْدَ الْوُضُوءِ ذَكَرَهُ الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ مُدْرِكًا) إلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُؤْمِنِينَ» ذَكَرَهُ الْكَافِي. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ) ، كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ أَفَادَ التَّعْلِيلُ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَدِّمَ مُقِيمًا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَلَا لَاحِقًا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا لَا يَنْبَغِي لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ، كَذَا هَذَا وَكَمَا يُقَدِّمُ مُدْرِكًا لِلسَّلَامِ لَوْ تَقَدَّمَ، كَذَا الْآخَرَانِ أَمَّا الْمُقِيمُ فَلِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ خَلْفَهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْإِتْمَامُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِنِيَّةِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ أَوْ بِنِيَّةِ الْخَلِيفَةِ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي الْأَصْلِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَنْقَلِبُ فَرْضُهُمْ أَرْبَعًا لِلِاقْتِدَاءِ بِالْمُقِيمِ قُلْنَا لَيْسَ هُوَ إمَامًا إلَّا ضَرُورَةً فَيَصِيرُ قَائِمًا مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاتِهِ فَكَانُوا مُقْتَدِينَ بِالْمُسَافِرِ مَعْنًى وَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا عَلَى الْخَلِيفَةِ وَيُقَدِّمُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ مُسَافِرًا يُسَلِّمُ بِهِمْ ثُمَّ يَقْضِي الْمُقِيمُونَ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدِينَ، وَلَوْ اقْتَدَوْا بِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ دُونَ الْمُسَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُمْ إنَّمَا يُوجِبُ الْمُتَابَعَةَ إلَى هُنَا اهـ قُلْت وَهَذَا لَيْسَ تَعْلِيلًا لِفَسَادِ الصَّلَاةِ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إنَّمَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمُقِيمِينَ صَلَاةً بِمُتَابَعَتِهِمْ خَلِيفَةَ الْمُسَافِرِ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَرِدًا فِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إمَامًا إلَّا فِيمَا هُوَ قَدْرُ صَلَاةِ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. وَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُمْ فَاقْتِدَاؤُهُمْ فِيمَا بَعْدُ لَا يَضُرُّهُمْ. (قَوْلُهُ وَيَضُرُّ الْإِمَامُ الْأَوَّلَ) أَقُولُ هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَخْلَفَهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَنْزِلِهِ قَبْلَ فَرَاغِ هَذَا الْمُسْتَخْلَفِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِالْخَلِيفَةِ قَصْدًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا الْقِيلُ رِوَايَةُ أَبِي حَفْصٍ قَالُوا وَكَأَنَّهَا غَلَطٌ، وَذَكَرَ الْكَمَالُ وَجْهَهُ، وَكَذَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ وَالْخَلِيفَةِ بِتَذَكُّرِ الْخَلِيفَةِ فَائِتَةً، وَكَذَا لَوْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ الْخُرُوجِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَقَطْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ أَيْ الْإِمَامَ الْأَوَّلَ حَدَثٌ) أَقُولُ لَفْظُ الْأَوَّلِ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَفْظُ الْأَوَّلِ هُنَا تَسَاهُلٌ إذْ لَيْسَ فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إمَامٌ ثَانٍ إذْ لَيْسَ فِيهَا اسْتِخْلَافٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ) أَقُولُ هَذَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْبُوقُ بِالسَّجْدَةِ فَإِنْ كَانَ بَانٍ قَعَدَ مَعَهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَامَ لِلْقَضَاءِ وَقَيَّدَ بِالسَّجْدَةِ قَبْلَ حَدَثِ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ انْفِرَادُهُ حَتَّى لَا يُتَابِعَ إمَامَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنْ تَابَعَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ وَتَابَعَهُ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ تَأَكُّدِ الِانْفِرَادِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَافِي وَاللَّاحِقُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا قَيَّدَ مَا فَاتَهُ بِالسَّجْدَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَيَّدَ بِفَسَادِ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ

لِوُجُودِ الْمُنَافِي خِلَالَهَا (وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا) أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيهِ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتُفْسِدُ مِثْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّلَامِ فَإِنَّهُ مِنْهُ لَا مُنَافٍ وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَرْطُ الصَّلَاةِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ فَإِذَا صَادَفَ جُزْءًا لَمْ يُفْسِدْهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُ فِي أَوَانِهِ لَا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُبْطِلُ شَرْطَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ، وَكَذَا الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُفْسِدٌ. (وَمَانِعُهُ) أَيْ مَانِعُ الْبِنَاءِ (الْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِمْنَاءُ بِاحْتِلَامٍ) بِأَنْ نَامَ فِي صَلَاتِهِ نَوْمًا لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ فَاحْتَلَمَ (أَوْ غَيْرُهُ) كَتَذَكُّرٍ أَوْ مَسٍّ بِشَهْوَةٍ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَالْقَهْقَهَةُ وَإِصَابَةُ بَوْلٍ كَثِيرٍ) جَاوَزَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ (وَسَيَلَانُ شَجَّةٍ وَظُهُورُ الْعَوْرَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ، كَذَا الْمَرْأَةُ) أَيْ ظُهُورُ عَوْرَتِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إلَّا أَنْ تُضْطَرَّ أَيْضًا (وَالْقِرَاءَةُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا) قِيلَ لَوْ قَرَأَ ذَاهِبًا تَفْسُدُ وَآتِيًا لَا، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَالصَّحِيحُ الْفَسَادُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الْحَدَثِ وَفِي الثَّانِي مَعَ الْمَشْيِ (بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَيْسَ فِيهِمَا أَدَاءُ رُكْنٍ (وَطَلَبُ الْمَاءِ بِالْإِشَارَةِ) عَطْفٌ عَلَى الْحَدَثِ الْعَمْدِ أَوْ الْقِرَاءَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُدْرِكِ لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي صَلَاةِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ. اهـ. صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْفَسَادَ وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَدَمَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ النَّائِمَ كَأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَكَذَلِكَ صَلَاةُ النَّائِمِ تَقْدِيرًا اهـ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ كَانَ فِي الْقَوْمِ لَاحِقٌ إنْ فَعَلَ الْإِمَامُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَامَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ وَإِلَّا تَفْسُدُ عِنْدَهُ انْتَهَى مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَالضَّمِيرُ فِي عِنْدِهِ رَاجِعٌ لِلْإِمَامِ قُلْت، كَذَا أَطْلَقَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَدَمَ الْفَسَادِ بِفِعْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ بَعْدَ قِيَامِ اللَّاحِقِ لِلْقَضَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالتَّقْيِيدِ بِالسُّجُودِ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ اتِّكَالًا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِبَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. . . إلَخْ) أَيْ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَكُنْ سَلَّمَ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ مُفْسِدَةٌ لِلْجُزْءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَهْقَهَةِ أَوْ الْحَدَثِ عَمْدًا وَبَيْنَ التَّكَلُّمِ أَوْ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ إذَا أَفْسَدَتْ الْجُزْءَ الَّذِي لَاقَتْهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ فَسَادُ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِعَدَمِ فَسَادِ صَلَاةِ الْمَسْبُوقِ. (قَوْلُهُ وَإِصَابَةُ بَوْلٍ كَثِيرٍ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَسْبِقْهُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِجَوَازِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا سَبَقَهُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا سَبَقَهُ بَنَى اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ فِي ذَلِكَ غَسْلَ بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ ابْتِدَاءً وَفِي هَذَا تَبَعًا لِلْوُضُوءِ، وَلَوْ أَصَابَتْهُ مِنْ حَدَثِهِ وَغَيْرِهِ لَا يَبْنِي، وَلَوْ اتَّحَدَ مَحَلُّهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَسَيَلَانُ شَجَّةٍ) أَقُولُ أَيْ بِصُنْعِ أَحَدٍ ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ طُوبَةٌ مِنْ سَطْحٍ إنْ كَانَ بِمُرُورٍ اسْتَقْبَلَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ الْخِلَافُ بَيْنَ مَشَايِخِنَا مِثْلُ وُقُوعِ الثَّمَرَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ وَظُهُورُ الْعَوْرَةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ كَذَا الْمَرْأَةُ) أَقُولُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ كُشِفَتْ الْعَوْرَةُ فِي الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً وَيُخَالِفُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ لَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَكَذَا إذَا كَشَفَتْ الْمَرْأَةُ ذِرَاعَيْهَا لِلْوُضُوءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مِنْهُ بُدًّا لَمْ تَفْسُدْ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا احْتَاجَتْ إلَى الْبُنَاةِ لَهَا أَنْ تَكْشِفَ عَوْرَتَهَا وَأَعْضَاءَهَا فِي الْوُضُوءِ وَتَغْسِلَ إذَا لَمْ تَجِدْ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَصْحِيحٍ لِقَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ وَعَلِمْت تَصْحِيحَ قَاضِي خَانْ لَهُ. (قَوْلُهُ وَطَلَبُ الْمَاءِ بِالْإِشَارَةِ) أَقُولُ هَذَا مُشْكِلٌ بِمَسْأَلَةِ دَرْءِ الْمَارِّ بِالْإِشَارَةِ، وَكَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْغَايَةِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَوْ طُلِبَ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي الْبَحْرِ مِثْلُهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهُ لَوْ رَدَّ السَّلَامَ بِيَدِهِ فَسَدَتْ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ أَنَّهُ قَالَ إنَّ بَعْضَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ قَدْ عَزَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ تَفْسُدُ بِالرَّدِّ بِالْيَدِ وَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ نَقَلَ الْفَسَادَ فِي رَدِّ السَّلَامِ بِالْيَدِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ عَدَمَ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ فِيهِ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَكَانَ هَذَا الْقَائِلَ فَهِمَ مِنْ الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِهِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي النُّطْقِ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَا ذَكَرْنَا اهـ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مِنْ فَرْعٍ نَقَلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَوْ صَافَحَ الْمُصَلِّي إنْسَانًا بِنِيَّةِ السَّلَامِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَنَقَلَ الزَّاهِدِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ حُسَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا تَفْسُدُ أَيْضًا إذَا رَدَّ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّسْلِيمِ بِالْيَدِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ بِإِشَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّدِّ بِيَدِهِ لَكِنَّهُ نَاقَشَ

(وَشِرَاؤُهُ بِالتَّعَاطِي) قَيَّدَ بِهِ لِظُهُورِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِصَرِيحِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَالْمُكْثُ قَدْرَ) أَدَاءِ (رُكْنٍ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ إلَّا إذَا كَانَا) أَيْ الْحَدَثُ وَالْمُكْثُ (نَائِمًا) أَيْ فِي حَالِ نَوْمِ الْمُحْدِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ (وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَ) تَجَاوُزُ (الصُّفُوفِ فِي غَيْرِهِ) كَالصَّحْرَاءِ (بَعْدَ مَا ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ ثُمَّ ظَهَرَ طُهْرُهُ، وَلَوْ عَمِلَ) عَمْدًا (بَعْدَ التَّشَهُّدِ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ تَمَّتْ) الصَّلَاةُ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ (وَلَوْ وُجِدَ) مُنَافِي الصَّلَاةِ بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ بِأَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ نَقَلَ الْفَرْعَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ اهـ قُلْت فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِطَلَبِ الْمَاءِ بِالْإِشَارَةِ كَرَدِّ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ وَعَلِمْت مَا فِيهِ. (قَوْلُهُ وَشِرَاؤُهُ بِالتَّعَاطِي) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ اهـ. وَمُجَاوَزَتُهُ مَاءً وَلَا عُذْرَ لَهُ تُفْسِدُ أَمَّا لَوْ جَاوَزَ مَاءً يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْهُ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ أَوْ كَانَ بِئْرًا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ أَوْ كَانَ بِبَيْتِهِ فَجَاوَزَهُ نَاسِيًا لِاعْتِيَادِهِ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَوْضِ لَا تَفْسُدُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِهِ لِظُهُورِ فَسَادِ الصَّلَاةِ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صَرِيحُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ، وَقَدْ فَسَدَتْ فَمَعَهُمَا أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ وَالصُّفُوفُ فِي غَيْرِهِ كَالصَّحْرَاءِ) أَقُولُ كَالصَّحْرَاءِ مِثَالٌ لِلْغَيْرِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغَيْرَ شَامِلٌ لِلْجَبَّانَةِ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ، كَذَا رَوَى أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَمَكَانُ الصُّفُوفِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ تَقَدَّمَ مِنْ قُدَّامِهِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ سُتْرَةٌ يَعْتَبِرُ قَدْرَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَالْحَدُّ السُّتْرَةُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِيهِ قَدْرَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ سُتْرَةٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَوْجَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ سُتْرَةٌ أَنْ يَعْتَبِرَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحُكْمُ الْمُنْفَرِدِ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالصَّحِيحُ هُوَ التَّقْدِيرُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ أَيْ فِي الصَّحْرَاءِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِنَاءٌ أَوْ سُتْرَةٌ فَإِنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ ذَلِكَ اهـ. وَإِنْ اسْتَخْلَفَ هَذَا الظَّانُّ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي نَصْرٍ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي الصَّحْرَاءِ فَحَدُّهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ، وَقِيلَ مِقْدَارُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمَرْأَةُ إنْ نَزَلَتْ عَنْ مُصَلَّاهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَلِهَذَا تَعْتَكِفُ فِيهِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ مَا ظَنَّ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِانْصِرَافَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَرَادَ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ لِسَبْقِ الْحَدَثِ عَلَى مَا ظَنَّهُ فَلَا تَفْسُدُ حَتَّى يَخْرُجَ أَمَّا لَوْ انْصَرَفَ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ أَنْ مُدَّةَ مَسْحِهِ انْقَضَتْ أَوْ ظَنَّ سَرَابًا مَاءً أَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَهُوَ صَاحِبُ تَرْتِيبٍ أَوْ رَأَى حُمْرَةً فِي ثَوْبِهِ فَظَنَّهَا نَجَاسَةً فَانْصَرَفَ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ نَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَالنَّازِلِيِّ أَنَّ الْغَازِيَ لَوْ ظَنَّ حُضُورَ الْعَدُوِّ فَانْصَرَفَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ لَمْ تَفْسُدْ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ اهـ. وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الظَّانَّ يُتِمُّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْقِيَاسُ الِاسْتِقْبَالُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ الْكَمَالُ عَنْ النِّهَايَةِ هِيَ أَيْ الرِّوَايَةُ فِيمَا إذَا كَانَ بَابُ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ وَهُوَ يَمْشِي مُتَوَجِّهًا لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَمِلَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ تَمَّتْ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالتَّشَهُّدِ الْجُلُوسُ قَدْرَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ الْإِتْيَانُ بِالتَّشَهُّدِ وَالْمُرَادُ بِالتَّمَامِ الصِّحَّةُ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا نَاقِصَةٌ لِتَرْكِهِ وَاجِبًا مِنْهَا فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ تَمَّتْ صَحَّتْ لَكَانَ أَوْلَى وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَّتْ صَلَاتُك أَيْ قَارَبَتْ التَّمَامَ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُسَمَّى بِاسْمِ مَا قَرُبَ إلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وَأَمْثَالُهُ قُلْت وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ إعَادَتِهَا. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ تَجِبُ إعَادَتُهَا لِنَقْصِهَا بِتَرْكِ وَاجِبٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ وَحْدَهُ اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ تَجِبُ إعَادَتُهَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمُ كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا إنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ. اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ لَهُ مَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ نَفْيِهَا الْإِعَادَةَ عَلَى الْإِعَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ إعَادَتِهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَكْمَلُ وَالْكَمَالُ لِحَلِّ هَذَا الْمَحَلِّ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مِنْ الْحَمْلِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بَعْدَ هَذَا فِيمَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ وَتُعَادُ أَيْ الصَّلَاةُ الْمَكْرُوهَةُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ وَهُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ اهـ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ كَمَا إذَا تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ اهـ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ) أَيْ، وَقَدْ وُجِدَتْ أَرْكَانُهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ مُنَافِي الصَّلَاةَ بَعْدَهُ بِلَا صُنْعِهِ بَطَلَتْ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي الْبُرْهَانِ الْأَظْهَرُ قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ وَالْقَوْلُ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِالصُّنْعِ فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ تَخْرِيجُ الْبَرْدَعِيِّ وَرَدَّهُ الْكَرْخِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ بِفِعْلِهِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ إنَّمَا هُوَ حَمْلٌ مِنْ الْبَرْدَعِيِّ لَمَّا رَأَى خِلَافَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ غَلَطٌ ذَكَرَ وَجْهَهُ الْكَمَالُ وَالْبُرْهَانُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ ثُمَّ بَيَّنْتُ فِي رِسَالَتِي

(بِلَا صُنْعِهِ بَطَلَتْ) الصَّلَاةُ لِوُجُودِ الْمُنَافِي قَبْلَ تَمَامِهَا خِلَافًا لَهُمَا (فَتَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِقُدْرَةِ الْمُتَيَمِّمِ) فِي الصَّلَاةِ (عَلَى) اسْتِعْمَالِ (الْمَاءِ وَرُؤْيَةِ) أَيْ وَتَبْطُلُ أَيْضًا بِرُؤْيَةِ (الْمُتَوَضِّئِ الْمُقْتَدِي بِالْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ) قَالَ فِي الْكَنْزِ وَبَطَلَتْ إنْ رَأَى مُتَيَمِّمٌ مَاءً قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ رَآهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لَا تَبْطُلُ، وَلَوْ قَدَرَ بِلَا رُؤْيَةٍ بَطَلَتْ فَمَدَارُ الْأَمْرِ عَلَى الْقُدْرَةِ لَا غَيْرُ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْمُتَيَمِّمِ لِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَوَضِّئٌ يُصَلِّي خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ فَرَأَى الْمُقْتَدِي الْمَاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْإِمَامَ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ تَامَّةٌ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ وَلِهَذَا غَيَّرْتُ تِلْكَ الْعِبَارَةَ إلَى مَا تَرَى (وَنَزْعِ الْمَاسِحِ خُفَّهُ بِفِعْلٍ يَسِيرٍ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُعَالَجَةِ فِي النَّزْعِ، وَإِنْ كَانَ النَّزْعُ بِفِعْلٍ عَنِيفٍ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ (وَمُضِيِّ مُدَّةِ مَسْحِهِ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَقِيلَ مُطْلَقًا وَتَعَلُّمِ الْأُمِّيِّ آيَةً) أَيْ تَذَكُّرِهِ أَوْ حِفْظِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ غَيْرِهِ بِلَا اشْتِغَالٍ بِالتَّعَلُّمِ وَإِلَّا تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَمَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ الْمَشْهُورَةِ لَفْظُ سُورَةٍ مَكَانَ آيَةٍ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِهِمَا (وَنَيْلِ الْعَارِي ثَوْبًا) أَيْ ثَوْبًا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ (وَقُدْرَةِ الْمُومِئِ عَلَى الْأَرْكَانِ) فَإِنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ قَوِيَ فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ (وَتَذَكُّرِ فَائِتَةٍ) عَلَيْهِ وَهُوَ صَاحِبُ التَّرْتِيبِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ فَائِتَةٌ عَلَى الْإِمَامِ فَتَذَكَّرَهَا الْمُؤْتَمُّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُؤْتَمِّ وَحْدَهُ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. (وَتَقْدِيمِ الْقَارِئِ أُمِّيًّا وَطُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ وَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ وَزَوَالِ عُذْرِ الْمَعْذُورِ وَسُقُوطِ الْجَبْرِيَّةِ عَنْ بُرْءٍ وَوُجْدَانِ الْمُصَلِّي بِالنَّجِسِ مَا يُزِيلُهُ وَدُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ عَلَى مُصَلِّي الْقَضَاءِ وَعَدَمِ سَتْرِ الْجَارِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَمَّاةِ بِالْمَسَائِلِ الْبَهِيَّةِ الزَّاكِيَةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةِ تَحْقِيقَ افْتِرَاضِ الْخُرُوجِ بِالصُّنْعِ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ فَالتَّرَاجُعَ. (قَوْلُهُ فَتَبْطُلُ بِقُدْرَةِ الْمُتَيَمِّمِ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي فِي آخِرِ الصَّلَاةِ) وَذَلِكَ بَعْدَ الْجُلُوسِ آخِرَهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ لَا خِلَافَ فِي الْبُطْلَانِ. (قَوْلُهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ قَدْ أَقَرَّ الْكَمَالُ وَالزَّيْلَعِيُّ عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ بِالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى مَاءً لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْإِمَامُ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي لَمْ تَبْطُلْ أَصْلًا، وَإِنَّمَا بَطَلَ وَصْفُهَا وَهُوَ الْفَرْضِيَّةُ وَكَلَامُهُ أَيْ الزَّيْلَعِيِّ فِي بُطْلَانِ أَصْلِهَا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فَقَهْقَهَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَرِيضَةَ مَتَى فَسَدَتْ لَا تَنْقَطِعُ التَّحْرِيمَةُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. اهـ. قُلْت لَا يَخْفَى أَنَّ مُدَّعَى صَاحِبِ الْبَحْرِ عَدَمُ بُطْلَانِ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَانْقِلَابُهَا نَفْلًا بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ وَإِذَا بَقِيَتْ تَحْرِيمَتُهَا وَرَأَى الْمُقْتَدِي الْمَاءَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَاسْتَقَامَ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ بِحَمْلِ الْبُطْلَانِ فِي كَلَامِهِ عَلَى بُطْلَانِ الْوَصْفِ وَمَنْعِ إرَادَتِهِ بُطْلَانَ أَصْلٍ اهـ. وَتُزَادُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا مَعْزِيًّا إلَى السِّرَاجِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا بَطَلَتْ لَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَذَكُّرُهُ الْفَائِتَةَ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ وَخُرُوجُ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي الْجُمُعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمُضِيِّ مُدَّةِ مَسْحِهِ إنْ وَجَدَ الْمَاءَ) أَقُولُ، كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ لِلْغُسْلِ وَلَا مَاءَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مُطْلَقًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ لِلْغُسْلِ وَلَا مَاءَ بِأَنَّ الْفَائِدَةَ مَوْجُودَةٌ بِالتَّيَمُّمِ اللَّازِمِ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ نَزْعُ الْخُفِّ فِي التَّيَمُّمِ كَمَنْ فَنَى الْمَاءُ مِنْهُ وَلَمْ يَتِمَّ وُضُوءُهُ يَتَيَمَّمُ فَيَتَرَجَّحُ بِهِ مَا ضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ مُطْلَقًا اهـ. وَلِهَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَدْ قَالُوا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَإِنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ، وَلِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُهُ السِّرَايَةُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ وَيُصَلِّي كَمَا لَوْ بَقِيَ مِنْ أَعْضَائِهِ لُمْعَةٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ، وَكَذَا هَذَا اهـ. وَتَبِعَهُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ. الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَسَوَاءٌ تَمَّتْ مُدَّتُهُ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ مَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَذَهَبَ لِلْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا سَبَقَهَا الْحَدَثُ ثُمَّ ذَهَبَ الْوَقْتُ تَتَوَضَّأُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَتَعَلُّمِ الْأُمِّيِّ آيَةً) أَقُولُ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِيًا بِقَارِئٍ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَسَادِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (تَنْبِيهٌ) : هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ قَدْ بَيَّنَّا بَعْدَ هَذَا تَحْقِيقَ الْخِلَافِ وَصِحَّةَ قَوْلِ الْبَرْدَعِيِّ. (قَوْلُهُ وَزَوَالِ عُذْرِ الْمَعْذُورِ) أَقُولُ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَجِدَ عُذْرَهُ وَقْتًا كَلَا مَاءَ، وَقَدْ تَوَضَّأَ مَعَ مُلَابَسَةِ الْعُذْرِ حَتَّى لَوْ انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لَا يَحْكُمُ بِزَوَالِهِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَرَهُ. (قَوْلُهُ وَوُجْدَانِ الْمُصَلِّي بِالنَّجَسِ مَا يُزِيلُهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ التَّحْقِيقُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَسَائِلِ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا فَمَسْأَلَةُ التَّطْهِيرِ وَعِتْقُ الْأَمَةِ يَرْجِعَانِ إلَى وُجْدَانِ الْعَارِي ثَوْبًا وَمَسْأَلَةُ دُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ يَرْجِعُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ أَوْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ فِي الْجُمُعَةِ اهـ كَلَامُهُ ثُمَّ إنَّنِي بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا الْمَسَائِلَ الْبَهِيَّةَ الزَّاكِيَةَ عَلَى الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةِ زِدْت عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَسْأَلَةٍ

[باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها]

عَوْرَتَهَا إذَا كَانَتْ تُصَلِّي بِغَيْرِ قِنَاعٍ فَأُعْتِقَتْ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ بِلَا صُنْعِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ هُمَا كَمَا مَرَّ. (رَكَعَ أَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً فَأَحْدَثَ أَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً فَسَجَدَهَا فَإِنْ بَنَى أَعَادَ مَا أَحْدَثَ فِيهِ قَطْعًا وَمَا ذَكَرَ فِيهِ نَدْبًا) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ وَتَوَضَّأَ وَبَنَى فَلَا بُدَّ أَنْ يُعِيدَ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الرُّكْنِ إنَّمَا هُوَ بِالِانْتِقَالِ وَهُوَ مَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ، وَلَوْ كَانَ إمَامًا فَقَدَّمَ غَيْرَهُ دَامَ الْمُقَدَّمُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِإِمْكَانِ الْإِتْمَامِ بِالِاسْتِدَامَةِ، وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَضَاهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَلَكِنْ إنْ أَعَادَ يَكُونُ مَنْدُوبًا لِتَقَعَ الصَّلَاةُ مُرَتَّبَةً بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. (أَمَّ وَاحِدًا فَأَحْدَثَ) الْإِمَامُ (فَلَوْ) كَانَ الْمُقْتَدِي (رَجُلًا فَإِمَامٌ) أَيْ فَذَلِكَ الْمُقْتَدِي إمَامٌ (بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ مُتَعَيِّنٌ لِخِلَافَةِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَتَعْيِينُ الْإِمَامِ لِقَطْعِ الْمُزَاحِمَةِ عِنْدَ الْكَثْرَةِ وَلَا مُزَاحِمَ هَاهُنَا وَيُتِمُّ الْأَوَّلُ صَلَاتَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ كَمَا إذَا اسْتَخْلَفَهُ حَقِيقَةً (وَإِلَّا) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْوَاحِدُ رَجُلًا بَلْ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فِي رِوَايَةٍ) لِاسْتِخْلَافِهِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِاسْتِخْلَافُ قَصْدًا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ أُمِّيًّا أَوْ مُتَنَفِّلًا خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ أَوْ مُقِيمًا خَلْفَ الْمُسَافِرِ فِي الْقَضَاءِ. (أَخَذَهُ رُعَافٌ مَكَثَ إلَى انْقِطَاعِهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَبَنَى) وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِينَافُ. [بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا] [مُفْسِدَات الصَّلَاة] (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) (يُفْسِدُهَا السَّلَامُ عَمْدًا) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقُلْت هُنَا إنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ زَيْنٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَجِسَةٌ وَرُبْعُهُ طَاهِرٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ فَلَزِمَ السَّتْرُ بِهِ وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ السَّلَامِ كَانَ الْبُطْلَانُ لِعَدَمِ إزَالَةِ النَّجَسِ حِينَئِذٍ لَا لِتَرْكِ السَّتْرِ فَإِنَّ السَّاتِرَ كَانَ الْمُصَلِّي مُسْتَتِرًا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا بِهِ مِنْ النَّجَسِ ثُمَّ لَزِمَ إزَالَتُهُ عَنْهُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فَيُمْنَعُ رُجُوعُهَا إلَى وُجُودِ الْعَارِي ثَوْبًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ إنَّ السَّتْرَ لِلرَّأْسِ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ عَلَيْهَا مَعَ وُجُودِ السَّاتِرِ فَلَمَّا أُعْتِقَتْ وَهُوَ مَعَهَا لَزِمَهَا السَّتْرُ بِوُجُودِ الْعِتْقِ لِزَوَالِ الرِّقِّ لَا لِوُجُودِ مَا كَانَ مُنْعَدِمًا وَهُوَ السَّاتِرُ اهـ. وَكَذَا حَقَّقْتُ فِيهَا افْتِرَاضَ الْخُرُوجِ بِالصُّنْعِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَبَيَّنْت وَجْهَ رَدِّ مَا يُخَالِفُهُ فَعَلَيْك بِهَا. (قَوْلُهُ أَوْ ذَكَرَ سَجْدَةً) أَطْلَقَ السَّجْدَةَ فَشَمِلَتْ التِّلَاوَةَ وَالصَّلَاتِيَّةَ وَقَيَّدَ بِالذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ صُلْبِيَّةً فِي الْقُعُودِ الْأَخِيرِ فَسَجَدَهَا ارْتَفَضَ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فَعَادَ لِقِرَاءَتِهَا ارْتَفَضَ مَا كَانَ فِيهِ اهـ وَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ عِنْدَ التَّذَكُّرِ وَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ فَيَقْضِيَهَا ثَمَّةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ، وَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ. وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ مَرِيدًا بِهِ أَدَاءَ رُكْنٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَدَاءَ الرُّكْنِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّ وَاحِدٌ فَأَحْدَثَ فَلَوْ رَجُلًا فَإِمَامٌ) أَقُولُ يَعْنِي إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى يَجُوزَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَلِكَ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ يَتِمُّ عَلَى إمَامَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ فِي رِوَايَةٍ) ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ أَقُولُ وَالْأَصَحُّ فَسَادُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي دُونَ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ. (بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) هَذَا الْبَابُ لِبَيَانِ الْعَوَارِضِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ بِاخْتِيَارِ الْمُصَلِّي فَكَانَتْ مُكْتَسَبَةً فَأَخَّرَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ لِكَوْنِهَا سَمَاوِيَّةً كَمَا فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا أَعْرَقُ فِي الْعَارِضِيَّةِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى رَفْعِهَا لَا يُقَالُ النِّسْيَانُ مِنْ قَبِيلِ السَّمَاوِيَّةِ فَكَيْفَ عَدَّ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ النَّاسِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَبِيلِ الْمُكْتَسَبَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عُدَّ مِنْ الْمُكْتَسَبَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَابِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَ كَلَامِ النَّاسِي وَالْعَامِدِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ قَدَّمَ سَبْقَ الْحَدَثِ عَلَى هَذَا الْبَابِ لِوُجُودِهَا أَيْ الصَّلَاةِ مَعَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ. (قَوْلُهُ يُفْسِدُهَا السَّلَامُ عَمْدًا) أَقُولُ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَقَيَّدَ بِالْعَمْدِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِمُخَاطَبٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْكَلَامَ نَائِمًا وَالسَّلَامَ عَمْدًا مُفْسِدٌ، وَقِيلَ السَّلَامُ عَمْدًا إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا خَاطَبَ بِهِ إنْسَانًا اهـ. ثُمَّ الْمُصَنِّفُ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا وَأَطْلَقَهُ فِي الْكَافِي وَالْكَنْزِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّهُ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلسَّهْوِ وَالْعَمْدِ وَحَكَمَ بِالْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَذْكُرَ تَوْفِيقًا قَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِغَيْرِهِ. اهـ. قُلْت وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ كَالْكَنْزِ فَشَمِلَ كَلَامُهُ السَّلَامَ سَهْوًا أَوْ صَرَّحَ بِهِ كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ مُرَادُهُ السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ لَا التَّحْلِيلِ سَاهِيًا أَوْ السَّلَامُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقُعُودِ وَإِلَّا فَيَتَدَافَعُ

قَيَّدَ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا غَيْرُ مُفْسِدٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَذْكَارِ فَفِي غَيْرِ الْعَمْدِ يُجْعَلُ ذِكْرًا وَفِي الْعَمْدِ كَلَامًا (وَرَدُّهُ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَذْكَارِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ وَتَخَاطُبٌ. . (وَ) يُفْسِدُهَا (الْكَلَامُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا (وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) نَحْوُ اللَّهُمَّ أَلْبَسَنِي ثَوْبَ كَذَا اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُفْسِدُ. (وَالْأَنِينُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ آهْ فِي الْكَافِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ آهْ لَا تُفْسِدُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ (وَالتَّأَوُّهُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَوْهِ فِي الْكَافِي أَوْهِ يُفْسِدُ فِيهِمَا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَقْطَعُ. وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ قَالُوا الْأَخْذُ بِهَذَا أَحْسَنُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمَرِيضُ إذَا اشْتَدَّ مَرَضُهُ (وَالتَّأْفِيفُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أُفٍّ (وَبُكَاءٌ بِصَوْتٍ لِوَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ لَا لِذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ) ؛ لِأَنَّ الْأَنِينَ وَنَحْوَهُ إذَا كَانَ مِنْ ذِكْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامُ كُلٍّ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ سَاهِيًا لِلتَّحْلِيلِ قَبْلَ أَوَانِهِ لَا يَضُرُّهُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَمَنْ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ فَأَخْرَجَ السَّلَامَ سَهْوًا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ لِلتَّحْلِيلِ لَا السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ اهـ لِمَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتَفْسُدُ بِالسَّلَامِ سَاهِيًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّلَامَ عَلَى إنْسَانٍ إذْ صَرَّحُوا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بَلْ الْمُرَادُ السَّلَامُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ أَكْمَلَ أَمَّا إذَا سَلَّمَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا سَاهِيًا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنَّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْعَمْدِ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ مُفْسِدٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ سَهْوًا فِي حَالَةِ الْقُعُودِ لَا الْقِيَامِ لِلتَّحَلُّلِ. (قَوْلُهُ نَحْوُ اللَّهُمَّ أَلْبِسْنِي ثَوْبَ، كَذَا) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى ضَابِطٍ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ مَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَطَلَبُهُ مُفْسِدٌ وَمَا لَا فَلَا كَطَلَبِ الْعَافِيَةِ وَالرِّزْقِ، وَلَوْ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ لِأَخِيهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَخِي حَكَى فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فِيهِ خِلَافًا. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَلَوْ قَالَ اغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ خَالِي تَفْسُدُ اتِّفَاقًا وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَفْسُدُ) هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إفْرَادِ الدُّعَاءِ بِالذِّكْرِ وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْكَلَامِ. (قَوْلُهُ وَالْأَنِينُ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ آهْ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْأَنِينُ صَوْتُ الْمُتَوَجِّعِ، وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ آهْ وَهُوَ بِسُكُونِ الْهَاءِ مَقْصُورٌ عَلَى وَزْنِ دَعْ وَهُوَ تَوَجُّعُ الْعَجَمِ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. (قَوْلُهُ فِي الْكَافِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ إذَا كَانَ الْمَرِيضُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنْهُ لَا تَفْسُدُ كَالْجُشَاءِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَنِينِ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ وَالتَّأَوُّهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَوْهِ) أَقُولُ هُوَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ هُوَ عَلَى وَزْنِ أَوْحِ أَمْرٌ مِنْ الْإِنْحَاءِ وَفِيهَا ثَلَاثُ عَشْرَةَ لُغَةً ذَكَرَهَا الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ يَفْسُدُ فِيهِمَا) أَقُولُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ إلَى الْوَجَعِ وَذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمَا نَذْكُرُهُ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَكِنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَيَكُونَ تَتْمِيمًا لِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ آهْ لَمْ يُفْسِدْ فِي الْحَالَيْنِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَوْ مِنْ وَجَعٍ وَمُصِيبَةٍ وَأَوْهِ تُفْسِدُ أَيْ فِي الْحَالَيْنِ، وَقِيلَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْكَلِمَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى حَرْفَيْنِ وَهُمَا زَائِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَانَا أَصْلِيَّيْنِ تَفْسُدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْغِيَاثِيَّةِ. . . إلَخْ) يَظْهَرُ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ أَنَّ عَدَمَ الْفَسَادِ خَاصٌّ بِالْمَرِيضِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُصَابُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَالتَّأْفِيفُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أُفٍّ) أَقُولُ نَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ الْمُجْتَبَى نَفَخَ فِي التُّرَابِ فَقَالَ أُفٍّ أَوْ تُفٍّ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمُخَفَّفِ وَفِي الْمُشَدَّدِ تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا تَبْطُلُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَسْمُوعُ مَالَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ نَحْوُ أُفٍّ وَتُفٍّ وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ بِخِلَافِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ لِلنَّفْخِ الْمَسْمُوعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ إنَّ دَلِيلَ قَوْلِهِمَا «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَبَاحٍ وَهُوَ يَنْفَخُ فِي صَلَاتِهِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ» ، وَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ وَلَهُ مَعْنًى مَفْهُومٌ يَذْكُرُ الْمَقْصُودَ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ جَوَابًا عَمَّا يُضْجَرُ مِنْهُ وَلِكُلِّ مَا يُسْتَقْذَرُ، وَقِيلَ أُفٌّ اسْمٌ لِوَسَخِ الْأَظَافِرِ وَتُفٌّ لِوَسَخِ الْبَرَاجِمِ، وَقِيلَ إنَّ أُفٌّ اسْمٌ لِوَسَخِ الْأُذُنِ وَتُفٌّ لِوَسَخِ الظُّفْرِ وَفِيهَا لُغَاتٌ قُرِئَ بِهَا فِي الشَّوَاذِّ وَغَيْرِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَجَعَلَهُ مِنْ الْقَوْلِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ أُفًّا وَتُفًّا لِمَنْ مَوَدَّتُهُ ... إنْ غِبْت عَنْهُ سُوَيْعَةٌ زَالَتْ إنْ مَالَتْ الرِّيحُ هَكَذَا وَكَذَا ... مَالَ مَعَ الرِّيحِ أَيْنَمَا مَالَتْ اهـ. (قَوْلُهُ وَبُكَاءٌ بِصَوْتٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجْدَانُهُمَا لِمَا قَالَ الْكَاكِيُّ لَوْ سَاقَ حِمَارًا أَوْ اسْتَعْطَفَ كَلْبًا أَوْ هِرَّةً بِمَا يَعْتَادُهُ الرُّسْتَاقِيُّونَ مِنْ مُجَرَّدِ صَوْتٍ لَيْسَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. قُلْت يُشْكِلُ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ مِنْ ظَنِّ فَاعِلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ خُوَاهَرْ زَادَهْ مِنْ الْقَوْلِ بِإِفْسَادِ النَّفْخِ الْمَسْمُوعِ بِلَا حُرُوفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَنِينَ وَنَحْوَهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْقَيْدَ رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُهُ.

صَارَ كَأَنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ صَارَ كَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ تَفْسُدُ، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَتَنَحْنُحٌ بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ أَيْ مُضْطَرًّا بَلْ كَانَ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ إنْ ظَهَرَ بِهِ حَرْفٌ نَحْوُ أَحُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ يُفْسِدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا لِاجْتِمَاعِ الْبُزَاقِ فِي حَلْقِهِ لَا يُفْسِدُهَا كَالْعُطَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ، وَإِنْ حَصَلَ تَكَلُّمٌ؛ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ إلَيْهِ طَبْعًا. وَأَمَّا الْجُشَاءُ فَإِنَّهُ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ وَلَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ يَقْطَعُ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ لَا يَقْطَعُ، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ) بِالسِّينِ وَالشَّيْنِ وَالثَّانِي أَفْصَحُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُك اللَّهُ وَجْهُ إفْسَادِهِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إذْ يَقَعُ بِهِ التَّخَاطُبُ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ جَوَابًا عُرْفًا، وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ وَبِهِ لَا تَفْسُدُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. (وَجَوَابُ خَبَرِ سَوْءٍ بِالِاسْتِرْجَاعِ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّا لِلَّهِ، وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ (وَسَارٍّ بِالْحَمْدَلَةِ) بِأَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ (وَعَجَبٌ بِالسَّبْحَلَةِ) بِأَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ (وَالْهَيْلَلَةِ) بِأَنْ يَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ذَكَرَ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ بِالتَّحْمِيدِ وَنَحْوِهِ الْجَوَابَ بَلْ إعْلَامَهُ بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَنَحْنُحٌ بِلَا عُذْرٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ جَعَلَ تَحْسِينَ الصَّوْتِ غَيْرَ عُذْرٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، وَهَذَا عِنْدَ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلِ الزَّاهِدِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْزِمْ بِالْفَسَادِ فِي الْهِدَايَةِ بَلْ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِالْجَوَابِ لِثُبُوتِ الْخِلَافِ فَعِنْدَ الْفَقِيهِ إسْمَاعِيلِ الزَّاهِدِ تَفْسُدُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ صَوْتِهِ وَتَحْسِينِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَتَنَحْنَحَ الْمُقْتَدِي لِيَهْتَدِيَ الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ التَّنَحْنُحَ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ لَوْ تَنَحْنَحَ يُرِيدُ بِهِ إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَعَمَّدَ وَسُمِعَتْ حُرُوفُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَحْنَحَ لِحُسْنِ صَوْتِهِ مُتَعَمِّدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامِ النَّاسِ اهـ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَ التَّصْحِيحَ لِعَدَمِ الْفَسَادِ فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَكِنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَتَحْسِينِ صَوْتِهِ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِيَهْتَدِيَ إمَامُهُ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَسَادِ. اهـ. قُلْت فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْغَرَضِ الصَّحِيحِ التَّنَحْنُحُ لِلتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرُ لِلِانْتِقَالَاتِ وَهِيَ حَادِثَةٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالتَّنَحْنُحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَثَاوَبَ أَوْ عَطَسَ فَحَصَلَ مِنْهُ صَوْتٌ مَعَ الْحُرُوفِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ) يُقَالُ عَطَسَ بِالْفَتْحِ يَعْطِسُ وَيَعْطُسُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَفْصَحُ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي بِالْمُعْجَمَةِ أَوْ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ بِالْمُعْجَمَةِ كَمَا ضَبَطَهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ قَالَ ثَعْلَبٌ الِاخْتِيَارُ بِالسِّينِ أَيْ الْمُهْمَلَةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالْمَحَجَّةُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الشِّينُ أَيْ الْمُعْجَمَةُ أَعْلَى فِي كَلَامِهِمْ وَأَكْثَرُ اهـ. وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ أَفْصَحُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ يَرْحَمُك اللَّهُ) هَذَا تَفْسِيرُ التَّشْمِيتِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْخَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ أَوْ السَّامِعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَفْسُدُ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ بِصِيغَةِ عَلَى مَا قَالُوا. وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ عَلَى مَا قَالُوا إشَارَةٌ إلَى ثُبُوتِ الْخِلَافِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَحَلُّهُ أَيْ الْخِلَافِ عِنْدَ إرَادَةِ الْجَوَابِ أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْهُ بَلْ قَالَهُ رَجَاءَ الثَّوَابِ لَا تَفْسُدُ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ لَا تَفْسُدُ. . . إلَخْ) ، وَكَذَا عَزَاهُ فِي الْعِنَايَةِ إلَى الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ. وَفِي الْمُحِيطِ أَسْنَدَ مَا قَالَهُ فِي الْفَوَائِدِ إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ذَكَرَ الْفَسَادَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ كَمَا لَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ آخَرَ وَالْأَحْسَنُ السُّكُوتُ اهـ قُلْت وَعِبَارَةُ قَاضِي خَانْ لَوْ قَالَ أَيْ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ كَمَا لَوْ دَعَا بِدُعَاءٍ آخَرَ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا لَوْ عَطَسَ الْمُصَلِّي فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَرْحَمُك اللَّهُ فَقَالَ الْمُصَلِّي آمِينَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَجَابَهُ، وَلَوْ قَالَ مَنْ بِجَنْبِهِ أَيْضًا مَعَهُ آمِينَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَ الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُرِدْ. . . إلَخْ) أَقُولُ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ إنَّمَا تَحْسُنُ لَوْ ذَكَرَ الْخِلَافَ قَبْلَهَا فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ ثُمَّ تَقْيِيدُهُ بِمَا ذَكَرَ وَأَيْضًا لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ قُلْت وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَرَى الْفَسَادَ بِمَا أَجَابَ بِهِ مِنْ ذِكْرٍ؛ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ وَهِيَ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى مَا أَنْتَ فَاعِلُهُ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ عِنْدَ قَصْدِ إعْلَامِهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. وَقَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ مَنْ اسْتَأْذَنَ عَلَى الْمُصَلِّي فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ بِهِ الْإِعْلَامَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّ فِي التَّسْبِيحِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ كُنْت آتِي حُجْرَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسْتَأْذِنُ فَيُنَادِي لِي اُدْخُلْ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ يُسَبِّحُ لِي» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُنَادِيَ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ لِإِعْلَامِ الْقَوْمِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ

اتِّفَاقًا وَقَيَّدَهُ بِالتَّحْمِيدِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ بِمَا لَيْسَ بِثَنَاءٍ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا. . (وَ) يُفْسِدُهَا (قِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّنُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ (وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ قَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ يَشْمَلُ فَتْحَ الْمُقْتَدِي عَلَى الْمُقْتَدَى وَعَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي وَعَلَى الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَفَتْحَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ كَانَ فَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التِّلَاوَةَ دُونَ الْفَتْحِ نَظِيرُهُ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ مَالَكَ فَقَالَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَا تَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ، وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَفَتَحَ عَلَيْهِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ، وَكَذَا صَلَاةُ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ إذْ رُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ فَيَكُونُ التَّلْقِينُ بِلَا حَاجَةٍ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ وَإِلَّا انْتَفَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى. (وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا يُنَافِيَانِ الصَّلَاةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ جَوَابٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمُجْتَبَى، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِمْ أَيْ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْجَوَابَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَنْقُولِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِالْقَوْلِ بِأَنْ أُخْبِرَ بِخَبَرٍ يَسُرُّهُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ بِخَبَرٍ يَسُوءُهُ فَقَالَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ. وَهُوَ تَصْحِيحٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ اهـ مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقِرَاءَةَ فَشَمِلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذْ لَمْ يَفْصِلْ فِيهِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْفَسَادِ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ آيَةً تَفْسُدُ، وَقِيلَ بَلْ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ عِنْدَهُ فِي الْإِفْسَادِ وَعِنْدَهُمَا فِي عَدَمِهِ سَوَاءٌ فَلِهَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّنُ مِنْ الْمُصْحَفِ. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُصْحَفِ مَحْمُولًا أَوْ مَوْضُوعًا فَتَفْسُدُ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَافِظًا إذْ لَوْ كَانَ يَحْفَظُ إلَّا أَنَّهُ نَظَرَ فَقَرَأَ لَا تَفْسُدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ مِنْ مَكْتُوبٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ قَالُوا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا اهـ يَعْنِي التَّلْقِينَ وَالْحَمْلَ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ اهـ. وَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَلِهَذَا أَيْ لِكَوْنِ التَّلْقِينِ مِنْ الْغَيْرِ مُفْسِدًا فَكَذَا مِنْ الْمُصْحَفِ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ تُجْزِئُهُ اهـ، ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ مَا ذَكَرَهُ الْفَضْلِيُّ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ تَلَقُّنُهُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ تَصْحِيحَ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا إلَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ الْمُصْحَفِ فَصَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ مُتَفَرِّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الْفَسَادِ الْحَمْلُ وَتَقْلِيبُ الْأَوْرَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ) أَقُولُ التَّعَلُّمُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي فَسَادِ صَلَاةِ الْفَاتِحِ نَعَمْ هُوَ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالنَّظَرِ لِمَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَذَ الْمُصَلِّي بِفَتْحِ مَنْ فَتَحَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي صَلَاتِهِ فَسَدَتْ، وَلَوْ أَخَذَ فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْفَتْحِ لَمْ تَفْسُدْ، وَلَوْ سَمِعَهُ الْمُؤْتَمُّ مِمَّنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَفَتَحَهُ عَلَى إمَامِهِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاةُ الْكُلِّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَا تَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَرَأَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوَّلًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَقِبَهُ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ تَفْسُدُ وَسَوَاءٌ انْتَقَلَ أَوْ لَا عَلَى مَا عَلَيْهِ عَامَّتُهُمْ مِنْ عَدَمِ الْفَسَادِ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِإِطْلَاقِ الْمُرَخِّصِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ. . . إلَخْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسَوَاءٌ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفَتْحُ أَوْ لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ فِيهِ وَقِرَاءَتُهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَنْوِي الْقِرَاءَةَ وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّهُ عُدُولٌ إلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَنْ الْمُرَخَّصِ فِيهِ اهـ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ أَيْضًا إنَّهُ سَهْوٌ. (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ) أَيْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ أَوَانَ الرُّكُوعِ إذَا قَرَأَ الْمَفْرُوضَ وَهُمْ قَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَبَكْرٍ فَكَرِهُوا لِلْإِمَامِ أَنْ يُلْجِئَهُمْ إلَى الْفَتْحِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْمَفْرُوضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الِاسْتِحْبَابَ فَقَالَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا ارْتَجَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَى سُورَةٍ أُخْرَى أَوْ يَرْكَعَ إذَا كَانَ يَقْرَأُ الْمُسْتَحَبَّ صِيَانَةً لِلصَّلَاةِ عَنْ الزَّوَائِدِ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، أَلَا يُرَى إلَى مَا ذَكَرُوا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي هَلَا فَتَجِبُ عَلَيَّ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ) يَعْنِي شَيْئًا مِنْ خَارِجِ فَمِهِ مُطْلَقًا، كَذَا أَطْلَقَ فِي الْكَنْزِ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ وَمُرَادُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَمَا لَا يُفْسِدُهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ كُلِّيًّا فَإِنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْ أَسْنَانِهِ وَكَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي الصَّوْمِ يَفْسُدُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ مُعَلَّقٌ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ فَسَادِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مُعَلَّقٌ بِوُصُولِ الْمُغَذِّي إلَى جَوْفِهِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكَّرَةٌ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ مَأْكُولٌ أَمَّا إذَا كَانَ فَابْتَلَعَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَسُجُودُهُ عَلَى نَجِسٍ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ السَّجْدَةُ لَا الصَّلَاةُ حَتَّى لَوْ أَعَادَهَا عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ صَحَّ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهَا عَلَى النَّجَاسَةِ كَالْعَدَمِ، لَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَإِذَا فَسَدَ بَعْضُهَا فَسَدَ كُلُّهَا بِخِلَافِ وَضْعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ وَضْعَهُمَا عَلَيْهِ كَتَرْكِ الْوَضْعِ أَصْلًا وَتَرْكُ وَضْعِهِمَا لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بِخِلَافِ الْوَجْهِ فَإِنَّ تَرْكَ وَضْعِهِ يَمْنَعُهُ. (وَأَدَاءُ رُكْنٍ أَوْ إمْكَانُهُ بِكَشْفِ عَوْرَةٍ أَوْ نَجَاسَةٍ) لَوْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَسَتَرَهَا بِلَا لَبْثٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَانِ الْيَسِيرِ كَالِانْكِشَافِ الْيَسِيرِ فِي الزَّمَانِ الْكَثِيرِ وَذَا لَا يَمْنَعُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الِانْكِشَافِ أَوْ مَكَثَ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ رُكْنٍ فَسَدَتْ، وَكَذَا لَوْ قَامَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ وَقَعَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ لِلزَّحْمَةِ فَأَدَّى أَوْ مَكَثَ فَسَدَتْ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا) أَيْ لَا يُفْسِدُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَمُلَابَسَةُ النَّجَاسَةِ بِالْمُكْثِ (مَا لَمْ يُؤَدِّهِ) أَيْ الرُّكْنَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ قَدْرَ أَدَاءِ الرُّكْنِ بَلْ حَقِيقَةَ أَدَائِهِ. (وَاسْتِخْلَافُ مُقْتَدٍ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مَلْآنَا مِنْ الْقَوْمِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ بِهِمْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَسَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ فَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ لِمَا مَرَّ أَنَّ خُلُوَّ مَكَانِ الْإِمَامِ عَنْهُ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لَكِنَّهُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ جُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مَكَانُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ لِمَوَاضِعِ الصُّفُوفِ حُكْمَ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي الصَّحْرَاءِ. . (وَ) اسْتِخْلَافُ (أُنْثَى، وَلَوْ خَلْفَهُ نِسَاءٌ) أَيْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ امْرَأَةً، وَقَدْ سَبَقَهُ حَدَثٌ وَخَلْفَهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِاسْتِخْلَافِ مَنْ لَا يَصْلُحُ خَلِيفَةً لَهُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَبِفَسَادِهَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ (وَكُلُّ عَمَلٍ كَثِيرٍ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ نَاظِرُهُ أَنَّ عَامِلَهُ غَيْرُ مُصَلٍّ، وَقِيلَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ الْمُصَلِّي قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَادِهِمَا فِي قَدْرِ الْحِمَّصَةِ اهـ. وَفِي الْأَكْلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا بَقِيَ أَثَرُهُ لَا يَضُرُّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِقَوْلِهِ كَانَ فِي فَمِهِ سُكَّرٌ أَوْ فَانِيدُ يَذُوبُ وَيَدْخُلُ مَاؤُهُ فِي حَلْقِهِ فَسَدَتْ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوْ أَكَلَ السُّكْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ ثُمَّ شَرَعَ وَالْحَلَاوَةُ فِي فَمِهِ فَدَخَلَ حَلْقَهُ مَعَ الْبُزَاقِ لَا تَفْسُدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ) أَيْ وَالْخَطَأِ لِمَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ وَقَعَ فِي فَمِهِ بَرَدَةٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ مَطَرٌ فَابْتَلَعَهُ فَسَدَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ السَّجْدَةُ) ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ وَعِبَارَةُ الْمَجْمَعِ وَالْبُرْهَانِ تُفِيدُ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ وَضْعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ عَلَيْهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَجُوزُ. . . إلَخْ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ مَرْجُوحٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُفْتَرَضُ وَضْعٌ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فِي السُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي اللَّيْثِ وَتَصْحِيحِهِ فِي الْعُيُونِ وَعُمْدَةِ الْفَتَاوَى فَتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ وَأَدَاءُ رُكْنٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَطْ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا قَوْلَ لِلْإِمَامِ. وَفِي الْكَافِي مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ الِانْكِشَافِ أَوْ مَكَثَ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ رُكْنٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي التَّمَكُّنِ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الْفَسَادَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِأَدَاءِ رُكْنٍ أَوْ إمْكَانِهِ مَعَ الْمُنَافِي وَقَيَّدَهُ فِي السَّابِقَةِ بِمَا إذَا لَمْ يُعِدْهُ مَعَ عَدَمِ الْمُنَافِي عِنْدَهُ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَالْقَيْدُ مُطَّرِدٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَاسْتِخْلَافُ مُقْتَدٍ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ. . . إلَخْ) هَذَا أَيْضًا مِنْ الْكَافِي وَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرَ هُنَا فَعَلَيْهِ لَا بُطْلَانَ بَلْ إنَّهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ عَدَمَ الْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِيمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مِنْ رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَالصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ. (قَوْلُهُ أَيْ اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ امْرَأَةً. . . إلَخْ) أَقُولُ هُوَ مِنْ الْكَافِي أَيْضًا وَحَكَى فِيهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ قَالَ زُفَرُ صَلَاةُ النِّسَاءِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ لِإِمَامَتِهِنَّ. (قَوْلُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ نَاظِرُهُ أَنَّ عَامِلَهُ غَيْرُ مُصَلٍّ) أَقُولُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ، وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا أَصَحُّ وَتَابَعَهُ الزَّيْلَعِيُّ والْوَلْوَالِجِيّ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إنَّهُ الْأَحْسَنُ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ إنَّهُ الصَّوَابُ، وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالنَّاظِرِ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِشُرُوعِ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ إذَا رَآهُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَإِنْ شَكَّ فَهُوَ قَلِيلٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فُرُوعَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ قَدْ اخْتَلَفَتْ وَلَمْ تَتَفَرَّعْ كُلُّهَا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ بَلْ بَعْضُهَا عَلَى قَوْلٍ وَبَعْضُهَا عَلَى غَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَكْثَرَهَا تَفْرِيعَاتٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَمْ تَكُنْ مَنْقُولَةً عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَكُلُّ مَا لَمْ يُرْوَ عَنْ الْإِمَامِ فِيهِ قَوْلٌ بَقِيَ كَذَلِكَ مُضْطَرِبًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا حَكَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَضْطَرِبُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَكَانَ يَقُولُ كُلُّ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لِشَيْخِنَا فِيهَا قَوْلٌ فَنَحْنُ فِيهَا هَكَذَا. اهـ.

فَإِنَّ دَأْبَهُ التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، وَقِيلَ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْيَدَيْنِ. (لَا نَظَرُهُ) عَطْفُ عَلَى قِرَاءَتُهُ (إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهْمُهُ) قُرْآنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (أَوْ أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِرِيقِهِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَلِيلًا كَمَا دُونَ الْحِمَّصَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ تَفْسُدُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (أَوْ مُرُورُ مَارٍّ فِي الصَّحْرَاءِ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) تَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ (وَإِنْ أَثِمَ) الْمَارُّ (وَيَغْرِزُ) الْمُصَلِّي (أَمَامَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الصَّحْرَاءِ (سُتْرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا نَظَرُهُ عَطْفٌ عَلَى قِرَاءَتُهُ) أَقُولُ هَذَا عَطْفٌ عَلَى مُتَوَسِّطٍ وَهُوَ خِلَافُ الصِّنَاعَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ كَثِيرٍ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إذَا كَانَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَمْ يَقْتَصِرْ فِي النِّهَايَةِ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَنْقُلْهُ بِصِيغَةِ قِيلَ وَعِبَارَتُهَا أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ شَيْءٌ فَابْتَلَعَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ تَبَعٌ لِرِيقِهِ وَهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ، قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا إذَا كَانَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَلِيلًا كَمَا دُونَ الْحِمَّصَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ قُلْت هُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ اهـ مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ الصَّوْمِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَإِلَيْهِ أَيْ عَدَمِ الْفَسَادِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ حُسَامُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ والْوَلْوَالِجِيّ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ لَمْ يُفَرِّقَا فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالشَّأْنُ فِيمَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْهَا وَهُوَ يَبْتَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا سَبَقَ اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ مِلْءَ الْفَمِ يُفْسِدُ، وَكَذَا نَحْوُهُ لَا يَشْتَرِطُ مَعَهُ الْعَمَلَ الْكَثِيرُ بَلْ عِلَّتُهُ إمْكَانُ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ بِلَا كُلْفَةٍ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِرِيقِهِ فَلَا يُفْسِدُ إلَّا بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَفِي مَعْرِفَتِهِ الِاخْتِلَافُ الْمَعْلُومُ. (قَوْلُهُ أَوْ مُرُورُ مَارٍّ فِي الصَّحْرَاءِ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَقُولُ التَّقْيِيدُ بِالصَّحْرَاءِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَا فَسَادَ بِالْمُرُورِ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِالصَّحْرَاءِ أَوْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِمَا اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمَارِّ فَشَمِلَ الْمَرْأَةَ وَالْحِمَارَ وَالْكَلْبَ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ» رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ تَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ فِي الصَّحْرَاءِ) أَقُولُ اخْتَارَ هَذَا كَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ، وَذَكَرَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ نَحْوُ أَنْ يَكُونَ بَصَرُهُ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، وَهَكَذَا وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَرْجَحُ مَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ مِنْ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ) أَقُولُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْعِنَايَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ» اهـ. وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ لِلْآثِمِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» . اهـ. (قَوْلُهُ وَيَغْرِزُ الْمُصَلِّي أَمَامَهُ فِيهِ أَيْ الصَّحْرَاءِ سُتْرَةً) أَقُولُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُنْيَةِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الصَّحْرَاءِ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ إذَا خَافَ الْمُرُورَ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَنْصِبَ شَيْئًا فَأَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ فَحِينَئِذٍ كَانَ الْأَمْرُ لِلنَّدَبِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى صَارِفٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ اهـ قُلْت الصَّارِفُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْفَضْلِ وَالْعَبَّاسِ «رَأَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَادِيَةٍ لَنَا يُصَلِّي فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ» وَلِأَحْمَدَ وَابْنُ عَبَّاسٍ صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ اهـ. كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ إنَّمَا قَيَّدَ بِالصَّحْرَاءِ؛ لِأَنَّهَا الْمَحَلُّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْمُرُورُ غَالِبًا وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ تَرْكِ السُّتْرَةِ فِيمَا يُخَافُ فِيهِ الْمُرُورُ أَيَّ مَوْضِعٍ كَانَ اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ طُولَ السُّتْرَةِ وَغِلَظَهَا. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِقْدَارُهَا ذِرَاعٌ فَصَاعِدًا، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «يُجْزِئُ مِنْ السُّتْرَةِ قَدْرُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» وَلِهَذَا جَعَلَ بَيَانَ الْغِلَظِ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلًا ضَعِيفًا وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَرْضِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ اهـ. وَكَذَا لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ قِيَامِهِ عِنْدَهَا وَالسُّنَّةُ الْقُرْبُ مِنْهَا وَجَعْلُهَا عَلَى أَحَدِ حَاجِبَيْهِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهَا صَمْدًا اهـ. وَأَشَارَ بِالْغَرْزِ إلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا وَاعْتَبَرَهُمَا غَيْرُهُ. وَقَالَ الْكَمَالُ بِهَذَا أَيْ بِمَا عَلَّلَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَّلَ الْمَانِعُ، وَالْمُجِيزُ يَقُولُ وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ وَهُوَ مَا فِي

[مكروهات الصلاة]

إنْ ظَنَّ الْمُرُورَ وَيَدْفَعُهُ) أَيْ الْمَارَّ (بِالْإِشَارَةِ أَوْ التَّسْبِيحِ لَا بِهِمَا) تَحَرُّزًا عَنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ (إنْ عَدِمَهَا) أَيْ السُّتْرَةَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَيَدْفَعُهُ (أَوْ مَرَّ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ إنْ وُجِدَتْ (وَكَفَى) لِلْجَمَاعَةِ (سُتْرَةُ الْإِمَامِ وَأَثِمَ) الْمَارُّ (فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ بِالْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا بَيْنهمَا قَدْرَ الصَّفَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ (بِلَا حَائِلٍ) بَيْنَهُمَا. (وَ) الْمَسْجِدُ (الْكَبِيرُ قِيلَ كَالصَّغِيرِ، وَقِيلَ كَالصَّحْرَاءِ) . لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مَا يُفْسِدُهَا وَمَا لَا يُفْسِدُهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ فِيهَا وَمَا لَا يُكْرَهُ فَقَالَ (وَكُرِهَ تَثَاؤُبُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ وَالِامْتِلَاءِ فَإِنْ غَلَبَهُ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ، وَإِنْ زَادَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فَمِهِ (وَتَمَطِّيهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ الْكَسَلِ (وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَكَفُّ ثَوْبِهِ) أَيْ رَفْعُ ثَوْبِهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ فَإِنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ (وَسَدْلُهُ) وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ» وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ أَيْ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد قَالُوا الْخَطُّ بِالطُّولِ، وَقَالُوا بِالْعَرْضِ مِثْلِ الْهِلَالِ اهـ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنْ يَكُونَ طُولًا لِيَصِيرَ شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ. (قَوْلُهُ وَيَدْفَعُهُ أَيْ الْمَارَّ بِالْإِشَارَةِ) أَقُولُ لَكِنْ تَرْكُ الدَّرْءِ أَفْضَلُ رَوَاهُ الْمَاتُرِيدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمْرُ بِالدَّرْءِ فِي الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ كَالْأَمْرِ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فَيَكُونُ تَرْكُهُ الْعَزِيمَةَ، ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِشَارَةَ فَشَمِلَ الْإِشَارَةَ بِالْيَدِ وَالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ التَّسْبِيحِ) زَادَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ اهـ قُلْت فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْجَهْرِيَّةَ الْعِلْمُ حَاصِلٌ بِهَا اهـ. وَهَذَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ أَمَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُنَّ يُصَفِّقْنَ لِلْحَدِيثِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ تَضْرِبَ بِظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ مِنْ الْيُسْرَى، وَلِأَنَّ فِي صَوْتِهِنَّ فِتْنَةً فَكُرِهَ لَهُنَّ التَّسْبِيحُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ لَا بِهِمَا تَحَرُّزًا عَنْ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ) أَقُولُ، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كُرِهَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ قِيلَ يُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً اهـ. وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَاتِلُ الْمَارَّ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ يَقِفْ بِإِشَارَتِهِ جَازَ دَفْعُهُ بِالْقِتَالِ وَتَأْوِيلُ مَا وَرَدَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ. (قَوْلُهُ بِلَا حَائِلٍ) أَقُولُ الْحَائِلُ كَسَارِيَةٍ وَظَهْرُ جَالِسٍ سُتْرَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَائِمِ، وَقَالُوا حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصَلِّي فَتَصِيرَ هِيَ سُتْرَةً فَيَمُرَّ، وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي الْمُصَلِّيَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ كَالصَّحْرَاءِ) أَقُولُ هُوَ الصَّحِيحُ وَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ هُوَ أَمَامَ الْمُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ وَمَوْضِعُ سُجُودِهِ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ أَوْ الصَّحْرَاءِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ الدُّكَّانِ بِشَرْطِ مُحَاذَاةِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ أَعْضَاءَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. [مَكْرُوهَات الصَّلَاة] (قَوْلُهُ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) فَسَّرَهُ بِمَا ذَكَرَ فَأَخْرَجَ الِائْتِزَارَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الِائْتِزَارَ فَوْقَ الْقَمِيصِ مِنْ الْكَفِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَشْدُودَ الْوَسْطِ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَنَحْوَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. اهـ. قُلْت وَصَرَّحَ الْكَمَالُ أَيْضًا بِعَدَمِ كَرَاهَةِ شَدِّ الْوَاسِطِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَدْخُلُ فِي كَفِّ الثَّوْبِ تَشْمِيرُ كُمَّيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَيَّدَ الْكَرَاهَةَ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا كُمَّيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ رَفْعُهُمَا إلَى مَا دُونَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِصِدْقِ كَفِّ الثَّوْبِ عَلَى الْكُلِّ. اهـ. قُلْت فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ نَظَرٌ إنْ يَكُنْ سَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَمَالَ، وَإِنْ أَطْلَقَ هُنَا قَدْ قَيَّدَ كَلَامَهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدَ اسْتِطْرَادِ فُرُوعٍ ذَكَرَهَا فَقَالَ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ أَيْضًا مَعَ تَشْمِيرِ الْكُمِّ عَنْ السَّاعِدِ اهـ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْيَةِ فِي التَّقْيِيدِ فَانْتَفَى مَا قِيلَ إنَّ الظَّاهِرَ الْإِطْلَاقُ اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ رَفْعِهِ مِنْ خَلْفِهِ فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلسُّجُودِ كُرِهَ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِقَصْدِ رَفْعِهِ عَنْ التُّرَابِ أَوْ لَا كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِصَوْنِهِ عَنْ التُّرَابِ لِلَّهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ وَسَدْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمِنْدِيلُ مُرْسَلًا مِنْ كَتِفَيْهِ كَمَا يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلَى عُنُقِهِ مِنْدِيلٌ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ اهـ. وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِلطَّيْلَسَانِ أَمَّا الْقَبَاءُ وَنَحْوُهُ فَهُوَ أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمَّيْهِ وَيَضُمَّ طَرَفَيْهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْفَرْجِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اهـ. وَلَا يُكْرَهُ السَّدْلُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبُغْيَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ) أَقُولُ وَوَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي السُّنَّةِ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظَمَ وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ، وَكَذَا يُكْرَهُ الِاشْتِمَالَةُ الصَّمَّاءُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنْ يَلُفَّ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ رَأْسَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ وَلَا يَدَعُ مَنْفَذًا لِيَدِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الِائْتِزَارِ مَعَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ وَغَيْرُهُ لَا يَشْتَرِطُهُ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ وَهُوَ أَنْ يَلُفَّ الْعِمَامَةَ حَوْلَ رَأْسِهِ وَيَدَعَ وَسَطَهَا كَمَا يَفْعَلُهُ الدَّعَرَةُ وَمُتَوَشِّحًا لَا يُكْرَهُ وَفِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ بَعْضُهُ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

أَوْ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يُرْسِلَ أَطْرَافَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَإِنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ (وَعَبَثُهُ) أَيْ لَعِبُهُ (بِهِ) أَيْ بِثَوْبِهِ (وَبِبَدَنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَمَا ظَنُّك فِيهَا (وَعَقْصُ شَعْرِهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ عَلَى هَامَتِهِ وَيَشُدَّهُ بِخَيْطٍ أَوْ صَمْغٍ لِيَتَلَبَّدَ (وَفَرْقَعَةُ أَصَابِعِهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا (وَالْتِفَاتُهُ) بِأَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ لَا لِحَاجَةٍ لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا فَلَوْ نَظَرَ بِمُؤَخِّرِ عَيْنَيْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ وَأَوْ يَلْوِيَ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَلَوْ حَوَّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ (وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا (وَإِقْعَاؤُهُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ رُكْبَتَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ إقْعَاءَ الْكَلْبِ (وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا (وَتَرَبُّعُهُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ (بِلَا عُذْرٍ) فَلَوْ كَانَ بِعُذْرٍ لَمْ يُكْرَهْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَعَبَثُهُ أَيْ لَعِبُهُ) أَقُولُ جَعَلَهُمَا وَاحِدًا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ حَيْثُ قَالَ الْعَبَثُ هُوَ كُلُّ فِعْلٍ لَا لَذَّةَ فِيهِ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ لَذَّةٌ فَهُوَ لَعِبٌ اهـ وَفَسَّرَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَيْ الْعَبَثُ فِعْلٌ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَحِيحٍ فَلَوْ كَانَ لِغَرَضٍ كَسَلْتِ الْعَرَقِ عَنْ وَجْهٍ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَأَطْلَقَ فِي الْعَبَثِ وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيًا لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا حَكَّ جَسَدَهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ يَعْنِي إذَا فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مِرَارًا وَبَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ فُرْجَةٌ أَمَّا إذَا فَعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ مَرَّتَيْنِ لَا تَفْسُدُ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَفْسُدُ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا حَكَّ جَسَدَهُ ثَلَاثًا تَفْسُدُ إذَا كَانَ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَكِّ هَلْ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أَوْ الذَّهَابُ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أُخْرَى اهـ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ الْحَكُّ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فِي رُكْنٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ إنْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَإِلَّا لَا تَفْسُدُ اهـ فَهُوَ مُقَيِّدٌ لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ تَقْيِيدٌ غَرِيبٌ وَتَفْصِيلٌ عَجِيبٌ يَنْبَغِي حِفْظُهُ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَمَا ظَنُّك فِيهَا) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْهُ فِيهَا، وَقَدْ وَرَدَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» اهـ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَلِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فَمَا ظَنُّك فِي الصَّلَاةِ اهـ أَرَادَ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ. وَفِي الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ قَوْلُهُ، وَلِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَهَا بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَالْحَدِيثُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَعَقْصُ شَعْرِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ) أَقُولُ وَذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَالَ الْعُلَمَاءُ حِكْمَةُ النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قُلْت وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّ بِرَجُلٍ سَاجِدٍ عَاقِصًا شَعْرَهُ فَحَلَّهُ حَلًّا عَنِيفًا. وَقَالَ إذَا طَوَّلَ أَحَدُكُمْ شَعْرَهُ فَلْيُرْسِلْهُ يَسْجُدْ مَعَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ عَلَى هَامَّتِهِ. . . إلَخْ) أَيْ قَبْلَ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَدْخُلُ فِيهَا عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ، وَذَكَرَ لَهُ تَفْسِيرًا غَيْرَ هَذَا وَكُلُّهُ مَكْرُوهٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ بِلَا صَارِفٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَعَمَّدَ لِلصَّلَاةِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ أَصَابِعِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهَا فِيهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ الْعَبَثِ بِخِلَافِ الْفَرْقَعَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا لِإِرَاحَةِ الْمَفَاصِلِ فَإِنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ كَرِهَهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْطَانِ بِالْحَدِيثِ اهـ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهَا خَارِجَهَا نَهْيٌ لَمْ تَكُنْ تَحْرِيمِيَّةً وَأَلْحَقَ فِي الْمُجْتَبَى الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ وَالْمَاشِيَ إلَيْهَا بِمَنْ فِي الصَّلَاةِ فِي كَرَاهَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْتِفَاتُهُ بِأَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ لَا لِحَاجَةٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً، وَقَدْ خَالَفَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ عَامَّةَ الْكُتُبِ فِي الِالْتِفَاتِ الْمَكْرُوهِ فَجَعَلَهُ مُفْسِدًا وَعِبَارَتُهُ، وَلَوْ حَوَّلَ الْمُصَلِّي وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَسَدَتْ، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَجَعَلَ فِيهَا الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَنْ يُحَوِّلَ بَعْضَ وَجْهِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ وَالْأَشْبَهُ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّ الِالْتِفَاتَ الْمَكْرُوهَ أَعَمُّ مِنْ تَحْوِيلِ جَمِيعِ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَظَرَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ. . . إلَخْ) قَيَّدَ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِحَاجَةٍ، وَقَدْ أَطْلَقَهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْتِفَاتَ الْبَصِيرِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ مُطْلَقًا وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَرَفْعُ بَصَرِهِ إلَى السَّمَاءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ النَّهْيُ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ» كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَإِقْعَاؤُهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ. . . إلَخْ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي التَّفْسِيرِ لِلْإِقْعَاءِ؛ لِأَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ يَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ إقْعَاءَ الْكَلْبِ فِي نَصْبِ الْيَدَيْنِ وَإِقْعَاءَ الْآدَمِيِّ فِي نَصْبِ الرُّكْبَتَيْنِ إلَى صَدْرِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَتَرَبُّعُهُ) مَعْرُوفٌ وَسُمِّيَ بِالتَّرَبُّعِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذِهِ الْجِلْسَةِ قَدْ رَبَّعَ نَفْسَهُ كَمَا يُرَبَّعُ الشَّيْءُ إذَا جُعِلَ أَرْبَعًا وَالْأَرْبَعُ هُنَا السَّاقَانِ وَالْفَخِذَانِ رَبَّعَهَا بِمَعْنَى أَدْخَلَ بَعْضَهَا تَحْتَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ) أَقُولُ، كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ قَالَ وَمَا قِيلَ

(وَتَخَصُّرُهُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ (وَقَلْبُ الْحَصَى لِيَسْجُدَ إلَّا مَرَّةً) أَيْ وَكُرِهَ قَلْبُ الْحَصَى لِيَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ إلَّا أَنْ يَقْلِبَ مَرَّةً لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَرَّةِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ» (وَعَدُّ الْآيِ) جَمْعُ آيَةٍ (وَالتَّسْبِيحُ بِالْيَدِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا وَفِيهِ خِلَافٌ لَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ عَدُّهُمَا بِالْقَلْبِ وَلَا بِالْيَدِ خَارِجَ الصَّلَاةِ (وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ أَوْ عَلَى دُكَّانٍ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهُ) هَذَا قَيْدٌ لِلصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ يَعْنِي يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَا قِيَامُهُ فِي الْخَارِجِ وَسُجُودُهُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ الْكَرَاهَةِ، وَكَذَا يُكْرَهُ قِيَامُهُ عَلَى دُكَّانٍ وَحْدَهُ وَالْقَوْمُ عَلَى الْأَرْضِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِلتَّشَبُّهِ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ فَكَانَ تَشَبُّهًا، وَلِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً بِالْإِمَامِ ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا، ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ التَّرَبُّعَ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ فَلِذَا كُرِهَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي جُلُوسِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَعَامَّةُ جُلُوسِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَرَبُّعًا اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَخَارِجَهَا لَيْسَ أَيْ التَّرَبُّعُ بِمَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ جُلَّ قُعُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ التَّرَبُّعَ، وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ السُّنَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ لِيَكُونَ تَحْرِيمًا اهـ. (قَوْلُهُ وَتَخَصُّرُهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ) أَقُولُ، وَكَذَا يُكْرَهُ التَّخَصُّرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ النَّهْيِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ) هَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَفُسِّرَ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَالرُّخْصَةُ فِي الْمَرَّةِ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّرْكَ أَوْلَى وَعَلَيْهِ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالنِّهَايَةِ أَنَّ التَّرْكَ أَحَبُّ إلَيَّ اسْتَدَلَّ فِي النِّهَايَةِ وَالْبُرْهَانِ بِمَا عَنْ جَابِرٍ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فَقَالَ وَاحِدَةً وَلَأَنْ تُمْسِكَ عَنْهَا خَيْرٌ لَك مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ سُودِ الْحَدَقِ» اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ تَسْوِيَتَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّسْوِيَةَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مَرَّةً هَلْ هِيَ رُخْصَةٌ أَوْ عَزِيمَةٌ، وَقَدْ تَعَارَضَ فِيهَا جِهَتَانِ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِلسُّجُودِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ كَانَتْ عَزِيمَةً وَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّ تَرْكَهَا أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ كَانَ تَرْكُهَا عَزِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الثَّانِي، وَذَكَرَ مَا يُرَجِّحُهُ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَا أَبَا ذَرٍّ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَيْ أَبِي ذَرٍّ «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» . اهـ. (قَوْلُهُ وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحُ بِالْيَدِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَكَذَا عَدُّ السُّوَرِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَ بِالتَّسْبِيحِ وَالْآيِ احْتِرَازًا عَنْ عَدِّ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ عَدَّ النَّاسَ أَوْ مَوَاشِيَهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا أَيْ فِي الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ لَهُمَا) أَقُولُ هُوَ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَنَفَيَاهَا أَيْ الْكَرَاهَةَ فِي رِوَايَةٍ اهـ فَمَفْهُومُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُمَا يُكْرَهُ كَقَوْلِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ فَلَا يُكْرَهُ عَدُّهُمَا بِالْقَلْبِ) تَفْرِيعٌ بِمُتَّفَقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدِّ بِالْيَدِ بِالْأَصَابِعِ أَوْ بِخَيْطٍ يُمْسِكُهُ أَمَّا إذَا أَحْصَى بِقَلْبِهِ أَوْ غَمَزَ بِأَنَامِلِهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَا بِالْيَدِ خَارِجَ الصَّلَاةِ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ) أَقُولُ حَكَى الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى الْقَوْمِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ) أَقُولُ كَذَا عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ هَذِهِ إحْدَاهُمَا وَالثَّانِيَةُ إنَّمَا يُكْرَهُ كَيْ لَا يَشْتَبِهَ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ حَالُهُ حَتَّى إذَا كَانَ بِجَنَبَيْ الطَّاقِ عَمُودَانِ وَرَاءَهُمَا فُرْجَتَانِ يَطَّلِعُ مِنْهُمَا أَهْلُ الْجِهَتَيْنِ عَلَى حَالِهِ لَا يُكْرَهُ فَمَنْ اخْتَارَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَمَنْ اخْتَارَ الْأُولَى يُكْرَهُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا. وَقَالَ الْكَمَالُ لَا يَخْفَى أَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ مُقَرَّرٌ مَطْلُوبٌ فِي الشَّرْعِ فِي حَقِّ الْمَكَانِ حَتَّى كَانَ التَّقَدُّمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَغَايَةُ مَا هُنَا كَوْنُهُ فِي خُصُوصِ مَكَان وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ بُنِيَ فِي الْمَسَاجِدِ الْمَحَارِيبُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ لَمْ تُبْنَ كَانَتْ السُّنَّةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي مُحَاذَاةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ يُحَاذِي وَسْطَ الصَّفِّ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ إذْ قِيَامُهُ فِي غَيْرِ مُحَاذَاتِهِ مَكْرُوهٌ وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَا بِدَعَ فِيهِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إنَّمَا يَخُصُّونَ الْإِمَامَ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ عَلَى مَا قِيلَ فَلَا تَشَبُّهَ اهـ. (قَوْلُهُ لَا قِيَامُهُ فِي الْخَارِجِ وَسُجُودُهُ فِيهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْقَدَمُ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ) أَيْ قَامَةُ رَجُلٍ وَسَطٍ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مِقْدَارُ ذِرَاعٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) ، كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

الْمُوجِبِ لِلْكَرَاهَةِ (وَالْقِيَامُ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ (فُرْجَةٌ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ (وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَنُّورٌ أَوْ كَانُونٌ فِيهِ نَارٌ) لِشَبَهِهِ بِعِبَادَةِ الْمَجُوسِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْجَمْرَ (أَوْ) يَكُونَ (فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ صُورَةٌ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ فَوْقَ رَأْسِهِ ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ عَلَى يَسَارِهِ ثُمَّ خَلْفَهُ. وَفِي الْغَايَةِ إنْ كَانَ التِّمْثَالُ فِي مُؤَخِّرِ الظَّهْرِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ (إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ لَا تُعْبَدُ فَلَا يُكْرَهُ (وَصَلَاتُهُ حَاسِرًا رَأْسَهُ) لِلتَّكَاسُلِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ (لَا لِلتَّذَلُّلِ) حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ لَمْ يُكْرَهْ (أَوْ) صَلَاتُهُ (وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ) أَيْ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَهُوَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ صَلَاتُهُ حَالَ مُدَافَعَتِهِ لَهُمَا (أَوْ الرِّيحَ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا. (وَ) صَلَاتُهُ (فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ) وَهِيَ مَا يُلْبَسُ فِي الْبَيْتِ وَلَا يُذْهَبُ بِهَا إلَى إلَى كَابِرٍ (وَمَسْحُ جَبْهَتِهِ مِنْ التُّرَابِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ أَيْضًا. (لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ (قَتْلُ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ) فِي الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (قَوْلُهُ وَالْقِيَامُ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ) أَقُولُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قِيلَ يَقُومُ وَحْدَهُ وَيُعْذَرُ، وَقِيلَ يَجْذِبُ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَى نَفْسِهِ فَيَقِفُ إلَى جَنْبِهِ وَالْأَصَحُّ مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى الرُّكُوعِ فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ وَإِلَّا جَذَبَ إلَيْهِ رَجُلًا أَوْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَالَ مَوْلَانَا الْبَدِيعُ وَالْقِيَامُ وَحْدَهُ أَوْلَى فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى الْعَوَامّ فَإِذَا جَرَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَفِي شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَأَوْلَى فِي زَمَانِنَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ ثُمَّ قَالَ وَبَحَثَ الْمُصَنِّفُ التَّفْوِيضَ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى فَإِنْ رَأَى مَنْ لَا يَتَأَذَّى لِدِينٍ أَوْ صَدَاقَةٍ زَاحَمَهُ أَوْ عَالِمًا جَذَبَهُ. (قَوْلُهُ أَوْ خَلْفَهُ) ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يُكْرَهُ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْعِبَادَةَ وَمَشَى عَلَيْهَا فِي الْغَايَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَكَذَا فِي شَرْحِ عَتَّابٍ قَالَ لَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ خَلْفَهُ أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ وَلَكِنْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ جَعْلِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ لِلْحَدِيثِ «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ» اهـ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ جَبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. . . إلَخْ) مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِهَانَةِ لَهَا فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَعِنْدَ النَّسَائِيّ «اسْتَأْذَنَ جَبْرَائِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اُدْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِك سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوْ اجْعَلْهَا بِسَاطًا» كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ عَتَّابٍ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُكْرَهُ كَرَاهَةَ جَعْلِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ اهـ. وَالْمُرَادُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لَا الْحَفَظَةُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الشَّخْصَ إلَّا فِي خَلْوَتِهِ بِأَهْلِهِ وَعِنْدَ الْخَلَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ قَالَ الْكَمَالُ أَيْ عَلَى مَنْ بَعُدَ وَالْكَبِيرَةُ مَا تَبْدُو عَلَى بُعْدٍ اهـ. وَقَالَ. وَفِي الْبَحْرِ وَهَلْ تَمْنَعُ أَيْ الصَّغِيرَةُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ ذَهَبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُخَصَّصَةٌ وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ إلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ. (قَوْلُهُ أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَقُولُ وَمَحْوُ وَجْهِهَا كَقَطْعِ الرَّأْسِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ أَوْ صَلَاتُهُ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ. . . إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَا تُكْرَهُ مَعَ نَجَاسَةٍ لَا تُمْنَعُ إلَّا إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ أُخْرَى، وَيَقْطَعُ الصَّلَاةَ إنْ لَمْ يَخَفْ ذَلِكَ إذَا تَذَكَّرَ هَذِهِ النَّجَاسَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَتُكْرَهُ مَعَ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَانِعَةٍ لِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ إلَّا إذْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ وَإِلَّا نُدِبَ قَطْعُهَا وَإِزَالَتُهَا كَمَا فِي مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَيَجُوزُ قَطْعُهَا بِسَرِقَةٍ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا وَلَوْ لِغَيْرِهِ وَخَوْفِ ذِئْبٍ عَلَى غَنَمٍ أَوْ خَوْفِ تَرَدِّي أَعْمَى فِي بِئْرٍ وَيَجِبُ قَطْعُهَا بِاسْتِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ مَظْلُومٍ بِالْمُصَلِّي وَلَا يَجِبُ قَطْعُهَا بِنِدَاءِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَّا أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ أَيْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَهَذَا فِي الْفَرْضِ فَأَمَّا فِي النَّفْلِ إذَا نَادَاهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا بَأْسَ أَنْ لَا يُجِيبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ يُجِيبُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَتَقْطَعُهَا الْمَرْأَةُ إذَا فَارَ قِدْرُهَا وَالْمُسَافِرُ إذَا نَدَّتْ دَابَّتُهُ أَوْ خَافَ فَوْتَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ كَافِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ. (قَوْلُهُ وَمَسْحُ جَبْهَتِهِ مِنْ التُّرَابِ) أَقُولُ أَيْ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَا يُكْرَهُ مَسْحُ جَبْهَتِهِ مِنْ التُّرَابِ فِي وَسْطِ الصَّلَاةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يُكْرَهُ إلَّا لِلْأَذَى وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَسَحَ مَرَّةً يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَمْسَحَ عَنْهُ فِي كُلِّ سُجُودٍ يَتَلَطَّخُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ الْمَسْحُ وَلَا بَأْسَ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِيهِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالتَّرْكُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ حَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ) أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِخَوْفِ الْأَذَى اهـ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ كُرِهَ فِي النِّهَايَةِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْحَيَّةِ فَشَمِلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْلَى الْإِمْسَاكُ عَمَّا فِيهِ عَلَامَةُ الْجِنِّ لَا لِلْحُرْمَةِ بَلْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمُتَوَهَّمِ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَقِيلَ يُنْذِرُهَا فِي غَيْرِ

أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ» ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يَقْتُلُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهِمَا بِفِعْلٍ يَسِيرٍ كَالضَّرْبِ. وَأَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْمَشْيِ فَتَفْسُدُ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ كَالْمَشْيِ فِي الْحَدِيثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ (وَلَا) الصَّلَاةُ (إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) ، وَقِيلَ يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ أَمَرَ عِكْرِمَةَ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُصَلِّيَ» (وَإِلَى مُصْحَفٍ أَوْ سَيْفٍ مُعَلَّقَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعْبَدَانِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِهَا، وَإِنْ قَالَ بَعْضٌ بِكَرَاهَتِهِمَا (أَوْ) إلَى (سِرَاجٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَجُوسَ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَبَ بَلْ الْجَمْرَ (أَوْ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) ؛ لِأَنَّهَا إهَانَةٌ وَتَحْقِيرٌ لِلصُّورَةِ وَلَيْسَ بِتَعْظِيمٍ (إنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا) أَيْ الصُّورَةِ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ جُلُوسِهِ وَقِيَامِهِ فَإِنَّ السُّجُودَ عَلَيْهَا تَشَبُّهٌ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ (كَذَا) لَفْظَةُ كَذَا هَاهُنَا كَالْفَصْلِ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ، وَوَجْهُ الْفَصْلِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ. (يُكْرَهُ الْوَطْءُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ التَّغَوُّطُ (فَوْقَ مَسْجِدٍ) ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي احْتِرَامَهُ؛ لِأَنَّ لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ حُكْمَهُ حَتَّى لَوْ قَامَ عَلَيْهِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ صَحَّ، وَلَوْ صَعِدَ إلَيْهِ الْمُعْتَكِفُ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ وَلَمْ يَحِلَّ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (لَا فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ) وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ بِأَنْ كَانَ لَهُ مِحْرَابٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَتَّى جَازَ بَيْعُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَةُ الْمَسَاجِدِ، كَذَا فِي الْكَافِي. . (وَ) يُكْرَهُ (غَلْقُ بَابِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَصِحُّ مَنْعُهُ عَنْهُمْ قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ وَفِي زَمَانِنَا لَا بَأْسَ فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ فَيَقُولُ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ بَاحِثًا ثُمَّ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ أَيْ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ اهـ. وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْفَسَادِ مُطْلَقًا. وَقَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ اخْتِلَافًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْأَخْذِ فَضْلًا عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الدَّفْنِ، فَإِنْ تَعَرَّضَا بِالْأَذَى إنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ وَالْقَتْلِ وَالدَّفْنِ بِغَيْرِ عَمَلٍ كَثِيرٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ عَمَلٍ كَثِيرٍ وَلَا يَطْرَحُهَا وَلَا يَدْفِنُهَا فِيهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَظْفَرُ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا إلَى ظَهْرِ قَاعِدٍ يَتَحَدَّثُ) أَفَادَ الْكَرَاهَةَ إلَى وَجْهِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَا يُكْرَهُ وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْمُصَلِّي بِالْوَجْهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَمِنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَضْعُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لَا تَمْنَعُهُ الْقِرَاءَةَ وَمِنْهَا إتْمَامُ الْقِرَاءَةِ رَاكِعًا وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَالصَّلَاةُ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ وَالْمَقْبَرَةِ، وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى إذَا غَسَلَ مَوْضِعًا فِي الْحَمَّامِ لَيْسَ فِيهِ تِمْثَالٌ وَصَلَّى لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا فِي الْمَقْبَرَةِ إذَا كَانَ فِيهَا مَوْضِعٌ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ قَبْرٌ وَلَا نَجَاسَةٌ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَهُمْ عَنْ إكْمَالِ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ يُكْرَهُ الْوَطْءُ. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى كَرَاهَتِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ تُكْرَهُ الْمُجَامَعَةُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَصَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] لَكِنَّ الْحَقَّ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَرَاهَةَ الْبَوْلِ وَالْمُجَامَعَةِ وَالتَّخَلِّي فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى الْقَوَارِعِ وَعِنْدَ الْحِيَاضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَمَا كَانَ هَذَا إلَّا نَظِيرَ الْمُعَدِّ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَذَلِكَ لَا يَأْخُذُ حُكْمَ الْمَسْجِدِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالْمَسَاجِدُ الَّتِي عَلَى الْقَوَارِعِ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِيهَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ، وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُتَّخَذُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ فِي حَقِّ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ انْفَصَلَ الصُّفُوفُ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ اهـ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَيْ مُصَلَّى الْعِيدِ يَأْخُذُ حُكْمَهَا أَيْ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لِأَعْظَمِ الْجُمُوعِ عَلَى وَجْهِ الْإِعْلَانِ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ إدْخَالُ الدَّوَابِّ فِيهَا ضَرُورَةَ الْخَشْيَةِ عَلَى ضَيَاعِهَا، وَقَدْ يَجُوزُ إدْخَالُ الدَّوَابِّ فِي بُقْعَةِ الْمَسَاجِدِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ اهـ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ وَاتَّفَقَ فِي مُصَلَّى الْجِنَازَةِ. (قَوْلُهُ وَالتَّخَلِّي أَيْ التَّغَوُّطُ) أَقُولُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ دُونَ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ الْخَلْوَةُ بِالْمَرْأَةِ. (قَوْلُهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ مِحْرَابٌ) أَقُولُ إنَّمَا قَيَّدَ بِالْمِحْرَابِ لِيُفِيدَ الْحُكْمَ فِيمَا لَا مِحْرَابَ لَهُ بِالْأَوْلَى وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ وَلَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فَوْقَ بَيْتٍ فِيهِ مَسْجِدٌ وَالْمُرَادُ مَا أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ وَفِي زَمَانِنَا. . . إلَخْ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالزَّمَانِ فِي الْهِدَايَةِ بَلْ قَالَ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَانِنَا كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ فَالْمَدَارُ خَشْيَةُ الضَّرَرِ اهـ. وَفِي نَفْيِ الْبَأْسِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَفْلُهُ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ

مَتَاعِ الْمَسْجِدِ. (لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ (تَزْيِينُهُ بِالْجِصِّ وَالسَّاجِ) وَهُوَ خَشَبٌ مُقَوَّمٌ يُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدِ (وَمَاءِ الذَّهَبِ بِمَالِهِ) أَيْ بِمَالِ الْبَانِي (وَأَمَّا الْمُتَوَلِّي فَيَضْمَنُ) قِيمَةَ مَا زَيَّنَهُ بِهِ (إذَا فَعَلَ) ذَلِكَ (مِنْ مَالِ الْوَقْفِ) . (قَرَأَ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (مِنْ وَسْطِ السُّورَةِ لَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ) قِرَاءَةُ خَاتِمَةِ السُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ يُكْرَهُ، وَكَذَا خَاتِمَةُ سُورَةٍ فِي رَكْعَةٍ أَوْ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيْنِ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ فِيهِمَا جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ فِي رَكْعَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ، وَلَوْ كَرَّرَ سُورَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ يُكْرَهُ إلَّا فِي النَّفْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ بِسُورَةٍ أَوْ سُورَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَفْصِلُ بِسُوَرٍ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْمُعَوِّذَتَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةٍ وَشَيْءٍ مِنْ الْبَقَرَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُعِيدُ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ فِي الثَّانِيَةِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ أَيْضًا، قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَرَأَ سُورَةً فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ سُورَةً فَوْقَهَا يُكْرَهُ وَالْآيَةُ كَالسُّورَةِ، كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ أَوْ عِمَامَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَرَفْعُ الْقَلَنْسُوَةِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ يَجِبُ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْمَصَاحِفِ الْمَوْضُوعَةِ وَالْقَنَادِيلِ الْمُعَلَّقَةِ. (قَوْلُ لَا يُكْرَهُ تَزْيِينُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُنْقَشَ الْمَسْجِدُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ لَا بَأْسَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ بِذَلِكَ فَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْجُوَ رَأْسًا بِرَأْسٍ. اهـ.؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِ لَا بَأْسَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَأْسَ الشِّدَّةُ اهـ قُلْت وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ قُرْبَةً لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ وَإِجْلَالِ الدِّينِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَنَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَصَرْفُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَحَبُّ اهـ. وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ اسْتِحْبَابٍ صَرَفَهُ بِمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ بِمَالِهِ أَيْ بِمَالِ الْبَانِي) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ مِنْ طَيِّبِ مَالِهِ أَمَّا إذَا أَنْفَقَ فِي ذَلِكَ مَالًا خَبِيثًا أَوْ مَالًا مُسَبِّبُهُ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ إلَّا الطَّيِّبَ فَيُكْرَهُ تَلْوِيثُ بَيْتِهِ بِمَا لَا يَقْبَلُهُ اهـ. وَقَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا الْإِبَاحَةَ بِأَنْ لَا يَتَكَلَّفَ لِدَقَائِقِ النَّقْشِ فِي الْمِحْرَابِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي. اهـ. قُلْت فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْمِحْرَابِ بَلْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ يَكُونُ أَمَامَ مَنْ يُصَلِّي بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ فَقَالَ بِكَرَاهَةِ التَّكَلُّفِ بِدَقَائِق النُّقُوشِ وَنَحْوِهَا خُصُوصًا فِي الْمِحْرَابِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُتَوَلِّي فَيَضْمَنُ قِيمَةَ مَا زَيَّنَهُ بِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي تَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ضَمَانُ مَا صَرَفَهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ لَا قِيمَةِ مَا صَرَفَ الْمَالَ فِيهِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَكَانَ الزَّرَنْجَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هَذَا الْقَوْلُ أَيْ بِضَمَانِ الْمُتَوَلِّي فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا لَوْ صَرَفَ مَا يَفْضُلُ فِي الْعِمَارَةِ إلَى النَّقْشِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الظَّلَمَةَ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَافِي إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ الضَّيَاعُ بِطَمَعِ الظَّلَمَةِ. وَفِي الْغَايَةِ جَعْلُ الْبَيَاضِ فَوْقَ السَّوَادِ لِلنَّقَاءِ يُوجِبُ ضَمَانَ الْمُتَوَلِّي. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكِلْ الْوَاقِفُ فِعْلَ مِثْلِ ذَلِكَ أَمَّا إنْ كَانَ فَلَهُ الْبَيَاضُ لِقَوْلِهِمْ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ إنَّهُ يَعْمُرُهُ كَمَا كَانَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لِلنَّقَاءِ إذْ لَوْ قَصَدَ بِهِ إحْكَامَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ اهـ قُلْت وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ اهـ قَالَ وَقَيَّدُوا بِالْمَسْجِدِ إذْ نَقْشُ غَيْرِهِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إلَّا إذَا كَانَ مَكَانًا مُعَدًّا لِلِاسْتِظْلَالِ تَزِيدُ الْأُجْرَةُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَأَرَادُوا مِنْ الْمَسْجِدِ دَاخِلَهُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ تَرْغِيبِ الِاعْتِكَافِ فَيُفِيدُ أَنَّ تَزْيِينَ خَارِجِهِ مَكْرُوهٌ. وَأَمَّا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَيَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي كَدَهْنِ الْحِيطَانَ خُصُوصًا بِقَصْدِ الْحِرْمَانِ. (قَوْلُهُ قَرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إلَى آخِرِ الْبَابِ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي اسْتِطْرَادُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَلَهُ أَحْكَامٌ أُفْرِدَتْ عَلَى حِدَةٍ فِي الشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى مِنْهَا تَحِيَّتُهُ وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ وَيَكْفِيهِ فِي الْيَوْمِ رَكْعَتَانِ إذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهُ وَلَا تَسْقُطُ بِالْجُلُوسِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَيَقُومُ مَقَامَهَا كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ بِلَا نِيَّةِ التَّحِيَّةِ فَلَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ مَعَ الْفَرْضِ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِكَرَاهَةِ الْحَدِيثِ أَيْ الْكَلَامِ فِيهِ لَكِنْ قَيَّدَهُ بِأَنْ يَجْلِسَ لِأَجْلِهِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ فِيهِ مَكْرُوهٌ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَمَّا إنْ جَلَسَ لِلْعِبَادَةِ ثُمَّ بَعْدَهَا تَكَلَّمَ فَلَا وَاخْتُلِفَ فِي النَّوْمِ فِيهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْأَشْبَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ الْكَرَاهَةُ وَاخْتُلِفَ فِي كَرَاهِيَةِ إخْرَاجِ الرِّيحِ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَلَا اسْتِطْرَاقُهُ وَلَا الْبُزَاقُ فِيهِ وَيَأْخُذُ النُّخَامَةَ بِثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْزَوِي مِنْهَا كَمَا يَنْزَوِي الْجِلْدُ مِنْ النَّارِ عَلَى مَا رُوِيَ (قَوْلُهُ قَرَأَ مِنْ وَسْطِ السُّورَةِ لَا يُكْرَهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَاتِ لِأَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ وَسَطِهَا أَوْ مِنْ آخِرِهَا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ فِيهِمَا) أَقُولُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ قَرَأَ آخِرَ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ يُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ آخِرَ سُورَةٍ أُخْرَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ فِي رَكْعَةٍ لَا يُكْرَهُ) أَقُولُ أَيْ عَلَى جِهَةِ التَّأْلِيفِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى التَّأْلِيفِ عُرِفَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ.

[باب الوتر والنوافل]

الصَّلَاةِ بِكَشْفِ الرَّأْسِ. وَأَمَّا الْعِمَامَةُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهَا وَوَضْعُهَا عَلَى الرَّأْسِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ مَعْقُودَةٍ كَمَا كَانَتْ فَسَتْرُ الرَّأْسِ أَوْلَى، وَإِنْ انْحَلَّتْ وَاحْتَاجَ إلَى تَكْوِيرِهَا فَالصَّلَاةُ بِكَشْفِ الرَّأْسِ أَوْلَى مِنْ عَقْدِهَا وَقَطْعِ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، لَوْ صَلَّى رَافِعًا بِكُمَّيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ يُكْرَهُ، وَلَوْ صَلَّى مَعَ السَّرَاوِيلِ وَالْقَمِيصُ عِنْدَهُ يُكْرَهُ الْمُصَلِّي إذَا كَانَ لَابِسَ شُقَّةٍ أَوْ فَرَجِيَّةٍ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْكَرَاهَةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ) (الْوِتْرُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ لَا اعْتِقَادِيٌّ) ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ وَاجِبٌ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ فَرِيضَةٌ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَوَاجِبٌ عِلْمًا وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَهُمَا (فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ اعْتِقَادِيٍّ (وَيُقْضَى) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ فَرْضًا إذْ لَوْ كَانَ سُنَّةً لَمْ يُقْضَ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَتَذَكُّرُهُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يُفْسِدُهَا) ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةً لَمَا أَفْسَدَهَا. وَقَوْلُهُ (وَتَذَكُّرُ فَائِتَةٍ فِيهِ يُفْسِدُهُ) ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةً لَمَا أَفْسَدَهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَا يُعَادُ) الْوِتْرُ (لِإِعَادَةِ الْعِشَاءِ) ، وَلَوْ كَانَ سُنَّةً لَأُعِيدَ تَبَعًا لِلْفَرْضِ. (وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي أُخْرَاهُنَّ» رَوَاهُ أُبَيٌّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (يَقْرَأُ) الْمُصَلِّي (فِي كُلٍّ) مِنْ الرَّكَعَاتِ (الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً) ؛ لِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي، وَلِأَنَّ وُجُوبَهُ لَمَّا كَانَ بِالسُّنَّةِ وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْجَمِيعِ احْتِيَاطًا (وَقَبْلَ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ يُكَبِّرُ رَافِعًا يَدَيْهِ فَيَقْنُتُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا قَبْلَ الرُّكُوعِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَرَأَ فِي الْأُولَى {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَفِي الثَّالِثَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ] [أَحْوَالِ الْوِتْرِ] (قَوْلُهُ، وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ وَاجِبٌ) أَقُولُ وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَيْسَ فِي الْوِتْرِ رِوَايَةٌ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي الظَّاهِرِ، وَذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ أَيْ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ سُنَّةٌ اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَلَا اخْتِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّ الْمَشَايِخَ وَفَّقُوا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَيْ الثَّلَاثِ بِهَذَا وَآخِرُ أَقْوَالِ الْإِمَامِ إنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَهُمَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ حُكِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي وُجُوبِهِ إجْمَاعُ السَّلَفِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمَا دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَنَفَيَاهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَظَهَرَ بِهَذَا أَيْ بِمَا سَاقَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ بِوُجُوبِهِ وَقَوْلِهِمَا بِسُنِّيَّتِهِ مِنْ جِهَةِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ إلَّا فِي فَسَادِ الصُّبْحِ بِتَذَكُّرِهِ وَفِي قَضَائِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَبَعْدَ صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَيَقْضِيهِ كَالْفَرْضِ وَعِنْدَهُمَا لَا؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا اهـ. قُلْتُ وَمِنْ أَحْكَامِهِ إعَادَتُهُ عِنْدَهُمَا لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَهُ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يُكْفَرُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيْ لَا يُنْسَبُ إلَى الْكُفْرِ. (قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ سُنَّةً لَمْ يُقْضَ) أَقُولُ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ وُجُوبَ قَضَائِهِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْهُمَا عَدَمُهُ. . (قَوْلُهُ وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَاحِدَةٌ إلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَثْنَى مَثْنَى. (قَوْلُهُ بِتَسْلِيمَةٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ بِمَنْ يَفْصِلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالظَّهِيرِيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ اهـ. وَمَشَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي نَظْمِهِ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ إنْ لَمْ يُتَابِعْ إمَامَهُ فِي السَّلَامِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَتَمَّهُ مَعَهُ صَحَّ كَمَا ذَكَرَ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ رَأْيُ الْمُقْتَدِي أَوْ رَأْيُ الْإِمَامِ وَعَلَى الثَّانِي يَتَخَرَّجُ كَلَامُ الرَّازِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ أَقْيَسُ فَلَوْ رَأَى إمَامَهُ الشَّافِعِيَّ مَسَّ امْرَأَةً وَصَلَّى فَإِنَّ الْإِمَامَ غَيْرُ مُصَلٍّ فِي زَعْمِ نَفْسِهِ وَلَا بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ يَتَخَرَّجُ كَلَامُ قَاضِي خَانْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِمُصَلٍّ فِي رَأْيِ الْمُقْتَدِي وَلَا بِنَاءَ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ صَلَاةِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِ إمَامِهِ فِي الْمُتَحَرِّي الْقِبْلَةَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ إذَا صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ إلَى جِهَةٍ لَا مَنْ عَلِمَ لِاعْتِقَادِهِ خَطَأَ إمَامِهِ اهـ. وَكَذَا أَشَارَ إلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ إذَا وَصَلَهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ رَآهُ سُنَّةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْمُقْتَدِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ فَيَقْنُتُ) الْقُنُوتُ الطَّاعَةُ وَالدُّعَاءُ وَالْقِيَامُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ وَالْمَشْهُورُ الدُّعَاءُ» . وَقَوْلُهُمْ دُعَاءُ الْقُنُوتِ إضَافَةُ بَيَانٍ قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَرَأَ فِي الْأُولَى» . . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الثَّالِثَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ قَالَ رَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ بِسَبِّحْ اسْمِ رَبِّك الْأَعْلَى وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْوِتْرِ وَزِيَادَةُ

بَعْدَهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنَتُوبُ إلَيْكَ وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ يُرْوَى بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَالْقَوْمُ يُتَابِعُونَ الْإِمَامَ إلَى هُنَا فَإِذَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الدُّعَاءِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُتَابِعُونَهُ وَيَقْرَءُونَ مَعَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُتَابِعُونَهُ وَلَكِنْ يُؤَمِّنُونَ وَالدُّعَاءُ هَذَا اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ وَنَسْتَغْفِرُك اللَّهُمَّ وَنَتُوبُ إلَيْكَ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (دَائِمًا) أَيْ فِي كُلِّ السَّنَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (دُونَ غَيْرِهِ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَيْضًا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا» وَلَنَا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعَوِّذَتَيْنِ أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَوْقِيتِ الْقُنُوتِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّوْقِيتَ يَذْهَبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ وَمَشَايِخُنَا قَالُوا مُرَادُهُ فِي أَدْعِيَةِ الْحَجِّ لِلْمَنَاسِكِ فَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يُوَقِّتْ فَرُبَّمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِ الْمُصَلِّي مَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ نَشْكُرُك) ، كَذَا فِي غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الْقُنُوتِ نَشْكُرُك كَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَامَّةِ لَيْسَ بِمُثْبَتٍ فِي الرِّوَايَةِ أَصْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَنَخْلَعُ) عَطَفَهُ بِالْوَاوِ وَأَسْقَطَهَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالظَّاهِرُ ثُبُوتُهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَنَحْفِدُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْإِسْرَاعُ فِي الْخِدْمَةِ فَإِنْ قَرَأَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ) أَقُولُ، كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةُ الْجِدِّ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ الْجِدَّ اهـ. وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِمَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ بِكَسْرِ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْحَقِّ. اهـ. قُلْت، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْجِدِّ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، وَكَذَلِكَ لَفْظَ نَسْتَهْدِيكَ وَنَتُوبُ إلَيْكَ ثُمَّ قَالَ الْمَعْنَى يَا اللَّهُ نَطْلُبُ مِنْكَ الْعَوْنَ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَنَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ الذُّنُوبِ وَنُثْنِي مِنْ الثَّنَاءِ وَهُوَ الْمَدْحُ وَانْتِصَابُ الْخَيْرِ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ نُثْنِي عَلَيْكَ الثَّنَاءَ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّ الثَّنَاءَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ كَقَوْلِهِمْ أَثْنَى عَلَيَّ شَرًّا وَالْكُفْرُ نَقِيضُ الشُّكْرِ وَأَصْلُهُ السَّتْرُ يُقَالُ كَفَرَ النِّعْمَةَ إذَا لَمْ يَشْكُرْهَا كَأَنَّهُ سَتَرَهَا بِجُحُودِهِ. وَقَوْلُهُمْ كَفَرْت فُلَانًا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَالْأَصْلُ كَفَرْت نِعْمَتَهُ وَمِنْهُ وَلَا نَكْفُرُك وَنَخْلَعُ مِنْ خَلَعَ الْفَرَسُ رَسَنَهُ إذَا أَلْقَاهُ وَطَرَحَهُ وَمَنْ مَفْعُولُ نَتْرُكُ. وَأَمَّا مَفْعُولُ نَخْلَعُ فَمَحْذُوفٌ وَمِنْهُ {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] وَهُوَ مِنْ بَابِ تَوْجِيهِ الْفِعْلَيْنِ إلَى اسْمٍ وَاحِدٍ وَبِهِ يُحْتَجُّ فِي إعْمَالِ الْأَقْرَبِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ وَيَفْجُرُكَ أَيْ يَعْصِيكَ وَيُخَالِفُكَ وَالسَّعْيُ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ وَنَحْفِدُ أَيْ نَعْمَلُ لَكَ بِطَاعَتِكَ مِنْ الْحَفْدِ الْإِسْرَاعِ فِي الْخِدْمَةِ وَأَلْحَقَ بِمَعْنَى لَحِقَ وَمُلْحَقٌ أَيْ لَاحِقٌ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مُلْحَقٌ بِالْكُفَّارِ الْفُسَّاقِ قَالَ الْإِمَامُ الْمُطَرِّزِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّ عَذَابَك اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلرَّجَاءِ وَالْخَشْيَةِ فَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَحْسُنْ اهـ قُلْتُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْإِضْمَارِ، وَلِأَنَّ الْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ مَرْكَزُ دَائِرَةِ الْإِيمَانِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ وُزِنَ خَوْفُ الْمُؤْمِنِ وَرَجَاؤُهُ بِمِيزَانٍ يَرْبِضُ لَاعْتَدَلَا» فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ؛ لِأَنِّي مُؤْمِنٌ حَقًّا وَعَذَابُكَ لَاحِقٌ بِالْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ يَرْبِضُ أَيْ يَقُومُ. اهـ. كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ. (قَوْلُهُ وَالْقَوْمُ يُتَابِعُونَهُ إلَى هُنَا) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَقْنُتُ الْإِمَامُ وَيَسْكُتُ الْمُقْتَدِي وَهَذَا كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ فِي الْقُنُوتِ يَتَحَمَّلُهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُقْتَدِي كَالْقِرَاءَةِ وَيَجْهَرُ بِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْنُتُ كَالْإِمَامِ ثُمَّ هَلْ يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِهِ اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبُرْهَانِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ اخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْإِخْفَاءَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ الْمُخْتَارُ فِي الْقُنُوتِ الْإِخْفَاءُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْقَانِتُ إمَامًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَخَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ اهـ. وَمَنْ اخْتَارَ الْجَهْرَ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ دُونَ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ فَلَكَ الْحَمْدُ. . . إلَخْ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْبُرْهَانِ بَلْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ أَيْ الدُّعَاءِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا، وَقِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الدُّعَاءِ وَنَحْنُ قَدْ أَوْجَدْنَاكَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ ثُبُوتَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْدَلَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ. اهـ. وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ» وَالتَّرْكُ دَلِيلُ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحُ بِفِقْهِ الرَّاوِي أَوْ بِالْمَرْوِيِّ فَإِنَّهُ حَاظِرٌ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْمُبِيحِ. (وَيُتَّبَعُ قَانِتُ الْوِتْرِ) أَيْ يَتَّبِعُ فِي قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ حَنَفِيٌّ شَافِعِيًّا يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْفَجْرِ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَصَارَ كَالثَّنَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَالدُّعَاءِ بَعْدَهُ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (لَا الْفَجْرِ) أَيْ لَا يَتَّبِعُ شَافِعِيًّا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَّبِعُهُ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ بِالْإِمَامِ وَالْقُنُوتُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَصَارَ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَالْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَنَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا مُتَابَعَةَ فِي الْمَنْسُوخِ فَصَارَ كَمَا لَوْ كَبَّرَ خَمْسًا فِي الْجِنَازَةِ حَيْثُ لَا يَتَّبِعُهُ (بَلْ يَسْكُتُ) قَائِمًا لِيُتَابِعَهُ فِيمَا يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ (وَقِيلَ يَقْعُدُ) تَحْقِيقًا لِلْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ شَرِيكُ الدَّاعِي وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ فِي غَيْرِ الْقُنُوتِ (وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْهُ) أَيْ الْقُنُوتَ (يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي) مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْإِمَامِ أَبِي اللَّيْثِ (أَوْ) يَقُولُ (اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) وَهُوَ اخْتِيَارُ سَائِرِ الْمَشَايِخِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (تَذَكَّرَ) أَنَّهُ تَرَكَ (الْقُنُوتَ فِي الرُّكُوعِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَذَكَّرَ (أَوْ الْقِيَامَ مِنْهُ) أَيْ الرُّكُوعِ (لَمْ يَقْنُتْ فِيهِ) أَيْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْقُنُوتِ (وَلَوْ قَنَتَ فِي الْقِيَامِ) بَعْدَ الرُّكُوعِ (لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ) ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ فَرْضٌ وَالْقُنُوتَ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ رَفْضُ الْفَرْضِ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِزَوَالِ الْقُنُوتِ عَنْ مَحَلِّهِ الْأَصْلِيِّ. (رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْهُ) أَيْ الْقُنُوتِ (تَابَعَهُ) أَيْ قَطَعَ الْمُقْتَدِي الْقُنُوتَ وَتَابَعَ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُتَابَعَةِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ دُونَ تَرْكِ الْقُنُوتِ (بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ) يَعْنِي إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يَقْطَعُ التَّشَهُّدَ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي السَّلَامِ إذْ لَا يَلْزَمُ هَاهُنَا مِنْ تَرْكِهَا فَسَادُ الصَّلَاةِ (أَدْرَكَ) الْمُقْتَدِي (الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فِي الثَّالِثَةِ) أَيْ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (مِنْ وِتْرِ رَمَضَانَ كَانَ) الْمُقْتَدِي (مُدْرِكًا لِلْقُنُوتِ) ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَهُ فِي الرُّكُوعِ إدْرَاكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ يَتَّبِعُ فِي قِرَاءَةِ الْقُنُوتِ حَنَفِيٌّ شَافِعِيًّا. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقْنُتُ بِالدُّعَاءِ اللَّهُمَّ اهْدِنَا. . . إلَخْ وَالْحَنَفِيُّ بِاللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ فَمَا يَفْعَلُهُ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَقْعُدُ) أَقُولُ، وَقِيلَ يُطِيلُ الرُّكُوعَ، وَقِيلَ يَسْجُدُ إلَى أَنْ يُدْرِكَهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ اهـ. وَيُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي الْقِيَامِ. (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ كَيَا رَبِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ اسْتِحْبَابُ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْقُنُوتَ وَاجِبٌ فَبَدَلُهُ كَذَلِكَ وَاجِبٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ سَائِرِ الْمَشَايِخِ) أَيْ بَاقِي الْمَشَايِخِ إذْ مِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ غَيْرَهُ وَبَقِيَ قَوْلٌ ثَالِثٌ مُخْتَارٌ يَقُولُ يَا رَبِّ مَرَّاتٍ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَقْنُتْ فِيهِ أَيْ الرُّكُوعِ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَلِكَ لَا يَعُودُ لِلْقُنُوتِ لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيَقْنُتُ ثُمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ عَنْ الْحَاوِي بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا عِنْدَ تَذَكُّرِهَا فِي الرُّكُوعِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَنَتَ فِي الْقِيَامِ لَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ فَسَادِ صَلَاتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الشُّمُنِّيُّ فَقَالَ، وَلَوْ عَادَ وَقَنَتَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ رَكَعَ الْإِمَامُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ وَإِلَّا تَابَعَ ذَلِكَ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَفِي نَظْمِ الزَّنْدِ وَيُفْتِي خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ الْقُنُوتُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالسَّهْوِ وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا لَا يَفْعَلُهَا الْمُقْتَدِي زِيَادَةُ سَجْدَةٍ أَوْ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ خَارِجًا عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَهُ مِنْ الْإِمَامِ لَا الْمُؤَذِّنِ وَخَامِسَةٌ فِي الْجِنَازَةِ وَالْقِيَامُ لِخَامِسَةٍ وَتِسْعَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ وَإِذَا لَمْ يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي وَإِذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا يُسَلِّمُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ وَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُتَابَعَةِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ) أَقُولُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِرَكْعَةٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إنْ أَتَمَّهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ) أَيْ الْأَخِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يُتَابِعُهُ كَالْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ يُتِمُّهُ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَيْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ يُسَلِّمُ مَعَهُ، وَلَوْ أَحْدَثَ أَيْ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ، وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ الْإِمَامُ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَيْ الْإِمَامِ وَحْدَهُ.

[أحوال النوافل]

فِي الْقِيَامِ. (قَنَتَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ سَهْوًا لَمْ يَقْنُتْ فِي الثَّالِثَةِ) ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْقُنُوتِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْوَالِ الْوِتْرِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّوَافِلِ فَقَالَ (سُنَّ) سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (رَكْعَتَانِ) قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. (وَ) سُنَّ (أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ) حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهَا وَلِهَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ فَصَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَخْرُجُ عَنْ النَّذْرِ وَبِالْعَكْسِ يَخْرُجُ، كَذَا فِي الْكَافِي (قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَفَسَّرَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا (وَنُدِبَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَبَعْدَهُ) أَيْ الْعِشَاءِ بِتَسْلِيمَةٍ (وَسِتٌّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِتَسْلِيمَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَنَتَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ سَهْوًا. . . إلَخْ) ، كَذَا نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَنَظَرَ فِيهِ بِمَا فِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَجْنَاسِ لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ يَقْنُتُ فِي الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِقَعْدَتَيْنِ وَيَقْنُتُ فِيهِمَا احْتِيَاطًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لَا يَقْنُتُ فِي الْكُلِّ أَصْلًا ثُمَّ قَالَ فَلَعَلَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَأْتِي بِهِ فِي الْأَصَحِّ مَعَ الشَّكِّ فَمَعَ الْيَقِينِ أَوْلَى. [أَحْوَالِ النَّوَافِلِ] (قَوْلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ النَّوَافِلِ) أَقُولُ عَبَّرَ بِالنَّوَافِلِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ تَرْجَمَ بِالنَّوَافِلِ لِكَوْنِهَا أَعَمَّ وَأَشْمَلَ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ النَّفَلُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ وَلَا مَسْنُونٍ وَكُلُّ سُنَّةٍ نَافِلَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ نَافِلَةٍ سُنَّةً فَلِهَذَا لَقَّبَهُ بِالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى السُّنَنِ. وَفِي النِّهَايَةِ لَقَّبَهُ بِالنَّوَافِلِ وَفِيهِ ذَكَرَ السُّنَنَ لِكَوْنِ النَّوَافِلِ أَعَمَّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ النَّفَلُ شُرِعَ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْفَرْضِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ، وَإِنْ عَلَتْ رُتْبَتُهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَقْصِيرٍ حَتَّى إنَّ أَحَدًا لَوْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ لَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ سُنَّ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ) ابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الْفَجْرِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى السُّنَنِ حَتَّى رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ صَلَّاهَا قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ابْتَدَأَ بِسُنَّةِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ فِي الْوُجُودِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ رَكْعَتَا الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَدَعْهُمَا سَفَرًا وَلَا حَضَرًا ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعَصْرِ ثُمَّ الَّتِي قَبْلَ الْعِشَاءِ، وَقِيلَ الَّتِي بَعْدَ الْعِشَاءِ وَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهُ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ كُلُّهَا سَوَاءٌ، وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ آكَدُ وَصَحَّحَهُ الْمُحْسِنُ، وَقَدْ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْمُوَاظَبَةِ الصَّرِيحَةِ عَلَيْهَا أَقْوَى مِنْ نَقْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الظُّهْرِ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْكَنْزِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِاسْتِحْبَابِ أَرْبَعٍ بَعْدَ الظُّهْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعًا بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ ثُمَّ قِيلَ إنَّهَا غَيْرُ الرَّاتِبَةِ، وَقِيلَ مَعَهَا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَعَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَخْصِيصِ نِيَّتِهَا وَلَا فَصْلِهَا بِسَلَامٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ بَاحِثًا. (قَوْلُهُ وَالْمَغْرِبُ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطِيلَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] وَفِي الثَّانِيَةِ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُعْتَدٍ بِهَا) أَقُولُ أَيْ عَنْ السُّنَّةِ وَتَكُونُ نَافِلَةً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى كَوْنِهَا بِتَسْلِيمَةٍ بِقَوْلِهِ، كَذَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ رَوَاهُ الْكَمَالُ فَقَالَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفَتَّحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» ثُمَّ قَالَ وَفِي قَالَ لِلتِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ قُلْت أَيْ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِيهِنَّ تَسْلِيمٌ فَاصِلٌ قَالَ لَا اهـ قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ حُكْمَ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهَا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ الْعُذْرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنْ عُجِّلَ بِك شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إذَا رَجَعْت» ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْبُرْهَانِ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى ثُبُوتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) مَنْ ثَابَرَ. . . إلَخْ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِهِ سُنَّةُ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ «رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ» كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا دَلِيلُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ فَهُوَ مَا فِي الْكَافِي «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ» ثُمَّ قَالَ وَبَعْدَهَا أَرْبَعٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلِيُصَلِّ بَعْدَهَا» اهـ قُلْت وَمِنْ فَضِيلَتِهَا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا كَانَ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ مِنْ لَيْلَتِهِ وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَانَ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَسِتٌّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِتَسْلِيمَةٍ) أَقُولُ، وَذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ أَنَّهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ فِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ السِّتَّ بِثَلَاثِ تَسْلِيمَاتٍ اهـ قُلْت وَظَاهِرُ الْعَطْفِ أَنَّ السُّنَنَ الْمَنْدُوبَةَ غَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ الْكَمَالُ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ عَصْرِهِ

[تحية المسجد]

وَكُرِهَ زِيَادَةُ نَفْلِ النَّهَارِ عَلَى أَرْبَعٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاللَّيْلِ عَلَى ثَمَانٍ) ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ إلَى الثَّمَانِ وَفِي صَلَاةِ النَّهَارِ إلَى الْأَرْبَعِ وَلَمْ تَرِدْ بِالزِّيَادَةِ فَتُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (رُبَاعُ) أَيْ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً وَعِنْدَهُمَا فِي النَّهَارِ رُبَاعُ وَفِي اللَّيْلِ مَثْنَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِيهِمَا مَثْنَى. (لَا يُصَلَّى) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِي أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (وَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ) مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ (لَا يَسْتَفْتِحُ) أَيْ لَا يَقْرَأُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّهَا لِتَأَكُّدِهَا أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ وَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ سَجْدَةِ السَّهْوِ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فِيهَا (وَالْبَوَاقِي) مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ مَا سِوَى الْمَذْكُورَاتِ (يُصَلِّي وَيَسْتَفْتِحُ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهَا يُعْتَبَرُ صَلَاةً مُسْتَقِلَّةً لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ الْفَرْضِيَّةِ فِيهَا. (طُولُ الْقِيَامِ أَوْلَى مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» أَيْ الْقِيَامِ، وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَكْثُرُ بِطُولِ الْقِيَامِ وَبِكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكْثُرُ التَّسْبِيحُ وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ مِنْهُ. (وَسُنَّ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْقُعُودِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسَ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» (وَأَدَاءُ الْفَرْضِ يَنُوبُهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا هَلْ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ فِي السِّتِّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَوْ لَا؟ الثَّانِيَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا مِنْهَا هَلْ يُؤَدِّي الْكُلَّ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ فِيهِمَا وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ إطَالَةً حَسَنَةً كَمَا هُوَ دَأْبُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ مَنْ تَقَدَّمَهُ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ هَلْ يُنْدَبُ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَانِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ إلَيْهِ وَأَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ وَأَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ دَلِيلِ كُلٍّ وَالثَّابِتُ بَعْدَ هَذَا هُوَ نَفْيُ الْمَنْدُوبِيَّةِ أَمَّا ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ فَلَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ آخَرُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ اسْتِلْزَامِ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْقُنْيَةِ اسْتِثْنَاءَ الْقَلِيلِ وَالرَّكْعَتَانِ لَا تَزِيدُ عَلَى الْقَلِيلِ إذَا تَجَوَّزَ فِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ زِيَادَةُ نَفْلِ النَّهَارِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا التَّفْصِيلُ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ السَّرَخْسِيُّ عَدَمَ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحُّ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُكْرَهُ لِمَا فِيهَا مِنْ وَصْلِ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ تَصْحِيحَ السَّرَخْسِيِّ عَدَمَ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَانِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَهُوَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِقَوْلِ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ أَيْ مِنْ أَئِمَّتِنَا بَلْ تَصْحِيحٌ لِلْوَاقِعِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ اهـ. وَلَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ فِي بَحْرِهِ أَنَّهُ رَدَّ فِي الْبَدَائِعِ تَصْحِيحَ السَّرَخْسِيِّ، وَقَالَ فِيهَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُكْرَهُ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ قَالَ وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلُهَا» يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَيَكُونُ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ قَالَ أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ التَّنَفُّلَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا أَفْضَلُ مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوْرَدَ عَلَيْهِ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إلَى أَنْ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يُصَلَّى عَلَى إثْرِ صَلَاةٍ مِثْلُهَا فَفَسَّرَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ إذْ هُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ عَقِبَهُ مَقْصُورًا، وَكَذَا الْعِشَاءَ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَةِ الْأُولَى أَوْ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَضَاءِ الْفَرَائِضِ مَخَافَةَ الْخَلَلِ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِإِبَاحَةِ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ. وَأَمَّا كَوْنُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنَّا اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا فِي النَّهَارِ رُبَاعُ وَفِي اللَّيْلِ مَثْنَى) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ نَهَارًا وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَثْنَى لَيْلًا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَا لَا يَزِيدُ بِاللَّيْلِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْضَلِيَّةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ بِمَكْرُوهَةٍ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّيْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ اهـ. وَبِقَوْلِهِمَا إنَّ الْأَفْضَلَ فِي اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى يُفْتَى اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ نَقَلَهُ الْكَاكِيُّ عَنْ الْعُيُونِ. (تَتِمَّةٌ) : قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَطَالَ قِيَامَ اللَّيْلِ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . اهـ. (قَوْلُهُ طُولُ الْقِيَامِ أَوْلَى مِنْ كَثْرَةِ السُّجُودِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَصَحَّحَهُ الْبَدَائِعُ وَنَسَبَ مَا قَابَلَهُ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ قَالَ وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْهُ أَيْ مُحَمَّدٍ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» ، وَلِأَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَالْعُبُودِيَّةِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ كَثْرَةَ الرَّكَعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَجْهُهُ. [تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ] . (قَوْلُهُ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ يَنُوبُهَا) قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ أَدَّاهَا عِنْدَ الدُّخُولِ تَنُوبُ عَنْهَا بِلَا نِيَّةِ التَّحِيَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُغْيَةِ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ يَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا

[ركعتي الوضوء]

كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. (وَنُدِبَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ، وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» (وَأَرْبَعٌ فَصَاعِدًا فِي الضُّحَى) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا يَشَاءُ» (فُرِضَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ) يَعْنِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ غَيْرِ مُعَيَّنَتَيْنِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْكُلِّ أَوْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ فَقَطْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَاجِبٌ فِي الْأُولَيَيْنِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِيهِمَا وَقَرَأَ فِي الْآخَرَيْنِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إنْ سَهَا وَيَأْثَمُ إنْ تَعَمَّدَ. (وَ) فُرِضَتْ (فِي كُلِّ) النَّفْلِ وَالْوِتْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَلِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَالْقِيَامُ مِنْهُ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى الرَّكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا الْوِتْرُ فَلِلِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ. (لَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ قَصْدًا) احْتِرَازٌ عَنْ الشُّرُوعِ ظَنًّا كَمَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فَرْضَ الظُّهْرِ فَشَرَعَ فِيهِ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّاهُ صَارَ مَا شَرَعَ فِيهِ نَفْلًا لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ حَتَّى لَوْ نَقَضَهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ (وَلَوْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَالطُّلُوعِ وَالِاسْتِوَاءِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ) ، وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ. (نَاوِي الْأَرْبَعِ قَضَى رَكْعَتَيْنِ لَوْ نَقَضَ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِي) يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ وَأَفْسَدَ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ يَقْضِيهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الثَّانِي وَكُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ وَأَفْسَدَ يَقْضِي الشَّفْعَ الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَأَفْسَدَ الثَّانِي فَلَزِمَ قَضَاؤُهُ (أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا) أَيْ الشَّفْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ وَفِي إحْدَاهُمَا لَا بَلْ يُفْسِدُ الْأَدَاءَ فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ بَطَلَتْ التَّحْرِيمَةُ فَلَزِمَ قَضَاءُ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ لَا الثَّانِي لِفَسَادِ الشُّرُوعِ لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ (أَوْ) لَمْ يَقْرَأْ (فِي) الشَّفْعِ (الْأَوَّلِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَفْسُدُ وَتَبْطُلُ التَّحْرِيمَةُ فَلِفَسَادِهِ يَلْزَمُ قَضَاءٌ وَلِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ لَمْ يَصِحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي (أَوْ فِي) الشَّفْعِ (الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَالثَّانِي فَسَدَ فَلَزِمَ قَضَاؤُهُ (أَوْ) فِي (إحْدَى) الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الشَّفْعِ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ فَلَزِمَ قَضَاؤُهُ وَبَقِيَ التَّحْرِيمَةُ فَصَحَّ الثَّانِي (أَوْ) فِي (إحْدَى) الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الشَّفْعِ (الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ تَمَّ وَفَسَدَ الثَّانِي فَلَزِمَ قَضَاؤُهُ (أَوْ) لَمْ يَقْرَأْ (فِي) الشَّفْعِ (الْأَوَّلِ وَإِحْدَى) الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الشَّفْعِ (الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَطَلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَزِمَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي لِبُطْلَانِ التَّحْرِيمَةِ (وَقَضَى) رَكَعَاتٍ (أَرْبَعًا إنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي إحْدَى كُلٍّ) مِنْ الشَّفْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي إحْدَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَسَدَ أَدَاءُ كُلٍّ مَعَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ فَلَزِمَ قَضَاءُ الرَّكَعَاتِ (أَوْ) تَرْكُ الْقِرَاءَةِ (فِي) الشَّفْعِ (الثَّانِي وَإِحْدَى) رَكْعَتَيْ (الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَرَكَ فِي إحْدَى الْأَوَّلِ فَسَدَ الْأَدَاءُ وَبَقِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا دَخَلَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ اهـ. وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ وَالْحَاجَةِ، وَذَكَرَ كَيْفِيَّتَهُمَا وَدُعَاءَهُمَا فِي الْبَحْرِ وَيُنْدَبُ صَلَاةُ الضُّحَى وَأَقَلُّهُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ اهـ. وَصَلَاةُ اللَّيْلِ وَأَقَلُّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَفَّلَ بِاللَّيْلِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَتَرَدَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَلْ التَّهَجُّدُ سُنَّةٌ فِي حَقِّنَا أَمْ تَطَوُّعٌ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ إحْيَاءُ لَيَالِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَلَيَالِيِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَالْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ اللَّيْلِ قِيَامُهُ وَظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ غَالِبُهُ وَيُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي فِي الْمَسَاجِدِ. [ركعتي الْوُضُوءِ] (قَوْلُهُ وَنُدِبَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) يَعْنِي قَبْلَ الْجَفَافِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ) الْمُرَادُ بِهِ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ وَاجِبٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْأَصْلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَكْعَتَانِ غَيْرُ عَيْنٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُدُورِيُّ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِالتَّحْرِيمَةِ الْأُولَى الرَّكْعَتَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا) أَقُولُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا نَوَى أَرْبَعًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْمَشْهُورِ أَمَّا إذَا شَرَعَ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا شَفْعٌ وَاحِدٌ. وَأَمَّا إذَا نَوَى مَا فَوْقَ أَرْبَعٍ فَأَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ بِهِ، وَإِنْ كَثُرَ أَوْ بِأَرْبَعٍ فَقَطْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى لُزُومِ شَفْعٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَعَلَى هَذَا سُنَّةُ الظُّهْرِ، وَقِيلَ يَقْضِي أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ كَالظُّهْرِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَقَامَ إلَى الثَّالِثَةِ. . . إلَخْ) قَيَّدَ لُزُومَ قَضَاءِ الشَّفْعِ الثَّانِي فَقَطْ بِإِفْسَادِهِ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ لَمْ يَقْعُدْ وَأَفْسَدَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ بِالْإِجْمَاعِ لِسِرَايَةِ الْفَسَادِ مِنْ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ بِعَدَمِ الْقُعُودِ الْمُتَمِّمِ لَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ اقْتَصَرَ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِغْ إلَّا عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ إنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي إحْدَى الشَّفْعِ الْأَوَّلِ لَا يُفْسِدُ التَّحْرِيمَةَ وَمُحَمَّدٌ فَقَالَ إنَّ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي إحْدَى الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يُبْطِلُ التَّحْرِيمَةَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ وَمَنْ عَلِمَ الْأُصُولَ

[التنفل قاعدا مع القدرة على القيام]

التَّحْرِيمَةُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الثَّانِي فَسَدَ أَيْضًا فَلَزِمَ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ. (وَلَا قَضَاءَ إنْ لَمْ يَقْعُدْ بَيْنَهُمَا) أَيْ إذَا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ وَلَمْ يَقْعُدْ بَيْنَ الشَّفْعَيْنِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْسُدَ الشَّفْعُ الْأَوَّلُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ قِيَاسًا عَلَى الْفَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. (أَوْ نَقَضَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ أَوَّلًا) أَيْ نَوَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ النَّفْلِ وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ ثُمَّ نَقَضَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَّاهُ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لِيَجِبَ قَضَاؤُهُ. (وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَةِ الْقِيَامِ ابْتِدَاءً وَكُرِهَ بَقَاءٌ إلَّا بِعُذْرٍ) أَيْ إنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ جَازَ أَنْ يَشْرَعَ فِي النَّفْلِ قَاعِدًا، وَإِنْ شَرَعَ فِيهِ قَائِمًا كُرِهَ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَإِذَا عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ لَمْ يُكْرَهْ. . (وَ) يَتَنَفَّلُ (رَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ) وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَسَيَأْتِي وَالتَّقْيِيدُ بِهِ يَنْفِي اشْتِرَاطَ السَّفَرِ وَالْجَوَازِ فِي الْمِصْرِ (مُومِيًا) وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ (وَلَوْ) كَانَ صَلَاتُهُ (إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِوَقْتٍ فَلَوْ الْتَزَمَ النُّزُولَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرَّعَ عَلَيْهَا مَا أَمْكَنَهُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّهُ مُغْنٍ عَنْهُ. . (قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ) أَقُولُ هُوَ أَنَّ الْقِيَاسَ الْفَسَادُ كَقَوْلِ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّطَوُّعَ كَمَا شُرِعَ رَكْعَتَيْنِ شُرِعَ أَرْبَعًا أَيْضًا وَإِذَا لَمْ يَقْعُدْ أَوَّلًا أَمْكَنَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكُلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً وَفِيهَا الْفَرْضُ الْجُلُوسُ آخِرَهَا. (قَوْلُهُ أَوْ نَقَضَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ أَوَّلًا) أَقُولُ أَوَّلًا بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا أَيْ الْأَوَّلُ. [التَّنَفُّل قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَام] (قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ أَيْ فِي غَيْرِ التَّشَهُّدِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَقْعُدَ كَمَا يَقْعُدُ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ مَشْرُوعًا فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ مُخْتَارُ الْفَقِيهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَرُوِيَ عَنْ زُفَرَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَلَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ مُحْتَبِيًا. وَفِي شَرْحِ الضَّوْءِ الِافْتِرَاشُ أَفْضَلُ فِي قَوْلٍ وَالتَّرَبُّعُ فِي قَوْلٍ، وَقِيلَ يَنْصِبُ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى كَالْقَارِئِ يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُقْرِئِ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ مُحْتَبِيًا. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ قُدْرَةِ الْقِيَامِ) أَقُولُ لَكِنْ لَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ» كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ الْكَمَالُ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا عَنْ «عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْحَدِيثِ «صَلَاةُ النَّائِمِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ» وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ وَلَا أَعْلَمُ جَوَازَهَا فِي النَّافِلَةِ فِي فِقْهِنَا اهـ. وَرَأَيْتُ بِخَطِّ شَيْخِي عَنْ شَيْخِهِ مَا صُورَتُهُ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ وَجْهَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ بَقَاءً إلَّا بِعُذْرٍ) أَقُولُ مُفَادُهُ عَدَمُ كَرَاهَتِهِ ابْتِدَاءً وَسَنَذْكُرُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ التَّصْرِيحَ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَقَاءً أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَرَاكِبًا خَارِجَ الْمِصْرِ وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ. . . إلَخْ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي اعْتِبَارِ خَارِجَ الْمِصْرِ، وَقِيلَ قَدْرُ فَرْسَخَيْنِ، وَقِيلَ قَدْرُ مِيلٍ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تَسِيرُ بِنَفْسِهَا أَمَّا إذَا سَيَّرَهَا صَاحِبُهَا فَلَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ وَلَا الْفَرْضُ وَإِذَا حَرَّكَ رِجْلَهُ أَوْ ضَرَبَ دَابَّتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا كَثِيرًا اهـ قُلْت قَوْلُهُ أَمَّا إذَا سَيَّرَهَا صَاحِبُهَا فَلَا يَجُوزُ. . . إلَخْ عِلَّتُهُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ صَرَّحَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ وَيُشِيرُ إلَيْهِ آخِرُ كَلَامِ الْأَتْقَانِيِّ فَإِذَا انْتَفَى جَازَتْ الصَّلَاةُ اهـ. وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَجْزُهُ عَنْ إيقَافِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ شَرَطَ عَدَمَ إمْكَانِ وَقْفِ الدَّابَّةِ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ، وَلَوْ أَوْمَأَ عَلَى الدَّابَّةِ وَهِيَ تَسِيرُ لَمْ يَجُزْ إذَا قَدَرَ أَنْ يُوقِفَهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْوَقْفُ جَازَ اهـ قُلْت وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى صَلَاةِ الْفَرْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرَّحَ بِحُكْمِهَا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ مَا لَا يُتَوَسَّعُ فِي الْفَرْضِ لِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَجُوزُ الْفَرْضُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَابِسًا وَقَفَ عَلَيْهَا مُسْتَقِلًّا وَأَوْمَى إنْ أَمْكَنَهُ إيقَافُ الدَّابَّةِ وَإِلَّا لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ اهـ أَيْ وَلَا الْإِيقَافُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا سَيَّرَهَا إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَالتَّقْيِيدُ بِالدَّابَّةِ يَنْفِي جَوَازَ صَلَاةِ الْمَاشِي وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ، وَلَوْ كَانَ صَلَاتُهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ. وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا تَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ عِنْدَ افْتِتَاحِهَا ثُمَّ تَرَكَ التَّوَجُّهَ أَمَّا لَوْ افْتَتَحَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي حَالِ الِابْتِدَاءِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْقَائِلِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ النَّجَاسَةِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا لَا تُمْنَعُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْكَافِي، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ عَلَى السَّرْجِ وَالرِّكَابَيْنِ تُمْنَعُ، وَقِيلَ مَوْضِعُ الْجُلُوسِ فَقَطْ وَالْعَجَلَةُ وَالْمَحْمِلُ عَلَى الدَّابَّةِ سَائِرَةٌ أَوْ لَا كَالدَّابَّةِ، وَلَوْ جَعَلَ تَحْتَ الْمَحْمِلِ خَشَبَةً حَتَّى بَقِيَ قَرَارُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا الدَّابَّةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

انْقَطَعَ عَنْ الْقَافِلَةِ بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِوَقْتٍ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَكَذَا الْوَاجِبَاتُ مِنْ الْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَمَا شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةٌ تُلِيَتْ عَلَى الْأَرْضِ. وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَنَوَافِلُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ غَيْرِهَا (وَبَنَى بِنُزُولِهِ) يَعْنِي إذَا افْتَتَحَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ بَنَى (لَا رُكُوبِهِ) يَعْنِي إذَا افْتَتَحَ غَيْرَ رَاكِبٍ ثُمَّ رَكِبَ لَا يَبْنِي؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ مَا شَرَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يُؤَدِّيهِ أَكْمَلَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَفِي الثَّانِي انْعَقَدَتْ التَّحْرِيمَةُ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهُ بِالْإِيمَاءِ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ كَلَامٍ فِيهِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (التَّرَاوِيحُ) جَمْعُ تَرْوِيحَةٍ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْجِلْسَةِ وَسُمِّيَتْ بِالتَّرْوِيحَةِ لِاسْتِرَاحَةِ النَّاسِ بَعْدَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِالْجِلْسَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ تَرْوِيحَةٌ مَجَازًا لِمَا فِي آخِرِهَا مِنْ التَّرْوِيحَةِ وَهِيَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقَامَهَا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي وَبَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا ثُمَّ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَهِيَ (سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) . وَقَالَ بَعْضُ الرَّوَافِضِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ فَقَطْ. (وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا) أَيْ التَّرَاوِيحِ (سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ) حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ مَسْجِدٍ أَسَاءُوا، وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُسِيئًا إذْ قَدْ تَخَلَّفَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ كَمَا يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ فَصَلَاتُهُ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْجَمَاعَةِ فِي الْبَيْتِ فَضِيلَةً، وَلِلْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَضِيلَةٌ أُخْرَى فَهُوَ حَازَ إحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ وَتَرَكَ الْفَضِيلَةَ الزَّائِدَةَ، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ فَاتَتْ لَا تُقْضَى أَصْلًا) أَيْ لَا بِالْجَمَاعَةِ وَلَا مُنْفَرِدًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ خَوَاصِّ الْفَرْضِ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْمُؤَكَّدَاتِ. (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى) انْتِهَاءِ (ثُلُثِ اللَّيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَلَا تَجُوزُ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ كَخَوْفِ اللِّصِّ وَالسَّبُعِ وَطِينِ الْمَكَانِ وَجُمُوحِ الدَّابَّةِ وَعَدَمِ وِجْدَانِ مَنْ يَرْكَبُهُ لِعَجْزِهِ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا أَيْ جَوَازُهَا لِلطِّينِ إذَا كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ وَجْهُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَكِنَّ الْأَرْضَ نَدِيَّةٌ صَلَّى هُنَالِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِبَيَانِ الْأَوْلَى يَعْنِي أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْزِلَ لِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْ الْإِمَامِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَعَلَى هَذَا اُخْتُلِفَ فِي أَدَائِهَا قَاعِدًا. (قَوْلُهُ وَبَنَى بِنُزُولِهِ) أَيْ بِلَا عَمَلٍ كَثِيرٍ بِأَنْ ثَنَى رِجْلَهُ فَانْحَدَرَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ لَا رُكُوبِهِ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُمْ وَعَكَسَهُ مُحَمَّدٌ فِي رِوَايَةٍ فَأَجَازَ بِنَاءَ مَنْ رَكِبَ لَا مَنْ نَزَلَ، وَقِيلَ يَمْنَعُهُ أَبُو يُوسُفَ مُطْلَقًا بَعْدَ نُزُولِهِ فَيَسْتَقْبِلُ كَالْمُومِي إذَا قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي خِلَالِهَا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا يَبْنِي بَعْدَ رَكْعَةٍ وَإِذَا لَمْ يُتِمَّهَا بَنَى. وَقَالَ زُفَرُ يَبْنِي فِي النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ لِتَجْوِيزِهِ الْبِنَاءَ عَلَى الْإِيمَاءِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ كَلَامٍ) أَيْ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ حُكْمَ الْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ لِلرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ لِذِكْرِهِ هُنَا. (قَوْلُهُ وَسُمِّيَتْ بِالتَّرَاوِيحِ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَقِيلَ لِإِعْقَابِهِ رَاحَةَ الْجَنَّةِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ. (قَوْلُهُ إذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقَامَهَا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي) يَعْنِي صَحَّ إقَامَتُهُ أَيَّاهَا فِي الْجُمْلَةِ لَا إقَامَةُ الْعِشْرِينَ رَكْعَةً؛ لِأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَمَاعَةِ إحْدَى عَشْرَةَ بِالْوِتْرِ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ سِوَى الْوِتْرِ فَضَعِيفٌ وَالْعِشْرُونَ ثَبَتَتْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ مُقَدِّمَتِي نُورِ الْإِيضَاحِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ تَغْلِيبٌ إذْ لَمْ يُرِدْ كُلَّهُ بَلْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (قَوْلُهُ وَهِيَ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) أَقُولُ وَالْقَوْلُ بِسُنِّيَّتِهَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَا خِلَافَ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الرَّوَافِضِ إنَّهَا سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ) أَقُولُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ أَصْلًا كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَامَهَا لِبَعْضٍ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى نَفْيِ مَا أَفْتَى بِهِ ظَهِيرُ الدِّينِ مِنْ إسَاءَةِ مَنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُنْفَرِدًا. (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ. . . إلَخْ) هُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ فِي بَيْتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا عَظِيمًا يُقْتَدَى بِهِ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ. . . إلَخْ) هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. . (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مِنْ خَوَاصِّ الْفَرْضِ) أَيْ، وَلَوْ عَمَلِيًّا كَالْوِتْرِ. (قَوْلُهُ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ الْمُؤَكَّدَاتِ) الْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى انْتِهَاءِ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَهَا إلَى نِصْفِهِ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ اهـ. وَفِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِهَا إلَى مَا بَعْدَ النِّصْفِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبُرْهَانِ حَيْثُ قَالَ الصَّحِيحُ عَدَمُ كَرَاهَةِ تَأْخِيرِهَا؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالْأَفْضَلُ فِيهَا آخِرُهُ اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ ابْتِدَاءَ وَقْتِهَا وَهُوَ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ كَمَا فِي الْكَنْزِ

[باب إدراك الفريضة]

الْأَوَّلِ وَهِيَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ لِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ تَرْوِيحَةٍ (تَسْلِيمَتَانِ) فَتَكُونُ التَّسْلِيمَاتُ عَشْرًا وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ يَأْتُونَ بِالثَّنَاءِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَالِافْتِتَاحِ (وَيَجْلِسُ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ قَدْرَ تَرْوِيحَةٍ، وَ) ، كَذَا بَيْنَ (الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ زَمَنِ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا (وَيَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ) أَيْ الْإِمَامُ يَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ (الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَمَلَّ الْقَوْمُ) فَحِينَئِذٍ يَتْرُكُهَا. (وَالسُّنَّةُ الْخَتْمُ مَرَّةً) وَيَخْتِمُ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ لِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (وَلَا يَتْرُكُ) الْخَتْمَ مَرَّةً (لِكَسَلِهِمْ) أَيْ الْقَوْمِ. (وَقِيلَ) الْقَائِلُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ (الْأَفْضَلُ فِي زَمَانِنَا قَدْرُ مَا لَا يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّرَاوِيحَ بِالْإِمَامِ، وَلَوْ تَرَكُوا الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرْضِ لَمْ يُصَلُّوا التَّرَاوِيحَ بِجَمَاعَةٍ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّهَا) أَيْ التَّرَاوِيحَ (بِالْإِمَامِ صَلَّى الْوِتْرَ بِهِ وَلَا يُوتِرُ) أَيْ لَا يُصَلَّى الْوِتْرُ (بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ) لِلْإِجْمَاعِ وَلَا يُصَلَّى التَّطَوُّعُ بِجَمَاعَةٍ إلَّا قِيَامُ رَمَضَانَ وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ أَنَّ التَّطَوُّعَ بِالْجَمَاعَةِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَمَّا لَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَاثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَا يُكْرَهُ وَإِذَا اقْتَدَى ثَلَاثَةٌ بِوَاحِدٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَإِنْ اقْتَدَى أَرْبَعَةٌ بِوَاحِدٍ كُرِهَ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي الْكَافِي. (بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَهِيَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا عَشْرُ تَسْلِيمَاتٍ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَأَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَدَمُ الْفَسَادِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ تَنُوبُ عَنْ تَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ الصَّحِيحُ عَنْ وَاحِدَةٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ تَسْلِيمَتَيْنِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ وَصَلَ التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ قَعَدَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُخِلَّ شَيْئًا مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا أَنَّهُ جَمَعَ الْمُتَفَرِّقَ وَاسْتَدَامَ التَّحْرِيمَةَ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ وَأَتْعَبُ لِلْبَدَنِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمُتَوَارَثِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِكَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ فِي مُطْلَقِ التَّطَوُّعِ لَيْلًا فَلَأَنْ يُكْرَهَ هُنَا أَوْلَى فَلِذَا نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ فِي النِّصَابِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ يُكْرَهُ اهـ قُلْت وَيَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ وَلَا يُخَالِفُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَانٍ لَيْلًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ التَّرَاوِيحِ. (قَوْلُهُ وَيَجْلِسُ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ قَدْرَ التَّرْوِيحَةِ) هَذَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْبَابِ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالْخِيَارِ يُسَبِّحُونَ أَوْ يُهَلِّلُونَ أَوْ يَنْتَظِرُونَ سُكُوتًا أَوْ يُصَلُّونَ فُرَادَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَكِنْ قَالَ الْكَاكِيُّ. وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ يُكْرَهُ لِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَالْوِتْرِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ نَفْيٌ لِمَا قَالَهُ الْبَعْضُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ وَهُوَ نِصْفُ التَّرَاوِيحِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْ مُسْتَحَبٍّ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ عَلَى التَّشَهُّدِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَقُولُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَأْتِي بِهِ إنْ لَمْ يَثْقُلْ عَلَى الْقَوْمِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ أَصْلِيَّةٍ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَمَلَّ الْقَوْمُ فَحِينَئِذٍ يَتْرُكُهَا) أَقُولُ الْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا ثَنَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُحْتَاطُ لِلْإِتْيَانِ بِهَا أَوْ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَلَا يُتْرَكُ السُّنَنُ لِلْجَمَاعَاتِ كَالتَّسْبِيحَاتِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْقَائِلُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ. . . إلَخْ) أَقُولُ عِبَارَتُهُ تُفِيدُ ضَعْفَهُ. وَفِي الْبَحْرِ خِلَافُهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْخَتْمُ مَرَّةً، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَنْفِيرِ الْقَوْمِ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمُتَأَخِّرُونَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِنَا بِثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى لَا يَمَلَّ الْقَوْمُ وَلَا يَلْزَمُ تَعْطِيلُهَا وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهَا اهـ. وَفِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ بَعْضُهُمْ اعْتَادُوا قِرَاءَةَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِي كُلِّ رَكْعَةِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِرَاءَةَ سُورَةِ الْفِيلِ إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَهَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ وَلَا يَشْتَغِلُ قَلْبُهُ بِحِفْظِهَا فَيَتَفَرَّغُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ اهـ فَيَجْتَنِبُ الْمُنْكَرَاتِ هَدْرَمَةُ الْقِرَاءَةِ وَعَدَمُ الطُّمَأْنِينَةِ وَتَرْكُ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَحْدَهُ. . . إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُوتِرُ بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ إلَى آخِرِ الْبَابِ) مِنْ الْكَافِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ صَلَاةَ الْوِتْرِ بِجَمَاعَةٍ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ أَدَائِهَا مُنْفَرِدًا آخِرَ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ اخْتَارَ عُلَمَاؤُنَا أَنْ يُوتِرَ فِي مَنْزِلِهِ لَا بِجَمَاعَةٍ، وَذَكَرَ الْكَمَالُ مَا يُرَجِّحُ كَلَامَ قَاضِي خَانْ فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ. [بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ] قَالَ الْكَمَالُ حَقِيقَةُ هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ شَتَّى تَتَعَلَّقُ بِالْفَرَائِضِ فِي الْأَدَاءِ الْكَامِلِ وَكُلُّهُ مَسَائِلُ الْجَامِعِ اهـ

(الشَّارِعِ فِيهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ نَقْضَ الْعِبَادَةِ قَصْدًا بِلَا عُذْرٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَأَنَّ النَّقْضَ لِلْإِكْمَالِ إكْمَالٌ مَعْنًى فَيَجُوزُ كَنَقْضِ الْمَسْجِدِ لِلْإِصْلَاحِ وَنَقْضِ الظُّهْرِ لِلْجُمُعَةِ وَلِلصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مَزِيَّةٌ عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا فَجَازَ نَقْضُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِإِحْرَازِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي فَرِيضَةٍ مُنْفَرِدًا (إذَا أُقِيمَتْ) أَيْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي تِلْكَ الْفَرِيضَةِ (قَطَعَهَا) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الشَّارِعِ فِيهَا (وَاقْتَدَى) بِالْإِمَامِ (إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّهَا بِمَحَلِّ الْقَطْعِ لِلْإِكْمَالِ (أَوْ سَجَدَ وَهُوَ فِي غَيْرِ رُبَاعِيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْطَعْ وَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى يُتِمُّ صَلَاتَهُ فِي الثُّنَائِيِّ وَيُوجَدُ الْأَكْثَرُ فِي الثُّلَاثِيِّ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْفَرَاغِ وَحَقِيقَتُهُ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَكَذَا شُبْهَتُهُ (أَوْ فِيهِ) أَيْ فِي الرُّبَاعِيِّ (لَكِنْ ضُمَّ إلَيْهَا أُخْرَى) لِتَصِيرَ رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً وَيُحْرِزُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ بِقَطْعِهِ (وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهُ) أَيْ الرُّبَاعِيِّ (أَتَمَّ) أَيْ ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْأَكْثَرَ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ لِمَا مَرَّ (ثُمَّ أَتَمَّ) أَيْ اقْتَدَى مُتَنَفِّلًا (إلَّا فِي الْعَصْرِ) ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ (وَالشَّارِعُ فِي النَّفْلِ لَا يَقْطَعُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ. (وَاخْتُلِفَ فِي سُنَنِ الظُّهْرِ) إذَا أُقِيمَتْ (وَالْجُمُعَةُ) إذَا خَطَبَ فَقِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقِيلَ يُتِمُّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَالْقَطْعُ هُنَا لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ. (لَا يَخْرُجُ) أَحَدٌ (مِنْ مَسْجِدٍ أُذِّنَ فِيهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ (إلَّا مُقِيمُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى) أَيْ مَنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنَ مَسْجِدٍ أَوْ إمَامَهُ أَوْ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ جَمَاعَةٌ يَتَفَرَّقُونَ أَوْ يَقِلُّونَ بِغَيْبَتِهِ. وَفِي النِّهَايَةِ إنْ خَرَجَ لِيُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ. (وَ) إلَّا (مُصَلِّي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ مَرَّةً) يَعْنِي إنْ كَانَ صَلَّى فَرْضَ الْوَقْتِ لَا يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً فَلَا بَأْسَ فِي تَرْكِهِ ثَانِيًا. (وَلَا يَخْرُجُ) مِنْ مَسْجِدٍ أَحَدٌ (عِنْدَ الْإِقَامَةِ فِيهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ؛ لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ اُتُّهِمَ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا إذْ رُبَّمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَرَى جَوَازَ الصَّلَاةِ خَلْفَ أَهْلِ السُّنَّةِ (إلَّا الْمُقِيمُ) أَيْ مُقِيمُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ فِي خُرُوجِهِ (وَمُصَلِّي الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ مَرَّةً) فَإِنَّهُ لَهُ الْخُرُوجُ أَيْضًا لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا كَمَا سَبَقَ (لَا مُصَلِّي الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ) فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ لِجَوَازِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهُمَا. (خَائِفٌ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَجْرِ يَتْرُكُ سُنَّتَهُ وَيَقْتَدِي) ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ إذَا أُقِيمَتْ أَيْ شَرَعَ الْإِمَامُ. . . إلَخْ) حَقِيقَةُ إقَامَةِ الشَّيْءِ فِعْلُهُ فَلِذَا فَسَّرَ الْإِقَامَةَ بِالشُّرُوعِ حَتَّى لَوْ أُقِيمَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ يَضُمُّ الشَّارِعُ مُنْفَرِدًا ثَانِيَةً فِي الرُّبَاعِيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ وَمَحِلُّ الْقَطْعِ لَوْ أُقِيمَتْ فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِ إذْ لَوْ أُقِيمَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِأَنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ مَثَلًا فَأُقِيمَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ فَأُقِيمَتْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَقْطَعُ مُطْلَقًا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى) أَقُولُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ إلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُخْتَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ. (قَوْلُهُ أَوْ فِيهِ) أَيْ الرُّبَاعِيِّ لَكِنْ ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى قَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ الْكُلُّ هُنَا بِأَنَّهُ يَضُمُّ رَكْعَةً أُخْرَى صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ الْبَتِيرِ إلَّا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَكْرُوهَةٌ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنِيفَةِ عَصْرِنَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْهُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذْ لَمْ يُقَيِّدْ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ عَادَ وَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ يَعُودُ لَا مَحَالَةَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمُحِيطِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْطَعُ قَائِمًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ مَشْرُوطٌ لِلتَّحَلُّلِ وَهَذَا قَطْعٌ صَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى فَخْرِ الْإِسْلَامِ اهـ وَاخْتُلِفَ إذَا عَادَ هَلْ يُعِيدُ التَّشَهُّدَ قِيلَ نَعَمْ، وَقِيلَ يَكْفِيهِ الْأَوَّلُ ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ فَقِيلَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ) مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَلَا إبْطَالَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَا يَفُوتُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ وَالْأَدَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ بِلَا سَبَبٍ، كَذَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ. . . إلَخْ) فَإِنْ خَرَجَ كُرِهَ لِلنَّهْيِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَانِ دُخُولُ الْوَقْتِ سَوَاءٌ أَذَّنَ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ سَوَاءٌ خَرَجَ أَوْ مَكَثَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا. (قَوْلُهُ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا كَمَا سَبَقَ) أَقُولُ لَا تَطَّرِدُ الْعِلَّةُ فِي الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهَا لَا يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ إقَامَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى فِيهَا يَلْزَمُهُ أَحَدُ مَحْظُورَيْنِ أَمَّا التَّنَفُّلُ بالبتيراء بِمُوَافَقَتِهِ الْإِمَامَ فِي السَّلَامِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ الْإِمَامَ بِالْإِتْمَامِ أَرْبَعًا وَيُكْرَهُ ذَلِكَ تَحْرِيمًا، وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ عَنْ بِشْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ فَسَدَتْ وَيَقْضِي أَرْبَعًا. (قَوْلُهُ لَا مُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَالْمُرَادُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ مُتَنَفِّلًا فَإِنْ مَكَثَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ كُرِهَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ)

وَالْوَعِيدُ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ فَكَانَ إحْرَازُ فَضِيلَتِهَا أَوْلَى (وَمُدْرِكُ رَكْعَةً مِنْهُ) أَيْ الْفَجْرِ (صَلَّاهَا) أَيْ سُنَّتَهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ يَتَوَقَّعُ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ مِنْ فَرْضِ الْفَجْرِ صَلَّى السُّنَّةَ، وَإِنْ فَاتَتْ عَنْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى (وَلَا يَقْضِيهَا) أَيْ سُنَّةَ الْفَجْرِ (إلَّا تَبَعًا) لِلْفَرْضِ إذَا فَاتَتْ مَعَهُ وَقَضَاهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ وَالْقِيَاسُ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ وَرَدَ الْخَبَرُ بِقَضَائِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَاهَا مَعَ الْفَرْضِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ بِلَا فَرْضٍ فَلَا تُقْضَى عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا إلَى الزَّوَالِ وَلَا تُقْضَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الصُّبْحِ. (وَفِي الظُّهْرِ يَتْرُكُهَا) أَيْ السُّنَّةَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهُ أَوْ لَا إذْ لَيْسَ لِسُنَّةِ الظُّهْرِ فَضِيلَةَ سُنَّةِ الْفَجْرِ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْعَالِمُ مَرْجِعًا لِلْفَتْوَى لَهُ تَرْكُ سَائِرِ السُّنَنِ إلَّا سُنَّةَ الْفَجْرِ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَقَضَاهَا قَبْلَ شَفْعِهِ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْفَرْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُمَا وَنَقَلَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْخِلَافَ عَلَى الْعَكْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ بِجَمَاعَةٍ يَفْضُلُ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا لَا تَبْلُغُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ ضِعْفًا وَاحِدًا مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَالْوَعِيدُ بِتَرْكِهَا أَلْزَمُ) هُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ وَهَمُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَمُدْرِكُ رَكْعَةٍ مِنْهُ أَيْ الْفَجْرِ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ قِيلَ هُوَ كَإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ عِنْدَهُمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ أَيْ عِنْدَهُ اهـ. وَقَالَ الشُّمُنِّيُّ لَوْ كَانَ يُدْرِكُ التَّشَهُّدَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ يُصَلِّيهَا أَيْ السُّنَّةَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَهُمَا وَلَا يُصَلِّيهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِيَ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ أَدْرَكَ تَشَهُّدَ الْجُمُعَةِ اهـ. قُلْت الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ يُدْرِكُهُ، وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَتَفْرِيعُ الْخِلَافِ هُنَا عَلَى خِلَافِهِمْ فِي مُدْرِكِ تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ نَصَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ الْكَمَالُ لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ فِي مُدْرِكِ أَقَلِّ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَبْنِيَ عَلَيْهَا الظُّهْرَ بَلْ قَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ يُحْرِزُ ثَوَابَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُهَا وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ جَمَاعَةً فَأَدْرَكَ رَكْعَةً لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ فِيمَنْ يَرْجُو إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فِي الْفَجْرِ لَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَتْرُكُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ اهـ. وَمَا قِيلَ أَنَّهُ يُشْرَعُ فِيهَا أَيْ السُّنَّةِ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ ثُمَّ يَقْطَعُهَا فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الصَّلَاةِ مَدْفُوعٌ وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ صَلَّاهَا) لَمْ يُبَيِّنْ مَحَلَّ صَلَاتِهَا، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ مَكَانٌ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْمَكْرُوهَ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَتَفَاوَتُ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّيْفِيِّ فَصَلَاتُهُ إيَّاهَا فِي الشَّتْوِيِّ أَخَفُّ مِنْ صَلَاتِهِ فِي الصَّيْفِيِّ وَقَلْبُهُ وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ كَرَاهَةً أَنْ يُصَلِّيَهَا مُخَالِطًا لِلصُّفُوفِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ. (قَوْلُهُ التَّعْرِيسُ) هُوَ النُّزُولُ آخِرَ اللَّيْلِ. (قَوْلُهُ وَفِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَقْضِيهَا تَبَعًا وَلَا يَقْضِيهَا مَقْصُودَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقْضِيهَا مُطْلَقًا قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَضَاهَا قَبْلَ شَفْعِهِ) أَقُولُ أَيْ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِانْفِهَامِهِ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَالْقَضَاءُ سُنَّةٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ هُنَا مَجَازٌ كَإِطْلَاقِهِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ فَسَادِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَصِيرُ بِخُرُوجِهِ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ قَضَاهَا بَعْدَهُمَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى غَيْرِ الْمُخْتَارِ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ وَنَقَلَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هُوَ الْأَصَحُّ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ. وَقَالَ الْكَمَالُ يَقْضِيهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَبْلَهُمَا، وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِهِ اهـ فَقَدْ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ الْعَكْسِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْبَعَ فَاتَتْ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ فَلَا يُفَوِّتُ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا عَنْ مَوْضِعِهِمَا قَصْدًا بِلَا ضَرُورَةٍ. وَفِي الْمُصَفَّى وَتَبِعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ جَعْلُ قَوْلِهِمَا بِتَأْخِيرِ الْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَقَعُ سُنَّةً بَلْ نَفْلًا مُطْلَقًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَقَعُ سُنَّةً فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَاَلَّذِي يَقَعُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِينَ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَحُكْمُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ

(وَلَا يَقْضِي غَيْرَهُمَا) مِنْ السُّنَنِ فَإِنَّهَا لَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهَا إجْمَاعًا وَاخْتَلَفُوا فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْضَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ أَوْ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ السُّنَّةَ إمَّا بِأَكْلِ لُقْمَةٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ فَلَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ، وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهَا. تَرْكُ سُنَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إنْ لَمْ يَرَهَا حَقًّا كَفَرَ وَإِلَّا أَثِمَ، كَذَا فِي الْكَافِي (مُدْرِكُ رَكْعَةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ) كَالظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ (مُدْرِكُ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ لَا مُصَلٍّ بِهَا وَاخْتُلِفَ فِي مُدْرِكِ الثَّلَاثِ وَاللَّاحِقِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهَا أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ لِوُجُودِ الِاشْتِرَاكِ مَعَهُمْ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا جَمَاعَةً إذْ فَاتَهُ الْأَكْثَرُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ، وَقَدْ انْفَرَدَ عَنْهُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَفَاتَهُ رَكْعَةٌ فَعَلَى ظَاهِرِ الْجَوَابِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفَ الْإِمَامَ حُكْمًا وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا سَبَقَ بِهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اللَّاحِقَ أَيْضًا لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ صَلَّيْت بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ، كَذَا قَالُوا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمُدْرِكِ الرَّكْعَتَيْنِ أَقُولُ وَجْهُ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ أَنَّ حُكْمَهُ يُفْهَمُ مِنْ حُكْمِ الطَّرَفَيْنِ فَإِنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ إذَا أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُدْرِكَهُ مُدْرِكُ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ مُدْرِكِ الثَّلَاثِ مُصَلِّيًا بِالْجَمَاعَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُصَلِّيَ بِهَا مُدْرِكُ الرَّكْعَتَيْنِ فَتَدَبَّرْ. (مَنْ أَمِنَ فَوْتَ الْوَقْتِ يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْفَرْضِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَأْتِي بِالسُّنَنِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَأْتِي بِهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يُؤْتَى بِهَا إذَا أَدَّى الْفَرْضَ بِالْجَمَاعَةِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا، وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ فَحِينَئِذٍ يَتْرُكُ. (اقْتَدَى بِرَاكِعٍ فَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ) يَعْنِي اقْتَدَى بِإِمَامٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ فَاتَتْ عَنْ مَحِلِّهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فِي الْوَقْتِ وَالظَّاهِرُ قَضَاؤُهَا وَأَنَّهُ سُنَّةٌ اهـ. وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِشَاءِ، وَقَدْ نَصَّ عَنْ الظُّهْرِ وَقِيسَ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعِشَاءُ وَمَا قَبْلَهَا مَنْدُوبٌ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْضَى) ، كَذَا صَحَّحَ فِي الْعِنَايَةِ عَدَمَ الْقَضَاءِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ بُطْلَانُ السُّنَّةِ بِالْفِعْلِ الْكَثِيرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ إنَّ الْأَظْهَرَ نَقْصُ الثَّوَابِ بِالْمُنَافِي وَالْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِالسُّنَنِ فِي الْبَيْتِ إنْ لَمْ يَخَفْ شُغْلًا حَتَّى مَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْبَعْضُ يُؤَدِّي مَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَا مَا سِوَاهُمَا وَعَامَّتُهُمْ عَلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَبِهِ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ إلَّا أَنْ يَخْشَى أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهَا إذَا رَجَعَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَالْأَفْضَلُ الْبَيْتُ. (قَوْلُهُ مُدْرِكُ رَكْعَةٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ. . . إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ مُدْرِكَهَا فِي غَيْرِ الرُّبَاعِيَّةِ مُحْرِزٌ فَضْلَهَا بِالْأَوْلَى لِكَوْنِهَا شَطْرَ الصَّلَاةِ أَوْ ثُلُثَهَا وَلَيْسَتْ الرَّكْعَةُ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ إدْرَاكِ مَا دُونَهَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مُدْرِكَ التَّشَهُّدِ مُحْرِزٌ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي مُدْرِكِ الثَّلَاثِ) يَقْتَضِي اسْتِوَاءَ الْخِلَافِ وَلَيْسَ لِمَا نَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ وَاللَّاحِقُ) ظَاهِرُهُ أَيْضًا جَرْيُ الْخِلَافِ فِيهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ اللَّاحِقَ مُصَلِّي جَمَاعَةً إلَّا فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا نَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. . . إلَخْ) هُوَ اخْتِيَارُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمِمَّا يُضْعِفُ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ كُلِّهِ وَأَنَّ الْأَكْثَرَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ سُورَةً فَقَرَأَهَا إلَّا حَرْفًا حَنِثَ، وَلَوْ قَرَأَهَا إلَّا آيَةً طَوِيلَةً لَا يَحْنَثُ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ اسْتِحْسَانٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهَا إذَا أَدَّى الْفَرْضَ بِالْجَمَاعَةِ) عَلَّلَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى السُّنَنِ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ لَا مُنْفَرِدًا. (قَوْلُهُ لَكِنْ الْأَصَحُّ) قَالَ الْكَمَالُ الْحَقُّ أَنَّ سُنِّيَّتَهَا مُطْلَقَةٌ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِطْلَاقِ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ فِي شَرْعِيَّتِهَا وَهُوَ تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ يُجْبَرُ الْخَلَلُ فِي حَقِّنَا أَمَّا فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَزِيَادَةُ الدَّرَجَاتِ إذْ لَا خَلَلَ وَلَا طَمَعَ لِلشَّيْطَانِ فِي صَلَاتِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي شُمُولَ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا أَيْ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَعْنِي سَوَاءٌ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ أَوْ مُنْفَرِدًا مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا اهـ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِنَفْيِ الِاسْتِنَانَ فِي السَّفَرِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِمَّنْ قَالَ بِالسُّنَنِ سَفَرًا كَالْحَضَرِ. (قَوْلُهُ اقْتَدَى بِرَاكِعٍ فَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقِفْ بَلْ انْحَطَّ فَرَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ رُكُوعِ الْمُقْتَدِي لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِهَذِهِ مَعَ الْإِمَامِ. وَعِنْدَ زُفَرَ يَصِيرُ مُدْرِكًا حَتَّى كَانَ لَاحِقًا عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الرَّكْعَةِ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ إذْ الْوَاجِبُ عَلَى اللَّاحِقِ قَضَاءُ مَا فَاتَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَلَكِنَّهُ إنْ صَلَّى بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَ وَعِنْدَنَا هُوَ مَسْبُوقٌ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ إذْ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَسْبُوقِ قَضَاءُ

[باب قضاء الفوائت]

رَاكِعٍ فَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَتَهُ لِفَوْتِ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِفَوْتِ الرَّكْعَةِ (بِخِلَافِ رَاكِعٍ لَحِقَهُ إمَامُهُ فِيهِ) يَعْنِي اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَرَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَوَقَفَ حَتَّى لَحِقَهُ إمَامُهُ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي جُزْءٍ. (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) (التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفُرُوضِ الْخَمْسَةِ وَالْوِتْرِ أَدَاءُ وَقَضَاءً فَرْضٌ عَمَلِيٌّ) بِمَعْنَى مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ قَدْ مَرَّ مِرَارًا يَعْنِي أَنَّ الْكُلَّ إنْ كَانَ فَائِتًا لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْفُرُوضِ الْخَمْسَةِ، وَكَذَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوِتْرِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْبَعْضُ فَائِتًا وَالْبَعْضُ وَقْتِيًّا لَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ فَيَقْضِي الْفَائِتَةَ قَبْلَ الْوَقْتِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفُرُوضِ وَالْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْفُرُوضِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَصْلُ فِي لُزُومِ التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيَقْضِ الَّتِي تَذَكَّرَ ثُمَّ لِيُعِدْ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ» ، وَقَدْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ خَبَرٌ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْعُلَمَاءُ بِالْقَبُولِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضُ الْعَمَلِيُّ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْمُحَاذَاةِ (فَإِنْ صَلَّى) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفُرُوضِ فَرْضٌ (خَمْسَة) مِنْ الْفُرُوضِ (ذَاكِرًا) فَرْضًا (فَائِتًا فَسَدَتْ) الْخَمْسَةُ فَسَادًا (مَوْقُوفًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفَسَدَتْ عِنْدَهُمَا بِلَا تَوَقُّفٍ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَسَدَ وَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَصْلُ الصَّلَاةِ (إنْ أَدَّى) فَرْضًا (سَادِسًا صَحَّ الْكُلُّ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا فَاتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ. (قَوْلُهُ جَازَ) أَقُولُ أَيْ صَحَّ لِقَوْلِ الْكَافِي رَكَعَ مُقْتَدٍ فَلَحِقَهُ إمَامُهُ صَحَّ وَكُرِهَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْكَعُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَيَرْفَعُ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لِلنَّهْيِ وَقَيَّدَ الصِّحَّةَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنْ يَرْكَعَ الْمُقْتَدِي بَعْدَمَا قَرَأَ الْإِمَامُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْخِلَافِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْمُشَارَكَةِ فِي جُزْءٍ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِ زُفَرَ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ أَوْ ذَكَرَ تَعْلِيلَ زُفَرَ بَعْدَهُ وَهُوَ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ. [بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ] [التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفُرُوضِ الْخَمْسَةِ وَالْوِتْرِ أَدَاءُ وَقَضَاءً] (بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ أَصْلًا وَالْقَضَاءُ عِوَضًا عَرَّفَهُمَا عَلَى طِبْقِ وَضْعِهِمَا فَقَالَ الْأَدَاءُ تَسْلِيمُ عَيْنِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ أَيْ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالْأَمْرِ كَفِعْلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا وَهُوَ أَنْوَاعٌ قَاصِرٌ وَكَامِلٌ وَشَبِيهٌ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ تَسْلِيمٌ مِثْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْأَمْرِ فَلَا يَقْضِي النَّفَلَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِالتَّرْكِ اهـ. وَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ فِي الْقَضَاءِ فِي حَقِّ إزَالَةِ الْمَأْثَمِ لَا فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَأْثَمِ إثْمُ تَرْكِ الصَّلَاةِ فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا إذَا قَضَاهَا. وَأَمَّا إثْمُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ فَبَاقٍ لَا يَزُولُ بِالْقَضَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ التَّوْبَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْهَا وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لِعُذْرٍ كَمَا قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْقَابِلَةُ إذَا خَافَتْ مَوْتَ الْوَلَدِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تُؤَخِّرَهَا وَتُقْبِلَ عَلَى الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ يَجُوزُ بِعُذْرٍ، أَلَا تَرَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ» ، وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا خَافَ مِنْ اللُّصُوصِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُ الْوَقْتِيَّةِ اهـ. وَأَمَّا تَأْخِيرُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّ تَأْخِيرَ الْفَوَائِتِ لِعُذْرِ السَّعْيِ عَلَى الْعِيَالِ وَالْحَوَائِجِ يَجُوزُ، قِيلَ وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ يُبَاحُ لَهُ التَّأْخِيرُ اهـ. وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا كَسَلًا يُضْرَبُ ضَرْبًا شَدِيدًا حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ اهـ. وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ اهـ. وَكَذَا تَارِكُ صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْمَنْبَعِ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا جَحَدَ أَوْ اسْتَخَفَّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِي لُزُومِ التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) بَحَثَ فِيهِ الْأَكْمَلُ بِأَوْجُهٍ وَأَجَابَ عَنْهَا. (قَوْلُهُ ذَاكِرًا فَرْضًا) أَيْ، وَلَوْ عَمَلِيًّا. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَصْلَ الصَّلَاةِ) قَالَ الْكَاكِيُّ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْ الَّذِي سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَصْلِ لُزُومِ التَّرْتِيبِ يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى مُحَمَّدٍ حَيْثُ «أَمْرُهُ أَيْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُصَلِّي الَّذِي تَذَكَّرَ فَائِتَةً خَلْفَ الْإِمَامِ بِالْمُضِيِّ» . وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَعَلَّهُ مَا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِلَّا لِمَا خَالَفَهُ اهـ. (قَوْلُهُ إذَا أَدَّى فَرْضًا سَادِسًا صَحَّ الْكُلُّ) أَقُولُ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْأَدَاءَ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ وَلَا دُخُولَ الْوَقْتِ السَّادِسِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمُؤَدَّاةِ الَّتِي هِيَ سَادِسَةٌ بِالْمَتْرُوكَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ الدُّخُولُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ، وَقَدْ وُجِدَ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت مُوَافَقَتَهُ لِلْكَمَالِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا كَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ، وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ أَنَّ انْقِلَابَ الْكُلِّ جَائِزًا مَوْقُوفٌ عَلَى أَدَاءِ سِتِّ صَلَوَاتٍ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْعَصْرُ يَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا أَيْ لِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ وَلَمْ يُعِدْ الظُّهْرَ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ حَتَّى لَوْ صَلَّى خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَخَرَجَ وَقْتُ الْخَامِسَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ انْقَلَبَ الْكُلُّ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ الْمُسْقِطَةَ بِصَيْرُورَةِ الْفَوَائِتِ سِتًّا وَإِذَا صَلَّى خَمْسًا وَخَرَجَ وَقْتُ الْخَامِسَةِ صَارَتْ الْفَوَائِتُ سِتًّا بِالْفَائِتَةِ الْمَتْرُوكَةِ أَوَّلًا وَعَلَى مَا صَوَّرَهُ يَقْتَضِي أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سَبْعًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

[سقوط الترتيب بين الفرائض]

أَيْ السِّتَّةُ عِنْدَهُ مَعَ وَضْعِ الْفَرْضِيَّةِ (وَإِنْ قَضَاهُ) أَيْ ذَلِكَ الْفَائِتَ (قَبْلَ السَّادِسِ) بَطَلَ فَرْضِيَّةُ الْخَمْسِ وَتَصِيرُ نَفْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا كَانَتْ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ قَضَائِهِ لَهُمَا أَنَّ الْخَمْسَةَ أُدِّيَتْ مَعَ قِلَّتِهَا بِلَا تَرْتِيبٍ فَفَسَدَتْ فَلَا تَنْقَلِبُ صَحِيحَةً وَالْكَثْرَةُ الْحَاصِلَةُ بِالسَّادِسِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ حَيْثُ يَصِحَّانِ اتِّفَاقًا لَا فِي الْخَمْسَةِ الْمَاضِيَةِ كَمَا أَنَّ الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ إذَا تَرَكَ الْأَكْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَثْبُتُ الْحِلُّ فِيمَا بَعْدَ الثَّلَاثِ لَا فِيهَا وَلَهُ فِي الْقَوْلِ بِفَسَادِ الْخَمْسَةِ مُلَاحَظَةُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِيمَا دُونَ السِّتَّةِ وَفِي الْقَوْلِ بِالتَّوَقُّفِ أَنَّ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ فَلَمَّا احْتَمَلَ أَنْ يُؤَدِّيَ السَّادِسَ فَيَبْلُغَ إلَى الْكَثْرَةِ فَلَا يُرَاعَى التَّرْتِيبُ فَتَصِحُّ الْخَمْسَةُ وَأَنْ يَقْضِيَ الْفَائِتَ قَبْلَ السَّادِسِ وَيَبْقَى قَلِيلًا فَيُرَاعَى التَّرْتِيبُ فَيَفْسُدَ قَطَعَا لَمْ يَصِحَّ الْجَزْمُ بِالْفَسَادِ مَعَ أَنَّ الْكَثْرَةَ الْمُوجِبَةَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَائِمَةٌ بِمَجْمُوعِ السِّتَّةِ مُسْتَنِدَةً إلَى أَوَّلِهَا كَسَائِرِ الْمُسْتَنِدَاتِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى الْخَمْسَ حَالَ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ فَوَقَعَتْ صَحِيحَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ الْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ الْوَصْفُ بِمَا يَخُصُّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَصْلِ كَمَا فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ مُعْسِرٍ إذَا أَيْسَرَ حَيْثُ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً بَلْ يَصِيرُ نَفْلًا. (وَلَمْ يَجُزْ فَجْرُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُوتِرْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَ الْفُرُوضِ وَالْوِتْرِ فِيهِ خِلَافٌ لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَسُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. [سُقُوط التَّرْتِيب بَيْن الْفَرَائِض] (وَيُسْقِطُ) التَّرْتِيبُ (بِفَوْتِ سِتَّةٍ) مِنْ الْفُرُوضِ فَإِنَّ الْفَائِتَ حِينَئِذٍ يَبْلُغُ حَدَّ الْكَثْرَةِ (بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسِ) حَتَّى يَكُونَ وَاحِدٌ مِنْ الْفُرُوضِ مُكَرَّرًا فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ بِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ بَيْنَهَا أَنْفُسِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ أَغْيَارِهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ الْقَضَاءُ بِالْإِغْمَاءِ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَضَى الصَّلَاةَ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَضَاهُنَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِهِنَّ فَدَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَحْثًا ثُمَّ أَطْلَعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ مَنْقُولًا فِي الْمُجْتَبَى وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فَسَادَ الصَّلَوَاتِ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَثُرَتْ وَصَارَتْ الْفَوَاسِدُ مَعَ الْفَوَائِتِ سِتًّا ظَهَرَ صِحَّتُهَا وَإِلَّا فَلَا اهـ قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى سِتَّ صَلَوَاتٍ تَأْكِيدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمُؤَدَّاةِ لَا أَدَاءَ السَّادِسَةِ فَتَجَوَّزَ فِيهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ إلَّا أَنْ تَزِيدَ عَلَى سِتٍّ اهـ فَقَدْ قَيَّدَ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى سِتٍّ وَلَمَّا كَانَ غَيْرَ مُرَادٍ قَالَ بَعْدَهُ وَجَدَ الْكَثْرَةُ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا بِخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ السَّادِسَةِ اهـ. وَلِهَذَا قَالَ الْكَمَالُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَقْتِيَّةَ الْمُؤَدَّاةَ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ تَفْسُدُ فَسَادًا مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ كَمَالَ خَمْسِ وَقْتِيَّاتٍ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ شَيْئًا مِنْهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ السَّادِسَةِ صَارَتْ كُلُّهَا صَحِيحَةً فَإِنْ قُلْت إنَّمَا ذَكَرَ مَنْ رَأَيْت فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ أَنَّهُ إذَا صَلَّى السَّادِسَةَ مِنْ الْمُؤَدَّيَاتِ وَهِيَ سَابِعَةُ الْمَتْرُوكَةِ صَارَتْ الْخَمْسُ صَحِيحَةً وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ وَقْتِهَا فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ هَذَا مِنْهُمْ اتِّفَاقِيًّا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي السَّادِسَةَ فِي وَقْتِهَا لَا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَأُقِيمَ أَدَاؤُهَا مُقَامَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِمَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّ تَعْلِيلَهُ لِصِحَّةِ الْخَمْسِ يَقْطَعُ بِثُبُوتِ الصِّحَّةِ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْوَقْتِ أَدَّاهَا أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَضَاهُ أَيْ ذَلِكَ الْفَائِتَ قَبْلَ السَّادِسِ بَطَلَ) أَقُولُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيُقَالُ، وَإِنْ قَضَاهُ أَيْ ذَلِكَ الْفَائِتَ قَبْلَ دُخُولِ السَّادِسِ أَيْ فِي وَقْتِ الْخَامِسِ بَطَلَ. (قَوْلُهُ إذَا أَيْسَرَ) أَيْ قَبْلَ تَمَامِ مُدَّةِ الصِّيَامِ لِلْكَفَّارَةِ. (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِفَوْتِ سِتَّةٍ مِنْ الْفُرُوضِ) أَيْ الْعِلْمِيَّةِ لِيَخْرُجَ الْوِتْرُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلِيٌّ لَا يُعَدُّ مُسْقَطًا، وَإِنْ وَجَبَ تَرْتِيبُهُ. (قَوْلُهُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَاكْتَفَى مُحَمَّدٌ بِدُخُولِ وَقْتِ السَّادِسِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِلَا اشْتِرَاطِ اسْتِيعَابِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَالْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ إلَّا أَنْ تَزِيدَ الْفَوَائِتُ عَلَى سِتٍّ اهـ. وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا إلَّا أَنْ تَزِيدَ عَلَى سِتٍّ ثُمَّ قَالَ وَمُرَادُهُ أَنْ تَصِيرَ الْفَوَائِتُ سِتًّا وَيَدْخُلُ وَقْتُ السَّابِعَةِ فَيَجُوزُ أَدَاءُ السَّابِعَةِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَمْ تَجُزْ السَّابِعَةُ اهـ فَقَدْ نَبَّهَ عَلَى التَّجَوُّزِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ اهـ. وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَوَائِتِ فَشَمِلَ الْحَدِيثَةَ وَالْقَدِيمَةَ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَصَحَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْقَدِيمَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ سُقُوطُهُ. وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْفَتْوَى، وَالْعَمَلُ بِمَا يُوَافِقُ إطْلَاقَ الْمُتُونِ أَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. قُلْت وَهُوَ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ أَيْ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَوْ اجْتَمَعَتْ الْفَوَائِتُ الْقَدِيمَةُ وَالْحَدِيثَةُ قِيلَ تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ مَعَ تَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ، وَقِيلَ لَا تَجُوزُ وَيُجْعَلُ الْمَاضِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ. اهـ.؛ لِأَنَّ هَذَا أَيْ الثَّانِي تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ وَمَا قَالُوا يُؤَدِّي إلَى التَّهَاوُنِ لَا إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَادَ تَفْوِيتَ الصَّلَاةِ وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ التَّكَاسُلُ لَوْ أُفْتِيَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ يُفَوِّتُ أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ الْكَثْرَةِ اهـ مَا عَلَّلَ

أَنَّ التَّكْرَارَ مُعْتَبَرٌ فِي التَّخْفِيفِ. (وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا (بِضِيقِ الْوَقْتِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ) أَيْ الْوَقْتِ (مَا يَسَعُ بَعْضَ الْفَوَائِتِ مَعَ الْوَقْتِيَّةِ يَقْضِي مَا يَسَعُهُ) مِنْ الْفَوَائِتِ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْوَقْتِيَّةِ كَمَا إذَا فَاتَتْ الْعِشَاءُ وَالْوِتْرُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الْفَجْرِ إلَّا مَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ يَقْضِي الْوِتْرَ وَيُؤَدِّي الْفَجْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا فَاتَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَّا مَا يُصَلِّي فِيهِ سَبْعَ رَكَعَاتٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْمَغْرِبَ. (وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا (بِالنِّسْيَانِ فَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَّةَ لَا الْوِتْرَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بِلَا وُضُوءٍ وَالْآخَرَيْنِ بِهِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بِلَا وُضُوءٍ وَالسُّنَّةَ وَالْوِتْرَ بِهِ يُعِيدُ الْعِشَاءَ وَالسُّنَّةَ إذْ لَمْ يَصِحَّ أَدَاءُ السُّنَّةِ قَبْلَ الْفَرْضِ مَعَ أَنَّهَا أُدِّيَتْ بِالْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْفَرْضِ أَمَّا الْوِتْرُ فَصَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عِنْدَهُ فَصَحَّ أَدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فَرْضٌ لَكِنَّهُ أَدَّى الْوِتْرَ بِزَعْمِ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بِالْوُضُوءِ فَكَانَ نَاسِيًا أَنَّ الْعِشَاءَ فِي ذِمَّتِهِ فَسَقَطَ التَّرْتِيبُ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي الْوِتْرَ أَيْضًا تَبَعًا لِلْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. . (وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا (بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ فَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ ذَاكِرًا لِتَرْكِ الْفَجْرِ فَسَدَ فَإِذَا قَضَى الْفَجْرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ذَاكِرًا لِلظُّهْرِ جَازَ الْعَصْرُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَبِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ وَأَنَّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ فَسَدَ ظُهْرُهُ فَإِذَا قَضَى الْفَجْرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلظُّهْرِ يَجُوزُ الْعَصْرُ إذْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ حَالَ أَدَاءِ الْعَصْرِ وَهُوَ ظَنٌّ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (اجْتَمَعَتْ الْحَدِيثَةُ وَالْقَدِيمَةُ جَازَتْ الْوَقْتِيَّةُ بِتَذَكُّرِ الْحَدِيثَةِ وَلَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ بِعَوْدِ الْكَثْرَةِ إلَى الْقِلَّةِ فَيَصِحُّ وَقْتِيُّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ) مَثَلًا حَتَّى سَقَطَ التَّرْتِيبُ (وَأَخَذَ يُؤَدِّي الْوَقْتِيَّاتِ فَتَرَكَ فَرْضًا) قَوْلُهُ فَيَصِحُّ. . . إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ اجْتَمَعَتْ الْحَدِيثَةُ وَالْقَدِيمَةُ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ يُؤَدِّي الْوَقْتِيَّاتِ صَارَتْ فَوَائِتُ الشَّهْرِ قَدِيمَةً وَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلتَّرْتِيبِ فَإِذَا تَرَكَ فَرْضًا يَجُوزُ مَعَ ذِكْرِهِ أَدَاءُ وَقْتِيٍّ (أَوْ قَضَى صَلَاةَ شَهْرٍ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَرَكَ صَلَاةَ شَهْرٍ وَتَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ إلَى آخِرِهِ أَيْ وَلَا يَصِحُّ وَقْتِيُّ مَنْ قَضَى صَلَاةَ شَهْرٍ إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا قَضَاهَا كَذَلِكَ قَلَّتْ الْفَوَائِتُ وَلَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُرَادَ بِضِيقِ الْوَقْتِ اهـ. وَأَصْلُهُ أَوْ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ قَالَ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَنَسَبَ الطَّحَاوِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالثَّانِي أَيْ الْوَقْتَ الْمُسْتَحَبَّ إلَى مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالظُّهْرِ يَقَعُ قَبْلَ التَّغْيِيرِ وَيَقَعُ الْعَصْرُ أَوْ بَعْضُهُ فِيهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُصَلِّي الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَعَلَى الثَّانِي يُصَلِّي عَلَى الْعَصْرِ ثُمَّ الظُّهْرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَذَكَرَهُ بِصِيغَةِ عِنْدَنَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ هَهُنَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّالِثَةِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ الثَّانِي فَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ حُكْمِ الْكِتَابِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْوَقْتِيَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اهـ قَالَ فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ الْوَقْفُ الْمُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ إلَّا مَعَ التَّخْفِيفِ فِي قَصْرِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْعَالِ يُرَتِّبُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى أَقَلِّ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ وَبِالنِّسْيَانِ فَيُعِيدُ الْعِشَاءَ. . . إلَخْ) وَكَمَا يُعِيدُ الْعِشَاءَ مَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ لَهَا كَذَلِكَ لَوْ نَسِيَ الْفَائِتَةَ فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْحَاضِرَةِ. (قَوْلُهُ يَعْنِي مَنْ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ) أَقُولُ تَقْيِيدُهُ بِالْوَقْتِ لِأَجْلِ الْإِتْيَانِ بِالسُّنَّةِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ أَعَمُّ إذْ لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ وَعَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْحَاضِرَةِ. (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ أَيْضًا بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِالظَّنِّ الْمُعْتَبَرِ ظَنُّ مُجْتَهِدٍ مَا، لَا ظَنُّ الْمُصَلِّي مِنْ حَيْثُ هُوَ فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي جَاهِلٍ صَلَّى كَمَا ذُكِرَ وَلَمْ يُقَلِّدْ مُجْتَهِدًا وَلَمْ يَسْتَفْتِ فَقِيهًا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مُجْتَهَدًا فِيهِ أَمَّا لَوْ كَانَ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ الْمُخَالِفِ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَصَلَّى الظُّهْرَ ذَاكِرًا لِتَرْكِ الْفَجْرِ فَلَا فَسَادَ فِي صَلَاتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى شَيْءٍ هَكَذَا يَنْبَغِي حَمْلُ هَذَا الْمَحَلِّ وَإِلَّا فَيُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَوَقُّفِ صِحَّةِ الْمُؤَدَّاةِ بَعْدَ الْمَتْرُوكَةِ عَلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْخَامِسَةِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ قَضَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ مَا صَلَّاهُ بَعْدَهَا وَلَيْسَ هَذَا مُسْقِطًا رَابِعًا مُطْلَقًا بَلْ فِيمَا صَوَّرْنَاهُ بِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ) لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ اجْتَمَعَتْ الْحَدِيثَةُ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَعُودُ التَّرْتِيبُ بِعَوْدِ الْكَثْرَةِ إلَى الْقِلَّةِ) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ كَمَاءٍ قَلِيلٍ نَجِسٍ دَخَلَ عَلَيْهِ مَاءٌ جَارٍ حَتَّى سَالَ فَعَادَ قَلِيلًا لَمْ يَعُدْ نَجِسًا بِخِلَافِ النِّسْيَانِ وَضِيقِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ ثَمَّةَ لِلْعَجْزِ وَهُنَا سَقَطَ حَقِيقَةً حَتَّى لَوْ تَمَكَّنَ هُنَا مِنْ أَدَاءِ الْفَائِتَةِ مَعَ الْوَقْتِيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّرْتِيبُ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ تَمَكَّنَ هُنَاكَ بِزَوَالِ النِّسْيَانِ وَظَهَرَ سَعَةُ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ. (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ وَقْتِيُّ مَنْ تَذَكَّرَ صَلَاةَ شَهْرٍ) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ مِنْ إطْلَاقِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفَرْضُهُ فِي الشَّهْرِ لِمُوَافَقَةِ زُفَرَ عَلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ إذْ لَا يَسْقُطُ عِنْدَهُ بِفَوَاتِ مَا دُونَ شَهْرٍ

[باب صلاة المريض]

فَيَصِحُّ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنْ قَلَّتْ بَعْدَ الْكَثْرَةِ عَادَ التَّرْتِيبُ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّهَاوُنِ بِالصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ) فَاشْتَغَلَ بِالْقَضَاءِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَنَحْوِهِمَا وَيَنْوِي أَيْضًا ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا أَوْ عَصْرَ يَوْمِ كَذَا إذْ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الظُّهْرَيْنِ فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا فَاخْتِلَافُ الْوَقْتِ كَاخْتِلَافِ السَّبَبِ وَاخْتِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنْ أَرَادَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ (نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَهُ) أَيْ آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ فَإِذَا نَوَى الْأَوَّلَ وَصَلَّى فَمَا يَلِيهِ يَصِيرُ أَوَّلًا، وَكَذَا لَوْ نَوَى آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ وَصَلَّى فَمَا قَبْلَهُ يَصِيرُ آخِرًا فَيَحْصُلُ التَّعْيِينُ (كَذَا الصَّوْمُ) أَيْ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي الصَّلَاةِ يَحْتَاجُ أَيْضًا إلَيْهِ فِي الصَّوْمِ (لَوْ) كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَضَاءِ (مِنْ رَمَضَانَيْنِ) فَيَنْوِي أَوَّلَ صَوْمٍ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ آخِرَ صَوْمٍ عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَيْنِ (فَلَا) يَحْتَاجُ إلَى التَّعَيُّنِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَقَضَى يَوْمًا وَلَمْ يُعَيِّنْ جَازَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّهْرُ وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إكْمَالَ الْعَدَدِ وَالسَّبَبُ فِي الصَّلَاةِ مُخْتَلِفٌ وَهُوَ الْوَقْتُ وَبِاخْتِلَافِ السَّبَبِ يَخْتَلِفُ الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ فِي النِّصَابِ. وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى إذَا قَضَى الْفَائِتَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَهَا فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى لَا يَقِفَ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ عَنْ الْوَقْتِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ مَرَضًا يَضُرُّهُ الْوُضُوءُ فَكَانَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ فَأَدَّى الْفَوَائِتَ فِي الْمَرَضِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ جَازَ، وَلَوْ صَحَّ وَقَدَرَ عَلَى الْقَضَاءِ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ. (بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ) (إذَا تَعَذَّرَ الْقِيَامُ لِمَرَضٍ) حَصَلَ (قَبْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (أَوْ فِيهَا أَوْ خَافَ زِيَادَتَهُ) أَيْ الْمَرَضِ (أَوْ) خَافَ بُطْءَ الْبُرْءِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِ الْقِيَامِ (أَوْ) خَافَ (دَوَرَانَ الرَّأْسِ أَوْ يَجِدُ لِلْقِيَامِ أَلَمًا شَدِيدًا قَعَدَ) جَوَابُ إذَا تَعَذَّرَ (كَيْفَ شَاءَ) مِنْ التَّرَبُّعِ وَغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. . . إلَخْ) أَقُولُ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ يَعُودُ التَّرْتِيبُ بِالْعَوْدِ إلَى الْقِلَّةِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ. وَذَكَرَ دَلِيلَهُ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَوْدِ التَّرْتِيبِ. وَقَالَ الْكَمَالُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ أَيْ عَدَمُ الْعَوْدِ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَاخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبِ الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ. . . إلَخْ) كَذَلِكَ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ إذَا كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ. . . إلَخْ) هُوَ الْأَصَحُّ وَخِلَافُهُ مَا قَالَهُ فِي الْكَنْزِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى لَوْ نَوَى قَضَاءَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْيَوْمَ صَحَّ، وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ أَوَّلَ صَلَاةٍ أَوْ آخِرَ صَلَاةٍ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا، وَكَذَا فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ تَسْهِيلَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَهُ) أَقُولُ اقْتَصَرَ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي النِّيَّةِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَقَدَّمَ فِي كَيْفِيَّةِ نِيَّةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ زِيَادَةَ قَوْلِهِ أَدْرَكْت وَقْتَهُ وَلَمْ أُصَلِّهِ بَعْدُ فَلْيُتَأَمَّلْ. [بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ] (قَوْلُهُ إذَا تَعَذَّرَ الْقِيَامُ) أَرَادَ بِهِ التَّعَذُّرَ الْحَقِيقِيَّ لِذِكْرِهِ الْحُكْمِيَّ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَجِدُ لِلْقِيَامِ أَلَمًا شَدِيدًا تَبَعًا لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي التَّعَذُّرُ قَدْ يَكُونُ حَقِيقِيًّا بِحَيْثُ لَوْ قَامَ يَسْقُطُ، وَقَدْ يَكُونُ حُكْمِيًّا بِأَنْ يَخَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ يَجِدَ وَجَعًا لِذَلِكَ اهـ. وَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ الْمُصَنِّفِ فِي النُّقَايَةِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ إذَا تَعَذَّرَ الْقِيَامُ قَالَ شَارِحُهَا الشُّمُنِّيُّ تَعَذَّرَ الْقِيَامُ أَيْ شَقَّ وَعَسِرَ وَلَا يُرِيدُونَ بِالتَّعَذُّرِ عَدَمَ الْإِمْكَانِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْقِيَامِ. . . إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ لَكِنْ يَخَافُ بِسَبَبِهِ إبْطَاءَ الْبُرْءِ أَوْ كَأَنْ يَجِدَ أَلَمًا شَدِيدًا إذَا قَامَ جَازَ لَهُ تَرْكُهُ. (قَوْلُهُ أَوْ خَافَ زِيَادَتَهُ) قَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ. (قَوْلُهُ أَوْ يَجِدَ لِلْقِيَامِ أَلَمًا شَدِيدًا) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ لَحِقَهُ نَوْعُ مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الْقِيَامِ بِسَبَبِهَا. (قَوْلُهُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ التَّرَبُّعِ وَغَيْرِهِ) هُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ لَمَّا قَالَ قَاضِي خَانْ يَجْلِسُ الْمَرِيضُ فِي صَلَاتِهِ كَيْفَ شَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْكَعُ مُتَرَبِّعًا اهـ قُلْت وَرِوَايَةُ مُحَمَّدٍ تَشْمَلُ حَالَةَ التَّشَهُّدِ لِإِطْلَاقِهَا وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ كَيْفَ تَيَسَّرَ عَلَيْهِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ أَمَّا فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَحَالِ الرُّكُوعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْلِسُ كَيْفَ شَاءَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا، وَإِنْ شَاءَ مُتَرَبِّعًا، وَإِنْ شَاءَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَمَا فِي التَّشَهُّدِ. وَقَالَ زُفَرُ

(وَصَلَّى) قَاعِدًا (بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ قَامَ بِأَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّكْبِيرِ قَائِمًا أَوْ عَلَى التَّكْبِيرِ وَبَعْضِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْقِيَامِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ، وَلَوْ تَرَكَ هَذَا خِيفَ أَنْ لَا تَجُوزَ صَلَاتُهُ (وَإِنْ تَعَذَّرَا) أَيْ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا الْقِيَامُ (أَوْمَأَ قَاعِدًا) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِيمَاءِ قَائِمًا. (وَ) لَكِنْ (سُجُودُهُ أَخْفَضُ مِنْ رُكُوعِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ قَائِمٌ مُقَامَهُمَا فَأَخَذَ حُكْمَهُمَا وَلَا يُرْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ لِيَسْجُدَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَرِيضٍ دَخَلَ عَلَيْهِ عَائِدًا «إنْ قَدَرْت أَنْ تَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ فَاسْجُدْ وَإِلَّا فَأَوْمِئْ» (وَلَوْ رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَخَفَضَ رَأْسَهُ أَوْ سَجَدَ عَلَى مَا لَا يَجِدُ حَجْمَهُ) وَلَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ جَبْهَتُهُ (جَازَ) لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ الْقُعُودُ (أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْتَرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ عُذْرَ الْمَرَضِ أَسْقَطَ عَنْهُ الْأَرْكَانَ فَلَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ الْهَيْئَاتِ أَوْلَى، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّجْنِيسِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ عَلَى الْمَرِيضِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ الْأَيْسَرُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ فَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ اهـ مَا فِي الْبَحْرِ قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّقْيِيدِ فِيهِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ وَصَلَّى قَاعِدًا) أَيْ، وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَلَا تُجْزِئُهُ مُضْطَجِعًا، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ قُلْت فَقَوْلُهُ يَجِبُ الْمُرَادُ بِهِ اللُّزُومُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ قَامَ) أَقُولُ أَيْ، وَلَوْ مُتَّكِئًا لِمَا فِي التَّبْيِينِ لَوْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ مُتَّكِئًا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّي مُتَّكِئًا وَلَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى عَصًا أَوْ خَادِمٍ لَهُ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَتَّكِئُ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ. وَالتَّقْيِيدُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ الْقِيَامِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ لَا يَنْفِي لُزُومَ الِاتِّكَاءِ فِي الْبَعْضِ بَلْ يُفِيدُ لُزُومَهُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ. (قَوْلُهُ أَوْمَأَ) بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِيمَاءِ قَائِمًا) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا، وَقَالَ زُفَرُ كَالشَّافِعِيِّ يُومِئُ بِهِمَا قَائِمًا لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قُلْتُ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى، وَإِنْ أَوْمَأَ بِالسُّجُودِ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ وَهَذَا أَحْسَنُ وَأَقْيَسُ كَمَا لَوْ أَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ جَالِسًا لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَقَدْ ضَعَّفَ قَوْلَهُ لِنَقْلِهِ فِي الْبُرْهَانِ بِصِيغَةِ قِيلَ وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْإِيمَاءِ بِهِمَا قَائِمًا وَقَاعِدًا كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ وَخَفَضَ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ فَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ وَاسْتَدَلَّ لِلْكَرَاهَةِ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَأَرَادَ بِخَفْضِ الرَّأْسِ خَفْضَهَا لِلرُّكُوعِ ثُمَّ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى لَوْ سَوَّى لَمْ يَصِحَّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ اهـ. وَفِي إطْلَاقِ اسْمِ السُّجُودِ فِي قَوْلِهِ أَوْ سَجَدَ عَلَى مَا لَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةُ السُّجُودِ مَا عَجَزَ عَنْهُ وَهُوَ وَضْعُ بَعْضِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْإِيمَاءِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى قَدْ كَانَ كَيْفِيَّةُ الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُتَشَبِّهًا عَلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ بَعْضُ الِانْحِنَاءِ أَوْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ إلَى أَنْ ظَفِرْت بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُومِئَ إذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِلرُّكُوعِ شَيْئًا ثُمَّ لِلسُّجُودِ شَيْئًا جَازَ، وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَائِدَ وَأَلْصَقَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهَا وَوَجَدَ أَدْنَى الِانْخِفَاضِ جَازَ عَنْ الْإِيمَاءِ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ إذَا كَانَ بِجَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ عُذْرٌ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَقْرِيبُ الْجَبْهَةِ إلَى الْأَرْضِ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ اهـ قُلْت وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْعُذْرِ بِكُلٍّ مِنْ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ لِجَوَازِ الْإِيمَاءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانَ بِجَبْهَتِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ عَلَيْهَا لَمْ يُجْزِهِ الْإِيمَاءُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ اهـ. وَلَعَلَّ هَذَا عَلَى الْمَرْجُوحِ وَهُوَ جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَنْفِ أَوْ الْجَبْهَةِ. وَأَمَّا عَلَى الرَّاجِحِ وَهُوَ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَنْفِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ وَجَبَ ضَمُّهُ إلَى الْجَبْهَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَهُ الْإِيمَاءُ مَعَ قُدْرَةِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ، وَإِنْ أَثِمَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا» . . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ غَرِيبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ أَنَّ قَوْلَ الْكَمَالِ غَرِيبٌ، وَذَكَرَ لَهُ وَجْهًا ثُمَّ قُرِئَ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ فَقَالَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ عَلَيَّ فِي قَوْلِي غَرِيبٌ لَيْسَ وَارِدًا، وَذَكَرَ وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ فَقَوْلِي غَرِيبٌ لَيْسَ بِغَرِيبٍ كَمَا ذَكَرَ وَمَا تَكَلَّفَهُ أَيْ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الْإِشْكَالِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِمَنْ تَأَمَّلَ فِي ذَلِكَ اهـ. وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لَأَثْبَتَ جَمِيعَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَذَّرَ أَيْ الْعُقُودُ أَوْمَأَ مُسْتَلْقِيًا. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ اسْتَلْقَى عَلَى جَنْبِهِ، وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ جَازَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الِاسْتِلْقَاءِ عَلَى الْقَفَا وَالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَنْبِ جَوَابُ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَفِي

قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ يُومِئُ إيمَاءً فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» وَيَنْبَغِي أَنْ يُوضَعَ تَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ لِيُشْبِهَ الْقَاعِدَ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيمَاءِ إذْ حَقِيقَةُ الِاسْتِلْقَاءِ تَمْنَعُ الْإِيمَاءَ لِلصَّحِيحِ فَكَيْفَ لِلْمَرِيضِ، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ تَعَذَّرَ) الْإِيمَاءُ (أُخِّرَتْ) الصَّلَاةُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ (وَلَا يُومِئُ بِعَيْنَيْهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ وَلَا بِقَلْبِهِ) لِمَا رَوَيْنَا وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ (مَرِضَ فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ) أَيْ صَلَّى صَحِيحٌ بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ يُتِمُّهَا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى كَاقْتِدَاءِ الْمُومِئِ بِالصَّحِيحِ (صَحَّ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ قَاعِدًا) يَعْنِي إنْ كَانَ مَرِيضًا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فَصَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إذَا صَحَّ فِيهَا (يَبْنِي قَائِمًا) ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ كَالِاقْتِدَاءِ وَالْقَائِمُ يَقْتَدِي بِالْقَاعِدِ فَكَذَا الْمُنْفَرِدُ يَبْنِي آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى أَوَّلِهَا (وَمُومِئٌ كَذَلِكَ) أَيْ صَحَّ فِي الصَّلَاةِ لَا يَبْنِي بَلْ (يَسْتَأْنِفُ) ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُومِئِ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا الْبِنَاءُ (لِلْمُتَطَوِّعِ) الْقَائِمِ (يَجُوزُ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى شَيْءٍ) كَعَصًا أَوْ حَائِطٍ (أَوْ يَقْعُدَ إنْ أَعْيَا) ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ هَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ مَسْأَلَةُ الْإِتْكَاءِ وَمَسْأَلَةُ الْقُعُودِ وَكُلٌّ عَلَى نَوْعَيْنِ بِعُذْرٍ وَبِلَا عُذْرٍ أَمَّا الِاتِّكَاءُ بِعُذْرٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ إجْمَاعًا وَبِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقُنْيَةِ مَرِيضٌ اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ وَصَلَّى وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاسْتِلْقَاءِ قِيلَ يَجُوزُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الِاسْتِلْقَاءُ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهَذَا الْأَظْهَرُ خَفِيَ وَالْأَظْهَرُ الْجَوَازُ اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَيَنْبَغِي لِلْمُسْتَلْقِي أَنْ يَنْصِبَ رُكْبَتَهُ إنْ قَدَرَ حَتَّى لَا يَمُدَّ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَذَّرَ الْإِيمَاءُ أُخِّرَتْ) كَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا سَاقَهُ مِنْ الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا لَهُ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ. وَقَوْلُهُ أُخِّرَتْ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ يَفْهَمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ فَجَعَلَهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَفِي الْمُحِيطِ مِثْلُهُ وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَمَنْ تَأَمَّلَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأُصُولِ وَمَسْأَلَةَ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَقْضِي وَفِيمَا دُونَهَا يَقْضِي إنْ قَدَحَ فِي ذِهْنِهِ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمَرِيضِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِيصَاءُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ وَسُقُوطُهُ إنْ زَادَ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ مَعَ زِيَادَةٍ قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّ الصَّحِيحَ السُّقُوطُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ لَا الْقِلَّةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَجَزَمَ بِهِ الْوَلْوَالِجِيُّ وَصَاحِبُ التَّجْنِيسِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ قُلْت صَاحِبُ التَّجْنِيسِ هُوَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَحَيْثُ خَالَفَ مَا فِيهَا مُوَافِقًا لِلْأَكْثَرِ يُرْجَعُ إلَيْهِ دُونَ مَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ» أَيْ عُذْرِ السُّقُوطِ وَعَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ بِقَبُولِ عُذْرِ التَّأْخِيرِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) : لَوْ مَاتَ الْمَرِيضُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْ بِالْإِيمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِهَا، وَإِنْ قَلَّتْ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَا أَوْ مَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ لَا فِدْيَةَ فِي الصَّلَوَاتِ حَالَةَ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ اهـ قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصِلْ الْمَرِيضُ إلَى حَالَةٍ يَعْجِزُ فِيهَا عَنْ الْإِيمَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ وَدَامَ إلَى الْمَوْتِ وَفَدَى فَصِحَّتُهَا مُتَّجِهَةٌ. اهـ. وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ كَيْفِيَّةَ الْفِدْيَةِ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّوْمِ. (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ) أَقُولُ لَكِنَّهُ قَالَ إذَا صَحَّ أَعَادَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الْإِيمَاءِ بِالْعَيْنِ وَالْقَلْبِ وَالْحَاجِبِ عِنْدَ زُفَرَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَكِنْ رَتَّبَ زُفَرُ فِي الْجَوَازِ لِمَا قَالَ الشُّمُنِّيُّ. وَقَالَ زُفَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ يُومِئُ بِالْحَاجِبِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْعَيْنِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِالْقَلْبِ اهـ. (قَوْلُهُ مَرِضَ فِي صَلَاتِهِ يُتِمُّ بِمَا قَدَرَ. . . إلَخْ) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَجُوزُ بِدُونِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ صَحَّ فِيهَا رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَقْبِلُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ وَمُومِئٌ كَذَلِكَ أَيْ صَحَّ فِي الصَّلَاةِ لَا يَبْنِي. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ يَبْنِي بِنَاءً عَلَى إجَازَتِهِ اقْتِدَاءَ الرَّاكِعِ بِالْمُومِئِ قُلْت فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا إذَا أَدَّى بَعْضَهَا قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ فَإِنْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا بِنِيَّةِ الْإِيمَاءِ ثُمَّ قَدَرَ قَبْلَ الْإِيمَاءِ لِلرُّكُوعِ يُتِمُّهَا، وَإِنْ افْتَتَحَهَا مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْقُعُودِ أَقْوَى فَلَا يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّعِيفِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ

[باب الصلاة على الدابة]

عُذْرٍ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ. وَأَمَّا الْقُعُودُ بِعُذْرٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ جَازَ وَكُرِهَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَجُزْ. (جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَضَى الْخَمْسَ، وَإِنْ زَادَ وَقْتُ الصَّلَاةِ لَا) لِمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْقَضَاءِ الْفَوَائِتِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَضَاهُنَّ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أُغْمِيَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَضَاهُنَّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَمْ يَقْضِهِنَّ فَدَلَّ أَنَّ التَّكْرَارَ مُعْتَبَرٌ فِي التَّخْفِيفِ وَالْجُنُونُ كَالْإِغْمَاءِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ هُوَ الصَّحِيحُ (وَهُوَ الْأَصَحُّ) إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ السَّاعَاتُ أَيْ الْأَزْمِنَةُ لَا مَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ النُّجُومِ (زَالَ عَقْلُهُ بِالْبَنْجِ أَوْ الْخَمْرِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ طَالَ) أَيْ زَوَالُ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ عُرِفَ بِالْأَثَرِ إذَا حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ. (قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مِنْ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ (لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ) ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَقِيلَ إنْ وَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ يَأْمُرُهُ لِيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَمَوْضِعَ الْقَطْعِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَإِلَّا وَضَعَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ فِي الْمَاءِ أَوْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ وَمَوْضِعَ الْقَطْعِ عَلَى جِدَارٍ فَيُصَلِّيَ) ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ) (كُلُّ مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ) أَيْ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَهُوَ خَارِجَ عُمُرَانِ مُقَامِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُقَامُهُ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (جَازَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (التَّطَوُّعُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسَافِرِ (وَلِغَيْرِهِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الدَّابَّةِ (بِإِيمَاءٍ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ) الدَّابَّةُ قِبْلَةً كَانَ أَوْ لَا (وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) أَيْ جَازَ التَّطَوُّعُ فِيهِ عَلَى تَقْدِيمِ عَدَمِ الْعُذْرِ. (وَ) جَازَ فِيهِ (الْمَكْتُوبَةُ بِهِ) أَيْ بِعُذْرٍ قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا صَلَّى عَلَى الدَّابَّةِ بِعُذْرٍ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيقَافِهَا جَازَ الْإِيمَاءُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَسِيرُ، وَإِنْ قَدَرَ لَمْ يَجُزْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعُذْرٍ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ أَيْ لَا يُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ عِنْدَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْقُعُودُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَيَجُوزُ الِاتِّكَاءُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْكَمَالُ تَعْلِيلُ عَدَمِ كَرَاهَةِ الِاتِّكَاءِ بِغَيْرِ عُذْرٍ مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُكْرَهَ الْقُعُودُ وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ إسَاءَةَ أَدَبٍ دُونَ الْقُعُودِ إذَا كَانَ عَلَى هَيْئَةٍ لَا تُعَدُّ إسَاءَةً. (قَوْلُهُ. وَأَمَّا الْقُعُودُ بِعُذْرٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ) أَيْ بَعْدَ مَا شَرَعَ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُ فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ أَعَمَّ مِنْهُ. (قَوْلُهُ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ جَازَ وَكُرِهَ عِنْدَهُ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ النَّوَافِلِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ ابْتِدَاءً وَكُرِهَ بَقَاءً إلَّا بِعُذْرٍ اهـ فَأَفَادَ عَدَمَ كَرَاهَةِ الْقُعُودِ ابْتِدَاءً بِلَا عُذْرٍ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ الْقُعُودُ بَعْدَمَا شَرَعَ قَائِمًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنْ هُوَ مَرْجُوحٌ لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَجَامِعِ ابْنِ الْمُعِينِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ فِي النَّفْلِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوعٌ بِلَا كَرَاهَةٍ فَالْبَقَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَقَاءِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ اهـ. وَلِقَوْلِ الْكَمَالِ الْأَصَحُّ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ قَعَدَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الِاتِّكَاءَ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقُعُودُ لَا يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ، وَإِنْ قَعَدَ يَعْنِي بَعْدَمَا افْتَتَحَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَقَوْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ يُخَالِفُ قَوْلَهُ قُبَيْلَ هَذَا لَوْ قَعَدَ يَجُوزُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ. اهـ. قُلْتُ الْحُكْمُ بِالْمُخَالَفَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ غَيْرُ مُتَّحِدَةٍ إذْ مَوْضُوعُ قَوْلِهِ أَوَّلًا فِي الْقُعُودِ ابْتِدَاءً وَثَانِيًا فِي الْقُعُودِ بَقَاءً وَأَيْضًا فِي تَعْبِيرِ الْعِنَايَةِ بِلَفْظِ يَعْنِي تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْقُعُودِ بَقَاءً إذْ هُوَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَجُزْ) أَقُولُ أَيْ لَمْ يَجُزْ بَعْدَ مَا افْتَتَحَ قَائِمًا إتْمَامَهُ جَالِسًا بِلَا عُذْرٍ عِنْدَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَمْلِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ قَاعِدًا ابْتِدَاءً مُطْلَقًا جَائِزٌ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَلَمْ أَرَهُ كَذَلِكَ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ النُّقُولِ. (قَوْلُهُ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ بِسَبَبِ ضَعْفِ قَلْبِهِ وَهُوَ مَرَضٌ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ قُطِعَتْ يَدَاهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ. وَفِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ لَوْ كَانَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ مَقْطُوعًا مِنْ الْكَعْبِ أَوْ دُونَهَا فَإِنْ غَسْلَ مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَرْضٌ، وَلَوْ قُطِعَتْ فَوْقَ الْكَعْبِ سَقَطَ لِزَوَالِ الْمَحَلِّ، وَلَوْ شُلَّتْ يَدَاهُ وَعَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الطُّهُورَيْنِ يَمْسَحُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ بِالْحَائِطِ أَوْ الْأَرْضِ وَلَا يَدَعْ الصَّلَاةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْكَرْخِيِّ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ إذَا كَانَ بِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَيْضِ. [بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ] (بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ) إلَخْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْهُ

[باب الصلاة في السفينة]

لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ بِسَيْرِهَا. وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا سَيَّرَهَا رَاكِبُهَا لَا يُجْزِئُهُ الْفَرْضُ وَلَا التَّطَوُّعُ (وَهُوَ) أَيْ الْعُذْرُ (أَنْ يَخَافَ فِي النُّزُولِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ كَانَ فِي طِينٍ لَا يَجِدُ مَكَانًا جَافًّا أَوْ) كَانَ (عَاجِزًا) لِكِبَرِ سِنِّهِ أَوْ ضَعْفِ مِزَاجِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ دَابَّتُهُ جَمُوحٌ لَوْ نَزَلَ لَا يَرْكَبُ بِغَيْرِ مُعِينٍ) ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (أَوْ) كَانَ (فِي الْبَادِيَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْقَافِلَةُ تَسِيرُ) فَإِنَّهُ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ وَثِيَابِهِ لَوْ نَزَلَ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَيَنْزِلُ لِلْوِتْرِ) وَعِنْدَهُمَا لَا كَالسُّنَنِ. (بَابُ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ) الْأَصْلُ فِيهَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْحَبَشَةِ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا إلَّا أَنْ يَخَافَ الْغَرَقَ» وَعَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ سَأَلْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ إنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَصَلِّ قَاعِدًا، وَإِنْ كَانَتْ رَاسِيَةً فَصَلِّ قَائِمًا (يَتَوَجَّهُ الْمُصَلِّي فِيهَا الْقِبْلَةَ) بِأَنْ يَدُورَ إلَيْهَا (كَيْفَمَا دَارَتْ) السَّفِينَةُ (عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَفِي الصَّلَاةِ) ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ بِخِلَافِ الدَّابَّةِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ إلَى الْقِبْلَةِ مَعَ سَيْرِ الدَّابَّةِ (الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ) فِي السَّفِينَةِ (وَ) الْقَادِرُ عَلَى (الْخُرُوجِ) عَنْهَا (صَلَّى قَاعِدًا فِيهَا) لَفٌّ وَنَشْرٌ أَيْ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ فِيهَا صَلَّى قَاعِدًا وَالْقَادِرُ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْهَا صَلَّى فِيهَا (جَازَتْ) تِلْكَ الصَّلَاةُ يَعْنِي أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْعَجْزُ وَاسْوِدَادُ الْعَيْنِ وَالْغَالِبُ كَالْكَائِنِ لَكِنَّهُ تَرَكَ الْأَفْضَلَ (وَالْأَفْضَلُ الْقِيَامُ) فِي الْأَوَّلِ (وَالْخُرُوجُ) فِي الثَّانِي (لَا تَجُوزُ) الصَّلَاةُ (قَاعِدًا فِي الْمَرْبُوطَةِ فِي الشَّطِّ) بِالْإِجْمَاعِ (إلَّا أَنْ يَدُورَ رَأْسُهُ) فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ. (لَا يَقْتَدِي أَهْلُ سَفِينَةٍ بِإِمَامٍ فِي) سَفِينَةٍ (أُخْرَى) لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ (إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَا) فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا عَلَى الدَّابَّتَيْنِ (الْمُقْتَدِي عَلَى الشَّطِّ وَالْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي السَّفِينَةِ (أَوْ بِالْعَكْسِ لَوْ) كَانَ (بَيْنَهُمَا مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ) كَالطَّرِيقِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْ النَّهْرِ (لَمْ يَجُزْ) الِاقْتِدَاءُ (وَإِلَّا جَازَ) . (بَابُ الْمُسَافِرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا كَالسُّنَنِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَنْزِلُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ. [بَابُ الصَّلَاةِ فِي السَّفِينَةِ] (قَوْلُهُ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ. . . إلَخْ) أَيْ حَالَ جَرَيَانِهَا. (قَوْلُهُ جَازَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا قَاعِدًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْعُذْرُ كَدَوَرَانِ الرَّأْسِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ الْقِيَامُ فِي الْأَوَّلِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي صَلَاتِهِ قَاعِدًا عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ أَسَاءَ. (قَوْلُهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا فِي الْمَرْبُوطَةِ بِالشَّطِّ بِالْإِجْمَاعِ) أَقُولُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي الْمَرْبُوطَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الْمَرْبُوطَةِ قَائِمًا مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ. وَفِي الْإِيضَاحِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً فِي الشَّطِّ وَهِيَ عَلَى قَرَارِ الْأَرْضِ فَصَلَّى قَائِمًا جَازَ؛ لِأَنَّهَا إنْ اسْتَقَرَّتْ عَلَى الْأَرْضِ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً وَيُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ فَهِيَ كَالدَّابَّةِ اهـ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَقَرَّتْ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ كَالسَّرِيرِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ اهـ. وَتَقْيِيدُهُ بِالْمَرْبُوطِ بِالشَّطِّ احْتِرَازًا عَنْ الْمَرْبُوطَةِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ، وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ الرِّيحُ يُحَرِّكُهَا شَدِيدًا فَهِيَ كَالسَّائِرَةِ وَإِلَّا فَكَالْوَاقِفَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَدُورَ رَأْسُهُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ) أَقُولُ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَرَادَ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا كَوْنَهَا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ بِالْإِيمَاءِ فِيهَا اتِّفَاقًا فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُحِيطِ. [إقتداء أَهْل سَفِينَة بِإِمَامِ فِي سَفِينَة أُخْرَى] (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَلَى الدَّابَّتَيْنِ) أَقُولُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اُسْتُحْسِنَ أَنَّهُ يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُمْ إذَا كَانَتْ دَوَابُّهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْ دَابَّةِ الْإِمَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا تَكُونُ الْفُرْجَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ إلَّا بِقَدْرِ الصَّفِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى صَلَاةِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ كَالطَّرِيقِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْ النَّهْرِ) أَطْلَقَ فِي الطَّائِفَةِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمِقْدَارِ نَهْرٍ عَظِيمٍ قُلْت وَالْمُرَادُ بِالْعَظِيمِ مَا يَجْرِي فِيهِ الزَّوْرَقُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِمَامَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ. [بَاب صَلَاة الْمُسَافِرِ] (بَابُ الْمُسَافِرِ) أَيْ بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَأَصْلُ الْمُفَاعَلَةِ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُنَا مِنْ وَاحِدٍ أَوْ نَقُولُ الْمُسَافَرَةُ مِنْ السَّفَرِ وَهُوَ الْكَشْفُ، وَقَدْ حَصَلَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْكَشِفُ لِلطَّرِيقِ وَالطَّرِيقُ تَنْكَشِفُ لَهُ اهـ. كَذَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ لِنَظْمِ الْكَنْزِ. وَأَمَّا الْإِضَافَةُ فِيهِ فَهِيَ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ أَوْ الْفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالسَّفَرُ فِي اللُّغَةِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَهُنَا قَطْعٌ خَاصٌّ

(هُوَ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مُقَامِهِ) أَيْ مَوْضِعَ إقَامَتِهِ أَعَمُّ مِنْ الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ فَإِنَّ الْخَارِجَ مِنْ قَرْيَتِهِ لِلسَّفَرِ مُسَافِرٌ أَيْضًا فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ بُيُوتُ بَلَدِهِ جَمْعُ الْبُيُوتِ إذْ لَوْ بَقِيَ أَمَامَهُ بَيْتٌ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا (قَاصِدًا قَطْعَ مَسَافَةٍ) فَمَنْ جَاوَزَ وَلَمْ يَقْصِدْ أَوْ قَصَدَ وَلَمْ يُجَاوِزْ لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا (تُقْطَعُ) أَيْ مِنْ شَأْنِ تِلْكَ الْمَسَافَةِ أَنْ تُقْطَعَ (بِسَيْرٍ وَسَطٍ) اُعْتُبِرَ فِي الْوَسَطِ لِلْبَرِّ سَيْرُ الْإِبِلِ وَالرَّاجِلِ وَلِلْبَحْرِ اعْتِدَالُ الرِّيحِ وَلِلْجَبَلِ مَا يَلِيقُ بِهِ (فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ) مَعْنَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا السَّيْرُ الَّذِي يَكُونُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ دَائِمًا بَلْ يَمْشِي فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيَسْتَرِيحُ فِي بَعْضِهَا وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلِكَوْنِ اللَّيَالِي مِنْ أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ تُرِكَتْ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ وَذُكِرَتْ فِي بَعْضِهَا (وَيُرَخَّصُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسَافِرِ (وَلَوْ) كَانَ (عَاصِيًا فِيهِ) أَيْ فِي سَفَرِهِ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَسَفَرِ الْمَرْأَةِ لِلْحَجِّ بِلَا مَحْرَمٍ وَسَفَرِ الْعَبْدِ الْآبِقِ مِنْ مَوْلَاهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا السَّفَرُ لَا يُفِيدُ الرُّخْصَةَ (قَصْرُ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ) فَاعِلُ يُرَخَّصُ قَيَّدَ بِالْفَرْضِ إذْ لَا قَصْرَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ مَنْ جَاوَزَ بُيُوتَ مُقَامِهِ. . . إلَخْ) لَا يَشْمَلُ أَهْلَ الْأَخْبِيَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مُجَاوَزَةُ بَيْتٍ بَلْ انْتِقَالٌ عَنْ مَحَلِّهِ اهـ. وَيَدْخُلُ مَا كَانَ مِنْ مَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ وَيَدْخُلُ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ رَبَضُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالرَّبَضُ مَا حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِنْ بُيُوتٍ وَمَسَاكِنَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَمَّا فِنَاءُ الْمِصْرِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ كَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَدَفْنِ الْمَوْتَى فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ، وَقَدْ فَصَّلَ فِيهِ قَاضِي خَانْ فَقَالَ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْمِصْرِ وَفِنَائِهِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ غَلْوَةٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْمِصْرِ وَفِنَائِهِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ عُمْرَانُ الْمِصْرِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَ هَذَا الِانْفِصَالُ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ قَرْيَةٍ وَمِصْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْقُرَى مُتَّصِلَةً بِرَبَضِ الْمِصْرِ فَالْمُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْقُرَى هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ مُتَّصِلَةً بِفِنَاءِ الْمِصْرِ لَا بِرَبَضِ الْمِصْرِ يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْفِنَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ الْقَرْيَةِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ فَفِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ أَيْ الْهِدَايَةِ إرْسَالٌ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَلَوْ ادَّعَيْنَا ثُبُوتَ تِلْكَ الْقُرَى دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الْمِصْرِ انْدَفَعَ هَذَا لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ لَوْ بَقِيَ أَمَامَهُ بَيْتٌ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُحَاذَاةُ الْعُمْرَانِ لِأَحَدِ جَانِبَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ. (قَوْلُهُ قَاصِدًا قَطْعَ مَسَافَةٍ) أَقُولُ أَيْ وَهُوَ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ حَتَّى لَوْ خَرَجَ صَبِيٌّ وَكَافِرٌ قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَفِي أَثْنَائِهَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ يَقْصُرُ الَّذِي أَسْلَمَ فِيمَا بَقِيَ وَيُتِمُّ الَّذِي بَلَغَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ الصَّبِيِّ حَيْثُ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِخِلَافِ النَّصْرَانِيِّ وَالْبَاقِي بَعْدَ صِحَّةِ النِّيَّةِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ لَكِنْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُصَلِّي أَرْبَعًا هُوَ الصَّحِيحُ اهـ قُلْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَا تَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ الَّذِي أَسْلَمَ فَكَانَ حَقُّهَا الْقَصْرَ مِثْلَهُ اهـ. وَهَذَا أَيْ كَوْنُهُ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ أَحَدَ شُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ لِصِحَّةِ النِّيَّةِ ذَكَرَهَا الْمَقْدِسِيُّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ وَثَانِيهَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْحُكْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ التَّابِعِ وَثَالِثُهَا أَنْ يَنْوِيَ سَفَرًا صَحِيحًا وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَمَا فَوْقَهَا وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ وَلِلْبَحْرِ اعْتِدَالُ الرِّيحِ) هَذَا مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَمْ يَذْكُرْ مَسِيرَ السَّفَرِ فِي الْمَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَقُولُ الْمُرَادُ مَنْ قَصَرَ أَيَّامَ السَّنَةِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ بِالْمَرَاحِلِ وَلَا الْفَرَاسِخِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْفَرَاسِخِ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. . وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُمْ قَدَّرُوهَا بِالْفَرَاسِخِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ اخْتَارَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ تَقْدِيرَ أَقَلِّ مُدَّةِ السَّفَرِ بِالْأَمْيَالِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ بِثَلَاثَةٍ وَسِتِّينَ مِيلًا، وَقِيلَ يُفْتَى بِأَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ، وَقِيلَ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا. وَفِي الْمُجْتَبَى فَتْوَى أَكْثَرِ أَئِمَّةِ خَوَارِزْمَ عَلَى خَمْسَةَ عَشْرَةَ فَرْسَخًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْفَرَاسِخِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَنَا أَعْجَبُ مِنْ فَتْوَاهُمْ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْإِمَامِ خُصُوصًا الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَعَ الِاسْتِرَاحَاتِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَفَرُ كُلِّ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ حَتَّى لَوْ بَكَّرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَمَشَى إلَى الزَّوَالِ وَبَلَغَ الْمَرْحَلَةَ وَنَزَلَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَاتَ فِيهَا ثُمَّ فَعَلَ كَذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ يَصِيرُ مُسَافِرًا اهـ. وَهُوَ تَصْحِيحُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَاصِيًا فِيهِ) أَقُولُ خِلَافَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لَا فِي سَفَرِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاصِيَ فِي سَفَرِهِ يَقْصُرُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ كَقَطْعِ الطَّرِيقِ. . . إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلْعَاصِي فِي سَفَرِهِ بِأَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْعِصْيَانُ فِي السَّفَرِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ بِأَنْ ابْتَدَأَهُ مُلْتَبِسًا بِالْمَعْصِيَةِ. (قَوْلُهُ قَصْرُ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ فَاعِلُ يُرَخَّصُ)

السُّنَنِ وَبِالرُّبَاعِيِّ لِيُخْرِجَ الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ ضَمَّ إلَى كُلِّ صَلَاةٍ مِثْلَهَا غَيْرَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا وِتْرًا لِنَهَارٍ ثُمَّ زِيدَتْ فِي الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ» (حَتَّى يَدْخُلَ مُقَامَهُ) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ وَيُرَخَّصُ (أَوْ يَنْوِي إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ) تَقْيِيدُهُ بِهِمَا إشْعَارٌ بِأَنَّ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ لَا تَصِحُّ فِي الْمَفَاوِزِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ قَالَ فِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا إذَا سَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَإِنْ لَمْ يَسِرْ ثَلَاثَةً تَصِحُّ (فَيَقْصُرَ) أَيْ إذَا كَانَ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ مُقَدَّرَةً بِنِصْفِ شَهْرٍ لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ فِيمَا دُونَهُ فَيَقْصُرَ (إنْ نَوَى) الْإِقَامَةَ (فِي أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ (أَوْ فِيهِ) لَكِنْ (بِمَوْضِعَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ) كَمَكَّةَ وَمِنًى فَإِنَّهُ يَقْصُرُ إذْ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا فَأَمَّا إذَا تَبِعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِأَنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ قَرِيبَةً مِنْ الْمِصْرِ بِحَيْثُ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى سَاكِنِهَا فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِمَا فَيُتِمُّ بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَوْضِعٍ وَاحِدٍ، كَذَا فِي التُّحْفَةِ (أَوْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِهَا) أَيْ الْإِقَامَةَ ثَمَّةَ بَلْ هُوَ عَلَى عَزْمِ أَنْ يَخْرُجَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ (وَبَقِيَ سِنِينَ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَقْصُرُ (وَعَسْكَرَ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ يَقْصُرُ أَيْ يَقْصُرُ عَسْكَرٌ دَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَنَوَاهَا) أَيْ الْإِقَامَةَ بِدَارِ الْحَرْبِ نِصْفَ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ (وَإِنْ حَاصَرُوا حِصْنًا فِيهَا) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ الْقَرَارِ وَالْفِرَارِ لَكِنْ مَنْ دَخَلَ فِيهَا بِأَمَانٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ صَحَّتْ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (أَوْ) نَوَاهَا (بِدَارِنَا وَحَاصَرَ الْبُغَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا) أَيْ مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ فَإِنَّهُمْ أَيْضًا يَقْصُرُونَ وَلَا تَجُوزُ إقَامَتُهُمْ. (لَا أَهْلُ أَخْبِيَةٍ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ يَقْصُرُ أَيْ لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ أَهْلُ أَخْبِيَةٍ كَالْأَعْرَابِ وَالْأَتْرَاكِ وَهُوَ جَمْعُ خِبَاءٍ وَهُوَ بَيْتٌ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ (نَوَوْهَا) أَيْ الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (فِي الْأَصَحِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ لَعَلَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ يُرَخَّصُ وَسَقَطَ الْمُضَافُ فِي خَطِّ النَّاسِخِ أَوْ هُوَ عَلَى مَذْهَبِ الزَّمَخْشَرِيِّ. (قَوْلُهُ غَيْرَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ) الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ قَوْلِهِ الصَّلَاةُ فُرِضَتْ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَجْرَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عُمُومِ الضَّمِّ. (قَوْلُهُ ثُمَّ زِيدَتْ فِي الْحَضَرِ) فِيهِ تَسَامُحٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ ضُمَّ إلَى كُلِّ صَلَاةٍ مِثْلُهَا. (قَوْلُهُ وَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَصْرَ عَزِيمَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَنْ حَكَى خِلَافًا بَيْنَ الشَّارِحِينَ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ فَقَطْ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ رُخْصَةٌ عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ وَهِيَ الْعَزِيمَةُ وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً مَجَازٌ وَهَذَا بَحْثٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ أَوْ يَنْوِيَ إقَامَةَ نِصْفِ شَهْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى إنَّمَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ تَرْكُ السَّيْرِ وَصَلَاحِيَةُ الْمَوْضِعِ وَاتِّحَادُهُ وَالْمُدَّةُ وَالِاسْتِقْلَالُ بِالرَّأْيِ اهـ قُلْت وَهِيَ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ) أَقُولُ لَكِنَّهُ قَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ قُلْتُ وَظَاهِرُهُ شُمُولُ أَهْلِ الْأَخْبِيَةِ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنْ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إنَّهُ أَيْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْأَصَحُّ فَفِيهِ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ مِنْ الْعَسْكَرِ قَبْلَ الْفَتْحِ اهـ. وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِمَّا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ فِطْرُهُ رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ اهـ. وَقَالَ الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى لَا يَبْطُلُ السَّفَرُ إلَّا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ دُخُولِ الْوَطَنِ أَوْ الرُّجُوعِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمِصْرِ مُطْلَقًا وَسَاقَ فِي اسْتِدْلَالِهِ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالْكُوفَةُ بِمَرْأًى مِنْهُمْ فَقِيلَ لَهُ إلَخْ. اهـ. قُلْت وَمَا اسْتَظْهَرَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ مَا لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ مُدَّةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي التُّحْفَةِ) أَقُولُ. وَفِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ بَلَدًا وَلَمْ يَنْوِهَا) أَقُولُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَمِيرَ الْقَافِلَةِ لَا يَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى الْإِقَامَةِ وَلِسَانُ الْحَالِ أَنْطَقُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ أَوْ حَاصَرَ الْبُغَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا) أَقُولُ، كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْهَا الْهِدَايَةُ قَالَ، وَكَذَا أَيْ يَقْصُرُونَ إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ يُبْطِلُ عَزِيمَتَهُمْ اهـ فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمُحَاصَرَةُ بِمِصْرٍ صَحَّتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي غَيْرِ مِصْرٍ وَقَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ لَيْسَ بِقَيْدٍ حَتَّى لَوْ نَزَلُوا مَدِينَةَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَحَاصَرُوهُمْ فِي الْحِصْنِ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَدِينَتَهُمْ كَالْمَفَازَةِ عِنْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يُقِيمُونَ فِيهَا اهـ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْمَقْدِسِيُّ وَالْغَزِّيُّ لِهَذَا. (قَوْلُهُ وَهُوَ جَمْعُ خِبَاءٍ وَهُوَ بَيْتٌ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ) أَقُولُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّعْرِ فَلَيْسَ بِخِبَاءٍ كَمَا فِي ضِيَاءِ الْحَلُومِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْخِبَاءُ الْخَيْمَةُ مِنْ الصُّوفِ اهـ. وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَعَمُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ

[اقتداء المسافر بالمقيم]

احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُمْ بَلْ يَقْصُرُونَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ أَوْ فِي الْقُرَى وَالْأَصَحُّ الْمُفْتَى بِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرُّعَاةَ إذَا كَانُوا فِي تَرْحَالٍ مِنْ الْمَفَاوِزِ كَانُوا مُسَافِرِينَ إلَّا إذَا نَزَلُوا مَرْعًى وَعَزَمُوا عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُمْ مُقِيمِينَ. (وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَقْصُرُوا وَالضَّمِيرُ لِلْمُسَافِرِ أَيْ إنْ لَمْ يَقْصُرْ الْمُسَافِرُ بَلْ أَتَمَّ الْأَرْبَعَ (فَإِنْ قَعَدَ الْأُولَى تَمَّ فَرْضُهُ) ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ ثِنْتَانِ فَالْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضٌ عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَتْ يَتِمُّ فَرْضُهُ. (وَ) لَكِنَّهُ (أَسَاءَ) لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ وَتَرْكِهِ وَاجِبَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فِي النَّفْلِ وَشَبَهُهُ عَدَمُ قَبُولِ صَدَقَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِأَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَحُكْمُهُ أَنْ يَأْثَمَ الْعَامِلُ بِالْعَزِيمَةِ (وَمَا زَادَ) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (نَفْلٌ وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ الْأُولَى (بَطَلَ فَرْضُهُ) وَانْقَلَبَ الْكُلُّ نَفْلًا لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ تَرْكُ فَرْضٍ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ افْتَتَحَهَا الْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ أَعَادَ حَتَّى يَفْتَتِحَهَا بِنِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ الرَّازِيّ وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَقَدْ خَالَفَ فَرْضَهُ كَنِيَّةِ الْفَجْرِ أَرْبَعًا، وَلَوْ نَوَاهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَاهَا أَرْبَعًا بَعْدَ الِافْتِتَاحِ فَهِيَ مُلْغَاةٌ كَمَنْ افْتَتَحَ الظُّهْرَ ثُمَّ نَوَى الْعَصْرَ، كَذَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ فَقِيلَ الْأَفْضَلُ هُوَ التَّرْكُ تَرَخُّصًا، وَقِيلَ الْفِعْلُ تَقَرُّبًا. وَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْفِعْلُ حَالَ النُّزُولِ وَالتَّرْكُ حَالَ السَّيْرِ، وَقِيلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ خَاصَّةً، وَقِيلَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ أَيْضًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ) اقْتِدَاؤُهُ (وَأَتَمَّ) مَا شَرَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الِاقْتِدَاءِ مِنْ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي حَقِّ وُجُوبِ التَّكْمِيلِ (لَا بَعْدَهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ) أَيْ لَا يَقْتَدِي الْمُسَافِرُ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ الْوَقْتِ فِي فَرْضٍ يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ (وَهُوَ الرُّبَاعِيُّ) وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُ بِهِ فِيهِمَا يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ بَعْدَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَغَيَّرُ لِاسْتِلْزَامِهِ بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ حُكْمًا أَمَّا فِي الْقَعْدَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ إذْ الْقَعْدَةُ فَرْضٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِ نَفْلٌ عَلَى إمَامٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُقْتَدِي وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. (وَعَكْسُهُ) أَيْ إنْ اقْتَدَى الْمُقِيمُ بِالْمُسَافِرِ (صَحَّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُقِيمِ لَا يَتَغَيَّرُ عَمَّا كَانَ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِالْمُسَافِرِ فِي الْوَقْتِ كَانَ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَزَلُوا مَرْعًى. . . إلَخْ) أَطْلَقَ فِيهِ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ تِلْكَ الْمُدَّةَ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ حَتَّى لَا يُخَالِفَ حَالُهُمْ عَزِيمَتَهُمْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَعَدَ فِي الْأُولَى تَمَّ فَرْضُهُ) أَقُولُ يَعْنِي وَكَانَ قَدْ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ تَمَّ فَرْضُهُ سَوَاءٌ نَوَى رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ الْأُولَى بَطَلَ فَرْضُهُ) أَقُولُ إلَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ لَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَتَحَوَّلُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ قَالَ الرَّازِيِّ وَهُوَ قَوْلُنَا) أَقُولُ الْمُرَادُ إسْنَادُ الْقَوْلِ لِلْمُتَكَلِّمِ فَقَطْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ نِيَّةَ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا لَوْ نَوَى الْفَجْرَ أَرْبَعًا فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْعَدَدِ إذَا جَلَسَ آخِرَهَا قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَوْلُ الرَّازِيِّ الْمَنْقُولُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ مُقَابِلٌ لِلْمَذْهَبِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ عَنْ فَرْضِهِ وَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ لَهُ نَافِلَةً وَيَصِيرُ مُسِيئًا بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ وَهَذَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ سِتَّ رَكَعَاتٍ يَنْوِي الظُّهْرَ وَرَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجْزِيهِ عَنْ الْفَرْضِ خَاصَّةً وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجْزِيهِ الصَّلَاةُ وَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِيهَا لَا فَرْضًا وَلَا تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ افْتِتَاحَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الْأُخْرَى فَكَذَا هُنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ وَلَا تَكُونُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْقَلِبُ كُلُّهَا نَفْلًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي السُّنَنِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ حَالُ الْفَرْضِ فَمَا حُكْمُ السُّنَنِ؟ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُجْتَبَى. [اقْتِدَاء الْمُسَافِر بِالْمُقِيمِ] (قَوْلُهُ اقْتَدَى مُسَافِرٌ بِمُقِيمٍ فِي الْوَقْتِ صَحَّ وَأَتَمَّ) أَقُولُ أَيْ سَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ كُلِّهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَسَوَاءٌ أَتَمَّ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَإِذَا أَفْسَدَ صَلَاتَهُ بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لِزَوَالِ الِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَدَى مُتَنَفِّلٌ بِمُفْتَرِضٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا إذَا أَفْسَدَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ سِوَى إسْقَاطَ فَرْضِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا حَيْثُ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُ الْإِمَامِ إلَى الْأَرْبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَارَ مُقْتَدِيًا بِخَلِيفَتِهِ الْمُقِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُؤْتَمُّ الْمُسْتَخْلِفُ خَلِيفَةً عَنْ الْمُسَافِرِ كَانَ الْمُسَافِرُ كَأَنَّهُ الْإِمَامُ فَيَأْخُذُ الْخَلِيفَةُ صِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ أَوْ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ إنْ اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْإِمَامُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَقَرَأَ فِي الْآخَرَيْنِ فَاقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ بِالْقَضَاءِ تَلْحَقُ الْقِرَاءَةُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَيَبْقَى الثَّانِي خَالِيًا عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَانَ بِنَاءُ الْمَوْجُودِ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. [اقْتِدَاء الْمُقِيم بِالْمُسَافِرِ] (قَوْلُهُ كَانَ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ

اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَكَذَا لَوْ اقْتَضَى بَعْدَ الْوَقْتِ ثُمَّ إنَّ الْمُقِيمَ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ إذَا قَامَ إلَى الْإِتْمَامِ لَا يَقْرَأُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ كَاللَّاحِقِ حَيْثُ أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ مَعَ الْإِمَامِ وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ صَارَ مُؤَدًّى بِقِرَاءَةِ إمَامِهِ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ بِالشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِ، وَإِنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ قِرَاءَةَ نَافِلَةٍ (وَأَتَمَّ الْمُقِيمُ) الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي سَفَرِهِ بِالنَّاسِ، وَقَالَ حِينَ سَلَّمَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّا قَوْمٌ سُفْرٌ» . (وَنُدِبَ أَنْ يَقُولَ) الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ (أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنِّي مُسَافِرٌ) كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (السَّفَرُ وَالْحَضَرُ لَا يُغَيِّرَانِ الْفَائِتَةَ) أَيْ إذَا قَضَى فَائِتَةَ السَّفَرِ فِي الْحَضَرِ يَقْصُرُ وَإِذَا قَضَى فَائِتَةَ الْحَضَرِ فِي السَّفَرِ يُتِمُّ (وَالْعِبْرَةُ فِي تَغْيِيرِ الْفَرْضِ بِآخِرِ الْوَقْتِ) فَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ مُسَافِرٌ أُوجِبَ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ قَبْلُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (يَبْطُلُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ بِمِثْلِهِ فَقَطْ، وَ) يَبْطُلُ (وَظَنُّ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ وَالسَّفَرِ وَالْأَصْلِيِّ) الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْمَسْكَنُ وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ مَوْضِعٌ نَوَى أَنْ يَتَمَكَّنَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّخِذَهُ مَسْكَنًا فَإِذَا كَانَ لِشَخْصٍ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ فَإِنْ اتَّخَذَ وَطَنًا أَصْلِيًّا آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ السَّفَرِ أَوْ لَا بَطَلَ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ الْأَوَّلُ حَتَّى لَوْ دَخَلَهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا يُبْطِلُ الْوَطَنَ الْأَصْلِيَّ السَّفَرُ حَتَّى لَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ إلَيْهِ يَصِيرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ. وَأَمَّا وَطَنُ الْإِقَامَةِ فَيَبْطُلُ بِمِثْلِهِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ وَطَنَ إقَامَةٍ اتَّخَذَهُ وَطَنًا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَكَذَا إذَا سَافَرَ عَنْهُ أَوْ انْتَقَلَ إلَى وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ (الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْأَصْلِ لَا التَّبَعِ) يَعْنِي إذَا نَوَى الْأَصْلُ السَّفَرَ أَوْ الْإِقَامَةَ يَكُونُ التَّبَعُ كَذَلِكَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ اسْتِقْلَالًا (كَالْمَرْأَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ) أَقُولُ الْقَعْدَةُ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْمَ النَّفْلِ مَجَازًا لِاشْتِرَاكِ الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ فِي عَدَمِ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالتَّرْكِ. (قَوْلُهُ لَا يَقْرَأُ فِي الْأَصَحِّ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ حَيْثُ قَالُوا يَقْرَأُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَسْبُوقِ وَلِهَذَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَلَوْ سَهَا فِيمَا يُتِمُّ سَجَدَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقْتَدٍ فَيَقْرَأُ السُّورَةَ مَعَ الْفَاتِحَةِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَلَوْ سَهَا فِيمَا يُتِمُّ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَاللَّاحِقِ فَإِنَّهُمْ أَدْرَكُوا أَوَّلَ الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَمَّ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. قُلْت فَوُجُوبُ الْقِرَاءَةِ ضَعِيفٌ وَالِاسْتِشْهَادُ لَهُ بِوُجُوبِ السَّهْوِ اسْتِشْهَادٌ بِضَعِيفٍ مُوهِمٍ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ قَوْمٌ سَفْرٌ) أَيْ مُسَافِرُونَ جَمْعُ مُسَافِرٍ كَرَكْبٍ وَصَحْبٍ فِي رَاكِبٍ وَصَاحِبٍ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ قَبْلَ شُرُوعِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَإِذَا لَمْ يُخْبِرْ أَخْبَرَ بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي السِّرَاجِ. وَقَالَ الْكَمَالُ مُعَلِّلًا لِلِاسْتِحْبَابِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ خَلْفَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَا يَتَسَيَّرُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ بِالْإِمَامِ قَبْلَ ذَهَابِهِ فَيَحْكُمُ حِينَئِذٍ بِفَسَادِ صَلَاةِ نَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ إقَامَةِ الْإِمَامِ ثُمَّ إفْسَادُهُ بِسَلَامِهِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتَاوَى أَيْ كَقَاضِي خَانْ إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ لَا يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَوْ مُقِيمٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحَالِ الْإِمَامِ شَرْطُ الْأَدَاءِ بِجَمَاعَةٍ اهـ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْإِمَامِ مُسْتَحَبًّا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مُعَرِّفًا صِحَّةَ صَلَاتِهِ لَهُمْ لِحُصُولِهِ بِالسُّؤَالِ مِنْهُ. (قَوْلُهُ بِآخِرِ الْوَقْتِ) أَقُولُ وَهُوَ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ. (قَوْلُهُ الْوَطَنُ الْأَصْلِيُّ) هُوَ الْمَسْكَنُ أَرَادَ بِهِ الْأَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا عِيَالَ لَهُ أَوْ بِأَهْلِهِ كَأَنْ تَأَهَّلَ فِيهِ وَمِنْ قَصْدِهِ التَّعَيُّشُ لَا الِارْتِحَالُ، وَكَذَا مَحَلُّ مَوْلِدِهِ وَطَنٌ أَصْلِيٌّ وَهَذَا الْوَطَنُ وَطَنُ الْقَرَارِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اتَّخَذَ وَطَنًا أَصْلِيًّا آخَرَ) أَيْ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ أَهْلٌ إذْ لَوْ بَقِيَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَطَنًا أَصْلِيًّا لَهُ. (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهَا مُدَّةُ سَفَرٍ أَوْ لَا) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَتَقْدِيمُ السَّفَرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْأَصْلِيِّ بِالْإِجْمَاعِ وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ لِثُبُوتِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي أُخْرَى إنَّمَا يَصِيرُ الْوَطَنُ وَطَنَ إقَامَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ سَفَرٌ وَيَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَارَ إلَيْهِ مِنْهُ مُدَّةُ سَفَرٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ لَا لِقَصْدِ السَّفَرِ فَوَصَلَ إلَى قَرْيَةٍ وَنَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا تَصِيرُ تِلْكَ الْقَرْيَةُ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ السَّفَرِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ السَّفَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَهُ) أَيْ بَعْدَ مَا خَرَجَ مُسَافِرًا لَا يَصِيرُ مُقِيمًا إلَّا بِالنِّيَّةِ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ وَطَنَ إقَامَةٍ اتَّخَذَهُ وَطَنًا بَعْدَ الْأَوَّلِ) أَيْ بَعْدَ وَطَنِ الْإِقَامَةِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ بَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ نِيَّةِ السَّفَرِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا سَافَرَ) أَيْ، وَكَذَا يَبْطُلُ وَطَنُ الْإِقَامَةِ إذَا سَافَرَ عَنْهُ أَوْ انْتَقَلَ إلَى وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِوَطَنِ السُّكْنَى تَبَعًا لِلْمُحَقِّقِينَ قَالُوا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُسَافِرًا عَلَى حَالِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَعَامَّتُهُمْ أَيْ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فَائِدَتَهُ وَنَاقَشَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ الْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْأَصْلِ لَا التَّبَعِ) أَقُولُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَرْطِ عِلْمِ التَّبَعِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْأَحْوَطُ كَمَا فِي الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عِلْمُ التَّبَعِ لِتَوَقُّفِ الْخِطَابِ بِالْحُكْمِ عَلَى

[باب صلاة الجمعة]

مَعَ زَوْجِهَا) فَإِنَّهَا تَكُونُ تَبَعًا لَهُ إذَا كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً بِمَهْرِهَا وَإِلَّا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَالْعَبْدُ مَعَ مَوْلَاهُ وَالْجُنْدِيُّ مَعَ الْأَمِيرِ) الَّذِي يَلِي عَلَيْهِ وَرِزْقُهُ مِنْهُ وَمِثْلُهُ الْأَمِيرُ مَعَ الْخَلِيفَةِ (وَالْأَجِيرُ مَعَ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ) وَرِزْقُهُ مِنْهُ. (السُّلْطَانُ إذَا سَافَرَ قَصَرَ إلَّا إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا (أَوْ طَلَبَ الْعَدُوَّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنْ يُدْرِكَهُ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ مُسَافِرًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (وَفِي الرُّجُوعِ يَقْصُرُ) إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْزِلِهِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ. (سَافَرَ كَافِرٌ وَصَبِيٌّ مَعَ أَبِيهِ) أَيْ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (فَأَسْلَمَ) الْكَافِرُ (وَبَلَغَ) الصَّبِيُّ (وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنْزِلِهِمَا) أَيْ مَقْصِدِهِمَا بِالسَّفَرِ (أَقَلُّ مِنْ الْمُدَّةِ قَالُوا) أَيْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ (الْمُسْلِمُ يَقْصُرُ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ السَّفَرِ (وَالصَّبِيُّ يُتِمُّ) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْكَافِرِ مُعْتَبَرَةٌ فَكَانَ مُسَافِرًا مِنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ مُسَافِرًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ بِمُدَّةِ السَّفَرِ (وَقِيلَ يُتِمَّانِ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْعِبْرَةِ بِنِيَّةِ الْكَافِرِ (أَيْضًا، وَقِيلَ يَقْصُرَانِ) بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الِابْنِ لِلْأَبِ الْمُسَافِرِ. (بَابُ الْجُمُعَةِ) (هِيَ فَرِيضَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ إلَى شَيْءٍ خَالِيًا عَنْ الصَّارِفِ لَا يَكُونُ إلَّا لِإِيجَابِهِ (شَرْطُ صِحَّتِهَا الْمِصْرُ) فَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَهُوَ مَا لَا يَسَعُ أَكْبَرُ مَسَاجِدِهِ أَهْلَهُ) يَعْنِي مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا سُكَّانُهُ مُطْلَقًا (أَوْ مَا لَهُ مُفْتٍ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَأَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ بِهِ. (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً بِمَهْرِهَا) أَيْ مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ أَوْ مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ. (قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجُنْدِيُّ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْكَنْزِ قَصْرُ التَّبَعِ عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْجُنْدِيِّ بَلْ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ تَبَعًا لِإِنْسَانٍ وَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ فَيَدْخُلُ الْأَجِيرُ مَعَ مُسْتَأْجِرِهِ وَالْمَحْمُولُ مَعَ حَامِلِهِ وَالْغَرِيمُ مَعَ صَاحِبِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا مُفْلِسًا وَالْأَعْمَى مَعَ قَائِدِهِ الْمُتَطَوِّعِ بِقَوْدِهِ. اهـ. قُلْتُ لَا يَخْفَى عَدَمُ اطِّرَادِ الْعِلَّةِ فِي الْجَمِيعِ. (قَوْلُهُ سَافَرَ كَافِرٌ وَصَبِيٌّ مَعَ أَبِيهِ) الصُّورَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الْكَمَالِ فِيمَا إذَا خَرَجَ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ وَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بِهِ فَإِنَّ التَّبَعِيَّةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ لُزُومِ حُكْمِ السَّفَرِ فِي حَقِّهِ وَإِذَا بَلَغَ انْقَطَعَتْ التَّبَعِيَّةُ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَقْصُرَانِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الِابْنِ لِلْأَبِ الْمُسَافِرِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّبَعِيَّةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ قَصَرَ إنَّمَا ذَلِكَ تَخَلُّقٌ لَا لُزُومٌ فِي حَقِّهِ. [بَاب صَلَاة الْجُمُعَةِ] (بَابُ الْجُمُعَةِ) جُمُعَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: الْمِيمُ سَاكِنَةٌ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْقُرَّاءُ تَضُمُّهَا اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: ضَمُّ الْمِيمِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عَقِيلٍ وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٌ وَجُمُعَاتٌ مِثْلُ غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ أُضِيفَ إلَيْهَا الْيَوْمُ وَالصَّلَاةُ ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى حُذِفَ مِنْهَا الْمُضَافُ. (قَوْلُهُ هِيَ فَرْضٌ) قَالَ الْكَاكِيُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ جَاحِدُهَا كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ غَلَطٌ ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَشَرْحِ الْوَجِيزِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ الْجُمُعَةُ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا، وَذَكَرَ الْأَدِلَّةَ ثُمَّ قَالَ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِكْثَارِ لِمَا نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يُنْسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ افْتِرَاضِهَا وَمُنْشَأُ غَلَطِهِمْ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ فَالْحُرْمَةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ وَصِحَّةُ الظُّهْرِ لِمَا سَنَذْكُرُ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا فَرْضٌ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ وَبِإِكْفَارِ جَاحِدِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ شَرْطُ صِحَّتِهَا. . . إلَخْ) أَقُولُ فَجُمْلَةُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ سِتَّةٌ الْمِصْرُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْخُطْبَةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْوَقْتُ وَالْأَذَانُ الْعَامُّ. (قَوْلُهُ أَوْ مَا لَهُ مُفْتٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ) أَقُولُ لَكِنَّهُ زَادَ فِيهِ وَبَلَغَتْ أَبْنِيَتُهُ أَبْنِيَةَ مِنًى اهـ. وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرُ يُفْتِي أَغْنَى عَنْ التَّعَدُّدِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ وَأَمِيرٌ) الْمُرَادُ بِالْأَمِيرِ وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ إقَامَةَ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ قَاضِيَةً تُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَلَيْسَ لَهَا إقَامَةُ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَنْ الْقِصَاصِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ إقَامَتَهَا مَلَكَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَ قَاضِيهَا أَوْ أَمِيرُهَا امْرَأَةً لَا تَكُونُ مِصْرًا فَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ سُلْطَانًا فَأَمَّرَتْ رَجُلًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ حَتَّى صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ إنَابَتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ سُلْطَانًا وَقَاضِيًا فِي الْجُمْلَةِ. اهـ. قُلْتُ وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَائِبِ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً لَا فِي السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً

وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ (أَوْ فِنَاؤُهُ) عَطْفٌ عَلَى الْمِصْرِ وَالضَّمِيرُ لَهُ (وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ) أَيْ الْمِصْرِ (مُعَدٌّ لِمَصَالِحِهِ) كَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَجَمْعِ الْعَسْكَرِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا (السُّلْطَانُ أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ (مَاتَ وَالِي الْمِصْرِ فَجَمَّعَ) أَيْ أَقَامَ الْجُمُعَةَ (بِهِمْ خَلِيفَةُ) أَيْ الْمَيِّتِ (أَوْ صَاحِبِ الشَّرَطِ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ شِحْنَةٌ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا (أَوْ الْقَاضِي جَازَ) ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْعَامَّةِ مُفَوَّضٌ إلَيْهِمْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ (وَلَا عِبْرَةَ لِنَصْبِ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ ذُكِرَ) مِنْ خَلِيفَةِ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبِ الشُّرَطِ أَوْ الْقَاضِي. (وَجَازَتْ) الْجُمُعَةُ (بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِلْخَلِيفَةِ أَوْ أَمِيرِ الْحِجَازِ) وَهُوَ السُّلْطَانُ بِمَكَّةَ (فَقَطْ) قَيْدٌ لِلْمَجْمُوعِ أَيْ لَا تَجُوزُ بِعَرَفَاتٍ وَلَا بِمِنًى فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ وَلَا بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِأَمِيرِ الْحَاجِّ. . (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَسْكُنُ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ نَفَرٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ. وَقِيلَ يُوجَدُ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَفِي الْمِصْرِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ. (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ) أَقُولُ الصَّوَابُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْجِيمِ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ هَذَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِي كَلَامِهِ ثُمَّ قَالَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ. . . إلَخْ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِوَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعْرِيفِ الْمِصْرِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّ الْأَوَّلَ أَيْ التَّعْرِيفَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ. . . إلَخْ هُوَ الظَّاهِرُ أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اهـ لَكِنْ نَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ قَوْلَ الثَّلْجِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ أَنْ لَا قَوْلَ فِي تَعْرِيفِ الْمِصْرِ لِلْإِمَامِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ نَقَلَ الْكَمَالُ تَصْحِيحَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. (قَوْلُهُ أَوْ فِنَاؤُهُ) أَقُولُ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ كَالْقُدُورِيِّ أَوْ مُصَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِ بَلْ جَمِيعُ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ كَالْمِصْرِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ أَيْ الْمِصْرِ) أَقُولُ اتِّصَالُهُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ الْمُنْفَصِلِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَفِنَاؤُهُ هُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ مُتَّصِلٌ بِهِ أَوْ مُنْفَصِلٌ بِغَلْوَةٍ، كَذَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَقَوْلُهُ أَعْنِي الْكَمَالَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ وَجَعَلَهُ تَحْدِيدًا لِلْفِنَاءِ. وَقَالَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ وَكَلَامُ الْكَمَالِ هُنَا فِي بَيَانِ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْفِنَاءِ فَجَعَلَ الْفَاصِلَ قَدْرَ الْغَلْوَةِ وَأَسْنَدَهُ لِمُحَمَّدٍ أَيْضًا فَاخْتَلَفَ الْمَرْوِيُّ بِهَذَا عَنْ النَّوَادِرِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْغَلْوَةِ هُنَا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَقَامِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَمْ يُقَدِّرْ الْفِنَاءَ بِمَسَافَةٍ، وَكَذَا جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْدِلُ عَنْهُ فَإِنَّ الْفِنَاءَ بِحَسَبِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهَا وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ لِبَيَانِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْجَامِعِ الْمَبْنِيِّ عِنْدَ سَبِيلِ عَلَّانَ بِفِنَاءِ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ؛ لِأَنَّ الْفِنَاءَ هُوَ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِفَرْسَخٍ وَبِفَرْسَخَيْنِ وَبِثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَقِيلَ بِمِيلٍ، وَقِيلَ بِمِيلَيْنِ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَقِيلَ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْفِنَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَزْرَعَةٌ اهـ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمِصْرِ وَلَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ وَمَنْ كَانَ فِي مَكَان مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَأْتِيَ الْمِصْرَ فَيُصَلِّيَهَا فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ مِنْ الْمِصْرِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ كُلُّ قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِرَبَضِ الْمِصْرِ وَغَيْرُ الْمُتَّصِلَةِ لَا وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرِ مِيلٍ، وَقِيلَ قَدْرِ مِيلَيْنِ، وَقِيلَ سِتَّةٌ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا حَسَنٌ اهـ. وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إنْ كَانَ عَلَى قَدْرِ فَرْسَخٍ مِنْ الْمِصْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الرَّبَضِ وَيُوجِبُهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ حَدِّ الْإِقَامَةِ الَّذِي مَنْ فَارَقَهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهِ يَصِيرُ مُقِيمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْمِصْرِ وَالْخَارِجُ عَنْ هَذَا الْحَدِّ لَيْسَ أَهْلَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ) هُوَ الْأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْخُطَبَاءُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَدَخَلَ الْعَبْدُ إذَا قُلِّدَ وِلَايَةَ نَاحِيَةٍ فَتَجُوزُ إقَامَتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَقْضِيَتُهُ وَأَنْكِحَتُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ سُلْطَانَةً يَجُوزُ أَمْرُهَا بِالْإِقَامَةِ لَا إقَامَتُهَا اهـ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَجَازَتْ بِمِنًى) ، وَإِنَّمَا لَا يُصَلَّى بِهَا الْعِيدُ لِلتَّخْفِيفِ لَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِصْرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَلَا بِمِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ وَلَيْسَتْ مِنْ

[شروط الجمعة]

(وَقْتُ الظُّهْرِ فَتَبْطُلُ) الْجُمُعَةُ (بِخُرُوجِهِ) أَيْ وَقْتِ الظُّهْرِ فَيُقْضَى الظُّهْرُ وَلَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ. (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا (الْخُطْبَةُ نَحْوُ تَسْبِيحَةٍ) وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَتَيْنِ يَشْتَمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى وَالْأُولَى عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ (قَبْلَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (فِي وَقْتِهَا) فَلَوْ صَلَّى بِلَا خُطْبَةٍ أَوْ بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ فَتُعَادُ فِي وَقْتِهَا. (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا (الْجَمَاعَةُ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ سِوَى الْإِمَامِ فَإِنْ نَفَرُوا) أَيْ تَفَرَّقَ الْجَمَاعَةُ (قَبْلَ سُجُودِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (بَطَلَتْ) الْجُمُعَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَلَزِمَ الْبَدْءُ بِالظُّهْرِ (وَإِنْ بَقِيَ ثَلَاثَةٌ أَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ أَتَمَّهَا) ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَقَدْ انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لَهُ. (وَ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا (الْإِذْنُ الْعَامُّ) أَيْ أَنْ يَأْذَنَ الْأَمِيرُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا حَتَّى لَوْ أَغْلَقَ بَابَ قَصْرِهِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ فَتَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ، وَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ جَازَ وَكُرِهَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ. (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ شَرْطُ صِحَّتِهَا (الْإِقَامَةُ بِمِصْرٍ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ فَفَاقِدُهَا) أَيْ فَاقِدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ (وَنَحْوُهُ) كَالْمُخْتَفِي مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ وَالْمَسْجُونِ (إنْ صَلَّاهَا تَقَعُ فَرْضًا) ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لِأَجْلِهِ تَخْفِيفًا فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ (جَازَتْ) الْجُمُعَةُ (فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمِصْرِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ حَرَجًا بَيِّنًا وَهُوَ مَدْفُوعٌ (الصَّالِحُ لِلْإِمَامَةِ فِي غَيْرِهَا صَالِحٌ فِيهَا فَجَازَتْ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ) . وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَلَنَا أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْوُجُوبُ تَخْفِيفًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِنَائِهَا. [شُرُوط الْجُمُعَةَ] (قَوْلُهُ نَحْوُ تَسْبِيحَةٍ) أَقُولُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ. . . إلَخْ) هُوَ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ لِلتَّوَارُثِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ قَبْلَهَا أَيْ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَقْتُ الظُّهْرِ يُشْتَرَطُ حُضُورُ مُصَلِّي الْجُمُعَةِ وَيَكْفِي لِوُقُوعِهَا الشَّرْطُ حُضُورُ وَاحِدٍ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ شَرْحُ الْكَنْزِ قَالَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ الْجَوْهَرَةِ، ثُمَّ لِلْخُطْبَةِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالثَّانِي بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا: ثُمَّ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ أَيْ الْإِمَامِ فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَنْ تُقَالَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسٍ لَا تُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ أَيْ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ وَفِي الْأَصْلِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَلْيَكُنْ الْمُعْتَبَرُ إحْدَاهُمَا الْمُتَفَرِّعَةَ وَعَلَى الْأُخْرَى لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَا اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ وَحْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ) أَقُولُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُحْرِمُوا مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى رَكَعَ وَلَمْ يُشَارِكُوهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَزَاهُ قَاضِي خَانْ إلَى الْأَصْلِ وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا كَبَّرُوا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ضَعِيفٌ لِنَقْلِ قَاضِي خَانْ لَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ) أَقُولُ وَهَذَا كَالْخُطْبَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِانْعِقَادِ أَنْ يُحْرِمَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فَقَالَ لَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ وَكَبَّرَ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَجُزْ كَأَنَّهُ وَحْدَهُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْأَوَّلُونَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ اهـ. وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ إذَا خَطَبَ وَفَرَغَ فَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَوْمُ وَجَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ إذَا جَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُونَ يُصَلِّي بِهِمْ أَرْبَعًا إلَّا أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ) فَإِنْ وَجَدَ الْأَعْمَى قَائِدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُقْعَدِ، وَإِنْ وَجَدَ حَامِلًا اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ فَفَاقِدُهَا وَنَحْوُهُ كَالْمُخْتَفِي. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي ضَعُفَ مُلْحَقٌ بِالْمَرِيضِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ شُمُولُ مَنْ لَيْسَ حُرًّا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْمَسْجِدِ لِحِفْظِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا كَانَ يَسْعَى اهـ. كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ قُلْت وَمَا بَحَثَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ، وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِي حَالِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ. وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى اهـ

حَضَرُوا تَقَعُ فَرْضًا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ وَالْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إمَامًا لِلرِّجَالِ (وَتَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِهِمْ) أَيْ بِحُضُورِهِمْ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ. (وَكُرِهَ يَوْمَهَا) أَيْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (بِمِصْرٍ) احْتِرَازٌ عَنْ السَّوَادِ (ظُهْرُ مَعْذُورٍ وَمَسْجُونٍ وَمُسَافِرٍ وَأَهْلِ مِصْرٍ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ بِجَمَاعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ظُهْرُ مَعْذُورٍ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ إذْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ صَلَّوْا أَجْزَأَهُمْ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ كَرَاهَةُ ظُهْرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَ) كُرِهَ (ظُهْرُ غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ وَالْمُسَافِرِ (قَبْلَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْإِخْلَالِ (فَإِنْ نَدِمَ) وَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهَا (وَسَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (بَطَلَ ظُهْرُهُ) بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ إلَيْهَا سَوَاءٌ (أَدْرَكَهَا أَوْ لَا) ، وَقَالَا لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَنْقُضُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَتَنْقُضُهُ فَصَارَ كَالْمُتَوَجِّهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا فِي حَقِّ انْتِقَاضِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا وَلَا بِمَعْنَاهُ. (وَمُدْرِكُهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ سُجُودِ السَّهْوِ يُتِمُّهَا) ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» . وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ. (لَا يَسْتَحْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ ابْتِدَاءً) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِلْخُطْبَةِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا وَلَا لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً (بَلْ يَجُوزُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ) وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَسْتَخْلِفُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ، وَقَدْ قَالَ شُرَّاحُهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِانْقِضَائِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ الْخَلِيفَةِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَيْرُ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ وَالْإِمَامَةَ بَعْدَهَا مِنْ أَفْعَالِ السُّلْطَانِ كَالْقَضَاءِ فَلَمْ تَجُزْ لِغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ تَجُزْ وَتَحْقِيقُهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْقَاضِي إلَّا إذَا فَوَّضَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْقَضَاءَ بِالْإِذْنِ فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْإِذْنِ وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ بَعْدَ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ كَمَا مَلَكَ الْقَضَاءَ بِنَفْسِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِحُكْمِ الْإِذْنِ فَيَمْلِكُ بِقَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَعَبَّرَ مَشَايِخُنَا عَنْ هَذَا، وَقَالُوا مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُمْ مِثْلَهُمْ كَمَا قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ) أَقُولُ لَيْسَ مُطَّرِدًا بِالنَّظَرِ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ ظُهْرُ غَيْرِهِمْ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ. (قَوْلُهُ فَإِنْ نَدِمَ وَسَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا) أَقُولُ وَكَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا، وَكَذَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ بِالسَّعْيِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِيهَا بَلْ أَقَامَهَا بَعْدَ السَّعْيِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا فَسَعَى أَوْ كَانَ سَعْيُهُ مُقَارِنًا لِفَرَاغِهَا أَوْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ وَقْتَ الِانْفِصَالِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَا تَبْطُلُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَتَبْطُلُ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخِي وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ بَطَلَ ظُهْرُهُ بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ) أَقُولُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّعْيِ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ فَلَا تَبْطُلُ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ إذَا خَطَا خُطْوَتَيْنِ فِي الْبَيْتِ الْوَاسِعِ يَبْطُلُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ الظُّهْرَ ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَطَلَ ظُهْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الثَّانِيَةِ) قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِي رُكُوعِهَا لَا بَعْدَ الرَّفْعِ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ بَدْءًا. . . إلَخْ) . أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فُهِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَلَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِلَا إذْنٍ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَالْكَثِيرَ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سِيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ مُطْلَقًا وَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ أَيْ الزَّيْلَعِيِّ هَذَا بِمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عُزِلَ نَائِبُ الْمِصْرِ لَا يَحْتَاجُ الْخُطَبَاءُ إلَى إذْنِ الثَّانِي وَلَنَا رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا إتْحَافُ الْأَرِيبِ بِجَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا.

غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَالْفِقْهُ مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ هَلْ تَجُوزُ خَطَابَةُ النَّائِبِ بِحُضُورِ الْأَصِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ كَمَا جَازَ حُكْمُ النَّائِبِ وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ عِنْدَ حُضُورِ الْقَاضِي وَالْمُوَكِّلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ قُلْنَا لَا؛ لِأَنَّ مَدَارَهُمَا حُضُورُ الرَّأْيِ فَإِذَا وُجِدَ جَازَ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي إقَامَتِهَا (إلَّا إذَا أَذِنَ) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ لِلِاسْتِخْلَافِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ. (بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) وَجَبَ السَّعْيُ وَكُرِهَ الْبَيْعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] ، وَقِيلَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّنَّةِ قَبْلَهَا وَمِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ بَلْ يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ لَمْ يَقُلْ وَحَرُمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِوُجُوبِ السَّعْيِ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ وَلِهَذَا أَوْرَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ الْحُرْمَةِ. (وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ) أَيْ صُعُودِهِ إلَى الْمِنْبَرِ (حَرُمَ الصَّلَاةُ وَالْكَلَامُ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ) لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُمَا يُكْرَهَانِ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكُرِهَ الْبَيْعُ) أَقُولُ أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ) أَيْ صَحِيحٌ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَوْرَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. . . إلَخْ) هُوَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَنَظَرَ الْأَتْقَانِيُّ فِي إطْلَاقِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْحُرْمَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ الْأَذَانِ فَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مَا صُورَتُهُ أَقُولُ النَّظَرُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ أَيْضًا لَا تُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ، وَتَصْرِيحُ الطَّحَاوِيِّ بِالْكَرَاهَةِ لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ إذْ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْحُرْمَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا قِيلَ إنَّ السَّعْيَ مَنْدُوبٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَيُفْتَرَضُ السَّعْيُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ إثْمًا وَأَثْقَلُ وِزْرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ) أَيْ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ كَذَا فَسَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبُرْهَانِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْنَى خَرَجَ أَيْ مِنْ الْمَقْصُورَةِ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ. (قَوْلُهُ حَرُمَ الصَّلَاةُ وَالْكَلَامُ) أَقُولُ قَدْ خَالَفَ صَنِيعَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ تَصْرِيحِ الْهِدَايَةِ بِالْحُرْمَةِ فِيهِ وَلَمْ يَتَّبِعْ الْهِدَايَةَ هُنَا بَلْ عَدَلَ إلَى إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ، وَقَدْ صَرَّحْت بِالْكَرَاهَةِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ الْحُرْمَةِ هُنَاكَ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَفْظَ الْحُرْمَةِ هُنَا بَدَلَ الْكَرَاهَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ مَا سِوَى التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ كَلَامٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَحْوَطُ الْإِنْصَاتُ أَيْ مُطْلَقًا اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ الْكَلَامُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا اهـ قُلْت وَيُخَالِفُهُ مَا نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى الِاسْتِمَاعُ إلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالْخَتْمِ وَسَائِرِ الْخُطَبِ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ الِاسْتِمَاعُ إلَى الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْوُلَاةِ. اهـ. قُلْتُ وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى فَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى لِتَقَدُّمِ الشُّرُوعِ عَلَى الْفَتَاوَى. اهـ. وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ حَالَ الْخُطْبَةِ لِلْإِخْلَالِ بِالنَّظْمِ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. وَقَالَ فِي السِّرَاجِ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ اهـ. وَمَنْ بَعُدَ مِنْ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنْ الثَّانِي وَاخْتَارَ ابْنُ سَلَمَةَ السُّكُوتَ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى اخْتَارَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا دِرَاسَةُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرُ فِيهِ فَكَرِهَهُ الْبَعْضُ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يُصَحِّحُ الْكُتُبَ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ بِالْقَلَمِ وَلَا يَحِلُّ لِلسَّامِعِ الْكَلَامُ أَصْلًا، وَإِنْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ اعْلَمْ أَنَّهُ تُعُورِفَ أَنَّ الْمُرَقِّيَ لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ وَأَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضْوَانِ وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَقِّيَ يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يَقُولُ انْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وَضْعِ هَذَا الْمُرَقِّي فِي كُتُبِ أَئِمَّتِنَا. اهـ. قُلْتُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ نُطْقِ الْخَطِيبِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ مُقَابَلَةَ نَقْلٍ بِآخَرَ لَا يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ مُجَرَّدًا عَنْ مُرَجِّحٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ لِلْمُحِيطِ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَوْ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ مَكَانَ قَوْلِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَلَامَ يُكْرَهُ عِنْدَهُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ اهـ.

[باب صلاة العيدين]

وَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ فِي الثَّالِثَةِ أَتَمَّ الْأَرْبَعَ. (فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُنَّ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ قَائِمًا طَاهِرًا) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ (وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ) ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْخُطْبَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَهَا اثْنَانِ، وَإِنْ فُعِلَ جَازَ. (خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ) ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (لَا بَأْسَ فِي السَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا خَرَجَ مِنْ عُمْرَانِ الْبَلَدِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ ثَمَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَصِرْ وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَهُ قَاضِي خَانْ كُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ عَنْوَةً يَخْطُبُ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرِهَا بِالسَّيْفِ يُرِيهِمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَإِذَا رَجَعْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ بَاقٍ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَكُلُّ بَلْدَةٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا يَخْطُبُ الْخَطِيبُ فِيهَا بِلَا سَيْفٍ وَمَدِينَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فُتِحَتْ بِلَا سَيْفٍ فَيَخْطُبُ الْخَطِيبُ بِلَا سَيْفٍ وَمَكَّةُ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَيَخْطُبُونَ بِالسَّيْفِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) (تَجِبُ) صَلَاتُهُمَا (عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا) وُجُوبُهَا رِوَايَةٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعُ. وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَائِتَةِ فَتَجُوزُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ اهـ. وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. اهـ. قُلْت لَعَلَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْفَائِتَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ التَّرْتِيبِ فَصِحَّةُ الْجُمُعَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَضَائِهَا فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ) أَقُولُ الصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهُوَ بِهِ يُتِمُّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الصُّغْرَى وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُبْتَغَى؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاجِبَةٍ اهـ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ حَرُمَ الصَّلَاةُ. . . إلَخْ غَيْرُ مُكَرَّرٍ بِمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْجَهْرِ مِنْ لُزُومِ الْإِنْصَاتِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ بَيَانُ ابْتِدَاءِ الِاسْتِمَاعِ وَانْتِهَائِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ. (قَوْلُهُ وَسُنَّ أَنْ يَخْطُبَ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْجَوَامِعِ يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا) . وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارَ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ) ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَ. وَقَوْلُهُ خَطَبَ صَبِيٌّ. . . إلَخْ فِيهِ رَدٌّ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِلَى الْمِصْرِ إذَا اعْتَلَّ وَأَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ وَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَتْهُ وَأَجْزَأَتْهُمْ اهـ. وَهَذَا نَصٌّ أَيْضًا عَنْ الْمُجْتَهِدِ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ صَرِيحًا وَفِيهِ رَدٌّ لِجَوَابِ سُؤَالِهِ الَّذِي اخْتَرَعَهُ بِمَنْعِهِ خَطَابَةَ النَّائِبِ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ. (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ فِي السَّفَرِ يَوْمَهَا. . . إلَخْ) ، كَذَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي نُورِ الشَّمْعَةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمِصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ النِّدَاءِ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ، وَقِيلَ الثَّانِي وَفِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ أَنَّ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ قَالَ الرَّازِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ قَالَ الْمَقْدِسِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى هَذَا وَيُعْتَبَرَ. اهـ. قُلْتُ وَكَلَامُ التَّهْذِيبِ وَالرَّازِيِّ وَاضِحٌ لِإِطْلَاقِ الْخِطَابِ بِالسَّعْيِ إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ. (قَوْلُهُ الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ. . . إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا. (قَوْلُهُ إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْإِقَامَةَ. (قَوْلُهُ يَخْطُبُ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرِهَا بِالسَّيْفِ) لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ أَخْذِهِ مَعَهُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْخَطِيبَ يَتَقَلَّدَهُ وَنُقِلَ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنْ يَقُومَ وَالسَّيْفُ بِيَسَارِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِ. اهـ. [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] أَيْ وَمُتَعَلَّقِهِمَا وَسُمِّيَ يَوْمُ الْعِيدِ بِالْعِيدِ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ الْعِيدُ يَوْمُ مَجْمَعٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ وَهُمْ يَعُودُونَ إلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ فِي الصِّحَاحِ كَانَ مِنْ حَقِّ جَمْعِهِ أَنْ يُقَالَ أَعْوُدٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ وَلَكِنْ جُمِعَ بِالْيَاءِ لِلُزُومِهَا عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبَةِ اهـ. وَقِيلَ فِي تَسْمِيَتِهِ أَوْجُهٌ أُخَرُ. (قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. . . إلَخْ) فِيهِ إخْرَاجٌ لِلْعِيدِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمَمْلُوكُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِيدُ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْعِيدِ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِيدُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ اهـ قُلْت يُؤَيِّدُهُ مَا جُزِمَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ

أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ (سِوَى الْخُطْبَةِ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ الْعِيدَيْنِ بَلْ سُنَّةٌ وَهِيَ تُخَالِفُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْعِيدِ وَبِأَنَّهَا فِي الْجُمُعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْعِيدِ، وَلَوْ قَدَّمَهَا فِي الْعِيدِ أَيْضًا جَازَ وَلَا تُعَادُ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَتُقَدَّمُ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا) ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بِخِلَافِهِ. (وَ) تُقَدَّمُ (صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ) ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. (وَنُدِبَ يَوْمَ الْفِطْرِ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِيَاكُ وَالِاغْتِسَالُ وَالتَّطَيُّبُ وَلُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ (وَأَدَاءُ الْفِطْرَةِ ثُمَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَفِي التَّعْجِيلِ تَفْرِيغُ قَلْبِ الْفَقِيرِ لِلصَّلَاةِ وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا سُنَّةٌ (وَإِنْ وَسِعَهُمْ الْمَسْجِدُ وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْمِنْبَرِ إلَيْهَا فِي زَمَانِنَا) ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (وَلَا يُكَبَّرُ جَهْرًا فِي طَرِيقِهَا) خِلَافًا لَهُمَا وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ. (وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ صَلَاتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَوْ جَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَخَيَّرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْقَوَاعِدِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي قَوْلٍ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْأَصَحُّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً. اهـ. قُلْتُ: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ. (قَوْلُهُ عِيدَانِ اجْتَمَعَا) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ أَطْلَقَ الْعِيدَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْجُمُعَةَ لِمُشَابَهَةٍ بَيْنَهُمَا فِي حُضُورِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ صَلَاتَهُمَا عَلَى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ الْعُمْرَيْنِ وَالْقَمَرَيْنِ أَوْ نَظَرًا إلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى قَبْلَ الْغَلَبَةِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَقَدْ جَاءَتْ الْجُمُعَةُ بِاسْمِ الْعِيدِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ أَعْيَادٍ أَوْ خَمْسَةٌ» ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ عِيدٌ وَعِيدٌ وَعِيدٌ صِرْنَ مُجْتَمِعَةً ... وَجْهُ الْحَبِيبِ وَيَوْمَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِيدِ) أَيْ فَتَصِحُّ بِدُونِ الْخُطْبَةِ وَلَكِنْ مَعَ الْإِسَاءَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَّمَهَا فِي الْعِيدَيْنِ أَيْضًا جَازَ) أَيْ صَحَّ، وَقَدْ أَسَاءَ (قَوْلُهُ وَتُقَدَّمُ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي تُقَدَّمُ رَاجِعٌ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لَا الْخُطْبَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ. (قَوْلُهُ نُدِبَ يَوْمَ الْفِطْرِ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ) سَوَاءٌ فِيهِ الْقَرَوِيُّ وَالْمِصْرِيُّ مِمَّنْ كَانَ صَائِمًا. وَقَالَ الْكَمَالُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ حُلْوًا لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا» اهـ. وَقَالَهُ فِي الْبَحْرِ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا مِنْ جَمْعِ التَّمْرَ مَعَ اللَّبَنِ وَالْفِطْرِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ. (قَوْلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْيَوْمِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ قَبْلَهَا لَا يَأْثَمُ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ رُبَّمَا يُعَاقَبُ. (قَوْلُهُ وَالِاغْتِسَالُ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَ كَوْنِهِ لِلصَّلَاةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى فَإِنْ قُلْت عُدَّ الْغُسْلُ هَهُنَا مُسْتَحَبًّا وَفِي الطَّهَارَةِ سُنَّةً قُلْت لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَسَمَّاهُ مُسْتَحَبًّا لِاشْتِمَالِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَعَدَّ سَائِرَ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ سُنَّةً. (قَوْلُهُ وَلُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْأَحْسَنِ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ، وَالدَّلِيلُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَسَاقَهُ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ إظْهَارُ الْفَرَحِ وَالْبَشَاشَةِ وَإِكْثَارُ الصَّدَقَةِ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالتَّبْكِيرُ وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالِابْتِكَارُ وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاةُ الْغَدَاةِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ) لَيْسَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ نُدِبَ بَلْ مُسْتَأْنَفٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَسْنُونٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا مَسْنُونٌ. وَأَمَّا الْخُرُوجُ إلَى الصَّلَاةِ مُجَرَّدًا عَنْ كَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالْجَبَّانَةِ فَوَاجِبٌ وَالْمُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مَاشِيًا وَالرُّجُوعُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَالتَّهْنِئَةُ بِتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ لَا تُنْكَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَكَذَا الْمُصَافَحَةُ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَعِنْدَ كُلِّ لُقِيٍّ وَلَنَا فِيهَا رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا سَعَادَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالْمُصَافَحَةِ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. (قَوْلُهُ وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا أَيْ الْجَبَّانَةِ سُنَّةٌ، وَإِنْ وَسِعَهُمْ الْمَسْجِدُ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْمِنْبَرِ. . . إلَخْ) هَذَا بِخِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْمَ الْعِيدِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي بِنَاءِ الْمِنْبَرِ فِي الْجَبَّانَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ وَفِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ. (قَوْلُهُ وَلَا يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا خِلَافًا لَهُمَا) أَقُولُ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْجَهْرُ بِهِ كَقَوْلِهِمَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّكْبِيرُ سِرًّا فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ صَلَاتِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ وَاحِدٍ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ

[وقت صلاة العيد]

لَفَعَلَهُ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ. (وَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قَدْرِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ وَرُوِيَ «أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ» ، وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا أَخَّرَهُ (يُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ مُكَبِّرًا وَمُثْنِيًا قَبْلَ) تَكْبِيرَاتٍ (زَوَائِدَ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» ، وَذَكَرَ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ لَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ ثُمَّ قَالَ وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَيْ الْقُدُورِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْ التَّنَفُّلِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْمُصَلَّى. اهـ. قُلْتُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمُصَلَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ كَمَا كُرِهَ التَّنَفُّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا اتِّفَاقًا وَحَكَى الزَّيْلَعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا فِي الْمُصَلَّى وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ فِيهَا وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ اهـ. وَكَذَلِكَ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْكَمَالِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَفِي الْمُصَلَّى وَالْبَيْتِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً اهـ فَيُتَأَمَّلُ فِيمَا فِيهِمَا مَعَ حِكَايَةِ الزَّيْلَعِيِّ الِاتِّفَاقَ الْمَذْكُورَ اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا قِيلَ يُكْرَهُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ قُلْت إطْلَاقُ حِكَايَتِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ بَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُصَلَّى لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ اهـ قُلْتُ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ فِي الْمُصَلَّى كَمَا حَمَلَ الْكَمَالُ النَّفْيَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَفِي الْخُلَاصَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَ الْكَاكِيُّ أَيْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى مَنْزِلِهِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ نَبْتٍ نَبَتَ وَبِكُلِّ وَرَقَةٍ حَسَنَةً» ، وَقِيلَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا وَالشَّمْسِ وَفِي الثَّالِثَةِ بَعْدَهَا وَاللَّيْلِ وَفِي الرَّابِعَةِ بَعْدَهَا وَالضُّحَى. اهـ. [وَقْت صَلَاة الْعِيد] (قَوْلُهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ مُكَبِّرًا. . . إلَخْ) أَقُولُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى التَّكْبِيرِ لِلِافْتِتَاحِ، وَإِنْ صَحَّ الشُّرُوعُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ لِمَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمَنَافِعِ رِعَايَةُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ وَاجِبٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ دُونَ غَيْرِهَا حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ فِيهَا اللَّهُ أَجَلُّ سَاهِيًا، وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قُلْتُ لَا اخْتِصَاصَ لِلْعِيدِ بِوُجُوبِ افْتِتَاحِ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَقُولُ لَوْ كَبَّرَ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ جَازَ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَكْثَرَ مِنْ تَكْبِيرِ ابْنِ مَسْعُودٍ اتَّبَعَهُ الْمَأْمُومُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَأْثُورَ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَإِذَا زَادَ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ) أَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ وَيَرَى رَأْيَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَقْرَأُ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَفِي النَّوَادِرِ يُكَبِّرُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْأَذْكَارِ إجْمَاعًا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتَّكْبِيرِ تُؤَدِّي إلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ يَكُونُ مُوَافِقًا لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُكَبِّرُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَاللَّاحِقُ بِرَأْيِ إمَامِهِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَلَوْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالشَّافِعِيِّ صَحَّ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا الْجَوَازِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَأَمَرَ بَنُو الْعَبَّاسِ النَّاسَ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِ جَدِّهِمْ ابْنِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَنْ هَذَا صَلَّى أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالنَّاسِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَكَبَّرَ تَكْبِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدٌ فِيهَا وَطَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٌ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ. اهـ. قُلْتُ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوَائِدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ) أَقُولُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَيُكَبِّرُ بِلَا رَفْعٍ

تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَبِالْمُوَالَاةِ تُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا. (وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُهَا وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ (يُعَلِّمُ فِيهَا أَحْكَامَ الْفِطْرَةِ) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ أَدَاءُ الْفِطْرَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْجَبَّانَةِ وَأَدَاؤُهَا قَبْلَ الْعِلْمِ مُحَالٌ وَالْخُطْبَةُ لَيْسَتْ إلَّا بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا فَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ قُلْنَا لَا تَنَافِيَ؛ لِأَنَّ مَنْدُوبِيَّةَ تَقْدِيمِ الْفِطْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ لَا تُنَافِي جَوَازَ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْخُرُوجِ فَجَازَ أَنْ لَا يَعْلَمَ بَعْضُ الْخَارِجِينَ كَيْفِيَّةَ أَدَائِهَا فَيُفِيدُ التَّعْلِيمُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ. (فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تُقْضَى) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَفَاتَتْ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَقْضِيهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا بِصِفَةِ كَوْنِهَا صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِالْمُنْفَرِدِ. (وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الْغَدِ) أَيْ تُؤَخَّرُ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ إلَى الْغَدِ إذَا مَنَعَ مِنْ إقَامَتِهَا عُذْرٌ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ الْهِلَالُ وَشُهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَظَهَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ (فَقَطْ) أَيْ لَا تُؤَخَّرُ إلَى بَعْدِ الْغَدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ تَأْخِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْغَدِ وَلَمْ يُرْوَ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ. (وَالْأَحْكَامُ) الْمَذْكُورَةُ (فِي الْفِطْرِ هِيَ الْأَحْكَامُ فِي الْأَضْحَى لَكِنْ فِيهِ) أَيْ الْأَضْحَى (جَازَ تَأْخِيرُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (إلَى ثَالِثِ أَيَّامِ النَّحْرِ بِلَا عُذْرٍ بِكَرَاهَةٍ وَ) جَازَ تَأْخِيرُهَا إلَى الثَّالِثِ (بِهِ) أَيْ بِعُذْرٍ (بِدُونِهَا) أَيْ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَجُوزُ مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى وَالْعُذْرُ هُنَا لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَفِي الْفِطْرِ لِلْجَوَازِ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ. (وَ) لَكِنْ فِيهِ (نُدِبَ تَأْخِيرُ الْأَكْلِ عَنْهَا) أَيْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ. . (وَ) فِيهِ (يُكَبَّرُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (جَهْرًا فِي الطَّرِيقِ) بِخِلَافِ الْفِطْرِ. (وَ) فِيهِ (يُعَلِّمُ) الْإِمَامُ (فِي الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَالْأُضْحِيَّةَ) بِخِلَافِ الْفِطْرِ (وَالتَّعْرِيفُ) وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ التَّسْبِيحُ أَوْلَى مِنْ السُّكُوتِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ) هَذَا التَّقْدِيرُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْتَتِحَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ يُعَلِّمُ فِيهَا أَحْكَامَ الْفِطْرَةِ) أَقُولُ وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ وَلِمَنْ تَجِبُ وَمَتَى تَجِبُ وَكَمْ تَجِبُ وَمِمَّ تَجِبُ وَتَفْصِيلُهَا سَيَأْتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرَةِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ. . . إلَخْ) هَذَا، وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَهَا فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِيَأْتُوا بِهَا جَمِيعِهَا فِي مَحَالِّهَا قَالَ وَلَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ) كَلِمَةُ مَعَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي فَاتَتْهُ أَيْ الصَّلَاةُ لَا بِفَاتَتْ وَالْمَعْنَى فَاتَتْهُ هُوَ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ فَاتَتْ عَنْهُ وَعَنْ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ لَا تُقْضَى) أَقُولُ، وَلَوْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَقْضِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَقَطْ أَيْ لَا تُؤَخَّرُ إلَى بَعْدِ الْغَدِ) أَقُولُ لَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ فَقَطْ خَادِمًا فِي قَوْلِهِ وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ وَفِي إلَى الْغَدِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَصْرِهِ عَلَى الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ تَأْخِيرُ الْأَكْلِ عَنْهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ أَمَّا الْقَرَوِيُّ فَإِنَّهُ يَذُوقُ مِنْ حِينِ أَصْبَحَ وَلَا يُمْسِكُ كَمَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ اهـ. وَأَطْلَقَ فِي الْمِصْرِيِّ فَشَمِلَ مَنْ لَا يُضَحِّي، وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْأَكْلِ لِمَنْ يُضَحِّي لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ أَوَّلًا أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا، ثُمَّ قِيلَ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ نُدِبَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ) إنَّمَا قَالَهُ لِيَشْمَلَ كُلَّ مُصَلٍّ إذْ لَوْ بَنَاهُ لِلْمَعْلُومِ رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ كَمَا اخْتَصَّ بِالتَّعْلِيمِ. (قَوْلُهُ جَهْرًا) أَقُولُ وَالْجَهْرُ سُنَّةٌ فِيهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إلَى الْمُصَلَّى وَهُوَ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ وَيُعَلِّمُ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هَكَذَا ذَكَرُوا مَعَ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيمِهِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْإِتْيَانِ بِهِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَلِيهَا الْعِيدُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّعْرِيفُ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ. . . إلَخْ) أَقُولُ مُقْتَضَى تَفْسِيرِهِ أَنَّ مَدْلُولَ التَّعْرِيفِ خَاصٌّ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ وَلَيْسَ لِمَا نَذْكُرُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّعْرِيفُ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ. . . إلَخْ لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَصْنَعُهُ النَّاسُ لِمَا أَنَّهُ يَجِيءُ لِمَعَانٍ لِلْإِعْلَامِ وَالتَّطَيُّبِ مِنْ الْعَرْفِ وَهُوَ الرِّيحُ، وَإِنْشَادِ الضَّالَّةِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ هَهُنَا اهـ

[التكبير في عيد الأضحى]

يَوْمَ عَرَفَةَ فِي مَوْضِعٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَاتٍ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وَالتَّشْرِيقُ فِي اللُّغَةِ تَقْدِيدُ اللَّحْمِ وَعَنْ الْخَلِيلِ التَّكْبِيرُ التَّشْرِيقُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ فَقِيلَ التَّسْمِيَةُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَقَعَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ التَّكْبِيرِ لَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ أُخِذَ اسْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هِيَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامُ النَّحْرِ هِيَ يَوْمُ الْعِيدِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فَالْأَوَّلُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ نَحْرٌ بِلَا تَشْرِيقٍ وَالرَّابِعُ تَشْرِيقٌ بِلَا نَحْرٍ وَالِاثْنَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ وَالتَّكْبِيرُ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا جَاءَ بِالْقُرْبَانِ خَافَ الْعَجَلَةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا رَآهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا عَلِمَ إسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْفِدَاءِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ» فَبَقِيَ فِي الْآخَرَيْنِ وَاجِبًا (مَرَّةً) بِأَنْ يَقُولَ مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ مَرَّةً وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَهُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَهُ فِي التَّهْلِيلِ بَعْدَهُ قَوْلَانِ. (مِنْ فَجْرِ) يَوْمِ (عَرَفَةَ) بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَائِنَا فِيهِ لِاتِّفَاقِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ (إلَى عَصْرِ الْعِيدِ) فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ (فَوْرَ) مُتَعَلِّقٌ يَجِبُ أَيْ عَقِيبَ (فَرْضٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ) أَقُولُ عَرَفَةُ اسْمُ الْيَوْمِ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَعَرَفَاتٌ اسْمُ الْمَكَانِ. (قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) ظَاهِرُ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ مَطْلُوبُ الِاجْتِنَابِ أَيْ فَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عُهِدَ قُرْبَةً فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي غَيْرِهِ. اهـ. قُلْتُ وَهَذَا لَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ وَلَا يَجُوزُ الِاخْتِرَاعُ فِي الدِّينِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمًا لِمَفْسَدَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ تُتَوَقَّعُ مِنْ الْعَوَامّ وَنَفْسُ الْوُقُوفِ وَكَشْفُ الرُّءُوسِ يَسْتَلْزِمُ التَّشَبُّهَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ عَرَضَ الْوُقُوفُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ كَالِاسْتِسْقَاءِ مَثَلًا لَا يُكْرَهُ أَمَّا قَصْدُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ فَهُوَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ إذَا تَأَمَّلْت وَمَا فِي الْجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ اجْتَمَعُوا لِشَرَفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَازَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِلَا وُقُوفٍ وَكَشْفٍ. اهـ. قُلْتُ، وَكَذَلِكَ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْكَافِي بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ فَمَنْ فَعَلَهُ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ، وَقِيلَ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ ذِكْرُ اسْمَ اللَّهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ نَسْخًا لِذِكْرِهِمْ عَلَيْهَا غَيْرَهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْفَتْحِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ دَلِيلُ السُّنَّةِ أَنْهَضُ. (قَوْلُهُ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقِيلَ الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَعَنْ الْخَلِيلِ التَّكْبِيرِ) أَقُولُ وَنَصْبُهُ كَمَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ التَّشْرِيقُ التَّكْبِيرُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَقْدِيدِ اللَّحْمِ وَالْقِيَامِ فِي الْمَشْرِقَةِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَيْرُهُ اهـ. . وَفِي الْبَحْرِ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ يُطْلَقُ التَّشْرِيقُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ) أَقُولُ وَبِهِ جَزَمَ الْكَمَالُ فَقَالَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ التَّشْرِيقُ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لَا يُسَمَّى تَشْرِيقًا إلَّا إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَخْصُوصَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ أَيْ التَّعْبِيرُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. (قَوْلُهُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ الثَّلَاثَةُ. . . إلَخْ) أَقُولُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ التَّشْرِيقَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ الذَّبْحِ أَوْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ لِإِظْهَارِهِ لِلشَّمْسِ بَعْدَ تَقْطِيعِهِ لِيَتَقَدَّدَ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا يَدْخُلُ يَوْمُ النَّحْرِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّشْرِيقُ بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ لَا يَكُونُ فِي الْأَوَّلِ ظَاهِرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّكْبِيرُ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا نَصُّ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ الْخَلِيلِ وَلَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَأْثُورًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَمَّا عَلِمَ إسْمَاعِيلُ) كَذَا صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الذَّبِيحَ إسْمَاعِيلُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْكَافِي بَلْ قَالَ فَعُلِمَ الذَّبِيحُ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَطَائِفَةٌ قَالُوا بِأَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَطَائِفَةٌ بِأَنَّهُ إِسْحَاقُ وَالْحَنَفِيَّةُ قَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الْبُسْتَانِ اهـ. (قَوْلُهُ فَبَقِيَ فِي الْآخَرَيْنِ وَاجِبًا) أَقُولُ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ اتِّبَاعًا لِلْأَكْثَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَبَقِيَ فِي الْآخَرَيْنِ إمَّا سُنَّةً أَوْ وَاجِبًا. [التَّكْبِير فِي عِيد الْأَضْحَى] (قَوْلُهُ فَوْرَ فَرْضٍ) أَيْ عَيْنِيٍّ

[باب صلاة الكسوف]

بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّوَافِلُ وَصَلَاةُ الْعِيدِ (أَدَّى) خَرَجَ بِهِ الْقَضَاءُ إذْ لَا تَكْبِيرَ فِيهِ (بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ) خَرَجَ بِهِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ إذْ لَا تَكْبِيرَ فِيهَا أَيْضًا (عَلَى إمَامٍ مُقِيمٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَلَا إمَامٍ مُسَافِرٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَالْمَفَاوِزِ. (وَ) عَلَى (مُقْتَدٍ) مُسَافِرٍ أَوْ قَرَوِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ (وَقَالَا) يَجِبُ التَّكْبِيرُ (فَوْرَ كُلِّ فَرْضٍ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أُدِّيَ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقُرَى (إلَى عَصْرِ) الْيَوْمِ (الْخَامِسِ مِنْ) يَوْمِ (عَرَفَةَ) وَهُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي هُوَ تَشْرِيقٌ وَلَيْسَ بِنَحْرٍ (وَبِهِ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَعَدَمِ الِاقْتِصَارِ إلَى عَصْرِ الْعِيدِ (يُعْمَلُ) الْآنَ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ (وَلَا يَتْرُكُهُ الْمُؤْتَمُّ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي الصَّلَاةِ (وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً لَكِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ (عَقِيبَ الْقَضَاءِ) أَيْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَالُ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ بِالتَّمَامِ. (بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) (إمَامُ الْجُمُعَةِ أَوْ مَأْمُورُ السُّلْطَانِ) أَيْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَاةَ (يُصَلِّي بِالنَّاسِ عِنْدَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ كَالنَّفْلِ) أَيْ عَلَى هَيْئَةِ النَّفْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ) أَقُولُ كَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالتَّكَلُّمِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ ذَهَبَ فَتَوَضَّأَ وَيَرْجِعُ وَيُكَبِّرُ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ مِنْ غَيْرِ تَطْهِيرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلطَّهَارَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ اهـ. وَكَذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ أَحْدَثَ نَاسِيًا بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ لِلطَّهَارَةِ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ تَوَضَّأَ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّوَافِلُ) أَيْ وَالْوِتْرُ وَخَرَجَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِمَا قَيَّدْنَا بِهِ الْفَرْضَ. (قَوْلُهُ وَصَلَاةُ الْعِيدِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى الْبَلْخِيُّونَ يُكَبِّرُونَ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ اهـ. وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي اللَّيْثِ لَوْ كَبَّرَ عَلَى إثْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَوَارَثُوا هَكَذَا فَوَجَبَ أَنْ يُتَّبَعَ تَوَارُثُ الْمُسْلِمِينَ. (قَوْلُهُ إذْ لَا تَكْبِيرَ فِيهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (أَقُولُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ فَوْرَ فَائِتَةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ إذَا قَضَاهَا فِيهَا، وَإِنْ قَضَى فَائِتَتَهَا فِيهَا مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ، وَإِنْ قَضَاهَا فِي غَيْرِهَا لَا يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةَ غَيْرِهَا فِيهَا. (قَوْلُهُ خَرَجَ بِهِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ) أَقُولُ وَجَمَاعَةُ الْعُرَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ إنَّ شَرْطَ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ احْتِرَازٌ عَنْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى جَمَاعَةِ الْعَبِيدِ نَظَرَهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الشَّلَبِيُّ. اهـ. قُلْتُ التَّنْظِيرُ غَيْرُ مُتَّجِهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا لَمْ يَرِدْ قَوْلٌ بِهِ، وَقَدْ قِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّكْبِيرِ عَلَى جَمَاعَةِ الْعَبِيدِ كَمَا نَذْكُرُهُ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصَحِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ضَعْفِهِ دُونَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ نَظَرٌ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا إمَامٌ مُسَافِرٌ) أَقُولُ عَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ لَوَجَدَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي حَقِّهِمْ. (قَوْلُهُ وَمُقْتَدٍ بِهِ) أَطْلَقَهُ عَنْ قَيْدِ الْحُرِّيَّةِ كَالْإِمَامِ فَشَمِلَ مَا لَوْ أَمَّ الْعَبْدُ مِثْلَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ التَّكْبِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَبِهِ أَيْ بِالتَّكْبِيرِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَعَدَمُ الِاقْتِصَارِ إلَى عَصْرِ الْعِيدِ يُعْمَلُ) أَقُولُ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُصَفَّى، وَقَدْ خَصَّ الْمُصَنِّفُ إرْجَاعَ الضَّمِيرِ بِمَا ذَكَرَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا مِنْ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ مَعَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ تَبِعَ الْفَرِيضَةَ فَكُلُّ مَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْمُسَافِرُ وَأَهْلُ الْقُرَى وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَبِهِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَالَا يَجِبُ التَّكْبِيرُ فَوْرَ كُلِّ فَرْضٍ. . . إلَخْ لِيَشْمَلَ. [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ] هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ النُّقْصَانُ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ ذَهَابُ الضَّوْءِ وَالْخُسُوفُ ذَهَابُ الدَّائِرَةِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قُلْت وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ عَابَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مُحَمَّدًا فِي قَوْلِهِ لَيْسَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَمَرِ لَفْظُ الْخُسُوفِ وَبِالرَّدِّ صَرَّحَ الْكَاكِيُّ فَقَالَ قُلْنَا الْخُسُوفُ ذَهَابُ دَائِرَتِهِ أَيْ الْقَمَرِ وَالْكُسُوفُ ذَهَابُ ضَوْئِهِ وَمُرَادُ مُحَمَّدٍ هَذَا النَّوْعَ فَلِذَا ذَكَرَ الْكُسُوفَ فَإِذَنْ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ اهـ. وَكَذَا أَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ بِمَا فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ كُسِفَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ جَمِيعًا اهـ. وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَيَكُونُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ صَحِيحًا وَأَنَّ مُخَطِّئَهُ مُخْطِئٌ. اهـ. (قَوْلُهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ عِنْدَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ) أَقُولُ لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِحُكْمِهِمَا. وَقَالَ الْكَمَالُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْجُمْهُورِ أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاسْتِنَانُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

[باب صلاة الاستسقاء]

(بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، وَ) لَا جَهْرٍ، وَ (لَا خُطْبَةٍ وَبِرُكُوعٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِرُكُوعَيْنِ فِيهِ (وَيُطَوِّلُ) الْإِمَامُ (الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ (وَبَعْدَهُمَا يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ) الشَّمْسُ (وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَأْمُورُ السُّلْطَانِ (صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ وَالرِّيحِ) الشَّدِيدَةِ (وَالظُّلْمَةِ) الْهَائِلَةِ (وَالْفَزَعِ) أَيْ الْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ. (بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) (لَا جَمَاعَةَ فِيهِ وَلَا خُطْبَةَ بَلْ هُوَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] حَيْثُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِرْسَالِ السَّمَاءِ أَيْ الْغَيْثِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَظَهَرَ وَجْهُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِهَا ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ أَيْ لِأَبِي زَيْدٍ وُجُوبَهَا أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ اهـ. وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ إجْمَاعُ مَنْ سِوَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ مَنْ أَوْجَبَهَا مِنْهُمْ قِيلَ إنَّمَا أَوْجَبَهَا لِلشَّمْسِ لَا لِلْقَمَرِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَبِأَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْمٌ وَتَأَخَّرَ آخَرُونَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ تَهَدَّدَ الْمُخَلَّفِينَ، وَقَدْ قَرَنَ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا بِالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ إجْمَاعًا اهـ. كَذَا نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ. . (قَوْلُهُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ) أَقُولُ وَيُنَادَى الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ لِيَجْتَمِعُوا إنْ لَمْ يَكُون اجْتَمَعُوا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا جَهْرٍ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَلَا خُطْبَةٍ) هَذَا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ أَثَرٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَبِرُكُوعٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ كَالنَّفْلِ. (قَوْلُهُ وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ) أَقُولُ، وَكَذَا يُطِيلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مِقْدَارَ طُولِ الْقِرَاءَةِ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَامَ فِي الْأُولَى بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ آلِ عِمْرَانَ» وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا أَوْ مَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا إنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فِي الثَّانِيَةِ آلَ عِمْرَانَ أَوْ مَا يَعْدِلُهَا وَيَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفُ الدُّعَاءِ وَبِالْقَلْبِ فَإِذَا خَفَّفَ أَحَدَهُمَا طَوَّلَ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُبْقِي عَلَى الْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ إلَى انْجِلَاءِ الشَّمْسِ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَدْ وُجِدَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِ دَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ التَّطْوِيلِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا سَلَفَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطَوِّلَ بِهِمْ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ، وَلَوْ خَفَّفَهَا جَازَ وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ السَّنَةَ التَّطْوِيلُ وَالْمَنْدُوبُ مُجَرَّدُ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُمَا يَدْعُو) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْإِمَامِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَيَدْعُو جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ إنْ شَاءَ أَوْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ اهـ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَحْسَنُ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ حَتَّى تَنْجَلِيَ) الْمُرَادُ كَمَالُ الِانْجِلَاءِ لَا ابْتِدَاؤُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَّوْا فُرَادَى) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فُرَادَى. (قَوْلُهُ وَالظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ) أَيْ بِالنَّهَارِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ لِيَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ وَيَرْجِعُوا إلَى طَاعَتِهِ الَّتِي فِيهَا فَوْزُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ إلَى رَبِّهِ الصَّلَاةُ، وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ. وَفِي الْمُجْتَبَى قِيلَ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] (بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ) الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا يُقَالُ سَقَى اللَّهُ وَأَسْقَاهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27] كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السَّقْيِ وَالسَّقْيُ مَصْدَرٌ وَطَلَبُ الْمَاءِ يَكُونُ فِي ضِمْنِهِ كَالِاسْتِغْفَارِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَغَفْرُ الذُّنُوبِ فِي ضِمْنِهِ. وَفِي الْمُجْتَبَى الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السَّقْيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا جَمَاعَةَ فِيهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا. وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ قَالَهُ الشَّلَبِيُّ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ وَلَا خُطْبَةَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ فِيهَا عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ مُحَمَّدٌ خُطْبَتَيْنِ وَيَكُونُ مُعْظَمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَهُمَا الِاسْتِغْفَارَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ بَلْ هُوَ دُعَاءٌ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَالنَّاسُ قُعُودٌ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ بِاَللَّهُمِ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا وَمَا أَشْبَهَهُ سِرًّا وَجَهْرًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

[باب صلاة الخوف]

(فَإِنْ صَلَّوْا فُرَادَى جَازَ وَلَا يُقَلِّبُ فِيهِ رِدَاءَهُ) . وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَلِّبُ الْإِمَامُ فِيهِ رِدَاءَهُ دُونَ الْقَوْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَحَقِيقَةُ قَلْبِهِ إنْ كَانَ مُرَبَّعًا أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا أَيْ جُبَّةً أَنْ يَجْعَلَ الْأَيْمَنَ أَيْسَرَ وَالْأَيْسَرَ أَيْمَنَ. (وَلَا يَحْضُرُ ذِمِّيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ الْعَذَابُ وَاللَّعْنَةُ. (وَيَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ (وَقِيلَ لَا صَلَاةَ فِيهِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ) (لَمْ يُجَوِّزْهَا أَبُو يُوسُف بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْمَعْنَى انْعَدَمَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (وَجَوَّزَاهَا) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَقَامُوهَا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَبَبُهَا الْخَوْفُ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَهُ أَيْضًا (فَإِذَا خِيفَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ حَاضِرَيْنِ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالُوا الْخَوْفُ الَّذِي يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَإِنْ صَلَّوْا فُرَادَى جَازَ) أَقُولُ، كَذَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ. وَقَالَ الْكَمَالُ مَفْهُومُهُ اسْتِنَانُهَا فُرَادَى وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ وَلَا يُكْرَهُ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا أَيْ إطْلَاقُ الْجَوَازِ يَنْفِي كَوْنَهَا سُنَّةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً وَلَكِنْ إنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا لَا يَكُونُ بِدْعَةً وَلَا يُكْرَهُ ثُمَّ حَكَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ التُّحْفَةِ، وَقَالَ إنَّهُ يَنْفِي مَشْرُوعِيَّتَهَا مُطْلَقًا. اهـ. وَالظَّاهِرُ نَفْيُ مَشْرُوعِيَّةِ الْإِذْنِ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا قَدَّمَهُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَبِ فَتَكُونُ مُبَاحَةً. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَلِّبُ رِدَاءَهُ) يَعْنِي إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ وَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ. (قَوْلُهُ دُونَ الْقَوْمِ) أَيْ لَا يُقَلِّبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ قِيلَ وَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرٌ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرُ ذِمِّيٌّ) قَالَ الْكَاكِيُّ، وَلَوْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَ أَنْفُسِهِمْ إلَى بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ أَوْ إلَى الصَّحْرَاءِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ اسْتِعْجَالًا لِحَظِّهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَذَكَرَ وَجْهَهُ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافًا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِ وَلَمْ يُرَجِّحْ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ اهـ. وَيُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ قَوْلُ الْكَمَالِ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَحْدَهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُسْقَوْا فَقَدْ يُفْتَنُ بِهِ ضُعَفَاءُ الْعَوَامّ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ) ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ الرَّحْمَةُ الْخَاصَّةُ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاسْتِنْزَالِ الْغَيْثِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا وَالْكَافِرُ مِنْ أَهْلِهَا اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّحْمَةُ مُطْلَقًا أَمَّا الْعَامَّةُ فَبِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَلِأَنَّ التَّضَرُّعَ، وَإِنْ كَانَ بِخُصُوصِ مَطْلُوبٍ فَقَدْ تَنْزِلُ بِهِ الْمَغْفِرَةُ خُصُوصًا إذَا كَانَ مَعَ التَّوْبَةِ وَتَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ وَهُمْ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُسْقَوْا فَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَنْزِلُ اللَّعْنَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْكَوْنُ فِي جَمْعٍ يَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ وَأَنْ يَمُرَّ فِي أَمْكِنَتِهِمْ إلَّا أَنْ يُهَرْوِلَ وَيُسْرِعَ، وَقَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ آثَارٌ وَحِينَئِذٍ فَيُكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ جَمْعُهُمْ إلَى جَمْعِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ، كَذَا بِخَطِّ أُسْتَاذِي عَلَى هَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُونَ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا فِي مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ. اهـ. قُلْتُ يَنْبَغِي كَذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا أَشْرَفَ مِنْ مَحَلٍّ حَلَّ فِيهِ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَا أَطَاقُوا مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ الْيَوْمَ الرَّابِعَ وَبِالْعَجَائِزِ وَالصِّبْيَانِ مُتَنَظِّفِينَ فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ مُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الدَّوَابِّ اهـ. وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ بِالشُّيُوخِ الْكِبَارُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَوْلَا شُيُوخٌ رُكَّعٌ وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَلَعَلَّ اللَّهَ يَنْظُرُ إلَى ضَعْفِهَا فَيَرْحَمَ، ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] هَذَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ سَبَبَهَا الْخَوْفُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّهَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ نَظَرَ إلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ شَرْطُهَا الْعَدُوُّ وَمَنْ قَالَ سَبَبُهَا الْخَوْفُ نَظَرَ إلَى أَنَّ سَبَبَ أَصْلِ الصَّلَاةِ الْخَوْفُ. (قَوْلُهُ فَإِذَا خِيفَ مِنْ عَدُوٍّ) أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ قَالَ إنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ؛ لِأَنَّ الِاشْتِدَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ أَوْ سَبُعٍ) عَطْفٌ مُبَايِنٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مِنْ بَنِي آدَمَ. (قَوْلُهُ حَاضِرِينَ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إفْرَادَ الضَّمِيرِ فَيَقُولُ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ لِكَوْنِهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْوَاوِ وَخَوْفُ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ كَالسَّبُعِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ

[باب الصلاة في الكعبة]

كَانَ الْعَدُوُّ بِقُرْبٍ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَبِمُقَابِلَتِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِبُعْدٍ مِنْهُمْ أَوْ ظَنُّوا عَدُوًّا بِأَنْ رَأَوْا سَوَادًا أَوْ غُبَارًا فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ فَظَهَرَ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمْ. (جَعَلَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْمَخُوفِ وَصَلَّى بِأُخْرَى رَكْعَةً لَوْ) كَانَ (مُسَافِرًا أَوْ فِي الْفَجْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدَيْنِ، وَ) صَلَّى (رَكْعَتَيْنِ لَوْ) كَانَ (مُقِيمًا وَفِي غَيْرِ الثُّنَائِيِّ) هَكَذَا قَالَ لِيَتَنَاوَلَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ حُكْمَهَا كَحُكْمِ الرُّبَاعِيِّ (وَمَضَوْا إلَى الْمَخُوفِ وَجَاءَتْ الْأُخْرَى وَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ) مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيِّ وَرَكْعَةٍ فِي الثُّلَاثِيِّ (وَسَلَّمَ) الْإِمَامُ (وَحْدَهُ وَذَهَبُوا) أَيْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ (إلَيْهِ) أَيْ الْمَخُوفِ (وَجَاءَتْ) الطَّائِفَةُ (الْأُولَى وَأَتَمُّوا) صَلَاتَهُمْ (بِلَا قِرَاءَةٍ وَسَلَّمُوا) ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ فَكَأَنَّهُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ (ثُمَّ) جَاءَ (الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا) صَلَاتَهُمْ (بِقِرَاءَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ (وَإِنْ اشْتَدَّ خَوْفُهُمْ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى بِالْإِيمَاءِ إلَّا جِهَةَ قُدْرَتِهِمْ) فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى تَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ تَوَجَّهُوا إلَيْهَا وَإِلَّا فَإِلَى مَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّوَجُّهِ إلَيْهِ. (وَتَفْسُدُ) صَلَاتُهُمْ (بِالْقِتَالِ وَالْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ. (بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) (صَحَّ فِيهَا النَّفَلُ) وِفَاقًا (وَالْفَرْضُ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (مُنْفَرِدًا وَبِجَمَاعَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُمْ إلَّا لِمَنْ قَفَاهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ) فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ إمَامَهُ وَمَنْ سِوَاهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ (كَذَا لَوْ تَحَلَّقُوا) أَيْ صَحَّ صَلَاتُهُمْ (فِيهَا، وَلَوْ) كَانَ (بَعْضُهُمْ قُدَّامَ الْإِمَامِ مُسْتَقْبِلًا) بِوَجْهِهِ (إلَيْهِ اقْتَدُوا مِنْ الْجَوَانِبِ لَوْ بَعْضُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ (مِنْ الْإِمَامِ جَازَ) اقْتِدَاؤُهُ (إلَّا لِمَنْ فِي جَانِبِهِ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ ظَنُّوا عَدُوًّا. . . إلَخْ) قَيَّدَ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِظُهُورِهِ غَيْرِ مَا ظَنُّوا وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا تَجَاوَزَتْ الطَّائِفَةُ الصُّفُوفَ فَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُ مَا ظَنُّوا بَنَوْا اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَهَا لَوْ ظَهَرَ كَمَا ظَنُّوا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمْ) يَعْنِي إلَّا الْإِمَامَ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ. (قَوْلُهُ جَعَلَ الْإِمَامُ طَائِفَةً. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي بِالْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ تَمَامَهَا اهـ. وَهُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ أُخْرَى مَعْلُومَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَمَضَوْا إلَى الْمَخُوفِ) أَيْ مُشَاةً لِمَا سَنَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ وَرَكْعَةٍ فِي الثُّلَاثِيِّ) أَيْ لَوْ الثُّنَائِيُّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَدَّ خَوْفُهُمْ صَلَّوْا رُكْبَانًا) اشْتِدَادُهُ هُنَا أَنْ لَا يَدَعَهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يَهْجُمُ بِالْمُحَارَبَةِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ حَالَ رُكُوبِهِمْ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامُ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ بِالْقِتَالِ) أَيْ إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، وَلَوْ قَاتَلَ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ كَالرَّمْيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ نَقْضًا عَلَى هَذَا وَهُوَ جَوَازُ قَتْلِ الْحَيَّةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ عَلَى الظَّاهِرِ اهـ قُلْتُ وَجَوَابُهُ مَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ مُسْتَثْنًى بِالنَّصِّ أَيْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْمُعَالَجَةِ ثَمَّ أَقَلُّ ظَاهِرًا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ) أَقُولُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ افْتِتَاحُهَا حَالَةَ كَوْنِهِ مَاشِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ وَلَمْ تَجُزْ لِمَاشٍ أَيْ إنْ كَانَ مَاشِيًا هَارِبًا مِنْ الْعَدُوِّ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوَقْفُ لِيُصَلِّيَ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي مَاشِيًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا لِغَيْرِ إرَادَةِ الِاصْطِفَافِ بِمُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ أَمَّا الْمَشْيُ لِلِاصْطِفَافِ فَمُسْتَفَادٌ جَوَازُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَذَهَبُوا ثُمَّ جَاءُوا وَبِهِ صَرَّحَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالتَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَعِبَارَتُهَا، وَلَوْ رَكِبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْطَفُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. اهـ. 1 - (تَتِمَّةٌ) حَمْلُ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَوْفِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا لَا وَاجِبٌ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] الْآيَةَ قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا فَلَا يَجِبُ فِيهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. [بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ] (بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) فِي الْبَابِ زِيَادَةٌ عَنْ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ حَسَنٌ. (قَوْلُهُ وَبِجَمَاعَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُمْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ وَجْهُ الْمُقْتَدِي بِجَنْبِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَكَذَا لَمَّا إذَا كَانَ وَجْهُهُ لِوَجْهِهِ، وَإِنْ كُرِهَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: كَذَا لَوْ تَحَلَّقُوا فِيهَا. . . إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ وَبِجَمَاعَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَ وُجُوهُهُمْ. (قَوْلُهُ اقْتَدَوْا مِنْ الْجَوَانِبِ لَوْ بَعْضُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ جَازَ) أَقُولُ لَوْ أَتَى بِوَاوِ الْحَالِ مَكَانَ لَوْ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ بَعْضُهُمْ كَمَا فَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَكَانَ أَوْلَى. (قَوْلُهُ إلَّا لِمَنْ فِي جَانِبِهِ) أَيْ إذَا تَمَحَّضَ كَوْنُهُ فِي جِهَةِ إمَامِهِ. وَأَمَّا إذَا وَقَفَ مُسَامِتًا لِرُكْنٍ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ وَكَانَ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الصِّحَّةِ احْتِيَاطًا لِتَرْجِيحِ جِهَةِ الْإِمَامِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَهَذِهِ صُورَتُهُ.

[باب سجود السهو والشك]

الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَنْ فِي جَانِبٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا فَلَا يَضُرُّ الْقُرْبُ إلَيْهَا (اقْتَدُوا مِنْ خَارِجٍ بِإِمَامٍ فِيهَا وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ جَازَ) اقْتِدَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْإِمَامِ فِيهَا وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ كَوُقُوفِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. (وَكُرِهَتْ) الصَّلَاةُ (فَوْقَهَا) ، وَإِنْ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي تَعْظِيمَهَا. [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ وَالشَّكِّ] [حُكْم سُجُود السَّهْو] (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ وَالشَّكِّ) (يَجِبُ) أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ، وَقِيلَ يُسَنُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْإِمَامُ أَبُو الْيُسْرِ وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ (أَوْ تَسْلِيمَةٍ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ كِبَارِ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَائِشَةُ كَانَتْ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَسَهْلٌ كَانَ فِي صَفِّ الصِّبْيَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَسَوْقُ كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ. وَفِي الْمَجْمَعِ نَسَبَ الثَّانِي إلَى مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلَ إلَيْهِمَا وَمَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ نَقَلَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقِيلَ وَعَلَى كَوْنِهِمَا قَوْلَهُ يُنَاسِبُ مَا قِيلَ الْمُخْتَارُ لِلْمُنْفَرِدِ تَسْلِيمَتَانِ وَلِلْإِمَامِ تَسْلِيمَةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ رُبَّمَا يَشْتَغِلُ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ بِمَا يُنَافِي ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ فَلَا خَفَاءَ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ، وَقَدْ تَوَهَّمَ عَدَمَ صِحَّتِهَا بَعْضُ مَنْ يَعِظُ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ حَتَّى مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَانِبَيْ الْحِجْرِ وَرَأَيْتُهُ وَكُنْتُ طَائِفًا سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْأَلْفِ مُحْرِمًا كَآحَادِ النَّاسِ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ يُنَازِعُ الْإِمَامَ الْحَنَفِيَّ بِالْحِجْرِ فَالْإِمَامُ يَقُولُ لَهُ صَلَاةَ مُحَاذِي الرُّكْنِ صَحِيحَةٌ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْإِمَامِ فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ بِجِهَتِهِ وَذَلِكَ الْوَاعِظُ يَقُولُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِي الرُّكْنَ إلَى آخِرِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا أَسْعَفْتُ الْإِمَامَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ صَارَ الْوَاعِظُ يُصْعِدُ النَّظَرَ نَحْوِي كَالْمُسْتَهْزِئِ بِزِيِّ وَطَالَ الْمَجَالُ وَزَالَ الْمُحَالُ ، وَقَدْ كَانَ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ مُدَّةً ثُمَّ مَرَرْتُ وَقْتَ الظُّهْرِ وَإِذَا الصَّفُّ مُلْتَئِمٌ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا كَانَ قَبْلَ مَنْعِ الْوَاعِظِ فَقَالَ لِي الْإِمَامُ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا هَذَا فِي صَحِيفَتِكَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى إظْهَارِ شَرِيعَتِهِ. [الصَّلَاة فَوْق الْكَعْبَة] (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) إضَافَتُهُ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ الْأَصْلُ إذْ هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَقْوَاهُ اتِّصَالُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ وَالسَّهْوُ الْغَفْلَةُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسْيَانِ بِأَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ وَالسَّاهِي بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ النِّسْيَانُ غُرُوبُ الشَّيْءِ عَنْ النَّفْسِ بَعْدَ حُضُورٍ وَالسَّهْوُ قَدْ يَكُونُ عَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِهِ وَعَمَّا لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهِ، كَذَا فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَالشَّكِّ) ، كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُضَافِ وَالتَّقْدِيرُ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَحْكَامِ الشَّكِّ وَلَا تُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالشَّكِّ فِي الْحُكْمِ وَالْأُدَبَاءُ عَرَّفُوا الشَّكَّ بِأَنَّهُ تَسَاوِي أَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالظَّنُّ تَسَاوِيهِمَا وَجِهَةُ الصَّوَابِ أَرْجَحُ وَالْوَهْمُ تَسَاوِيهِمَا وَجِهَةُ الْخَطَإِ أَرْجَحُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُسَنُّ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا. (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ اهـ. وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى وُجُوبِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ) بَيَانٌ لِمَحَلِّهِ الْمَسْنُونِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَ السَّلَامِ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْمَذْهَبَيْنِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ اهـ قُلْت لَكِنْ يُكْرَهُ قَبْلَهُ تَنْزِيهًا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ. (قَوْلُهُ أَوْ تَسْلِيمَةٍ) اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ كَالنُّقَايَةِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ وَأَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ وَاخْتَلَفَ فِي جِهَةِ التَّسْلِيمَةِ فَقِيلَ يُسَلِّمُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا هَيْئَةُ التَّسْلِيمِ الْمَسْنُونُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. (قَوْلُهُ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ) أَقُولُ بَلْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَوْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ. وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ الْأَحْوَطُ قَبْلَ السَّلَامِ الثَّانِي. وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الْمُحِيطِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ يَكْتَفِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَضْمَنُ لِلِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ اهـ

الصَّلَاةَ (سَجْدَتَانِ) فَاعِلُ يَجِبُ (وَتَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ) يَمِينًا وَيَسَارًا (بِتَرْكِ وَاجِبٍ سَهْوًا) إذْ فِي الْعَمْدِ يَأْثَمُ وَلَا تَجِبُ سَجْدَةٌ (كَرُكُوعٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) فَإِنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الرُّكُوعِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ خِلَافًا لِزُفَرَ. وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَفَرْضٌ كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (وَتَأْخِيرُ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى التَّشَهُّدِ) قِيلَ بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ بِقَدْرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ (وَرُكُوعَيْنِ) فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوَاحِدِ وَاجِبٌ فَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ تَرْكُهُ (وَالْجَهْرُ فِيمَا يُخَافِتُ وَعَكْسِهِ) وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِهِ وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ (وَتَرْكُ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ) وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَإِنْ تَكَرَّرَ) أَيْ تَرْكُ الْوَاجِبِ يَعْنِي تَجِبُ سَجْدَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَكَرُّرِ تَرْكِ الْوَاجِبِ. (عَلَى مُنْفَرِدٍ) مُتَعَلَّقُ يَجِبُ (وَ) عَلَى (مُقْتَدٍ بِسَهْوِ إمَامِهِ إنْ سَجَدَ إمَامُهُ) ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ (لَا بِسَهْوِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي بِسَهْوِهِ إذْ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ خَالَفَ إمَامَهُ، وَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ الْإِمَامُ انْقَلَبَتْ الْإِمَامَةُ اقْتِدَاءً. (وَيُصَلِّي) عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي وَالْأَحْوَطُ التَّصْلِيَةُ فِيهِمَا) أَيْ فِي التَّشَهُّدَيْنِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ إمَامِهِ) ، وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ فِيمَا فَاتَ عَنْهُ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُومَ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ (وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سُجُودِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِيَسْجُدَ مَعَهُ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسُّجُودِ) ، وَإِنْ قَيَّدَهَا بِهِ لَا يَعُودُ (وَلَوْ سَهَا فِيهِ) أَيْ فِيمَا يُقْضَى (سَجَدَ ثَانِيًا) لِهَذَا السَّهْوِ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ سَجْدَتَانِ فَاعِلُ يَجِبُ) أَقُولُ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الضَّمِيرُ فِي يَجِبُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ وَالْإِتْيَانُ بِسُجُودِ السَّهْوِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ، وَكَذَا إذَا احْمَرَّتْ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّلَامِ يُسْقِطُ السَّهْوَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَتَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ السَّهْوَ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ. وَأَمَّا رَفْعُ الْقَعْدَةِ فَلَا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِذَا تَذَكَّرَ إحْدَاهُمَا فِي الْقَعْدَةِ فَسَجَدَهَا فَإِنَّهَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ فَيَفْتَرِضُ الْقُعُودَ بَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَلَا تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ وَهَذَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ. (قَوْلُهُ إذْ فِي الْعَمْدِ يَأْثَمُ وَلَا تَجِبُ سَجْدَةٌ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ عَمْدًا كَمَا نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ اهـ. وَهِيَ ثَلَاثَةٌ تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى عَمْدًا وَتَأْخِيرُ إحْدَى سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَتَفَكُّرُهُ عَمْدًا حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ لِشَكِّهِ فِي أَفْعَالِ صَلَاتِهِ. (قَوْلُهُ قِيلَ بِحَرْفٍ) أَيْ مِثْلُ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ. (قَوْلُهُ وَرُكُوعَيْنِ) أَقُولُ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ السَّهْوِ الثَّانِي وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْمَسْنُونَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يُزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ لَا يَرْتَفِضُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ إذَا جَهَرَ فِي السِّرِّيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ عَلَى مُنْفَرِدٍ) أَقُولُ إلَّا فِيمَا إذَا جَهَرَ فِي مَحَلِّ الْإِخْفَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي) أَيْ تَشَهُّدِ السَّهْوِ، وَكَذَا يَأْتِي بِالدُّعَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ. . . إلَخْ) هُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ إمَامِهِ) أَقُولُ، وَكَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ ثُمَّ يُتِمُّ صَلَاتَهُ، وَلَوْ دَخَلَ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ مَا سَجَدَ سَجْدَةً لِلسَّهْوِ يُتَابِعُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَقْضِي الْأُولَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُومَ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ) قَالَ الْكَمَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْقِيَامِ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ظَنُّهُ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سُجُودِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِيَسْجُدَ مَعَهُ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسُّجُودِ) أَقُولُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِمَا بِمُتَابَعَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَقَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَقَامَ الْمَسْبُوقُ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ فَسَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوِهِ يُتَابِعُهُ فِيهِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ وَيَقْعُدُ مَعَهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِمَا بِمُتَابَعَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ وَقَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ سُجُودِ إمَامِهِ لَا يُتَابِعُهُ لِتَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا لِالْتِزَامِهِ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهُ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ خِلَافُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَيَّدَهَا بِهِ لَا يَعُودُ) ؛ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَدْ تَأَكَّدَ، كَذَا عَلَّلَهُ قَاضِي خَانْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَسَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فَسَدَتْ. (قَوْلُهُ فَلَوْ سَهَا أَيْ الْمَسْبُوقُ فِيهِ أَيْ فِيمَا يَقْضِي سَجَدَ ثَانِيًا) أَقُولُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَابَعَ الْإِمَامَ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ وَتَنْتَظِمُ الثَّانِيَةُ الْأُولَى ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ.

[سها عن القعود الأول في ذوات الأربع أو الثلاث من الفرض]

(كَذَا اللَّاحِقُ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِسَهْوِ إمَامِهِ بِأَنْ سَهَا حَالَ نَوْمِ الْمُقْتَدِي أَوْ ذَهَابِهِ إلَى الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُصَلِّي خَلْفَهُ. (سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْفَرْضِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى مِنْهُ كَالْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَرْضِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهَا لَا مَحَالَةَ (وَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا، وَذَكَرَهُ) أَيْ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ (وَهُوَ إلَيْهِ) أَيْ الْقُعُودِ (أَقْرَبُ) بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ (عَادَ وَلَا سَهْوَ) ؛ لِأَنَّ مَا يَقْرَبُ إلَى الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الْمِصْرِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْقِيَامِ بِأَنْ رَفَعَ رُكْبَتَيْهِ (قَامَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) ، وَقِيلَ يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ مَا لَمْ يَسْتَقِمْ قَائِمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. (وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ) حَتَّى قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ (عَادَ مَا لَمْ يَسْجُدْ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ فَرْضًا (وَإِنْ سَجَدَ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَسْجُدْ (صَارَ فَرْضُهُ نَفْلًا وَضَمَّ) فِي الرُّبَاعِيِّ رَكْعَةً (سَادِسَةً إنْ شَاءَ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ قَصْدًا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ. (وَفِي الثُّلَاثِيِّ الصَّائِرِ أَرْبَعًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الضَّمِّ) إذْ الرَّكَعَاتُ الثَّلَاثُ بِضَمِّ الرَّابِعَةِ إلَيْهَا تَحَوَّلَتْ إلَى النَّفْلِ فَحَصَلَتْ الصَّلَاةُ التَّامَّةُ. (وَفِي الثُّنَائِيِّ الصَّائِرِ ثَلَاثًا) وَهُوَ الْفَجْرُ (لَا يَضُمُّ) رَابِعَةً لِيَكُونَ الْكُلُّ نَفْلًا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ طُلُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَذَا اللَّاحِقُ) أَقُولُ لَكِنْ لَا يُتَابِعُهُ إذَا انْتَبَهَ حَالَ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِالسَّهْوِ أَوْ جَاءَ إلَيْهِ مِنْ الْوُضُوءِ بَلْ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَالَ الْمَقْدِسِيُّ، وَذَكَرَ الْفَرْقَ فِي شَرْحِهِ. (قَوْلُهُ يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ. . . إلَخْ) إنَّمَا صَدَّرَ شَرْحَ الْمَتْنِ بِصِيغَةِ يَعْنِي إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَتْنَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَتْنًا كَذَا اللَّاحِقُ رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ اللَّاحِقَ كَالْمَسْبُوقِ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِهِ فِيمَا يَقْضِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ اللَّاحِقَ لَا يَأْتِي بِقِرَاءَةٍ وَلَا سَهْوٍ فِيمَا يَقْضِيهِ. [سَهَا عَنْ الْقُعُود الْأَوَّل فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْفَرْضِ] (قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ النَّفْلِ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ. وَقَالَ أَنَّهُ يَعُودُ فِي النَّفْلِ مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ اهـ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ) قَدَّمَ مَفْعُولَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ تَوْسِعَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الْأَفَاضِلِ فِي ضِرَامِ السَّقْطِ، وَإِنْ أَبَاهُ النَّحْوِيُّونَ قَالَهُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا. (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ) مِنْ الْأَرْضِ أَيْ، وَقَدْ رَفَعَ أَلْيَتَيْهِ عَنْهَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَنْصِبْ النِّصْفَ الْأَسْفَلَ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ اهـ. وَعَلَى هَذَا الْأَخِيرِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي، وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصَحُّ فِيهِ أَيْ التَّفْسِيرِ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ بِأَنْ يَسْتَوِيَ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ يَعْنِي وَظَهْرُهُ بَعْدُ مُنْحَنٍ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ اهـ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ إذَا عَادَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ عَادَ وَلَا سَهْوَ) أَقُولُ وَنَفْيُ السَّهْوِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْعِنَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ، وَقِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إذَا كَانَ لِلْقُعُودِ أَقْرَبُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَهُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ) وَمِثْلُهُ فِي الْبُرْهَانِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ يَعُودُ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الْأَصَحُّ اهـ قُلْت فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا ثُمَّ عَادَ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الصَّحِيحِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ لِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ اهـ. وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ قَدْ صَحَّحَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُجْتَبَى الصِّحَّةَ، وَذَكَرَهُ الْكَمَالُ بَحْثًا، وَذَكَرَ ابْنُ عَوْفٍ وَالْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا لِلْقُدُورِيِّ إنْ عَادَ إلَى الْقُعُودِ يَكُونُ مُسِيئًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَبَالَغَ فِي الْمُجْتَبَى فِي رَدِّ الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ وَجَعَلَ قَوْلَهُمْ إنَّهُ رَفَضَ الْفَرْضَ غَلَطًا بَلْ هُوَ تَأْخِيرٌ كَمَا لَوْ سَهَا عَنْ السُّورَةِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ وَيَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيَقْرَأُ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ وَكَمَا لَوْ سَهَا عَنْ الْقُنُوتِ وَرَكَعَ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ وَقَنَتَ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِي الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَلَوْ قَامَ الْمَأْمُومُ سَاهِيًا عَادَ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ عَلَيْهِ لِلْمُتَابَعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالثَّالِثَةُ فِي الثُّنَائِيَّةِ) تَسْمِيَةُ الْقُعُودِ فِيهَا بِالْأَخِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمُشَاكَلَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَجَدَ صَارَ فَرْضُهُ نَفْلًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَمَامُ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الْكَمَالُ اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِلْفَتْوَى قَوْلَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ. (قَوْلُهُ وَضَمَّ سَادِسَةً) أَقُولُ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ إنْ شَاءَ. . . إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَبْسُوطُ حَيْثُ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَشْفَعَ الْخَامِسَةَ وَيُخَالِفُهُ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ سَادِسَةً قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظُ الْأَصْلِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الثُّنَائِيِّ الصَّائِرِ ثَلَاثًا وَهُوَ الْفَجْرُ لَا يَضُمُّ. . . إلَخْ) أَقُولُ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِعَدَمِ الضَّمِّ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّتِهِ قُلْت الزِّيَادَةُ حَاصِلَةٌ بِمَا صَلَّاهُ لِانْقِلَابِهِ نَفْلًا، وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ يَضُمُّ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَا إذَا قَصَدَ لَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ اهـ فَالْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْفَجْرِ وَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ مَا إذَا جَلَسَ فِي آخِرِهِ وَمَا لَمْ

[محل سجود السهو]

الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ (وَإِنْ قَعَدَ الْأَخِيرَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ (ثُمَّ قَامَ سَهْوًا) وَلَمْ يُسَلِّمْ (عَادَ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ لِلْخَامِسَةِ فِي الرُّبَاعِيِّ وَالرَّابِعَةِ فِي الثُّلَاثِيِّ فَيُتِمُّ فَرْضَهُ) لِوُجُودِ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ (وَيَضُمُّ سَادِسَةً فِي الرُّبَاعِيِّ) لَمْ يَقُلْ هُنَا إنْ شَاءَ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَّ السَّادِسَةِ هَاهُنَا آكَدُ مِنْ ضَمِّهَا هُنَاكَ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ قَدْ تَمَّ هَاهُنَا لَكِنْ بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فَلَوْ قَطَعَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بِأَنْ لَا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ تَرْكُ الْوَاجِبِ، وَلَوْ جَلَسَ مِنْ الْقِيَامِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَمْ يُؤَدِّ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَضُمَّ سَادِسَةً وَيَجْلِسَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ ثَمَّةَ لَمْ تَبْقَ لِيَحْتَاجَ إلَى تَدَارُكِ نُقْصَانِهَا (وَلَوْ عَصْرًا) إشَارَةٌ إلَى ضَعْفِ مَا قِيلَ لَا يَضُمُّ فِي الْعَصْرِ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَهَا، وَقِيلَ يَضُمُّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَتَنَاوَلُ الْمَقْصُودَ فَلَا يُكْرَهُ بِدُونِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. (وَ) يَضُمُّ (خَامِسَةً فِي الثُّلَاثِيِّ لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ) فِي الصُّورَتَيْنِ (نَفْلًا، وَإِنْ لَمْ تَنُوبَا سُنَّةَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ) ؛ لِأَنَّ مُوَاظَبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ. (وَيَسْجُدُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَضُمُّ (لِلسَّهْوِ) لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ (وَمُقْتَدٍ بِهِ فِيهِمَا) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ (صَلَّاهُمَا) بِتَبَعِيَّةِ الْإِمَامِ (وَقَضَاهُمَا إنْ أَفْسَدَ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ قَصْدًا (وَفِي الْفَجْرِ الصَّائِرِ ثَلَاثًا لَا يَضُمُّ رَابِعَةً) لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَهُ كَمَا كُرِهَ قَبْلَهُ مُطْلَقًا وَفِي الْعَصْرِ يُكْرَهُ بَعْدَهُ إذَا شَرَعَ بِالْقَصْدِ لَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا. لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَالِ الْفَرْضِ بِالنَّظَرِ إلَى السَّهْوِ فِي الْقُعُودِ أَرَادَ بَيَانَ حَالِ النَّفْلِ فِيهِ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ فَقَالَ (تَرَكَ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ فِي النَّفْلِ سَهْوًا سَجَدَ وَلَمْ يَفْسُدْ) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَفْسُدُ وَيَجِبُ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ كَمَا شُرِعَ رَكْعَتَيْنِ شُرِعَ أَرْبَعًا أَيْضًا فَإِذَا تَرَكَ الْقَعْدَةَ وَقَامَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي أَمْكَنَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكُلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً وَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لَمْ يُفْرَضْ إلَّا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ قَعْدَةُ الْخَتْمِ وَالتَّحَلُّلِ كَمَا فِي الظُّهْرِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ وَبِضَمِّ الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يَصِيرُ الْكُلُّ صَلَاةً وَاحِدَةً وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ وَلَكِنَّهَا فُرِضَتْ لِلْخَتْمِ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْمَفْرُوضِ فَرْضٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ هَاهُنَا صَارَتْ الصَّلَاةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَلَمْ تَكُنْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى لِلْخَتْمِ فَلَمْ تَبْقَ فَرْضًا كَمَا فِي الْفَرْضِ، كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجْلِسْ عَلَى أَنَّا نَقُولُ يَجِبُ الضَّمُّ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْأَصْلِ وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي عَدَمِ كَرَاهِيَةِ الضَّمِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ عَادَ وَسَلَّمَ) أَقُولُ وَلَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ، وَإِنَّمَا يَعُودُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْ وَسَلَّمَ قَائِمًا حُكِمَ بِصِحَّةِ فَرْضِهِ لِيَأْتِيَ بِالسَّلَامِ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ حَالَ الْقِيَامِ وَهَلْ يَتَّبِعُهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْقِيَامِ قِيلَ نَعَمْ فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ يَتَّبِعُونَهُ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيُّ عَنْ عُلَمَائِنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَّبِعُونَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَيَنْتَظِرُونَهُ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ السَّجْدَةِ تَبِعُوهُ فِي السَّلَامِ، وَإِنْ سَلَّمَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ هَهُنَا إنْ شَاءَ. . . إلَخْ) نَقَلَهُ الشُّمُنِّيُّ عَنْ شَرْحِ الْوِقَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ) أَقُولُ، وَكَذَا قَالَ الْكَمَالُ الْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ، وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا اهـ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ طَلَعَ الْفَجْرُ عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا فَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُمَا تُجْزِئَانِهِ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَفِي جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ لَا تَنُوبَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. [مَحِلّ سُجُود السَّهْو] (قَوْلُهُ وَمُقْتَدٍ بِهِ فِيهِمَا صَلَّاهُمَا) أَيْ لَزِمَهُ صَلَاتُهُمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ أَيْ يُصَلِّيَ سِتًّا قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ وَقَضَاهُمَا إنْ أَفْسَدَ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ. (قَوْلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ الْخَامِسَةِ فِي الرُّبَاعِيِّ وَالرَّابِعَةِ فِي الثُّلَاثِيِّ. (قَوْلُهُ وَفِي الْفَجْرِ الصَّائِرِ ثَلَاثًا لَا يَضُمُّ رَابِعَةً) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمُقْتَضَى التَّصْحِيحِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ الضَّمُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ. (قَوْلُهُ كَمَا كُرِهَ قَبْلَهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَفِي الْعَصْرِ يُكْرَهُ بَعْدَ إذَا شَرَعَ بِالْقَصْدِ. . . إلَخْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي الْفَجْرِ وَقَامَ لِثَلَاثَةٍ لَا يَضُمُّ وَقَدَّمْنَا عَلَى مُقْتَضَى التَّصْحِيحِ مِنْ الضَّمِّ فِي الْعَصْرِ أَنَّهُ يَضُمُّ فِي الْفَجْرِ فَكَذَلِكَ هُنَا. [سُجُود السَّهْو فِي صَلَاة النَّفَل] (قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَيَجِبُ سَجْدَتَا السَّهْوِ) أَقُولُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ أَمْكَنَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكُلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً) أَيْ فَيَجِبُ الْجُلُوسُ عَلَى كُلِّ شَفْعٍ فَإِذَا تَرَكَهُ لَزِمَ السَّهْوُ. (قَوْلُهُ لَا تَصِيرُ الْكُلُّ صَلَاةً وَاحِدَةً) أَيْ مَفْرُوضَةً.

فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (تَنَفَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا فَسَجَدَ لَا يَبْنِي) أَيْ لَا يُصَلِّي بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ صَلَاةً بِلَا تَجْدِيدِ تَحْرِيمَةٍ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ وَقَعَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ (وَلَوْ بَنَى صَحَّ) لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ. (وَ) لَكِنْ (أَعَادَهُ) أَيْ سُجُودَ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَقَعَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ. (سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مَوْقُوفًا) لَا قَطْعًا (حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَيَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِالْقَهْقَهَةِ وَيَصِيرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ إنْ سَجَدَ) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ يَصِحُّ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ (فَلَا) يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ (وَسَلَامُهُ) أَيْ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ (لِلْقَطْعِ) أَيْ بِنِيَّةِ قَطْعِ الصَّلَاةِ (لَا يَقْطَعُ) ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لِتَغْيِيرِ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو كَمَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ سِتًّا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤْتَى بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالصُّلْبِيَّةُ يُؤْتَى بِهَا فِي حَقِيقَتِهَا، وَقَدْ بَطَلَتْ بِالسَّلَامِ الْعَمْدِ (مَا لَمْ يَتَحَوَّلْ) عَنْ الْقِبْلَةِ (أَوْ يَتَكَلَّمْ) فَإِنَّهُمَا يُبْطِلَانِ التَّحْرِيمَةَ (وَقِيلَ) لَا يَقْطَعُ بِالتَّحَوُّلِ (مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ) وَالْأَصْلُ أَنْ يَسْجُدَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ، وَإِنْ مَشَى أَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (مُصَلَّيْ الظُّهْرِ سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَوَهَّمُ الْإِتْمَامَ) أَيْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ (أَتَمَّهَا) أَيْ أَتَمَّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ كَذَلِكَ (بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ أَوْ كَانَ) الْمُصَلِّي (قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَظَنَّ أَنَّ الظُّهْرَ) أَيْ فَرْضَهُ (رَكْعَتَانِ أَوْ) كَانَ (فِي الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ حَيْثُ تَبْطُلُ) صَلَاتُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَامِدًا. لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ. (شَكُّ مَنْ لَيْسَ) الشَّكُّ (عَادَتَهُ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ وَشَكُّ أَوَّلِ مَرَّةٍ قَالَ فِي الْكَافِي مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّكَّ لَيْسَ بِعَادَةٍ لَهُ لَا أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِي عُمُرِهِ قَطُّ (أَنَّهُ كَمْ صَلَّى) مُتَعَلِّقٌ بِشَكُّ (اسْتَأْنَفَ، وَإِنْ كَثُرَ) الشَّكُّ (عَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ) ظَنُّهُ (أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَقَعَدَ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ آخِرَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (شَكَّ فِيهَا) أَيْ صَلَاتِهِ (فَتَفَكَّرَ) فِي ذَلِكَ (حَتَّى اسْتَيْقَنَ إنْ طَالَ) تَفَكُّرُهُ (قَدْرَ مَا يُمْكِنُ فِيهِ أَدَاءُ رُكْنٍ) مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (وَجَبَتْ السَّجْدَةُ) عَلَيْهِ (وَلَوْ) لَمْ يَكُنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ تَنَفَّلَ رَكْعَتَيْنِ. . . إلَخْ) نَفْيُ الْبِنَاءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَلَكِنْ أَعَادَهُ أَيْ سُجُودَ السَّهْوِ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ذَكَرَ جَدِّي صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ مَا أَتَاهُ مِنْ السُّجُودِ بَطَلَ فَيُعِيدُهُ اهـ. وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُعِيدُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ اهـ. وَهَذَا الْأَخِيرُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى. (قَوْلُهُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مَوْقُوفًا. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا لَا مَوْقُوفًا وَلَا بَاتًّا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ إنْ سَجَدَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ يَصِحُّ. . . إلَخْ) أَقُولُ شَرْطُ السُّجُودِ وَاضِحٌ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ لِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا شَرْطُ السُّجُودِ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَلِلُزُومِ الْإِتْمَامِ فَقَدْ تَابَعَ فِيهِ صَرِيحَ غَايَةِ الْبَيَانِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ غَلَطٌ فَلَا تَنْتَقِضُ الطَّهَارَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ سَجَدَ أَمْ لَمْ يَسْجُدْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا اهـ قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ بِالسَّلَامِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْخُرُوجَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بَلْ مَعْنَاهُ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِكُلٍّ بِفَرْضِيَّةِ الْعَوْدِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ فَإِذَا قَهْقَهَ لَمْ تُصَادِفْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ نَصَّ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ اهـ. وَتَعَذَّرَ الْعَوْدُ إلَى السُّجُودِ بَعْدَ الْقَهْقَهَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ لِعَدَمِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا عِنْدَهُمَا وَالْوَجْهُ لِعَدَمِ صَيْرُورَةِ فَرْضِهِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَيَسْقُطُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُجُودَ السَّهْوِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَيَتْرُكُهُ وَيَقُومُ وَلَا يُؤْمَرُ بِأَدَاءِ شَيْءٍ إذَا كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. (قَوْلُهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ بِعَدَمِ عِلْمِ الْجَمِيعِ بِهِ وَفَسَادِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ. (قَوْلُهُ شَكَّ) يَعْنِي فِي صَلَاتِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالظَّرْفِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْكَمَالُ قَيَّدَ بِالظَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إنْ وَقَعَ فِي التَّعْيِينِ لَيْسَ غَيْرُ، فَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا يَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي مَعْنَاهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ مَا قِيلَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَيْ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ، وَقِيلَ أَوَّلُ مَا وَقَعَ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ كَذَا أَفَادَهُ الْمَقْدِسِيُّ. (قَوْلُهُ وَقَعَدَ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ آخِرَهَا) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ الْكَمَالُ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ قُصُورٌ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْهِدَايَةِ فَمَنْ أَرَادَ فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا.

[باب سجود التلاوة]

الْقَدْرَ بَلْ كَانَ (دُونَهُ لَا) تَجِبُ السَّجْدَةُ؛ لِأَنَّ الْفِكْرَ الطَّوِيلَ مِمَّا يُؤَخِّرُ الْأَرْكَانَ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَالْفِكْرُ الْقَلِيلُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ. (بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ) (يَجِبُ) مُوَسَّعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَفَوْرًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (سَجْدَةٌ) فَاعِلُ يَجِبُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ السَّجْدَةِ (تَسْبِيحُ السُّجُودِ) يَعْنِي سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى (بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ) وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَجْدَةٌ (بِلَا رَفْعِ يَدٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ سُجُودَهَا كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسهُ اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (وَلَا تَشَهُّدَ وَلَا سَلَامَ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ عُدِمَتْ هَاهُنَا (عَلَى مَنْ تَلَا آيَةً) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ (وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (مِنْ الْأَرْبَعَ عَشْرَ الْمَعْرُوفَةِ) وَهِيَ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ وَفِي الرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمَ وَأُولَى الْحَجِّ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وَالَمْ السَّجْدَةِ وَصِّ وَحُمَّ السَّجْدَةِ وَالنَّجْمِ وَانْشَقَّتْ وَاقْرَأْ (مِمَّنْ) بَيَانٌ لِمَنْ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَنْ تَلَا يَعْنِي إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ مَنْ (تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ) أَدَاءً وَقَضَاءً وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ (فَتَجِبُ عَلَى الْأَصَمِّ) إذَا تَلَا لِأَنَّهُ أَهْلُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ (وَالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ) إذَا تَلَوْا لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْقَضَاءِ (لَا) عَلَى (الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لَهُمَا (أَوْ سَمِعَهُمَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَلَا آيَةَ (وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ) أَيْ السَّمَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] هَذَا مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ وَقَصَرَ السَّبَبَ عَلَى التِّلَاوَةِ دُونَ السَّمَاعِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ فِي حَقِّهِ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ أَصْلًا فِي الْبَابِ (قَوْلُهُ يَجِبُ مُوَسَّعًا. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْخَارِجِيَّةِ لَا الصَّلَاتِيَّةِ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ وَأَمَّا الصَّلَاتِيَّةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ مُضَيَّقًا اهـ. وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ الصَّلَاتِيَّةُ مُوَسَّعًا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّهَا كَمَا لَوْ تَلَا فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَسَجَدَهَا فِي آخِرِهَا وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاتِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاتِيَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحْرِيمِيَّةً لَكَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ) أَقُولُ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ فِيهَا تَسْبِيحُ السُّجُودِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الْكَمَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صَحَّحَ عَلَى عُمُومِهِ، فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقُولُ فِيهَا مَا يُقَالُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَوْ نَفْلًا قَالَ مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ. . . إلَخْ وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي عِنْدَك بِهَا أَجْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أُثِرَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) أَيْ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ) يَعْنِي إلَّا التَّحْرِيمَةَ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلرَّفْعِ وَالْوَضْعِ وَكُلٌّ مِنْ التَّكْبِيرَتَيْنِ سُنَّةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ فَيَخِرَّ سَاجِدًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ مَا وَقَعَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَاعِدًا لَا يَقُومُ لَهَا فَخِلَافُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَا يُؤْمَرُ التَّالِي بِالتَّقَدُّمِ وَلَا بِالِاصْطِفَافِ وَلَكِنْ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ حَيْثُ كَانُوا وَكَيْفَ كَانُوا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَلَا آيَةً) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَمَامُ الْآيَةِ لِلُزُومِ السُّجُودِ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ حَرْفَ السَّجْدَةِ وَقَبْلَهُ كَلِمَةً أَوْ بَعْدَهُ كَلِمَةً وَجَبَ السُّجُودُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَوْلُ الْجَوْهَرَةِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ يَعْنِي مَعَ حَرْفِ السَّجْدَةِ لِمَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَوَائِدِ السفكردري لَوْ تَلَا مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْآيَةِ وَتَرَكَ الْحَرْفَ الَّذِي فِيهِ السَّجْدَةُ لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي فِيهِ السَّجْدَةُ إنْ قَرَأَ مَا بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْآيَةِ تَجِبُ السَّجْدَةُ وَمَا لَا فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَقُولُ التِّلَاوَةُ مُوجِبَةٌ عَلَى التَّالِي اتِّفَاقًا فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالنَّمْلِ) أَقُولُ وَيَجِبُ فِيهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] وَعِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ الْكِسَائِيّ وَعِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَلا يَسْجُدُوا} [النمل: 25] عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ وَمَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ ص {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ {وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] وَاَلَّتِي مِنْ حم السَّجْدَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَفِي الِانْشِقَاقِ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ أَدَاءً وَقَضَاءً) الْوَاوُ وَبِمَعْنَى أَوْ لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ (قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونِ) عَلَّلَ عَدَمَ اللُّزُومِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ زَادَ جُنُونُهُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذًا فِيمَا دُونَهُ يَقْضِي فَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ السَّجْدَةِ عَلَيْهِ بِتِلَاوَتِهِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ عَنْ

(فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ) إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (مِمَّنْ ذَكَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِسَمِعَهَا وَمَنْ ذَكَرَ هُوَ الْأَصَمُّ. . . إلَخْ . (وَ) سَمِعَ (مِنْ النَّائِمِ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ (لَا) عَلَى مَنْ سَمِعَهَا (مِنْ الطَّيْرِ وَالْمَجْنُونِ الْمَطْبَقِ وَالصَّدَى وَالْمُؤْتَمِّ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْقِرَاءَةِ فَالْقِرَاءَةُ مِنْهُمْ كَلَا قِرَاءَةٍ وَالْمَسْمُوعُ كَلَا مَسْمُوعٍ أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَادِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ لَا حُكْمَ لَهُ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُمْ مَنْهِيُّونَ وَالنَّهْيُ غَيْرُ الْحَجْرِ قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمُؤْتَمِّ كَهُوَ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالطَّيْرِ وَالصَّدَى لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ تَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ سَمِعَهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ صِغَرٍ وَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ أَقُولُ وَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّ مُرَادَ قَاضِي خَانْ بِالْمَجْنُونِ الْمَجْنُونُ الْغَيْرُ الْمُطْبَقِ وَمُرَادُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّ الْجُنُونَ إذَا قَصُرَ فَكَانَ يَوْمًا وَلَيْلَة أَوْ أَقَلَّ تَلْزَمُهُ تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْجُنُونَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ قَاصِرٌ كَمَا مَرَّ وَكَامِلٌ وَغَيْرُ مُطْبِقٍ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَدْ يَزُولُ وَكَامِلٌ مُطْبِقٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يَزُولُ، وَالْأَشْخَاصُ أَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: أَحَدُهَا مَنْ يَلْزَمُ بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِ وَبِسَمَاعِهَا مِنْهُ عَلَى غَيْرِ سَجْدَةٍ وَمِنْهُ الْمَجْنُونُ الْقَاصِرُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ وَثَانِيهَا: مَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ لَكِنْ تَلْزَمُ بِسَمَاعِهَا مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ وَمِنْهُ الْمَجْنُونُ الْكَامِلُ الْغَيْرُ الْمُطْبَقِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَثَالِثُهَا مَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِتِلَاوَتِهَا شَيْءٌ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (وَيُؤَدَّى) أَيْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ (بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ) غَيْرِ رُكُوعِ الصَّلَاةِ وَسُجُودِهَا كَائِنَيْنِ (فِي الصَّلَاةِ لَهَا) أَيْ لِلتِّلَاوَةِ (وَ) تُؤَدَّى (بِرُكُوعِ الصَّلَاةِ) إذَا كَانَ الرُّكُوعُ (عَلَى الْفَوْرِ) أَيْ عَقِيبَ قِرَاءَةِ الْآيَةِ (إنْ نَوَاهُ) أَيْ كَوْنَ الرُّكُوعِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ. (وَ) يُؤَدَّى أَيْضًا (بِسُجُودِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) يَعْنِي لَوْ تَلَاهَا فِي صَلَاتِهِ إنْ شَاءَ رَكَعَ لَهَا وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السَّجْدَةِ إظْهَارُ الْخُشُوعِ لِلْمَعْبُودِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالرُّكُوعِ أَيْضًا وَيَتَأَدَّى بِالسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّوَادِرِ وَكَذَا النَّائِمُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِتِلَاوَتِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا تَلْزَمُهُ حَكَاهُمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ إذَا أُخْبِرَ) هَذَا فِي الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُشْرَطُ فَهْمُهَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ إنَّهَا مُوجَبَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ قُرْآنٌ مَعْنًى لَا نَظْمًا فَبِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى تُوجِبُ السَّجْدَةَ وَبِاعْتِبَارِ النَّظْمِ لَا تُوجِبُهَا فَتَجِبُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا، فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَلَا تَجُوزُ بِاعْتِبَارِ النَّظْمِ فَلَمْ تَجُزْ احْتِيَاطًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَمِعَ مِنْ النَّائِمِ. . . إلَخْ) كَذَا نَقَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَدَمَ اللُّزُومِ بِالسَّمَاعِ مِنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا سَمِعَهَا مِنْ مَجْنُونٍ يَجِبُ وَكَذَا مِنْ النَّائِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا اهـ فَقَدْ اخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ وَالتَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ وَالصَّدَى) هُوَ الَّذِي يُجِيبُك مِثْلَ صَوْتِك فِي الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ وَالْمُؤْتَمِّ) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُقْتَدِيًا لَا مُطْلَقًا إذْ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ بِسَمَاعِهِ مِنْ الْمُقْتَدِي كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ. . . إلَخْ) أَقُولُ الْمُخَالَفَةُ مُقَرَّرَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَقَدْ حَكَى تَصْحِيحَ كُلٍّ مِنْ لُزُومِ السُّجُودِ وَعَدَمِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْمَجْنُونِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ قَاضِي خَانْ عَلَى رِوَايَةٍ وَكَلَامَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ عَلَى الْأُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي التَّوْفِيقِ لَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْسِيمِ الْجُنُونِ إلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ بَلْ هُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مُطْبَقٌ وَغَيْرُهُ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمُطْبَقِ وَمَا جَعَلَهُ ثَالِثًا لِأَقْسَامِ الْجُنُونِ مِنْ أَنَّهُ الْمُطْبَقُ الَّذِي لَا يَزُولُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيُرْتَجَى زَوَالُهُ فَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ عَدَمَ زَوَالِهِ إلَّا بِالْمَوْتِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَجْنُونُ إذَا تَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ إذَا أَفَاقَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُطْبَقًا وَقَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ تَفْسِيرُ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَكْثَرُ السُّنَّةِ وَفِي رَاوِيَةٍ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا شَهْرٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ سُنَّةٌ كَامِلَةٌ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ شَهْرٌ، وَبِهِ يُفْتِي لَا مَحَالَةَ فَفِي الصَّلَوَاتِ سِتُّ صَلَوَاتٍ وَفِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي بِرُكُوعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ. . . إلَخْ) أَقُولُ اُخْتُلِفَ فِي انْقِطَاعِ الْفَوْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِقِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ بَعْدَ آيَةِ السَّجْدَةِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا يَقْطَعُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِ مِثْلِهِ، وَسَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ هُوَ الرِّوَايَةُ (قَوْلُهُ إنْ نَوَاهُ) هَذَا عَلَى قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تُشْتَرَطُ إلَيْهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ

تُوَافِقُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّلَاوَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ لَا بُدَّ لِلرُّكُوعِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى يَنُوبَ عَنْ التِّلَاوَةِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ (يَسْجُدُ الْمُؤْتَمُّ بِتِلَاوَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ) لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ (وَلَوْ تَلَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَسْجُدَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْتَمُ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْمَأْتَمَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا حُكْمَ لِفِعْلِهِ (أَصْلًا) أَيْ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا (بِخِلَافِ الْخَارِجِ) مِنْ الصَّلَاةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْمُؤْتَمِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَلِّينَ فَلَا يَعْدُوهُمْ (سَمِعَ الْمُصَلِّي) الْآيَةَ (مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَسْجُدْ فِيهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ (بَلْ يَسْجُدُ بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا (وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا لَمْ تُجْزِئْهُ) لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَقَدْ وَجَبَتْ السَّجْدَةُ كَامِلَةً بِسَبَبٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَدَّى فِيهَا يَقَعُ نَاقِصًا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ (بَلْ أَعَادَهُ) أَيْ السُّجُودَ (دُونَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ لَا يُنَافِي إحْرَامَ الصَّلَاةِ (سَمِعَ) رَجُلٌ (مِنْ إمَامٍ) لَيْسَ هُوَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ (وَلَمْ يَأْتَمَّ بِهِ) أَصْلًا (أَوْ ائْتَمَّ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى سَجَدَ خَارِجَهَا) أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الصَّلَاةِ (وَإِنْ ائْتَمَّ فِيهَا) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي سَمِعَهَا فِيهَا قَبْلَ سُجُودِ إمَامِهِ (سَجَدَ مَعَهُ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا سَجَدَهَا مَعَهُ كَمَا مَرَّ فَهَاهُنَا أَوْلَى (وَإِنْ ائْتَمَّ فِيهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ سُجُودِ إمَامِهِ (لَا) يَسْجُدُ (مُطْلَقًا) أَيْ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ (وَسَجْدَةٌ مَحَلُّهَا الصَّلَاةُ لَا تُقْتَضَى خَارِجَهَا) لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ وَلَهَا مَزِيَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ الْخُلَاصَةُ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْفَوْرُ كَمَا لَوْ قَرَأَ آيَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ نَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الْخِلَافِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ فَلَمْ يَصِحَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا أَيْ وَقَدْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلٍ (قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ. . . إلَخْ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْفَوْرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. . . إلَخْ) يَعْنِي وَقَالَ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ وَإِنَّمَا اخْتَارَ قَوْلَهُ وَلِمُوَافَقَتِهِ نَصَّ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْمُؤْتَمِّ. . . إلَخْ) هَكَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا يَسْجُدُهَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِلْحَجْرِ بَلْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَجْرَ. . . إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِعُمُومِ عَدَمِ اللُّزُومِ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتَضْعَفَ بَعْضُهُمْ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى السَّامِعِ مِنْ الْمُقْتَدِي خَارِجَ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ يَدْفَعُ هَذَا الِاسْتِضْعَافَ وَضَعَّفَ الْأَتْقَانِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ كَالصَّبِيِّ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ يَعْنِي وَاسْتَمَرَّ حَجْرُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ صَوَابُ النِّسْبَةِ فِيهَا صَلَوِيَّةٌ بِرَدِّ أَلْفِهِ وَاوًا وَحَذْفِ التَّاءِ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ حَذَفُوهَا فِي نِسْبَةِ الْمُذَكَّرِ إلَى الْمُؤَنَّثِ كَنِسْبَةِ الرَّجُلِ إلَى بَصْرَةَ مَثَلًا فَقَالُوا بَصْرِيٌ لَا بَصْرَتِيٌّ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ تَاءَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ فَيَقُولُونَ بَصْرَتِيٌّ فَكَيْفَ بِنِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ إلَى الْمُؤَنَّثِ اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ خَطَأٌ مُسْتَعْمَلٌ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ نَادِرٍ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ أَعَادَهُ دُونَهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ فِي التَّنْجِيسِ وَالْمُجْتَبَى وَالْوَلْوالِجِيَّة عَدَمَ الْفَسَادِ بِأَنْ لَا يُتَابِعَ الْمُصَلِّي السَّامِعَ الْقَارِئَ، فَإِنْ تَابَعَهُ الْمُصَلِّي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِلْمُتَابَعَةِ وَلَا تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ عَمَّا سَمِعَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ ائْتَمَّ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى سَجَدَ خَارِجَهَا) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الزَّيْلَعِيُّ بِصِيغَةِ قِيلَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا وَالثَّانِي لَا يَسْجُدُ خَارِجَهَا وَلَكِنْ اقْتَصَرَ الْكَمَالُ عَلَى مِثْلِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ فِي النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ائْتَمَّ فِيهَا بَعْدَهُ. . . إلَخْ) هَذَانِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ ثَالِثَةِ الْوِتْرِ لَا يَقْنُتُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَسَجْدَةٌ مَحَلُّهَا الصَّلَاةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا) هَذَا إذَا لَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ أَمَّا إذَا فَسَدَتْ وَلَمْ يَسْجُدْ فَعَلَيْهِ السَّجْدَةُ خَارِجَهَا لِأَنَّهَا لَمَّا فَسَدَتْ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقِرَاءَةِ فَلَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً وَلَوْ أَدَّاهَا فِيهَا ثُمَّ فَسَدَتْ يُعِيدُ السَّجْدَةَ إلَّا إذَا أُفْسِدَتْ بِالْحَيْضِ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ، وَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ يَأْثَمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَخْرَجُ لَهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِسُقُوطِهَا عَدَمَ الْإِثْمِ، فَإِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَقَعُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ وَلَهَا مَزِيَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ لَيْسَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ أَيْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا أَيْ وَجْهٌ يَقْتَضِي عَدَمَ قَضَائِهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهَا لَهَا مَزِيَّةٌ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الَّتِي خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا تَقُومُ مَقَامَهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْفَائِتَةِ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا نَقْصَ فِي حَقِيقَةِ الْخَارِجِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ تُقْضَى بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمُنَافٍ

لَمْ يَقُلْ وَسَجْدَةٌ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ عَمَّا وَجَبَتْ فِيهَا وَمَحَلُّ أَدَائِهَا خَارِجَهَا كَمَا إذَا سَمِعَ الْمُصَلِّي مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ أَوْ سَمِعَ مِنْ إمَامِهِ وَاقْتَدَى بِهِ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى (تَلَا خَارِجَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فَسَجَدَ وَأَعَادَ فِيهَا سَجَدَ أُخْرَى) لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا يَقَعُ عَمَّا وَجَبَ فِي الصَّلَاةِ (وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ اسْتَتْبَعَتْ غَيْرَهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْمَجْلِسُ (كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ) حَيْثُ كَفَتْ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ قَرَأَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ أَوْ قَرَأَ وَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ (لَا مَجْلِسَيْنِ) فَإِنَّ تَكْرَارَهَا فِيهِمَا يُوجِبُ سَجْدَتَيْنِ (وَلَوْ بَدَّلَهَا) أَيْ قَرَأَ بَدَلَ الْآيَةِ الْأُولَى آيَةً أُخْرَى (فِي مَجْلِسٍ لَمْ تَكْفِ) وَاحِدَةٌ بَلْ وَجَبَ سَجْدَتَانِ الْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَهُوَ تَدَاخُلُ السَّبَبِ لَا الْحُكْمِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ لِلِاحْتِيَاطِ وَالثَّانِي بِالْعُقُوبَاتِ لِإِظْهَارِ كَرَمِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِمْكَانِ التَّدَاخُلِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ، فَإِذَا اخْتَلَفَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ (وَإِسْدَاءُ الثَّوْبِ وَالِانْتِقَالُ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ تَبْدِيلٌ) لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً وَعَدَمِ الْجَامِعِ حُكْمًا بِخِلَافِ زَوَايَا الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ (لَا الْفِعْلُ الْقَلِيلُ) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِتَبْدِيلٍ (كَالْقِيَامِ) حَيْثُ كَفَتْ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءً وَقَعَتْ بَعْدَ الْفِعْلِ كَأَنْ تَلَا فَقَامَ ثُمَّ ثَنَّى فَسَجَدَ أَوْ قَبْلَهُ كَأَنْ تَلَا فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَثَنَّى (وَمَشَى خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ وَأَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ وَشَرِبَ شَرْبَةَ مَاءٍ وَالتَّكَلُّمُ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا لَا يَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ كَالْقُعُودِ وَالِاتِّكَاءِ وَالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلَا آيَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحُرْمَتِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُمْ الصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا بِهَذَا وَأَنْ يُرَادَ بِالْخَارِجِ الْخَارِجُ عَنْ حُرْمَتِهَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ وَسَجْدَةٌ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا وَمَنْ قَالَ وَسَجْدَةٌ وَجَبَتْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ تَلَا خَارِجَهَا فَسَجَدُوا عَادَ فِيهَا سَجَدَ أُخْرَى) أَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا لَا يَبْقَى عَلَيْهِ إلَّا الْإِثْمُ لِأَنَّ مَا تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ صَارَتْ صَلَاتِيَّةً وَهِيَ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي رَاوِيَةِ النَّوَادِرِ لَا تَسْقُطُ الْأُولَى بَلْ يُؤَدِّيهَا إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْبَزْدَوِيِّ وَلَوْ عَكَسَ بِأَنْ تَلَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أُخْرَى وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ أُخْرَى وَوَفَّقَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْنَهَا فَقَالَ: إنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ يَجِبُ أُخْرَى لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَنَوَادِرِ الصَّلَاةِ لِأَبِي حَفْصٍ وَأَمَّا عَلَى رَاوِيَةِ النَّوَادِرِ لِأَبِي سُلَيْمَانَ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَتْبِعُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ وَيَسْجُدُ لِلْأُولَى إذَا فَرَغَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْمَجْلِسُ) أَيْ حُكْمًا وَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ الْوَجْهِ لِمَا رَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ وَهُوَ أَنَّ الْمَجْلِسَ يَتَبَدَّلُ حُكْمًا لِأَنَّ مَجْلِسَ التِّلَاوَةِ غَيْرُ مَجْلِسِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا عَلَى الظَّاهِرِ فَالْمَجْلِسُ مُتَّحِدٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ لِشُرُوعِهِ فِي مَكَانِهِ وَهُوَ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَبِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّ التِّلَاوَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بِخِلَافِ نَحْوِ الْأَكْلِ وَلَوْ لَمْ يَتَّحِدْ حَقِيقَةً أَوْ تَبَدَّلَ حُكْمًا بِعَمَلِ غَيْرِ الصَّلَاةِ لَا تَكْفِيهِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ عَمَّا وَجَبَ قَبْلَهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ) يَعْنِي إذَا أَمْكَنَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِمْكَانُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَكَرَّرَ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ لَا الْحُكْمِ) أَقُولُ وَالْأَصْلُ هُوَ التَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ لِكُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبًا فَيَلِيقُ التَّدَاخُلُ بِالْأَحْكَامِ لَا بِالْأَسْبَابِ لِثُبُوتِ الْأَسْبَابِ حِسًّا لَكِنَّا لَوْ قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ فِي الْعِبَادَاتِ لَبَطَلَ التَّدَاخُلُ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَسْبَابِ يَتَعَدَّدُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ يَتَّحِدُ فَيَتَعَدَّدُ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّكْثِيرِ بِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ، فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ وَالْعَفْوِ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي السَّبَبِ تَنُوبُ فِيهِ الْوَاحِدَةُ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَفِي التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا اخْتَلَفَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ) أَيْ تَكَرَّرَ الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ (قَوْلُهُ: وَإِسْدَاءُ الثَّوْبِ. . . إلَخْ) هُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا يَتَكَرَّرُ فِي الدِّيَاسَةِ لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ اعْلَمْ أَنَّ تَكَرُّرَ الْوُجُوبِ فِي التَّسْدِيَةِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَادِ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهَا أَنْ يَغْرِسَ الْحَائِكُ خَشَبًا لِيُسَوِّيَ فِيهَا السُّدَى ذَاهِبًا وَجَائِيًا، وَأَمَّا عَلَى مَا هِيَ فِي بِلَادِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرِهَا بِأَنْ يُدِيرَهُ عَلَى دَائِرَةٍ عُظْمَى وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ اهـ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ زَوَايَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْبَيْتِ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْبَيْتُ كَبِيرًا وَالْمَسْجِدُ عَظِيمًا كَالْجَامِعِ يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ) كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَعَلَ الْكَثِيرَ مَا فَوْقَ ثِنْتَيْنِ وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ عَنْ الرَّوْضَةِ بِالْأَكْلِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ حَتَّى يَشْبَعَ وَبِالشُّرْبِ حَتَّى يُرْوَى وَبِالْكَلَامِ وَالْعَمَلِ حَتَّى يَكْثُرَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَالرُّكُوبِ) يَعْنِي فِي مَحَلِّ قِرَاءَتِهِ

[باب الجنائز]

سَجْدَةٍ أُخْرَى أَوْ ثَنَّى بَعْدَ فِعْلٍ كَثِيرٍ كَمَشْيِ خُطُوَاتٍ فَإِنَّهَا لَا تَكْفِي (كَرَّرَهَا رَاكِبًا) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُصَلٍّ تَتَكَرَّرُ) السَّجْدَةُ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ فَاعْتُبِرَ مَكَانُ الْأَرْضِ لَا ظَهْرُ الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ غَيْرَ مُصَلٍّ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ تَجْعَلُ الْأَمْكِنَةَ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَوْلَاهُ لَمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ إذْ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا (وَفِي فُلْكٍ رَكْعَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ لَا) يَعْنِي لَوْ كَرَّرَهَا فِي فُلْكٍ لَا تَتَكَرَّرُ السَّجْدَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْفُلْكَ كَالْبَيْتِ إذْ جَرَيَانُهَا لَا يُضَافُ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] وَلَوْ كَرَّرَ الْمُصَلِّي فِي رَكْعَةٍ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَلَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (تَبَدُّلُ مَجْلِسِ السَّامِعِ لَا التَّالِي يُوجِبُ) سَجْدَةً (أُخْرَى عَلَيْهِ) أَيْ السَّامِعِ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ تَبَدُّلُ مَجْلِسِ التَّالِي لَا يُوجِبُ سَجْدَةً أُخْرَى عَلَى السَّامِعِ (وَلَا يَرْفَعُ) السَّامِعُ (رَأْسَهُ قَبْلَ التَّالِي) لِأَنَّهُ كَالْإِمَامِ لَهُ (وَكُرِهَ قِرَاءَةُ إمَامٍ يُخَافِتُ) أَيْ كُرِهَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي صَلَاةٍ يُخَافِتُ فِيهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَى الْقَوْمِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي رُكُوعِهِ عَلَى الْفَوْرِ . (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (تَرْكُ آيَتِهَا وَقِرَاءَةُ الْبَاقِي) لِأَنَّهُ يُوهِمُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا وَالْفِرَارَ عَنْ لُزُومِ السَّجْدَةِ عَلَيْهِ (وَنُدِبَ ضَمُّ آيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ إلَيْهَا) دَفْعًا لِتَوَهُّمِ التَّفْضِيلِ (وَإِخْفَاؤُهَا عَنْ السَّامِعِ) شَفَقَةً عَلَيْهِ (وَالْقِيَامُ ثُمَّ السُّجُودُ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ فِيهِ أَكْمَلُ (بَابُ الْجَنَائِزِ) جَمْعُ جِنَازَةٍ وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ (سُنَّ تَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ) أَيْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ (إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِ (وَجَازَ الِاسْتِلْقَاءُ وَقَدَمَاهُ إلَيْهَا) أَيْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِنَزْعِ الرُّوحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنُّزُولِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيرَ عَنْ مَحَلِّ قِرَاءَتِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَفِي رَكْعَتَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) أَقُولُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ أُخْرَى وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: تَبَدُّلُ مَجْلِسِ السَّامِعِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَتَكَرُّرُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ. . . إلَخْ) هَذَا أَيْ عَدَمُ التَّكَرُّرِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَضَعُفَ الْقَوْلُ بِالتَّكَرُّرِ هُنَا وَظَاهِرُ الْكَافِي تَرْجِيحُ التَّكَرُّرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَنَدَبَ ضَمُّ آيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ إلَيْهَا. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ إفْرَادِهَا بِالْقِرَاءَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ وَالْكَافِي وَالْهِدَايَةِ (فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ لِكِفَايَةِ كُلِّ مُهِمَّةٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْكَافِي قِيلَ مَنْ قَرَأَ آيَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدَةٍ وَسَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِخْفَاؤُهَا عَنْ السَّامِعِ شَفَقَةً عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنْ كَانَ الْقَوْمُ مُتَأَهِّبِينَ لِلسُّجُودِ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ السَّجْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا جَهْرًا حَتَّى يَسْجُدَ الْقَوْمُ مَعَهُ لِأَنَّ فِي هَذَا حَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَإِنْ كَانُوا مُحْدِثِينَ أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ السَّجْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَجْهَرُ تَحَرُّزًا عَنْ تَأْثِيمِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ. اهـ. (تَتِمَّةٌ) سَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهَا أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَهُمَا قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهَيْئَتُهَا كَهَيْئَةِ التِّلَاوَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ قَالَ سَجْدَةُ الشُّكْرِ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً أَيْ وُجُوبًا اهـ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي سُنِّيَّتِهَا لَا فِي الْجَوَازِ. اهـ. [بَابُ الْجَنَائِزِ] [مَا يَفْعَل بِالْمُحْتَضَرِ] (بَابُ الْجَنَائِزِ) (قَوْلُهُ: جَمْعُ جِنَازَةٍ) إنَّمَا سُمِّيَتْ جِنَازَةً لِأَنَّهَا مَجْمُوعَةٌ مُهَيَّأَةٌ مِنْ جُنِزَ الشَّيْءُ فَهُوَ مَجْنُوزٌ، وَإِذَا جُمِعَ قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ لَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: سُنَّ تَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِأَقْرِبَائِهِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَيَتْلُونَ سُورَةَ يس وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِرَاءَةُ سُورَةِ الرَّعْدِ وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ) تَوْجِيهٌ لِتَسْمِيَتِهِ مُحْتَضَرًا وَوَجَّهَهُ أَيْضًا بِحُضُورِ مَلَائِكَةِ الْمَوْتِ وَقَدْ يُقَالُ: اُحْتُضِرَ أَيْ مَاتَ وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا تَنْتَصِبَانِ وَيَنْعَوِجَ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ خُصْيَتِهِ لِاشْتِمَارِ الْخُصْيَتَيْنِ بِالْمَوْتِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَتَمْتَدَّ جَلْدَةُ وَجْهِهِ فَلَا يُرَى فِيهَا تَعَطُّفٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِنَزْعِ الرُّوحِ) كَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالُوا هُوَ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَسْهَلُ لِتَغْمِيضِ عَيْنَيْهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ عَقِبَ الْمَوْتِ وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ. اهـ. قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ هُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ فِي بِلَادِنَا الِاسْتِلْقَاءُ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ اهـ لِعَدَمِ

وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ (وَرَفْعُ رَأْسِهِ قَلِيلًا) لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا السَّمَاءِ (وَيُلَقَّنُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَتَضَجَّرَ وَيَرُدَّهَا (وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُشَدُّ لَحْيَاهُ وَتُغْمَضُ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَفِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ (وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ بِمَوْتِهِ وَيُعَجَّلُ فِي تَجْهِيزِهِ فَيُوضَعُ عَلَى تَخْتِ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) كَكَفَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ، وَاخْتِيَارُ الْوِتْرِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» (وَيُجَرَّدُ) عَنْ ثِيَابِهِ (وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ أَيْسَرَ لِخُرُوجِ الرُّوحِ (قَوْلُهُ: وَيُلَقَّنُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، وَأَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ يُفْعَلُ وَقِيلَ لَا يُلَقَّنُ وَقِيلَ لَا يَأْمُرُ بِهِ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهِ فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السُّؤَالَ حِينَ يُدْفَنُ وَقِيلَ فِي بَيْتِهِ تُقْبَضُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَتَنْطَبِقُ كَالْقَبْرِ، فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَإِنَّهُ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ رَبُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: قُلْ اللَّهُ رَبِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: مَا دِينُك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ دِينِي الْإِسْلَامُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَنْ نَبِيُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ نَبِيِّ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلَقِّنُهُ بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ حَتَّى يُجِيبَ كَمَا أَلْهَمَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَهْدِ اهـ. وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ عَنْ الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ وَالسُّؤَالُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ: إنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ لِهَذِهِ الْأَمَةِ خَاصَّةً كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ الْبَزَّازِيَّةُ السُّؤَالُ فِيمَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَيِّتُ حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ فَالسُّؤَالُ فِي بَطْنِهِ، فَإِنْ جُعِلَ فِي تَابُوتٍ أَيَّامًا لِنَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ لَا يُسْأَلُ مَا لَمْ يُدْفَنْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَضْجَرَ) أَقُولُ: وَقَالُوا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ حَالَ الْمَوْتِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيُغْمِضُ عَيْنَاهُ) وَيَقُولُ مُغْمِضُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ اهـ. وَذَكَرَ فِي النُّتَفِ أَنَّهُ يُقْرَأُ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ اهـ يَعْنِي إلَى أَنْ تُرْفَعَ رُوحُهُ اهـ. وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِ أَوْ لِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْمُحْدَثِ وَعِنْدَهُ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ يُكْرَهُ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالْقَاذُورَاتِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ قَبْلَ غَسْلِهِ كُرِهَ لَا بَعْدَهُ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي نَتَائِجِ الْفَتَاوَى إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ تُوضَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى فِي الْأَيْسَرِ وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى صَدْرِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اجْعَلُوا أَمْوَاتَكُمْ بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ يَدَ الْمَيِّتِ عَلَى صَدْرِهِ» . اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ بِمَوْتِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ قَرَابَتُهُ وَإِخْوَانُهُ بِمَوْتِهِ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ اهـ فِي الْبَحْرِ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْأَزِقَّةِ لِأَنَّهُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى الْقَبَائِلِ يَنْعُونَ مَعَ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْحِيمٍ بَلْ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُعَجِّلُ فِي تَجْهِيزِهِ فَيُوضَعُ عَلَى تَخْتٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنَّمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ كَمَا مَاتَ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَّا وَقْتَ الْغُسْلِ اهـ. وَيُوضَعُ التَّخْتُ كَيْف اتَّفَقَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اخْتَارَهُ طُولًا كَصَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَهُ عَرْضًا كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مُجْمِرٍ وِتْرًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّةُ أَنْ يُدَارَ بِالْمُجْمَرِ حَوْلَ السَّرِيرِ إمَّا مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ) أَيْ لِغُسْلِهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا كَانَ خُنْثَى مُشْكِلًا، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يُيَمَّمُ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَلَا يُغَسَّلُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي كِوَارَةٍ وَقِيلَ فِي ثِيَابِهِ إذَا كَانَ بَالِغًا بِالسِّنِّ أَوْ مُرَاهِقًا وَالْأَجْنَبِيَّةُ يُيَمِّمُهَا الْأَجْنَبِيُّ بِخِرْقَةٍ إذَا لَمْ تُوجَدْ النِّسَاءُ، فَإِنْ وُجِدَ رَجُلٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ يُيَمِّمُهَا بِلَا خِرْقَةٍ كَمَا تَيَمُّمُهُ وَلَا يُغَسِّلُهُ إلَّا زَوْجَتُهُ

وَقِيلَ مُطْلَقًا وَيُوَضَّأُ بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) لِتَعَذُّرِ إخْرَاجِ الْمَاءِ (وَيُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ بِسِدْرٍ وَحُرْضٍ) وَهُوَ الْأُشْنَانُ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَاءٌ كَذَلِكَ (فَخَالِصٌ) أَيْ يُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ خَالِصٌ لِحُصُولِ أَصْلِ الْمَقْصُودِ (وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى يَسَارِهِ) لِتَكُونَ الْبُدَاءَةُ بِجَانِبِ يَمِينِهِ (وَيُغَسَّلُ) بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ (حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَيِّتِ (ثُمَّ) يُضْجَعُ (عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ) أَيْ وَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ (ثُمَّ يُجْلِسُهُ) أَيْ الْغَاسِلُ الْمَيِّتَ (مُسْنِدًا) الْمَيِّتَ إلَى نَفْسِهِ (وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ بِلِينٍ) تَحَرُّزًا عَنْ تَلْوِيثِ الْكَفَنِ (وَالْخَارِجُ يَغْسِلُ وَغُسْلُهُ لَا يُعَادُ) وَكَذَا وُضُوءُهُ لِأَنَّ الْغُسْلَ عُرِفَ بِالنَّصِّ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً (ثُمَّ يُنَشِّفُ بِثَوْبٍ) لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ (وَلَا يَقُصُّ ظُفْرَهُ وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ) لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهَا (وَيَجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ الْحَنُوطَ) لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ (وَعَلَى مَسَاجِدِهِ) جَمْعُ مَسْجَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَهُوَ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ وَيَدَاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ (الْكَافُورَ) فَإِنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَتُخَصُّ بِزِيَادَةِ كَرَامَةٍ وَصِيَانَةٍ لَهَا عَنْ سُرْعَةِ الْفَسَادِ (وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ لَمْ يَكُنْ غُسْلًا فَالْغَرِيقُ يُغَسَّلُ) كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ (وَسُنَّةُ الْكَفَنِ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (إزَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا أُمُّ وَلَدِهِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَقَدَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ رُؤْيَةُ زَوْجَتِهِ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْمَيِّتِ اهـ. وَغُسْلُ الْمَيِّتِ شَرِيعَةٌ مَاضِيَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قُبِضَ نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَغَسَّلُوهُ وَقَالُوا لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ الْغَلِيظَةَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مُطْلَقًا) هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ فَيَسْتُرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ وَصَحَّحَهَا فِي النِّهَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَذَا صَحَّحَهَا فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ لِأَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَتُغَسَّلُ الْعَوْرَةُ تَحْتَ السُّتْرَةِ وَيَدُهُ مَلْفُوفَةٌ بِخِرْقَةٍ (قَوْلُهُ: وَوُضِّئَ) أَقُولُ إلَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ فَيُغَسَّلُ بِلَا وُضُوءٍ (قَوْلُهُ: بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ إلَّا إذَا كَانَ جُنُبًا كَذَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً يَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ وَلَهَاتَهُ وَشَفَتَيْهِ وَمَنْخَرَيْهِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَيَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً وَلَا يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ إلَى رُسْغَيْهِ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ فِي الْمُخْتَارِ وَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَا فِي إنْجَائِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنَجِّيهِ مِثْلَ مَا كَانَ يَسْتَنْجِي فِي حَيَاتِهِ وَلَكِنْ يَلُفُّ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى يُطَهِّرَ الْمَوْضِعَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُنَجَّى كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَحُرْضٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ يَجُوزُ فِي الرَّاءِ السُّكُونُ وَالضَّمُّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأُشْنَانُ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ الْحُرْضُ أُشْنَانٌ غَيْرُ مَطْحُونٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَخَالِصٌ) أَقُولُ وَيُفْعَلُ بِهِ هَذَا قَبْلَ التَّرْتِيبِ الْآتِي لِيَبْتَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَنِ (قَوْلُهُ: وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّ غَسْلِ رَأْسِهِ بِالْخِطْمِيِّ إذَا كَانَ لَهُ شَعْرٌ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ الْحُنُوطَ) هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ إلَّا الزَّعْفَرَانَ وَالْوَرْسَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ فِي الْغُسْلِ اسْتِعْمَالُ الْقُطْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْقُطْنَ فِي مَنْخَرَيْهِ وَفَمِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي صِمَاخِهِ أَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي دُبُرِهِ أَيْضًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتَقْبَحَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى قَوْلِهِ كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ) أَقُولُ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ وَجَرَيَانِ الْمَاءِ، وَإِصَابَةُ الْمَطَرِ لَيْسَ بِغُسْلٍ، الْغَرِيقُ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَاوِيَةٍ إنْ نَوَى الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا وَعَنْهُ فِي رَاوِيَةٍ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنَّا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِهِ كَلَامَ قَاضِي خَانْ كَانَ هَذِهِ قَدْ ذَكَرَ فِيهَا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَقَالَ الْكَمَالُ قَبْلَ سِيَاقِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِلْغُسْلِ النِّيَّةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ الْغَاسِلِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ هُوَ وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْتُ يُخَالِفُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ اهـ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِتْيَانُ بِالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ نِيَّةٍ (تَتِمَّةٌ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُغَسِّلُ طَاهِرًا وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُ الْمَيِّتِ مَجَّانًا، وَإِنْ ابْتَغَى الْغَاسِلُ أَجْرًا، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَا، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ الْخَيَّاطِ لِخِيَاطَةِ الْكَفَنِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّالِينَ وَالدَّفَّانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ: وَسُنَّةُ الْكَفَنِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ أَصْلُ التَّكْفِينِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَكَوْنُهُ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ مَسْنُونٌ

وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ) وَكُلٌّ مِنْ الْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ بِلَادَ دَخَارِيص وَلَا جَيْبٍ وَلَا كُمَّيْنِ وَلَا يَلُفُّ أَطْرَافَهُ (وَاسْتَحْسَنَ الْعِمَامَةَ) أَيْ اسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ (وَلَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ (دِرْعٌ) وَهُوَ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ (وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ) وَهُوَ مَا تَسْتُرُ بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا (وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ لِرَبْطِ ثَدْيَيْهَا وَكِفَايَتُهُ) أَيْ الْكَفَنِ (لَهُ إزَارٌ وَلِفَافَةٌ وَلَهَا هُمَا) أَيْ الْإِزَارُ وَاللِّفَافَةُ (وَخِمَارٌ وَضَرُورَتُهُ لَهُمَا مَا يُوجَدُ) مِنْ الْأَثْوَابِ وَإِذَا أَرَادُوا التَّكْفِينَ (يَبْسُطُ اللِّفَافَةَ وَ) يَبْسُطُ (الْإِزَارَ عَلَيْهَا وَيُقَمَّصُ الْمَيِّتُ وَيُوضَعُ عَلَى الْإِزَارِ وَيُلَفُّ يَسَارُهُ) أَيْ الْإِزَارِ (ثُمَّ يَمِينُهُ) كَمَا فِي الْحَيَاةِ (ثُمَّ) تُلَفُّ (اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ وَهِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (تُلْبَسُ الدِّرْعُ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَهُ) أَيْ الدِّرْعِ. (وَ) يُجْعَلُ (الْخِمَارُ فَوْقَهُ) أَيْ الدِّرْعِ (تَحْتَ اللِّفَافَةِ وَإِنْ خِيفَ انْتِشَارُهُ) أَيْ الْكَفَنِ (عُقِدَ) مِنْ طَرَفَيْهِ (الْغَسِيلُ وَالْجَدِيدُ فِيهِ) أَيْ الْكَفَنِ (سَوَاءٌ) لَا رُجْحَانَ لِلثَّانِي (وَلَا بَأْسَ بِالْبَرُودِ وَالْكَتَّانِ وَفِي النِّسَاءِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ) (وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ) تَجِبُ (عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الزَّوْجِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (فَفِي بَيْتِ الْمَالِ صَلَاتُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ إنْ أَدَّى الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ (يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَاتَ إلَّا الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ) هَذَا الْقَيْدُ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا بَعْدَ مَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ كَذَا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إنْ أَخَذَهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ قَتَلَهُمْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ (وَكَذَا الْمُكَابِرُ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِالسِّلَاحِ) لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْ الْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْكَمَالُ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ اللِّفَافَةَ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ وَجْهَ مُخَالَفَةِ إزَارِ الْمَيِّتِ إزَارَ الْحَيِّ مِنْ السُّنَّةِ اهـ أَيْ فِي أَنَّهُ مِنْ الْحَقْوِ وَالْقَرْنُ هُنَا بِمَعْنَى الشَّعْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا جَيْبَ) كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْجَيْبِ الشِّقُّ النَّازِلُ إلَى الصَّدْرِ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَ الْعِمَامَةَ. . . إلَخْ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْكَمَالُ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُهُ وَيَجْعَلُ الْعَذَبَةَ عَلَى وَجْهِهِ اهـ فَقَدْ أَطْلَقَا فِيهَا وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ عَالِمًا مَعْرُوفًا أَوْ مِنْ الْأَشْرَافِ يُعَمَّمُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسَاطِ لَا يُعَمَّمُ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ الْعِمَامَةُ فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَكِفَايَتُهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى إنْ كَانَ بِالْمَالِ كَثْرَةٌ وَبِالْوَرَثَةِ قِلَّةٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا. . . إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ فِي أَيْ مَحَلٍّ تُوضَعُ الْخِرْقَةُ وَلَا مِقْدَارَ عَرْضِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ كَيْ لَا تَنْتَشِرَ وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى السُّرَّةِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى الرُّكْبَةِ اهـ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْخِرْفَةُ مِنْ الثَّدْيَيْنِ إلَى الْفَخِذَيْنِ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الصَّدْرِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَتُرْبَطُ الْخِرْقَةُ عَلَى الثَّدْيَيْنِ فَوْقَ الْأَكْفَانِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا وَالْبَطْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (تَنْبِيهٌ) : الْخُنْثَى يُكَفَّنُ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا وَيُجَنَّبُ الْحَرِيرَ وَالْمُعَصْفَرَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُغَطِّي رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْمُرَاهِقُ فِي التَّكْفِينِ كَالْبَالِغِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى الْمُكَفَّنُونَ اثْنَا عَشَرَ وَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَيْ الْبَالِغِينَ وَالْمُرَاهِقِينَ، وَالْخَامِسُ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يُرَاهِقْ فَيُكَفَّنُ فِي خِرْقَتَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي وَاحِدٍ أَجْزَأَ، وَالسَّادِسُ: الصَّبِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُرَاهِقْ فَعَنْ مُحَمَّدٍ كَفَنُهَا ثَلَاثَةٌ وَهَذَا أَكْثَرُ وَالسَّابِعُ: السِّقْطُ فَيُلَفُّ وَلَا يُكَفَّنُ كَالْعُضْوِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالثَّامِنُ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيُكَفَّنُ كَتَكْفِينِ الْجَارِيَةِ أَيْ الْمَرْأَةِ وَيُنْعَشُ وَيُسَجَّى قَبْرُهُ وَالتَّاسِعُ: الشَّهِيدُ وَسَيَأْتِي وَالْعَاشِرُ: الْمُحْرِمُ وَهُوَ كَالْحَلَالِ عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْمَنْبُوشُ الطَّرِيُّ فَيُكَفَّنُ كَاَلَّذِي لَمْ يُدْفَنْ وَالثَّانِي عَشَرَ الْمَنْبُوشُ الْمُنْتَفِخُ فَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ) أَقُولُ: فَإِنْ تَعَدَّدَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَالْكَفَنُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ كَالنَّفَقَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الزَّوْجِ) أَيْ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَكَتْ مَالًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ) أَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يُعْطِ ظُلْمًا أَوْ عَجْزًا فَعَلَى النَّاسِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ إنْ لَمْ يَقْدِرُوا بِخِلَافِ الْحَيِّ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يُصَلِّي فِيهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى سُؤَالٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ صَلَاتُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَقُولُ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ وَرُكْنُهَا التَّكْبِيرَاتُ وَالْقِيَامُ، وَشَرْطُهَا عَلَى الْخُصُوصِ الْإِسْلَامُ وَالْغُسْلُ وَتَقَدَّمَ الْمَيِّتُ عَلَى الْإِمَامِ وَحُضُورِهِ فَلَا يُصَلِّي عَلَى غَائِبٍ وَلَا عُضْوٍ عُلِمَ مَوْتُ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ أَوْ نِصْفُهُ مَعَ رَأْسٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَسُنَّتُهَا التَّحْمِيدُ وَالثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ وَآدَابُهَا كَثِيرَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَأَفْضَلُ صُفُوفِهَا آخِرُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَوَّلُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِتَكُونَ شَفَاعَتُهُ أَدْعَى إلَى الْقَبُولِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَاتَ إلَّا الْبُغَاةَ) أَيْ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَصْرِ

[صلاة الجنازة]

تِلْكَ الْحَالِ (وَإِنْ غَسَّلُوا قَاتِلَ نَفْسِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا عَلَى قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) زَجْرًا لَهُ (وَهِيَ) أَيْ صَلَاتُهُ (أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ يَرْفَعُ يَدَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّهَا (وَثَنَاءٌ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْأُولَى كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الثَّانِيَةِ) كَمَا يُصَلَّى فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ (وَدُعَاءٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ) الدُّعَاءُ لِلْبَالِغِينَ هَذَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَخُصَّ هَذَا الْمَيِّتَ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ الْأَمْنَ وَالْبُشْرَى وَالْكَرَامَةَ وَالزُّلْفَى بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (وَتَسْلِيمَتَانِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً يَبْدَأُ بِهَا مِنْ يَمِينِهِ وَيَخْتِمُهَا فِي يَسَارِهِ مُدِيرًا وَجْهَهُ (لَا قِرَاءَةَ فِيهَا) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ (وَلَا تَشَهُّدَ وَلَوْ كَبَّرَ) الْإِمَامُ تَكْبِيرًا (خَامِسًا لَمْ يُتَّبَعْ) لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ (لَا يَسْتَغْفِرُ) الْمُصَلِّي (فِي) التَّكْبِيرِ (الثَّالِثِ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) إذْ لَا ذَنْبَ لَهُمَا (بَلْ يَقُولُ) بَعْدَ الدُّعَاءِ بِمَا يَدْعُو بِهِ لِلْبَالِغِينَ كَمَا مَرَّ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا) أَيْ أَجْرًا يَتَقَدَّمُنَا (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا) أَيْ خَيْرًا بَاقِيًا (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا) أَيْ مَقْبُولَ الشَّفَاعَةِ (وَيَقُومُ الْإِمَامُ بِإِزَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلْبِ وَفِيهِ نُورُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى الشَّفَاعَةِ لِإِيمَانِهِ (الْجَنَائِزُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَالْإِفْرَادُ بِالصَّلَاةِ أَوْلَى) ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ الْأَفْضَلُ مِنْهُمْ (وَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بِهَا) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَسْتَوْعِبْ إذْ الْعَصَبِيَّةُ وَالْقَاتِلُ بِالْخَنْقِ غِيلَةً كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ غَسَّلُوا) يَعْنِي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي غُسْلِ الْمَقْتُولِينَ بِالْبَغْيِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ رِوَايَتَانِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَجَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ غُسْلَ الْبَاقِي دُونَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ. وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا حَكَاهُ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُغَسِّلْ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ اهـ. (قَوْلُهُ: قَاتِلُ نَفْسِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) الْمُرَادُ قَاتِلُهَا عَمْدًا وَهَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ حَاكِيًا فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ عِنْدَهُمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَبِقَوْلِهِمَا أَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَبِهِ أَفْتَى ظَهِيرُ الدِّينِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا خَطَأً، فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَقَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ وِزْرًا وَإِثْمًا مِنْ قَاتِلِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَا عَلَى قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَمْدُ (قَوْلُهُ زَجْرًا لَهُ) لَوْ قَالَ إهَانَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى [صَلَاة الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ: يَرْفَعُ يَدَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّهَا) اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَانَ نُصَيْرٌ يَرْفَعُ تَارَةً وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ) هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ فَيَقُول سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك. . . إلَخْ وَقَالَ الْأَكْمَلُ أَرَى أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَعْنِي وَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِيبَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ الدُّعَاءُ لِلْبَالِغِينَ هَذَا) . . . إلَخْ (أَقُولُ لَا تَوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ) سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنَهُ وَأَبْلَغَهُ وَمِنْ الْمَأْثُورِ حَدِيثُ «عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظَ مِنْ دُعَائِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ قَالَ عَوْفٌ حَتَّى تَمَنَّيْت أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَوَاهُ الْكَمَالُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بَعْدَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] أَوْ {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] الْآيَةَ وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا يَنْوِي الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فِي تَسْلِيمَتَيْ الْجِنَازَةِ بَلْ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةَ فِيهَا. . . إلَخْ) وَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ اهـ أَقُولُ نَفْيُ الْجَوَازِ فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّا رَأَيْنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ اسْتِحْبَابُ رِعَايَتِهِ كَإِعَادَةِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ فَيَكُونُ رِعَايَةُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ بَلْ وَلِي لِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ يَفْرِضُهَا فِي الْجِنَازَةِ فَتَأَمَّلْ وَلَا يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْإِخْفَاءُ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ السُّنَّةُ أَنْ يُسْمِعَ الصَّفَّ الثَّانِيَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَا يَجْهَرُونَ كُلَّ الْجَهْرِ وَلَا يُسِرُّونَ كُلَّ الْإِسْرَارِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: فَرَطًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ أَجْرًا يَتَقَدَّمُنَا فَسَّرَ بِهِ الْفَرَطَ فَأَغْنَى عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ بَعْدَهُ وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَمَحْمَلُ قَوْلِ الْكَنْزِ عَلَى تَفْسِيرِ الْفَرَطِ بِالْفَارِطِ الَّذِي يَسْبِقُ الْوَارِدَ إلَى الْمَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ بِالْفَرَطِ مَعَ قَوْلِهِ وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: ذُخْرًا) بِضَمِّ الذَّالِ

[اجتماع الجنائز]

بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمَجْمُوعِ مَرَّةً (جَعَلَهَا) أَيْ الْجَنَائِزَ (صَفًّا طُولًا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ) بِحَيْثُ يَكُونُ صَدْرُ كُلٍّ قُدَّامَ الْإِمَامِ (وَرَاعَى التَّرْتِيبَ) بِأَنْ يَضَعَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ فَالصِّبْيَانَ فَالْخَنَاثَى فَالنِّسَاءُ فَالصِّبْيَاتِ وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ، ثُمَّ تَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُوضَعُ رَجُلٌ خَلْفَ رَجُلٍ، رَأْسُ الْآخَرِ أَسْفَلُ مِنْ رَأْسِ الْأَوَّلِ يُوضَعُونَ هَكَذَا دَرْجًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ حَسَنٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دُفِنُوا كَذَلِكَ وَإِنْ وَضَعُوا رَأْسَ كُلٍّ بِإِزَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ (سَبَقَ) الْمُصَلِّي (بِتَكْبِيرَةٍ) صَدَرَتْ مِنْ الْإِمَامِ (أَوْ بِتَكْبِيرَتَيْنِ) يَنْتَظِرُ لِيُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ (فَإِذَا سَلَّمَ) الْإِمَامُ (قَضَى) الْمُقْتَدِي (مَا عَلَيْهِ) مِنْ التَّكْبِيرِ (قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِدُونِهَا لَا تُتَصَوَّرُ (وَلَا يَنْتَظِرُ الْحَاضِرُ فِي التَّحْرِيمَةِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ (وَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ وَاحِدَةً وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا إذْ لَا وَجْهَ لَأَنْ يُكَبِّرَ وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْهَا كَرَكْعَةٍ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالْإِمَامُ لَا يُكَبِّرُ بَعْدَهُ لِيُتَابِعَهُ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَدْخُلُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الرَّابِعَةِ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ إذَا بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) وَهُوَ أَمِيرُ الْبَلَدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ قَالَ لَوْلَا السُّنَّةُ لَمَا قَدَّمْتُك وَكَانَ سَعِيدٌ وَالِيَ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ (فَالْقَاضِي فَإِمَامُ الْحَيِّ فَالْوَلِيُّ وَلَا بَأْسَ بِإِذْنِ الْأَوْلَى) وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسُكُونِ الْخَاءِ الذَّخِيرَةِ [اجْتِمَاع الْجَنَائِز] (قَوْلُهُ: وَرَاعَى التَّرْتِيبَ) لَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِهِ وَلَعَلَّهُ لِلنَّدْبِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ التَّرْتِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَهَلْ يُكْتَفَى بِدُعَاءٍ أَوْ يُفْرِدُ كُلًّا بِهِ وَيُقَدِّمُ الْبَالِغِينَ فَلْيَنْظُرْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَضَعَ الرِّجَالَ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي قَبْرٍ وُضِعُوا عَلَى عَكْسِ هَذَا التَّرْتِيبِ (قَوْلُهُ: سَبَقَ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ وَلَوْ كَبَّرَ لَمَّا حَضَرَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنْ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَلَى الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ لِلْمَسْبُوقِ هَلْ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَوْ يُرَتِّبُ بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَيُنْظَرُ ثُمَّ إنَّنِي رَأَيْتُهُ نَقْلًا وَهُوَ أَنَّهُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّكْبِيرِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَيَقْضِيهِ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِهِ تُرْفَعُ الْجِنَازَةُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ بِالدُّعَاءِ فَعَلَ (قَوْلُهُ: قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ) لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْمُرَادُ رَفْعُهَا بِالْأَيْدِي أَوْ عَلَى الْأَكْتَافِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهَا إذَا رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، فَإِنْ رُفِعَتْ عَلَى الْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ كَبَّرَ فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا إذَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَكْتَافِ، وَإِنْ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ كَبَّرَ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوِّلَ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ التَّكْبِيرَ إذَا رُفِعَتْ عَلَى الْأَكْتَافِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ لَا إذَا كَانَ إلَى الْأَكْتَافِ أَقْرَبَ وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى تُبَاعِدَ اهـ. وَلَا يُخَالِفُهُ مَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ حَقِيقَةً بَلْ اُعْتُبِرَ مُدْرِكًا لِحُضُورِهِ التَّكْبِيرَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إذْ حَقِيقَتُهُ إدْرَاكُ التَّكْبِيرِ كَالرَّكْعَةِ بِفِعْلِهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ شَرَطَ فِي التَّكْبِيرِ الْمَعِيَّةَ ضَاقَ الْأَمْرُ جِدًّا إذْ الْغَالِبُ تَأَخُّرُ النِّيَّةِ قَلِيلًا عَنْ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَاعْتُبِرَ مُدْرِكًا لِحُضُورِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا خَلْفَ الْإِمَامِ) أَقُولُ يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَوْنَهُ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُضُورِهِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَرْبَعًا وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ وَيَقْضِي الثَّلَاثَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَقَدْ فَاتَتْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا) أَيْ فِي فَوَاتِ الصَّلَاةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ قُبَيْلَهُ لَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْحُضُورِ وَعَدَمِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ [الْأُولَى بِالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ: الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ (قَوْلُهُ فَالْقَاضِي فَإِمَامُ الْحَيِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّ إمَامَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ كَمَنْ قَبْلَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ يَلِي الْقَاضِيَ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ الْخَلِيفَةُ أَوْلَى إنْ حَضَرَ ثُمَّ إمَامُ الْمِصْرِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ صَاحِبُ الشُّرَطِ ثُمَّ خَلِيفَةُ الْوَالِي ثُمَّ خَلِيفَةُ الْقَاضِي ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ. اهـ. وَظَاهِرُ

[دفن من غير أن يصلى عليه]

التَّقَدُّمَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ لَمْ يَقُلْ الْوَلِيُّ لِيَتَنَاوَلَ السُّلْطَانَ وَغَيْرَهُ (لِغَيْرٍ فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فَإِنْ صَلَّى غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْأَوْلَى (وَيُعِيدُهَا) أَيْ الْأَوْلَى (إنْ شَاءَ) لِتَصَرُّفِ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ (وَإِنْ صَلَّى) الْأَوْلَى (لَا يُصَلِّي غَيْرُهُ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْأَوْلَى وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ (وَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يُظَنَّ تَفَسُّخُهُ) وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ (وَقِيلَ قُدِّرَ بِثَلَاثَةِ) أَيَّامٍ (وَلَمْ تَجُزْ) صَلَاتُهَا (رَاكِبًا اسْتِحْسَانًا) يَعْنِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَأَيْضًا لَمْ يُصَلُّوا قَاعِدِينَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقِيَاسُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ (وَكُرِهَتْ فِي مَسْجِدٍ هُوَ فِيهِ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فِي رِوَايَةٍ وَتَنْزِيهٍ فِي أُخْرَى وَأَمَّا الَّذِي بُنِيَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ (وَاخْتُلِفَ فِي الْخَارِجِ) بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِأَجْلِ التَّلْوِيثِ أَوْ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِلْمَكْتُوبَاتِ لَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ (وُلِدَ فَمَاتَ إنْ اسْتَهَلَّ) الِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ (سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ (غُسِّلَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQكَلَامِهِ أَنَّ صَاحِبَ الشُّرَطِ غَيْرُ أَمِيرِ الْبَلَدِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ هُوَ حَيْثُ قَالَ الشُّرَطُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ وَالْمُرَادُ أَمِيرُ الْبَلَدِ كَأَمِيرِ بُخَارَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْأَوْلَى يُعِيدُهَا إنْ شَاءَ) أَقُولُ وَلَا يُعِيدُ مَعَ الْوَالِي مَنْ صَلَّى مَعَ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ وَهْبَانَ وَفِي كَلَام الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالتَّقَدُّمِ غَيْرُ مُقَدَّمٍ عَلَى الْأَوْلَى لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمُفْتِي بِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُدْ لَا إثْمَ عَلَى أَحَدٍ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْإِعَادَةُ إنَّمَا هِيَ لِحَقِّ الْأَوْلَى لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ [دفن مِنْ غَيْر أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ] (قَوْلُهُ: وَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ. . . إلَخْ) أَيْ بِأَنْ أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ سَوَاءٌ غُسِّلَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلَّمًا لِمَالِكِهِ تَعَالَى وَخَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ إمْكَانِ غُسْلِهِ أَيْ شَرْعًا فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ نَظَرًا لِكَوْنِهَا دُعَاءً مِنْ وَجْهٍ هُنَا لِلْعَجْزِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَهُلَّ، فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَجُزْ رَاكِبًا. . . إلَخْ) كَذَا لَا تَجُوزُ عَلَى مَيِّتٍ هُوَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ أَيْدِي النَّاسِ عَلَى الْمُخْتَارِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَتْ فِي مَسْجِدٍ هُوَ فِيهِ) أَقُولُ وَالْكِرْهَةُ هُنَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَتَنْزِيهٍ فِي أُخْرَى) قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْخَارِجِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَجَمِيعُ الْقَوْمِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْكَافِي مَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِخَشْيَةِ التَّلْوِيثِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَوْفَقُ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ يُكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ هَذَا فِي الْفَتْوَى الصُّغْرَى قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ اهـ مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ قُلْت وَمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ هُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وُضِعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقِي فِيهِ وَنَقَلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ عَنْ كَرَاهِيَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الِاخْتِلَافَ فِيهِ (قَوْلُهُ وُلِدَ فَمَاتَ إنْ اسْتَهَلَّ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّسَامُحِ لِأَنَّ تَرْتِيبَهُ الْمَوْتَ عَلَى الْوِلَادَةِ مُفِيدٌ لِلْحَيَاةِ قَبْلَهُ فَلَا يَحْسُنُ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَالْكَنْزِ وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا وَاسْتَهَلَّ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا رَفْعُ الصَّوْتِ لَا الْإِبْصَارُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَهَلُّوا الْهِلَالَ وَاسْتَهَلُّوهُ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَأُهِلَّ وَاسْتُهِلَّ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ إذَا أَبْصَرُوا اهـ. وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ اخْتِصَاصِهِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ. . . إلَخْ يَعْنِي الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْقِبَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ أَكْثَرِهِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ صَلَّى عَلَيْهِ وَفِي الْأَقَلِّ لَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ وَالْقَابِلَةِ فِي الِاسْتِهْلَالِ لِلصَّلَاةِ لَا الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَابِلَةِ الْعِدْلَةِ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا شَهَادَةَ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْبَدَائِعِ لَكِنْ بِصِيغَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ غُسِّلَ) أَقُولُ لَا خِلَافَ فِي غُسْلِهِ إذَا كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ وَالسِّقْطُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فِي غُسْلِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيَلُفُّ فِي خِرْقَةٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَاضِي خَانْ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرُوا جَمِيعًا الْخِلَافَ وَالِاخْتِيَارُ وَقَدْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ وَتَبِعَهُ شَارِحُهُ ابْنُ مَلَكٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ غُسْلِهِ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَبِهِ يَضْعُفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَحَمْلُهُمَا عَلَى السَّهْوِ قُلْت وَتَسْهِيَتُهُ لَهُمَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَنْ نَفَى غُسْلَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ الْمُرَاعَى فِيهِ وَجْهُ السُّنَّةِ وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ فِي الْجُمْلَةِ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ عَنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَتَرْتِيبٍ لِفِعْلِهِ كَغُسْلِهِ

[كيفية حمل الجنازة]

فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَأُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَدُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ كَصَبِيِّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَوْ) سُبِيَ (بِدُونِهِ أَوْ بِهِ فَأَسْلَمَ هُوَ أَوْ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا (كَافِرٌ مَاتَ) عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا (يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ الْمُسْلِمُ) مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ أَقَارِبِهِ (لَا كَالْمُسْلِمِ) أَيْ لَا غُسْلًا كَغُسْلِ الْمُسْلِمِ (وَيُلْقِهِ فِي خِرْقَةٍ وَيَدْفِنُهُ فِي حَفِيرَةٍ) (تُحْمَلُ الْجِنَازَةُ بِوَضْعِ مُقَدَّمِهَا ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا عَلَى) الْكَتِفِ (الْيَمِينِ كَذَا الْيَسَارُ) يَعْنِي تُحْمَلُ بِوَضْعِ مُقَدَّمِهَا ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا عَلَى الْكَتِفِ الْيَسَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْتِدَاءً بِحُرْضٍ وَسِدْرٍ (قَوْلُهُ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) أَقُولُ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ كَرَامَةً لِبَنِي آدَمَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَيُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ (قَوْلُهُ: كَصَبِيِّ سَبْيٍ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ وَالْمَجْنُونُ الْبَالِغُ كَالصَّبِيِّ كَمَا الْبَحْرِ وَالتَّبَعِيَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ أَخْذِ الْعَهْدِ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِلَّا فَفِي النَّارِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَهَذَا نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّوَقُّفُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودٌ عَلَى الرَّاوِي كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِهِ) أَيْ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ فَأَسْلَمَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ تَبَعِيَّةِ أَحَدِ أَبَوَيْنِ عَلَى الدَّارِ وَالسَّابِي، وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيمِ الدَّارِ وَالسَّابِي بَعْدَ تَبَعِيَّةِ الْوِلَادَةِ فَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ. وَفِي الْمُحِيطِ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ ثُمَّ الدَّارِ قَالَ الْكَمَالُ وَلَعَلَّهُ أَيْ مَا فِي الْمُحِيطِ أَوْلَى، فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَمَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحَ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ صَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَاتَ الصَّبِيُّ، فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْآخِذُ حَتَّى وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْ يَدِهِ اهـ قَالَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِتَبَعِيَّةِ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ الصَّبِيُّ) يَعْنِي إذَا كَانَ يَعْقِلُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّينَ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ صِفَةَ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ وَالْقَدْرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ» وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَعْقِلُ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ هُدًى وَاتِّبَاعَهُ خَيْرٌ وَالْكُفْرَ ضَلَالَةٌ وَاتِّبَاعَهُ شَرٌّ اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي جَوَابِ مَا الْإِيمَانُ مَا الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَمَا يُوجِبُ الْإِيمَانُ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِهَذَا، فَإِذَا قَالَ نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا) يَعْنِي فِي صُورَةِ التَّبَعِيَّةِ أَمَّا إذَا أَسْلَمَ هُوَ فَهُوَ مُسْلِمٌ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ: يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ الْمُسْلِمُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ عِبَارَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَمَا دَفَعَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَرِيبَ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى نَفْسِ التَّعْبِيرِ بِهِ بَعْدَ إرَادَةِ الْقَرِيبِ بِهِ اهـ وَقَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ دُفِعَ إلَى أَهْلِ دِينِهِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ الْمُسْلِمُ بِغُسْلِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَرِيبٌ مُشْرِكٌ، فَإِنْ كَانَ فَلَا يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُ بِنَفْسِهِ اهـ. وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِمَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْأَصْلِ كَافِرٌ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ الْكُفَّارِ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَالْأَوْلَى أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبُرْهَانِ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ عَنْ ارْتِدَادٍ، فَإِنْ كَانَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ يُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَارِبِهِ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ ذَوِي الْأَرْحَامِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا غُسْلًا كَغُسْلِ الْمُسْلِمِ) ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُغَسَّلُ الْكَافِرُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عَامَّةٌ فِي بَنِي آدَمَ وَلِأَنَّهُ حَالُ رُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا تَطْهِيرًا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَيَدْفِنُهُ فِي حُفْرَةٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ لَحْدٍ وَلَا تَوْسِعَةٍ كَمَا فِي الْكَافِي وَيُلْقَى فِي الْحَفِيرَةِ وَلَا يُوضَعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَإِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا قَرِيبٌ كَافِرٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَ ذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ قَبْرَ قَرَابَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَدْفِنَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ يَنْبَغِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى [كَيْفِيَّة حمل الْجِنَازَة] (قَوْلُهُ بِوَضْعِ مُقَدَّمِهَا ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا. . . إلَخْ) الْيَمِينُ الْمُقَدَّمُ هُوَ يَمِينُ الْمَيِّتِ وَهُوَ يَسَارُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُوضَعُ عَلَيْهَا عَلَى قَفَاهُ فَكَانَ يَمِينُ الْمَيِّتِ هُوَ يَسَارَهَا وَيَسَارُهَا يَمِينَهُ وَفِي حَالَةِ الْمَشْيِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً»

[كيفية السير مع الجنازة]

(وَيُسْرَعُ بِهَا لَا خَبَبًا) أَيْ يَمْشُونَ بِهَا مُسْرِعِينَ بِلَا عَدْوٍ (وَكُرِهَ الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِهَا عَنْ الْأَكْتَافِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» [كَيْفِيَّة السَّيْر مَعَ الْجِنَازَة] (وَنُدِبَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا) لِمَا رَوَيْنَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ» وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاتِّعَاظِ بِهَا وَالتَّعَاوُنِ فِي حَمْلِهَا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ (وَيُلْحَدُ الْقَبْرُ وَلَا يُشَقُّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» (إلَّا فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ) فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ وَاِتِّخَاذُ تَابُوتٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ وَيُفْرَشُ فِيهِ التُّرَابُ (وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَيَقُولُ وَاضِعُهُ بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ وَضَعْنَاك مُتَلَبِّسِينَ بِاسْمِ اللَّهِ (وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ سَلَّمْنَاك عَلَى مِلَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيُوَجَّهُ إلَيْهَا) أَيْ الْقِبْلَةِ إذْ بِهِ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَيَحِلُّ الْعُقْدَةَ الَّتِي عَلَى الْكَفَنِ) لِخَوْفِ الِانْتِشَارِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ وَلِلْأَمْنِ مِنْ الِانْتِشَارِ (وَيُسَوَّى اللَّبِنُ وَالْقَصَبُ لَا الْخَشَبُ وَالْآجُرُّ وَجُوِّزَ فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ) كَذَا فِي الْكَافِي (وَيُسَجَّى قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ) لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى الِاسْتِتَارِ بِخِلَافِهِمْ (وَيُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ) لِلتَّوَارُثِ (وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُرَبَّعُ وَلَا يُجَصَّصُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا (وَلَا يُخْرَجُ) الْمَيِّتُ (مِنْهُ) أَيْ الْقَبْرِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً أَوْ أُخِذَتْ بِالشُّفْعَةِ) وَطَلَبَ الْمَالِكُ فَحِينَئِذٍ يُخْرَجُ (مَاتَ فِي سَفِينَةٍ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (مَاتَتْ حَامِلٌ وَوَلَدُهَا حَيٌّ تُشَقُّ بَطْنُهَا) مِنْ جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ (وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا وَيُسْتَحَبُّ فِي الْقَتِيلِ وَالْمَيِّتِ دَفْنُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فِي مَقَابِرِ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ نُقِلَ قَبْلَ الدَّفْنِ إلَى قَدْرِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُسْرِعُ بِهَا لَا خَبَبًا) حَدُّهُ أَنْ لَا يَضْطَرِبَ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعَ تَجْهِيزَهُ كُلَّهُ (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا. . . إلَخْ) هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْشِي خَلْفًا وَقَالَ: إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا نَائِحَةٌ أَوْ صَائِحَةٌ زُجِرَتْ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ فَلَا بَأْسَ بِالْمَشْيِ مَعَهَا وَلَا تُتْرَكُ السُّنَّةُ بِمَا اُقْتُرِنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَيَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ جَاءَ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَتَفَرَّدَ بِالْبَقَاءِ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ الدَّفْنِ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُلْحَدُ الْقَبْرُ) أَيْ بَعْدَ عُمْقِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِهِ قِيلَ نِصْفُ الْقَامَةِ وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ، وَإِنْ زَادَ فَحَسَنٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ) صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّسْنِيمِ. وَفِي الْمُجْتَبَى بِاسْتِحْبَابِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا يُجَصَّصُ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَحْرُمُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ لِلزِّينَةِ وَيُكْرَهُ لِلْأَحْكَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا الدَّفْنُ فِي مَكَان بُنِيَ فِيهِ قِبْلَةٌ لِعَدَمِ كَوْنِهِ قَبْرًا حَقِيقَةً بِدُونِهِ وَيُعْلَمُ بِعَلَامَتِهِ. اهـ. وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ لَا وَيُمْتَهَنُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا الْكِتَابَةُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا كَذَا فِي الْبَحْرِ وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِيَّ وَلَا يُدْفَنُ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ فِي الْبَيْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ بَلْ يُنْقَلُ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُخْرَجُ مِنْهُ) أَيْ الْقَبْرِ يَعْنِي بَعْدَمَا أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ نَبْشِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحُوا بِحُرْمَتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يُخْرَجُ لِحَقِّ صَاحِبِهَا إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ سَوَّاهُ مَعَ الْأَرْضِ وَانْتَفَعَ بِهَا زِرَاعَةً وَغَيْرَهُ وَلَيْسَ مِنْ الْغَصْبِ مَا إذَا دُفِنَ فِي قَبْرٍ حَفَرَهُ الْغَيْرُ لِيَدْفِنَ فِيهِ فَلَا يُنْبَشُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْأَرْضِ مَغْصُوبَةً إلَى جَوَازِ نَبْشِهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا إذَا سَقَطَ مَتَاعُهُ أَوْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالُ إحْيَاءٍ لَحِقَ الْمُحْتَاجَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ وُضِعَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جَعَلَ رَأْسَهُ مَوْضِعَ رِجْلَيْهِ وَأُهِيلَ التُّرَابُ لَمْ يُنْبَشْ وَإِلَّا فَعَلَ بِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: مَاتَ فِي سَفِينَةٍ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ إنْ كَانَ الْبَرُّ بَعِيدًا وَخِيفَ الضَّرَرُ وَعَنْ أَحْمَدَ يُثَقَّلُ إنْ شَبَّ وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَإِلَّا شُدَّ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِيَقْذِفَهُ الْبَحْرُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: مَاتَتْ حَامِلٌ إلَى قَوْلِهِ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ عِبَارَتُهَا امْرَأَةٌ وَمَاتَتْ وَالْوَلَدُ يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ يُشَقُّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ لَا يَسَعُ إلَّا ذَلِكَ اهـ. وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ التَّجْنِيسِ حَامِلٌ مَاتَتْ وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا شَيْءٌ وَكَانَ رَأْيُهُمْ أَنَّهُ وَلَدٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ابْتَلَعَ دُرَّةً فَمَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ مَالًا عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهُ. وَفِي الِاخْتِيَارِ جَعَلَ عَدَمَ شَقِّ بَطْنِهِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَرَوَى الْجُرْجَانِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُشَقُّ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الظَّالِمِ الْمُتَعَدِّي اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا أَوْلَى وَالْجَوَابُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِرَامَ يَزُولُ بِتَعَدِّيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نُقِلَ قَبْلَ الدَّفْنِ إلَى قَدْرِ مِيلٍ. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى كَرَاهَةِ نَقْلِهِ إلَى مَا فَوْقَ مِيلَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ وَنَقْلُهُ بَعْدَ الدَّفْنِ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا لِحَقِّ الْغَيْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ

[باب الشهيد]

يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ لَا تُكَسَّرُ عِظَامُ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمْ إذَا وُجِدَتْ فِي قُبُورِهِمْ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ وَقَلْعُ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ (بَابُ الشَّهِيدِ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَاضِرٌ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ «شُهَدَاءُ أُحُدٍ فَإِنَّهُمْ كُفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَقِّهِمْ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ» الْحَدِيثَ وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يُلْحَقُ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْغُسْلِ وَمَنْ لَيْسَ بِمَعْنَاهُمْ وَلَكِنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا أَوْ مَاتَ حَرِيقًا أَوْ غَرِيقًا أَوْ مَبْطُونًا فَلَهُمْ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا يَرَى أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حُمِلَا إلَى بَيْتِهِمَا بَعْدَ الطَّعْنِ وَغُسِّلَا وَكَانَا شَهِيدَيْنِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا تَعْرِيفُ شَهِيدٍ هُوَ بِمَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَلِهَذَا قَالَ (هُوَ مُسْلِمٌ طَاهِرٌ) احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (بَالِغٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ (قُتِلَ ظُلْمًا) احْتِرَازٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ) أَقُولُ نَقَلَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ عَنْ التَّجْنِيسِ فَقَالَ لَا إثْمَ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمَّا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاتَ بِمِصْرَ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ اهـ. أَيْ مَا فِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّجْنِيسِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَفِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً. اهـ. قُلْتُ وَأَيْضًا لَا يُمَاثِلُ الْأَنْبِيَاءُ غَيْرَهُمْ لِكَوْنِهِمْ أَطْيَبَ مَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ لَا يَعْتَرِيهِمْ تَغَيُّرٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَبْقَى جِيفَةً أَشَدَّ نَتْنًا مِنْ جِيفَةِ الْكَلْبِ تُؤْذِي كُلَّ مَنْ مَرَّتْ بِهِ (قَوْلُهُ: لَا يُكْسَرُ عِظَامُ الْيَهُودِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمَّا حُرِّمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِذِمَّتِهِ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ. وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْحَرْبِيِّينَ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ وَطْؤُهُ وَالنَّوْمُ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ لَيْسَ إلَّا زِيَارَتَهَا وَالدُّعَاءَ عِنْدَهَا قَائِمًا وَاخْتُلِفَ فِي إجْلَاسِ الْقَارِئِينَ لِيَقْرَءُوا عِنْدَ الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ مَنْدُوبَةٌ لِلرِّجَالِ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لَهُمَا وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ يس لِمَا وَرَدَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَا فِيهَا حَسَنَاتٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ فِي (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ) كَذَا الرُّطَبُ لِحَاجَةٍ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُ الرُّطَبِ إلَّا لِحَاجَةٍ [بَابُ الشَّهِيدِ] الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ لِلشَّهِيدِ بِحِيَالِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ فَكَانَ إفْرَادُهُ مِنْ بَابِ الْمَيِّتِ عَلَى حِدَةٍ كَإِفْرَادِ جِبْرِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: الْحَدِيثَ) تَمَامُهُ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ. كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ غَرِيبٌ وَرَوَى أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فِي عَدَمِ غُسْلِ الشَّهِيدِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يَلْحَقُ بِهِمْ. . . إلَخْ) قَالَهُ فِي الْكَافِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ ارْتَثَّ فَقَالَ ثُمَّ الْمُرْتَثُّ، وَإِنْ غُسِّلَ فَلَهُ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ كَالْحَرِيقِ وَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيبِ اهـ. وَهُوَ أَوْفَرُ فَائِدَةً مِنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي) أَقُولُ: لَكِنْ لَا عَلَى مِثْلِ هَذَا الْوَضْعِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بَلْ بِالْمَعْنَى مِنْ الْبَابِ (قَوْلُهُ: احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وُجُوبُهُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ لَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ مِنْهُمَا فِي رَاوِيَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ كَمَا بَعْدَهُ فَيَجِبُ التَّغْسِيلُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: بَالِغٌ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمْ كَالْبَالِغِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ فَكَانَ يَنْبَغِي إبْدَالُ لَفْظِ بَالِغٍ بِمُكَلَّفٍ لِيَخْرُجَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ (قَوْلُهُ: قُتِلَ ظُلْمًا) يَعْنِي بِأَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَيُّبًا مِنْهُمْ كَمَا لَوْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلَقُوهُمْ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ وَالْكَرِّ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةً فَصَدَمَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَوْا نَارًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَبَّتْ بِهَا رِيحٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَرْسَلُوا مَاءً فَغَرَقَ بِهِ مُسْلِمٌ، فَإِنَّهُ شَهِيدٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُضَافُ إلَى الْعَدُوِّ تَسَبُّبًا أَمَّا لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهُمْ دَابَّةُ كَافِرٍ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ سِيَاقٍ أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ

مَنْ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا (وَلَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ مَالٌ) احْتِرَازٌ عَنْ قَتْلٍ وَجَبَ بِهِ مَالٌ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ الِابْنُ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ وَجَبَ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بَلْ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ (وَلَمْ يُرْتَثَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُقَالُ ارْتَثَّ الْجَرِيحُ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ رَمَقٌ وَالِارْتِثَاثُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُرْتَفَقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ أَوْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ كَمَا عَرَفْتَ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ فَفِيهِمْ مَنْ دُمِغَ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ وَفِيهِمْ مَنْ قُتِلَ بِالْعَصَا وَقَدْ عَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْغُسْلِ (أَوْ) قَتَلَهُ (غَيْرُهُمْ بِهَا) أَيْ بِجَارِحَةٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا قَتَلَهُ غَيْرُ بَاغٍ أَوْ غَيْرُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَمُسْلِمًا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ بِجَارِحَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ شَهِيدًا (أَوْ وُجِدَ) عَطْفٌ عَلَى قُتِلَ ظُلْمًا (جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) أَيْ مَعْرَكَةِ الْبَاغِي وَنَحْوِهِ وَاشْتَرَطَ الْجِرَاحَةَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لَا مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ (فَيُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الصَّالِحِ لِلْكَفَنِ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ فَإِنَّهَا تُنْزَعُ (وَيُزَادُ) إنْ نَقَصَ (وَيُنْقَصُ) إنْ زَادَ (لِيَتِمَّ) الْكَفَنُ (وَلَا يُغَسَّلُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) إكْرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا (وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ غُسْلِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الصَّلَاةِ (فَيُغَسَّلُ مِنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مِصْرٍ فِيمَا) أَيْ فِي مَوْضِعٍ (يَجِبُ) إذَا وُجِدَ (فِيهِ) أَيْ الْقَتِيلِ (الْقَسَامَةُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ (وَلَمْ يُعْلَمُ قَاتِلُهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ غُسِّلَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخُفِّفَ أَثَرُ الظُّلْمِ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَفِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْقَاتِلِ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَدِيدَةِ فَفِي رِوَايَةِ الْهِدَايَةِ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الْقَتْلِ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فَلِعَارِضِ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْقِصَاصِ فَلَا يُخْرِجُهُ هَذَا الْعَارِضُ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الذَّخِيرَةِ فَيُغَسَّلُ وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَيُغَسَّلُ وَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ يُغَسَّلْ عِنْدَنَا فَفِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ نَفْسُ الْقَتْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرٍّ وَلَا طَعْنٍ وَلَا دَفْعٍ مِنْ الْعَدُوِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرْتَثَّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الصِّحَاحِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي الْإِيضَاحِ مَعْنَى الِارْتِثَاثِ هُوَ أَنَّ خَلَقَ شَهَادَتِهِ مِنْ قَوْلِك ثَوْبٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَجَدَ جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ) لَوْ قَالَ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ وُجِدَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ أَثَرٌ لَكَانَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْجِرَاحَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الظَّاهِرَةِ فَيَشْمَلُ الْبَاطِنَةَ الْمَعْلُومَةَ بِسَيَلَانِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مُعْتَادِ خُرُوجِهِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْأَثَرَ غَيْرَ الْجِرَاحَةِ كَالْكَسْرِ لِبَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَأَنَّهُ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ (قَوْلُهُ: كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ) أَيْ عِنْدَ وِجْدَانِ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ وَإِلَّا دُفِنَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ وَيُنْقَصُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُ جَمِيعُ ثِيَابِهِ وَيُجَدَّدَ الْكَفَنُ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ: فَيُغَسَّلُ مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ. . . إلَخْ) قَيَّدَ بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبِهَا عُمْرَانٌ لَا تَجِبُ فِيهِ قَسَامَةٌ وَلَا دِيَةٌ فَلَا يُغَسَّلُ لَوْ وُجِدَ بِهِ أَثَرُ الْقَتْلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ فَالْمُرَادُ بِالْمِصْرِ الْعُمْرَانُ وَمَا يَقْرُبُهُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ فِي الْقَتْلِ فَشَمَلَ الْقَتْلَ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ هَذَا (قَوْلُهُ: فِيمَا أَيْ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ احْتِرَازٌ عَنْ الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ) أَقُولُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إيهَامٍ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ إذَا وُجِدَ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّهُ يُغَسَّلُ إذَا وُجِدَ فِيهَا لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ بَدَلَ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ أَوْلَى مِنْ ضَمِّ الْقَسَامَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ ضَمَّ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ يُرَدُّ عَلَيْهِ الْمَقْتُولُ فِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَطْ اهـ قُلْتُ إذَا حُمِلَتْ الْوَاوُ عَلَى أَوْ فِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ انْدَفَعَ الْإِيرَادُ وَأَفَادَ الْحُكْمُ ظَاهِرًا لَا بِالْمُرَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ وُجُوبِ الْقَسَامَةِ الدِّيَةَ وَلَا يَنْعَكِسُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ) أَيْ جُهِلَ بِالْمَرَّةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ قَاتِلُهُ وَكَانَ ظَالِمًا قُتِلَ بِمُحَدَّدٍ لَا يُغَسَّلُ وَأَشَرْت بِأَنَّ الْمُرَادَ جَهْلُ الْقَاتِلِ بِالْمَرَّةِ إلَى أَنَّهُ إذَا عُلِمَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا نَزَلَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَقُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ

فَوُجُوبُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ بِالْعَارِضِ أَخْرَجَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ فَفِي الْمَتْنِ أَخَذَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقُولُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ فِي شُرُوحِهِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ قَاتِلُهُ عَيْنًا وَأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ الْوَاجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَلَا قِصَاصَ يَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَاتِلِ الْمَعْلُومِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ جَدُّ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ ظُلْمًا أَيْ وَعُلِمَ قَاتِلُهُ وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ظُلْمًا إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مَعْلُومًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُعْتَدِيًا فَلَا يَكُونُ الْقَتْلُ ظُلْمًا وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَوَّلًا مَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ فَمَعْنَاهُ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَالْعَجَبُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَوَّلِ قَيْدًا لِانْفِهَامِهِ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الثَّانِي قَيْدًا يُفْهَمُ مِنْ الدَّلِيلِ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَ الْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ فِي الْمَآلِ وَاحِدٌ وَلَا اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ هَاهُنَا وَمَنْشَأُ تَوَهُّمِ الْمُخَالَفَةِ وَالِاخْتِلَافِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ قَبْلَ إلَّا وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ بَعْدَهُ فَتَدَبَّرْ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ) فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِظُلْمٍ (أَوْ جُرْحٍ وَارْتَثَّ بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى أَوْ آوَاهُ خَيْمَةٌ أَوْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ وَهُوَ يَعْقِلُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ) حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِتَرْكِهَا فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا (أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ إلَّا لِخَوْفِ وَطْءِ الْخَيْلِ) فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ النَّقْلُ مُنَافِيًا لِلشَّهَادَةِ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ أَوْصَى) بِأُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَفِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِالْإِجْمَاعِ (أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ كَثِيرٍ وَقِيلَ بِكَلِمَةٍ) وَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقُضُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فَيُغَسَّلُ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلْقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ وَيَنَالُ شَيْئًا مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ لِأَنَّهُمْ مَاتُوا عِطَاشًا وَالْكَأْسُ تُدَارُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ نُقْصَانِ الشَّهَادَةِ (هَذَا) أَيْ كَوْنُ مَا ذَكَرَ فِي بَيَانِ الِارْتِثَاثِ مُوجِبًا لِلْغُسْلِ (إذَا وُجِدَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْحَرْبِ وَلَوْ فِيهَا لَا) أَيْ لَوْ وُجِدَ مَا ذَكَرَ فِي الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُغَسَّلُ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّرِيقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ يُحْفَظُ هَذَا، فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ ذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا رَادًّا عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ قَالَ وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ مُنْقَطِعًا وَلَا بَأْسَ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ تَدَاوَى) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ) قَالَ الْكَمَالُ كَذَا قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحِصَّتِهِ وَفِيهِ إفَادَةُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، فَإِنْ أَرَادَ إذْ لَمْ يَقْدِرْ لِلضَّعْفِ مَعَ حُضُورِ الْعَقْلِ فَكَوْنُهُ يَسْقُطُ بِهِ الْقَضَاءُ قَوْلُ طَائِفَةٍ وَالْمُخْتَارُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، وَإِنْ أَرَادَ لِغَيْبَةِ الْعَقْلِ فَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَتَى يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْأَدَاءِ مِنْ الْجَرِيحِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ وَكَوْنُ عَدَمِ الْقُدْرَةِ لِلضَّعْفِ لَا يُسْقِطُ الْقَضَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ هُوَ فِيمَا إذَا قَدَرَ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا مَاتَ عَلَى حَالِهِ فَلَا إثْمَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا بِالْإِيمَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ نُقِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ) تَعَقَّبَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ الْمَصْرَعِ لَيْسَ بِنَيْلِ رَاحَةٍ اهـ. وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ النَّقْلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ يَزِيدُهُ ضَعْفًا وَيُوجِبُ حُدُوثَ آلَامٍ لَمْ تَحْدُثْ لَوْلَا النَّقْلُ وَالْمَوْتُ يَحْصُلُ عَقِيبَ تَرَادُفِ الْآلَامِ فَيَكُونُ النَّقْلُ مُشَارِكًا لِلْجِرَاحَةِ فِي إثَارَةِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمُتْ بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ يَقِينًا فَلِذَا لَمْ يَسْقُطْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَالِارْتِثَاثُ فِيهِ لَيْسَ لِلرَّاحَةِ بَلْ لِمَا ذَكَرَهُ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي هُوَ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ الْآخِرَةِ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْوَصِيَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مُطْلَقِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصْفِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ ظَاهِرُهُ إجْرَاءُ الْخِلَافِ فِي الْوَصْفِيَّةِ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْ أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَنَقَلَ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ كُلٍّ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ قَوْلَيْنِ فَقَالَ وَيُطْرِدُ أَبُو يُوسُفَ الِارْتِثَاثَ فِي الْوَصِيَّةِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَقَطْ أَوْ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُ مُحَمَّدٌ فِي وَصِيَّةِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُرْتَثًّا أَوْ مُطْلَقًا أَيْ أَوْ خَالَفَهُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُرْتَثًّا فِي الْوَصِيَّتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا عَمَلُ الْأَمْوَاتِ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فَجَوَابُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَثًّا فِيمَا إذَا أَوْصَى بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَجَوَابُ مُحَمَّدٍ بِعَدَمِهِ فِيمَا إذَا كَانَ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ خَلَقًا فِي حُكْمِ الشَّهَادَةِ) يَعْنِي حُكْمُهَا الدُّنْيَوِيُّ وَهُوَ عَدَمُ الْغُسْلِ أَمَّا عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ بَلْ هُوَ شَهِيدٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ مَا ذَكَرَ فِي الْحَرْبِ لَا يَكُونُ مُرْتَثًّا) أَقُولُ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَضَى عَلَيْهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَالَ الْقِتَالِ يَكُونُ مُرْتَثًّا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ النِّهَايَةِ

[كتاب الزكاة]

وُجِدَ. . . إلَخْ (كِتَابُ الزَّكَاةِ) عَقَّبَ الصَّلَاةَ بِالزَّكَاةِ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَقَوْلُهُ {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] . (هِيَ تَمْلِيكُ بَعْضِ مَالٍ جَزْمًا عَيَّنَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضَ (الشَّارِعُ) قَالَ فِي الْكَنْزِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ. . . إلَخْ أَقُولُ هَذَا التَّعْرِيفُ يَتَنَاوَلُ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ وَلَا مُخَصِّصَ لَهُ بِالزَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا اُخْتِيرَ هَاهُنَا فَإِنَّ قَوْلَهُ عَيَّنَهُ (الشَّارِعُ) يُفِيدُ التَّخْصِيصَ إذْ لَا تَعْيِينَ فِي الصَّدَقَةِ وَأَيْضًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَرِدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا مُلِكَتْ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مَوْجُودٌ فِيهَا وَلَوْ قَالَ تَمْلِيكُ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَانْفَصَلَ عَنْهُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ يَجِبُ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمَالِ فَقُلْت جَزْمًا لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ بِلَا احْتِمَالٍ فِي نَفْسِهِ لِغَيْرِ التَّمْلِيكِ كَالْإِبَاحَةِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ فِي نَفْسِهَا لَا تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَالْإِيتَاءُ كَمَا قَالُوا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ وَلَا يَتَأَدَّى بِالْإِبَاحَةِ حَتَّى لَوْ كَفَلَ يَتِيمًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ لَا يُجْزِئُهُ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ كَسَاهُ يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ التَّمْلِيكِ (لِفَقِيرٍ) مُتَعَلِّقٍ بِالتَّمْلِيكِ (مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مَوْلَاهُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ، فَإِنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِمْ مَعَ الْعِلْمِ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي (مَعَ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمَالِكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّفْعِ إلَى فُرُوعِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَأُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ مُكَاتَبِهِ وَدَفْعِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ كَمَا سَيَأْتِي (لِلَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْلَاصِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] (وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ) إذْ لَا تَكْلِيفَ بِدُونِهِمَا (وَالْإِسْلَامُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُرَادُ وَهُوَ يَعْقِلُ. اهـ. قُلْتُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَكَثَ فِي الْمَعْرَكَةِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيًّا وَالْقَوْمُ فِي الْقِتَالِ وَهُوَ يَعْقِلُ أَوْ لَا يَعْقِلُ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالِارْتِثَاثُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ تَصَرُّمِ الْقِتَالِ. اهـ. [كِتَابُ الزَّكَاةِ] (كِتَابُ الزَّكَاةِ) (قَوْلُهُ: عَقَّبَ الصَّلَاةَ بِالزَّكَاةِ اقْتِدَاءً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] أَقُولُ وَقُرِنَتْ الزَّكَاةُ بِالصَّلَاةِ فِي اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَاقُبَ بَيْنَهُمَا فِي غَايَةِ الْوَكَادَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدْ فَصَلَ قَاضِي خَانْ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ بِالصَّوْمِ (قَوْلُهُ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] هَذَا عَامٌّ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْخَاصِّ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: هِيَ تَمْلِيكٌ. . . إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ نَفْسُ الْإِيتَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ؛ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَ الْإِيتَاءَ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَعِنْدَ الْبَعْضِ اسْمٌ لِلْمَالِ الْمُؤَدَّى؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَإِيتَاءُ الْإِيتَاءِ مُحَالٌ وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا فِعْلُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا وُصِفَتْ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا مِنْ صِفَاتِ الْأَعْيَانِ وَالْمُرَادُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ إخْرَاجُهَا مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] كَذَا فِي الْمَنْشُورِ اهـ. وَمُنَاسَبَةُ الشَّرْعِيِّ لِلُّغَوِيِّ أَنَّ فِعْلَ الْمُكَلَّفِينَ سَبَبٌ لِلُّغَوِيِّ إذْ بِهِ يَحْصُلُ النَّمَاءُ بِالْإِخْلَافِ مِنْهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ وَالطَّهَارَةُ لِلنَّفْسِ مِنْ دَنَسِ الْبُخْلِ وَالْمُخَالَفَةُ وَالطَّهَارَةُ لِلْمَالِ بِإِخْرَاجِ حَقِّ الْغَيْرِ مِنْهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ الْفَقِيرِ ثُمَّ هِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (تَنْبِيهٌ) : عَرَّفَهَا الْمُصَنِّفُ شَرْعًا وَلَمْ يَذْكُرْ تَعْرِيفَهَا لُغَةً وَهُوَ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ زَكَتْ الْبُقْعَةُ أَيْ بُورِكَ فِيهَا وَبِمَعْنَى الْمَدْحِ زَكَّى نَفْسَهُ مَدَحَهَا وَبِمَعْنَى الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ زَكَّى الشَّاهِدُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ هِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّهَارَةُ قَدْ {أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] وَالنَّمَاءُ زَكَا الزَّرْعُ إذَا نَمَا وَفِي الِاسْتِشْهَادِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَت الزَّكَاءُ بِالْهَمْزِ بِمَعْنَى النَّمَاءِ يُقَالُ زَكَا زَكَاءً فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ مِنْهُ لَا مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ كَوْنُهُ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ عَيْنِ لَفْظِ الزَّكَاةِ فِي مَعْنَى النَّمَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. . . إلَخْ) وَلَيْسَ بِشَيْءٍ مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْكَنْزِ بِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَخْذِ الْكَفَّارَةِ. اهـ. فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْرِيفِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ كَوْنِ الْإِسْلَامِ شَرْطًا فِي الزَّكَاةِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْكَفَّارَةِ حَتَّى يَخْرُجَ هَذَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيُّ (قَوْلُهُ: لِفَقِيرٍ مُسْلِمٍ) لَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ مَعَ قَبْضِ مُعْتَبَرٍ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ دَفَعَ إلَى صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونٍ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ دَفَعَهَا الصَّبِيُّ إلَى أَبِيهِ، كَمَا لَوْ وَضَعَ زَكَاتَهُ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ الْفَقِيرُ وَقَبَضَهَا لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقْبِضَهَا لَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مَنْ كَانَ مِنْ عِيَالِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يَعُولُونَ وَالْمُلْتَقِطُ يَقْبِضُ لِلَّقِيطِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الْقَبْضَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْمِي بِهِ وَلَا يُخْدَعُ عَنْهُ يَجُوزُ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ مُجْزِئٌ كَمَا لَوْ انْتَهَبَهَا الْفُقَرَاءُ مِنْ يَدِ الْمُزَكِّي كَمَا فِي الْفَتْحِ [شُرُوط وُجُوب الزَّكَاة] (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ وُجُوبِهَا الْعَقْلُ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْجُنُونِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا أَوْ عَارِضِيًّا فَالْأَصْلِيُّ مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا إذَا أَفَاقَ كَانَ ابْتِدَاءُ حَوْلِهِ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ كَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ، وَأَمَّا الْعَارِضِيُّ، فَإِنْ دَامَ سَنَةً فَهُوَ كَالْأَصْلِيِّ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفَاقَ مِنْ الْجُنُونِ بَعْضَ الْحَوْلِ الَّذِي مَلَكَ فِيهِ النِّصَابَ وَلَوْ كَانَ الْجُنُونُ أَصْلِيًّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَعْتَبِرُ أَبُو يُوسُفَ

لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا (وَالْحُرِّيَّةُ) لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ فَيُمْلَكُ (وَسَبَبُهُ) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا (الْمِلْكُ التَّامُّ) بِأَنْ لَا يَكُونَ يَدًا فَقَطْ كَمَا فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الْمِلْكُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ عَدَّهُ فِي الْكَنْزِ شَرْطًا لِوُجُوبِهَا (لِنِصَابٍ) اُعْتُبِرَ النِّصَابُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدَّرَ السَّبَبَ بِهِ (فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ) الْمُرَادُ بِهِ دَيْنٌ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَيَمْنَعَ دَيْنَ الزَّكَاةِ حَالَ بَقَاءِ النِّصَابِ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُطَالِبُهُ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَنُوَّابَهُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهُمْ الْمُلَّاكُ، فَإِنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَأْخُذُهَا إلَى زَمَنِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ فَوَّضَهَا إلَى أَرْبَابِهَا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ قَطْعًا لِطَمَعِ الظَّلَمَةِ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَوْكِيلًا مِنْهُ لِأَرْبَابِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ضَمَّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الزَّكَاةَ إلَى النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ (وَ) عَنْ (الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ) كَدُورِ السُّكْنَى وَنَحْوِهَا وَسَيَأْتِي (نَامٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا) النَّمَاءُ إمَّا تَحْقِيقِيٌّ يَكُونُ بِالتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَالتِّجَارَاتِ أَوْ تَقْدِيرِيٌّ يَكُونُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ نَائِبِهِ، فَإِذَا فُقِدَ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ (فَلَا تَجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمِلْكُ التَّامُّ (عَلَى مُكَاتَبٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يَدًا فَقَطْ (وَمَدْيُونٍ لِلْعَبْدِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَارِغٍ عَنْ الدَّيْنِ (بِقَدْرِ دَيْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَلَا تَجِبُ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ كَذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ مِائَتَيْنِ تَجِبُ زَكَاةُ مِائَتَيْنِ (وَلَا فِي دُورِ السُّكْنَى) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحَاجَةُ الْأَصْلِيَّةُ (وَنَحْوِهَا) كَثِيَابِ الْبَدَنِ وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَدَوَابِّ الرُّكُوبِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ إفَاقَةَ أَكْثَرِ الْحَوْلِ وَقِيلَ ابْتِدَاءُ حَوْلِ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ مِنْهُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْجُنُونُ مُطْلَقًا عَارِضٌ وَالْحُكْمُ فِي الْعَارِضِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ إذَا امْتَدَّ أَيْ سَنَةً وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْمَجْنُونُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجُنُونُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ إفَاقَةٌ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْإِفَاقَةَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ وَآخِرِهَا، وَإِنْ قَلَّ يَشْتَرِطُ فِي أَوَّلِهَا لِانْعِقَادِ الْحَوْلِ وَفِي آخِرِهَا لِيَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ خِطَابُ الْأَدَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْإِفَاقَةُ فِي أَكْثَرِ الْحَوْلِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ اهـ. وَذَكَرَ الْكَمَالُ مَا تَجِبُ مُرَاجَعَتُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى حَقِيقَةً) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إيهَامُ الْوُجُوبِ عَلَى الْمَوْلَى وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُكَاتَبُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِوُجُودِ الْمُنَافِي وَهُوَ الرِّقُّ وَلِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ دَائِرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى إنْ أَدَّى مَالَ الْكِتَابَةِ سَلِمَ لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ سَلِمَ لِلْمَوْلَى فَكَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَدَّهُ أَيْ الْمِلْكَ التَّامَّ فِي الْكَنْزِ شَرْطًا) كَذَا انْتَقَدَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَالَ وَقَدْ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ سَبَبَهَا مِلْكُ مَالٍ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ فَاضِلٍ عَنْ الْحَاجَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ وَالشَّرْطَ قَدْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضَافُ إلَيْهِ الْوُجُوبُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّأْثِيرِ فَخَرَجَ الْعِلَّةُ وَيَتَمَيَّزُ السَّبَبُ عَنْ الشَّرْطِ بِإِضَافَةِ الْوُجُوبِ إلَيْهِ أَيْضًا دُونَ الشَّرْطِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَمْنَعَ دَيْنَ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ) أَقُولُ: وَكَذَا لَا يَمْنَعُ دَيْنَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَوُجُوبَ الْحَجِّ وَهَدْيَ الْمُتْعَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ) أَقُولُ: جَعْلُ دَيْنِ الْكَفَالَةِ مَانِعًا ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ فَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ عَنْ الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ) هِيَ مَا يَدْفَعُ الْهَلَاكَ مِنْ الْإِنْسَانِ تَحْقِيقًا كَالنَّفَقَةِ وَدُورِ السُّكْنَى أَوْ تَقْدِيرًا كَالدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمَدْيُونَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ الْحَبْسَ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَنْ مَعَهُ دَرَاهِمُ وَأَمْسَكَهَا بِنِيَّةِ صَرْفِهَا إلَى حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَهِيَ عِنْدَهُ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي فَصْلِ زَكَاةِ الْعُرُوضِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي النَّقْدِ كَيْفَمَا مَا أَمْسَكَهُ لِلنَّمَاءِ أَوْ لِلنَّفَقَةِ اهـ. وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي بَحْثِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ بِقَيْدٍ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَتُسَاوِي نُصُبًا لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ أَعَدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَهْلَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ لِلْكُتُبِ تَدْرِيسًا وَحِفْظًا وَتَصْحِيحًا لَا يَخْرُجُونَ بِهَا عَنْ الْفَقْرِ، وَإِنْ سَاوَتْ نُصُبًا فَلَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ إلَّا أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِمْ مَا يُسَاوِي نِصَابًا كَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ تَصْنِيفٍ نُسْخَتَانِ وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَهْلِ، فَإِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ بِهَا الزَّكَاةَ وَالْمُرَادُ كُتُبُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَمَّا كُتُبُ الطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالنُّجُومِ فَمُعْتَبَرَةٌ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ

وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ (وَالْوَاصِل مِنْ مَالِ الضِّمَارِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ نَامٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا وَالضِّمَارُ مَالٌ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ كَآبِقٍ وَمَفْقُودٍ وَمَغْصُوبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَالٍ سَاقِطٍ فِي الْبَحْرِ وَمَدْفُونٍ فِي مَغَارَةٍ نُسِيَ مَكَانُهُ وَمَالٍ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً الْوَدِيعَةٍ نَسِيَ الْمُودِعُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ مَعَارِفِهِ وَدَيْنٍ مَجْحُودٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ صَارَتْ لَهُ بَعْدَ سِنِينَ بِأَنْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْدَ سِنِينَ لَا تَجِبُ زَكَاتُهُ (لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ) لِانْتِفَاءِ النَّمَاءِ وَلَوْ تَقْدِيرًا (بِخِلَافِ مَا عَلَى مُقِرٍّ وَلَوْ) كَانَ (مُعْسِرًا) إذْ يُمْكِنُهُ الْوَصْلُ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ (أَوْ مُفْلِسًا) أَيْ مَحْكُومًا بِإِفْلَاسِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَإِنَّ التَّفْلِيسَ إذَا وُجِدَ تَحَقَّقَ الْإِفْلَاسُ عِنْدَهُ (أَوْ) عَلَى (جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَهُ قَاضٍ) ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إذَا وَصَلَتْ إلَى مَالِكِهَا تَجِبُ زَكَاةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ (وَلَا) تَجِبُ أَيْضًا (فِي دُورٍ لَا لِلسُّكْنَى) تَفْرِيعٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ نَامٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا (وَنَحْوِهَا) كَثِيَابٍ لَا تُلْبَسُ وَأَثَاثٍ لَا يُسْتَعْمَلُ وَدَوَابَّ لَا تُرْكَبُ وَعَبِيدٍ لَا تُسْتَخْدَمُ وَكُتُبِ الْعِلْمِ لِغَيْرِ أَهْلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ) لِانْتِفَاءِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَى هَذَا كُتُبِ الْعِلْمِ لِأَهْلِهَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَهْلُ هَاهُنَا غَيْرُ مُفِيدٍ لِمَا أَنَّهُ إنْ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQنُسْخَةً مِنْ النَّحْوِ أَوْ نُسْخَتَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ النِّصَابِ وَكَذَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْكَلَامُ غَيْرُ مَخْلُوطٍ بِالْآرَاءِ بَلْ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْحَقِّ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدَ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ اهـ. وَالْمُصْحَفُ الْوَاحِدُ لَا يُعْتَبَرُ نِصَابًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ إنَّهُ إنْ بَلَغَ قِيمَتُهُ نِصَابًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ مُصْحَفًا يَقْرَأُ فِيهِ اهـ. وَذَكَرْت هَذَا هُنَا، وَإِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ (قَوْلُهُ: وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ) الْمُرَادُ بِهَا مَا لَا يُسْتَهْلَكُ عَيْنُهُ فِي الِانْتِفَاعِ كَالْقَدُومِ وَالْمِبْرَدِ أَوْ مَا يُسْتَهْلَكُ وَلَا تَبْقَى عَيْنُهُ كَصَابُونٍ وَحُرْضٍ لِغَسَّالٍ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَيُسَاوِي نِصَابًا؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَى مَا تَبْقَى عَيْنُهُ كَعُصْفُرٍ وَزَعْفَرَانٍ لِصَبَّاغٍ وَدُهْنٍ وَعَفْصٍ لِدَبَّاغٍ، فَإِنَّ فِيهِ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهِ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْنِ وَقَوَارِيرِ الْعَطَّارِينَ وَلُجُمِ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ الْمُشْتَرَاةِ لِلتِّجَارَةِ وَمَقَاوِدِهَا وَجِلَالِهَا إنْ كَانَ مِنْ غَرَضِ الْمُشْتَرِي بَيْعُهَا بِهَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ لِحِفْظِ الدَّوَابِّ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَالْقُدُورِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَةِ الصَّبَّاغِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْجَوَالِقُ الْمُشْتَرَاةُ لِلْإِجَارَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَالضِّمَارُ مَالٌ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا اُشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ وَلَمْ يُقْبَضْ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إذَا قَبَضَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَمَغْصُوبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) أَقُولُ إلَّا فِي السَّائِمَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِهَا زَكَاةٌ، وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمَدْفُونٍ فِي مَفَازَةٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ دَفَنَهُ فِي حِرْزٍ وَلَوْ دَارَ غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ لَوْ كَانَتْ دَارًا عَظِيمَةً فَالْمَدْفُونُ فِيهَا يَكُونُ ضِمَارًا فَلَا يَنْعَقِدُ نِصَابًا اهـ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْمَدْفُونِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ كَرْمٍ فَقِيلَ بِالْوُجُوبِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ حِرْزٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَمَالٍ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ مُصَادَرَةً) قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ صَادَرَهُ عَلَى مَالِهِ أَيْ فَارَقَهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ صَارَ لَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ لِلدَّيْنِ الْمَجْحُودِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ) رَاجِعٌ لِمَالِ الضِّمَارِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَدَيْنٍ مَجْحُودٍ) نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ الْمَجْحُودُ نِصَابًا إذَا حَلَّفَهُ الْقَاضِي وَحَلَفَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَالٍ عَلَى مُقِرٍّ. . . إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الدَّيْنَ زَكَاةً لِمَا مَضَى وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِهِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ بَلْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الدَّيْنِ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَسَّمَ الدَّيْنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَوِيٌّ وَهُوَ بَدَلُ الْقَرْضِ وَمَالِ التِّجَارَةِ، وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ كَثَمَنِ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَارِ السُّكْنَى، وَضَعِيفٌ وَهُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ بِمَالٍ وَبَدَلُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ فَفِي الْقَوِيِّ تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَيَتَرَاخَى الْأَدَاءُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَفِيهَا دِرْهَمٌ وَكَذَا فِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ وَفِي الْمُتَوَسِّطِ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا وَيُعْتَبَرُ لِمَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ وَفِي الضَّعِيفِ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا وَيَحُولُ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ وَاجِبًا أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الزَّكَاةُ عَنْ الْمَقْبُوضِ مِنْ الدُّيُونِ الثَّلَاثَةِ بِحِسَابِهِ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ مُفْلِسًا) أَيْ مَحْكُومًا بِإِفْلَاسِهِ أَفَادَ أَنَّهُ مِنْ التَّفْلِيسِ وَقَالَ الْكَاكِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُفْلِسُ الْإِفْلَاسِ وَالْمَعْنَى وَالْحُكْمُ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ أَمَّا الْمَعْنَى فَيُقَالُ أَفْلَسَ الرَّجُلُ صَارَ مُفْلِسًا أَيْ صَارَتْ دَرَاهِمُهُ فُلُوسًا كَمَا يُقَالُ أَخْبَثَ الرَّجُلُ إذَا صَارَتْ أَصْحَابُهُ خُبَثَاءَ، وَأَمَّا فَلَّسَهُ الْقَاضِي تَفْلِيسًا أَيْ نَادَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَفْلَسَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى جَاحِدٍ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَفِي الْأَصْلِ لَمْ يَجْعَلْ الدَّيْنَ نِصَابًا وَلَمْ يُفَصِّلْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ أَيْ الْأَصْلِ إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ بِعَدْلٍ وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ لِعَدْلٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ التَّصْحِيحَ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلِمَهُ قَاضٍ) الْمُفْتَى

يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا وَلَيْسَتْ هِيَ لِلتِّجَارَةِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ أَيْضًا وَإِنْ كَثُرَتْ لِعَدَمِ النَّمَاءِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ ذِكْرَ الْأَهْلِ فِي حَقِّ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ لَهُ كُتُبٌ سَمَاوِيَّةٌ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا وَهِيَ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ آلَاتُ الْمُحْتَرِفِينَ (وَسَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهَا تَوَجُّهُ الْخِطَابِ) يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَهُوَ عَقِيبَ حَوْلَانِ الْحَوْلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّ وُجُوبَهُ فَوْرِيٌّ وَفِي آخِرِ الْعُمُرِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ عُمُرِيٌّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَشَرْطُهُ) أَيْ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهَا (الْحَوْلَانِ) أَيْ حَوْلَانِ الْحَوْلُ (بِثَمَنِيَّةِ الْمَالِ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ) إذَا مَا لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَمْ يَتَوَجَّهْ الْخِطَابُ فَلَا يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ (وَشَرْطُ أَدَائِهَا) أَيْ كَوْنِهَا مُؤَدَّاةً (نِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ (مُقَارِنَةٍ لَهُ) أَيْ لِلْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ (أَوْ) مُقَارِنَةٍ (لِعَزْلِ مَا وَجَبَ) ، فَإِنَّهُ إذَا عَزَلَ مِنْ النِّصَابِ قَدْرَ الْوَاجِبِ نَاوِيًا لِلزَّكَاةِ وَتَصَدَّقَ عَلَى الْفَقِيرِ بِلَا نِيَّةٍ سَقَطَ زَكَاتُهُ (أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) عَطْفٌ عَلَى نِيَّةٍ، فَإِنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ دَخَلَ الْجُزْءُ الْوَاجِبُ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْيِينِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ تَصَدَّقَ بِبَعْضِهِ سَقَطَتْ زَكَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا (وَأَمَّا وُجُوبُهَا فَقِيلَ عُمَرِيٌّ) أَيْ تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعُمُرِ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ بَعْدَ التَّفْرِيطِ (وَقِيلَ فَوْرِيٌّ) أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِ الْقَاضِي الْآنَ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ الْحَوْلَانِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْعِبْرَةُ فِي الزَّكَاةِ لِلْحَوْلِ الْقَمَرِيِّ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْعِنِّينِ بَيَانُ الشَّمْسِيِّ وَالْقَمَرِيِّ وَسُمِّيَ حَوْلًا؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَتَحَوَّلُ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ نِيَّةِ التِّجَارَةِ) الْمُرَادُ مَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لَا عُمُومُ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ عُشْرِيَّةً لِيَتَّجِرَ فِيهَا لَا يَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَإِلَّا اجْتَمَعَ فِيهَا الْحَقَّانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَرْضُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ الْعُشْرِ، وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ بَقِيَتْ الْأَرْضُ عَلَى وَظِيفَتِهَا الَّتِي كَانَتْ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ فِي عُشْرِيَّةٍ اسْتَأْجَرَهَا كَانَ فِيهِ الْعُشْرُ لَا غَيْرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ وَاضِحٌ أَوْ حُكْمًا كَمَالٍ قُويِضَ بِمَالِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ مَا قُويِضَ بِهِ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ بِنِيَّةِ عَدَمِهَا وَعَبْدٌ قَتَلَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ خَطَأً فَدَفَعَ بِهِ وَكَذَا مَا اشْتَرَاهُ مُضَارِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّجَارَةَ كَمَا إذَا ابْتَاعَ الْمُضَارِبُ عَبْدًا وَثَوْبًا لِلْعَبْدِ وَطَعَامًا وَحُمُولَتَهُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَّا لِلتِّجَارَةِ بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُزَكِّي الثَّوْبَ وَالْحُمُولَةَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ التِّجَارَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ) الْمُرَادُ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلْأَدَاءِ لِلْفَقِيرِ أَوْ الْوَكِيلِ وَلَوْ مُقَارَنَةً حُكْمِيَّةً كَأَنْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى وَالْمَالُ قَائِمٌ بِيَدِ الْفَقِيرِ صَحَّتْ وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْفَقِيرِ بِأَنَّهَا زَكَاةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى الْأَصَحُّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مِسْكِينًا دَرَاهِمَ وَسَمَّاهَا هِبَةً أَوْ قَرْضًا وَنَوَى الزَّكَاةَ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ اهـ. وَكَذَا صَحَّحَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْإِجْزَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِنِيَّةِ الدَّافِعِ لَا لِعِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ تَصَدَّقَ بِكُلِّهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ دَفَعَهُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الزَّكَاةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَقِيلَ عُمُرِيٌّ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَدْ أَخَّرَهُ بِدَلِيلِهِ عَنْ الْقَوْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ مَعَ دَلِيلِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ أَيْ الْعُمَرِيَّ مُخْتَارُهُ كَمَا هُوَ طَرِيقَتُهُ اهـ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ الثَّلْجِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ اهـ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ عُمُرِيٌّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ مَعَهُ قَرِينَةُ الْفَوْرِ وَهِيَ أَنَّهُ لِدَفْعِ حَاجَتِهِ وَهِيَ مُعَجَّلَةٌ وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ الْمُسْتَنِدِ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ بِأَنَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِهِ فَالْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَّاهُ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ فَتَكُونُ الزَّكَاةُ فَرِيضَةً وَفَوْرِيَّتُهَا وَاجِبَةً فَيَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ الْإِثْمُ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّكَاةَ عَلَى التَّرَاخِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ أَيْ دَلِيلِ الِافْتِرَاضِ لَا يُوجِبُهَا فَوْرًا وَهُوَ لَا يَنْفِي دَلِيلَ الْإِيجَابِ اهـ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَمْعَنَ التَّأَمُّلَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ دَفْعُ الْحَاجَةِ مَعَ دَفْعِ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُتَرَاخِيًا إذْ بِتَقْدِيرِ اخْتِيَارِ الْكُلِّ لِلتَّرَاخِي وَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ زَمَانِ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَتَأَمَّلْ. اهـ. قُلْتُ: وَقَوْلُ الْكَمَالِ وَالْوَجْهُ الْمُخْتَارُ لَا يُعَارِضُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ تَاجِ الشَّرِيعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْكَمَالِ فِي وَجْهِ الْحُكْمِ لَا لِحُكْمٍ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فَوْرِيٌّ أَيْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ) أَقُولُ الدَّعْوَى مَقْبُولَةٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَإِنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ وَلَا التَّرَاخِيَ بَلْ مُجَرَّدَ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَجُوزُ لِلْمُكَلَّفِ كُلٌّ مِنْ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ فِي الِامْتِثَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ الْفِعْلُ مُقَيَّدًا بِأَحَدِهِمَا فَيَبْقَى عَلَى خِيَارِهِ فِي الْمُبَاحِ الْأَصْلِيِّ فَالْوَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ

[زكاة اللآلئ والجواهر]

وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ مَنْ أَخَّرَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ (لَا يَبْقَى لِلتِّجَارَةِ مَا اشْتَرَاهُ لَهَا فَنَوَى خِدْمَتَهُ ثُمَّ لَا يَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ) وَإِنْ نَوَاهُ لَهَا (مَا) دَامَ (لَمْ يَبِعْهُ) مَثَلًا اشْتَرَى أَمَةً لِلتِّجَارَةِ فَنَوَاهَا لِلْخِدْمَةِ بَطَلَتْ الزَّكَاةُ لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْإِمْسَاكِ لِلِاسْتِخْدَامِ، وَإِنْ نَوَى التِّجَارَةَ بَعْدَهُ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيَكُونَ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لِعَدَمِ اتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّجِرْ فَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ وَلِهَذَا يَصِيرُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَا يَكُونُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا بِهَا إلَّا بِالسَّفَرِ (مَا وَرِثَهُ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ بِالنِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْمَوْرُوثَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ جَبْرًا بِلَا صُنْعِهِ وَلِهَذَا يَرِثُ الْجَنِينُ وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعَمَلُ (حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ) لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ (إلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَمَا مَلَكَهُ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ كَانَ لَهَا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ (بِالنِّيَّةِ) لِاقْتِرَانِهَا بِعَمَلٍ هُوَ قَبُولُ الْعَقْدِ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَارِنْ عَمَلَهَا وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ [زَكَاةَ اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ] (لَا زَكَاةَ فِي اللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ) كَالْعَلِّ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَأَمْثَالِهَا كَذَا فِي الْكَافِي (إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة [بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ] هِيَ جَمْعُ سَائِمَةٍ (هِيَ الْمُكْتَفِيَةُ بِالرَّعْيِ) بِالْكَسْرِ الْكَلَأُ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَمَصْدَرٌ (فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ) حَتَّى لَوْ عَلَفَهَا نِصْفَ الْحَوْلِ لَا تَكُونُ سَائِمَةً فَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ (نِصَابُ الْإِبِلِ خَمْسٌ وَفِي كُلِّ خَمْسٍ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بُخْتٌ) جَمْعُ بُخْتِيٍّ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ) .، فَإِنَّهُ قَالَ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الزَّكَاةِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْمُنْتَقَى وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنَّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ هِيَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ اسْمِهَا عَنْهُمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) هَذَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِتَأْخِيرِهِ عِنْدَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِمْ لَا خَالِصِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَكْسُهُ قَالَ الْكَمَالُ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الثَّلَاثَةِ وُجُوبُ فَوْرِيَّةِ الزَّكَاةِ، وَالْحَقُّ تَعْمِيمُ رَدِّ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ رَدَّهَا شُرِطَ بِالْمَأْثَمِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَجِّ أَيْضًا مَا يُوجِبُ الْفَوْرَ اهـ. وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي عَلَى فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزُوًّا لِفَتَاوَى قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّ تَأْخِيرَ الزَّكَاةِ لَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ اهـ. وَلَكِنِّي لَمْ أَرَهُ بِنُسْخَتِي مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْإِمْسَاكِ) أَقُولُ حَاصِلُ هَذَا أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَمَا كَانَ مِنْ التُّرُوكِ كَفَى فِيهِ مُجَرَّدُهَا فَالتِّجَارَةُ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ النِّيَّةِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا وَنَظِيرُهُ السَّفَرُ وَالْفِطْرُ وَالْإِسْلَامُ وَالْإِسَامَةُ لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا بِالْعَمَلِ وَتَثْبُتُ أَضْدَادُهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا الدَّابَّةُ سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَلْ بِالْعَمَلِ وَيَصِيرُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا وَالْمُمْسِكُ بِلَا فِطْرٍ صَائِمًا وَالْمُسْلِمُ كَافِرًا وَالدَّابَّةُ عَلُوفَةً بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأُمُورِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَعَلَّلَ فِي الْكَافِي عَدَمَ الْإِسْلَامِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِأَنَّهَا لَمْ تَتَّصِلْ بِالْمَنْوِيِّ إذْ الْإِيمَانُ تَصْدِيقٌ بِالْجَنَانِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَلَّلَ كُفْرَ الْمُسْلِمِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِأَنَّهَا اتَّصَلَتْ بِالْمَنْوِيِّ وَهُوَ تَرْكُ اعْتِقَادِ حَقِيقَةِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. (بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ) أَيْ زَكَاتِهَا قَالُوا حَيْثُ أُطْلِقَتْ الصَّدَقَةُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَالْمُرَادُ بِهَا الزَّكَاةُ (قَوْلُهُ وَهِيَ الْمُكْتَفِيَةُ بِالرَّعْيِ. . . إلَخْ) . أَرَادَ بِهِ تَعْرِيفَهَا الْفِقْهِيَّ وَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى مِثْلِ تَعْرِيفِهِ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ اعْتَرَضَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ تَفْسِيرُ السَّائِمَةِ الَّتِي فِيهَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ إذْ بَقِيَ قَيْدُ كَوْنِ ذَلِكَ لِغَرَضِ النَّسْلِ وَالدَّرِّ وَالتَّسْمِينِ وَإِلَّا فَيَشْمَلُ الْإِسَامَةَ لِغَرَضِ الْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَرَكُوا هَذَا الْقَيْدَ لِتَصْرِيحِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَا كَانَ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ، فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اهـ. وَفِي قَوْلِ النِّهَايَةِ وَالتَّسْمِينِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا إنَاثًا فَقَطْ أَوْ ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ مُخْتَلِطَةً فَالْمُرَادُ نَفْيُ كَوْنِ الْإِسَامَةِ لِلْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ وَالتِّجَارَةِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَسَامَهَا لِلَّحْمِ لَا زَكَاةَ فِيهَا كَالْحَمْلِ وَالرُّكُوبِ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا تَعْرِيفُ السَّائِمَةِ لُغَةً فَهِيَ الَّتِي تَرْعَى وَلَا تُعْلَفُ فِي الْأَهْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: الرَّعْيُ بِالْكَسْرِ الْكَلَأُ وَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ) أَقُولُ وَالْمُنَاسِبُ هُنَا ضَبْطُهُ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّ السَّائِمَةَ فِي الْفِقْهِ هِيَ مَا قَدَّمْنَا تَعْرِيفَهَا فَلَوْ حُمِلَ إلَيْهَا الْكَلَأُ إلَى الْبَيْتِ لَا تَكُونُ سَائِمَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: نِصَابُ الْإِبِلِ) أَقُولُ الْإِبِلُ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ وَنِسَاءٍ وَسُمِّيَتْ إبِلًا؛ لِأَنَّهَا تَبُولُ عَلَى أَفْخَاذِهَا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا إبَلِيٌّ بِفَتْحِ الْبَاءِ لِتَوَالِي الْكَسَرَاتِ مَعَ الْيَاءِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَفِي كُلِّ خَمْسٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَمْ يَصِفْهَا بِالذَّوْدِ كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ قَالَ الذَّوْدُ فِي الْإِبِلِ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى الْعَشْرِ مِنْ الْإِنَاثِ دُونَ الذُّكُورِ انْتَهَى فَلَمَّا كَانَ الذَّوْدُ خَاصًّا بِالْإِنَاثِ وَالْحُكْمُ أَعَمَّ حَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ كَصَاحِبِ الْكَنْزِ

[نصاب البقر والجاموس]

الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ ذُو السَّنَامَيْنِ مَنْسُوبٌ إلَى بُخْتَ نَصَّرَ (أَوْ أَعْرَابٌ) جَمْعُ عَرَبِيٌّ (شَاةٌ) عَلَيْهِ اتَّفَقَتْ الْآثَارُ وَاشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ عَفْوٌ) كَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ النُّصُبِ الْآتِيَةِ (وَفِيهَا) أَيْ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (بِنْتُ مَخَاضٍ) هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّانِيَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ مَخَاضًا أَيْ حَامِلًا بِأُخْرَى عَادَةً. (وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثُونَ بِنْتُ لَبُونٍ) وَهِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الثَّلَاثَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَلِدُ أُخْرَى وَتَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ غَالِبًا (وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ) هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا حُقَّ لَهَا الْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ وَالضِّرَابُ. (وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ) هِيَ الَّتِي طَعَنَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَعْنًى فِي أَسْنَانِهِ يَعْرِفُهُ أَرْبَابُ الْإِبِلِ (وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ) الْفَرِيضَةُ (فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ بِالْحِقَّتَيْنِ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَحِقَّتَانِ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ) الْفَرِيضَةُ (فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ بِثَلَاثِ حِقَاقٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي مِائَةٍ وَسِتٍّ وَتِسْعِينَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ إلَى مِائَتَيْنِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ) الْفَرِيضَةُ (أَبَدًا كَمَا فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ) حَتَّى تَجِبَ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ قَيَّدَهُ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ الِاسْتِئْنَافِ الْأَوَّلِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا إيجَابُ أَرْبَعِ حِقَاقٍ لِعَدَمِ نِصَابِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَادَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ صَارَ كُلُّ النِّصَابِ مِائَةً وَخَمْسًا وَأَرْبَعِينَ فَهُوَ نِصَابُ بِنْتِ الْمَخَاضِ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ فَلَمَّا زَادَ عَلَيْهَا خَمْسٌ وَصَارَ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَجَبَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ (وَنِصَابُ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى قَالُوا إنَّ الْبَقَرَ يَتَنَاوَلُهُمَا (ثَلَاثُونَ) وَلَيْسَ فِيمَا دُونَهَا صَدَقَةٌ (وَفِيهَا تَبِيعٌ) وَهُوَ مَا تَمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ (أَوْ تَبِيعَةٌ) هِيَ أُنْثَاهُ. (وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ) وَهُوَ مَا تَمَّ عَلَيْهِ الْحَوْلَانِ (أَوْ مُسِنَّةٌ) هِيَ أُنْثَاهُ وَمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ عَفْوٌ (وَفِي الزَّائِدِ) عَلَى الْأَرْبَعِينَ لَا يَكُونُ عَفْوًا بَلْ (يُحْسَبُ إلَى سِتِّينَ) فَفِي الْوَاحِدَةِ الزَّائِدَةِ رُبُعُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَفِي الثِّنْتَيْنِ نِصْفُ عُشْرِ مُسِنَّةٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ أَعْرَابٌ جَمْعُ عَرَبِيٍّ) أَقُولُ هَذَا لِلْبَهَائِمِ وَلِلْأَنَاسِيِّ عَرَبٌ فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ وَالْعَرَبُ هُمْ الَّذِينَ اسْتَوْطَنُوا الْمُدُنَ وَالْقُرَى الْعَرَبِيَّةَ وَالْأَعْرَابُ أَهْلُ الْبَدْوِ وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَتِهِمْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَسَبُوا إلَى عَرَبَةَ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مِنْ تِهَامَةَ؛ لِأَنَّ أَبَاهُمْ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَشَأَ بِهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: شَاةٌ) قَالَ الْخُجَنْدِيُّ لَا يَجُوزُ فِي الزَّكَاةِ إلَّا الثَّنِيُّ مِنْ الْغَنَمِ فَصَاعِدًا وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَلَا يُؤْخَذُ الْجَذَعُ وَهُوَ الَّذِي أَتَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَاشْتَهَرَتْ كُتُبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ذَكَرَ الْكَمَالُ تِلْكَ الْكُتُبَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ كَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ النُّصُبِ الْآتِيَةِ) يَعْنِي إلَّا فِيمَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَفْوًا إلَى سِتِّينَ بَلْ يَجِبُ بِحِسَابِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ مَخَاضَةً. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَيُسَمَّى وَجَعُ الْوِلَادَةِ مَخَاضًا أَيْضًا (قَوْلُهُ: جَذَعَةً) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَا اشْتِقَاقَ لِاسْمِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَطَاقَتْ الْجَذَعَ يُقَالُ جَذَعَ الدَّابَّةَ إذَا حَبَسَهَا عَلَى غَيْرِ عَلَفٍ اهـ. وَقِيلَ: لِأَنَّهَا تَجْذَعُ أَسْنَانَ اللَّبَنِ أَيْ تُقْلِعُهَا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: يَعْرِفُهَا أَرْبَابُ الْإِبِلِ) أَنَّثَ الضَّمِيرَ فَرَجَعَ إلَى الْجَذَعَةِ وَفِي نُسَخٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ فَرَجَعَ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي بِأَسْنَانِهَا أَيْ يَعْرِفُ الْمَعْنَى الَّذِي بِأَسْنَانِهَا أَرْبَابُ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ: فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ بِالْحِقَّتَيْنِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ مَعَ الْحِقَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ) أَيْ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ مَعَ ثَلَاثِ حِقَاقٍ [نِصَابُ الْبَقَرِ وَالْجَامُوسِ] (قَوْلُهُ: وَنِصَابُ الْبَقَرِ) جِنْسٌ وَاحِدُهُ بَقَرَةٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ فَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسُمِّيَتْ بَقَرًا؛ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ بِحَوَافِرِهَا أَيْ تَشُقُّهَا وَالْبَقْرُ هُوَ الشَّقُّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا وَاحِدٌ) أَيْ فِي الزَّكَاةِ لَا الْأَيْمَانِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالُوا إنَّ الْبَقَرَ يَتَنَاوَلُهُمَا) فِيهِ إيهَامٌ أَنَّ الْجَامُوسَ غَيْرُ الْبَقَرِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَ الْجَامُوسَ لَا يَحْنَثُ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا لَهُ بِأَنَّ أَوْهَامَ النَّاسِ لَا تَسْبِقُ إلَيْهِ فِي دِيَارِنَا لِقِلَّتِهِ اهـ. وَقَالَ الْكَاكِيُّ حَتَّى لَوْ كَثُرَ فِي مَوْضِعٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ كَذَا فِي مَبْسُوطِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْأَيْمَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْبَقَرِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْجَامُوسِ يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ الْجَامُوسِ فَأَكَلَ لَحْمَ الْبَقَرِ لَا يَحْنَثُ وَهَذَا أَصَحُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ فِي الْحَالَيْنِ لِلْعُرْفِ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي الْبَقَرَ لَا يَتَنَاوَلُ الْجَوَامِيسَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَقَرًا يَتَنَاوَلُهَا فَيَحْنَثُ بِشِرَائِهَا؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلْمَعْهُودِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ) نَصَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الذَّكَرُ إلَّا أَنْ يُسَاوِيَ قِيمَتَهُ قِيمَةَ الْأُنْثَى الْوَاجِبَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَصْلِ) أَيْ فَهِيَ

[نصاب الغنم]

ثَبَتَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا (وَفِيهَا ضِعْفُ مَا فِي ثَلَاثِينَ) أَيْ فِي السِّتِّينَ تَبِيعَانِ (ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) فَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ ثُمَّ فِي مِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرَةٍ تَبِيعٌ وَمُسِنَّتَانِ وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ هَكَذَا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ (وَنِصَابُ الْغَنَمِ ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا أَرْبَعُونَ وَفِيهَا شَاةٌ وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ) كَذَا وَرَدَ الْبَيَانُ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي كِتَاب أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ أَرْبَعٌ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَيُؤْخَذُ فِيهَا الثَّنْيُ) وَهُوَ مَا تَمَّ لَهُ سَنَةٌ (لَا الْجَذَعُ) وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْوَسَطُ وَهَذَا مِنْ الصِّغَارِ (وَنِصَابُ الْخَيْلِ خَمْسَةٌ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ) قَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ نِصَابُهَا خَمْسَةٌ، فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ لَا تَجِبُ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعِيَاضِيُّ نِصَابُهَا ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا لَا تَجِبُ (وَفِي كُلِّ فَرَسٍ مِنْ الْعِرَابِ اخْتَلَطَ بِهِ الذُّكُورُ دِينَارٌ أَوْ رُبُعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ نِصَابًا) قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ هَذَا التَّخْيِيرُ مُخْتَصٌّ بِالْأَفْرَاسِ الْعِرَابِ حَيْثُ كَانَ قِيمَةُ كُلِّ فَرَسٍ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَقِيمَةُ الدِّينَارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَيَكُونُ عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَأَمَّا الْأَفْرَاسُ الَّتِي تَتَفَاوَتُ قِيمَتُهَا، فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ (لَا ذُكُورُ الْخَيْلِ) مُنْفَرِدَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَنَاسَلُ كَإِنَاثِهَا فِي (رِوَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا بِانْفِرَادِهَا أَيْضًا لَا تَتَنَاسَلُ وَتَجِبُ فِيهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا تَتَنَاسَلُ بِالْفَحْلِ الْمُسْتَعَارِ بِخِلَافِ الذُّكُورِ (لَا شَيْءَ فِي حَوَامِلَ) هِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِحَمْلِ الْأَثْقَالِ (وَعَوَامِلَ) هِيَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْعَمَلِ كَإِثَارَةِ الْأَرْضِ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ إحْدَى رِوَايَاتٍ ثَلَاثٍ ثَانِيهَا مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ أَنَّ مَا زَادَ عَفْوٌ إلَى خَمْسِينَ فَيَجِبُ مُسِنَّةٌ وَرُبُعُهَا وَثَالِثُهَا أَنَّ الزَّائِدَ عَفْوٌ إلَى سِتِّينَ وَهِيَ رِوَايَةُ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو وَبِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ لِلْقُدُورِيِّ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ [نِصَابُ الْغَنَمِ] (قَوْلُهُ: وَنِصَابُ الْغَنَمِ) الْغَنَمُ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَسُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا آلَةُ الدِّفَاعِ فَكَانَتْ غَنِيمَةً لِكُلِّ طَالِبٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا) مُفِيدُ شُمُولِ الْغَنَمِ لِلضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالضَّأْنُ جَمْعُ ضَائِنٍ كَرَكْبٍ جَمْعُ رَاكِبٍ مِنْ ذَوَاتِ الصُّوفِ وَالضَّأْنُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالنَّعْجَةُ لِلْأُنْثَى وَالْمَعْزُ ذَوَاتُ الشَّعْرِ اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَاسْمُ الذَّكَرِ التَّيْسُ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الضَّأْنُ مُؤَنَّثَةٌ وَالْجَمْعُ أَضْئُونٌ كَفَلْسٍ وَأَفْلُسٍ وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ ضَئِينٌ كَكَرِيمٍ اهـ. وَالْمَعْزُ اسْمُ جِنْسٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَهِيَ ذَوَاتُ الشَّعْرِ مِنْ الْغَنَمِ الْوَاحِدَةُ شَاةٌ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَتُفْتَحُ الْعَيْنُ وَتُسَكَّنُ وَجَمْعُ السَّاكِنِ أَمْعُزُ وَمَعِيزٌ مِثْلَ عَبْدٍ وَأَعْبُدُ وَعَبِيدٌ وَأَلِفُ الْمِعْزَى لِلْإِلْحَاقِ لَا لِلتَّأْنِيثِ وَلِهَذَا تُنَوَّنُ فِي النَّكِرَةِ وَتُصَغَّرُ عَلَى مُعَيْزٍ وَلَوْ كَانَتْ لِلتَّأْنِيثِ لَمْ تُحْذَفْ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا الْجَذَعُ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ جَذَعَ الضَّأْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْجَذَعُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا أَتَى عَلَيْهِ أَكْثَرُهَا) هَذَا تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ الْجَذَعُ مِنْ الْمَعْزِ لِسَنَةٍ وَمِنْ الضَّأْنِ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ [نِصَابُ الْخَيْلِ] (قَوْلُهُ وَنِصَابُ الْخَيْلِ) الْخَيْلُ اسْمُ جَمْعٍ لِلْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ لَا وَاحِدَ لَهُ كَالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ قَالَ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النِّصَابُ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجِبُ فِي أَقَلِّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اعْتِبَارِ النِّصَابِ اهـ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ لَا ذُكُورِ الْخَيْلِ مُنْفَرِدَةً كَإِنَاثِهَا فِي رِوَايَةٍ) الْجَارُ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُنْفَرِدِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْمُنْفَرِدُ مِنْ الْإِنَاثِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ فِيهَا فِي أُخْرَى) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَاتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ عِبَارَتِهِ وَفِيهَا إيهَامٌ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافُ رِوَايَةٍ إلَّا فِي الْإِنَاثِ وَقَدْ وَرَدَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُنْفَرِدِ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي كُلٍّ مِنْ الذُّكُورِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالْإِنَاثِ الْمُنْفَرِدَةِ رِوَايَتَانِ وَالْأَرْجَحُ فِي الذُّكُورِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَفِي الْإِنَاثِ الْوُجُوبُ اهـ قُلْت وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْخَيْلِ كَمَا تَرَى تَبَعًا لِمَا رَجَّحَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِقَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَقَالَا: إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ مُطْلَقًا مُنْفَرِدَةً كَانَتْ أَوْ مُخْتَلِطَةً قَالَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ وَهُوَ أَيْ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ وَرَجَّحَ قَوْلَهُمَا صَاحِبُ الْأَسْرَارِ وَالْيَنَابِيعِ وَقَاضِي خَانْ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِ اخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْخُذُ صَدَقَةَ الْخَيْلِ جَبْرًا. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ فِي حَوَامِلَ وَعَوَامِلَ) تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَيْسَ فِي الْحَوَامِلِ وَالْعَوَامِلِ وَالْعَلُوفَةِ صَدَقَةٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَعَلُوفَةٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ إلَخْ) . أَقُولُ وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ

(وَعَلُوفَةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ هِيَ الَّتِي تُعْطَى الْعَلَفُ فَلَا تَكُونُ سَائِمَةً (وَلَا بَغْلٍ، وَ) لَا (حِمَارٍ لَيْسَا لِلتِّجَارَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِمَا شَيْءٌ وَالْمَقَادِيرُ تَثْبُتُ سَمَاعًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِيَّةِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ. (وَ) لَا (حَمَلِ فَصِيلٍ وَعِجْلٍ إلَّا تَبَعًا) فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ بِلَا مُضِيِّ الْحَوْلِ وَبَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يَبْقَ اسْمُ الْحَمَلِ وَالْفَصِيلِ وَالْعِجْلِ فَقِيلَ فِي صُورَتِهَا رَجُلٌ اشْتَرَى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مِنْ الْفُصْلَانِ أَوْ ثَلَاثِينَ مِنْ الْعَجَاجِيلِ أَوْ أَرْبَعِينَ مِنْ الْحُمْلَانِ أَوْ وُهِبَ لَهُ ذَلِكَ هَلْ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ أَوْ لَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْعَقِدُ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا يَنْعَقِدُ حَتَّى لَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا مِنْ حِينِ مَلَكَهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَقِيلَ إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ فَمَضَى عَلَيْهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَتَوَالَدَتْ عَلَى عَدَدِهَا ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُصُولُ وَبَقِيَتْ الْأَوْلَادُ هَلْ يَبْقَى حَوْلُ الْأُصُولِ عَلَى الْأَوْلَادِ عِنْدَهُمَا لَا يَبْقَى وَعِنْدَ الْبَاقِينَ يَبْقَى . (وَ) لَا (فِي مَالِ الصَّبِيِّ التَّغْلِبِيِّ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مَا عَلَى الرَّجُلِ مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ قَدْ جَرَى عَلَى ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَا صِبْيَانِهِمْ (جَازَ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ وَكَفَّارَةٍ غَيْرَ الْإِعْتَاقِ وَالْعُشْرِ وَالنَّذْرِ) يَعْنِي أَنَّ أَدَاءَ الْقِيمَةِ مَكَانَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ جَائِزٌ لَا عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ بَدَلٌ عَلَى الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ، وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ جَائِزٌ فَكَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَنَا أَحَدُهُمَا إمَّا الْعَيْنُ أَوْ الْقِيمَةُ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ فِي الْأُصُولِ (لَا يُؤْخَذُ إلَّا الْوَسَطُ) رِعَايَةً لِلْجَانِبَيْنِ (بِلَا جَبْرٍ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُهَا كَرْهًا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى إلَّا بِالِاخْتِيَارِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعُلُوفَةُ بِالضَّمِّ جَمْعُ عَلَفٍ يُقَالُ عَلَفْت الدَّابَّةَ وَلَا يُقَالُ أَعَلَفْتهَا وَالدَّابَّةُ مَعْلُوفَةٌ وَعَلِيفٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَغْلٍ وَلَا حِمَارٍ. . . إلَخْ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَلَا حَمَلٍ) هُوَ بِالتَّحْرِيكِ وَلَدُ الشَّاةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَالْجَمْعُ حُمْلَانٌ بِضَمِّ الْحَاءِ. وَفِي الدِّيوَانِ بِكَسْرِهَا وَالْفَصِيلُ وَلَدُ النَّاقَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ابْنَ مَخَاضٍ وَالْجَمْعُ فُصْلَانٌ وَالْعِجْلُ وَالْعُجُولُ مِثْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ الْبَقَرِ حِينَ تَضَعُهُ أُمُّهُ إلَى شَهْرٍ وَالْأُنْثَى عِجْلَةٌ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: قِيلَ إذَا كَانَ لَهُ نِصَابُ سَائِمَةٍ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْأَصَحُّ أَيْ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا تُعْتَبَرُ الصِّغَارُ الْمُنْفَرِدَةُ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا كِبَارٌ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ الْوَاجِبُ فِي الْكِبَارِ مَوْجُودًا وَتَمَامُهُ فِي الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ: جَازَ دَفْعُ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ) أَقُولُ حَتَّى لَوْ أَدَّى ثَلَاثَ شِيَاهٍ سِمَانٍ عَنْ أَرْبَعَ وَسَطٍ أَوْ بَعْضَ بِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ جَازَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ مِثْلِيًّا بِأَنْ أَدَّى أَرْبَعَةَ أَقْفِزَةٍ جَيِّدَةٍ عَنْ خَمْسَةٍ وَسَطٍ وَهِيَ تُسَاوِيهَا لَا يَجُوزُ أَوْ كِسْوَةً بِأَنْ أَدَّى ثَوْبًا يَعْدِلُ ثَوْبَيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَنْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي الضَّحَايَا وَالْعِتْقِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَيَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُضْحِيَّةِ اهـ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْقِيمَةُ فِي الْهَدَايَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَسَنَذْكُرُ مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وَقْتِ الْقِيعَةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَكَفَّارَةٍ غَيْرَ الْإِعْتَاقِ) أَقُولُ قَدْ أَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي وَذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مُعَلَّلًا بِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِيهِ إتْلَافُ الْمِلْكِ وَنَفْيُ الرِّقِّ وَذَلِكَ لَا يَتَقَوَّمُ (قَوْلُهُ: وَالْعُشْرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الزَّكَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ كَذَا فَتَجُوزُ فِيهِ الْقِيمَةُ (قَوْلُهُ: وَالنَّذْرِ) هُوَ بِأَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ فَتَصَدَّقَ بِعِدْلِهِ دَرَاهِمَ أَوْ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ عِنْدَنَا أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِشَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ فَتَصَدَّقَ بِشَاةٍ تَعْدِلُهُمَا جَازَ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ شَاتَيْنِ وَسَطَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَيْنِ وَسَطَيْنِ فَأَهْدَى شَاةً أَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُسَاوِي كُلٌّ مِنْهُمَا وَسَطَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إرَاقَتَيْنِ وَتَحْرِيرَيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدٍ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ بِشَاةٍ تَعْدِلُ شَاتَيْنِ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: لَا يُؤْخَذُ إلَّا الْوَسَطُ) هُوَ أَعْلَى الْأَدْوَنِ وَأَدْوَنُ الْأَعْلَى وَقِيلَ: إذَا كَانُوا مِنْ الضَّأْنِ وَعِشْرِينَ مِنْ الْمَعْزِ يَأْخُذُ الْوَسَطَ وَمَعْرِفَتُهُ أَنْ يَقُومَ الْوَسَطُ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ فَتُؤْخَذُ شَاةٌ تُسَاوِي نِصْفَ الْقِيمَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَثَلًا الْوَسَطُ مِنْ الْمَعْزِ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَالْوَسَطُ مِنْ الضَّأْنِ عِشْرِينَ فَتُؤْخَذُ شَاةٌ قِيمَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: بِلَا جَبْرٍ) شَامِلٌ لِصَدَقَةِ السَّوَائِمِ وَأَخْذِ زَكَاتِهَا لِلْإِمَامِ كَرْهًا عَلَى صَاحِبِهَا وَيُخَالِفُ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْعَاشِرِ مِنْ أَنَّهُ يَأْخُذُ زَكَاةَ الْمَالِ مِنْ الْمَارِّ بِهِ عَلَيْهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ إذَا امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ كَرْهًا) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ زَكَاةَ السَّائِمَةِ كَرْهًا وَيَجْبُرُ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكَيْفِيَّةُ جَبْرِهِ مَا قَالَهُ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِالْحَبْسِ لَا غَيْرُ يُجْبَرُ أَيْ عَلَى دَفْعِهَا بِنَفْسِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَقَالَ شَارِحُهَا وَقَدْ يَقَعُ الْقَهْرُ بِدُونِ الْحَبْسِ كَالْإِخَافَةِ وَالتَّهْدِيدِ وَنَحْوِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ

يَأْخُذُهَا كَرْهًا؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْفَقِيرِ فَصَارَ كَدَيْنٍ وَجَبَ لِلْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ (لَا مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ (إلَّا أَنْ يُوصِيَ) فَحِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَعِنْدَهُ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ (لَمْ يُوجَدْ سِنٌّ وَاجِبٌ) السِّنُّ مَعْرُوفَةٌ سُمِّيَ بِهَا صَاحِبُهَا وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الدَّوَابِّ دُونَ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِالسِّنِّ (دَفَعَ) الْمَالِكُ (الْأَدْنَى مَعَ الْفَضْلِ أَوْ الْأَعْلَى وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ دَفَعَ الْقِيمَةَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْلَى مِنْهَا وَرَدَّ الْفَضْلَ أَوْ أَخَذَ دُونَهَا وَأَخَذَ الْفَضْلَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُصَدِّقِ وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْخِيَارَ شُرِعَ رِفْقًا بِمَنْ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ وَالرِّفْقُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِتَخْيِيرِهِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا سَمَحَتْ بِهِ نَفْسُ مَنْ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِحَالِ الْفَقِيرِ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْكَافِي وَلِذَا قُلْتُ دَفَعَ مَكَانَ أَخَذَ (الْمُسْتَفَادُ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ يُضَمُّ إلَيْهِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ فَاسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِهِ ضَمَّهُ إلَيْهِ وَزَكَّاهُ بِهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ وَقَدْ حَصَلَ فِي وَسَطِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ يَضُمُّ الْمِائَةَ إلَى الْمِائَتَيْنِ وَيُعْطِي زَكَاةَ الْكُلِّ (وَالزَّكَاةُ فِي النِّصَابِ لَا الْعَفْوِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ إذَا مَلَكَ مِائَةَ شَاةٍ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ شَاةٌ إنَّمَا هُوَ فِي أَرْبَعِينَ لَا الْمَجْمُوعِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ سِتُّونَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالْوَاجِبُ عَلَى حَالِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ تَسْقُطُ بِقَدْرِهِ (وَهَلَاكُهُ) أَيْ النِّصَابُ (بَعْدَ الْحَوْلِ يُسْقِطُ الْوَاجِبَ وَهَلَاكُ الْبَعْضِ حِصَّتَهُ وَيَصْرِفُ الْهَلَاكَ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا) ، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْهَلَاكُ الْعَفْوَ فَالْوَاجِبُ عَلَى حَالِهِ كَمَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْحَوْلِ عِشْرُونَ مِنْ سِتِّينَ شَاةً أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْ سِتٍّ مِنْ الْإِبِلِ حَيْثُ يَبْقَى وُجُوبُ شَاةٍ (ثُمَّ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ) يَعْنِي إنْ جَاوَزَ الْهَلَاكُ الْعَفْوَ صُرِفَ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ كَمَا إذَا هَلَكَ خَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا فَالْأَرْبَعَةُ تُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ ثُمَّ أَحَدَ عَشْرَ إلَى النِّصَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى سِتٍّ وَثَلَاثِينَ حَتَّى تَجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا نَقُولُ الْهَلَاكُ يُصْرَفُ إلَى النِّصَابِ وَالْعَفْوِ حَتَّى نَقُولَ، الْوَاجِبُ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَقَدْ هَلَكَ خَمْسَةَ عَشْرَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَيَجِبُ نِصْفٌ وَثُمُنٌ مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَلَا نَقُولُ أَيْضًا أَنَّ الْهَلَاكَ الَّذِي جَاوَزَ الْعَفْوَ يُصْرَفُ إلَى مَجْمُوعِ النُّصُبِ حَتَّى نَقُولَ يُصْرَفُ أَرْبَعَةٌ إلَى الْعَفْوِ ثُمَّ يُصْرَفُ أَحَدَ عَشْرَ إلَى مَجْمُوعِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَيْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتَ لَبُونٍ وَقَدْ هَلَكَ أَحَدَ عَشَرَ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَالْوَاجِبُ ثُلُثَا بِنْتِ لَبُونٍ وَرُبُعُ تُسْعِ بِنْتِ لَبُونٍ (ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ) كَمَا لَوْ هَلَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَرْهًا وَوَضَعَهَا مَوْضِعَهَا أَوْ لَمْ يَضَعْهَا وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَأَمَّا إذَا أَخَذَ مِنْهُ السُّلْطَانُ أَمْوَالًا مُصَادَرَةً وَنَوَى أَدَاءَ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَبِهِ يُفْتَى؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلظَّالِمِ وِلَايَةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ عَنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مُطَالَبَةَ الْفَقِيرِ بِهَا وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِهَا وَأَخْذُهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُزَكِّي، وَإِنْ أَخَّرَهَا وَيَضْمَنُ مَا يَأْخُذُهُ إنْ هَلَكَ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ لَوْ بَقِيَ أَشَارَ فِي الْقُنْيَةِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ وَدِيَانَةٌ أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَبِيلَةِ الْغَنِيِّ أَوْ قَرَابَتِهِ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ مِنْ الْآخِذِ فَيُرْجَى لَهُ حِلُّ الْأَخْذِ بِغَيْرِ عِلْمٍ دِيَانَةً كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُوجَدْ سِنٌّ. . . إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ الْعَيْنُ الْوَاجِبَةُ أَوْ قِيمَتُهَا فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ مَعَ وُجُودِ السِّنِّ (قَوْلُهُ: سَمَّى بِهَا صَاحِبَهَا) مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْأَعْلَى وَرَدَّ الْفَضْلَ) الْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ وَاسْتَرَدَّ الْفَضْلَ لِيَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِلْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمَالِكُ لَا لِغَيْرِ مَذْكُورٍ وَهُوَ السَّاعِي (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ اخْتِيَارُ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ دُونَ السَّاعِي خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْأَصْلِ وَرَدَّهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَقَالَ إنَّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ مُطْلَقًا وَمَا قِيلَ إلَّا فِي صُورَةِ دَفْعِ الْمَالِكِ الْأَعْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إجْبَارِ السَّاعِي عَلَى شِرَاءِ الزَّائِدِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شِرَاءً حَقِيقًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِجْبَارِ ضَرَرٌ بِالسَّاعِي؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَامْتِنَاعُهُ مِنْ قَبُولِ الْأَعْلَى يُلْزِمُ الْعُسْرَ وَفِي ذَلِكَ الْعَوْدُ عَلَى مَوْضُوعِ الزَّكَاةِ بِالنَّقْضِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الْيُسْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِلْمُصَدِّقِ وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ الْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ آخِذُ الصَّدَقَةُ وَهُوَ السَّاعِي، وَأَمَّا الْمَالِكُ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ تَشْدِيدُهُمَا وَكَسْرُ الدَّالِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ تَخْفِيفُ الصَّادِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَأَنَّهُ) الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ الْمُسْتَفَادُ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ) أَقُولُ سَوَاءٌ كَانَ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ وَصِيَّةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: يُضَمُّ إلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالضَّمِّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْمُسْتَفَادِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْأَصْلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَيَذْكُرُ أَنَّ الضَّمَّ فِي النَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ بِالْقِيمَةِ وَلَا يُضَمُّ إلَى النَّقْدَيْنِ ثَمَنُ سَائِمَةٍ زَكَّاهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَمِّ ثَمَنِ طَعَامٍ أَدَّى عُشْرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ وَثَمَنِ أَرْضٍ مَعْشُورَةٍ وَثَمَنِ عَبْدٍ أَدَّى صَدَقَةَ فِطْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ حَصَّلَ فِي وَسَطِهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ غَيْرِ الْوَسَطِ، فَإِنَّهُ

[باب زكاة المال]

مِنْ أَرْبَعِينَ بَعِيرًا عِشْرُونَ فَأَرْبَعَةٌ تُصْرَفُ إلَى الْعَفْوِ وَأَحَدَ عَشْرَ إلَى نِصَابٍ يَلِي الْعَفْوَ وَخَمْسَةٌ إلَى نِصَابٍ يَلِي هَذَا النِّصَابَ حَتَّى يَبْقَى أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَقِسْ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ أَوْ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ (أَخَذَ الْبُغَاةُ زَكَاةَ السَّوَائِمِ وَالْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ وَيُعَادُ غَيْرُ الْخَرَاجِ إنْ لَمْ يُصْرَفْ فِي حَقِّهِ) ، فَإِنَّ وِلَايَةَ أَخْذِ الْخَرَاجِ لِلْإِمَامِ وَكَذَا أَخْذُ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ عُشْرُ الْخَارِجِ (وَزَكَاةُ السَّوَائِمِ وَزَكَاةُ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ مَا دَامَتْ تَحْتَ حِمَايَةِ الْعَاشِرِ) ، فَإِنْ أَخَذَ الْبُغَاةُ أَوْ سَلَاطِينُ زَمَانِنَا الْخَرَاجَ فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَهُمْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُحَارِبُونَ الْكُفَّارَ وَإِنْ أَخَذُوا الزَّكَوَاتِ الْمَذْكُورَةَ، فَإِنْ صَرَفُوهَا إلَى مَصَارِفِهَا الْآتِي ذِكْرُهَا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ إلَى مُسْتَحِقِّهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (غَصَبَ سُلْطَانٌ مَالًا وَخَلَطَهُ بِمَالِهِ صَارَ مِلْكًا لَهُ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَوُرِثَ عَنْهُ) كَذَا فِي الْكَافِي (عَجَّلَ ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ أَوْ لِنُصُبٍ جَازَ) قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ الْمَالُ النَّامِي، وَالْحَوْلَانِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ السَّبَبَ إذَا وُجِدَ صَحَّ الْأَدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ، فَإِذَا وُجِدَ النِّصَابُ صَحَّ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، فَإِذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ وَاحِدٌ كَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَدَّى لِسِنِينَ جَازَ حَتَّى إذَا مَلَكَ فِي كُلٍّ مِنْهَا نِصَابًا أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى مِنْ قَبْلُ وَكَذَا إذَا كَانَ نِصَابٌ وَاحِدٌ فَأَدَّى لِنُصُبٍ جَازَ حَتَّى إذَا مَلَكَ النُّصُبَ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ فَبَعْدَ مَا تَمَّ الْحَوْلُ أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى (لَا يَضْمَنُ مُفْرِطٌ غَيْرُ مُتْلِفٍ) أَيْ إنْ قَصَّرَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْأَدَاءِ حَتَّى هَلَكَ النِّصَابُ سَقَطَ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَلَا يَضْمَنُ قَدْرَهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْقُطُ وَيَضْمَنُ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ صَارَ فِي حَقِّ الْوَاجِبِ حَقًّا لِصَاحِبِ الْحَقِّ فَصَارَ الْمُسْتَهْلِكُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ) الْمُرَادُ بِالْمَالِ غَيْرُ السَّوَائِمِ وَاللَّامُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَاتُوا رُبُعَ عُشْرِ أَمْوَالِكُمْ» ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ السَّوَائِمَة إذْ زَكَاةُ السَّائِمَةِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِرُبُعِ الْعُشْرِ (نِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا وَالْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَزْنُ سَبْعَةٍ) أَيْ يَكُونُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ وَالْمِثْقَالُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَالدِّرْهَمُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ قِيرَاطًا وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ اعْلَمْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ قَدْ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَزَادَتْ وَاحِدَةٌ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَلَوْ فِي آخِرِهِ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْبُغَاةُ) الْأَخْذُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ وَغَيْرَهُ سِنِينَ وَهُوَ عِنْدَهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: يُعَادُ غَيْرُ الْخَرَاجِ إنْ لَمْ يُصْرَفْ فِي حَقِّهِ) يَعْنِي دِيَانَةً بِأَنْ يُفْتِيَ بِالْإِعَادَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُفْتِي بِإِعَادَةِ الْخَرَاجِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مَا يُفِيدُ ضَعْفَهُ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ إذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ ثَانِيًا نُفْتِيهِمْ بِأَنْ يُعِيدُوهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لَا نُفْتِيهِمْ بِإِعَادَةِ الْخَرَاجِ (قَوْلُهُ: غَصَبَ سُلْطَانٌ مَالًا. . . إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَافِي وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ الْمَخْلُوطُ عَنْ مَالِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ الْكَافِي أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَفِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ الْخِلَافَ لِنَقْلِهِ بِصِيغَةٍ قَالُوا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيُورَثُ عَنْهُ اهـ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ صِيغَةَ قَالُوا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ وَيَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِمَا إذَا كَانَ الْفَاضِلُ بَعْدَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ لِأَرْبَابِهِ نِصَابًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَغَصَبَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَخَلَطَهَا بِبَعْضِهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّةٍ بِرَدِّهِ إلَى أَرْبَابِهِ إنْ عَلَمُوا وَإِلَّا إلَى الْفُقَرَاءِ (فَرْعٌ) لَوْ زَكَّى الْمَالَ الْحَلَالَ بِالْحَرَامِ اُخْتُلِفَ فِي إجْزَائِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ (قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ مُفَرِّطٌ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ طَالَبَهُ السَّاعِي فَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَبَهُ فَقِيرٌ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ مُتَعَيَّنٌ لِلْأَخْذِ فَلَزِمَهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ طَلَبِهِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْمَنْعِ كَالْمُودَعِ إذَا مَنَعَ الْوَدِيعَةَ وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَسْتَدْعِي تَفْوِيتَ يَدٍ أَوْ مِلْكٍ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ أَيْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ اهـ. وَقُلْت إلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّهُ أَخَّرَهُ بِدَلِيلِهِ عَنْ الْقَوْلِ بِلُزُومِ الضَّمَانِ وَلَكِنَّهُ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ مَا حَكَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ عَقِبَ الثَّانِي قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِعَدَمِ التَّفْوِيتِ. [بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ] [نِصَابُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّة] (بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ) (قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْمَالِ. . . إلَخْ) يَعْنِي فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُطْلَقًا هُوَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِهِ: الْمَالُ كُلُّ مَا يَتَمَلَّكُهُ النَّاسُ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ اهـ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ مِنْ صَدَقَةِ السَّائِمَةِ زَكَاةُ الْمَالِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ فِي عُرْفِنَا يَتَبَادَرُ مِنْ اسْمِ الْمَالِ النَّقْدَ وَالْعُرُوضَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَاللَّامُ فِيهِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: وَالْقِيرَاطُ خَمْسُ شَعِيرَاتٍ) تَمَامُهُ فِي تَصْنِيفِ الْجَسَاوَنْدِيِّ صَاحِبِ السِّرَاجِيَّةِ

مُخْتَلِفَةً فَمِنْهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ عَلَى وَزْنِ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ وَعَشَرَةٌ عَلَى سِتَّةِ مَثَاقِيلَ وَعَشَرَةٌ عَلَى خَمْسَةِ مَثَاقِيلَ فَأَخَذَ عُمَرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ثُلُثًا كَيْ لَا تَظْهَرَ الْخُصُومَةُ فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ فَثُلُثُ عَشَرَةٍ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ وَثُلُثُ سِتَّةٍ اثْنَانِ وَثُلُثُ خَمْسَةٍ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ وَإِنْ شِئْت فَاجْمَعْ الْمَجْمُوعَ فَيَكُونُ أَحَدًا وَعِشْرِينَ فَثُلُثُ الْمَجْمُوعِ سَبْعَةٌ وَلِذَا سُمِّيَ الدِّرْهَمُ وَزْنَ سَبْعَةٍ (وَفِي مَضْرُوبِ كُلٍّ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ هُوَ قَوْلُهُ الْآتِي رُبُعُ عُشْرٍ (وَمَعْمُولُهُ وَلَوْ حُلِيًّا) وَهُوَ مَا يُتَحَلَّى بِهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ لَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجِبُ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَخَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الِاسْتِعْمَالِ فَأَشْبَهَ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ فِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ قَالَتَا لَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدِّيَا زَكَاتَهُ» (وَتِبْرِهِ وَعَرْضِ تِجَارَةٍ قِيمَتُهُ) هُوَ مَعَ مَا بَعْدَهُ صِفَةُ عَرْضٍ وَهُوَ بِسُكُونِ الرَّاءِ مَتَاعٌ لَا يَدْخُلُهُ كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا يَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَأَمَّا الْعَرَضُ بِفَتْحِهَا فَمَتَاعُ الدُّنْيَا وَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ فَلَا وَجْهَ لَهُ هَاهُنَا لِجَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (نِصَابٌ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُ فِي عَرْضِ التِّجَارَةِ لَيْسَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ وَنَوَى التِّجَارَةَ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ فِيهَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَى أَرْضَ عُشْرٍ وَزَرَعَهَا أَوْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ وَزَرَعَهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَقُولُ، هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ فِي غَايَةِ الِاسْتِبْعَادِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا عَرَفْت أَنَّ الْأَرْضَ غَيْرُ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْعَقَارِ وَالْعَرْضُ يُقَابِلُ الْعَقَارَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَذْرِ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِيَّةِ الْخِدْمَةِ إذَا أَسْقَطَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ كَمَا مَرَّ فَلَأَنْ يُسْقِطَ التَّصَرُّفَ الْأَقْوَى مِنْ النِّيَّةِ أَوْلَى (مُقَوَّمًا بِالْأَنْفَعِ لِلْفَقِيرِ رُبُعُ عُشْرٍ) أَيْ إنْ كَانَ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ قُوِّمَ عَرْضُ التِّجَارَةِ بِهَا وَإِنْ كَانَ بِالدَّنَانِيرِ أَنْفَعَ قُوِّمَ بِهَا (ثُمَّ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْفَرَائِضِ. (قَوْلُهُ: لَوْ حُلِيًّا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حِلْيَةَ نِسَاءٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ مُنْطِقَةٍ أَوْ لِجَامًا أَوْ سِرَاجًا وَالْكَوَاكِبُ فِي الْمَصَاحِفِ وَالْأَوَانِي وَغَيْرُهَا إذَا كَانَتْ تَخْلُصُ عَنْ الْإِذَابَةِ يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِسُكُونِ الرَّاءِ) أَقُولُ وَتُحَرَّكُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الصِّحَاحِ) أَقُولُ لَكِنَّهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ اللُّغَةِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الصِّحَاحِ نَصُّهَا الْعَرْضُ الْمَتَاعُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَهُوَ عَرْضٌ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، فَإِنَّهُمَا عَيْنٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعُرُوض الْأَمْتِعَةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا كَيْلٌ وَلَا وَزْنٌ وَلَا تَكُونُ حَيَوَانًا وَلَا عَقَارًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَرَضُ بِفَتْحِهَا فَمَتَاعُ الدُّنْيَا) أَقُولُ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ التَّفْسِيرِ السَّابِقِ وَعَلِمْت مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقَامُوسِ مِنْ أَنَّهُ يُحَرَّكُ. اهـ. وَأَمَّا الْعُرْضُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْجَانِبُ وَبِالْكَسْرِ مَا يُحْمَدُ الرَّجُلُ بِهِ وَيُذَمُّ كَمَا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ الْعُرْضُ بِسُكُونِ الرَّاءِ خِلَافُ الطُّولِ اهـ يَعْنِي مَعَ ضَمِّ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ فِي غَايَةِ الِاسْتِبْعَادِ. . . إلَخْ) الِاسْتِبْعَادُ بَعِيدٌ عَنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ جَعْلَ الْأَرْضِ غَيْرَ الْعَرْضِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْعُرُوضَ هُنَا جَمْعُ عَرْضٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى تَفْسِيرِ الصِّحَاحِ فَتَخْرُجُ النُّقُودُ فَقَطْ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَبِذَا رَدَّ صَاحِبُ الْبَحْرِ كَلَامَ صَاحِبِ الدُّرَرِ. اهـ. وَإِنْ عَمَّ كَلَامُ الصِّحَاحِ السَّوَائِمَ فَقَدْ خَرَجَتْ بِمَا عُلِمَ مِنْ حُكْمِهَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيُّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا ثَانِيًا. . . إلَخْ) مُتَّجَهٌ فِي رَدِّ اعْتِرَاضِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَنْ اشْتَرَى بَذْرًا لِلتِّجَارَةِ فَزَرَعَهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا اُشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ أَرَادَ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَّةُ كَمَا قَدَّمْنَا لَا عُمُومَ الْأَشْيَاءِ (قَوْلُهُ: مُقَوَّمًا بِالْأَنْفَعِ لِلْفَقِيرِ) قَدَّمْنَا الْوَعْدَ بِبَيَانِ وَقْتِ الْقِيمَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ ثُمَّ الْوَاجِبُ هُنَا الْعَيْنُ وَلَهُ نَقْلُهَا إلَى الْقِيمَةِ وَقْتَ الْأَدَاءِ اهـ. وَالْإِشَارَةُ بِهِنَا فِي كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ إلَى بَابِ زَكَاةِ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيمَةِ فِي السَّائِمَةِ يَوْمَ الْأَدَاءِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْخِلَافُ فِي زَكَاةِ الْمَالِ فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْأَدَاءِ فِي زَكَاةِ الْمَالِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَوْمَ الْوُجُوبِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمَا جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَهُ وِلَايَةُ مَنْعِهَا إلَى الْقِيمَةِ فَيُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَنْعِ كَمَا فِي مَنْعِ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَعِنْدَهُ، الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءً وَلِذَا يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِهَا اهـ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْعَيْنُ بِنَاءً عَلَى مَا ظَنَّهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَدَاءَ الْقِيمَةِ بَدَلٌ عَنْ الْوَاجِبِ حَتَّى لَقَّبَ الْمَسْأَلَةَ بِالْإِبْدَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْبَدَلِ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْأَصْلِ وَأَدَاءُ الْقِيمَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ جَائِزٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ أَيْ إنْ كَانَ التَّقْوِيمُ. . . إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ يُقَوَّمُ بِالْمَضْرُوبِ بِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْعِبْرَةُ بِالْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الْمَالُ وَلَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي أَقْرَبِ الْأَمْصَارِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّهُ أَوْلَى مِمَّا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَفَازَةِ يُقَوَّمُ فِي الْمِصْرِ الَّذِي يَصِيرُ إلَيْهِ. اهـ.

[نقصان النصاب أثناء الحول]

كُلِّ خُمُسٍ زَادَ عَلَى النِّصَابِ رُبُعُ عُشْرٍ بِحِسَابِهِ) ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْكُسُورِ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا إلَّا إذَا بَلَغَ خُمُسَ النِّصَابِ، فَإِذَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا زَادَ فِي الزَّكَاةِ دِرْهَمٌ وَفِي ثَمَانِينَ دِرْهَمَانِ وَلَا شَيْءَ فِي الْأَقَلِّ (مَا غَلَبَ خَالِصُهُ خَالِصٌ) أَيْ فِي حُكْمِ الْخَالِصِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (وَمَا غَلَبَ غِشُّهُ يُقَوَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ (وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَاوِي) يَعْنِي إذَا كَانَ الْغِشُّ وَالْفِضَّةُ سَوَاءً ذَكَرَ أَبُو النَّصْرِ أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ احْتِيَاطًا وَقِيلَ لَا تَجِبُ وَقِيلَ يَجِبُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ (نُقْصَانُ النِّصَابِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى النِّصَابِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي النِّصَابِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِمَا بَيْنَهُمَا إذْ قَلَّمَا يَبْقَى الْحَالُ حَوْلًا عَلَى حَالِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ لِيُضَمَّ الْمُسْتَفَادُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ يُبْطِلُ انْعِقَادَ الْحَوْلِ إذْ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِلَا مَالٍ (تُضَمُّ قِيمَةُ الْعُرُوضِ إلَى الثَّمَنَيْنِ) يَعْنِي إذَا مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ أَوْ عَشْرَ دَنَانِيرَ وَمَلَكَ عَرْضًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ أَوْ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَةُ الْإِعْدَادِ إذْ الثَّمَنَانِ لِلتِّجَارَةِ وَضْعًا وَالْعُرُوضِ جَعْلًا. (وَ) يُضَمُّ (الذَّهَبُ إلَى الْفِضَّةِ قِيمَةً لَا أَجْزَاءً) وَعِنْدَهُمَا أَجْزَاءً حَتَّى لَوْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَةَ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ تَجِبُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَلَوْ مَلَكَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَوْ مِائَةً وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةَ دَنَانِيرَ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا يُضَمُّ إجْمَاعًا وَلَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ تَكَامُلِ الْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا مَتَى انْتَقَصَتْ تَزْدَادُ قِيمَةُ الْآخَرِ فَيُمْكِنُ تَكْمِيلُ مَا انْتَقَصَ قِيمَتُهُ بِمَا ازْدَادَ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الْخِلَافُ حَالَ نُقْصَانِ الْأَجْزَاءِ (بَابُ الْعَاشِرِ) (هُوَ مَنْ نُصِّبَ) أَيْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ (لِأَخْذِ صَدَقَةِ التُّجَّارِ) لِيَأْمَنُوا مِنْ اللُّصُوصِ وَكَمَا يَأْخُذُهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ يَأْخُذُهَا مِنْ الْبَاطِنَةِ الَّتِي مَعَ التُّجَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْكُسُورِ لَا تَجِبُ عِنْدَنَا إلَّا إذَا بَلَغَ خُمُسَ النِّصَابِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بُلُوغُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَا يَضُمُّ إحْدَى الزِّيَادَتَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لِيُتِمَّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْكُسُورِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ يَضُمُّ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي الْكُسُورِ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَا غَلَبَ غِشُّهُ يُقَوَّمُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ) أَقُولُ لَمْ يُبَيِّنْ بِمَاذَا يُقَوَّمُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ غَلَبَ الْغِشُّ كَالسَّتُّوقَةِ يَنْظُرُ إنْ كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ نَوَى التِّجَارَةَ اُعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا مِنْ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ الَّتِي غَلَبَتْ فِضَّتُهَا وَجَبَ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا رَائِجَةً وَلَا مَنْوِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِأَنْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَتَتَخَلَّصُ مِنْ الْغِشِّ، فَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا لَا يَتَخَلَّصُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهَا قَدْ هَلَكَتْ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الظَّاهِرُ أَنَّ خُلُوصَ الْفِضَّةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّرَاهِمِ فِضَّةٌ بِقَدْرِ النِّصَابِ. اهـ. (فَرْعٌ) الْفُلُوسُ إنْ كَانَتْ أَثْمَانًا رَائِجَةً أَوْ سِلَعًا لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي قِيمَتِهَا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: ذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ احْتِيَاطًا) اخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا تَجِبُ) قَالَ مَوْلَانَا الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ اهـ قُلْت وَعَلَّلَهُ الْبُرْهَانُ بِعَدَمِ الْغَلَبَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِلْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجِبُ دِرْهَمَانِ وَنِصْفٌ) عَلَّلَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهَيْ الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ [نُقْصَانُ النِّصَابِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ] (قَوْلُهُ: نُقْصَانُ النِّصَابِ. . . إلَخْ) مِنْ صُوَرِهِ مَا إذَا مَاتَ غَنَمُ التِّجَارَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَيْهِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا زَكَّاهُ بِخِلَافِ عَصِيرٍ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ لِانْعِدَامِ النِّصَابِ بِالتَّخَمُّرِ وَبَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهُ وَهُوَ الصُّفُوفُ فِي الْأَوَّلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَوْلِ لَا يَنْقَطِعُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَصِيرِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا مَتَى انْتَقَضَتْ. . . إلَخْ) مِثَالُهُ إذَا كَانَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَدْنَى مِنْ مِائَةِ دِرْهَمٍ تُضَمُّ الدَّرَاهِمُ إلَى الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ قِيمَةً عَنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيَكْمُلُ بِهَا نِصَابُ الذَّهَبِ قِيمَةً [بَابُ الْعَاشِرِ] أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلَهُ فِي الْعِبَادَةِ وَهَذَا يَشْمَلُ غَيْرَ الزَّكَاةِ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِي عِبَادَةٍ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ قَدَّمَهُ عَلَى الْخُمُسِ مِنْ الرِّكَازِ وَالْعَاشِرُ فَاعِلٌ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ عُشْرًا بِالضَّمِّ فِيهِمَا إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ وَبِالْكَسْرِ صِرْت عَاشِرَهُمْ عَدَدًا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَدُورُ اسْمُ الْعُشْرِ فِي مُتَعَلِّقِ أَخْذِهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ الْعُشْرَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: هُوَ مَنْ نَصَّبَهُ. . . إلَخْ) عَرَّفَهُ بِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي نَصْبِهِ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ إعَانَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَمَا عَدَاهَا مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَافِرِ تَابِعٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ وَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَغَلَبَ الصَّدَقَاتُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمَأْخُوذَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: لِيَأْمَنُوا مِنْ اللُّصُوصِ) أَشَارَ بِهِ إلَى قَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْ زِيَادَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ أَنْ يَأْمَنَ بِهِ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى

كَمَا سَيَأْتِي (صُدِّقَ بِالْيَمِينِ مَنْ قَالَ لَمْ يَتِمَّ الْحَوْلُ) أَيْ صَدَّقَ الْعَاشِرُ مَنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوْلِ وَحَلَفَ (أَوْ) قَالَ (عَلَيَّ دَيْنٌ أَوْ أَدَّيْته إلَى عَاشِرٍ آخَرَ إنْ كَانَ) أَوْ عَاشِرٍ آخَرَ (فِي تِلْكَ السَّنَةِ) ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى وَضْعَ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَمْ يُصَدَّقْ لِكَذِبِهِ يَقِينًا (كَذَا) أَيْ يُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ قَوْلُهُ أَدَّيْت إلَى فَقِيرٍ إلَّا فِي السَّوَائِمِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ مِنْهَا لِلسُّلْطَانِ كَمَنْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ أَوْ الْخَرَاجُ إذَا صَرَفَهَا إلَى الْمُقَاتِلَةِ بِنَفْسِهِ وَكَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِأَنْ يَصْرِفَهُ إلَيْهِمْ فَصَرَفَهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ إلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ (الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ كَالظَّاهِرَةِ) حَتَّى لَوْ قَالَ أَنَا أَدَّيْتُ زَكَاتَهَا بَعْدَمَا أَخْرَجْتهَا مِنْ الْمَدِينَةِ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهَا بِالْإِخْرَاجِ الْتَحَقَتْ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ فَكَانَ الْأَخْذُ مِنْهَا إلَى الْإِمَامِ (فِيمَا صُدِّقَ الْمُسْلِمُ صُدِّقَ الذِّمِّيُّ) ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنَّا وَالْحَقُّ مَتَى وَجَبَ تَضْعِيفُهُ لَا يَتَبَدَّلُ شَيْءٌ مِنْهُ فِيمَا وَرَاءَ التَّضْعِيفِ كَمَا فِي التَّضْعِيفِ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ (إلَّا فِي قَوْلِهِ أَدَّيْت إلَى فَقِيرٍ) ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ وَفِيهَا لَا يُصَدَّقُ إذَا قَالَ أَدَّيْتُهَا أَنَا؛ لِأَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَيْسُوا بِمَصَارِفَ لِهَذَا الْحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُتُونُ خَالِيَةٌ عَنْهُ (لَا الْحَرْبِيِّ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ) أَيْ جَارِيَةٍ يَقُولُ هِيَ أُمُّ وَلَدِي فَيُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرْبِيًّا لَا يُنَافِي الِاسْتِيلَادَ وَإِقْرَارُهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ صَحِيحٌ فَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحِمَايَةِ اهـ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا غَيْرَ هَاشِمِيٍّ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلَا كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِي عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا هَاشِمِيًّا؛ لِأَنَّ فِيمَا يَأْخُذُهُ شُبْهَةَ الزَّكَاةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ السَّاعِي وَهُوَ مَنْ يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِأَخْذِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي وَالْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ اسْمُ جِنْسٍ لَهُمَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَمِّهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَظْلِمُ كَزَمَانِنَا وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ حُرْمَةُ تَوْلِيَةِ الْفَسَقَةِ فَضْلًا عَنْ الْيَهُودِ وَالْكَفَرَةِ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ بِالْيَمِينِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ كَانَ لَا تَحْلِيفَ فِيهَا لَكِنْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ هُنَا وَهُوَ الْعَاشِرُ فِي الْأَخْذِ فَهُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ لِاشْتِبَاهِ الْخَطِّ حَتَّى لَوْ خَالَفَ مَا فِيهَا اسْمُ الْمُصَدِّقِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ كَخَطَأِ الْحَدِّ الرَّابِعِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ وَالْقَوْلُ قَوْلُ التَّاجِرِ بِيَمِينِهِ فِي صِفَةِ مَتَاعِهِ إذَا اتَّهَمَهُ الْعَاشِرُ أَنَّهُ خِلَافُ مَا قَالَ وَلَيْسَ لَهُ إضْرَارُهُ بِتَفْتِيشِهِ كَمَا تَفْعَلُهُ ظَلَمَةُ زَمَانِنَا (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ عَلَيَّ دَيْنٌ) أَطْلَقَ الدَّيْنَ وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ قَوْلَهُ أَوْ عَلَى دَيْنٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ يُصَدِّقُهُ وَإِلَّا لَا يُصَدِّقُهُ كَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا يَنْتَقِصُ بِهِ النِّصَابُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ زَكَاةً حَتَّى شُرِطَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الزَّكَاةِ كَذَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ لِلْقُدُورِيِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّيْنِ فَشَمَلَ الْمُسْتَغْرِقَ لِلْمَالِ وَالْمُنَقِّصَ لِلنِّصَابِ وَهُوَ الْحَقُّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُحِيطِ بِمَالِهِ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ اهـ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُعَارَضَةِ الْمَنْطُوقِ بِالْمَفْهُومِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ أَدَّيْتَ إلَى عَاشِرٍ) أَقُولُ: فَإِنْ ظَهَرَ كَذِبُهُ بَعْدَ سِنِينَ أَخَذَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَغَلَ الْعَاشِرُ عَنْ الْحَرْبِيِّ حَتَّى دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يَأْخُذُ لِمَا مَضَى كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي السَّوَائِمِ أَطْلَقَهُ) فَشَمَلَ مَا لَوْ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهَا فِي الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُجِزْ الْإِمَامُ دَفْعَهُ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأُولَى تَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَنْقَلِبُ نَفْلًا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ الْإِمَامُ لِعِلْمِهِ بِأَدَائِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ دِيَانَةً وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ، وَإِنْ أَجَازَ فِعْلَهُ الْإِمَامُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ أَبِي الْيُسْرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الذِّمِّيِّ جِزْيَةٌ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُهَا فِي كَوْنِهِ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِهَا لَا أَنَّهُ جِزْيَةٌ حَتَّى لَا يُسْقِطُ جِزْيَةَ رَأْسِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَاسْتَثْنَى فِي الْبَدَائِعِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ، فَإِذَا أَخَذَ الْعَاشِرُ مِنْهُمْ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْجِزْيَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ) نَقَلَ مِثْلَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ جَامِعِ الْكَرْدَرِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُصَدَّقُ الْحَرْبِيُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَلْتَفِتُ أَوْ لَا يَتْرُكُ الْأَخْذَ مِنْهُ لَا وَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صُدِّقَ بِأَنْ ثَبَتَ صِدْقُهُ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَخَذَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي أُمِّ وَلَدِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ) يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الصُّوَرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا قَالَ أَدَّيْتُ أَنَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ عَاشِرٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِئْصَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْغَايَةِ قُلْت وَيَكُونُ بِالْأَوْلَى مَا إذَا ثَبَتَ إعْطَاؤُهُ لِعَاشِرٍ آخَرَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ

[باب الركاز]

بِأُمِّيَّةِ الْوَلَدِ يُؤْخَذُ مِنَّا رُبُعُ الْعُشْرِ وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُهُ (وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ) هَكَذَا أَمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُعَاتَهُ (إنْ بَلَغَ مَالُهُ نِصَابًا وَلَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ مَا أَخَذُوا) أَيْ أَهْلُ الْحَرْبِ (مِنَّا وَإِنْ عُلِمَ نَأْخُذُ مِثْلَهُ لَوْ) كَانَ مَا أَخَذُوا مِنَّا (بَعْضًا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ) أَيْ مَالُهُ نِصَابًا (لَا) يُؤْخَذُ مِنْ شَيْءٍ (وَإِنْ أَقَرَّ بِبَاقِي النِّصَابِ فِي بَيْتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيمَا فِي يَدِهِ (وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ الْحَرْبِيِّ (إنْ لَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا مِنَّا) لِيَسْتَمِرُّوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّا أَحَقُّ مِنْهُمْ بِالْمَكَارِمِ (عُشْرٌ) أَيْ أُخِذَ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الْعُشْرُ عُشْرُ سَتَدُنَّ (ثُمَّ مَرَّ قَبْلَ الْحَوْلِ) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ دَارِهِ (لَمْ يُعَشَّرْ) ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتِئْصَالٌ لِلْمَالِ وَحَقُّ الْأَخْذِ لِحِفْظِهِ (وَعَشَّرَ ثَانِيًا إنْ جَاءَ مِنْ دَارِهِ) ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ بِأَمَانٍ جَدِيدٍ وَأَيْضًا الْأَخْذُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَعْدَهُ لَا يَقْضِي إلَى الِاسْتِئْصَالِ (يُعَشَّرُ الْخَمْرُ) أَيْ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ قِيمَتِهَا (لَا الْخِنْزِيرُ) إذَا مَرَّ بِهِمَا ذِمِّيٌّ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي ذَوَاتِ الْقِيَمِ لَهَا حُكْمُ الْعَيْنِ وَالْخِنْزِيرُ مِنْهَا بِخِلَافِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْخَمْرُ مِنْهَا (وَلَا بِضَاعَةٌ) وَهِيَ مَالٌ مَعَ تَاجِرٍ يَكُونُ رِبْحُهُ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعَشَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْ الْمَالِكِ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ (وَمُضَارَبَةٌ) أَيْ إذَا مَرَّ الْمُضَارِبُ بِمَا لَهَا لَمْ يُعَشَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ (وَكَسْبِ مَأْذُونٍ مَدْيُونٍ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ مَوْلَاهُ) أَيْ مَرَّ عَبْدٌ مَأْذُونٌ فَلَوْ مَدْيُونًا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِلَّا فَكَسْبُهُ لِمَوْلَاهُ فَلَوْ مَعَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا (وَثَنَّى إنْ عَشَّرَ الْخَوَارِجُ) يَعْنِي إذَا مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْبُغَاةِ فَعَشَّرُوهُ ثُمَّ مَرَّ عَلَى عَاشِرِ الْعَدْلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ حَيْثُ مَرَّ بِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلَبُوا عَلَى بِلَادِنَا فَأَخَذُوا الزَّكَاةَ وَغَيْرَهَا حَيْثُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ثَانِيًا إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْ الْإِمَامِ [بَابُ الرِّكَازِ] (هُوَ مَالٌ تَحْتَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ خِلْقَةً أَوْ بِدَفْنِ الْعِبَادِ، وَالْمَعْدِنُ خِلْقِيٌّ وَالْكَنْزُ مَدْفُونٌ (خُمِّسَ مَعْدِنُ نَقْدٍ) وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (وَحَدِيدٌ وَنَحْوُهُ) كَالصُّفْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفُهُ) أَيْ مَعَ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ مِنْ الْحَوْلِ وَالنِّصَابِ وَالْفَرَاغِ عَنْ الدَّيْنِ وَكَوْنِهِ لِلتِّجَارَةِ كَافِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عُلِمَ نَأْخُذُ مِثْلَهُ لَوْ بَعْضًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّا لَا نَأْخُذُ الْكُلَّ إذَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ قَدْرُ مَا نَأْخُذُ وَالصَّحِيحُ أَنْ نُبْقِيَ لَهُ مَا يُوَصِّلُهُ إلَى مَأْمَنِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُبَلِّغْهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ) أَقُولُ كَذَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْوَافِي وَقَالَ فِي شَرْحِهِ الْكَافِي حَتَّى لَوْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَأْخُذُوا مِنَّا مِثْلَهَا تَحْقِيقًا لِلْمُجَازَاةِ وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا نَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ، وَإِنْ أَخَذُوا مِنَّا؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ عُرْفًا وَشَرْعًا وَأَخْذُهُمْ مِنْ الْقَلِيلِ ظُلْمٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ قِيمَتِهَا) فِي الْغَايَةِ تُعَرَّفُ بِقَوْلِهِ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا. وَفِي الْكَافِي تُعَرَّفُ بِالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إذَا مَرَّ بِهِمَا ذِمِّيٌّ) أَقُولُ أَوْ حَرْبِيٌّ لِلتِّجَارَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُعَشَّرُ خَمْرُ الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ بِهِ وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَوَائِدِ (قَوْلُهُ: وَلَا بِضَاعَةٌ وَمُضَارَبَةٌ وَكَسْبُ مَأْذُونٍ) أَقُولُ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ حَرْبِيٍّ وَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ لَا فَلْيُنْظَرْ. (تَتِمَّةٌ) الْعَاشِرُ مَمْنُوعٌ عَنْ تَعْشِيرِ الْعِنَبِ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهَا مِنْ الرِّطَابِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِنِصَابٍ قَرُبَ مُضِيُّ الْحَوْلِ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْخَضْرَاوَاتِ لِلتِّجَارَةِ فَيَتِمُّ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَعِنْدَهُ لَا يَأْخُذُ الْعَاشِرُ الزَّكَاةَ لَكِنَّهُ يَأْمُرُ الْمَالِكَ بِأَدَائِهَا بِنَفْسِهِ وَقَالَا يَأْخُذُ مِنْ جِنْسِهِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ حِمَايَةِ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَفْسُدُ بِالِاسْتِيقَاءِ وَلَيْسَ عِنْدَ الْعَامِلِ فُقَرَاءُ الْبِرِّ لِيَدْفَعَ لَهُمْ، فَإِذَا بَقِيَتْ لِيَجِدَهُمْ فَسَدَتْ فَيَفُوتَ الْمَقْصُودُ فَلَوْ كَانُوا عِنْدَهُ أَوْ أَخَذَ لِيَصْرِفَ إلَى عِمَالَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ. اهـ. (بَابُ الرِّكَازِ) (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَالٌ تَحْتَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا. . . إلَخْ) أَقُولُ فَيَعُمُّ لَفْظُ الرِّكَازِ الْكَنْزَ وَالْمَعْدِنَ وَيُطْلَقُ الرِّكَازُ عَلَيْهِمَا إطْلَاقًا حَقِيقَةً مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا وَلَيْسَ خَاصًّا بِالدَّفِينِ وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِ أَوْ مُتَوَاطِئًا إذْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَعْدِنِ كَانَ الْمُتَوَاطِئُ مُتَعَيَّنًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الرِّكَازَ حَقِيقَةً فِي الْمَعْدِنِ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ فِيهَا مُرَكَّبًا وَفِي الْكَنْزِ مَجَازًا بِالْمُجَاوَرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعْدِنُ) هُوَ مِنْ الْعَدْنِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ يُقَالُ عَدَنَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ وَمِنْهُ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَمَرْكَزُ كُلِّ شَيْءٍ مَعْدِنُهُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَة فَأَصْلُ الْمَعْدِنِ الْمَكَانُ بِقَيْدِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ فِي نَفْسِ الْأَجْزَاءِ الْمُسْتَقِرَّةِ الَّتِي رَكَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَهَا حَتَّى صَارَ الِانْتِقَالُ مِنْ اللَّفْظِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً بِلَا قَرِينَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: خُمُسٌ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ خَمَسَ الْقَوْمَ إذَا أَخَذَ خُمُسَ أَمْوَالِهِمْ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَاسْتُشْهِدَ لَهُ فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ بِقَوْلِ عَدِيٍّ رَبَعْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخَمَسْت فِي الْإِسْلَامِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ خَمُسَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَجَازَ بِنَاءُ الْمَفْعُولِ مِنْهُ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ قَرَأَهُ خَمَّسَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْمُخَفَّفَ لَازِمٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُخَفَّفَ مُتَعَدٍّ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ طَلَبَ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَحَدِيدٌ وَنَحْوُهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَخْرَجَ مِنْ الْمَعْدِنِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ جَامِدٌ يَذُوبُ وَيَنْطَبِعُ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحَدِيدِ

وَالنُّحَاسِ وَنَحْوِهِمَا (فِي أَرْضِ خَرَاجٍ أَوْ عُشْرٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُمَا (وَبَاقِيهِ لِمَالِكِهَا) أَيْ الْأَرْضِ (إنْ مُلِّكَتْ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُمَلَّكْ (فَلِلْوَاجِدِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ الْمَعْدِنِ (إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ وَفِي أَرْضِهِ رِوَايَتَانِ وَلَا فِي يَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَفَيْرُوزَجِ وُجِدَتْ فِي جَبَلٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خُمُسَ فِي الْحَجَرِ» وَكَذَا لَا يَجِبُ فِي جَمِيعِ الْجَوَاهِرِ وَالْفُصُوصِ مِنْ الْحِجَارَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ فَفِيهِ الْخُمُسُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَنْزِ إلَّا الْمَالِيَّةُ لِكَوْنِهِ غَنِيمَةً كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (وَلُؤْلُؤٍ وَعَنْبَرٍ) وَكَذَا فِي جَمِيعِ حِلْيَةٍ تُسْتَخْرَجُ مِنْ الْبَحْرِ حَتَّى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِأَنْ كَانَا كَنْزًا فِي قَعْرِ الْبَحْرِ (كَنْزٍ فِيهِ سِمَةُ الْإِسْلَامِ) كَالْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ (كَاللُّقَطَةِ) وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي مَوْضِعِهَا (وَمَا فِيهِ سِمَةُ الْكُفْرِ كَالْمَنْقُوشِ عَلَيْهِ الصَّنَمُ خُمُسٌ وَبَاقِيهِ لِلْمَالِكِ أَوَّلَ الْفَتْحِ) ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا أَخَذَهُ وَإِلَّا فَوَارِثُهُ لَوْ حَيًّا وَإِلَّا فَبَيْتُ الْمَالِ (إنْ مُلِكَتْ) أَيْ أَرْضَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُمْلَكْ كَالْمَفَاوِزِ وَالْجِبَالِ (فَلِلْوَاجِدِ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ غَيْرَ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، فَإِنَّ الْوَاجِدَ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا أَخَذَ (إلَّا إذَا عَمِلَ فِي الْمَفَاوِزِ بِالْإِذْنِ) مِنْ الْإِمَامِ (عَلَى شَرْطِهِ) فَلَهُ الْمَشْرُوطُ (وَإِنْ خَلَا عَنْهَا) أَيْ الْعَلَامَةِ (قِيلَ يُعْتَبَرُ جَاهِلِيًّا) ؛ لِأَنَّ الْكَنْزَ غَالِبًا مِنْ الْكَفَرَةِ (وَقِيلَ) فِي زَمَانِنَا هُوَ (كَاللُّقَطَةِ) إذْ قَدْ طَالَ عَهْدُ الْإِسْلَامِ (رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَوَجَدَ رِكَازًا فِي صَحْرَاءَ دَارِ الْحَرْبِ فَلَهُ وَلَا خُمُسَ) سَوَاءٌ دَخَلَ بِأَمَانٍ أَوْ لَا وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْخُمُسُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مُتَلَصِّصًا غَيْرَ مُجَاهِرٍ (وَلَوْ) دَخَلَ (جَمَاعَةٌ مُمْتَنِعُونَ) أَيْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَغَلَبَةٌ (وَظَفَرُوا) عَلَى كُنُوزِهِمْ (يَخْمِسُ وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ الرِّكَازَ (مُسْتَأْمَنٌ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ) لِأَهْلِ الْحَرْبِ (رَدَّهُ إلَى مَالِكِهَا) حَذَرًا عَنْ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةِ (وَلَوْ) لَمْ يَرُدَّهُ وَ (أَخْرَجَهُ مِنْهَا) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (مَلَكُهُ مِلْكًا غَيْرَ طَيِّبٍ) كَالْمَمْلُوكِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ (أَوْ) وَجَدَ الرِّكَازَ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ (لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا وَلَا يُخْمَسُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مُتَلَصِّصًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَجَدَ مَتَاعَهُمْ فِي أَرْضِنَا غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ خُمِسَ وَبَاقِيهِ لِلْوَاجِدِ) قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَإِنْ وَجَدَ رِكَازَ مَتَاعِهِمْ فِي أَرْضٍ مِنْهَا لَمْ تُمْلَكْ خُمِسَ وَبَاقِيهِ لِلْوَاجِدِ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ نَقْلُ مَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْهِدَايَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ بِقَوْلِهِ مَتَاعٌ وُجِدَ رِكَازًا فَهُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ وَفِيهِ الْخُمُسُ. . . إلَخْ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَامِدٌ لَا يَنْطَبِعُ كَالْجِصِّ وَالتَّوْرَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَسَائِرِ الْأَحْجَارِ كَالْيَاقُوتِ وَالْمِلْحِ، وَالثَّالِثُ: مَا لَيْسَ بِجَامِدٍ كَالْمَاءِ وَالْقِيرِ وَالنَّفْطِ وَلَا يَجِبُ الْخُمُسُ إلَّا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَمَنْ أَصَابَ رِكَازًا وَسِعَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا اطَّلَعَ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ أَمْضَى مَا صَنَعَ وَيَجُوزُ دَفْعُ الْخُمُسِ إلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمُوَلَّدِينَ الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي الْغَنَائِمِ وَيَجُوزُ لِلْوَاجِدِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا وَلَا تُغْنِيهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ بِأَنْ كَانَ دُونَ الْمِائَتَيْنِ أَمَّا إذَا بَلَغَ الْمِائَتَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْخُمُسِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ فَلِلْوَاجِدِ) أَقُولُ سَوَاءٌ وَجَدَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأُجَرَائِهِ قَالَ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ تَقَبَّلَ مِنْ الْإِمَامِ مَعْدِنًا وَاسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَاسْتَخْرَجُوا مَا لَا يَخْمِسُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِيهِ إنْ وَجَدَهُ فِي دَارِهِ) أَيْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ لَا خُمُسَ فِي الدَّارِ وَالْبَيْتِ وَالْمَنْزِلِ وَالْحَانُوتِ وَقَالَا يَجِبُ الْخُمُسُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَفِي أَرْضِهِ رِوَايَتَانِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَجِبُ وَالْفَرْقُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالدَّارِ أَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُمْلَكْ خَالِيَةً عَنْ الْمُؤَنِ بَلْ فِيهَا الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ وَالْخُمُسُ مِنْ الْمُؤَنِ بِخِلَافِ الدَّارِ، فَإِنَّهَا تُمْلَكُ خَالِيَةً عَنْهَا قَالُوا لَوْ كَانَ فِي دَارِهِ نَخْلَةٌ تَغُلُّ أَكْرَارًا مِنْ الثِّمَارِ لَا يَجِبُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وُجِدَتْ فِي جَبَلٍ) أَيْ بِأَصْلِ خِلْقَتِهَا فِي مَعْدِنِهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفِينَ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَفَادَ بِالْأَلْوِيَةِ عَدَمَ الْوُجُوبِ إذَا وُجِدَتْ الْمَذْكُورَاتُ فِي الْبَحْرِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمَوْجُودَيْنِ فِيهِ وَلَوْ بِصُنْعِ الْعِبَادِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَلَا عَنْهَا) أَيْ الْعَلَامَةِ يَعْنِي الْمُمَيِّزَةَ لِيَشْمَلَ مَا إذَا اشْتَبَهَ الضَّرْبُ، وَإِذَا اشْتَبَهَ فَهُوَ جَاهِلِيٌّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقِيلَ يُجْعَلُ إسْلَامِيًّا فِي زَمَانِنَا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ: قِيلَ يُعْتَبَرُ جَاهِلِيًّا) وَقِيلَ كَاللُّقَطَةِ لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ جَعْلُهُ جَاهِلِيًّا (قَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَ مَتَاعُهُمْ) الْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: فِي أَرْضِنَا) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَلِكَ كَمَا يُفِيدُهُ إطْلَاقُ الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِدُ لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ذَا مَنَعَةٍ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ نَقْلُ مَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ مَبْنَى تَخْطِئَةِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ عَلَى مَا ظَهَرَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَا نُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ لِحَمْلِ كَلَامِ الْوِقَايَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَاجِدُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ذَا مَنَعَةٍ غَيْرَ الْمُسْتَأْمَنِ وَيَكُونُ قَوْلُ الْوِقَايَةِ: وَإِنْ وُجِدَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَلَا يَرْجِعُ ضَمِيرُهُ لِلْمُسْتَأْمَنِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ بَلْ يَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْهُ وَحُذِفَ فَاعِلُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ

[باب العشر]

لَا تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لَفْظَ وَجَدَ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُ رَاجِعٌ إلَى الْمُسْتَأْمَنِ بِدَلِيلِ السِّيَاقِ وَضَمِيرُ مِنْهَا رَاجِعٌ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَالْمَعْنَى إنْ وَجَدَ الْمُسْتَأْمَنُ رِكَازَ مَتَاعِهِمْ فِي أَرْضٍ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ خُمِسَ وَبَاقِيهِ لِلْوَاجِدِ وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمَّا صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَجِبُ فِيمَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْغَنِيمَةِ وَهُوَ فِيمَا كَانَ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَوَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْوِقَايَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَالْمُتَلَصِّصِ وَالْأَرْضُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تَقَعْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقْطَعَ عَمَّا وُجِدَ قَبْلَهُ وَيُقْرَأَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُتْرَكَ لَفْظُ مِنْهَا وَتُضَافَ الْأَرْضُ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَلِهَذَا غُيِّرَتْ الْعِبَارَةُ إلَى مَا تَرَى (بَابُ الْعُشْرِ) (يَجِبُ الْعُشْرُ فِي عَسَلِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ (أَوْ) عَسَلِ (جَبَلٍ) وَإِنْ قَلَّ الْعَسَلُ (وَثَمَرِهِ) وَفِي التُّمُرْتَاشِيِّ مَا يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ وَالْبَرَارِيِّ وَالْمَوَاتُ مِنْ الْعَسَلِ وَالْفَاكِهَةِ إنْ لَمْ يَحْمِهِ الْإِمَامُ فَهُوَ كَالصَّيْدِ وَإِنْ حَمَاهُ فَفِيهِ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا عُشْرَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ . (وَ) فِي (مَسْقَى مَطَرٍ أَوْ سَيْحٍ) أَيْ مَاءِ أَوْدِيَةٍ (بِلَا شَرْطِ نِصَابٍ) وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَالرَّطْلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. (وَ) لَا شَرْطِ (بَقَاءٍ) يَعْنِي سَنَةً حَتَّى يَجِبَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ وَقَالَا لَا يَجِبُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ تَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (إلَّا فِي نَحْوِ الْحَطَبِ) كَالْحَشِيشِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَمَسَ وَبَاقِيهِ لَهُ إذْ لَا يَخْمِسُ إلَّا مَا وَجَدَهُ ذُو مَنَعَةٍ (قَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ أَنْ يَقْطَعَ وُجِدَ عَمَّا قَبْلَهُ وَيُقْرَأُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ) قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ كَذَلِكَ عَلَى مَا وَجَّهْنَاهُ ثُمَّ أَقُولُ: السِّرُّ فِي تَقْيِيدِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ بِكَوْنِ الْأَرْضِ لَمْ تُمْلَكْ لِيُفِيدَ الْحُكْمَ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فِي الْمَمْلُوكَةِ لِكَوْنِ الْمَأْخُوذِ غَنِيمَةً اهـ. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ إنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حُكْمِ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ وُجُوبَ الْخُمُسِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الرِّكَازِ مِنْ النَّقْدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ فِي الْمَتَاعِ إلَّا لِلتِّجَارَةِ لِمَا أَنَّ وُجُوبَ الْخُمُسِ بِاعْتِبَارِ الْغَنِيمَةِ وَفِي ذَلِكَ كُلُّ الْمَالِ سَوَاءٌ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ الِانْتِقَالُ مِنْ أَيْدِي الْكَفَرَةِ إلَى أَيْدِينَا غَلَبَةً حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَذَا قِيلَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُتْرَكُ لَفْظُ مِنْهَا) أَقُولُ نَعَمْ يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظِ مِنْهَا لِيَشْمَلَ مَا إذَا وُجِدَ مَتَاعُ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِنَا رِكَازًا وَلَكِنْ قَدْ أَبْدَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي أَرْضِنَا حَتَّى لَا يَرْجِعَ الضَّمِيرُ لِلْمُسْتَأْمَنِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَوَهُّمُ التَّخْصِيصِ بِدَارِنَا وَالْحُكْمُ أَعَمُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْوَاجِدِ لَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ الْمَنَعَةُ [بَابُ الْعُشْرِ] (قَوْلُهُ: فِي عَسَلِ أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَيَّدَ بِأَرْضِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لَا عُشْرَ وَلَا خَرَاجَ كَمَا يُبَيِّنُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَسَلِ وَلَكِنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِنْزَالِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. اهـ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَمْلِكُ الْعَسَلَ الَّذِي فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهَا لِذَلِكَ حَتَّى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ أَرْضِهِ بِخِلَافِ الطَّيْرِ إذَا فَرَّخَ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَسَلِ جَبَلٍ وَثَمَرِهِ) كَذَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ هِيَ رِوَايَةُ أَسَدِ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا. اهـ. إلَّا أَنَّ الأتقاني قَالَ عِنْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا أُخِذَ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ مَا نَصُّهُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفَاوِزِ وَالْكُهُوفِ وَالْجِبَالِ وَعَلَى الْأَشْجَارِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ تَكُونُ فِي الْجِبَالِ. اهـ. فَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا فِي غَيْرِ الْعُشْرِيَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) أَيْ النِّصَابُ الْمُعْتَبَرُ هُنَا مَا يَبْلُغُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ وَالْوَسْقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَيُرْوَى بِكَسْرِهَا حِمْلُ الْبَعِيرِ وَالْوَقْرُ حِمْلُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: سِتُّونَ صَاعًا) تَقْدِيرُ الْوَسْقِ بِسِتِّينَ صَاعًا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَجِبُ إلَّا فِيمَا لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ) حَدُّ الْبَقَاءِ أَنْ يَبْقَى سَنَةً فِي الْغَالِبِ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ كَبِيرَةٍ بِخِلَافِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَالْعِنَبِ فِي بِلَادِهِمْ وَالْبِطِّيخِ الصَّيْفِيِّ فِي بِلَادِنَا أَيْ بِلَادِ الْمِصْرِ وَعِلَاجُهُ الْحَاجَةُ إلَى تَقْلِيبِهِ وَتَعْلِيقُ الْعِنَبِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي نَحْوِ الْحَطَبِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَكَذَا لَا يَجِبُ فِي نَحْوِ سَعَفٍ وَتِبْنٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مِمَّا يُقْصَدُ إنْبَاتُهُ حَتَّى لَوْ اتَّخَذَ أَرْضَهُ مُقَصَّبَةً أَوْ مُشَجَّرَةً أَوْ مَنْبَتًا لِلْحَشِيشِ وَأَرَادَ بِهِ الِاسْتِنْمَاءَ بِقَطْعِ ذَلِكَ وَبَيْعِهِ كَانَ فِيهِ الْعُشْرِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَبَيْعُ مَا يَقْطَعُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَلِذَا أَطْلَقَهُ قَاضِي خَانْ عَنْهُ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا قَصْدُ الِاسْتِغْلَالِ فَخَرَجَ نَحْوُ بَزْرِ الْبِطِّيخِ وَالْخِيَارِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ كَالصَّمْغِ وَالْقَطِرَانِ وَيَجِبُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ وَبَزْرِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ فِيهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا كَانَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ كَاللَّوْزِ وَالْهَلِيلَجِ وَلَا فِي الْكُنْدُرِ. اهـ. . وَفِي الْجَوْهَرَةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ يَجِبُ

وَالْقَصَبِ (وَنِصْفُهُ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ يَجِبُ وَجَازَ لِلْفَصْلِ أَيْ وَيَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ (فِي مَسْقَى غَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ بِلَا رَفْعِ الْمُؤَنِ) أَيْ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُهُ فِي الثَّانِي بِلَا رَفْعِ أُجْرَةِ الْعُمَّالِ وَنَفَقَةِ الْبَقَرِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ وَأُجْرَةِ الْحَافِظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) بِلَا (إخْرَاجِ الْبَذْرِ) ، فَإِنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ الْعُشْرِ فِي كُلِّ الْخَارِجِ . (وَ) يَجِبُ (ضِعْفُهُ فِي عُشْرِيَّةِ تَغْلِبِيٍّ وَلَوْ طِفْلًا أَوْ أُنْثَى أَوْ أَسْلَمَ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) ، فَإِنَّ الْعُشْرَ يُؤْخَذُ مِنْ أَرَاضِي أَطْفَالِنَا فَيُؤْخَذُ ضِعْفُهُ مِنْ أَرَاضِي أَطْفَالِهِمْ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الْعُشْرُ الْمُضَاعَفُ بِالْإِسْلَامِ . (وَ) يَجِبُ (الْخَرَاجُ فِي عُشْرِيَّةِ مُسْلِمٍ شَرَاهَا ذِمِّيٌّ وَقَبَضَ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ الْقَبْضَ وَشُرِطَ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ إلَّا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ. (وَ) يَجِبُ (الْعُشْرُ عَلَى مُسْلِمٍ أَخَذَهَا مِنْهُ بِشُفْعَةٍ أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ لِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْعَيْبِ بِقَضَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رُدَّتْ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى ذِمِّيٌّ مِنْ مُسْلِمٍ عُشْرِيَّةً ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ مُسْلِمٌ بِالشُّفْعَةِ أَوْ رُدَّتْ عَلَيْهِ بِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ بِخِيَارٍ مَا عَادَتْ عُشْرِيَّةً كَمَا كَانَتْ (وَعَلَى ذِمِّيٍّ جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا خَرَاجٌ كَذَا الْمُسْلِمُ إنْ سَقَاهَا بِمَائِهِ وَلَوْ) سَقَاهَا (بِمَاءِ الْعُشْرِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْمِيَاهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُشْرُ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ فِي الصَّحِيحِ وَلَا عُشْرَ فِي الْأَدْوِيَةِ كَالسَّعْتَرِ وَالشُّونِيزِ وَالْحَلِفِ وَالْحُلْبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْقَصَبِ) هُوَ كُلُّ نَبَاتٍ سَاقُهُ يَكُونُ أَنَابِيبَ وَكُعُوبًا وَالْكَعْبُ الْعَقْدُ وَالْأُنْبُوبُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْقَصَبُ الْفَارِسِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَصَبَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ الْفَارِسِيُّ وَلَا عُشْرَ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ وَهُوَ قَصَبُ السُّنْبُلِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسُمِّيَ بِالذَّرِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تُجْعَلُ ذَرَّةً ذَرَّةً وَتُلْقَى فِي الدَّوَاءِ كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِي وَكَذَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ وَفِيهَا وَقِيلَ يَدْفَعُ بِهَا الْهَوَامَّ وَقِيلَ مَا يُزَرُّ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ يُنْثَرُ وَيُلْقَى كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَجْوَدُهُ الْيَاقُوتِيُّ اللَّوْنِ. اهـ. وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَدْوِيَةِ لِحَرْقِ النَّارِ مَعَ دُهْنِ وَرْدٍ وَخَلٍّ وَيَنْفَعُ مِنْ أَوْرَامِ الْمَعِدَةِ وَالْكَبِدِ مَعَ الْعَسَلِ وَمِنْ الِاسْتِسْقَاءِ ضِمَادًا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَالثَّالِثُ قَصَبُ السُّكَّرِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَصَبُ السُّكَّرِ وَالذَّرِيرَةِ فِيهِمَا الْعُشْرُ وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. قَلْبٌ وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ عَسَلِ قَصَبِ السُّكَّرِ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَصَبُ الْعَسَلِ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي عَسَلِهِ دُونَ خَشَبِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: غَرْبٍ) الْغَرْبُ الدَّلْوُ الْعَظِيمُ وَالدَّالِيَةُ دُولَابٌ تُدِيرُهُ الْبَقَرُ وَذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الدَّالِيَةَ جِذْعٌ طَوِيلٌ يُرَكَّبُ تَرْكِيبَ مَدَاقِّ الْأَزْرَقِ فِي رَأْسِهِ مِغْرَفَةٌ كَبِيرَةٌ يَسْتَقِي بِهَا وَالسَّانِيَةُ النَّاقَةُ الَّتِي يَسْتَقِي عَلَيْهَا، فَإِنْ سُقِيَ سَيْحًا وَبِدَالِيَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ أَكْثَرُ السَّنَةِ كَمَا مَرَّ فِي السَّائِمَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا فِي السَّائِمَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ بَحْثُ الزَّيْلَعِيِّ وَظَاهِرُ الْغَايَةِ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْخَرَاجُ فِي عُشْرِيَّةِ مُسْلِمٍ شَرَاهَا ذِمِّيٌّ) أَطْلَقَ الذِّمِّيَّ وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُ التَّغْلِبِيِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْ يَجِبُ الْخَرَاجُ إنْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ غَيْرُ تَغْلِبِيٍّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَى تَغْلِبِيٌّ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ مُسْلِمٍ يُضَاعَفُ الْعُشْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ وَضُعِّفَ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ لِتَغْلِبِيٍّ. اهـ. وَفِيهِ إفَادَةُ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ كَذَا نَقَلَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ الْقُدُورِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ الْعَيْبِ بِقَضَاءٍ) إنَّمَا كَانَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَسْخًا إذَا كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ الْفَسْخِ، فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ إقَالَةً وَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَصَارَ شِرَاءً مِنْ الذِّمِّيِّ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْوَظِيفَةِ وَقِيلَ لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ بِصَيْرُورَتِهَا خَرَاجِيَّةً وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ يَرْتَفِعُ بِالْفَسْخِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رُدَّتْ) أَقُولُ جَعْلُهُ بِقَضَاءٍ مُتَعَلِّقًا بِرُدَّتْ يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ الْقَضَاءِ فِي الرَّدِّ لِلْفَسَادِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ إلَّا فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ الْعَيْبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى ذِمِّيٍّ جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا خَرَاجٌ) أَيْ سَوَاءٌ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ أَوْ الْعُشْرِ وَالْبُسْتَانُ كُلُّ أَرْضٍ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْهَا بُسْتَانًا بَلْ أَبْقَاهَا دَارًا كَمَا كَانَتْ، وَلَوْ بِهَا نَخِيلٌ تَغُلُّ أَكْرَارًا لَا شَيْءَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (قَوْلُهُ: كَذَا الْمُسْلِمُ لَوْ سَقَاهَا) أَيْ الْمُسْلِمُ بِمَائِهِ أَيْ الْخَرَاجِ وَلَوْ سَقَاهَا بِمَاءِ الْعُشْرِ عَشَّرَ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ سَقَاهُ مَرَّةً بِمَاءِ الْعُشْرِ وَمَرَّةً بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ وَالذِّمِّيُّ بِالْخَرَاجِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَاسْتَشْكَلَ الْعَتَّابِيُّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً فِيمَا إذَا سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ حَتَّى نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْإِمَامَ السَّرَخْسِيَّ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ عَلَيْهِ الْعُشْرَ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ مِنْ الْخَرَاجِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ جَبْرًا إمَّا بِاخْتِيَارِهِ فَيَجُوزُ وَقَدْ اخْتَارَهُ هُنَا حَيْثُ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهِيَ كَمَا إذَا أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْمِيَاهِ) بَيَانُهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ أَوْ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ عُشْرِيٌّ وَمَاءَ أَنْهَارٍ حَفَرَهَا الْعَجَمُ وَبِئْرٍ وَعَيْنٍ فِي خَرَاجِيَّةٍ

[باب مصارف الزكاة]

(وَلَا شَيْءَ فِي عَيْنِ قِيرٍ وَنَفْطٍ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَتْ الْعَيْنُ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ أَوْ خَرَاجِيَّةٍ. (وَفِي حَرِيمِهَا الصَّالِحِ لِلزِّرَاعَةِ خَرَاجٌ لَوْ) كَانَ حَرِيمُهَا (خَرَاجِيًّا وَوَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ أَخْذِ الْعُشْرِ (عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَوَقْتُهُ وَقْتُ إدْرَاكِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ حُصُولِهِ فِي الْحَظِيرَةِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (بَابُ الْمَصَارِفِ) (هُمْ الْفَقِيرُ) هُوَ مَنْ لَهُ مَالٌ دُونَ النِّصَابِ (وَالْمِسْكِينُ) هُوَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ (وَالْعَامِلُ) أَيْ عَامِلُ الصَّدَقَةِ فَيُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ وَهُوَ مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَالْمُكَاتَبُ) لِفَكِّهِ (وَالْغَارِمُ) مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِرَاجِي كَذَا سَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَدِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. اهـ. قُلْتُ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَا النِّيلُ خَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ بِاِتِّخَاذِ الْقَنْطَرَةِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَاَلَّتِي حَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَيَزْدَجْرِدَ وَمَرْوَرُوزَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي عَيْنِ قِيرٍ) الْقِيرُ وَالْقَارُ الزِّفْتُ وَالنَّفْطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ دُهْنٌ يَعْلُو الْمَاءَ وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ مَسْحِ مَوْضِعِ الْقِيرِ وَالنَّفْطِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اخْتَارَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. وَفِي رَاوِيَةٍ تُمْسَحُ الْعَيْنُ تَبَعًا إذَا كَانَ حَرِيمُهَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَرِيمِهَا الصَّالِحِ لِلزِّرَاعَةِ خَرَاجٌ لَوْ خَرَاجِيًّا) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْحَرِيمُ عُشْرِيًّا وَزَرَعَهُ وَجَبَ الْعُشْرُ فِيمَا يَخْرُجُ، وَإِنْ لَمْ يَزْرَعْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَوَقْتُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الثَّمَرِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَوُجُوبُ الْعُشْرِ بِاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَبُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ بَلَغَ حَدًّا يُنْتَفَعُ بِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يَرَى الْوُجُوبَ بِالْحَصَادِ وَالْجِدَادِ لَا وَقْتَ جَمْعِ الْخَارِجِ فِي الْجُرْنِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ. اهـ. فَفِيهِ نَوْعُ مُخَالَفَةٍ [بَابُ مَصَارِفِ الزَّكَاةُ] (بَابُ الْمَصَارِفِ) (قَوْلُهُ: الْفَقِيرُ هُوَ مَنْ لَهُ مَالٌ دُونَ النِّصَابِ) أَقُولُ وَيَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لِلْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الدَّفْعِ جَوَازُ الْأَخْذِ كَظَنِّ الْغَنِيِّ فَقِيرًا. اهـ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهَا لِمَنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ كَمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا، نَعَمْ، الْأَوْلَى عَدَمُ الْأَخْذِ لِمَنْ لَهُ سَدَادٌ مِنْ عَيْشٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْمِسْكِينُ) عَطَفَهُ عَلَى الْفَقِيرِ فَاقْتَضَى مُغَايَرَتَهُ لَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَتَظْهَرُ الثَّمَرُ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: هُوَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ هُوَ الْأَصَحُّ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَفْسِيرُهُمَا عَلَى عَكْسِهِ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَالْعَامِلُ) عَبَّرَ بِهِ دُونَ الْعَاشِرِ لِيَشْمَلَ السَّاعِيَ وَلَوْ غَنِيًّا لَا هَاشِمِيًّا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الصَّدَقَةِ وَالْأُجْرَةِ وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْهَاشِمِيُّ وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ رُزِقَ مِنْهَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ عَلَى مَوَالِيهِمْ إذْ لَا حَظَّ لَهُمْ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى وَجَوَّزَ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يَكُونَ الْهَاشِمِيُّ عَامِلًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: فَيُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ) أَيْ ذَهَابًا وَإِيَابًا وَكَانَ الْمَالُ بَاقِيًا حَتَّى لَوْ حَمَلَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ مِنْ الْمَالِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَأَجْزَتْ الزَّكَاةُ عَنْ الْمُؤَدِّينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي الْقَبْضِ أَوْ نَائِبٍ عَنْ الْفَقِيرِ فِيهِ، فَإِذَا تَمَّ الْقَبْضُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَكَذَا حَقُّهُ؛ لِأَنَّهُ عِمَالَةٌ فِي مَعْنَى الْأُجْرَةِ وَأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي عَمِلَ فِيهِ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَتْ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوَسَطِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ شَهْوَتَهُ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ لِكَوْنِهَا إسْرَافًا مَحْضًا وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَرْضَى بِالْوَسَطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَقْدِيرِ الشَّافِعِيِّ لَهُ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ ثَامِنُ ثَمَانِيَةٍ ذُكِرَتْ بِالنَّصِّ وَسَقَطَتْ مِنْهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُكَاتَبُ) يَعْنِي إذَا كَانَ سَيِّدُهُ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ قَدْ قَالُوا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُكَاتَبٍ هَاشِمِيٍّ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَوْلَى اهـ. قُلْت: وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لِمَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ. وَفِي الِاخْتِيَارِ قَالُوا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُكَاتَبٍ هَاشِمِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمَوْلَى وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تُدْفَعُ إلَى مُكَاتَبٍ غَنِيٍّ وَإِطْلَاقُ النَّصِّ يَقْتَضِي الْكُلَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. (وَقَوْلُهُ وَالْغَارِمُ) أَقُولُ وَالدَّفْعُ لَهُ أَوْلَى مِنْ الدَّفْعِ إلَى الْفَقِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) أَفَادَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ نِصَابًا غَيْرَ فَاضِلٍ جَازَ لَهُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالدَّيْنِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا

[بناء المساجد من مال الزكاة]

لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ. (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) هُوَ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَمُنْقَطِعُ الْحَاجِّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْفَقِيرِ أَوْ الْمِسْكِينِ لِزِيَادَةِ حَاجَتِهِ بِسَبَبِ الِانْقِطَاعِ (وَابْنُ السَّبِيلِ) هُوَ الْمُسَافِرُ سُمِّيَ بِهِ لِلُزُومِهِ الطَّرِيقَ فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ حَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ فَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ غَابَ عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ (وَتُصْرَفُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ تَمْلِيكًا) أَيْ لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُصْرَفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ (لَا إلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ بِالزَّكَاةِ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا بِنَاءُ الْقَنَاطِيرِ وَإِصْلَاحُ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَكُلُّ مَا لَا تَمْلِيكَ فِيهِ (وَكَفَنِ مَيِّتٍ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ) وَلَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ وَالْمَدْيُونُ فَقِيرٌ، فَإِنْ قَضَى بِغَيْرِ أَمَرَهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا وَلَا يُجْزِئُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَلَوْ قَضَى بِأَمْرِهِ جَازَ كَأَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَى الْغَرِيمِ فَيَكُونُ الْقَابِضُ كَالْوَكِيلِ فِي قَبْضِ الصَّدَقَةِ (وَثَمَنِ مَا يُعْتَقُ) أَيْ لَا يَشْتَرِي بِهَا رَقَبَةً تُعْتَقُ لِانْعِدَامِ التَّمْلِيكِ فِيهَا (وَلَا) إلَى (مَنْ بَيْنَهُمَا وِلَادٌ) أَيْ أَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ (أَوْ زَوْجِيَّةٌ) أَيْ لَا يُعْطِي زَوْجٌ زَوْجَتَهُ وَلَا زَوْجَةٌ زَوْجَهَا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْمَنَافِعِ عَادَةً (وَمَمْلُوكِ الْمُزَكِّي) أَيْ مُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ (وَعَبْدٍ أَعْتَقَ) الْمُزَكِّي (بَعْضَهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مُكَاتَبِهِ (وَعَبْدٍ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ الْمُعْسِرُ حِصَّتَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ نَصِيبَهُ لَمْ يَجُزْ لَلشَّرِيك الْآخَرِ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْعَى لَهُ فَصَارَ كَمُكَاتَبِهِ وَقَالَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا إلَى عَبْدٍ قَدْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَقَالَا: يَدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَاتَّفَقَ شُرَّاحُهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَيَرْجِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُمْكِنُهُ أَخْذُهُ) يَعْنِي لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ الْآنَ كَمَا إذَا كَانَ نِصَابًا مُؤَجَّلًا أَوْ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ وَالْمَدْيُونُ مُعْسِرٌ أَوْ مُوسِرٌ جَاحِدٌ وَلَا بَيِّنَةَ عَادِلَةً وَحَلَّفَهُ الْقَاضِي أَمَّا لَوْ كَانَ مُوسِرًا مُقِرًّا أَوْ جَاحِدًا وَثَمَّةَ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ إلَى الْقَاضِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ اللَّامِ إلَى فِي كَمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ كَذَلِكَ فِي بَاقِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ وَابْنُ السَّبِيلِ لَمَّا قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ اللَّامِ إلَى فِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمْ مِمَّنْ سَبَقَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءٌ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ (قَوْلُهُ: هُوَ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ طَلَبَةُ الْعِلْمِ وَكَذَا فِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَقَالَ السُّرُوجِيُّ قُلْتُ بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ طَلَبَةُ عِلْمٍ. اهـ. قُلْتُ وَاسْتِبْعَادُهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ لَيْسَ إلَّا اسْتِفَادَةَ الْأَحْكَامِ وَهَلْ يَبْلُغُ طَالِبُ عِلْمٍ رُتْبَةَ مَنْ لَازَمَ صُحْبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَلَقِّي الْأَحْكَامِ عَنْهُ كَأَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَالتَّفْسِيرُ بِطَالِبِ الْعِلْمِ وَجِيهٌ خُصُوصًا قَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَمِيعُ الْقُرَبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَعَى فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَسَبِيلِ الْخَيْرَاتِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا. اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّفْسِيرِ وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تُعْطَى الْأَصْنَافُ كُلُّهُمْ بِشَرْطِ الْفَقْرِ إلَّا فِي الْعَامِلِ فَمُنْقَطِعُ الْحَاجِّ الْفَقِيرِ يُعْطَى بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ تَمْلِيكًا) أَيْ لَا بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الزَّكَاةِ [بِنَاء الْمَسَاجِد مِنْ مَال الزَّكَاة] (قَوْلُهُ: لَا إلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ. . . إلَخْ) الْحِيلَةُ فِي جَوَازِ مِثْلِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِقْدَارِ زَكَاتِهِ عَلَى فَقِيرٍ ثُمَّ يَأْمُرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّرْفِ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ ثَوَابُ الزَّكَاةِ وَلِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذَا التَّقَرُّبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَفَرْعُهُ) أَقُولُ وَلَوْ مِنْ زِنًا وَكَذَا لَا يَدْفَعُ إلَى وَلَدِهِ الَّذِي نَفَاهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ زَوْجِيَّةٌ) أَقُولُ وَكَمَا لَا يَدْفَعُ إلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَرَابَةُ وِلَادٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ كَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ صَدَقَةَ فِطْرِهِ وَكَفَّارَتِهِ وَعُشْرِهِ بِخِلَافِ خُمُسِ الرِّكَازِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهُ لَهُمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْفَقْرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَمَمْلُوكِ الْمُزَكِّي) أَقُولُ وَكَذَا مَمْلُوكُ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَرَابَةُ وِلَادٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَأَنَّ الدَّفْعَ لِمُكَاتَبِ الْوَلَدِ غَيْرُ جَائِزٍ كَالدَّفْعِ لِابْنِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ مُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ) أَقُولُ جَعْلُهُ الْمَمْلُوكَ شَامِلًا لِلْمُكَاتَبِ صَرِيحًا كَمَا هُوَ مَفْهُومُ إطْلَاقِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ فِي بَابِ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ أَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُكَاتَبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا. اهـ. وَلَمَّا كَانَ مُغَايِرًا لَهُ قَالَ فِي الْكَنْزِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ (قَوْلُهُ: وَاتَّفَقَ شُرَّاحُهُ. . . إلَخْ) . أَيْ مُعْظَمُ شُرَّاحِهِ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرَ لَهُ الْكَمَالُ تَوْجِيهًا فَقَالَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَعْتَقَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَوْ لِلْمَفْعُولِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ لَهُمَا بِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ إذْ هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ بِلَا دَيْنٍ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَإِعْتَاقُ بَعْضِهِ إعْتَاقُ كُلِّهِ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ بِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ

ضَمِيرُهُ إلَى الْمُزَكِّي؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَقَالَا يَدْفَعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا، فَإِنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ كُلُّهُ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ كَانَ كُلُّهُ حُرًّا بِلَا دَيْنٍ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُصَوِّرُ الْمَسْأَلَةَ فِي عَبْدَيْنِ اثْنَيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ حَتَّى يَتَأَتَّى هَذَا التَّعْلِيلُ وَلَمَّا كَانَ كَوْنُ أَعْتَقَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ وَكَانَ دَلَالَةُ قَوْلِهِ أَعْتَقَ بَعْضَهُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى ذَكَرْتُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى فِي الْمَتْنِ وَدَلِيلًا لَهَا فِي الشَّرْحِ غَيْرِ مَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالثَّانِيَةَ بِعِبَارَةٍ تَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْكُورَةِ وَدَلِيلًا لَهَا مِثْلُ الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ (وَغَنِيٍّ وَمَمْلُوكِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِمَوْلَاهُ (وَطِفْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ بِخِلَافِ الْكَبِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُكَاتَبُ الْغَيْرِ وَهُوَ مَصْرِفٌ بِالنَّصِّ فَلَا يَعْرَى عَنْ الْإِشْكَالِ وَيَحْتَاجُ فِي دَفْعِهِ إلَى تَخْصِيصِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَالْمُرَادُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ لِلِابْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ ابْنِهِ وَكَمَا لَا يَدْفَعُ إلَى ابْنِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَى مُكَاتَبِهِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ لِلِابْنِ، وَإِنْ قُرِئَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَالْمُرَادُ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَيَسْتَسْعِيهِ السَّاكِتُ فَلَا يَجُوزُ لِلسَّاكِتِ الدَّفْعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ نَفْسِهِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَدْيُونٌ وَهُوَ حُرٌّ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الْإِنْسَانُ إلَى مَدْيُونِهِ أَمَّا لَوْ اخْتَارَ السَّاكِتُ التَّضْمِينَ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْعَبْدِ فَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ كَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَغَنِيٍّ) أَقُولُ أَيْ يَمْلِكُ نِصَابَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ يَمْلِكُ مَا يُسَاوِي قِيمَةَ نِصَابِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بِلَا شَرْطِ النَّمَاءِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ كَخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ جَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَمَا وَقَعَ فِي الْبَحْرِ خِلَافُ هَذَا فَهُوَ وَهْمٌ حَيْثُ قَالَ وَدَخَلَ تَحْتَ النِّصَابِ الْخَمْسُ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ، فَإِنْ مَلَكَهَا أَوْ نِصَابًا مِنْ السَّوَائِمِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ لَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ. اهـ. فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ خِلَافَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي فَنِّ الْمُعَايَاةِ فَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ صَرَّحَ بِمَا ادَّعَاهُ مِمَّنْ اطَّلَعْت عَلَيْهِ بَلْ عِبَارَتُهُمْ مُفِيدَةٌ جَوَازَ الدَّفْعِ لِمَنْ مَلَكَ نِصَابَ سَائِمَةٍ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ النُّقُودِ أَوْ السَّوَائِمِ أَوْ الْعَرْضِ. اهـ. فَأَوْهَمَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعِنَايَةِ سَوَاءٌ كَانَ. . . إلَخْ مُقَيَّدٌ تَقْدِيرُ النِّصَابِ بِالْقِيمَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَرْضِ أَوْ السَّوَائِمِ لِمَا أَنَّ الْعُرُوضَ لَيْسَ نِصَابُهَا إلَّا مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِقْدَارُ النِّصَابِ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْكَافِي بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ فَقَدْ سَأَلَ النَّاسَ إلْحَافًا قِيلَ وَمَا الَّذِي يُغْنِيهِ قَالَ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عَدْلُهَا. اهـ. فَقَدْ شَمَلَ الْحَدِيثُ اعْتِبَارَ السَّائِمَةِ بِالْقِيمَةِ لِإِطْلَاقِهِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْغَنِيُّ الَّذِي يُحَرِّمُ الصَّدَقَةَ وَيُوجِبُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ مِائَتِي دِرْهَمٍ مِنْ الْأَمْوَالِ الْفَاضِلَةِ عَنْ حَاجَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ قِيلَ وَمَا الْغَنِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ» . اهـ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى اعْتِبَارِ قِيمَةِ السَّوَائِمِ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ مِنْ غَيْرٍ (وَإِنْ) ذُكِرَ خِلَافٌ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ كَمَا ذَكَرْنَا وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَنَظْمِ ابْنُ وَهْبَانَ وَشَرْحِهِ لَهُ وَفِي شَرْحِهِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. وَفِي الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إذَا كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَتَجِبُ عَلَيْهِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِصَابُ النَّقْدِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ بَلَغَ نِصَابًا أَيْ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ. اهـ. مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَرْغِينَانِيِّ (تَنْبِيهٌ) : قَيَّدْنَا بِكَوْنِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ تَبَعًا لِلْكَمَالِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ الْحَاجَةِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ نِصَابٌ لَيْسَ نَامِيًا وَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ بِحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا فِيمَنْ يَمْلِكُ كُتُبًا تُسَاوِي نُصُبًا وَهُوَ عَالِمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ هُوَ جَاهِلٌ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا. اهـ. قُلْت إلَّا أَنَّ فِي قَوْلِهِ أَوْ هُوَ جَاهِلٌ لَا حَاجَةَ لَهُ بِهَا نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى مَنْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ لَكِنَّهُ لَمَّا أَحَالَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّ الْجَاهِلَ لَا يَكُونُ مُصَرِّفًا بِمِلْكِهِ كُتُبًا عُلِمَ حُكْمُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا تَسَامُحٌ (قَوْلُهُ وَمَمْلُوكِهِ) أَقُولُ الْمُرَادُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى تَصْرِيحِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ شُمُولَ الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِمَوْلَاهُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ الدَّفْعِ لَهُ إذَا كَانَ مَأْذُونًا مَدْيُونًا بِمَا يُحِيطُ بِكَسْبِهِ وَرَقَبَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَالَ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ إكْسَابَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا يَمْلِكُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَلَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَطِفْلِهِ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْكَبِيرِ) أَقُولُ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَّاحِ وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَقَالَ وَهَكَذَا حُكْمُ الْبِنْتِ الْكَبِيرَةِ إلَّا أَنَّهُ عَقَّبَهُ فِيهَا بِقَوْلِهِ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا دَفَعَ إلَى ابْنَةِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ

وَإِنْ كَانَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَذَا امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَقِيرَةً لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً (وَبَنِي هَاشِمٍ) وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ وَالْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ غُسَالَةَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ» (وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ مُعْتَقِي بَنِي هَاشِمٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ (وَإِنْ جَازَ التَّطَوُّعَاتُ) مِنْ الصَّدَقَةِ (وَالْأَوْقَافِ لَهُمْ) أَيْ لِبَنِي هَاشِمٍ وَمَوَالِيهمْ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الزَّكَاةِ فِيهَا . (وَ) لَا (ذِمِّيٍّ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا إلَى فُقَرَائِهِمْ» يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ جَازَ غَيْرُهَا) أَيْ صَدَقَةٌ غَيْرَ الزَّكَاةِ (لَهُ) أَيْ لِلذِّمِّيِّ وَكَذَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ لَا يَجُوزُ لَهُ (دَفْعٌ بِتَحَرٍّ) أَيْ يَظُنُّ أَنَّهُ مَصْرِفٌ (فَظَهَرَ كَوْنُهُ عَبْدَهُ أَوْ مُكَاتَبَهُ يُعِيدُهَا) ؛ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَالتَّمْلِيكُ رُكْنٌ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ (وَلَوْ) ظَهَرَ (غِنَاهُ أَوْ كُفْرُهُ أَوْ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ هَاشِمِيٌّ لَا) يُعِيدُهَا؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ لَا الْقَطْعِ فَيُبْنَى الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ وَلَوْ أَمَرَ بِالْإِعَادَةِ لَكَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَيْضًا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ دَفْعٌ بِتَحَرٍّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَ بِلَا تَحَرٍّ وَأَخْطَأَ لَا يُجْزِئُهُ (وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ) أَيْ جَازَ إعْطَاءُ مِائَتَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَنِيَّةً بِغِنَى أَبِيهَا وَزَوْجِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا امْرَأَتُهُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا نَفَقَةً أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ لَهَا كَابْنِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ نَفَقَتَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ. . . إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْقُدُورِيَّ حَيْثُ عَدَّهُمْ مُرَتَّبِينَ كَمَا ذَكَرَهُ وَالْعَبَّاسُ وَالْحَارِثُ ابْنَا عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيٌّ وَجَعْفَرٌ وَعَقِيلٌ أَوْلَادُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِهَؤُلَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَذُرِّيَّةِ أَبِي لَهَبٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَطْلَقَ الْحُكْمَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِزَمَانٍ وَلَا شَخْصٍ إشَارَةً لِرَدِّ رِوَايَةِ أَبِي عِصْمَةَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَجُوزُ الدَّفْعُ لِبَنِي هَاشِمٍ فِي زَمَانِهِ؛ لِأَنَّ فِي عِوَضِهَا خُمُسُ الْخُمُسِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ وَلِرَدِّ رِوَايَةِ أَنَّ الْهَاشِمِيَّ يَجُوزُ لَهُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى هَاشِمِيٍّ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّدَقَاتِ كُلَّهَا جَائِزَةٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْحُرْمَةُ كَانَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوُصُولِ خُمُسِ الْخُمُسِ إلَيْهِمْ فَلَمَّا حَصَلَ مَنْعُهُمْ ظُلْمًا عَنْ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَّتْ لَهُمْ الصَّدَقَةُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبِالْجَوَازِ نَأْخُذُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ (قَوْلُهُ وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ مُعْتَقِي بَنِي هَاشِمٍ مُقَيَّدٌ بِالْأَوْلَوِيَّةِ عَدَمُ جَوَازِ الدَّفْعِ إلَى أَرِقَّائِهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ التَّطَوُّعَاتُ وَالْأَوْقَافُ لَهُمْ) نَقَلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ النَّفَلَ جَائِزٌ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ كَالنَّفْلِ لِلْغَنِيِّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَعَزَاهُ إلَى النَّوَادِرِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَنْقُلْ غَيْرَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَثْبَتَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ الْخِلَافَ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِالْحُرْمَةِ وَقَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِإِطْلَاقِهِ وَقَدْ سَوَّى فِي الْكَافِي بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْوَقْفِ كَمَا سَمِعْتَ وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْحِلَّ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا سَمَّاهُمْ أَيْ الْوَاقِفُ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِمْ فَلَا؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ صَدَقَةَ الْوَقْفِ كَالنَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذَا لَا إيقَافَ وَاجِبٌ وَانْظُرْ صَاحِبَ الْبَحْرِ فِيهِ بِأَنَّ الْإِيقَافَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ أَبِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقِفَ هَذِهِ الدَّارَ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُ نَفْسُهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ بِذَلِكَ وَأَوْرَدَ سُؤَالًا كَيْفَ يَلْزَمُ بِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ وَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ مَسْجِدًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مَا يُوجِبُ الْوَفَاءَ بِنَذْرِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَازَ غَيْرُهَا لَهُ) هُوَ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ جَائِزٌ دَفْعُهُ لِلذِّمِّيِّ وَقَيَّدَ بِالذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ فَرْضًا وَنَفْلًا لَا تَجُوزُ لِلْحَرْبِيِّ اتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: دَفْعٌ بِتَحَرٍّ أَيْ بِظَنِّ أَنَّهُ مَصْرِفٌ) فَسَّرَ التَّحَرِّيَ بِالظَّنِّ لِيَخْرُجَ الِاجْتِهَادُ يَعْنِي الْمُجَرَّدَ عَنْ الظَّنِّ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ظَهَرَ كُفْرُهُ) الْمُرَادُ بِهِ بِأَنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَمَّا لَوْ ظَهَرَ حَرْبِيًّا وَلَوْ مُسْتَأْمَنًا لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ دَفْعٌ بِتَحَرٍّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَ بِلَا تَحَرٍّ وَأَخْطَأَ لَا يُجْزِئُهُ) أَقُولُ وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مَصْرِفًا لَا تُجْزِئُهُ وَكَذَا إذَا تَحَرَّى وَغَلَبَهُ ظَنُّهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَصْرِفًا لَا يُجْزِئُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ مَحَلِّيَّتَهُ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا كَمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ حَالَ الِاشْتِبَاهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَإِنْ ظَهَرَ صَوَابُهُ وَأُلْحِقَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْجَوَازِ هُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مُتَعَيِّنَةٌ لِتَعَمُّدِهِ الصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ إذْ هِيَ جِهَةُ التَّحَرِّي حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ فَلَا تَنْقَلِبُ طَاعَةً وَهُنَا نَفْسُ الْإِعْطَاءِ لَا يَكُونُ بِهِ عَاصِيًا فَصَلَحَ وُقُوعُهُ مُسْقِطًا إذَا ظَهَرَ صَوَابُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ

[نقل الزكاة إلى بلد آخر]

دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يُلَاقِي الْفَقْرَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِالتَّمْلِيكِ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ فِي حَالَةِ التَّمْلِيكِ فَقِيرٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغَنِيُّ عَنْ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةً لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِقُرْبِ الْغَنِيِّ مِنْهُ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ (وَنَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ الْجِوَارِ (لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ إذَا نَقَلَهَا إلَى قَرِيبِهِ وَإِلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ أَوْ زِيَادَةِ دَفْعِ الْحَاجَةِ وَلَوْ نَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ جَازَ وَإِنْ كُرِهَ؛ لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مُطْلَقُ الْفُقَرَاءِ (وَنُدِبَ دَفْعُ مُغَنِّيهِ) عَنْ سُؤَالِ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِغْنَاءَ الْمُحَرِّمَ لِأَخْذِ الزَّكَاةِ فَيَشْمَلُ الْمُوجِبَ لَهَا وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فَيُكْرَهُ دَفْعُ عَرْضٍ يُسَاوِي نِصَابًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْغِنَى الْمُوجِبَ لِلزَّكَاةِ لَا الْمُحَرِّمَ لِأَخْذِهَا فَلَا يُكْرَهُ وَإِلَّا دَفَعَ غَيْرَ الْعَرْضِ مِنْ النَّقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِمِلْكِهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهَا إلَى انْتِهَاءِ الْحَوْلِ وَهُوَ مَفْهُومُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، وَإِنْ جَازَ. اهـ. وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا أَوْ ذَا عِيَالٍ فَلَوْ كَانَ ذَا عِيَالٍ بِحَيْثُ لَوْ وَزَّعَ عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُ كُلًّا نِصَابٌ أَوْ لَا يَفْضُلُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ نِصَابٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغِنَى عَنْ التَّمْلِيكِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ الْحَقِيقَةِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهَا بَلْ هُمَا كَالِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ يَقْتَرِنَانِ وَأَجَابَا بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّ الْغِنَى حُكْمُ الْأَدَاءِ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ عِلَّةُ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ عِلَّةُ الْغِنَى فَكَانَ الْغِنَى مُضَافًا إلَى الْأَدَاءِ بِوَاسِطَةِ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ فَكَانَ الْأَدَاءُ شُبْهَةَ السَّبَبِ الْحَقِيقِيِّ وَالسَّبَبُ الْحَقِيقِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُكْمِ حَقِيقَةً وَمَا يُشْبِهُ السَّبَبَ مِنْ الْعِلَلِ لَهُ شُبْهَةُ التَّقَدُّمِ. اهـ. كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ الْحُكْمُ يَتَعَقَّبُ الْعِلَّةَ فِي الْعَقْلِ وَيُقَارِنُهَا فِي الْوُجُودِ فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّأَخُّرِ الْعَقْلِيِّ جَازَ وَبِالنَّظَرِ إلَى التَّقَارُنِ الْخَارِجِيِّ يُكْرَهُ [نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ] (قَوْلُهُ: وَنَقْلُهَا) أَيْ مِنْ مَكَانِ الْمَالِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَكَانُ الرَّأْسِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مُرَاعَاةً لَا يُجَابُ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ وُجُودِ سَبَبِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبُ أَدَائِهَا أَيْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ هُوَ أَيْ الْمَوْلَى كَمَا اخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ وَيَرْجِعُ أَبُو يُوسُفَ إلَى وُجُوبِهَا حَيْثُ هُمْ كَالزَّكَاةِ. اهـ. فَقَدْ اُعْتُبِرَ مَكَانُ الْمَوْلَى وَهُوَ تَصْحِيحُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَتَصْحِيحِ الْكَمَالِ خِلَافُهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى فَوَجَبَ الْفَحْصُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالرُّجُوعُ إلَيْهَا وَالْمَنْقُولُ مِنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَكَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِمَكَانِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ مُوَافِقًا لِتَصْحِيحِ الْمُحِيطِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت قَدْ ظَفَرْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى نَصِّ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْعِنَايَةِ فَوَضَحَ بِهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَحْرِ قَالَ الْأَكْمَلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي أَنَّهُ اعْتَبَرَ هَاهُنَا مَكَانَ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وُجُوبَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ عَنْ رَأْسِهِ فَحَيْثُ كَانَ رَأْسُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَرَأْسُ مَمَالِيكِهِ فِي حَقِّهِ كَرَأْسِهِ فِي وُجُوبِ الْمُؤْنَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الصَّدَقَةِ فَتَجِبُ حَيْثُمَا كَانَتْ رُءُوسُهُمْ وَالزَّكَاةُ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي الْمَالِ فَلِهَذَا إذَا هَلَكَ سَقَطَتْ فَاعْتُبِرَ بِمَكَانِهِ. اهـ. وَكَذَا نَصَّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي النِّهَايَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ: وَأَمَّا مَكَانُ الْأَدَاءِ فَهُوَ مَكَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهَا بِمَكَانِ الْمَالِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) أَقُولُ عَدَمُ كَرَاهَةِ النَّقْلِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، فَإِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُفْتَى بِالْأَدَاءِ إلَى فُقَرَاءِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ وُجِدَ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا نَقْلُهَا لِمَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ بِتَعْلِيمٍ مِنْ فُقَرَاءِ بَلَدِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَكَذَا لَا يُكْرَهُ نَقْلُهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لِبَلَدٍ آخَرَ مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (تَنْبِيهٌ) : قَالُوا الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِهَا أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَتِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ ثُمَّ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْإِخْوَةِ شُمُولَ الْأَخَوَاتِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الزَّكَاةِ وَالْفِطْرَةِ وَالنَّذْرِ الصَّرْفُ أَوَّلًا إلَى الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ إلَى الْجِيرَانِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ حِرْفَتِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الْكَمَالِ ثُمَّ ذَوِي أَرْحَامِهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَخْوَالِهِ ذُو رَحِمٍ أَبْعَدَ مِمَّا ذَكَرَ قَبْلَهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْجَوْهَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ بَعْدِهِمْ. اهـ. هَذَا وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ لَا تُقْبَلُ صَدَقَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ حَتَّى يَبْدَأَ بِهِمْ فَيَسُدَّ حَاجَتَهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ دَفْعُ مُغْنِيَةٍ عَنْ سُؤَالِ يَوْمٍ) ظَاهِرُهُ تَعَلُّقُ الْإِغْنَاءِ بِسُؤَالِ الْقُوتِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ فِي كُلِّ فَقِيرٍ مِنْ عِيَالٍ وَحَاجَةٍ أُخْرَى كَدُهْنٍ وَثَوْبٍ وَكِرَاءِ مَنْزِلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا صَارَ هَذَا أَحَبَّ؛ لِأَنَّ

[باب الفطرة]

وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ (بَابُ الْفِطْرَةِ) أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ (تَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ) وَلَوْ صَغِيرًا (لَهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَنْمِ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ (وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا النِّصَابِ (تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ) وَقَدْ سَبَقَ (لِنَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَجِبُ (وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَطِفْلِهِ الْغَنِيِّ بَلْ مِنْ مَالِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ صِيَانَةَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ مَعَ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَلِهَذَا قَالُوا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى بِهِ فُلُوسًا فَفَرَّقَهَا فَقَدْ قَصَّرَ فِي أَمْرِ الصَّدَقَةِ. اهـ. قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا تَصَدَّقْتُمْ فَأَغْنُوهُمْ وَلِأَنَّ دَفْعَ الْكَثِيرِ أَشْبَهُ بِعَمَلِ الْكِرَامِ فَكَانَ أَوْلَى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَيَبْغُضُ سَفْسَافَهَا» وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إعْطَاءِ الْقَلِيلِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَفَرَأَيْت الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) يَعْنِي لَا يَسْأَلُ الْقُوتَ أَمَّا سُؤَالُ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ غَيْرَ الْقُوتِ فَجَائِزٌ كَثَوْبٍ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ قُوتُهُ بِالْفِعْلِ أَوْ الْقُوَّةِ كَمَا إذَا كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا لِقُدْرَتِهِ بِصِحَّتِهِ وَاكْتِسَابِهِ عَلَى قُوتِ الْيَوْمِ فَكَأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُ وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْغَازِيَ، فَإِنَّ طَلَبَ الصَّدَقَةِ جَائِزٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا مُكْتَسِبًا لِاشْتِغَالِهِ بِالْجِهَادِ عَنْ الْكَسْبِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِهِ طَالِبُ الْعِلْمِ لِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْكَسْبِ بِالْعِلْمِ، وَإِذَا حَرُمَ السُّؤَالُ هَلْ يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لَهُ إذَا عُلِمَ حَالُهُ مَا حُكْمُهُ، فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَأْثَمَ بِذَلِكَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ لَكِنْ يُجْعَلُ هِبَةً وَبِالْهِبَةِ لِلْغَنِيِّ أَوْ لِمَنْ لَا يَكُونُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لَا يَكُونُ آثِمًا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ قَاضِي خَانْ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ لَا يَحِلُّ السُّؤَالُ لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمٍ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحِلُّ السُّؤَالُ لِمَنْ كَانَ كَسُوبًا أَوْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. اهـ. فَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ حُرْمَةِ سُؤَالِ الْكَسُوبِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ. اهـ. [بَابُ الْفِطْرَةِ] [عَلَى مِنْ تجب زَكَاة الْفِطْر] (بَابُ الْفِطْرَةِ) أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرَةِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ وَمُنَاسَبَتِهَا لِلزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ أَرْفَعُ دَرَجَةً مِنْهَا لِثُبُوتِهَا بِالْقُرْآنِ فَقُدِّمَتْ عَلَيْهَا وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا الْبَابَ عَقِيبَ الصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الطَّبِيعِيِّ إذْ هِيَ بَعْدَ الصَّوْمِ طَبْعًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْكَلَامُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مِنْ وُجُوهٍ سَنَذْكُرُ مِنْهَا بَيَانَ كَيْفِيَّتِهَا وَكَمْيَّتِهَا وَشَرْطِهَا وَسَبَبِهَا وَوَقْتِهَا وُجُوبًا وَاسْتِحْبَابًا وَمَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ وَرُكْنُهَا وَهُوَ أَدَاءُ قَدْرِ الْوَاجِبِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَحُكْمُهَا وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ فِي الدُّنْيَا وَوُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْعُقْبَى وَمَكَانُ الْأَدَاءِ وَهُوَ مَكَانُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: تَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ شَغْلَ الذِّمَّةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَأَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ» الْحَدِيثَ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْوَاجِبُ هَا هُنَا عَلَى مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرًا) يَعْنِي يَجِبُ مِنْ مَالِهِ وَعَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهَا مِنْهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: لَهُ نِصَابُ الزَّكَاةِ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَمْلِكَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بَلْ مَا يُسَاوِي نِصَابًا وَلَوْ عَرْضًا لَمْ يُنْوَ لِلتِّجَارَةِ فَارِغًا عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) أَقُولُ وَمِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ حَوَائِجُ عِيَالِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ وَحَوَائِجِ عِيَالِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ إشَارَةً إلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْكِفَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَيُعْتَبَرُ مَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَبِهِ تَحْرُمُ الصَّدَقَةُ) أَيْ وَتَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ كَالْفِطْرَةِ وَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ وَثَانِي النُّصُبِ مَا يَجِبُ زَكَاتُهُ وَهُوَ النِّصَابُ النَّامِي وَتَقَدَّمَ وَالثَّالِثُ مَا يُحَرِّمُ السُّؤَالَ وَتَقَدَّمَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَتَسْمِيَةُ الشَّارِحِينَ لَهُ نِصَابًا مَجَازٌ. اهـ. أَيْ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ) أَقُولُ وَلَوْ كَانَ لَهُ آبَاءٌ فَعَلَى كُلٍّ فِطْرَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمْ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْآبَاءِ مُوسِرًا دُونَ الْبَاقِينَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ تَامَّةٌ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَا تَجِبُ فِطْرَةُ أُمِّهِ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ الْمِلْكِ التَّامِّ (تَنْبِيهٌ) : الْجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ فَقْرِهِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ فِطْرَةُ وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الِاخْتِيَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا، فَإِنَّ صَدَقَةَ فِطْرِهِ عَلَى أَبِيهِ سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي وَتَجِبُ فِطْرَةُ الْأَبِ الْفَقِيرِ الْمَجْنُونِ عَلَى ابْنِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَطِفْلِهِ الْغَنِيِّ بَلْ مِنْ مَالِهِ) أَقُولُ وَلَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا الْوَلِيُّ عَنْهُ وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَيُخْرِجُهَا وَصِيُّ الْمَجْنُونِ وَوَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ (تَنْبِيهٌ) : ذَكَرُوا فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنْهُ الْخِلَافَ وَأَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يُضَحِّي عَنْهُ مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا مَمْلُوكُ ابْنِهِ فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا تَجِبُ عَنْ مَمْلُوكِ ابْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ مَالٌ أَيْ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمُونُهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ عَبِيدِ ابْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الصَّغِيرِ. اهـ. وَالْخِلَافُ الَّذِي أَرَادَهُ

(وَمَمْلُوكِهِ الْخَادِمِ) احْتِرَازٌ عَنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَهُمْ (وَلَوْ) كَانَ (مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ كَافِرًا لَا لِزَوْجَتِهِ) عَطْفٌ عَلَى لِنَفْسِهِ (وَعَبْدِهِ الْآبِقِ إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْعَبْدُ آبِقًا وَقْتَ الْفِطْرَةِ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ مَادَامَ آبِقًا، فَإِذَا عَادَ يُؤَدِّي لِمَا مَضَى (وَلَا لِمُكَاتَبِهِ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ (وَلَا) تَجِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (لِنَفْسِهِ) لِفَقْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ (وَلَا لِمَمْلُوكٍ) مُشْتَرَكٍ (بَيْنَ اثْنَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا وَكَذَا الْعَبِيدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَإِنْ بِيعَ) الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ (بِخِيَارِ أَحَدِهِمَا) مَعْنَاهُ إذَا مَضَى يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ (فَعَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ، فَإِنَّهُ لَوْ رُدَّ يَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ (مِنْ بُرٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَجِبُ (أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ فَكَالشَّعِيرِ (أَوْ زَبِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِطْرَةُ الصَّغِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِاشْتِرَاطِهِمَا الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ (قَوْلُهُ: وَمَمْلُوكِهِ الْخَادِمِ) أَيْ الْمُعَدِّ لِلْخِدْمَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ الْمَدْيُونَ الْمُسْتَغْرَقَ وَالْمُؤَجَّرَ وَالْمَرْهُونَ إذَا كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَلِمَوْلَاهُ نِصَابٌ غَيْرُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَالْعَبْدَ الْجَانِيَ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً وَالْعَبْدَ الْمَنْذُورَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَجِيءِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ فِطْرَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، فَإِنَّهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ لَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ مِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ (قَوْلُهُ: احْتِرَازٌ عَنْ عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لِلتِّجَارَةِ) شَامِلٌ لِمَا كَانَ لِمَأْذُونِهِ إمَاءٌ لَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَعَلَى الْمَوْلَى فِطْرَتُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى لِإِكْسَابِهِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَعَبْدِهِ الْآبِقِ إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِ) أَقُولُ وَكَذَا الْمَغْصُوبُ وَالْمَأْسُورُ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِهِمْ وَالْمَرْهُونُ تَجِبُ فِطْرَتُهُ وَفِطْرَةُ مَوْلَاهُ إنْ فَضَلَ لَهُ نِصَابٌ بَعْدَ الدَّيْنِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ نِصَابُ غَيْرِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ حَيْثُ كَانَ لِلْخِدْمَةِ (قَوْلُهُ: لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ قَالَ الْكَمَالُ وَإِعْطَاءُ الضَّابِطِ أَيْ الْمَذْكُورِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ فِي الْجَدِّ إذَا كَانَتْ لَهُ نَوَافِلُ صِغَارًا فِي عِيَالِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمَا وَرَدَ مِنْ دَفْعِهِ فَهُوَ غَيْرُ قَوِيٍّ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّ عَلَى الْجَدِّ صَدَقَةَ فِطْرِهِمْ. اهـ. قُلْتُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الِاخْتِيَارِ اخْتِيَارَهَا. اهـ. وَهَذِهِ مَسَائِلُ يُخَالِفُ فِيهَا الْجَدُّ الْأَبَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يُخَالِفُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ هَذِهِ وَالتَّبَعِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ وَجَرُّ الْوَلَاءِ وَالْوَصِيَّةُ لِقَرَابَةِ فُلَانٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَبِيدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ مُطْلَقًا وَأَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْ الصِّحَاحِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ أَوْ خَمْسَةٌ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بِيعَ الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ الصَّوَابُ حَذْفُ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْفِطْرَةِ عَلَى بَائِعِهِ إذَا رَدَّ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ وَالشَّرْطُ الْمِلْكُ التَّامُّ لِلرَّقَبَةِ (قَوْلُهُ: بِخِيَارِ أَحَدِهِمَا) أَقُولُ وَكَذَا بِخِيَارِهِمَا عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ كَيْفَمَا كَانَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ كَالنَّفَقَةِ وَزَكَاةِ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِلتِّجَارَةِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَتَمَّ الْحَوْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَنَا بِضَمٍّ إلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَيُزْكِيهِ مَعَهُ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بَاتًّا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ، فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَدَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِيَارِ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى الْبَائِعِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ اشْتَرَاهُ فَاسِدًا وَقَبَضَهُ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ وَبَاعَهُ بَعْدَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَعَلَيْهِ صَدَقَتُهُ وَلَوْ قَبَضَهُ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَعَلَى بَائِعِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ دَقِيقِهِ أَوْ سَوِيقِهِ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ الْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا أَيْ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ جَمِيعًا احْتِيَاطًا، وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سِيَاقِ الْخَبَرِ فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ بِأَنْ يُعْطِيَ نِصْفَ صَاعِ دَقِيقٍ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعَ دَقِيقٍ شَعِيرٍ يُسَاوَيَانِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَصَاعَ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفٍ يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ وَلَا نِصْفَ لَا يُسَاوِي نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ لَا يُسَاوِي صَاعَ شَعِيرٍ. اهـ. وَأَمَّا الْخُبْزُ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: أَوْ زَبِيبٍ) جَعَلَ الزَّبِيبَ كَالْبُرِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّبِيبَ كَالشَّعِيرِ وَصَحَّحَهَا أَبُو الْيُسْرِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ الزَّبِيبُ كَالتَّمْرِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.

[تعجيل صدقة الفطر]

نِصْفُ صَاعٍ) فَاعِلُ تَجِبُ (وَمِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ صَاعٌ مِمَّا) أَيْ مِنْ صَاعٍ (يَسَعُ أَلْفًا وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا) ، فَإِنَّهُ الصَّاعُ الْمُعْتَبَرُ (مِنْ مَجٍّ) وَهُوَ الْمَاشُّ (أَوْ عَدَسٍ) وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِهِمَا لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَبَّاتِهِمَا عِظَمًا وَصِغَرًا وَتَخَلْخُلًا وَاكْتِنَازًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحُبُوبِ، فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ (بِطُلُوعِ فَجْرِ الْفِطْرِ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِتَجِبُ (فَمَنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ الْفِطْرِ (أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ بِالنَّظَرِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (وَصَحَّ) أَدَاءُ الْفِطْرَةِ (لَوْ قَدَّمَ) الْأَدَاءَ عَلَى وَقْتِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ وَهُوَ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ (أَوْ أَخَّرَ) عَنْ وَقْتِهِ وَلَمْ تَسْقُطْ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ وَهُوَ سَدُّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِ فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهِيَ لَمْ تُعْقَلْ قُرْبَةً فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ (وَنُدِبَ تَعْجِيلُهَا) وَالْمُرَادُ أَدَاؤُهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِإِشَارَتِهِ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَدَاؤُهَا قَبْلَ الْخُرُوجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَاعِلُ يَجِبُ) أَقُولُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَجِبُ أَيْ يَجِبُ الْفِطْرُ أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ (قَوْلُهُ مِمَّا أَيْ مِنْ صَاعٍ يَسَعُ أَلْفًا. . . إلَخْ) هَذَا تَقْدِيرُ الطَّحَاوِيِّ الصَّاعُ بِمَا يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قِيلَ: إنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرُ أَبِي يُوسُفَ الصَّاعَ بِخَمْسَةِ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ عِرَاقِيَّةٍ وَتَقْدِيرُهُمَا بِثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ لِزِيَادَةِ الصَّاعِ فِي عَصْرِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الرَّطْلَ فِي زَمَنِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ عِشْرِينَ إسْتَارًا وَفِي زَمَنِ أَبِي يُوسُفَ ثَلَاثِينَ إسْتَارًا وَالْإِسْتَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا الْقِيلُ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةً وَلَوْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ لَذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ ثَابِتٌ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ اعْتَبَرَ الرَّطْلَ الْعِرَاقِيَّ. اهـ. قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ لَا يَتِمُّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَدَمُ زِيَادَةِ الصَّاعِ فِي زَمَنِ أَبِي يُوسُفَ وَبَعْدَ ثُبُوتِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ يَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى نَفْيِ مَا وَرَدَ أَنَّ أَبِي يُوسُفَ حَرَّرَهُ بِرَطْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ رَطْلِ بَغْدَادَ؛ لِأَنَّهُ ثَلَاثُونَ إسْتَارًا وَالْبَغْدَادِيُّ عِشْرُونَ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَخَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ وَنُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، فَإِنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ خَلَفٌ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ وَقَالَ نُوحٌ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَدَّى عَنْ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ زَيْنٌ فِي بَحْرِهِ تَصْحِيحَ قَوْلِ خَلَفٍ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَعَنْ الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ تَرَى لَكِنَّ تَأْيِيدَ التَّقْيِيدِ بِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ. اهـ. وَخَالَفَهُ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ فَقَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِ مَا تَقَدَّمَ وَاتِّبَاعُ الْهِدَايَةِ أَوْلَى. اهـ. قُلْتُ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ الشُّرُوحُ وَالْمُتُونُ وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَفِي الْبُرْهَانِ وَابْنِ كَمَالٍ بَاشَا. وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الصَّحِيحُ جَوَازُ تَعْجِيلِ الْفِطْرَةِ لِسِنِينَ كَمَا يَجُوزُ لِسَنَةٍ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ. اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ فَقَالَ وَيَجُوزُ تَعْجِيلُ صَدَقَةِ فِطْرَةٍ لِسَنَةٍ أَوْ سِنِينَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ وَالْوَقْتُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالتَّعْجِيلُ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزٌ كَمَا فِي الزَّكَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ وَلَمْ تَسْقُطْ) أَقُولُ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ افْتَقَرَ وَعَنْ الْحَسَنِ إنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ [تَعْجِيلُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ] (قَوْلُهُ: لَهُ وَنُدِبَ تَعْجِيلُهَا. . . إلَخْ) قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ هُنَا اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ ثَمَّةَ وَلَمَّا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي هُنَا أَيْضًا قَالَ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْعِيدَيْنِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْكِتَابِ لِوَقْتِ الِاسْتِحْبَابِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي كَافِيهِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي وَفَضِيلَةُ التَّعْجِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِأَفْضَلِيَّةِ مَا يُدْفَعُ لِلْفَقِيرِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ؛ لِأَنَّهَا أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَأَعْجَلُ بِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهَا أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافٌ لِلشَّافِعِيِّ. اهـ. وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ خِلَافَ مَا فِي الْهِدَايَةِ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ دَفْعُ الْحِنْطَةِ أَفْضَلُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ وَإِظْهَارُ الشَّرِيعَةِ. اهـ. . وَفِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الشِّدَّةِ فَالْأَدَاءُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ دَقِيقِهِ أَفْضَلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَفِي زَمَنِ السَّعَةِ الدَّرَاهِمُ أَفْضَلُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ

[كتاب الصوم]

إلَى الْمُصَلَّى لِيَسْتَغْنِيَ الْفَقِيرُ عَنْ السُّؤَالِ وَيَحْضُرَ الْمُصَلَّى فَارِغَ الْبَالِ مِنْ نَفَقَةِ الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ (وَوَجَبَ دَفْعُ كُلِّ شَخْصٍ فِطْرَتَهُ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ) حَتَّى لَوْ فَرَّقَهُ إلَى فَقِيرَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الْإِغْنَاءُ لِمَا مَرَّ وَلَا يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ (وَقِيلَ) الْقَائِلُ الْكَرْخِيُّ (جَازَ) دَفْعُهَا (إلَى فَقِيرَيْنِ) لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَوْلَى (وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (كِتَابُ الصَّوْمِ) عَقَّبَ الزَّكَاةَ بِالصَّوْمِ اقْتِدَاءً بِالْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» (هُوَ) لُغَةً: الْإِمْسَاكُ وَشَرْعًا (تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْمَغْرِبِ) لَمْ يَقُلْ نَهَارًا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» (بِنِيَّةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ وَاخْتَارَ فِي الْخَانِيَّةِ الْعَيْنَ إذَا كَانُوا فِي مَوْضِعٍ يَشْتَرُونَ الْأَشْيَاءَ بِالْحِنْطَةِ كَالدَّرَاهِمِ. اهـ. قُلْت خِلَافٌ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا نَظَرَا لِمَا هُوَ أَكْثَرُ نَفْعًا وَأَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَوَجَبَ دَفْعُ كُلِّ شَخْصٍ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اللُّزُومُ لِمُقَابِلَتِهِ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ فَرَّقَ إلَى فَقِيرَيْنِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ) يَعْنِي عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَيَجُوزُ دَفْعُ صَدَقَةٍ وَاحِدَةٍ لِجَمْعٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ لِوُجُودِ الدَّفْعِ إلَى الْمَصْرِفِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الْفِطْرَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَسَاكِينَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ كَجَوَازِ تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِالْإِغْنَاءِ فَيُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ وَقَدْ نَقَلَ فِي التَّبْيِينِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي بَابِ الظِّهَارِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ. . . إلَخْ) . أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ دَافِعٍ مَصْرِفٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [كِتَابُ الصَّوْمِ] [أَنْوَاع الصِّيَام] (كِتَابُ الصَّوْمِ) (قَوْلُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ) إنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَعْضِ الْحَدِيثِ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الشَّاهِدِ وَسَكَتَ عَنْ الْخَامِسِ، وَهُوَ الْحَجُّ، وَلَا يُقَالُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ خَامِسُهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَا تُقْبَلُ إحْدَاهُمَا بِدُونِ الْأُخْرَى فَالْخَامِسُ الْحَجُّ ثُمَّ إنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ أَشْيَاءَ، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الصَّوْمَ لِفَوَائِدَ أَعْظَمُهَا إيجَابُهُ شَيْئَيْنِ يَنْشَأُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ سُكُونُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَكَسْرُ سَوْرَتِهَا فِي الْفُضُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ مِنْ الْعَيْنِ وَاللِّسَانِ، وَالْأُذُنِ وَالْفَرْجِ فَإِنَّ بِهِ تَضْعُفُ حَرَكَتُهَا فِي مَحْسُوسَاتِهَا؛ وَلِذَا قِيلَ: إذَا جَاعَتْ النَّفْسُ شَبِعَتْ جَمِيعُ الْأَعْضَاءِ فَإِذَا شَبِعَتْ النَّفْسُ جَاعَتْ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا وَمِنْ فَوَائِدِهِ اقْتِضَاؤُهُ الرَّحْمَةَ وَالْعَطْفَ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِذَوْقِ أَلَمِ الْجُوعِ فَإِذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَذَكَّرَ بِهِ مَنْ هُوَ ذَائِقُهُ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ فَيُسَارِعُ إلَى رَحْمَتِهِ وَالرَّحْمَةُ حَقِيقَتُهَا فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ نَوْعُ أَلَمٍ بَاطِنٍ فَيَتَدَارَكُ مَنْ حَالُهُ هَذِهِ دَائِمًا بِإِيصَالِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَيَنَالُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا: تَرْكُ الْأَكْلِ. . . إلَخْ) هَذَا الْحَدُّ صَادِقٌ بِمَنْ أَدْخَلَ شَيْئًا إلَى دِمَاغِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ صَائِمًا وَخَرَجَ بِهِ (فَإِنْ) مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَأَنَّهُ صَائِمٌ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ عَمْدًا بَطْنًا أَوْ مَا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ، وَعَنْ شَهْوَةِ الْفَرْجِ بِنِيَّةٍ فِي وَقْتِهَا مِنْ أَهْلِهِ هَذَا وَسَبَبُ وُجُوبِ رَمَضَانَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ أَدَائِهِ؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ مُتَفَرِّقَةٌ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ أَشَدُّ لِتَخَلُّلِ زَمَانٍ لَا يَصِحُّ لِلصَّوْمِ أَصْلًا وَهُوَ اللَّيْلُ، وَلَا تَنَافِي بَيْنَ جَمْعِ السَّبَبَيْنِ فَشُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ سَبَبٌ لِكُلِّهِ وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِهِ؛ وَالْقَضَاءُ يَجِبُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ. وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ: الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ؛ وَسَبَبُ الْمَنْذُورِ وَالنَّذْرُ؛ وَلِذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُوبِ السَّبَبِ وَيَلْغُو التَّعْيِينُ وَشَرْطُ وُجُوبِ الصَّوْمِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ وَالْخُلُوُّ عَمَّا يُنَافِيهِ أَوْ يُفْسِدُهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ ثَوَابِهِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي قَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ: الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَلَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا) أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَدْ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ أَوْ لِسَانِ الْفُقَهَاءِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ فِي

فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ (مِنْ أَهْلِهَا) احْتِرَازٌ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ (وَهُوَ) إمَّا (فَرْضٌ) وَهُوَ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ (كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءً وَقَضَاءً) وَفَرْضِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. (وَ) غَيْرُ مُعَيَّنٍ نَحْوُ (الْكَفَّارَاتِ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى (وَ) إمَّا (وَاجِبٌ كَالنَّذْرِ) الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ. (وَ) إمَّا (نَفْلٌ كَغَيْرِهَا) ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وقَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ أَيْضًا فَرْضًا لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْكِتَابَ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ إذَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلُزُومُهُ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ، وَإِنْ كَانَ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ ظَنِّيًّا وَهُوَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَرْضًا أَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ هَاهُنَا الْفَرْضُ الِاعْتِقَادِيُّ الَّذِي يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَالْفَرْضِيَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا تَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْإِجْمَاعِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْفَرْضِيَّةِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَنْذُورِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالتَّوَاتُرِ بَقِيَ فِي مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ أَوْ الْآحَادِ يُفِيدُ الْوُجُوبَ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. (صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا عِنْدَهَا) فَإِنَّ النَّهَارَ الشَّرْعِيَّ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ، وَالضَّحْوَةُ الْكُبْرَى مُنْتَصِفَهُ فَوَجَبَ أَنْ تُوجَدَ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَكُونَ مَوْجُودَةً فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ فَتُوجَدُ فِي كُلِّهِ حُكْمًا، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لَا مَا قِيلَ إلَى الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَصَفُ نَهَارٍ اُعْتُبِرَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا. (وَ) صَحَّ الصَّوْمُ (بِمُطْلَقِهَا) أَيْ النِّيَّةِ (وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِخَطَإِ الْوَصْفِ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ) لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِسَانِ الْفُقَهَاءِ خَاصَّةً حَيْثُ قَالَ وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهَارِ الْيَوْمُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ اهـ. وَلَكِنْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا هُوَ أَعَمُّ حَيْثُ قَالَ النَّهَارُ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانٍ مُمْتَدٍّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ، وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ دِيوَانِ الْأَدَبِ النَّهَارُ ضِدُّ اللَّيْلِ وَيَنْتَهِي اللَّيْلُ بِطُلُوعِ الصُّبْحِ الصَّادِقِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ إمَّا فَرْضٌ وَهُوَ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَدَاءً وَقَضَاءً) أَقُولُ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُعَيَّنًا فَنَاقَضَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَشَرْطٌ لِلْبَاقِي وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَى أَنْ قَالَ إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، اهـ. وَالصَّوَابُ عَدَمُ التَّعْيِينِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ (قَوْلُهُ وَنَحْوُ الْكَفَّارَاتِ) لَا يَظْهَرُ لِلَفْظَةِ نَحْوُ فَائِدَةٌ غَيْرُ الْإِقْحَامِ (قَوْلُهُ وَإِمَّا وَاجِبٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْمُطْلَقِ) هَذَا غَيْرُ الْأَظْهَرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ صَوْمَ الْمَنْذُورِ فَرْضٌ كَالْكَفَّارَاتِ لِمَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَنَفْلٌ كَغَيْرِهَا) صَادِقٌ بِصَوْمِ الْمَسْنُونِ وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ إنَّ أَقْسَامَ الصَّوْمِ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْمَسْنُونُ صَوْمُ عَاشُورَاءَ مَعَ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ يَعْنِي الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَنَحْوِهِ، وَالنَّفَلُ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوُ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ، وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ اهـ لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِي عَنْ أُسْتَاذِهِ نَقْلًا عَنْ الْوَاقِعَاتِ يَجُوزُ صَوْمُ الْمِهْرَجَانِ بِلَا كَرَاهَةٍ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. . وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ إنْ وَافَقَ يَوْمُ النَّيْرُوزِ مُعْتَادَهُ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. . وَفِي الْمُجْتَبَى يُكْرَهُ صَوْمُ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ إنْ تَعَمَّدَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَصُومُ قَبْلَهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَصُومَ اهـ. فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَالْوَلْوالِجِيَّة عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ فَوَجَبَ. . . إلَخْ) لَيْسَ مِنْ الْهِدَايَةِ بَلْ مِنْ الْمُحَشَّيْ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَنْذُورِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ بِالتَّوَاتُرِ بَقِيَ فِي مَرْتَبَةِ الْوُجُوبِ) أَقُولُ هَذَا عَلَى غَيْرِ الْأَظْهَرِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَيْ صَوْمُ النَّذْرِ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ نُقِلَ إلَيْنَا بِالتَّوَاتُرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَجْمَعِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْمَنْذُورِ، وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ: وَفُرِضَ صَوْمُ الْكَفَّارَاتِ، وَكَذَا فُرِضَ الْمَنْذُورُ فِي الْأَظْهَرِ وَقِيلَ إنَّهُ وَاجِبٌ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْقُولَ. . . إلَخْ) لَيْسَ الْمُدَّعَى مِمَّا ثَبَتَ بِهَذَا الطَّرِيقِ بَلْ بِتَوَاتُرِ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ النَّهَارَ الشَّرْعِيَّ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ) أَقُولُ، وَكَذَا اللُّغَوِيَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ دِيوَانِ الْأَدَبِ (قَوْلُهُ فَوَجَبَ أَنْ تُوجَدَ النِّيَّةُ) أَيْ لَزِمَ إيجَادُ النِّيَّةِ قَبْلَهَا لِتَكُونَ مَوْجُودَةً فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ، وَهَذَا خَاصٌّ بِالصَّوْمِ لِكَوْنِهِ رُكْنًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ فِي أَكْثَرِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا أَرْكَانٌ فَإِذَا لَمْ تُقَارِنْ الْعَقْدَ خَلَا بَعْضُ الْأَرْكَانِ عَنْهَا فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا عَلَى

[صوم يوم الشك]

الْوَقْتَ مُتَعَيِّنٌ لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُتَعَيِّنِ تَعْيِينٌ وَالْخَطَأُ فِي الْوَصْفِ لَمَّا بَطَلَ بَقِيَ أَصْلُ النِّيَّةِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمُطْلَقِ نَظِيرُهُ الْمُتَوَحِّدُ فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ إذَا نُودِيَ بِيَا رَجُلُ أَوْ بِاسْمٍ غَيْرِ اسْمِهِ يُرَادُ بِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا تَعْيِينَ فِي وَقْتِهِ (إلَّا) إذَا وَقَعَ النِّيَّةُ (مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ) حَيْثُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى التَّعْيِينِ، وَلَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ (بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى) لِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الْوَقْتِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا (وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ) يَقَعُ (عَنْ وَاجِبٍ نَوَاهُ مُطْلَقًا) أَيْ إذَا نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَنَوَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاجِبًا آخَرَ يَقَعُ عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا (وَشُرِطَ لِلْبَاقِي) وَهُوَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالْكَفَّارَةُ (التَّبْيِيتُ) مِنْ الْبَيْتُوتَةِ وَالْمُرَادُ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ (وَالتَّعْيِينُ) إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ. (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَهُوَ آخِرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ، وَلَا يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» الْحَدِيثَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» وَمِنْ قَوْلِهِ «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا» لَا أَصْلَ لَهُ. (وَكُرِهَ فِيهِ الْوَاجِبُ) لِمَا رَوَيْنَاهُ (وَيَقَعُ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ يَقَعُ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ (فَإِنْ صَامَ تَطَوُّعًا أَوْ وَاجِبًا وَظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ فَهُمَا) أَيْ التَّطَوُّعُ وَالْوَاجِبُ (يَقَعَانِ عَنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ (فَعَمَّا نَوَى) أَيْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى مِنْ التَّطَوُّعِ وَالْوَاجِبِ. (وَنُدِبَ النَّفَلُ إنْ وَافَقَ مُعْتَادَهُ) بِأَنْ يَعْتَادَ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فَوَافَقَهُ يَوْمُ الشَّكِّ، وَكَذَا إذَا صَامَ شَعْبَانَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ أَوْ عَشْرَةً مِنْ آخِرِهِ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَنْ تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ حَيْثُ لَا تَعْيِينَ فِي وَقْتِهِ) رُجُوعٌ إلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ خِلَافًا لِمَا قَدَّمَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا وَقَعَ النِّيَّةُ مِنْ مَرِيضٍ أَوْ مُسَافِرٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى نَفْلًا وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ وَفِي رِوَايَةٍ عَمَّا نَوَاهُ مِنْ النَّفْلِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَإِذَا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ مِنْ الْوَاجِبِ رِوَايَةً وَاحِدَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَمَّا إذَا نَوَى الْمَرِيضُ نَفْلًا فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْإِمَامِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْبُرْهَانِ وَأَمَّا إنْ نَوَى الْمَرِيضُ وَاجِبًا آخَرَ فَقَدْ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ وَمَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَقَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ مِنْ الْوَاجِبِ كَالْمُسَافِرِ حَيْثُ قَالَ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ اهـ. وَقَالَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ: هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ فِي التَّحْقِيقِ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَشَمْسَ الْأَئِمَّةِ فَإِنَّهُمَا قَالَا: إذَا نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ وَذَكَرَ وَجْهَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ قُلْت: وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا (قَوْلُهُ فَنَوَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ) يَعْنِي فِي لَيْلَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا لِيَصِحَّ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُشْتَرَطُ لَهُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ مَتْنًا وَشُرِطَ لِلْبَاقِي التَّبْيِيتُ) شَامِلٌ لِقَضَاءِ نَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ فَأَفْسَدَهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخُصَّ الْمَتْنَ بِمَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ) أَقُولُ الشَّرْطُ عَدَمُ تَأْخِيرِهَا عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَتَصِحُّ مُقَارَنَةً لِطُلُوعِهِ وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَذَا هَلْ يَقَعُ نَفْلًا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ، وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ: هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ نِيَّتُهُ مِنْ النَّهَارِ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي الْمَظْنُونِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَظْنُونُ صَوْمُ الشَّكِّ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فَإِذَا أَفْطَرَ فِيهِ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ مِنْ شَعْبَانَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. [صوم يَوْم الشَّكّ] (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ. . . إلَخْ) أَقُولُ الْمُرَادُ (وَيَصُومُ) أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ فَالنِّيَّةُ يَوْمُ الشَّكِّ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ شَامِلٌ لِلْمَقَادِيرِ اهـ. وَإِذَا أَفْرَدَهُ بِالصَّوْمِ قِيلَ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَقِيلَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى صَاحِبُ السُّنَنِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا إلَّا بِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صَوْمُ أَخِي دَاوُد» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكُلُّ ثُمَّ قَالَ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ فِيهِ الْوَاجِبُ) أَيْ تَنْزِيهًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَقَعُ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَعْتَادَ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) أَقُولُ صَوْمُ الْجُمُعَةِ مُفْرَدًا، وَكَذَا السَّبْتُ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُرْهَانِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُعْتَادُهُ الْمَكْرُوهَ (قَوْلُهُ أَوْ الْخَمِيسِ أَوْ الِاثْنَيْنِ) أَقُولُ: وَصَوْمُ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ مُسْتَحَبٌّ قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ آخِرِ أَخِيرِهِ كَذَا فِي

(وَيَصُومُ فِيهِ الْخَوَاصُّ) كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ (وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ) نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ (لَا صَوْمَ إنْ نَوَى أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَدُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا) لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي الْعَزْمِ فَلَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ (كَذَا) إنْ نَوَى (إنْ لَمْ أَجِدْ غَدَاءً فَأَنَا صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَكُرِهَ إنْ قَالَ أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَدُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ: نِيَّةِ الْفَرْضِ وَنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ (أَوْ) قَالَ (أَنَا صَائِمٌ إنْ كَانَ الْغَدُ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَعَنْ نَفْلٍ) ، وَإِنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ (فَإِنْ ظَهَرَ رَمَضَانِيَّتُهُ فَعَنْهُ) لِوُجُودِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ (وَإِلَّا فَنَفْلٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَاجِبِ وَالنَّفَلِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي الْوَاجِبِ الْآخَرِ فَلَا يَقَعُ عَنْهُ فَبَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ فَيَقَعُ عَنْ النَّفْلِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِوُجُودِ مُطْلَقِ النِّيَّةِ أَيْضًا (غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ) بِالْقَضَاءِ لِعَدَمِ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ قَصْدًا بَلْ مُسْقِطًا لِلْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ. (لَا يُبْطِلُ النِّيَّةَ ضَمُّ إنْ شَاءَ اللَّه) يَعْنِي إذَا قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ) هِلَالَ (الْفِطْرِ وَحْدَهُ وَرُدَّ قَوْلُهُ) أَيْ رَدَّهُ الْحَاكِمُ لِانْفِرَادِهِ (صَامَ) فِي الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» ، وَقَدْ رَآهُ ظَاهِرًا وَأَمَّا الثَّانِي فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَنْ يَصُومَ، وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» (وَإِنْ أَفْطَرَ) فِي الْوَقْتَيْنِ (قَضَى فَقَطْ) بِلَا كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رَدَّ شَهَادَتَهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تُهْمَةُ الْغَلَطِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَهَذِهِ الْكَفَّارَةُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَوْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أَكْمَلَ رَائِي هِلَالِ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْقَاضِي، وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (وَقُبِلَ بِلَا دَعْوَى وَلَفْظُ أَشْهَدُ لِلصَّوْمِ بِعِلَّةٍ) أَيْ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ كَغَيْمٍ وَغُبَارٍ (خَبَرُ عَدْلٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّبْيِينِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ قِيلَ: لِكَرَاهَتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التُّحْفَةِ اهـ. لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ وَقَوْلِهِ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ» اهـ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَقَدَّمُوا. . . إلَخْ التَّقْدِيمُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ إنْ نَوَى بِهِ قَبْلَ حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِهِ وَزَمَانِهِ، وَشَعْبَانُ وَقْتُ التَّطَوُّعِ فَإِذَا صَامَ عَنْ شَعْبَانَ لَمْ يَأْتِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ زَمَانِهِ وَأَوَانِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَقَدُّمًا عَلَيْهِ اهـ. كَذَا بِخَطِّ أُسْتَاذِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهَذَا يَنْتَفِي كَرَاهَةُ صَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ كَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْخَوَاصِّ وَهُوَ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ فِي النِّيَّةِ أَيْ التَّرْدِيدِ، وَمُلَاحَظَةُ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَيُفْطِرُ غَيْرُهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ) يَعْنِي يَأْمُرُ الْمُفْتِي الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ ثُمَّ بِالْإِفْطَارِ إذَا ذَهَبَ وَقْتُ النِّيَّةِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ (قَوْلُهُ كَذَا إنْ نَوَى إنْ لَمْ أَجِدْ غَدَاءً. . . إلَخْ) مِثْلُهُ إنْ لَمْ أَجِدْ سُحُورًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ لَا يُبْطِلُ النِّيَّةَ ضَمُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. . . إلَخْ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا يُذْكَرُ لِطَلَبِ التَّوْفِيقِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِيرَ صَائِمًا لِبُطْلَانِهَا بِالثُّنْيَا كَالتَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَرُدَّ قَوْلُهُ. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِ السَّمَاءِ بِعِلَّةٍ فَلَمْ يُقْبَلْ لِفِسْقِهِ أَوْ رُدَّتْ لِصَحْوِهَا وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ لُزُومَ صِيَامِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ هَذَا الرَّائِي مِنْ عَرَضِ النَّاسِ أَوْ كَانَ الْإِمَامَ فَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا رَآهُ وَحْدَهُ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ، وَكَذَا فِي الْفِطْرِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ قَالَهُ الْكَمَالُ اهـ. وَسَوَّى بَيْنَ الْفِطْرِ وَرَمَضَانَ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ رَآهُ أَيْ هِلَالَ رَمَضَانَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنَصِّبَ مَنْ يَشْهَدُ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَأَى الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ الْقَاضِي وَحْدَهُ هِلَالَ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى، وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخُرُوجِ، وَلَا يُفْطِرُ لَا سِرًّا، وَلَا جَهْرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ تَيَقَّنَ أَفْطَرَ سِرًّا اهـ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ أَيْ لَا يَأْكُلُ، وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ، وَلَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي تَثْبُتُ عِنْدَهُ اهـ. وَإِلَى رَدِّ قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ بِالرُّؤْيَةِ أَفْطَرَ سِرًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَالْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَقُبِلَ بِلَا دَعْوَى) أَقُولُ جَزَمَ بِمَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا جَزَمَ بِهِ أَمَّا الدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ كَمَا فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ خَبَرُ عَدْلٌ) حَقِيقَةُ الْعَدَالَةِ مَلَكَةٌ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُقْبَلُ خَبَرُ الْعَدْلِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ شَهِدَ عَبْدٌ عَلَى شَهَادَةِ مِثْلِهِ وَيَلْزَمُ الْعَدْلَ أَنْ يَشْهَدَ بِالرُّؤْيَةِ لَيْلَتَهُ وَالْفَاسِقُ يَشْهَدُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يَرُدُّهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقَبُولَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَةِ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اخْتَارَ الْفَضْلِيُّ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا فَسَّرَهُ وَقَالَ انْقَشَعَ الْغَيْمُ

فَاعِلُ قُبِلَ (وَلَوْ) كَانَ (قِنًّا أَوْ أُنْثَى أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تَابَ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَأَشْبَهَ رِوَايَةَ الْأَخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ لَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ (وَشُرِطَ لِلْفِطْرِ) إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ (نِصَابُ الشَّهَادَةِ) وَهُوَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (وَلَفْظُ أَشْهَدُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعَبْدِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ (لَا الدَّعْوَى) ؛ لِأَنَّهُ كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ مَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ تَابَ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً (وَبِلَا عِلَّةٍ) بِالسَّمَاءِ (شُرِطَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ (جَمْعٌ عَظِيمٌ) يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ وَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِعَدَمِ تَوَاطُئُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ (وَبَعْدَ صَوْمِ ثَلَاثِينَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ حَلَّ الْفِطْرُ) لِوُجُودِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ (لَا) بِقَوْلِ (عَدْلٍ) وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ. (اُخْتُلِفَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبْصَرْت الْهِلَالَ يُقْبَلُ أَمَّا بِلَا تَفْسِيرٍ فَلَا تُقْبَلُ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُبُوتَ رَمَضَانَ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ: وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ اهـ. وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْهِلَالُ بِقَوْلِ الْمُوَقِّتِينَ، وَلَا يَجِبُ بِقَوْلِهِمْ الصِّيَامُ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ وَهْبَانَ فَقَالَ وَقَوْلُ أُولِي التَّوْقِيتِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ وَقِيلَ نَعَمْ، وَالْبَعْضُ إنْ كَانَ يُكْثِرُ وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ: فَإِذَنْ اتَّفَقَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا النَّادِرَ وَالشَّافِعِيَّ أَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ فِي هَذَا وَلِمُتَأَخِّرِ الشَّافِعِيَّةِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْنِيفٌ مَالَ فِيهِ إلَى اعْتِمَادِ قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ؛ لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ اهـ. وَإِنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فِي الرُّسْتَاقِ وَلَيْسَ هُنَاكَ وَالٍ وَقَاضٍ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ ثِقَةً يَصُومُ النَّاسُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْفِطْرِ إنْ أَخْبَرَ عَدْلَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَيْ وَبِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْطِرُوا قَالَهُ قَاضِي خَانْ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَاعِلُ قُبِلَ) هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّجَوُّزِ وَوَقَعَ مِثْلُهُ لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ تَابَ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ عَدْلٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ لَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَانَاتِ) أَقُولُ وَأَمَّا الْمَسْتُورُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ إنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ مَسْتُورِ الْحَالِ فِي الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ لَا لِلدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ كَعِتْقِ الْأَمَةِ) كَذَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ الدِّرَايَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الدَّعْوَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ فِيهِ الدَّعْوَى كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَقَدَّمْنَا عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ الدَّعْوَى عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي عِتْقِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَيُحَرَّرُ (قَوْلُهُ وَبِلَا عِلَّةٍ شُرِطَ فِيهِمَا جَمْعٌ عَظِيمٌ) هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا فِي الْمُغْنِي مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لَا وَإِلَى رَدِّ مَا ذَكَرَ الْبَعْضُ مِنْ تَقْيِيدِ رَدِّ شَهَادَتِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْخَارِجِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْبَلْدَةِ، وَإِنْ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِلَى رَدِّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُقُوقِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ صَوْمِ ثَلَاثِينَ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ حَلَّ الْفِطْرُ) أَيْ وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ وَصَحَّحَ هَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ لَا يُفْطِرُونَ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَكَذَلِكَ صَحَّحَهُ السَّيِّدُ الْأَجَلُّ نَاصِرُ الدِّينِ ذَكَرَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ يُبْعِدْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ قَبِلَهُمَا فِي الصَّحْوِ لَا يُفْطِرُونَ أَوْ فِي غَيْمٍ أَفْطَرَ، وَالتَّحْقِيقُ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَالِاشْتِرَاكُ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَالْوَاحِدِ (قَوْلُهُ لَا بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ) هَذَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاحْتِيَاطِ وَقَالَ الْكَمَالُ سَوَاءٌ قَبِلَهُ لِغَيْمٍ أَوْ فِي صَحْوٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ الشَّاهِدُ لَوْ تَمَّ الْعَدَدُ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَلَمْ يُرَى الْهِلَالُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَيْ مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ فِي قَبُولِهِ فِي صَحْوٍ وَفِي قَبُولِهِ لِغَيْمٍ أَخَذَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالتَّبْيِينِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لَكِنْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ بَقِيَّةِ الْأَهِلَّةِ، وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ أَحْرَارٍ غَيْرِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ اهـ. يَعْنِي إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةٌ فَبِجَمْعٍ عَظِيمٍ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ بِالرُّؤْيَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا لِلْكُلِّ أَيْ لِلْأَهِلَّةِ الثَّلَاثَةِ اهـ. وَكَانَ

[باب موجب الإفساد في الصوم]

يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُعْتَبَرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُعْتَبَرُ مَعْنَاهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ كَيْفَمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ لَا يَجِبُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا أَقُولُ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ لَا تَجِبُ لِفَاقِدِ وَقْتِهِمَا. (بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ) أَيْ مَا يُوجِبُ الْإِفْسَادَ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا (وَمُوجَبُهُ) أَيْ مَا يُوجِبُهُ الْإِفْسَادُ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ أَوْ الْقَضَاءِ فَقَطْ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الصَّادِرَةَ مِنْ الصَّائِمِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ - مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ لَهُ وَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَالثَّانِي - مَا يُفْسِدُهُ، وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَالثَّالِثُ - مَا يُفْسِدُهُ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْأَقْسَامَ بِالتَّرْتِيبِ وَذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَوْ احْتَلَمَ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ أَوْ ادَّهَنَ أَوْ اكْتَحَلَ أَوْ احْتَجَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْبَغِي لَهُ إجْرَاءُ الْمَتْنِ عَلَى عُمُومِ الْكُلِّ فِي الشُّهُورِ جَمِيعًا لِصِدْقِهِ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ: أَهْلُ الْمَحَلَّةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا كَمَا فِي الْقَسَامَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى يَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخِيِ قَلِيلٌ، وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ أَنَّهُ شَرَطَ الْوَفَا وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ أَيْ حَدُّ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ إلَى رَأْي الْإِمَامِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ صِدْقًا (قَوْلُهُ يَعْنِي قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يُعْتَبَرُ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَوْهُ أَهْلُ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عِنْدَ قَاضٍ لَمْ يَرَ أَهْلَ بَلَدِهِ عَلَى أَنَّ قَاضِيَ بَلَدِ كَذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا، وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ، وَقَدْ شَهِدَا بِهِ أَمَّا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةِ كَذَا رَأَوْا الْهِلَالَ قَبْلَكُمْ بِيَوْمٍ، وَهَذَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ غَدًا، وَلَا يُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَاضِي خَانْ. وَفِي الْمُغْنِي قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْخَبَرَ إذَا اسْتَفَاضَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَتَحَقَّقَ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ) هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَلَى الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي الْكَافِي ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَبِنَحْوِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ اهـ. وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ مَجْرَاهُ أَمَامَ الشَّمْسِ، وَهِيَ تَتْلُوهُ فَهُوَ لِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا فَلِلْمُسْتَقْبِلَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادَ: إنْ غَابَ قَبْلَ الشَّفَقِ فَلِلْمَاضِيَةِ، وَإِنْ غَابَ بَعْدَهُ فَلِلرَّاهِنَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ [بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ فِي الِصَوْمِ] (بَابُ مُوجِبِ الْإِفْسَادِ) يَجُوزُ كَسْرُ الْجِيمِ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ لِلْفِطْرِ وَفَتْحُهَا بِمَعْنَى الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْإِفْسَادِ (قَوْلُهُ إنْ أَكَلَ) الضَّمِيرُ فِي أَكَلَ لِلصَّائِمِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ وَصَرَّحَ بِهِ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ إذَا أَكَلَ الصَّائِمُ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ نَاسِيًا ثُمَّ نَوَى الصَّوْمَ لَمْ يُجْزِهِ اهـ. (قَوْلُهُ نَاسِيًا) أَيْ لَمْ يُفْطِرْ قَالَ الْكَمَالُ إلَّا فِيمَا إذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَقِيلَ لَهُ أَنْتَ صَائِمٌ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ وَاسْتَمَرَّ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أُخْبِرَ بِأَنَّ الْأَكْلَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَاتِ فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَى تَأَمُّلِ الْحَالِ. وَقَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ: لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ نَاسٍ اهـ. قُلْتُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ اهـ. وَإِذَا رَآهُ أَحَدٌ يَأْكُلُ نَاسِيًا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُذَكِّرَهُ إنْ كَانَ شَيْخًا؛ لِأَنَّ الشَّيْخُوخَةَ مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ، وَإِنْ كَانَ شَابًّا يَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْوَلْوَالِجِيَّ قَالَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: يُخْبِرُهُ إنْ كَانَ قَوِيًّا وَإِلَّا فَلَا اهـ. فَلَمْ يَنْظُرْ لِلشَّيْخُوخَةِ بِذَاتِهَا، وَلَا لِلشُّبُوبَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ رَأَى فِيهِ قُوَّةً يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ ذَكَّرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُذَكِّرُهُ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَنْزَلَ بِنَظَرٍ) أَقُولُ أَوْ فِكْرٍ، وَإِنْ أَدَامَ النَّظَرَ وَالْفِكْرَ حَتَّى أَنْزَلَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَنْزَلَ بِلَمْسٍ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ اكْتَحَلَ) أَيْ لَمْ يُفْطِرْ وَسَوَاءً وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَا، وَلَوْ بَزَقَ فَوَجَدَ لَوْنَ الدَّمِ فِيهِ، وَقَدْ بَلَغَ شَيْئًا مِنْ بُزَاقِهِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ يُفْطِرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَالَ

أَوْ اغْتَابَ) مِنْ الْغِيبَةِ (أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ دُخَانٌ أَوْ ذُبَابٌ، وَلَوْ) كَانَ (ذَاكِرًا) لِلصَّوْمِ (أَوْ أَصْبَحَ جُنُبًا أَوْ صَبَّ فِي إحْلِيلِهِ مَاءً أَوْ دُهْنًا) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ) فِي (أُذُنِهِ مَاءً) احْتَرَزَ عَنْ الدُّهْنِ فَإِنَّ صَبَّهُ فِيهَا يُفْطِرُ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ (أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ مُخَاطٌ فَاسْتَشَمَّهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ، وَلَوْ عَمْدًا) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ إنْ أَكَلَ. . . إلَخْ. وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ فَأَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَهُ كَمَا إذَا تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ (أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَاضِي خَانْ إذَا خَرَجَ الدَّمُ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ، وَالْبُزَاقُ غَالِبٌ فَابْتَلَعَهُ وَلَمْ يَجِدْ طَعْمَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلدَّمِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فَسَدَ احْتِيَاطًا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ) أَيْ، وَلَوْ غُبَارَ الطَّاحُونِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يُفْطِرُ لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ أَثَرُ طَعْمِ الْأَدْوِيَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا اهـ. لِدُخُولِهِ مِنْ الْأَنْفِ إذَا أَطْبَقَ الْفَمَ كَمَا فِي الْفَتْحِ قُلْت فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ بُدًّا مِنْ تَعَاطِي مَا يَدْخُلُ غُبَارُهُ فِي حَلْقِهِ أَفْسَدَ لَوْ فَعَلَ (قَوْلُهُ أَوْ دُخَانٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا دَخَلَ حَلْقَهُ غُبَارٌ أَوْ ذُبَابٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَأَشْبَهَ الدُّخَانَ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُفْطِرَ لِوُصُولِ الْمُفْطِرِ إلَى جَوْفِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَغَذَّى بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ فَصَارَ كَبَلَلٍ يَبْقَى فِي فِيهِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ اهـ. . وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الدُّخَانُ وَالْغُبَارُ إذَا دَخَلَ الْحَلْقَ لَا يُفْسِدُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ عَنْ دُخُولِهِمَا مِنْ الْأَنْفِ إذَا طُبِّقَ الْفَمُ اهـ. قُلْتُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَدْخَلَ الدُّخَانَ حَلْقَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ أَيَّ دُخَانٍ كَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ تَبَخَّرَ بِبَخُورٍ فَآوَاهُ إلَى نَفْسِهِ وَاشْتَمَّ دُخَانَهُ فَأَدْخَلَهُ حَلْقَهُ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ أَفْطَرَ، سَوَاءٌ كَانَ عُودًا أَوْ عَنْبَرًا أَوْ غَيْرَهُمَا لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ إدْخَالِ الْمُفْطِرِ جَوْفَهُ، وَهَذَا مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَشَمِّ الْوَرْدِ وَمَائِهِ وَالْمِسْكِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَوَاءٍ تَطَيَّبَ بِرِيحِ الْمِسْكِ وَشِبْهِهِ وَبَيْنَ جَوْهَرِ دُخَانٍ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ (قَوْلُهُ أَوْ صَبَّ فِي إحْلِيلِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْطِرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذُ أَوْ لَا؟ وَهُوَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ عَلَى التَّحْقِيقِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَنْفَذَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَجْتَمِعُ الْبَوْلُ فِيهَا بِالتَّرَشُّحِ كَذَا تَقُولُ الْأَطِبَّاءُ. اهـ. وَالْإِقْطَارُ فِي أَقْبَالِ النِّسَاءِ قَالُوا أَيْضًا هُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُفْسِدُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْحُقْنَةِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي أُذُنِهِ مَاءً. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ قَالَ لَوْ صَبَّ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ فِي أُذُنِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ لِانْعِدَامِ الْفِطْرِ صُورَةً وَمَعْنًى وَهُوَ إصْلَاحُ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِالدِّمَاغِ اهـ. وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ مُعَلِّلًا بِمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ خَاضَ نَهْرًا فَدَخَلَ الْمَاءُ أُذُنَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ، وَإِنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي أُذُنِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ بِفِعْلِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَر أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَاءِ التَّفْصِيلُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ حَكَّ أُذُنَهُ بِعُودٍ فَأَخْرَجَ الْعُودَ وَعَلَى رَأْسِهِ دَرَنٌ ثُمَّ أَدْخَلَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا كَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ أَنْفَهُ مُخَاطٌ. . . إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ ظَهَرَ الْمُخَاطُ عَلَى رَأْسِ أَنْفِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مِنْ عَدَمِ الْفِطْرِ بِبُزَاقٍ امْتَدَّ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فَمِهِ إلَى ذَقَنِهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ بِجَذْبِهِ. اهـ. وَكَذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ اسْتَشَمَّ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ حَتَّى أَدْخَلَهُ إلَى فَمِهِ وَابْتَلَعَهُ عَمْدًا لَا يُفْطِرُ، وَلَوْ خَرَجَ رِيقُهُ مِنْ فِيهِ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ فِيهِ بَلْ مُتَّصِلٌ بِمَا فِي فِيهِ كَالْخَيْطِ فَاسْتَشْرَبَهُ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْقَطَعَ فَأَخَذَهُ وَأَعَادَ أَفْطَرَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ اهـ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكَنْزِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى لَوْ بَلَعَ بُزَاقَ صَدِيقِهِ كَفَّرَ اهـ. إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْكَمَالِ عَلَى غَيْرِ الصَّدِيقِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ اجْتَمَعَ أَيْ الْبُزَاقُ فِي فِيهِ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ يُكْرَهُ، وَلَا يُفْطِرُ اهـ. وَكَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ بِقَوْلِهِ الصَّائِمُ إذَا دَخَلَ الْمُخَاطُ أَنْفَهُ مِنْ رَأْسِهِ ثُمَّ اسْتَشَمَّهُ وَدَخَلَ حَلْقَهُ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنْهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ رِيقِهِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ فِي كَفِّهِ فَيَبْلَعَهُ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا الْمُخَاطُ وَالْبُزَاقُ يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ فَاسْتَشَمَّهُ وَاسْتَنْشَقَهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمَهُ اهـ. قُلْتُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ الظُّهُورِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ نَزَلَ الْمُخَاطُ إلَى رَأْسِ أَنْفِهِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ ثُمَّ جَذَبَهُ فَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَفْسُدْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَذَكَر فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَسْأَلَةَ الْمُخَاطِ وَعَقَّبَهَا بِكَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ بِجَرْيِ النُّخَامَةِ مِنْ فَضَاءِ الْفَمِ فِي جَوْفِهِ، وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ مِنْ مَجْرَاهَا وَقَدَرَ عَلَى مَجِّهَا أَفْطَرَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ فِي النُّخَامَةِ حَتَّى لَا يَفْسُدَ صَوْمُهُ عَلَى قَوْلِ مُجْتَهِدٍ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَحْبَبْت التَّنَبُّهَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْبَلْغَمِ إذَا ابْتَلَعَهُ بَعْدَ مَا تَخَلَّصَ بِالتَّنَحْنُحِ مِنْ حَلْقِهِ إلَى فَمِهِ وَلَعَلَّهُ كَالْمُخَاطِ فَلْيُنْظَرْ ثُمَّ وَجَدْتهَا بِحَمْدِ اللَّهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة سُئِلَ إبْرَاهِيمُ عَمَّنْ ابْتَلَعَ الْبَلْغَمَ قَالَ: إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فِيهِ لَا يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ مِلْءَ فِيهِ يَنْتَقِضُ صَوْمُهُ عِنْدَ

مُكْرَهًا) وَفِي لَفْظِ أَفْطَرَ إشَارَةً إلَى فَسَادِ صَوْمِهِ (أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ فِطْرُهُ فَأَكَلَ عَمْدًا أَوْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ) أَيْ صَبَّ الدَّوَاءَ فِي أَنْفِهِ فَوَصَلَ إلَى قَصَبَتِهِ (أَوْ أَفْطَرَ فِي أُذُنِهِ) أَيْ دُهْنًا (أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) أَيْ جِرَاحَةً بَلَغَتْ الْجَوْفَ (أَوْ آمَّةً) هِيَ شَجَّةٌ بَلَغَتْ أُمَّ الدِّمَاغِ (فَوَصَلَ) أَيْ الدَّوَاءُ (إلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ صَوْمًا، وَلَا فِطْرًا أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ أَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ وَطِئَ) امْرَأَةً (مَيِّتَةً أَوْ بَهِيمَةً أَوْ فَخِذًا) أَيْ أَمْنَى فِي الْفَخِذِ (أَوْ بَطْنًا) أَيْ أَمْنَى فِي الْبَطْنِ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَطِئَ إلَى آخِرِهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُنْزِلْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ (أَوْ أَفْسَدَ غَيْرَ) صَوْمِ (رَمَضَانَ) يَعْنِي أَدَاءَهُ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَ قَضَاءَهُ أَوْ أَدَاءَ غَيْرِ رَمَضَانَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي هَتْكِ حُرْمَةِ رَمَضَانَ إذْ لَا يَجُوزُ إخْلَاؤُهُ عَنْ الصَّوْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الزَّمَانِ (أَوْ وُطِئَتْ مَجْنُونَةٌ) بِأَنْ نَوَتْ الصَّوْمَ لَيْلًا ثُمَّ جُنَّتْ فِي النَّهَارِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ وَإِلَّا فَكَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي يُوسُفَ،. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُنْتَقَضُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا. . . إلَخْ) أَقُولُ وَسَوَاءً بَلَغَهُ الْخَبَرُ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَالْخَبَرُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ نَاسِيًا فَظَنَّ الْفِطْرَ ثُمَّ جَامَعَ عَامِدًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَإِنْ نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. اهـ. وَكَذَا لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ لَوْ كَانَ أَوَّلَ الْيَوْمِ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لَكِنَّهُ إذَا أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ الْمُبِيحِ (قَوْلُهُ أَوْ اسْتَعَطَ) بِفَتْحِ التَّاءِ، وَلَا يُقَالُ بِضَمِّهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ أَيْ صَبَّ الدَّوَاءَ فِي أَنْفِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ السَّعُوطِ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي إقْطَارِ الْمَاءِ فِي الْأُذُنِ لَا يَخْتَصُّ السَّعُوطُ بِالدَّوَاءِ فِي الْحُكْمِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ اسْتَعَطَ شَيْئًا فَدَخَلَ دِمَاغَهُ أَفْطَرَ اهـ. . وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ اسْتَنْشَقَ فَوَصَلَ الْمَاءُ إلَى دِمَاغِهِ أَفْطَرَ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ قَاضِي خَانْ: الْحُقْنَةُ تُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَكَذَا السُّعُوطُ وَالْوُجُورُ وَالْقُطُورُ فِي الْأُذُنِ أَمَّا الْحُقْنَةُ وَالْوُجُورُ؛ فَلِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ وَفِي الْقُطُورِ وَالسُّعُوطِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الرَّأْسِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي السُّعُوطِ وَالْوُجُورِ وَالْحُقْنَةِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْبَدَنِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَكْلِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَمْ يُوجَدْ اهـ. كَمَا فِي الْكَافِي أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْإِفْطَارِ صُورَةً وَهُوَ الِابْتِلَاعُ مَعَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ نَفْعُ الْجَسَدِ بَلْ أَحَدُهُمَا وَهُوَ النَّفْعُ وَبِهِ لَا يَجِبُ إلَّا الْفِطْرُ دُونَ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ أَيْ دُهْنًا) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ دَاوَى جَائِفَةً) هِيَ مَا تَكُونُ فِي اللَّبَّةِ وَالْعَانَةِ وَلَا تَكُونُ فِي الْعُنُقِ وَالْحَلْقِ قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ فَوَصَلَ أَيْ الدَّوَاءُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْيَابِسَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالرَّطْبِ كَالْقُدُورِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ لَا لِكَوْنِهِ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا، وَإِنَّمَا شَرَطَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا يُقَيَّدُ بِالرَّطْبِ؛ لِأَنَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَرْقًا بَيْنَ الدَّوَاءِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ اهـ. وَيُعَلَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الرَّطْبَ هُوَ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوُصُولِ حَتَّى إذَا عَلِمَ أَنَّ الدَّوَاءَ الْيَابِسَ وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّطْبَ لَمْ يَصِلْ لَا يَفْسُدُ اهـ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُصَفَّى (قَوْلُهُ أَوْ ابْتَلَعَ حَصَاةً) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَا يُتَغَذَّى وَلَا يُتَدَاوَى بِهِ عَادَةً كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَفِي الدَّقِيقِ وَالْأُرْزِ وَالْعَجِينِ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فُرُوعًا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ أَصْبَحَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ فَأَكَلَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَوَاءً أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ إنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ فِي حَلْقِهِ مَطَرٌ أَوْ ثَلْجٌ) وَفَسَادُ الصَّوْمِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْكَافِي، وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْتَلِعْهُ بِأَنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ أَمَّا لَوْ دَخَلَ الْمَطَرُ فَابْتَلَعَهُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ وَطِئَ مَيِّتَةً) أَقُولُ أَمَّا إذَا وَطْءُ صَغِيرَةٍ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا وَلَمْ يَفُضَّهَا يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ. اهـ. وَلَوْ أَدْخَلَ الْأُصْبُعَ فِي دُبُرِهِ أَوْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَبْلُولَةً بِمَاءٍ أَوْ دُهْنٍ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالْقَضَاءُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ثُمَّ جُنَّتْ فِي النَّهَارِ، وَهِيَ صَائِمَةٌ فَجَامَعَهَا رَجُلٌ) أَيْ ثُمَّ أَفَاقَتْ وَعَلِمَتْ بِمَا فُعِلَ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْكَافِي تَأْوِيلُ الْمَجْنُونَةِ بِأَنْ تُفِيقَ فَلَا يَسْتَوْعِبُ جُنُونُهَا الشَّهْرَ فَصَارَ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ قُلْت لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَجْنُونَةُ فَقَالَ: لَا بَلْ الْمَجْبُورَةُ أَيْ الْمُكْرَهَةُ فَقُلْت: أَلَا تَجْعَلُهَا مَجْبُورَةً فَقَالَ بَلَى ثُمَّ قَالَ كَيْفَ، وَقَدْ سَارَتْ بِهَا الرُّكْبَانُ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَجْبُورَةِ بِمَعْنَى الْمُجْبَرَةِ ضَعِيفٌ اهـ. أَيْ ضَعِيفٌ لَفْظًا صَحِيحٌ حُكْمًا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا)

وَهِيَ مَجْنُونَةٌ (أَوْ نَائِمَةٌ أَوْ تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ (أَوْ أَفْطَرَ) فِي آخِرِ النَّهَارِ (يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا) أَيْ فَعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ يَظُنُّ الْوَقْتَ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فِي الْأَوَّلِ وَالشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ فِي الثَّانِي (قَضَى فَقَطْ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَفْطَرَ خَطَأً إلَى آخِرِهِ (وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ مَنْ تَسَحَّرَ وَمَنْ أَفْطَرَ يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا (يُمْسِكَانِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا كَمُسَافِرٍ أَقَامَ وَحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتْ وَمَجْنُونٍ أَفَاقَ وَمَرِيضٍ صَحَّ وَصَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَكُلُّهُمْ يَقْضُونَ إلَّا الْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي صَبِيًّا وَكَافِرًا أَسْلَمَ الْأَصْلُ أَنَّ مَنْ صَارَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ، وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِهَذَا لَمْ يَسْتَقِمْ ظَاهِرُهُ؛ لِأَنَّهَا كَيْفَ تَكُونُ صَائِمَةً، وَهِيَ مَجْنُونَةٌ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَهُ أَعْنِي النِّيَّةَ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ حَالَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ جُنَّتْ وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مُفْسِدٌ لَا تَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي نَوَتْهُ كَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَوَى (قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ) أَيْ أَكَلَ السَّحُورَ بِفَتْحِ السِّينِ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ السُّحُورَ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ الثَّانِي إلَى الْفَجْرِ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ فَأُطْلِقَ عَلَى مَا يَقْرُبُ مِنْهُ اهـ. ثُمَّ السُّحُورُ مُسْتَحَبُّ لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السُّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمُ الْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ الضَّمُّ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّحُورِ إلَى مَا لَمْ يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَالسِّوَاكُ» (قَوْلُهُ يَظُنُّ الْيَوْمَ لَيْلًا) الظَّنُّ قَيْدٌ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ إذْ لَا يَكْفِي فِيهِ الشَّكُّ وَلَيْسَ الظَّنُّ قَيْدًا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ الشَّكُّ كَافٍ لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ أَيْ فَعَلَ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ) أَيْ الْفِطْرَ وَالسُّحُورَ يَظُنُّ الْوَقْتَ لَيْلًا وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ قَضَى فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطِ الْقَوْلِ لِيَتَّضِحَ أَمَّا فِي السُّحُورِ فَحَلَّ الْقَضَاءُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ السَّحُورِ، وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الطُّلُوعَ وَقْتَ أَكْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ الْفَجْرَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ فَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ: يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا نَقَلَهُ بِصِيغَةِ قِيلَ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَكَلَ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ عَمَلًا بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَفِيهِ الِاحْتِيَاطُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْعَمْدِيَّةُ اهـ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ بِصِيغَةِ قِيلَ: وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَقَلَ تَصْحِيحَهَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ عَنْ الْإِيضَاحِ، وَتَحْقِيقُ الدَّلِيلِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا إذَا شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ، وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لُزُومُهَا قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. اهـ. وَلَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ رِوَايَةً وَاحِدَةً إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ أَحْكَامٍ: فَسَادَ الصَّوْمِ وَالْكَفَّارَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَوُجُوبَ الْإِمْسَاكِ وَعَدَمَ الْإِثْمِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ أَيْ لُزُومًا وَعَدَمًا لِتَكْمُلَ الْخَمْسَةُ (قَوْلُهُ كَمُسَافِرٍ) أَيْ فِي رَمَضَانَ أَقَامَ أَيْ بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَمَا أَكَلَ أَمَّا لَوْ قَدِمَ قَبْلَهُمَا فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنْ أَفْطَرَ بَعْدَمَا نَوَى لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ لِلشُّبْهَةِ، وَلَوْ طَهُرَتْ الْحَائِضُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ فَنَوَتْ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لَا فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا لِوُجُودِ الْمُنَافِي أَوَّلَ الْوَقْتِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ كَذَا فِي الْجَوْهَرِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ النُّفَسَاءَ مِثْلُ الْحَائِضِ (قَوْلُهُ وَمَجْنُونٌ أَفَاقَ) يَعْنِي بَعْدَ فَوَاتِ النِّيَّةِ أَمَّا لَوْ أَفَاقَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ تَعَاطَى مُفْطِرًا فَنَوَى الصَّوْمَ جَازَ عَنْ الْفَرْضِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجُنُونَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ فَكَانَ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ كَوُجُودِهَا فِي الْكُلِّ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْمُبْتَغَى (قَوْلُهُ وَصَبِيٌّ بَلَغَ) أَقُولُ، وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ كَانَ نَفْلًا لَا فَرْضًا وَفُرِّقَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ وَعَدَمِهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ وَكَافِرٌ أَسْلَمَ) أَقُولُ، وَهُوَ كَالصَّبِيِّ عَلَى الظَّاهِرِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْكُفْرُ وَالصِّبَا قَبْلَ الزَّوَالِ لَزِمَ الْقَضَاءُ وَلِإِدْرَاكِ وَقْتِ النِّيَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَقْتَ النِّيَّةِ وَنَوَى النَّفَلَ صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ

حَالَةٍ فِي آخِرِ النَّهَارِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ وَتَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ كَمَا لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْضِ الْأَخِيرَانِ، وَإِنْ أَفْطَرَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّوْمِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْيَوْمِ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهَا هُوَ الْجُزْءُ الْمُقَارَنُ بِالْأَدَاءِ أَوْ جُزْءٌ يَسَعُ مَا بَعْدَهُ الطَّهَارَةَ وَالتَّحْرِيمَةَ. وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ جَامَعَ فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ) احْتِرَازٌ عَنْ قَضَائِهِ (أَوْ جُومِعَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ غِذَاءً أَوْ دَوَاءً) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ (عَمْدًا) قَيْدٌ لِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ جَامَعَ إلَى هُنَا (أَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا قَضَى وَكَفَّرَ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ، وَإِنْ جَامَعَ. . . إلَخْ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِي صُورَةِ الِاحْتِجَامِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ» وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّ مَا قِيلَ: الزَّوَالُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي حُكْمِ النِّيَّةِ فَكَذَا فِي حُكْمِ الْأَهْلِيَّةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّشَبُّهُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى لُزُومِ التَّشَبُّهِ لِمَنْ أَفْطَرَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَمَضَانُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَامَعَ) أَيْ عَمْدًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ فَإِنْ بَدَأَ بِهِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَمْدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدَ الطُّلُوعِ لَا يَفْسُدُ كَالِاحْتِلَامِ اهـ. وَمَحَلُّ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ فِيمَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَطْرَأْ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ فَإِذَا نَوَاهُ نَهَارًا ثُمَّ جَامَعَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي الْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ، وَلَوْ أَكْرَهَتْهُ زَوْجَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ، وَقَدْ طَاوَعَتْ زَوْجَهَا أَوْ غَيْرَهُ سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا تَسْقُطُ لَوْ مَرِضَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بَعْدَ الْجِمَاعِ، وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى، وَلَوْ سَافَرَ أَوْ سُوفِرَ بِهِ كَرْهًا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَسْقَطَهَا زُفَرُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ) تَنَازَعَ فِيهِ جَامَعَ وَجُومِعَ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا، وَعَنْهُ أَنَّ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَامِلَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ غِذَاءً) أَيْ مَا يُتَغَذَّى بِهِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى التَّغَذِّي قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَمِيلَ الطَّبْعُ إلَى أَكْلِهِ وَتَنْقَضِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى صَلَاحِ الْبَدَنِ وَفَائِدَتُهُ فِيمَا إذَا مَضَغَ لُقْمَةً ثُمَّ أَخْرَجَهَا ثُمَّ ابْتَلَعَهَا فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى هَذَا الْوَرَقُ الْحَبَشِيُّ وَالْحَشِيشَةُ وَالْقِطَاطُ إذَا أَكَلَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ لِلْبَدَنِ وَرُبَّمَا يَضُرُّهُ وَيُنْقِصُ عَقْلَهُ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَتَنْقَضِي بِهِ شَهْوَةُ الْبَطْنِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ إذَا مَضَغَ لُقْمَةً بِأَسْنَانِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَابْتَلَعَهَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ بَعْدَمَا تَذَكَّرَ ثُمَّ أَعَادَهَا فَابْتَلَعَهَا فَلَا كَفَّارَةَ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي فَمِهِ يَتَلَذَّذُ بِهَا، وَإِذَا أَخْرَجَهَا صَارَتْ بِحَالٍ تُعَافُ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَمَسْأَلَةُ بُزَاقِ الصَّدِيقِ لَا تَتَمَشَّى عَلَى تَفْسِيرِ التَّغَذِّي الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ التُّرَابِ وَالْحَجَرِ) أَقُولُ وَذَلِكَ كَالسَّفَرْجَلِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ وَهُوَ غَيْرُ مَطْبُوخٍ وَالْجَوْزَةُ الرَّطْبَةُ وَالطِّينُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَادُ أَكْلُ هَذَا الطِّينِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَدْ أَكْلُهُ لَا كَفَّارَةَ بِهِ وَفِي الطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ يُكَفِّرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ لِلدَّوَاءِ وَفِي الْمِلْحِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُخْتَارِ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْمِلْحِ الْقَلِيلِ لَا الْكَثِيرِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا تَنَاوَلَ الْكَثِيرَ دُفْعَةً فَأَمَّا إذَا تَنَاوَلَهُ قَلِيلًا قَلِيلًا رُبَّمَا يُقَالُ إنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَى انْتِهَاءِ الْفِعْلِ فَيَكُونُ التَّنَاوُلُ كَأَنَّهُ حَصَلَ بِمَرَّةٍ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ أَوْ احْتَجَمَ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَا إذَا أَكَلَ بَعْدَ مَا اغْتَابَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ كَيْفَمَا كَانَ أَيْ سَوَاءً بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ أَوْ لَمْ يُفْتَ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِالْغِيبَةِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغِيبَةُ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذَهَابُ الثَّوَابِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ

يُوجَدْ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِفَسَادِ صَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِفَتْوَى الْمُفْتِي فَتَصِيرُ الْفَتْوَى شُبْهَةً فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فِي نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» وَاعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَكُونُ أَدْنَى دَرَجَةً مِنْ قَوْلِ الْمُفْتِي، وَهُوَ إذَا صَلَحَ عُذْرًا فَقَوْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ أَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِهِمَا وَهُمَا يَغْتَابَانِ آخَرَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ أَيْ ذَهَبَ ثَوَابُ صَوْمِهِمَا بِالْغِيبَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَوَّى بَيْنَ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُ الْحَاجِمِ (كَالْمُظَاهِرِ) وَكَفَّارَتُهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا. (ذَرَعَهُ) أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ (قَيْءٌ طَعَامٌ أَوْ مَاءٌ أَوْ مَرَّةً وَخَرَجَ لَمْ يُفْطِرْ مُلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ وَمَا دُونَهُ (فَإِنْ مَلَأَهُ) أَيْ الْفَمِ (وَعَادَ وَهُوَ ذَاكِرٌ) أَنَّهُ صَائِمٌ (لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ إذْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْإِفْطَارِ وَهُوَ الِابْتِلَاعُ، وَلَا مَعْنَاهُ إذْ لَا يُتَغَذَّى بِهِ عَادَةً (أَوْ أَعَادَ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ) لِوُجُودِ الْإِدْخَالِ بَعْدَ الْخُرُوجِ فَيَتَحَقَّقُ صُورَةُ الْإِفْطَارِ (وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ فَاهُ لَمْ يُفْطِرْ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِنْ أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ) فَإِنَّهُ إذَا أَعَادَ الْقَلِيلَ فَسَدَ صَوْمُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِوُجُودِ الصُّنْعِ، وَلَا يَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (اسْتَقَاءَ مِلْءَ الْفَمِ أَفْطَرَ بِالْإِجْمَاعِ) لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيعُ الْعَوْدِ وَالْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِالْقَيْءِ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْ مِلْءِ فَمِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا فَلَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِ التَّفْرِيعُ الْمَذْكُورُ (وَلَا) يُفْطِرُ (فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ وَيَتَأَتَّى التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِهِ؛ وَلِذَا قَالَ (فَإِنْ عَادَ) الْقَيْءُ بِفِيهِ (لَمْ يُفْطِرْ) لِمَا ذَكَرْنَا (أَوْ أَعَادَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا يُفْطِرُ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَفِي أُخْرَى يُفْطِرُ لِكَثْرَةِ الصُّنْعِ (وَأَمَّا الْبَلْغَمُ فَلَا يُفْطِرُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُفْطِرُ إذَا كَانَ مِلَاءَ الْفَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ مِثْلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ، وَلَوْ لَمَسَ أَوْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ بِشَهْوَةٍ أَوْ ضَاجَعَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا تَأَوَّلَ حَدِيثًا أَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَهَنَ شَارِبَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ فَأَكَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا أَوْ احْتَلَمَ أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَظَنَّ أَنَّهُ فَطَّرَهُ فَأَكَلَ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْأَكْلَ نَاسِيًا لَا يُفَطِّرُهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ مُفْتٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْمُرَادُ بِهِ فَقِيهٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِقْهُ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ كَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ اهـ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ وَاعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِهِ) يَعْنِي وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِهِ وَهُوَ عَامِّيٌّ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ. . . إلَخْ قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءَ بِالْفُقَهَاءِ، وَإِنْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ ثُمَّ أَكَلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ) أَقُولُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يُفْطِرْ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَمْ يُفْطِرْ مِلَاءُ الْفَمِ أَوْ لَا لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، وَإِنْ أَعَادَ فِي الصَّحِيحِ فَلَوْ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ أَعَادَ مَا ذَرَعَهُ وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ لَمْ يُفْطِرْ فِي الصَّحِيحِ لَكَانَ أَوْلَى اهـ. وَبَقِيَ مَا لَوْ عَادَ الْقَلِيلُ بِلَا صُنْعِهِ، وَلَا يُفْطِرُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالصُّنْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ وَيَسْتَوِي فِيهِ مَلْءُ الْفَمِ وَدُونَهُ) أَقُولُ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا لَوْ اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ إنَّمَا تَصْحِيحُ بَعْضِهِمْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَقَلّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ) أَيْ إذَا اسْتَقَاءَ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ أَفْطَرَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَفِي الْكَافِي هُوَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُفْطِرُ فِي الصَّحِيحِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَلَا يُفْطِرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لَكِنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَيْضًا فَقَالَ قَوْلُهُ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَفْسُدُ صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَعَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ فِيهَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَادَ) أَيْ مَا اسْتَقَاءَهُ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ فَمِهِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ

بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ. (أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ قَضَى) ، وَلَا كَفَّارَةَ (وَفِي الْأَقَلِّ لَا إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ، أَكَلَ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ يُفْطِرُ إلَّا إذَا مَضَغَهُ) بِحَيْثُ تَلَاشَتْ. (كُرِهَ ذَوْقُ شَيْءٍ وَمَضْغُهُ بِلَا عُذْرٍ) أَمَّا كَرَاهَةُ الذَّوْقِ فَلِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ سَيِّئَ الْخُلُقِ لَا بَأْسَ بِذَوْقِهَا بِلِسَانِهَا، قَالُوا هَذَا فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَلَا يُكْرَهُ وَأَمَّا كَرَاهَةُ الْمَضْغِ فَلِمَا فِيهِ أَيْضًا مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْإِفْسَادِ، وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضُغُ لِصَبِيِّهَا الطَّعَامَ مِمَّنْ لَا يَصُومُ، وَلَمْ تَجِدْ طَبِيخًا وَلَا لَبَنًا حَلِيبًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَمْضُوغُ (عِلْكًا) فَإِنَّ فِيهِ أَيْضًا تَعْرِيضًا لَهُ وَلِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِالْإِفْطَارِ فَإِنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) كَذَا قَالَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمَا بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ أَيْ فَقَوْلُهُمَا هُنَاكَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ إنَّمَا أُنِيطَ بِمَا يَدْخُلُ وَبِالْقَيْءِ عَمْدًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَلَا فَرْقَ بِخِلَافِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ اهـ. قُلْتُ وَالْخِلَافُ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِالْبَلْغَمِ فِيمَا إذَا صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ لَا فِي النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ فَكَذَلِكَ هُنَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ أَوْ أَكَلَ لَحْمًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِثْلَ حِمَّصَةٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةُ الْفَاصِلُ مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ فَهُوَ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ بِخِلَافِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ الْقَدْرُ مَعْفُوٌّ بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مَعْفُوًّا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَأَمَّا هَاهُنَا فَقَدْرُ الْحِمَّصَةِ لَا يَبْقَى فِي فُرَجِ الْأَسْنَانِ غَالِبًا فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالرِّيقِ فَصَارَ كَثِيرًا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْفَاصِلُ فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ مَا ذَكَرُوهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّقْدِيرِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ الِابْتِلَاعُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْكَثِيرِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ بِلَا اسْتِعَانَةِ الْبُزَاقِ فَهُوَ عَلَامَةُ الْقَلِيلِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ حَسَنٌ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ قَضَى، وَلَا كَفَّارَةَ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ يَعَافُهُ الطَّبْعُ فَصَارَ نَظِيرَ التُّرَابِ وَزُفَرُ يَقُولُ بَلْ نَظِيرَ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ وَفِيهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الْكَمَالُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي الْوَقَائِعِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ضَرْبِ اجْتِهَادٍ فِي مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَفْتَقِرُ إلَى كَمَالِ الْجِنَايَةِ فَيُنْظَرُ فِي صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَعَافُ طَبْعُهُ ذَلِكَ أُخِذَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ عِنْدَهُ أُخِذَ بِقَوْلِ زُفَرَ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَمَالِ عَدَمَ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِبَلْعِ بُزَاقِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَشَمِلَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ رَمَزَ لَهُ فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ ابْتَلَعَ بُزَاقَ حَبِيبِهِ لَا كَفَّارَةَ ثُمَّ رَمَزَ لِلْمُحِيطِ وَقَالَ كَفَّرَ اهـ. وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِبُزَاقِ الْحَبِيبِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ وَفِي الْأَقَلِّ لَا) أَيْ لَا قَضَاءَ إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ فَأَكَلَ فَيَقْضِي بِلَا كَفَّارَةٍ، وَكَذَا لَا كَفَّارَةَ بِإِعَادَةِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ أَكَلَ مِثْلَ سِمْسِمَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ مِثْلُهَا فِي الصِّفَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَبِالْأَكْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَضْمِ وَالْهَشِمِ لِيَشْمَلَ الِابْتِلَاعَ إلَّا أَنَّهُ إذَا ابْتَلَعَ السِّمْسِمَةَ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ خَارِجٍ فَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُتَغَذَّى بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمُرَادُ بِنَحْوِهَا مَا دُونَ الْحِمَّصَةِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ أَدْخَلَهُ مِنْ خَارِجٍ وَمَضَغَهُ إنْ كَانَ قَدْرَ الْحِمَّصَةِ فَكَذَلِكَ أَيْ فَطَّرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا يُفَطِّرُهُ اهـ. وَلَا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ: وَتَجِبُ أَيْ الْكَفَّارَةُ بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ وَقَضْمِهَا لَا إنْ مَضَغَ قَمْحَةً لِلتَّلَاشِي. اهـ.؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِطْرُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا مَضَغَهُ بِحَيْثُ تَلَاشَتْ) أَقُولُ أَيْ فَلَا قَضَاءَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ لَهَا طَعْمًا فِي حَلْقِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي فَقَالَ، وَإِنْ مَضَغَهَا أَيْ السِّمْسِمَةَ لَا يَفْسُدُ إلَّا أَنْ يَجِدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ جِدًّا فَلْيَكُنْ الْأَصْلَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ مَضَغَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) كَذَا الْأَمَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. وَهَلْ الْأَجِيرُ كَذَلِكَ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ لَمْ تَجِدْ الْمَرْأَةُ مَنْ يَمْضَغُ. . . إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعُذْرِ فَلَيْسَ غَيْرُهُ عُذْرًا وَلَكِنْ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَذُوقَ الْعَسَلَ أَوْ الدُّهْنَ يَعْرِفُ الْجَيِّدَ مِنْ الرَّدِيءِ عِنْدَ الشِّرَاءِ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ. وَفِي الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ بِهِ كَيْ لَا يُغْبَنَ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْمَمْضُوغُ عِلْكًا) الْعِلْكُ هُوَ الْمُصْطَكَا: وَقِيلَ: اللِّبَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْكُنْدُرُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا) هَذَا وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ إنَّمَا يُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ أَيْ لِلصَّائِمِ؛ لِأَنَّ مَضْغَهُ يَدْبَغُ الْمَعِدَةَ وَيُشَهِّي الطَّعَامَ وَلَمْ يَأْنِ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَأْنِ وَقْتُ الِاشْتِهَاءِ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ اهـ. وَأَمَّا مَضْغُهُ لِغَيْرِ الصَّائِمِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِقِيَامِهِ مَقَامَ السِّوَاكِ فِي حَقِّهِنَّ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ عَلَى مَا قِيلَ: إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِلَّةٍ، وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ قَالَ الْكَمَالُ: أَيْ وَلَا يُكْرَهُ فَهُوَ مُبَاحٌ بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ سِوَاكُهُنَّ ثُمَّ قَالَ

[فصل حامل أو مرضع خافت على نفسها وولدها من الصوم]

بَعِيدٍ يَظُنُّهُ آكِلًا قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا إذْ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْضُوغٍ يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَتَّتُ وَيَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى جَوْفِهِ. . (وَ) كُرِهَ (الْقُبْلَةُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ لَا دَهْنُ الشَّارِبِ وَالسِّوَاكُ، وَلَوْ) كَانَ السِّوَاكُ (عَشِيًّا) ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ عَشِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ خُلُوفَ الْفَمِ. (فَصْلٌ) (حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدهَا وَمَرِيضٌ خَافَ الزِّيَادَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ لِلرِّجَالِ إلَّا لِحَاجَةٍ اهـ. . وَفِي الْمِعْرَاجِ كُرِهَ لِلرِّجَالِ إلَّا فِي الْخَلْوَةِ بِعُذْرٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ وَمَضْغُهُ يُورِثُ هُزَالَ الْجَنِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ قِيلَ: هَذَا إذَا كَانَ مَمْضُوغًا) جَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ فَقَالَ، وَهَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ مُلْتَئِمًا لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَئِمًا لَا يَتَفَتَّتُ اهـ. وَفِي الْكَافِي قَالُوا: هَذَا إذَا كَانَ الْعِلْكُ مُلْتَئِمًا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ أَبْيَضَ فَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ يُفْسِدُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَذُوبُ بِالْمَضْغِ بِخِلَافِ الْأَبْيَضِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِلُ رَائِحَةً اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا فُرِضَ فِي بَعْضِ الْعِلْكِ مَعْرِفَةُ الْوُصُولِ مِنْهُ عَادَةً وَجَبَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَيَقَّنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْقُبْلَةُ. . . إلَخْ) كَذَا الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ لَا دَهْنُ الشَّارِبِ) الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الدَّالِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ، وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الدُّهْنِ، وَكَذَا الْكُحْلُ حُكْمًا وَضَبْطًا وَيُسَنُّ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الزِّينَةَ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقُبْضَةُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْقُبْضَةُ بِضَمِّ الْقَافِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُهُ هَكَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَهِيَ دُونَ الْقُبْضَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ وَأَخْذُ كُلِّهَا فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ وَالْيَهُودِ وَالْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْإِفْرِنْجِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالسِّوَاكُ سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا بِأَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ بِالْمَاءِ) وَكَذَا لَا تُكْرَهُ الْحِجَامَةُ، وَلَا التَّلَفُّفُ بِالثَّوْبِ الْمُبْتَلِّ وَلَا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِغَيْرِ وُضُوءٍ وَالِاغْتِسَالُ لِلتَّبَرُّدِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ [فَصْلٌ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدهَا مِنْ الصَّوْم] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ حَامِلٌ) هِيَ الْمَرْأَةُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ وَلَدٌ وَالْحَامِلَةُ هِيَ الَّتِي عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا حِمْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُرْضِعٌ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُرْضِعَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ إلَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ بِأَنْ يُقَالَ مُرْضِعَةٌ الْآنَ (قَوْلُهُ خَافَتْ) الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِتَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ فَقَالَ: وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَفْطَرَ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ حَاذِقٌ عَدْلٌ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولَ الْخَوْفِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْهَلَاكِ لِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خَافَتْ الْحَامِلُ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا نُقْصَانَ الْعَقْلِ أَوْ الْهَلَاكَ أَفْطَرَتْ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدِهَا) أَيْ سَوَاءً كَانَ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا لِإِطْلَاقِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» وَمَا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ فَمَرْدُودٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى اسْتِئْجَارِ ظِئْرٍ فَالْأُمُّ كَالظِّئْرِ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ بِالْخَوْفِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَافَتَا عَلَى النَّفْسِ أَوْ الْوَلَدِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ خَوْفَهَا عَلَى وَلَدِهَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ تَعَيُّنِهَا لِلْإِرْضَاعِ لِفَقْدِ الظِّئْرِ أَوْ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى اسْتِئْجَارِهَا أَوْ لِعَدَمِ أَخْذِ الْوَلَدِ ثَدْيَ غَيْرِهَا فَسَقَطَ مَا قِيلَ: حِلُّ الْإِفْطَارِ يَخْتَصُّ بِمُرْضِعَةٍ آجَرَتْ نَفْسَهَا لِلْإِرْضَاعِ، وَلَا يَحِلُّ لِلْوَالِدَةِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا إرْضَاعٌ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الظِّئْرُ الْمُسْتَأْجَرَةُ كَالْأُمِّ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ (قَوْلُهُ وَمَرِيضٌ خَافَ الزِّيَادَةَ) وَكَذَا لَوْ خَافَ بُطْءَ الْبُرْءِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُرُّ مَرِيضًا لَكِنَّهُ أَجْهَدَ نَفْسَهُ بِالْعَمَلِ حَتَّى مَرِضَ فَأَفْطَرَ قِيلَ: تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَقَالَ فِي الْمُبْتَغَى الْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِتْعَابِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَنْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ فِي شَيْءٍ أَوْ عَمَلٍ حَتَّى أَجْهَدَهُ الْعَطَشُ فَأَفْطَرَ كَفَّرَ وَقِيلَ لَا اهـ. . وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ رَضِيعٌ مَرِيضٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شُرْبِ الدَّوَاءِ وَزَعَمَ الطَّبِيبُ أَنَّ أُمَّهُ تَشْرَبُ ذَلِكَ لَهَا الْفِطْرُ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي يُخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَكَذَا الْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ اهـ. وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ الِائْتِمَارِ بِأَمْرٍ الْمَوْلَى إذَا كَانَ يُعْجِزُهَا عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ وَالْعَبْدُ كَالْأَمَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ هُوَ الْمَرَضُ لَا الضَّعْفُ، وَكَذَا لَوْ خَافَ مِنْ الْمَرَضِ لَا يُفْطِرُ اهـ. فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلزَّيْلَعِيِّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخَوْفِ فِي كَلَامِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ وَفِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَلَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْبَحْرِ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْته، وَكَذَا يُفْطِرُ مَنْ ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلِ الْحَثِيثِ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ وَنُقْصَانَ الْعَقْلِ، وَلَوْ أَفْطَرَ فِي يَوْمِ نَوْبَةِ الْحُمَّى أَوْ أَفْطَرَتْ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَادَةِ حَيْضِهَا

وَالْمُسَافِرُ أَفْطَرُوا) هَذَا خَبَرٌ لِقَوْلِهِ حَامِلٌ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْإِفْطَارُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ (وَقَضَوْا مَا قَدَرُوا) أَيْ لَزِمَ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ صَوْمِ أَيَّامٍ مَضَتْ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكُوا مِنْ أَيَّامِ زَوَالِ الْعُذْرِ، وَفَائِدَةُ لُزُومِ الْقَضَاءِ وُجُوبُ الْوَصِيَّةِ بِالْإِطْعَامِ عِنْدَ فَقْدِ الْقَضَاءِ (بِلَا كَفَّارَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ (وَلَا فِدْيَةَ) ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْفِدْيَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ (وَنُدِبَ صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا يَضُرُّهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْمَشَقَّةِ (فَإِنْ مَاتُوا فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْعُذْرِ (فَلَا فِدْيَةَ) أَيْ لَا يَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْفِدْيَةِ (وَلَوْ) مَاتُوا (بَعْدَ زَوَالِهِ) أَيْ الْعُذْرِ (فَدَى عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ (وَلِيُّهُ بِقَدْرِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) الْمَيِّتُ (وَفَاتَ عَنْهُ) فَإِنَّ الْفَائِتَ إذَا كَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ رَمَضَانَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَاتَ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي أَيَّامِ الْإِقَامَةِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةُ تِلْكَ الْأَيَّامِ دُونَ مَا سِوَاهَا (إنْ أَوْصَى) الْمَيِّتُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَدَى عَنْهُ (فَيَكُونُ) أَيْ مَا فَدَاهُ الْوَلِيُّ (مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ) أَيْ بِمَا فَدَاهُ (جَازَ، وَإِنْ صَامَ أَوْ صَلَّى عَنْهُ لَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (كَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ) يَعْنِي إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ جَازَ وَلَمْ يَجُزْ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. (يَقْضِي رَمَضَانَ، وَلَوْ بِفَصْلٍ) يَعْنِي يَجُوزُ فِيهِ الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ وَالْمُسْتَحَبُّ الْوَصْلُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ (وَإِنْ جَاءَ) رَمَضَانُ (آخَرُ صَامَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُهُ (ثُمَّ قَضَى الْأَوَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ (بِلَا فِدْيَةٍ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ الْفِدْيَةُ (وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى الْوِتْرُ كَصَوْمِ يَوْمٍ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ فِدْيَةُ صَلَاةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ كَفِدْيَةِ صَوْمِ يَوْمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَمْ يُحَمَّ وَلَمْ تَحِضْ الْأَصَحُّ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ فِيهِمَا وَالْغَازِي إذَا كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ فِي رَمَضَانَ وَخَافَ الضَّعْفَ حَالَ الْقِتَالِ حَلَّ لَهُ الْفِطْرُ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَكَذَا لَوْ لَسَعَتْهُ حَيَّةٌ فَأَفْطَرَ لِشُرْبِ الدَّوَاءِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالْمُسَافِرُ) عَرَّفَهُ وَنَكَّرَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا إذَا اتَّصَفَ بِمَا وَصَفَهُ بِهِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذْ لَا يَحْتَاجُ فِي حِلِّ إفْطَارِهِ إلَى زِيَادَةِ وَصْفٍ عَلَى السَّفَرِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ أَمَّا لَوْ سَافَرَ فِي يَوْمٍ أَنْشَأَ فِيهِ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الْفِطْرُ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فَتَذَكَّرَ شَيْئًا قَدْ نَسِيَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَدَخَلَ مِصْرَهُ فَأَفْطَرَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ قَضَوْا مَا قَدَرُوا) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ: بِوُجُوبِ قَضَاءِ جَمِيعِ الشَّهْرِ بِصِحَّةِ يَوْمٍ أَوْ إقَامَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِقَدْرِ الْقُدْرَةِ اتِّفَاقِيٌّ. وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِقَدْرِ مَا صَحَّ كَرَمَضَانَ، وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ سَبَبُهُ النَّذْرُ، وَقَدْ وُجِدَ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا إثْمَ بِالتَّأْخِيرِ وَيَتَضَيَّقُ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ إلَّا لِعُذْرٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ صَوْمُ مُسَافِرٍ لَا يَضُرُّهُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ رُفْقَتُهُ أَوْ عَامَّتُهُمْ مُفْطِرِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا مُفْطِرِينَ أَوْ كَانَتْ النَّفَقَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ لِمُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ. (قَوْلُهُ فَدَى عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَشَمِلَ الْوَصِيَّ (قَوْلُهُ إنْ أَوْصَى) أَقُولُ وَيُجْزِئُهُ فِي إيصَائِهِ بِهِ عَنْ الصَّوْمِ جَزْمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَبَرَّعَ وَلِيُّهُ بِهِ جَازَ) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ عَنْهُ يُجْزِئُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ أَوْ لِعُذْرٍ مَا، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلُ بِغَيْرِ الْإِعْتَاقِ) أَقُولُ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا ابْتِدَاءً عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْوَارِثِ عَنْهُ (كَمَا ذَكَرَهُ) وَالصَّوْمُ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْإِعْتَاقِ لَا يَصِحُّ فِيهِ الْفِدْيَةُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ جَازَ) أَقُولُ: كَفَّارَةُ الْقَتْلِ لَيْسَ فِيهَا إطْعَامٌ، وَلَا كِسْوَةٌ فَجَعْلُهَا مُشَارِكَةً لِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِيهَا سَهْوٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ وَفِدْيَةُ كُلِّ صَلَاةٍ. . . إلَخْ) هَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ (قَوْلُهُ حَتَّى الْوِتْرُ) هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا الْوِتْرُ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ نَقَلَ فِيهَا عَنْ الْفَتَاوَى أَنَّ إعْطَاءَ فِدْيَةِ صَلَوَاتٍ لِوَاحِدٍ جُمْلَةً جَائِزٌ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ اهـ. وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ إلَّا عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ

(وَالشَّيْخُ الْفَانِي) الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ (أَفْطَرَ وَفَدَى) أَيْ أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ (وَقَضَى إنْ قَدَرَ) عَلَى الصَّوْمِ إذْ يَبْطُلُ حِينَئِذٍ حُكْمُ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ (يَلْزَمُ نَفْلٌ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا) قَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُهُ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ (أَدَاءً وَقَضَاءً) أَيْ يَجِبُ إتْمَامُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ (إلَّا فِي الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ فِيهَا غَيْرُ مُلْزِمٍ وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ: عِيدُ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى مَعَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْأَضْحَى (وَلَا يُفْطِرُ) الشَّارِعُ فِي النَّفْلِ (بِلَا عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ الْعَمَلِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ خَلَفُهُ فَلَا إبْطَالَ (وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْمُضِيفَ وَالضَّيْفَ. (نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ وَأَقَامَ فَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهَا) أَيْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَعَمُّ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلِهَذَا قَالَ (صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ. (وَ) إذَا كَانَ ذَلِكَ (فِي رَمَضَانَ يَجِبُ الصَّوْمُ) ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ (كَمَا يَجِبُ عَلَى مُقِيمٍ إتْمَامُ) صَوْمِ (يَوْمٍ مِنْهُ) أَيْ رَمَضَانَ (سَافَرَ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا) أَيْ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ وَسَفَرِ الْمُقِيمِ (بِالْإِفْطَارِ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلشُّبْهَةِ (يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ، وَلَوْ) كَانَتْ (كُلَّ الشَّهْرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ يُضْعِفُ الْقَوِيَّ، وَلَا يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَلَا الْأَدَاءَ (إلَّا يَوْمًا حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَقْضِيهِ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْوِي مِنْ اللَّيْلِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQصَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ الْفِطْرُ وَيُطْعِمُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَاءٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِعُسْرَتِهِ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَيَسْتَقِيلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ، وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَ لَهُ الْفِدْيَةُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ فَانٍ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي. . . إلَخْ) هَذَا، وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا التَّغْلِيظِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَفْسَدَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا فَسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلْمُتَطَوِّعَةِ بِالصَّوْمِ اهـ. وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِي رَاوِيَةٍ أُخْرَى يَجُوزُ) أَيْ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَصَحَّحَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ وَرِوَايَةُ الْمُبْتَغَى يُبَاحُ أَيْ الْفِطْرُ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ قَالَ: وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُبْتَغَى أَوْجَهُ أَيْ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا دَعَاهُ وَاحِدٌ مِنْ إخْوَانِهِ إلَى الطَّعَامِ يُفْطِرُ وَيَقْضِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَفْطَرَ لِحَقِّ أَخِيهِ يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَتَى قَضَى يَوْمًا يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ صَوْمِ أَلْفَيْ يَوْمٍ» اهـ. (قَوْلُهُ الضِّيَافَةُ عُذْرٌ) يَعْنِي عَلَى الْأَظْهَرِ كَذَا قِيلَ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذْ كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقٌ لِأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَا يُحَنِّثُهُ سَوَاءٌ كَانَ نَفْلًا أَوْ قَضَاءً اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ رَضِيَ بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ، وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ اهـ. قَالَ فِي الْمُبْتَغَى، وَهَذَا أَيْ التَّفْصِيلُ فِي صَاحِبِ الطَّعَامِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ) الْأَوْلَى تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ لِلضِّيَافَةِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الضَّيْفَ وَالْمُضِيفَ) كَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِمَا إذَا تَأَذَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِمَا أَيْ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ وَسَفَرِ الْمُقِيمِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالْكَافِي، وَقَدْ قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَدَمُ الْكَفَّارَةِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ يَقْضِي أَيَّامَ الْإِغْمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ كُلَّ الشَّهْرِ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ لَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا إذَا اسْتَوْعَبَهُ فَلَا يَقْضِي كَمَا فِي الْجُنُونِ (قَوْلُهُ إلَّا يَوْمًا حَدَثَ الْإِغْمَاءُ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ) يَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّهُ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَوَى أَوَّلًا أَمَّا إذَا عُلِمَ حَالُهُ فَظَاهِرٌ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ) أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْخِلَافِ بِالتَّبْيِيتِ لِلنِّيَّةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي شَعْبَانَ) صَوَابُهُ فِي رَمَضَانَ كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا فَإِنَّهُ يَقْضِي جَمِيعَ أَيَّامِ إغْمَائِهِ

قَضَى رَمَضَانَ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ وَوُجُودِ السَّبَبِ. . (وَ) يَقْضِي (أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ) ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الشَّهْرُ قَدْ وُجِدَ وَأَهْلِيَّةُ نَفْسِ الْوُجُوبِ بِالذِّمَّةِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ بِلَا مَانِعٍ وَإِذَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِلَا مَانِعٍ تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ (، وَلَا) يَقْضِي (كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ) أَيْ بِالْجُنُونِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ عَادَةً وَالْجُنُونُ يَسْتَوْعِبُهُ كَثِيرًا (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ. (نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصَوْمٍ مَشْرُوعٍ، وَالنَّهْيُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَصِحُّ نَذْرُهُ. (وَ) لَكِنَّهُ (أَفْطَرَهَا) احْتِرَازًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمُجَاوِرَةِ (وَقَضَاهَا) إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ (وَإِنْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ وَخَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ) ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ كَمَا الْتَزَمَهُ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) أَيْ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَوْ السَّنَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ سِتَّةٍ: إمَّا أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا (أَوْ نَوَى النَّذْرَ فَقَطْ) دُونَ الْيَمِينِ (أَوْ النُّذُورَ) نَوَى (أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا كَانَ نَذْرًا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ، وَقَدْ قَرَّرَ بِعَزِيمَتِهِ (وَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا كَانَ يَمِينًا) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ وَنَفَى غَيْرَهُ (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَفْطَرَ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْيَمِينِ (وَإِنْ نَوَاهُمَا أَوْ الْيَمِينَ) بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ (كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا) حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَقْضِي أَيَّامَ جُنُونٍ أَفَاقَ بَعْدَهَا) خَاصٌّ بِالْعَارِضِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ فِي الْوَقْتِ) قَيَّدَ بِهِ لُزُومَ قَضَاءِ أَيَّامِ الْجُنُونِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَضَاءُ لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي كُلَّ الشَّهْرِ الْمُسْتَوْعَبِ بِهِ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ: وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ. وَفِي جَمْعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ لِيَشْمَلَ وَأَفَادَ مَفْهُومُهُ قَضَاءَ كُلِّ الشَّهْرِ فِي غَيْرِ الْمُسْتَوْعَبِ فِيهِمَا أَيْ الْعَارِضِ وَالْأَصْلِيِّ قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَخَصَّ الْقَضَاءَ بِالْعَارِضِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَ أَصْحَابِنَا. وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَا عَنْ مُحَمَّدٍ قِيَاسٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ الْقَضَاءِ يَعْنِي لِمَا مَضَى فِي الْأَصْلِيِّ، وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْمَاضِي مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ لَيْسَ عَلَى الْمَجْنُونِ الْأَصْلِيِّ قَضَاءُ مَا مَضَى فِي الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ) هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِهَا وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَدَمَهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَوْ السَّنَةِ صَحَّ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الْحَاضِرَةَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: هَذِهِ السَّنَةُ فَيَخْرُجُ مَا لَوْ نَكَّرَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فَإِذَا عَرَّفَهَا وَأَشَارَ إلَيْهَا فَقَالَ هَذِهِ السَّنَةَ لَزِمَهُ سَوَاءً أَرَادَهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: صَوْمَ يَوْمٍ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ سَنَةٍ أَوْ أَرَادَ كَلَامًا غَيْرَهُ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ النَّذْرُ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّ هَزْلَ النَّذْرِ كَالْجِدِّ وَيُفْطِرُ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّةِ وَيَقْضِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَالَتْهُ قَضَتْ مَعَ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامَ حَيْضِهَا، وَهَذَا إذَا نَذَرَ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ قَالَهُ فِي شَوَّالٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَلْ صِيَامُ مَا بَقِيَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ تَسْهِيَةِ الْغَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رَدَّهُ الْكَمَالُ وَأَمَّا إذَا نَكَّرَ السَّنَةَ وَذَكَرَ التَّتَابُعَ فَهِيَ كَالْمُعَرَّفَةِ فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ لَا يُجْزِئُهُ صَوْمُ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَقْضِي خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الْمُنَكَّرَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ اسْمٌ لِأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ قَدْرِ السَّنَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ الْأَيَّامُ الْمَنْهِيَّةُ، وَلَا رَمَضَانُ بَلْ يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِهَا قَدْرُ السَّنَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَقَدْ أَدَّاهَا نَاقِصَةً فَلَا تُجْزِئُهُ عَنْ الْكَامِلَةِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رَمَضَانَ فَيَقْضِي قَدْرَهُ بِخِلَافِ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي النَّذْرِ وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ فِي الْفُصُولِ الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ أَفْطَرَهَا) أَيْ وَجَبَ فِطْرُ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَامَهَا أَجْزَأَهُ) أَيْ مَعَ ارْتِكَابِ الْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَانَ نَذْرًا فَقَطْ) أَيْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرَ بَلْ الْقَضَاءُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُمَا) كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ نَذْرًا (قَوْلُهُ أَوْ الْيَمِينُ بِلَا نَفْيِ النَّذْرِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ

[باب الاعتكاف]

الْقَضَاءُ لِلنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةُ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ وَيَمِينٌ بِمُوجِبِهِ وَهَاهُنَا إشْكَالٌ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هَاهُنَا. (نُدِبَ تَفْرِيقُ صَوْمِ السِّتَّةِ فِي شَوَّالٍ) يَعْنِي أَنَّ صَوْمَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ بَعْدَ الْإِفْطَارِ مُتَتَابِعَةً مِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ وَهُوَ مَالِكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكْرَهْهُ، وَإِنْ فَرَّقَهَا فِي شَوَّالٍ فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالنَّصَارَى كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مُتَتَابِعًا فَأَفْطَرَ يَوْمًا يَسْتَقْبِلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِالْوَصْفِ (لَا فِي مُعَيَّنٍ) أَيْ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَأَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَسْتَقْبِلُ وَيَقْضِي حَتَّى لَا يَقَعَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي الْكَافِي (لَا يَخْتَصُّ نَذْرٌ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَدِرْهَمٍ وَفَقِيرٍ) أَمَّا الزَّمَانُ فَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبًا أَوْ أَعْتَكِفَ رَجَبًا فَصَامَ أَوْ اعْتَكَفَ شَهْرًا قَبْلَهُ أَوْ ذَكَرَ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَازَ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا غَدًا فَتَصَدَّقَ بِهِ الْيَوْمَ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الْمَكَانُ فَإِنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَعْتَكِفَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِمَكَّةَ فَفَعَلَ فِي غَيْرِهَا جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَأَمَّا الدِّرْهَمُ وَالْفَقِيرُ فَأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ (بِخِلَافِ) النَّذْرِ (الْمُعَلَّقِ) يَعْنِي لَوْ قَالَ إنْ جَاءَ فُلَانٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ أَوْ أَصُومَ أَوْ أُصَلِّيَ أَوْ أَعْتَكِفَ فَفَعَلَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّذْرَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ وَالدَّاخِلُ تَحْتَ النَّذْرِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ، وَهُوَ أَصْلُ التَّصَدُّقِ دُونَ التَّعْيِينِ فَبَطَلَ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ سَبَبًا فَلَمْ يَجُزْ التَّعْجِيلُ قَبْلَهُ. (نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ فَدَخَلَ) رَجَبٌ (وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَسْتَطِيعُهُ) أَيْ الصَّوْمَ (إلَّا بِضَرَرٍ أَفْطَرَ وَقَضَى كَرَمَضَانَ) أَيْ بِوَصْلٍ أَوْ بِفَصْلٍ. [بَابُ الِاعْتِكَافِ] [أَقَلّ الِاعْتِكَاف] (بَابُ الِاعْتِكَافِ) (هُوَ) لُغَةً اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ وَشَرْعًا (لُبْثُ رَجُلٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي بَيْتِهَا بِنِيَّتِهِ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ يَمِينًا وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. . . إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّنَةِ الْمُنَكَّرَةِ الْمَشْرُوطِ تَتَابُعُهَا مِنْ حَيْثُ عَدَمُ بُطْلَانِ تَتَابُعِهَا بِإِفْطَارِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَبُطْلَانُ تَتَابُعِ الشَّهْرِ الْمُنَكَّرِ بِإِفْطَارِهَا لِإِمْكَانِ صَوْمِ شَهْرٍ خَالٍ عَنْ أَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ بِخِلَافِ السَّنَةِ (بَابُ الِاعْتِكَافِ) (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً: اللُّبْثُ وَالدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ) أَقُولُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَكَفَ مُتَعَدٍّ فَمَصْدَرُهُ الْعَكْفُ وَلَازِمٌ وَمَصْدَرُهُ الْعُكُوفُ فَالْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى الْحَبْسِ وَالْمَنْعِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا} [الفتح: 25] وَمِنْهُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ حَبْسُ النَّفْسِ وَمَنْعُهُ، وَاللَّازِمُ الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ بِطَرِيقِ الْمُوَاظَبَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا لُبْثُ رَجُلٍ. . . إلَخْ) اللُّبْثُ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَتَخْصِيصُ الْمُصَنِّفِ الرَّجُلَ بِالْمَسْجِدِ وَالْمَرْأَةَ بِالْبَيْتِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْمَسْجِدِ صَحَّ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ فِي الْفَتْحِ وَمَسْجِدُ الْبَيْتِ الْمَحَلُّ الَّذِي أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ) أَيْ هُوَ شَرْطٌ لِاعْتِكَافِ الرِّجَالِ، وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ بِجَمَاعَةٍ كَمَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ وَجْهُ الْمُخْتَارَةِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِصَاصِهِ بِمَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقَالَا يَجُوزُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لَهُ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَقِيلَ أَرَادَ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ غَيْرَ الْجَامِعِ أَمَّا فِي الْجَامِعِ فَيَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُصَلَّ فِيهِ الْخَمْسُ كُلُّهَا بِجَمَاعَةٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلُ يَجُوزُ ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ الْجَامِعِ ثُمَّ كُلِّ مَكَان أَيْ مَسْجِدٍ أَهْلُهُ أَكْثَرُ وَأَوْفَرُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْجَامِعُ قِيلَ: إنَّمَا يَكُونُ أَفْضَلَ إذَا كَانَ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي مَسْجِدِهِ كَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَنْذُورِ) أَقُولُ وَالنَّذْرُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّسَانِ، وَلَوْ نَذَرَ بِقَلْبِهِ لَا يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ عَمَلُ اللِّسَانِ وَالنِّيَّةُ الْمَشْرُوعَةُ انْبِعَاثُ الْقَلْبِ عَلَى شَأْنٍ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ) أَيْ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ مَلَامَةِ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدٍ إذَا أَتَى بِهِ بَعْضٌ مِنْهُمْ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَأَمَّا اعْتِكَافُ الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَكَفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ إنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَك يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَاعْتَكِفْ الْعَشْرَ الْأُخَرَ، وَعَنْ هَذَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي لَيْلَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَوَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ

الْأَخِيرَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَمُسْتَحَبٌّ فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ (وَالصَّوْمُ شَرْطُ الصِّحَّةِ الْأَوَّلُ) يَعْنِي الْوَاجِبَ (لَا لِلثَّالِثِ) يَعْنِي الْمُسْتَحَبُّ (فَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ الْمُسْتَحَبِّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَمُخْتَارُهُمَا (سَاعَةٌ) وَلَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُعَيَّنٌ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَنَوَى الِاعْتِكَافَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ مَبْنَى النَّفْلِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ (وَقِيلَ) الصَّوْمُ (شَرْطٌ فِيهِ أَيْضًا) ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (فَأَقَلُّهُ يَوْمٌ فَمَنْ قَطَعَهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْيَوْمِ (يَقْضِي) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ قَصْدًا وَأَبْطَلَهُ (لَا يَخْرُجُ) مِنْ الْمَسْجِدِ (إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا (أَوْ جُمُعَةٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ حَاجَاتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهَا ضَرُورَةً (وَقْتَ الزَّوَالِ) إنْ كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ (وَمَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ فَوَقْتَ يُدْرِكُهَا) أَيْ الْجُمُعَةَ يَعْنِي لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الشَّمْسِ بَلْ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجَامِعِ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً (وَ) بَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا (يُصَلِّي السُّنَنَ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسِتًّا عِنْدَهُمَا وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا (وَلَا يَفْسُدُ بِمُكْثِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ) وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ فَلَا يُدْرَى أَيَّةُ لَيْلَةٍ هِيَ وَقَدْ تَقَدَّمُ، وَقَدْ تَتَأَخَّرُ، وَعِنْدَهُمَا كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ لَا تَقَدَّمُ، وَلَا تَتَأَخَّرُ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي الْمَنْظُومَةِ وَالشُّرُوحِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَنَّهَا تَدُورُ فِي السَّنَةِ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ فَجَعَلَ ذَلِكَ رِوَايَةً وَثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَإِنْ قَالَهُ قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ عَتَقَ وَطَلُقَتْ إذَا انْسَلَخَ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ لَيْلَةٍ مِنْهُ فَصَاعِدًا لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ الْعَامَ الْقَابِلَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا إذَا جَاءَ مِثْلُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ الْآتِي، وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهَا مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ لِشُهْرَتِهَا فَأَوْرَدْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ تَتْمِيمًا لِأَمْرِ الْكِتَابِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَ: هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيلَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَقِيلَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَمِنْ عَلَامَاتِهَا أَنَّهَا بَلْجَةٌ سَاكِنَةٌ لَا حَارَّةٌ، وَلَا قَارَّةٌ تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا بِلَا شُعَاعٍ كَأَنَّهَا طَسْتٌ كَذَا قَالُوا، وَإِنَّمَا أُخْفِيَتْ لِيُجْتَهَدَ فِي طَلَبِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ فِيمَا سِوَاهُ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْسِيمِهِ الِاعْتِكَافَ إلَى الثَّلَاثَةِ الْأَقْسَامِ هُوَ الْحَقُّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ وَابْنُ الْمَلِكِ لَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ أَنَّ فِيهِ تَفْرِيغَ الْقَلْبِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْمَوْلَى وَمُلَازَمَةَ عِبَادَتِهِ وَبَيْتِهِ وَالتَّحَصُّنَ بِحِصْنِهِ قَالَ عَطَاءٌ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ: مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ مَثَلُ رَجُلٍ يَخْتَلِفُ عَلَى بَابِ عَظِيمٍ لِحَاجَةٍ فَالْمُعْتَكِفُ يَقُولُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى يُغْفَرَ لِي فَهُوَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ إذَا كَانَ عَنْ إخْلَاصٍ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْأَوَّلِ) أَقُولُ وَذَلِكَ رِوَايَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِلِاعْتِكَافِ مِنْ ابْتِدَائِهِ فَإِذَا شَرَعَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ عَلَيَّ اعْتِكَافُ هَذَا الْيَوْمِ لَا اعْتِكَافَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّوْمِ وَإِذَا وَجَبَ الِاعْتِكَافُ وَجَبَ الصَّوْمُ وَالصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ انْعَقَدَ تَطَوُّعًا فَتَعَذَّرَ جَعْلُهُ وَاجِبًا، وَهَذَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ نَذَرَهُ قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَيْهِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَصُومَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَظَاهِرُ صَنِيعِ ابْنِ وَهْبَانَ رُجْحَانُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَالظَّاهِرُ رُجْحَانُ قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْوَجْهُ لَهُ اهـ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ النِّيَّةُ وَالْمَسْجِدُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا يَخْتَصَّانِ بِالْوَاجِبِ وَأَمَّا الْمُكْثُ فَهُوَ الرُّكْنُ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْجَنَابَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْحِلِّ لَا لِلصِّحَّةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَيَخْرُجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) وَالِاغْتِسَالِ لِلْجَنَابَةِ إذَا احْتَلَمَ كَمَا فِي النَّهْرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بَيْتَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ إلَى الْبَعِيدِ فَإِنْ مَضَى بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ بَيْتُ صَدِيقٍ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ سُنَّةً) اقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى الْكَافِي وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَفُوتُهُ أَيْ الْخُطْبَةُ لَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْجَامِعَ فَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُهَا أَيْ الْخُطْبَةُ وَيُصَلِّي قَبْلَهَا أَرْبَعًا، وَفِي رِوَايَةٍ سِتًّا الْأَرْبَعُ سُنَّةٌ وَرَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَالرَّكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ

الْمُفْسِدَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا الْمُكْثُ فِيهِ لَكِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّهُ فِي مَسْجِدَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَإِنْ خَرَجَ) مِنْ الْمَسْجِدِ (سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِي اللُّبْثَ وَمَا يُنَافِي الشَّيْءَ يَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ لِلطَّهَارَةِ وَقَالَ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ (وَخُصَّ بِأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ فِيهِ) يَعْنِي يَفْعَلُ الْمُعْتَكِفُ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِ. (وَ) لَكِنَّ (كُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ فِيهِ) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ (وَالصَّمْتُ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ وَسُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ فَقَالَ: أَنْ تَصُومَ، وَلَا تُكَلِّمَ أَحَدًا قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ هَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةٌ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَمَتَ نَجَا» رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ غَيْرُ الْمُعْتَكِفِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إلَّا بِخَيْرٍ فَمَا ظَنُّكَ بِالْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ. (وَيُبْطِلُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافَ (الْوَطْءُ فِي فَرْجٍ) فِي الْمَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا، وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ كَوْنِ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ كَمَا يُعْرَفُ تَخْمِينًا لَا قَطْعًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأُ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحِرْزُ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتِمَّهَا) تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ. وَفِي الْكَافِي بِتَذْكِيرِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلِاعْتِكَافِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْإِتْمَامُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ وَنَصَّ فِي الْمُبْتَغَى وَالْمُحِيطِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَسْجِدِ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ إلَى نَفْسِ بَيْتِهَا فَسَدَ، وَهَذَا فِي النَّذْرِ أَمَّا النَّفَلُ فَيَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ (قَوْلُهُ سَاعَةً) أَيْ، وَلَوْ نَاسِيًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْعُذْرِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ نَحْوِ الْجُمُعَةِ وَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَقِيَ أَعْذَارٌ أُخَرُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَحْبَبْت ذِكْرَهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ مَا إذَا خَرَجَ لِانْهِدَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ كَرْهًا فَدَخَلَ آخَرَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ اسْتِحْسَانًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى وَالْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ أَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُهُ لِعَدَمِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ كَرْهًا أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَايِرِينَ فَخَرَجَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ اهـ. وَنَقَلَ الْكَمَالُ خِلَافَهُ حَتَّى فِي الْخُرُوجِ لِلْجِنَازَةِ إنْ تَعَيَّنَتْ، وَكَذَا لِإِنْقَاذِ حَرِيقٍ أَوْ غَرِيقٍ أَوْ جِهَادٍ عُمِّمَ نَفِيرُهُ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ، وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُ أَيْ فِي الْوَاجِبِ وَبِالْأَوْلَى فِي غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي شَرْحِ الصَّوْمِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ الْمُعْتَكِفُ يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ آخَرُ فَيَتَوَلَّى حَقَّهُ اهـ. أَقُولُ وَبِمِثْلِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَحَكَمَ بِعَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَعَلَى هَذَا الْجِنَازَةُ إذَا تَعَيَّنَتْ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَخْرُجْ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ) أَقُولُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ أَوْسَعُ وَقَوْلُهُ أَيْ الْإِمَامِ أَقْيَسُ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ الْإِمَامِ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُمَا الِاسْتِحْسَانُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ قَالَ وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّعِبِ وَاللَّهْوِ أَوْ الْقِمَارِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ أَنَّهُ يَفْسُدُ، وَلَا يَتِمُّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِحْسَانُ وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ هَذَا فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا فِي النَّفْلِ فَلَا يُفْسِدُهُ الْخُرُوجُ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ يَعْنِي فَيَنْتَهِي بِالْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ أَوْ لِعِيَالِهِ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ أَرَادَ بِهِ الطَّعَامَ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَهُ مَتْجَرًا فَيُكْرَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ صَوْمِ الصَّمْتِ» أَقُولُ وَقَالُوا: إنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ لَعَنَهُمْ اللَّهُ (قَوْلُهُ هَذَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّمْتَ قُرْبَةً. . . إلَخْ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ لَمْ يَبْقَ قُرْبَةً فِي شَرِيعَتِنَا لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا مَا لَا إثْمَ فِيهِ فَشَمِلَ الْمُبَاحَ وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ مَا فِيهِ إثْمٌ. وَقَالَ فِي الْكَافِي يَتَحَدَّثُ أَيْ الْمُعْتَكِفُ بِمَا بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْثَمًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَحَدَّثُ مَعَ النَّاسِ فِي اعْتِكَافِهِ اهـ. . وَفِي النَّهْرِ

[مبطلات الاعتكاف]

أَوْ خَارِجَهُ (وَلَوْ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ (أَوْ نَاسِيًا) ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْعَاكِفِينَ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ. (وَ) يَبْطُلُ بِالْوَطْءِ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْفَرْجِ (إنْ أَنْزَلَ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ حَتَّى يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ كَمَا لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ (كَذَا الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ) يَعْنِي أَنَّهُ إنْ أَنْزَلَ بِهِمَا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُمَا أَيْضًا فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ حَرُمَ الْكُلُّ) لِلْمُعْتَكِفِ يَعْنِي الْوَطْءَ وَالْقُبْلَةَ وَاللَّمْسَ بِلَا إنْزَالٍ؛ لِأَنَّهَا مِنْ دَوَاعِي الْوَطْءِ. (نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ بِلَيَالِيِهَا) ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ اللَّيَالِيَ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ أَيَّامٍ، وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا (وِلَاءً) أَيْ مُتَتَابِعَةً (وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) التَّتَابُعَ. (وَفِي) نَذْرِ اعْتِكَافِ (يَوْمَيْنِ) لَزِمَهُ (بِلَيْلَتَيْهِمَا) ؛ لِأَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الْجَمْعِ فَيُلْحَقُ بِهِ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَةِ (وَصَحَّ) فِي الصُّورَتَيْنِ (نِيَّةُ النَّهَارِ خَاصَّةً) ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْحَقِيقَةَ. (نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ فَصَامَهُ) أَيْ رَمَضَانَ (بِدُونِهِ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (وَجَبَ قَضَاؤُهُ) أَيْ الِاعْتِكَافِ (بِصَوْمٍ قَصْدِيٍّ) حَتَّى لَوْ تَرَكَهُمَا مَعًا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالِاعْتِكَافِ فِي قَضَاءِ هَذَا الصَّوْمِ لِبَقَاءِ الِاتِّصَالِ بِصَوْمِ الشَّهْرِ حُكْمًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِصَوْمٍ مَقْصُودٍ لِعَوْدِ شَرْطِ الِاعْتِكَافِ، وَهُوَ الصَّوْمُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِالصَّوْمِ» إلَى الْكَمَالِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ أَنْ يَجِبَ مُسْتَقِلًّا مَقْصُودًا بِالنَّذْرِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِكَافِ. (كِتَابُ الْحَجِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِمَا لَا إثْمَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُبَاحَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ خَيْرٌ لَا عِنْدَ عَدَمِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ الْوِتْرِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمَسْجِدِ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ اهـ. قُلْت: وَإِلَيْهِ يُشِيرُ اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلْعِبَادِ عَنْ الْكَلَامِ الْمُبَاحِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا جَلَسَ ابْتِدَاءً لِلْحَدِيثِ [مُبْطِلَات الِاعْتِكَاف] (قَوْلُهُ أَوْ نَاسِيًا) هُوَ الْأَصَحُّ وَيُفْسِدُهُ الشَّافِعِيُّ بِالْوَطْءِ نَاسِيًا؛ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا اعْتِبَارًا لَهُ بِالصَّوْمِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَ نَهَارًا نَاسِيًا فَلَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ لِبَقَاءِ الصَّوْمِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الِاعْتِكَافِ وَهُوَ مَانِعٌ عَنْهُ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ السَّهْوُ وَالْعَمْدُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْجِمَاعِ وَالْخُرُوجِ وَمَا كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ مَا مُنِعَ عَنْهُ لِأَجْلِ الصَّوْمِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالنَّهَارُ وَاللَّيْلُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ كَذَا الْقُبْلَةُ وَاللَّمْسُ إنْ أَنْزَلَ بِهِمَا) أَقُولُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَنْزَلَ بِإِدَامَةِ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ خِلَافًا لِمَالِكٍ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ، وَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِالسِّبَابِ وَالْجِدَالِ وَالسُّكْرِ لَيْلًا وَيُفْسِدُهُ الرِّدَّةُ وَالْإِغْمَاءُ إذَا دَامَ أَيَّامًا، وَكَذَا الْجُنُونُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَرُمَ الْكُلُّ) أَقُولُ، وَكَذَا يَحْرُمُ دَوَاعِي الْوَطْءِ مِنْ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ لَمْ تَحْرُمْ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَحَالَةِ الْحَيْضِ كَمَا حَرُمَ الْوَطْءُ قُلْت؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَيْضَ يَكْثُرُ وُجُودُهُمَا فَلَوْ حَرُمَ الدَّوَاعِي فِيهِمَا لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ وَذَلِكَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ لَزِمَهُ بِلَيَالِيِهَا) أَقُولُ، وَكَذَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيَالٍ لَزِمَتْهُ بِأَيَّامِهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ يَنْتَظِمُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الْعَدَدِ الْآخَرِ لِقِصَّةِ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّتَابُعَ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ وَبِهَا قَالَ زُفَرُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ فِي الصُّورَتَيْنِ نِيَّةُ النَّهَارِ خَاصَّةً) قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى بِالْأَيَّامِ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً حَيْثُ لَمْ تَعْمَلْ نِيَّتُهُ وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي وَالنُّهُرُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ كَمَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا وَنَوَى الشَّهْرَ خَاصَّةً أَوْ اللَّيَالِيَ خَاصَّةً لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُقَدَّرٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي فَلَا يَحْتَمِلُ مَا دُونَهُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ وَيَقُولَ شَهْرًا بِالنُّهُرِ أَوْ يَسْتَثْنِيَ وَيَقُولَ إلَّا اللَّيَالِيَ فَيَخْتَصُّ بِالنُّهُرِ (قَوْلُهُ نَذَرَ اعْتِكَافَ رَمَضَانَ. . . إلَخْ) ظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِي رَمَضَانَ مُعَيَّنٍ فَإِنْ أَطْلَقَهُ فَعَلَيْهِ فِي أَيِّ رَمَضَانَ شَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ بِصَوْمٍ قَصْدِيٍّ) أَقُولُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بِاتِّفَاقِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (تَتِمَّةٌ) لَوْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ الْإِيجَابِ وَلَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّ ثُمَّ مَاتَ يُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ إنْ أَوْصَى؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ أَدَائِهِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِالْإِطْعَامِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ عَيَّنَ شَهْرًا لِلِاعْتِكَافِ فَعَجَّلَ قَبْلَهُ صَحَّ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي يَوْمٍ فَصَلَّاهَا قَبْلَهُ، وَكَذَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ سَنَةَ كَذَا فَحَجَّ سَنَةً قَبْلَهَا صَحَّ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ [كِتَابُ الْحَجِّ] (كِتَابُ الْحَجِّ) الْحَجُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَبِهِمَا قُرِئَ فِي التَّنْزِيلِ

أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ الْعِبَادَاتِ الْجَامِعُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ (وَهُوَ) لُغَةً: الْقَصْدُ وَشَرْعًا (زِيَارَةُ مَكَان مَخْصُوصٍ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ بِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ) وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فُرِضَ مَرَّةً) ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] لَمَّا نَزَلَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ حُجُّوا فَقَالُوا أَنَحُجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَمْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ فَقَالَ لَا بَلْ مَرَّةً» وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْبَيْتُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَلَا تَعَدُّدَ لَهُ (بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَقْتُ الْحَجِّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ يُسَمَّى مُشْكِلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ جِهَةَ الْمِعْيَارِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً، وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ أَصْلًا كَمَا إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ بَلْ جِهَةُ الْمِعْيَارِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْفَوْرِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَكِنْ إذَا حَجَّ بِالْآخِرَةِ كَانَ أَدَاءً لَا قَضَاءً، وَجِهَةُ الظَّرْفِيَّةِ رَاجِحَةٌ عِنْدَ الْقَائِلِ بِخِلَافِهِ حَتَّى إذَا أَدَّاهُ بَعْدَ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ لَكِنْ لَوْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَثِمَ عِنْدَهُ أَيْضًا (عَلَى حُرٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فُرِضَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رَابِعُ الْعِبَادَاتِ) أَيْ مِنْ الْفُرُوعِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ وَهُوَ إنْ كَانَ خَامِسًا كَمَا عُدَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَتَكَلَّمْ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْإِيمَانِ أَسْقَطُوهُ فَعُدَّ الْحَجُّ رَابِعًا (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا مُطْلَقُ الْقَصْدِ كَمَا ظَنَّهُ الشَّارِحُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ الْقَصْدُ إلَى مُعَظَّمٍ لَا الْقَصْدُ الْمُطْلَقُ اهـ. وَعَنْ الْخَلِيلِ هُوَ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا: زِيَارَةُ مَكَان. . . إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ قَصْدُ مَكَان. . . إلَخْ لِيَتَضَمَّنَ الشَّرْعِيُّ اللُّغَوِيَّ مَعَ زِيَادَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الزِّيَارَةُ تَتَضَمَّنُ الْقَصْدَ وَأَرَادَ بِالْمَكَانِ جِنْسَهُ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا هُوَ زِيَارَةُ بِقَاعٍ مَخْصُوصَةٍ اهـ فَعَمَّ الرُّكْنَيْنِ وَغَيْرَهُمَا كَمُزْدَلِفَةَ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْبَيْتُ) الْمُرَادُ السَّبَبُ الظَّاهِرِيُّ وَهُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ وَأَمَّا سَبَبُهُ الْخَفِيُّ فَهُوَ خِطَابُ الْأَزَلِيِّ أَوْ تَرَادُفُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ خِدْمَةُ مَوْلَاهُ وَلُزُومُ حَضْرَةِ بَابِهِ فَلَمَّا أَضَافَ الْبَيْتَ إلَى نَفْسِهِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَإِعْظَامًا لِقَدْرِهِ وَجَبَ عَلَى عَبِيدِهِ زِيَارَتُهُ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ فِنَائِهِ وَسَبَبُ التَّفْرِيعِ عَنْ الذِّمَّةِ الْأَمْرُ (قَوْلُهُ بِالْفَوْرِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَفِي الْعُمُرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ بِالْمَوْتِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ فِعْلُهُ قَضَاءً) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَمَنْ قَالَ بِالْفَوْرِ يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ يَكُونُ آثِمًا وَأَيْضًا لَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ فِعْلَهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ يَكُونُ قَضَاءً كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنَّ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَالَ بِالتَّرَاخِي لَا يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ أَخَّرَهُ عَنْ الْعَامِ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ زِيَادَةُ لَامِ الْأَلْفِ مِنْ لَا يَقُولُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِثْمِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَاتَّفَقَ عَلَى زَوَالِهِ بِالْحَجِّ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً وَذَكَرَ فِي الْمُبْتَغَى أَنَّ مَنْ فَرَّطَ وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَتْلَفَ مَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَحُجَّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى قَضَائِهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ قَالُوا يُرْجَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ آثِمًا اهـ. وَقَيَّدَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِمَا إذَا كَانَ مِنْ نِيَّتِهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ إذَا قَدَرَ اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى حُرٍّ. . . إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْحَجِّ، وَهِيَ شَرَائِطُ أَدَاءً وَشَرَائِطُ صِحَّةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهَا فَنَقُولُ: شَرَائِطُ الْوُجُوبِ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ: الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْوَقْتُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ، وَلَوْ بِمَكَّةَ بِنَفَقَةٍ وَسَطٍ وَالْقُدْرَةُ عَلَى رَاحِلَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِهِ أَوْ عَلَى شِقِّ مَحْمَلٍ بِالْمِلْكِ أَوْ الْإِجَارَةِ لَا الْإِبَاحَةِ وَالْإِعَارَةِ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ قَوِيًّا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ بِالْقَدَمِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِدُونِ الرَّاحِلَةِ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَآلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ كَالْكُتُبِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمَسْكَنِ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهُ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَالْحَجُّ بِالْبَاقِي لَكِنْ إنْ فَعَلَ وَحَجَّ كَانَ أَفْضَلَ، وَالثَّامِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْحَجِّ فَرْضًا كَذَا ذَكَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ مِنْ شَرَطِ فَرْضِيَّتِهِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ لِمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْكَوْنِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَخَمْسَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَزَوَالُ الْمَوَانِعِ الْحِسِّيَّةِ عَنْ الذَّهَابِ لِلْحَجِّ وَأَمْنُ الطَّرِيقِ وَعَدَمُ قِيَامِ الْعِدَّةِ وَخُرُوجُ مَحْرَمٍ، وَلَوْ مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ أَوْ رَقِيقٍ مَأْمُونٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ غَيْرِ مَجُوسِيٍّ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي سَفَرٍ وَالْمُعْتَبَرُ غَلَبَةُ السَّلَامَةِ فِي الطَّرِيقِ بَرًّا وَبَحْرًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَسَيْحُونُ وَجَيْحُونُ وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ أَنْهَارٌ لَا بِحَارٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ فِي الزَّوْجِ شُرُوطَ الْمَحْرَمِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَحْرَمِ الْحِفْظُ وَالصِّيَانَةُ فَكَذَا فِي الزَّوْجِ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا مَأْمُونًا اهـ. وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتُهُ إذَا أَبَى أَنْ يَحُجَّ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَخْرُجْ

[أركان الحج]

(مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ صَحِيحٍ بَصِيرٍ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ فَضْلًا) أَيْ زَائِدًا (عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ) كَالسُّكْنَى وَالْخَادِمِ وَأَثَاثِ الْبَيْتِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَعَنْ نَفَقَةِ عِيَالِهِ إلَى عَوْدِهِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ لَا تَثْبُتُ دُونَهُ (وَمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لِامْرَأَةٍ فِي مَسِيرَةِ سَفَرٍ) الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (فَلَوْ أَحْرَمَ صَبِيٌّ فَبَلَغَ أَوْ عَبْدٌ فَعَتَقَ فَمَضَى لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُهُمَا) ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُمَا انْعَقَدَ لِأَدَاءِ النَّفْلِ فَلَا يَنْقَلِبُ لِأَدَاءِ الْفَرْضِ (وَتَجْدِيدُ) الصَّبِيِّ (الْبَالِغِ إحْرَامُهُ لِلْفَرْضِ قَبْلَ وُقُوفِهِ مُسْقِطٌ) لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ (لَا الْعِتْقُ) فَإِنَّ تَجْدِيدَهُ غَيْرُ مُسْقِطٍ لَهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ الصَّبِيِّ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِحْرَامُ الْعَبْدِ لَازِمٌ فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ. (وَفَرْضُهُ الْإِحْرَامُ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ) فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْحَجُّ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَالْأَوَّلُ شَرْطٌ كَالتَّحْرِيمَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْبَاقِيَانِ رُكْنَانِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ أَيْضًا رُكْنٌ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ جَازَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ. (وَوَاجِبُهُ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ) وَيُسَمَّى جَمْعًا أَيْضًا سُمِّيَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اجْتَمَعَ فِيهَا مَعَ حَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا أَيْ دَنَا (وَالسَّعْيُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ وَطَوَافُ الصَّدَرِ لِلْآفَاقِيِّ وَالْحَلْقُ) وَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا جَازَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ (وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ) وَسَيَجِيءُ تَقْرِيرُ الْكُلِّ فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا (وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ فَكُرِهَ) يَعْنِي إذَا كَانَ هَذِهِ أَشْهُرُهُ كُرِهَ (الْإِحْرَامُ لَهُ) أَيْ لِلْحَجِّ (قَبْلَهَا وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَجَازَتْ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَكُرِهَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهُ) لِكَوْنِهَا أَوْقَاتَ الْحَجِّ وَتَوَابِعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَحْرَمُ بِنَفَقَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَجُّ لَا إحْجَاجُ غَيْرِهَا وَقَالَ الْقُدُورِيُّ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ حَجِّهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَمْنُ الطَّرِيقِ وَالْمَحْرَمُ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْأَصَحِّ لَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فَيَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِالْحَجِّ وَنَفَقَةِ الْمَحْرَمِ وَرَاحِلَتِهِ إذَا أَبَى إلَّا بِهِمَا وَالتَّزَوُّجُ عَلَيْهَا لِلْحَجِّ بِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ اهـ. قُلْت وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ بَلْ هِيَ كَذَلِكَ فِي شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ [أَرْكَان الْحَجّ] (قَوْلُهُ فَإِذَا فَاتَ وَاحِدٌ مِنْهَا بَطَلَ الْحَجُّ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا فَاتَ الْإِحْرَامُ لَا يُقَالُ بَطَلَ الْحَجُّ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فَرْعٌ عَنْ التَّلَبُّسِ بِالشَّيْءِ وَثَانِيًا أَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَفُوتُ فَلَا يُقَالُ يَجِبُ بِتَرْكِهِ الْقَضَاءُ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ، وَثَالِثًا أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ بِأَكْثَرِهِ، وَرَابِعًا أَنَّهُ إذَا بَطَلَ الْحَجُّ لَا يَتَقَيَّدُ الْقَضَاءُ بِالْعَامِ الْقَابِلِ. [وَاجِبَات الْحَجّ] (قَوْلُهُ وَغَيْرُهَا سُنَنٌ وَآدَابٌ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ بَقِيَ وَاجِبَاتٌ أُخْرَى إنْشَاءُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَمَدُّ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ وَكَوْنُ السَّعْيِ بَعْدَ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ وَبُدَاءَةُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عَلَى مَا قِيلَ، وَسَنَذْكُرُهُ وَالتَّيَامُنُ فِيهِ وَالْمَشْيُ فِيهِ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ وَالطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثَيْنِ وَسَتْرَهُ الْعَوْرَةِ وَأَقَلُّ الْأَشْوَاطِ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَبُدَاءَةِ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَإِذَا ابْتَدَأَ مِنْ الْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَيَجِبُ الْمَشْيُ فِي السَّعْيِ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ وَذَبْحُ الشَّاةِ لِلْقَارِنِ أَوْ الْمُتَمَتِّعِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْ الطَّوْفِ لِكُلِّ أُسْبُوعٍ وَتَقْدِيمُ الرَّمْيِ عَلَى الْحَلْقِ وَنَحْرُ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ بَيْنَهُمَا وَتَوْقِيتُ إلْحَاقٍ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ فِي أَيَّامٍ النَّحْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ قُلْت وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْمَحْظُورِ كَالْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ. [الْمِيقَات الزَّمَانِيّ لِلْحَجِّ] (قَوْلُهُ وَأَشْهُرُهُ شَوَّالٌ. . . إلَخْ) فَائِدَةُ التَّوْقِيتِ بِهَذِهِ الْأَشْهُرِ عَدَمُ جَوَازِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فِي غَيْرِهَا حَتَّى لَوْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَصَوْمِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الثَّلَاثَةَ فِيهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا) أَقُولُ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ (قَوْلُهُ فَكُرِهَ الْإِحْرَامُ لَهُ قَبْلَهَا) أَقُولُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ أَوْ لَا وَهُوَ الْحَقُّ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فِي الْأَشْهُرِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَإِنَّمَا كُرِهَ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الرُّكْنَ فَيُرَاعَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الشَّبَهِ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَ رُكْنًا حَقِيقَةً لَمْ يَصِحَّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا كَانَ شَبِيهًا بِهِ كُرِهَ قَبْلَهَا لِشَبَهِهِ وَقُرْبِهِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلِشَبَهِ الرُّكْنِ لَمْ يَجُزْ لِفَائِتِ الْحَجِّ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لِيَقْتَضِيَ بِهِ مِنْ قَابِلٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَالْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ وَقِيلَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ وَقِيلَ: وَاجِبَةٌ لَا فَرْضُ عَيْنٍ وَأَرْبَعَةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ طَوَافٌ وَسَعْيٌ) أَقُولُ مُعْظَمُ الطَّوَافِ رُكْنُهَا وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ فِيهَا كَمَا هُوَ فِي الْحَجِّ، وَكَذَا الْحَلْقُ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ: إنَّ الْحَلْقَ شَرْطُ الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَا أَنَّ الْإِحْرَامَ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَكُرِهَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَرْبَعَةً بَعْدَهُ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ لِلْحَجِّ أَوْ مُرِيدِ الْحَجِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا يُكْرَهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنْ أَهَلَّ بِهَا فِي الْأَيَّامِ

[مواقيت الإحرام]

(مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ) أَيْ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يَتَجَاوَزُهَا الْإِنْسَانُ إلَّا مُحْرِمًا (ذُو الْحُلَيْفَةِ) لِلْمَدَنِيِّ (وَذَاتُ عِرْقٍ) لِلْعِرَاقِ (وَجُحْفَةُ) لِلشَّامِيِّ (وَقَرْنٌ) فِي الْمُغْرِبِ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفِي الصِّحَاحِ بِفَتْحِهَا لِلنَّجْدِيِّ (وَيَلَمْلَمُ) لِلْيَمَنِيِّ (لِأَهْلِهَا) أَيْ لِأَهْلِ هَذِهِ الْمَوْضِعِ (وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) مِنْ أَهْلِ خَارِجِهَا (وَجَازَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ (عَلَيْهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ (لَا تَأْخِيرُهُ عَنْهَا لِقَاصِدِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ (دُخُولِ مَكَّةَ وَلَوْ لِحَاجَةٍ) أَيْ لِلْحَجِّ أَوْ لِلْعُمْرَةِ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْتَ لَمَّا كَانَ مُعَظَّمًا مُشَرَّفًا جُعِلَ لَهُ حِصْنٌ، وَهُوَ مَكَّةُ وَحِمًى وَهُوَ الْحَرَمُ وَلِلْحَرَمِ حَرَمٌ وَهُوَ الْمَوَاقِيتُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِمَنْ وَصَلَ إلَيْهَا أَنْ يَتَجَاوَزَ إلَّا بِالْإِحْرَامِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْقَاصِدُ (مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ فَلَهُ) إذَا كَانَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ وَخَارِجِ مَكَّةَ فَالْمِيقَاتُ لَهُ (الْحِلُّ) الَّذِي بَيْنَ الْمَوَاقِيتِ وَبَيْنَ الْحَرَمِ (وَلِمَنْ بِمَكَّةَ لِلْحَجِّ الْحَرَمُ وَلِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ) ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي عَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلِّ فَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَمْسَةِ رَفَضَهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا صَحَّ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إمَّا فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْأَفْعَالِ الْبَاقِيَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَمِمَّا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ مِنْ الْعُمْرَةِ لِلْمَكِّيِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ وَبِهِ يُزَادُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ تُكْرَهُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ لِلْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ. [مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ] (قَوْلُهُ مَوَاقِيتُ الْإِحْرَامِ) الْمَوَاقِيتُ جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ الْوَقْتُ الْمُعَيَّنُ اُسْتُعِيرَ لِلْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ ذُو الْحُلَيْفَةِ لِلْمَدَنِيِّ) أَقُولُ فَإِنْ جَاوَزَ الْمَدَنِيُّ أَوْ مَنْ هُوَ فِي حُكْمِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ إلَى الْجُحْفَةِ فَأَحْرَمَ عِنْدَهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ يُسْتَحَبُّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِلْمَارِّ عَلَى مِيقَاتَيْنِ أَوْ بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَوَّلِهِمَا وَقِيلَ يَجِبُ اهـ.، وَالْحُلَيْفَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ عَشْرِ مَرَاحِلَ أَوْ تِسْعٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ: سَبْعَةٌ وَهُوَ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ وَبِهَذَا الْمَكَانِ آبَارٌ تُسَمِّيهِ الْعَوَامُّ آبَارَ عَلِيٍّ قِيلَ:؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَاتَلَ الْجِنَّ فِي بَعْضِهَا وَهُوَ كَذِبٌ مِنْ قَائِلِهِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَذَاتُ عِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِنْ مَكَّةَ قِيلَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَجُحْفَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهَا فِي الْأَصْلِ مَهْيَعَةُ نَزَلَ بِهَا سَيْلٌ جَحَفَ أَهْلَهَا أَيْ اسْتَأْصَلَهُمْ فَسُمِّيَتْ جُحْفَةَ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ، وَعَلَى ثَمَانِيَةِ مَرَاحِلَ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالشَّمَالِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ تَبُوكَ، وَهِيَ طَرِيقُ أَهْلِ الشَّامِ وَنَوَاحِيهَا الْيَوْمَ، وَهِيَ مِيقَاتُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَالشَّامِ قِيلَ: إنَّ الْجُحْفَةَ قَدْ ذَهَبَتْ أَعْلَامُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا رُسُومٌ خَفِيَّةٌ لَا يَكَادُ يَعْرِفُهَا إلَّا بَعْضُ سُكَّانِ تِلْكَ الْبَوَادِي فَلِذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اخْتَارَ النَّاسُ مِنْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِرَابِضٍ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهُ بِالْغَيْنِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْجُحْفَةِ بِنِصْفِ مَرْحَلَةٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَرْنٌ فِي الْمُغْرِبِ بِسُكُونِ الرَّاءِ) أَيْ وَفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ نَحْوُ مَرْحَلَتَيْنِ مِيقَاتُ أَهْلِ نَجْدٍ (قَوْلُهُ وَفِي الصِّحَاحِ بِفَتْحِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَخَطِئَ أَيْ صَاحِبُ الصِّحَاحِ بِأَنَّ الْمُحَرَّكَ اسْمُ قَبِيلَةٍ إلَيْهَا يُنْسَبُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ (قَوْلُهُ وَيَلَمْلَمُ) مَكَانٌ جَنُوبِيُّ مَكَّةَ وَهُوَ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ لِلْيَمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلِمَنْ مَرَّ بِهَا) أَقُولُ فَإِنْ كَانَ فِي بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ لَا يَمُرُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ، الْمَوَاقِيتِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَاذَى آخِرَهَا وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يُحَاذِي فَعَلَى مَرْحَلَتَيْنِ إلَى مَكَّةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ [تَقْدِيم الْإِحْرَامُ عَلَى الْمَوَاقِيتِ] (قَوْلُهُ وَجَازَ تَقْدِيمُهُ) أَيْ الْإِحْرَامُ عَلَيْهَا أَيْ الْمَوَاقِيتِ الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْحِلُّ وَإِلَّا فَالصِّحَّةُ لِلْإِحْرَامِ عَلَى الْمِيقَاتِ، وَمَحَلُّ الْجَوَازِ مَا إذَا كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَمَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ وَإِذَا انْتَفَتْ الْأَفْضَلِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِ نَفْسِهِ هَلْ يَكُونُ الثَّابِتُ الْإِبَاحَةَ أَوْ الْكَرَاهَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى) أَيْ كَالتِّجَارَةِ وَمُجَرَّدِ الرُّؤْيَةِ أَوْ لِلْقِتَالِ وَدُخُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَوْمَ الْفَتْحِ كَانَ مُخْتَصًّا بِتِلْكَ السَّاعَةِ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِقَصْدِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ) أَيْ بِأَنْ قَصَدَ الْآفَاقِيُّ مَوْضِعًا مِنْ الْحِلِّ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَخُلَيْصٍ وَجُدَّةَ فَإِذَا حَلَّ بِهِ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِجَّةٍ آفَاقِيَّةٍ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ صَارَتْ حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً فَكَانَ مُخَالِفًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاصِدُ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ. . . إلَخْ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ خَارِجَ حَدِّ الْمِيقَاتِ فَيَشْمَلُ الَّذِي فِي الْمِيقَاتِ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي نَصِّ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ فَلَهُ الْحِلُّ) أَيْ فَالْحِلُّ مِيقَاتُهُ يُحْرِمُ مِنْهُ بِمَا أَرَادَهُ مِنْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِهِ أَرْضَ الْحَرَمِ، وَإِنْ عَجَّلَهُ مِنْ دَارِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ (قَوْلُهُ وَلِمَنْ بِمَكَّةَ) أَرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ بِالْحَرَمِ لَا خُصُوصَ السَّاكِنِ بِمَكَّةَ فَلَوْ قَالَ وَلِمَنْ بِالْحَرَمِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ فِي عَرَفَاتٍ) أَقُولُ عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ

وَالْعُمْرَةُ فِي الْحَرَمِ فَإِحْرَامُهَا مِنْ الْحِلِّ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ سَفَرٍ (مَنْ أَرَادَ إحْرَامَهُ) أَيْ كَوْنَهُ مُحْرِمًا (تَوَضَّأَ، وَغُسْلُهُ أَحَبُّ وَلَبِسَ إزَارًا وَرِدَاءً طَاهِرَيْنِ وَتَطَيَّبَ وَصَلَّى شَفْعًا، وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِحَجٍّ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ثُمَّ لَبَّى يَنْوِي بِهَا الْحَجَّ وَهِيَ) أَيْ التَّلْبِيَةُ أَنْ يَقُولَ (لَبَّيْكَ) وَرَدَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَالْمُرَادُ تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَمَعْنَاهَا أَنْ أُقِيمَ فِي طَاعَتِك إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ مِنْ أَلَبَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا وَلِأَنَّ أَدَاءَ الْحَجِّ فِي عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيهَا بِأَنَّ اسْمَ الْمَوْقِفِ عَرَفَاتٌ سُمِّيَ بِجَمْعٍ كَأَذْرُعَاتٍ كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَعَرَفَةُ اسْمُ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْحِلِّ الْمَوْقِفُ لَا الْيَوْمُ وَقَوْلُ النَّاسِ نَزَلْنَا بِعَرَفَةَ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ كَذَا نَقَلَ صَاحِبُ الْإِقْلِيدِسِ عَنْ الْفَرَّاءِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ إنَّ عَرَفَةَ وَعَرَفَاتٍ جَمِيعًا عَلَمَانِ لِهَذَا الْمَكَانِ الْمَخْصُوصِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ - قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ مَنْ أَرَادَ إحْرَامَهُ) الْإِحْرَامُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ كَأَشْتَى إذْ دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْإِحْرَام مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُهْتَكُ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: الْإِحْرَامُ وَالتَّحْرِيمُ بِمَعْنًى. وَقَالَ الْكَمَالُ حَقِيقَةُ الْإِحْرَامِ الدُّخُولُ فِي الْحُرْمَةِ وَالْمُرَادُ الدُّخُولُ فِي حُرُمَاتٍ مَخْصُوصَةٍ أَيْ الْتِزَامُهَا وَالْتِزَامُهَا شَرْطُ الْحَجِّ شَرْعًا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهُ شَرْعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ مَعَ الذِّكْرِ أَوْ الْخُصُوصِيَّةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَغُسْلُهُ أَحَبُّ) هَذَا الْغُسْلُ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ فَتُؤْمَرُ بِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَإِذَا كَانَ لِلنَّظَافَةِ وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّيَمُّمُ بَدَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ وَيُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ وَيُسْتَحَبُّ كَمَالُ النَّظَافَةِ فِي الَّذِي أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْ قَصِّ الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبْطَيْنِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَجِمَاعِ أَهْلِهِ وَالدَّهْنِ، وَلَوْ مُطَيَّبًا مِنْ الْفَتْحِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَلُبْسُ إزَارٍ أَوْ رِدَاءٍ) هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ السَّاتِرُ جَائِزٌ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ طَاهِرَيْنِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ جَدِيدَيْنِ لِنَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الْجَدِيدِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَفْضَلُ الْجَدِيدُ الْأَبْيَضُ. اهـ. وَالْإِزَارُ مِنْ الْحِقْوِ أَيْ الْخَصْرِ، وَالرِّدَاءُ مِنْ الْكَتِفِ يُدْخِلُ الرِّدَاءَ تَحْتَ يَمِينِهِ وَيُلْقِيهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَيَبْقَى كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا، وَلَا يَزِرُّهُ، وَلَا يَعْقِدُهُ، وَلَا يُخَلِّلُهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: فِي حِفْظِي أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ كَشْفُ الْمَنْكِبِ إلَّا عِنْدَ الطَّوَافِ لِيَكُونَ مُضْطَبِعًا وَسَنَذْكُرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَطَافَ لِلْقُدُومِ نَقْلًا عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَتَطَيَّبَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ بَعْدُ كَالْمِسْكِ وَالْغَالِيَةِ وَكَرِهَ مُحَمَّدٌ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَسُنَّ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ قَيَّدَ بِالْبَدَنِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّطَيُّبُ فِي الثَّوْبِ مِمَّا يَبْقَى عَيْنُهُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا قَالُوا: وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: الْمَقْصُودُ مِنْ اسْتِنَانِ الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حُصُولُ الِارْتِفَاقِ بِهِ حَالَةَ الْمَنْعِ مِنْهُ فَهُوَ عَلَى مِثَالِ السُّحُورِ لِلصَّوْمِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ يَحْصُلُ بِمَا فِي الْبَدَنِ فَيُغْنِي عَنْ تَجْوِيزِهِ أَيْ تَجْوِيزِ مَا تَبْقَى عَيْنُهُ فِي الثَّوْبِ إذْ لَمْ يَقْصِدْ كَمَالَ الِارْتِفَاقِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ الشُّعْثَ التُّفْلُ، وَقَدْ قِيلَ: يَجُوزُ فِي الثَّوْبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَصَلَّى شَفْعًا) أَيْ عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ بَعْدَ اللُّبْسِ وَالتَّطَيُّبِ، وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَتُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمُفْرِدُ بِحَجٍّ اللَّهُمَّ. . . إلَخْ) كَذَا عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي فَيَسْأَلُ اللَّهَ التَّيْسِيرَ؛ لِأَنَّهُ الْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ وَيَسْأَلُ مِنْهُ التَّقَبُّلَ كَمَا سَأَلَ الْخَلِيلُ وَإِسْمَاعِيلُ بِقَوْلِهِمَا: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَكَذَا يَسْأَلُ فِي جَمِيعِ الطَّاعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلسَّدَادِ، وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا يُرِيدُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَ هَذَا الدُّعَاءِ أَيْ سُؤَالَ التَّيْسِيرِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَأَدَاؤُهَا - عَادَةً - مُتَيَسِّرٌ فَبِطَلَبِ التَّيْسِيرِ فِي الْعَسِيرِ مِنْ الْأُمُورِ لَا فِي الْيَسِيرِ مِنْهَا، وَكَذَا فِي الْكَافِي وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ، وَإِنْ ذَكَرَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ نَوَيْت الْحَجَّ وَأَحْرَمْت بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لَبَّيْكَ. . . إلَخْ فَحَسَنٌ لِيَجْتَمِعَ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَدَّمْنَا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَحْسُنُ إذَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ فَلَا وَلَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ لِنُسُكِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصْلًا فَصْلًا قَطُّ، رَوَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ سَمِعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ نَوَيْت الْعُمْرَةَ، وَلَا الْحَجَّ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ تَكْثِيرُ الْإِجَابَةِ) أَيْ إجَابَةِ الدَّاعِي، وَالْكَلَامُ فِي التَّلْبِيَةِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ أَلَبَّ الرَّجُلُ إذَا أَقَامَ فِي مَكَان كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالثَّانِي أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهَا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُلَبِّي حِينَ تَسْتَوِي بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ جَوَابٌ لِلدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الدَّاعِي فَقِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَ {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [إبراهيم: 10] وَقِيلَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ سَيِّدًا بَنَى دَارًا وَاِتَّخَذَ مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا» وَأَرَادَ بِالدَّاعِي نَفْسَهُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الدَّاعِيَ هُوَ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إلَى الْحَجِّ فَصَعِدَ أَبَا قُبَيْسٍ وَقَالَ أَلَا إنَّ اللَّهَ

بِالْمَكَانِ وَلَبَّ بِهِ إذَا أَقَامَ وَلَزِمَهُ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ (اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك، وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا، وَإِنْ زَادَ جَازَ) ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاءِ وَالْفَضْلِ الْحَسَنِ لَبَّيْكَ مَرْغُوبًا وَمَرْهُوبًا إلَيْك. (وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا) لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ (أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةَ نَفْلٍ) التَّقْلِيدُ أَنْ يَرْبِطَ قِلَادَةً عَلَى عُنُقِ الْبَدَنَةِ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا كَمَا فِي التَّلْبِيَةِ (أَوْ) بَدَنَةَ (نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ (وَتَوَجَّهَ مَعَهَا) أَيْ الْبَدَنَةِ (يُرِيدُ الْحَجَّ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَوَجَّهَ (أَوْ بَعَثَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ وَلَحِقَهَا أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ وَتَوَجَّهَ بِنِيَّةِ الْإِحْرَامِ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا فَقَدْ أَحْرَمَ) جَزَاءً لِقَوْلِهِ وَإِذَا لَبَّى نَاوِيًا. . . إلَخْ أَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْحَجِّ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِحُّ إذَا صَادَفَتْ فِعْلًا فَإِذَا صَادَفَتْ التَّلْبِيَةَ صَحَّتْ وَصَارَ مُحْرِمًا، وَإِذَا صَادَفَتْ التَّقْلِيدَ مَعَ التَّوَجُّهِ صَارَ شَارِعًا لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِفِعْلٍ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ مَعَ السَّوْقِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ قَوْلَهُ أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةَ نَفْلٍ. . . إلَخْ فِي آخَرِ الْبَابِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ الْمُنَاسِبَ كَمَا لَا يَخْفَى (وَلَوْ أَشْعَرَهَا) أَيْ شَقَّ سَنَامَهَا لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ (أَوْ جَلَّلَهَا) أَيْ أَلْقَى الْجُلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى أَمَرَ بِبِنَاءِ بَيْتٍ لَهُ، وَقَدْ بُنِيَ أَلَا فَحُجُّوا فَبَلَّغَ اللَّهُ تَعَالَى صَوْتَهُ النَّاسَ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ وَأَرْحَامِ أُمَّهَاتِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَهُ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى حَسَبِ جَوَابِهِمْ يَحُجُّونَ وَالرَّابِعُ فِي صِفَةِ التَّلْبِيَةِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ لَبَّيْكَ. . . إلَخْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْخَامِسُ فِي كَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ إنَّ الْحَمْدَ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْفَتْحُ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: بِالْكَسْرِ لَا بِالْفَتْحِ لِيَكُونَ ابْتِدَاءً لَا بِنَاءً إذْ الْفَتْحَةُ صِفَةٌ لِلْأُولَى اهـ. يَعْنِي فِي الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَيَجُوزُ وَالْكَسْرُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الثَّنَاءِ، وَتَكُونُ التَّلْبِيَةُ لِلذَّاتِ، وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِلتَّلْبِيَةِ أَيْ لَبَّيْكَ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِجَابَةِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا بِالذَّاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ هَذَا، وَإِنْ كَانَ اسْتِئْنَافُ الثَّنَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعَ الْكَسْرِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَعْلِيلًا مُسْتَأْنَفًا كَمَا فِي قَوْلِك عَلِّمْ ابْنَك الْعِلْمَ إنَّ الْعِلْمَ نَافِعُهُ قَالَ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] ، وَهَذَا مُقَرَّرٌ فِي مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ لَكِنْ لَمَّا جَازَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَوْلَوِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْفَتْحِ لَيْسَ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ تَعْلِيلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَالسَّادِسُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَالنُّقْصَانُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ بِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ وَالزِّيَادَةُ تَجُوزُ عِنْدَنَا، وَفِيهَا أَلْفَاظٌ مِنْهَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهَا مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَبَّيْكَ بِعَدَدِ التُّرَابِ لَبَّيْكَ. (قَوْلُهُ وَإِذَا لَبَّى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ يُعْتَبَرْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ اعْتِبَارِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْفِقْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِكُلِّ ثَنَاءٍ وَتَسْبِيحٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّلْبِيَةَ، وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ بَابَ الْحَجِّ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ حَتَّى قَامَ غَيْرُ الذِّكْرِ مَقَامَهُ كَتَقْلِيدِ الْبُدْنِ فَكَذَا غَيْرُ التَّلْبِيَةِ وَغَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأَخْرَسُ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ مَعَ النِّيَّةِ. وَفِي الْمُحِيطِ تَحْرِيكُ لِسَانِهِ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي الصَّلَاةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ (قَوْلُهُ نَاوِيًا لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ) أَقُولُ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِحْرَامِ عَلَى نِيَّةِ نُسُكٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَبْهَمَ الْإِحْرَامَ بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَا أَحْرَمَ بِهِ جَازَ وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَفْعَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ حَتَّى طَافَ شَوْطًا وَاحِدًا كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ، وَكَذَا إذَا أُحْصِرَ قَبْلَ الْأَفْعَالِ وَالتَّعْيِينِ فَتَحَلَّلَ بِدَمٍ تَعَيَّنَ لِلْعُمْرَةِ حَتَّى يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لَا قَضَاءُ حِجَّةٍ، وَكَذَا إذَا جَامَعَ فَأَفْسَدَ وَوَجَبَ الْمُضِيُّ فِي الْفَاسِدِ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ عُمْرَةً ثُمَّ إذَا نَوَى مُطْلَقَ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْفَرْضِ، وَلَا النَّفْلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِإِطْلَاقِ نِيَّةِ الْحَجِّ بِخِلَافِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ لِلنَّفْلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَفْلًا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ الْفَرْضَ بَعْدُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ التَّقْلِيدُ أَنْ يَرْبِطَ قِلَادَةً) الْمُرَادُ بِهَا شَيْءٌ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهَا هَدْيٌ كَقِطْعَةِ نَعْلٍ أَوْ لَحَا شَجَرٍ أَيْ قِشْرُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَيَصِيرُ بِهِ مُحْرِمًا كَمَا فِي التَّلْبِيَةِ) أَقُولُ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ، وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي بَدَنَةٍ فَقَلَّدَهَا أَحَدُهُمْ صَارُوا مُحْرِمِينَ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْبَقِيَّةِ وَسَارُوا مَعَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَتَوَجَّهَ مَعَهَا يُرِيدُ الْحَجَّ) أَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَلَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بَعَثَهَا لِمُتْعَةٍ) قَالَ أَبُو الْيُسْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَدْيُ الْقِرَانِ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهَا) أَقُولُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِهَدْيِ الْمُتْعَةِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ إذَا حَصَلَ التَّقْلِيدُ وَالتَّوَجُّهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا إنْ حَصَلَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ مُحْرِمًا حَتَّى يَلْحَقَهَا؛ لِأَنَّ التَّمَتُّعَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الرُّقَيَّاتِ (قَوْلُهُ فَقَدْ أَحْرَمَ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِذَا تَمَّ الْإِحْرَامُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا بِعَمَلِ الْمَنَاسِكِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ، وَإِنْ أَفْسَدَهُ إلَّا فِي الْفَوَاتِ فَيَعْمَلُ الْعُمْرَةَ وَإِلَّا الْإِحْصَارَ فَيَذْبَحُ الْهَدْيَ اهـ. أَوْ تَحْلِيلُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِتَقْلِيمِ ظُفُرِهَا وَنَحْوِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِي اهـ. ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مَظْنُونًا إذَا أَفْسَدَهُ بِخِلَافِ

عَلَى ظَهْرِهَا (أَوْ بَعَثَهَا لِغَيْرِ مُتْعَةٍ وَلَمْ يَلْحَقْهَا أَوْ قَلَّدَ شَاةً لَا) يَكُونُ مُحْرِمًا (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ (يَتَّقِي الرَّفَثَ) وَهُوَ الْجِمَاعُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وَقِيلَ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ كَالْجِمَاعِ (وَالْفُسُوقَ) يَعْنِي الْمَنَاهِي وَهِيَ حَرَامٌ مُطْلَقًا لَكِنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّطَرُّبِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (وَالْجِدَالَ) ، وَهُوَ الْمِرَاءُ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَالْخَدَمِ وَالْمُكَارِينَ (وَقَتْلَ صَيْدِ الْبَرِّ) لَا الْبَحْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] (وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) الْإِشَارَةُ تَقْتَضِي الْحُضُورَ وَالدَّلَالَةُ الْغَيْبَةَ (وَالتَّطَيُّبَ وَقَلْمَ الظُّفْرِ وَسَتْرَ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَغَسْلَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِالْخِطْمِيِّ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً طَيِّبَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَصَارَ طَيِّبًا، وَعِنْدَهُمَا يَقْتُلُ الْهَوَامَّ فَيَجْتَنِبُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ، وَعِنْدَهُمَا الصَّدَقَةُ (وَ) يَتَّقِي (قَصَّهَا) أَيْ اللِّحْيَةِ وَحَلْقَ رَأْسِهِ وَشَعْرِ بَدَنِهِ وَلُبْسَ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ وَعِمَامَةٍ وَخُفَّيْنِ إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ الْمَظْنُونَةِ إذَا أَبْطَلَهَا وَبِخِلَافِ الطَّوَافِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ يَتَّقِي الرَّفَثَ) أَقُولُ يَعْنِي بِلَا مُهْلَةٍ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَالْكَنْزِ فَإِذَا لَبَّيْت نَاوِيًا فَقَدْ أَحْرَمْت فَاتَّقِ الرَّفَثَ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ لَا تُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْفَاءُ مِنْ التَّعْقِيبِ فَوْرًا (قَوْلُهُ، وَقِيلَ: الْكَلَامُ الْفَاحِشُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ كَالْجِمَاعِ) كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ رَفَثًا بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْفَاحِشِ ذِكْرُ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ إنْ يَصْدُقْ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسًا وَإِذَا فُسِّرَ الْفَاحِشُ بِهِ ثَبَتَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ فِي الْكَافِي وَالتَّقْيِيدُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ أَوْ ذِكْرُ الْجِمَاعِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ. اهـ. وَإِنَّمَا قَالَ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْجِمَاعِ فِي غَيْرِ حَضْرَتِهِنَّ لَيْسَ مِنْ الرَّفَثِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْبُرْهَانِ اهـ. وَلَكِنْ عَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ مُخْتَصًّا بِغَيْرِ ذِكْرِ الْجِمَاعِ، وَقَدْ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ الْكَلَامُ الْفَاحِشُ أَيُّ كَلَامٍ كَانَ (قَوْلُهُ وَالْفُسُوقَ يَعْنِي الْمَنَاهِي) أَيْ الْمُخْرِجَةَ عَنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْفُسُوقَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْخُرُوجُ يُقَالُ: فَسَقَتْ الْفَارَةُ إذَا خَرَجَتْ مِنْ جُحْرِهَا لَكِنْ إذَا أُطْلِقَ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْإِحْرَامِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى احْتِرَامًا لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَقِيلَ هُوَ التَّسَابُّ وَالتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ كَذَا قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْإِحْرَامِ أَشَدُّ كَلُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الصَّلَاةِ. . . إلَخْ) أَيْ وَالظُّلْمُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. قَالَ تَعَالَى {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَحْرُمُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُبَاحَاتِ الْمُقَوِّيَةِ لِلنَّفْسِ فَكَيْفَ بِالْمُحَرَّمَاتِ الْأَصْلِيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمِرَاءُ) أَيْ الْخِصَامُ (قَوْلُهُ وَقَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ) أُرِيدَ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَصْدَرُ وَهُوَ الِاصْطِيَادُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} [المائدة: 96] أَقُولُ: الْمُدَّعَى أَعَمُّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَوَّلَ الْآيَةِ أَيْضًا لِيَتِمَّ الدَّلِيلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] الْآيَةَ (قَوْلُهُ وَالْإِشَارَةُ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَحَلُّ تَحْرِيمِهِمَا مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْرِمُ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا، وَقِيلَ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ شُرُوطِ لُزُومِ الْجَزَاءِ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَالتَّطَيُّبَ) أَقُولُ، وَكَذَا لَا يَمَسُّ طِيبًا بِيَدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّطَيُّبَ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ شَمُّ الزَّعْفَرَانِ وَالثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ. . . إلَخْ) هَذَا الْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى تَفْسِيرِهِ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ حَقِيقَةً كَالِاخْتِلَافِ فِي الصَّابِئَةِ فَعِنْدَهُ يَجِبُ الدَّمُ كَمَا ذَكَرَ، وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ الْهَوَامَّ وَيُلِينُ الشَّعْرَ قَيَّدَ بِالْخِطْمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِالصَّابُونِ وَالْحُرُضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحَلْقَ رَأْسِهِ) أَقُولُ، وَلَوْ لِلْحِجَامَةِ أَمَّا الْحِجَامَةُ فِي ذَاتِهَا وَالْفَصْدُ وَجَبْرُ الْكَسْرِ وَالْخَتْنُ وَحَكُّ الْجَسَدِ بِحَيْثُ لَا يُسْقِطُ شَعْرًا، وَلَا يَقْتُلُ قَمْلًا فَلَيْسَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِحَلْقِ الشَّعْرِ إزَالَتُهُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْإِحْرَاقِ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ مِنْ الْجَسَدِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَمْكِينًا (قَوْلُهُ وَشَعْرَ بَدَنِهِ) اسْتَثْنَى الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ إزَالَةَ الشَّعْرِ النَّابِتِ فِي الْعَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلُبْسَ قَمِيصٍ) أَقُولُ: وَكَذَا مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ كَالزَّرَدِيَّةِ وَالْبُرْنُسِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَعْمُولٍ عَلَى قَدْرِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بِحَيْثُ يُحِيطُ بِهِ بِخِيَاطَةٍ أَوْ تَلْزِيقِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَسْتَمْسِكُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَكِنْ سَنَذْكُرُ أَنَّ لُبْسَ الْخَاتَمِ لَا يُكْرَهُ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ (قَوْلُهُ وَسَرَاوِيلُ) السَّرَاوِيلُ أَعْجَمِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ سَرَاوِيلَاتٌ مُنْصَرِفٌ فِي أَحَدِ اسْتِعْمَالَيْهِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْقَبَاءُ بِالْمَدِّ عَلَى وَزْنِ فَعَالُ وَلُبْسُ الْقَبَاءِ بِأَنْ يُدْخِلَ مَنْكِبَيْهِ وَيَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ فَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ جَازَ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا لَوْ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ وَمَا لَمْ يُزِرُّهُ أَيْ الْقَبَاءَ بِأَزْرَارِهِ وَيُكْرَهُ عَقْدُ الْإِزَارِ وَتَحْلِيلُ الرِّدَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْجِنَايَاتِ - إنْ شَاءَ

لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَيَقْطَعُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَثَوْبًا صُبِغَ بِمَا لَهُ طِيبٌ (إلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ لَا) أَيْ لَا يَتَّقِي (الِاسْتِحْمَامَ وَالِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَبِالْعَكْسِ الْهَوْدَجُ الْكَبِيرُ (وَشَدَّ هِمْيَانٍ فِي وَسَطِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ مَخِيطًا لَا بَأْسَ بِشَدِّهِ عَلَى حِقْوِهِ. (وَأَكْثَرَ التَّلْبِيَةِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مَتَى صَلَّى أَوْ عَلَا شَرَفًا أَوْ هَبَطَ وَادِيًا أَوْ لَقِيَ رَكْبًا أَوْ أَسْحَرَ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ وَحِينَ رَأَى الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا رَافِعًا يَدَيْهِ كَالصَّلَاةِ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ تَنَاوَلَهُ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقُبْلَةِ أَوْ مَسَحَهُ بِالْكَفِّ (إنْ قَدَرَ بِلَا إيذَاءٍ) أَيْ بِلَا إيذَاءِ مُسْلِمٍ يُزَاحِمُهُ (وَإِلَّا يَمَسُّ بِمَا فِي يَدِهِ فَيُقَبِّلُهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا) أَيْ الِاسْتِلَامِ وَالْإِمْسَاسِ (اسْتَقْبَلَهُ مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا اللَّهَ تَعَالَى وَمُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَافَ لِلْقُدُومِ مُضْطَبِعًا) أَيْ جَاعِلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ فَيَقْطَعُ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ) الْمُرَادُ بِالْكَعْبِ هُنَا الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ فَيَجُوزُ لُبْسُ كُلِّ شَيْءٍ فِي رِجْلِهِ لَا يُغَطِّي الْكَعْبَ سُرْمُوزَةً كَانَتْ أَوْ مَدَاسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا الِاسْتِظْلَالَ بِبَيْتٍ وَمَحْمَلٍ) أَيْ لَا يَمَسُّ رَأْسَهُ، وَلَا وَجْهَهُ فَلَوْ أَصَابَ أَحَدَهُمَا كُرِهَ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى رَأْسِهِ الْقِدْرَ وَالطَّبَقَ وَالْإِجَّانَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْطِيَةٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَحْمِلُ مَا يُغَطَّى بِهِ الرَّأْسُ عَادَةً كَالثِّيَابِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَشَدَّ هِمْيَانَ فِي وَسَطِهِ) الْهِمْيَانُ بِالْكَسْرِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الدَّرَاهِمُ وَيُشَدُّ عَلَى الْحِقْوِ وَلَا يُكْرَهُ شَدُّهُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَا يُكْرَهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالتَّخَتُّمُ بِالْخَاتَمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَرِهَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ بِالْإِبْرَيْسَمِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرَ التَّلْبِيَةَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ صَلَّى وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِمَا قَبْلَهُ أَنْ يَقُولَ: وَيُكْثِرُ وَالْإِكْثَارُ مُسْتَحَبٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الزِّيَادَةُ مِنْهَا عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ سُنَّةٌ حَتَّى يَلْزَمَهُ الْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا فَتَكُونُ فَرْضًا وَسُنَّةً وَمَنْدُوبًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَرِّرَهَا كُلَّمَا أَخَذَ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وِلَاءً، وَلَا يَقْطَعُهَا بِكَلَامٍ، وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي خِلَالِهَا جَازَ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي خِلَالِهَا وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ قَالَ: لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيبَ التَّلْبِيَةِ سِرًّا وَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَتَعَوَّذُ مِنْ النَّارِ (قَوْلُهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ) هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنَّ تَرْكَ رَفْعِ الصَّوْتِ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ، وَلَا يُبَالِغُ فَيُجْهِدُ نَفْسَهُ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا فِي الدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ الْإِخْفَاءُ إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِإِعْلَانِهِ مَقْصُودٌ كَالْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالتَّلْبِيَةُ لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيمَا هُوَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ فَكَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا مُسْتَحَبًّا قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ مَتَى صَلَّى) أَيْ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيُّ بِالْمَكْتُوبَاتِ قِيَاسًا عَلَى تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَوْ (عَلَا شَرَفًا) أَيْ صَعِدَ مَكَانًا مُرْتَفِعًا وَقِيلَ بِضَمِّ الشِّينِ جَمْعُ شُرْفَةٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ) يَعْنِي بَعْدَمَا يَأْمَنُ عَلَى أَمْتِعَتِهِ بِوَضْعِهَا فِي حِرْزٍ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا يَضُرُّهُ لَيْلًا دَخَلَهَا أَوْ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ دُخُولُ بَلْدَةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا. اهـ. وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَكِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الدُّخُولِ لَيْلًا فَلَيْسَ تَفْسِيرًا لِلسُّنَّةِ بَلْ شَفَقَةً عَلَى الْحَاجِّ مِنْ السُّرَّاقِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ مِنْ بَابِ الْمُعَلَّاةِ لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلًا فِي دُخُولِهِ بَابَ الْبَيْتِ تَعْظِيمًا وَإِذَا خَرَجَ فَمِنْ السُّفْلَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُلَبِّيًا فِي دُخُولِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ السَّلَامِ فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مِنْهُ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُلَبِّيًا مُلَاحِظًا الْبُقْعَةَ مَعَ التَّلَطُّفِ بِالْمُزَاحِمِ (قَوْلُهُ وَحِينَ رَأَى الْبَيْتَ كَبَّرَ وَهَلَّلَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ وَهَكَذَا فِي الْمُتُونِ، وَهِيَ غَفْلَةٌ عَمَّا لَا يُغْفَلُ عَنْهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ عِنْدَهَا مُسْتَجَابٌ وَذَكَرَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْصَى رَجُلًا بِأَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْبَيْتِ بِاسْتِجَابَةِ دُعَائِهِ لِيَصِيرَ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ وَمِنْ أَهَمِّ الْأَدْعِيَةِ طَلَبُ الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ، وَمِنْ أَهَمِّ الْأَذْكَارِ هُنَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ) شُرُوعٌ فِي أَمْرِ الطَّوَافِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا خَشِيَ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ وَلَمْ يَصِفْ الْحَجَرَ بِالْأَسْوَدِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ كَانَ أَبْيَضَ مِنْ اللَّبَنِ، وَإِنَّمَا اسْوَدَّ بِمَسِّ الْمُشْرِكِينَ وَالْعُصَاةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَاسْتَلَمَهُ) أَيْ بَعْدَمَا أَرْسَلَ يَدَيْهِ بَعْدَ رَفْعِهِمَا لِلتَّكْبِيرِ وَتَفْسِيرُ الِاسْتِلَامِ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَهُ بِلَا تَصْوِيتٍ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْبِيلِهِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى الْمِيثَاقَ عَلَى بَنِي آدَمَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ كَتَبَ بِذَلِكَ كِتَابًا وَجَعَلَهُ فِي جَوْفِ الْحَجَرِ فَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامِ وَيَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا اسْتَقْبَلَهُ. . . إلَخْ) . أَيْ مُشِيرًا بِكَفَّيْهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ يُقَبِّلُ كَفَّيْهِ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَطَافَ لِلْقُدُومِ مُضْطَبِعًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ

رِدَاءَهُ تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ مُلْقِيًا طَرَفَهُ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ (وَرَاءَ الْحَطِيمِ) ، وَهُوَ قِطْعَةُ جِدَارٍ فِي طَرَفِ الْمِيزَابِ مِنْ الْحَطْمِ بِمَعْنَى الْكَسْرِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حُطِمَ مِنْ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيْتِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُطَافُ وَرَاءَهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ لَمْ يُجْزِهِ احْتِيَاطًا لَكِنْ إنْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحَطِيمَ وَحْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ فَرْضِيَّةَ التَّوَجُّهِ تَثْبُتُ بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ احْتِيَاطًا (آخِذًا عَنْ يَمِينِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ يَمِينِ الطَّائِفِ وَالطَّائِفُ الْمُسْتَقْبِلُ لِلْحَجَرِ يَكُونُ يَمِينُهُ إلَى جَانِبِ الْبَابِ فَيَبْدَأُ مِنْ الْحَجَرِ ذَاهِبًا إلَى هَذَا الْجَانِبِ وَمَا بَيْنَ الْحَجَرِ إلَى الْبَابِ هُوَ الْمُلْتَزَمُ (سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ طَافَ (رَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ مِنْ الْحَجَرِ إلَى الْحَجَرِ) الرَّمَلُ أَنْ يَهُزَّ فِي مِشْيَتِهِ الْكَتِفَيْنِ كَالْمُبَارِزِ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الِاضْطِبَاعِ وَكَانَ سَبَبُهُ إظْهَارَ الْجَلَادَةِ لِلْمُشْرِكِينَ حِينَ قَالُوا أَضْنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ ثُمَّ بَقِيَ الْحُكْمُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَهُ وَيَمْشِي فِي الْبَاقِي عَلَى هِينَتِهِ (وَكُلَّمَا مَرَّ بِهِ) أَيْ الْحَجَرِ (فَعَلَ مَا ذُكِرَ) مِنْ الِاسْتِلَامِ. (وَنُدِبَ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا يَسْتَلِمُ غَيْرَهُمَا (وَخَتَمَ الطَّوَافَ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ ثُمَّ صَلَّى شَفْعًا يَجِبُ بَعْدَ كُلِّ أُسْبُوعٍ عِنْدَ الْمَقَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَهُوَ) أَيْ طَوَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْ الِاضْطِبَاعَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ بِقَلِيلٍ. اهـ. وَلَوْ تَرَكَ الِاضْطِبَاعَ وَالرَّمَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطِيمٌ مِنْ الْبَيْتِ) أَقُولُ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَقِيلَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ حَاطِمٍ كَعَلِيمٍ بِمَعْنَى عَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فِيهِ حَطَّمَهُ اللَّهُ» كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ) أَقُولُ: لَيْسَ الْحِجْرُ كُلُّهُ مِنْ الْبَيْتِ بَلْ سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ فَقَطْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ الْفُرْجَةَ لَمْ يَجُزْ احْتِيَاطًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُعِيدُ الطَّوَافَ كُلَّهُ، وَلَوْ أَعَادَ عَلَى الْحِجْرِ أَيْ الْحَطِيمِ وَحْدَهُ أَجْزَأَهُ وَيَدْخُلُ فِي الْفُرْجَةِ فِي الْإِعَادَةِ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بَلْ لَمَّا وَصَلَ إلَى الْفُرْجَةِ عَادَ وَرَاءَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَرْبِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَا يُعَدُّ عَوْدُهُ شَوْطًا؛ لِأَنَّهُ مَنْكُوسٌ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْمَنْكُوسِ لَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَيَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَبْتَدِي مِنْ الْحَجَرِ) قَالَ الْكَمَالُ افْتِتَاحُ الطَّوَافِ مِنْ الْحَجَرِ سُنَّةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجِنَايَاتِ فَلَوْ افْتَتَحَهُ مِنْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَكُرِهَ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الرُّقَيَّاتِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فَجَعَلَهُ شَرْطًا، وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَبْعُدُ لِلْمُوَاظَبَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ اهـ. فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِالْوُجُوبِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَخُوهُ فِي النَّهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوُجُوبِ، وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ وَاجِبًا كَانَ الِابْتِدَاءُ مُتَعَيِّنًا مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ قَرِيبًا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لِيَكُونَ مَارًّا بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ شَاهَدْنَاهُمْ يَبْتَدِئُونِ الطَّوَافَ، وَبَعْضُ الْحَجَرِ خَارِجٌ عَنْ طَوَافِهِمْ فَاحْذَرْهُ اهـ. (قُلْتُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيَامِهِ مُسَامِتًا لِلْحَجَرِ بِأَنْ وَقَفَ جِهَةَ الْمُلْتَزَمِ وَمَالَ بِبَعْضِ جَسَدِهِ لِيُقَبِّلَ الْحَجَرَ أَمَّا مَنْ قَامَ مُسَامِتًا بِجَسَدِهِ الْحَجَرَ فَقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ وَرُكْنَهُ لَا يَبْلُغُ عَرْضَ جَسَدِ الْمُسَامِتِ لَهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فَلَوْ طَافَ ثَامِنًا عَالِمًا بِأَنَّهُ ثَامِنٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُ إتْمَامَ الْأُسْبُوعِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَابِعٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ثَامِنٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا كَالْعِبَادَةِ الْمَظْنُونَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الطَّوَافَ خَالَفَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَكَانَ الطَّوَافِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ وَرَاءَ السَّوَارِي وَزَمْزَمِ لَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَدُعَاءُ الطَّوَافِ مَذْكُورٌ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ بِشَيْءٍ فَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ (قَوْلُهُ رَمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَقَطْ) فَإِنْ زَاحَمَهُ النَّاسُ فِي الرَّمَلِ وَقَفَ فَإِذَا وَجَدَ مَسْلَكًا رَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَيَقِفُ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَسْنُونِ بِخِلَافِ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ بَدَلٌ لَهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَنُدِبَ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ) أَيْ فَيُقَبِّلُهُ مِثْلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالدَّلَائِلُ تَشْهَدُ لَهُ وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِلَامُ غَيْرِ الرُّكْنَيْنِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْمَقَامِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ، وَهِيَ حِجَارَةٌ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا حِينَ نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ مِنْ الْإِبِلِ حِينَ يَأْتِي إلَى زِيَارَةِ هَاجَرَ وَوَلَدِهَا إسْمَاعِيلَ كَمَا فِي الْمُصَنَّفِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمِهِ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ قَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا النَّاسَ إلَى الْحَجِّ وَقِيلَ مَقَامُ إبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ اهـ. قُلْت لَكِنْ يُبْعِدُ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ هَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَحَيْثُ أَرَادَ، وَلَوْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهَا

الْقُدُومِ وَيُسَمَّى طَوَافَ التَّحِيَّةِ أَيْضًا (سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ ثُمَّ عَادَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِمَا شَاءَ ثُمَّ مَشَى نَحْوَ الْمَرْوَةِ سَاعِيًا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَصَعِدَ فِيهَا) أَيْ الْمَرْوَةِ (وَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ عَلَى الصَّفَا يَفْعَلُ هَكَذَا سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ شَوْطٌ ثُمَّ مِنْ الْمَرْوَةِ إلَى الصَّفَا شَوْطٌ آخَرُ فَيَكُونُ بِدَايَةُ السَّعْيِ مِنْ الصَّفَا وَخَتْمُهُ وَهُوَ السَّابِعُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي رِوَايَةٍ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى مَرْوَةَ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا (ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يُرِدْ طَوَافَ أُسْبُوعٍ آخَرَ لِمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَصْلُ الْأَسَابِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ مُطْلَقًا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ إذَا صَدَرَتْ عَنْ وِتْرٍ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ أَمَّا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهِ فِيهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْوَصْلُ مُطْلَقًا إجْمَاعًا وَيُؤَخِّرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إلَى وَقْتٍ مُبَاحٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَادَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ) قَالَ قَاضِي خَانْ، وَهَذَا الِاسْتِلَامُ لِافْتِتَاحِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ كَانَ لَا يُرِيدُ بَعْدَ هَذَا الطَّوَافِ السَّعْيَ لَا يَعُودُ إلَى الْحَجَرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَخَرَجَ فَصَعِدَ الصَّفَا) كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِثُمَّ لِيُرَتِّبَهُ عَلَى الطَّوَافِ وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَيَخْرُجُ لِلسَّعْيِ مِنْ أَيِّ بَابٍ شَاءَ وَالْخُرُوجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا أَفْضَلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصُّعُودُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةٌ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ وَتَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فَجَعْلُهُ تَبَعًا لِلْفَرْضِ أَوْلَى لَكِنَّ الْعُلَمَاءَ رَخَّصُوا فِي إثْبَاتِ السَّعْيِ عَقِيبَ طَوَافِ الْقُدُومِ تَخْفِيفًا عَلَى النَّاسِ لِلشَّغْلِ يَوْمَ النَّحْرِ بِنَحْرِ الدَّمِ وَالرَّمْيِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَهُمَا إلَى السَّمَاءِ كَمَا لِلدُّعَاءِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَمْشِي نَحْوَ الْمَرْوَةِ) أَيْ عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَرُكْنِهِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ يُسْرِعُ الْمَشْيَ وَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُبْتَدَأَ السَّعْيِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ الْمِيلُ عَنْ مَبْدَأِ السَّعْيِ بِقَدْرِ سِتَّةِ أَذْرُعٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ أَلْيَقُ مِمَّا وُضِعَ فِيهِ الْآنَ وَالْمِيلُ الثَّانِي كَانَ مُتَّصِلًا بِدَارِ الْعَبَّاسِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ إذَا تَجَاوَزَ بَطْنَ الْوَادِي مَشَى عَلَى هِينَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ (قَوْلُهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) بَيَانٌ لِلْوَاجِبِ فَلَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَا يَعْتَدُّ بِالشَّوْطِ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ السَّعْيُ. . . إلَخْ) حَكَاهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِصِيغَةِ قِيلَ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ يَبْتَدِئُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ (قَوْلُهُ وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَهُ، وَلَا يَجْعَلُهُ شَوْطًا آخَرَ كَمَا لَا يَجْعَلُهُ جُزْءَ شَوْطٍ فَمَا قِيلَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ السَّعْيُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ ثُمَّ مِنْهَا إلَى الصَّفَا شَوْطٌ وَاحِدٌ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، وَيَقَعُ الْخَتْمُ عَلَى الصَّفَا لَيْسَ بِذَاكَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ لِيَكُونَ خَتْمُ السَّعْيِ كَالطَّوَافِ وَيُسْتَحَبُّ دُخُولُ الْبَيْتِ إذَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِبَلَ وَجْهِهِ، وَقَدْ جَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ثُمَّ يُصَلِّي فَإِذَا صَلَّى إلَى الْجِدَارِ الْمَذْكُورِ يَضَعُ خَدَّهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُ ثُمَّ يَأْتِي الْأَرْكَانَ فَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ وَيُكَبِّرُ وَيَسْأَلُ اللَّهَ مَا شَاءَ وَيَلْزَمُ الْأَدَبَ مَا اسْتَطَاعَ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَلَيْسَتْ الْبَلَاطَةُ الْخَضْرَاءُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مُصَلَّى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمَا تَقُولُهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَهُوَ مَوْضِعٌ عَالٍ فِي جِدَارِ الْبَيْتِ بِدْعَةٌ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَالْمِسْمَارُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْبَيْتِ يُسَمُّونَهُ سُرَّةَ الدُّنْيَا يَكْشِفُ أَحَدُهُمْ سُرَّتَهُ وَيَضَعُهَا عَلَيْهِ فِعْلُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَكَنَ بِمَكَّةَ مُحْرِمًا) أَيْ حَرَامًا وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ وَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى تَخْصِيصِ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ وَطَافَ بِالْبَيْتِ نَفْلًا مَا شَاءَ) قَالَ فِي الْكَافِي لَكِنَّهُ لَا يَسْعَى عَقِيبَ هَذِهِ إلَّا طَوْفَةً؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّعْيِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ اهـ. وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْلًا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَقَلْبُهُ لِلْمَكِّيِّ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةَ وَيَغْتَنِمُ الدُّعَاءَ فِي مَوَاطِنِ الْإِجَابَةِ، وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا نَقَلَهَا الْكَمَالُ عَنْ رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الطَّوَافِ: وَعِنْدَ الْمُلْتَزَمِ وَتَحْتَ الْمِيزَابِ وَفِي الْبَيْتِ، وَعِنْدَ زَمْزَمَ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَعَلَى الصَّفَا وَعَلَى الْمَرْوَةِ وَفِي السَّعْيِ وَفِي عَرَفَاتٍ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مِنًى، وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَيْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنَّهُ يُسْتَجَابُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي الْحَطِيمِ لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ تَحْتَ الْمِيزَابِ اهـ. وَرَأَيْت نَظْمًا لِلشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَمَالِ الدِّينِ بْنِ مُنْلَا زَادَهْ الْعِصَامِيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْمَوَاطِنَ لِلدُّعَاءِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَعَيَّنَ سَاعَاتِهَا زِيَادَةً عَلَى مَا فِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طِبْقَ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَسَنِ النَّقَّاشُ

وَخَطَبَ الْإِمَامُ سَابِعَ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ) اعْلَمْ أَنَّ فِي الْحَجِّ ثَلَاثَ خُطَبٍ إحْدَاهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَهِيَ هَذِهِ (يُعَلِّمُ فِيهَا الْمَنَاسِكَ) أَيْ الْخُرُوجَ إلَى مِنًى (وَالصَّلَاةَ بِعَرَفَاتٍ وَالْإِفَاضَةَ فَإِذَا صَلَّى) بِمَكَّةَ (الْفَجْرَ ثَامِنَ الشَّهْرِ) وَهِيَ غَدَاةُ التَّرْوِيَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ (خَرَجَ إلَى مِنًى وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ) لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ (فَبَعْدَ الزَّوَالِ) قَبْلَ الظُّهْرِ (خَطَبَ) الْإِمَامُ (خُطْبَتَيْنِ) هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ (كَالْجُمُعَةِ) يَعْنِي يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا (يُعَلِّمُ فِيهِمَا الْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالنَّحْرَ وَالْحَلْقَ وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفَسِّرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنَاسِكِهِ فَكَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَقَالَ: قَدْ ذَكَرَ النَّقَّاشُ فِي الْمَنَاسِكِ ... وَهُوَ لَعَمْرِي عُمْدَةٌ لِلنَّاسِكِ أَنَّ الدُّعَا فِي خَمْسَةٍ وَعَشَرَهْ ... بِمَكَّةَ يُقْبَلُ مِمَّنْ ذَكَرَهْ وَهْيَ الْمَطَافُ مُطْلَقًا وَالْمُلْتَزَمْ ... بِنِصْفِ لَيْلٍ فَهُوَ شَرْطٌ مُلْتَزَمْ وَدَاخِلُ الْبَيْتِ بِوَقْتِ الْعَصْرِ ... بَيْنَ يَدَيْ جِزْعَيْهِ فَاسْتَقْرِ وَتَحْتَ مِيزَابٍ لَهُ وَقْتَ السَّحَرْ ... وَهَكَذَا خَلْفَ الْمَقَامِ الْمُفْتَخَرْ وَعِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ شِرْبِ الْفُحُولْ ... إذَا دَنَتْ شَمْسُ النَّهَارِ لِلْأُفُولْ ثُمَّ الصَّفَا وَمَرْوَةِ وَالْمَسْعَى ... بِوَقْتِ عَصْرٍ فَهُوَ قَيْدٌ يُرْعَى كَذَا مِنًى فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ إذَا ... تَنَصَّفَ اللَّيْلُ فَخُذْ مَا يُحْتَذَى ثُمَّ لَدَى الْجِمَارِ وَالْمُزْدَلِفَهْ ... عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ عَرَفَهْ بِمَوْقِفٍ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ قُلْ ... ثُمَّ لَدَى السِّدْرَةِ ظُهْرًا وَكَمُلْ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْوُقُوفَ طُرًّا ... مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا قَدْ مَرَّا بَحْرُ الْعُلُومِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ ... خَيْرِ الْوَرَى ذَاتًا وَوَصْفًا وَسُنَنْ صَلَّى عَلَيْهِ اللَّهُ ثُمَّ سَلَّمَا ... وَآلِهِ وَالصَّحْبِ مَا غَيْثٌ هَمَى اهـ. قُلْت، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِمَارَ ثَلَاثَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْحَسَنِ ذِكْرُ السِّدْرَةِ فِيهَا تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ وَخَطَبَ الْإِمَامُ) يَعْنِي خُطْبَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَكَذَلِكَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ الَّتِي بِمِنًى وَأَمَّا الثَّانِيَةُ الَّتِي بِعَرَفَةَ فَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَيَبْدَأُ فِيهِنَّ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ كَمَا يَبْدَأُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ أَيْ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي ثَلَاثِ خُطَبٍ: خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالنِّكَاحِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى، وَلَا يُخَالِفُهُ فِي خُطْبَةِ عَرَفَةَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَصِفَةُ الْخُطْبَةِ الَّتِي بِعَرَفَةَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيُهَلِّلَ وَيُكَبِّرَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعِظَ النَّاسَ وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَيُعَلِّمَهُمْ الْمَنَاسِكَ. . . إلَخْ اهـ. لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ فِيمَا يَبْدَأُ بِهِ (قَوْلُهُ فَإِذَا صَلَّى الْفَجْرَ بِمَكَّةَ ثَامِنَ الشَّهْرِ خَرَجَ إلَى مِنًى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ: ظَاهِرُ هَذَا التَّرْتِيبِ إعْقَابُ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى مِنًى وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ خُصُوصَ وَقْتِ الْخُرُوجِ وَاسْتَحْسَنَ فِي الْمُحِيطِ كَوْنَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَذَكَرَ وَجْهَ ذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، هَذَا وَلَا يَتْرُكُ التَّلْبِيَةَ فِي أَحْوَالِهِ كُلِّهَا حَالَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ وَخَارِجَهُ إلَّا حَالَ كَوْنِهِ فِي الطَّوَافِ وَيُلَبِّي عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَى مِنًى اهـ. (قَوْلُهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) أَقُولُ لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ كَانُوا أَيْ كَانُوا يَرْوُونَ الْإِبِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ بِعَرَفَةَ إذْ ذَاكَ هَذَا وَقِيلَ سُمِّيَ بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِتَرَوِّي إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي رُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ ذَبْحِ وَلَدِهِ وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْعِنَايَةِ وَعَرَفَةَ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَفَ حَوَّاءَ فِيهَا وَسُمِّيَتْ الْمُزْدَلِفَةِ مُزْدَلِفَةً؛ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ ازْدَلَفَا فِيهَا أَيْ اجْتَمَعَا وَسُمِّيَتْ مِنًى بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ يُصِيبُونَ إلَى مَنَايَاهُمْ وَالْمَنَايَا جَمْعَ الْمَنِيَّةِ وَقِيلَ سُمِّيَ مِنًى لِمَا يُمْنَى فِيهِ مِنْ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ، وَهِيَ قَرْيَةٌ فِيهَا ثَلَاثُ سِكَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَرْسَخٌ وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ وَالصَّرْفُ، وَقَدْ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقِيلَ فِي التَّسْمِيَةِ غَيْرَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ وَالْأَكْمَلُ (قَوْلُهُ وَمَكَثَ بِهَا إلَى فَجْرِ عَرَفَةَ) أَقُولُ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْزِلَ بِقُرْبِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَيُصَلِّيَ الْفَجْرَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِغَلَسٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْفَجْرَ بِغَلَسٍ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَيُزَادُ وَيَوْمُ عَرَفَةَ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ ثُمَّ رَاحَ إلَى عَرَفَاتٍ) أَقُولُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ وَقْتُ الذَّهَابِ الْمَسْنُونِ وَالسُّنَّةُ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَاتٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يُفِيدُ عَدَمَ التَّغْلِيسِ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ يَفْعَلُهُ لِيُهَيِّئَ أَمْرَهُ لِلْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ) أَقُولُ كَمَا أَنَّ شِعَابَ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَبْلَ الظُّهْرِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خَطَبَ الْإِمَامُ أَيْ فِي مَسْجِدِ نَمِرَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ لَوْ خَطَبَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ اهـ. إذْ يُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ

فَصَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَقْتَ الظُّهْرِ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَالْإِحْرَامِ لِلْحَجِّ) أَيْ الْإِحْرَامِ الْمَخْصُوصِ بِالْحَجِّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ) هَذَا التَّفْرِيعُ أَحْسَنُ مِنْ تَفْرِيعِ الْوِقَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الدِّرَايَةِ (ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَجْمَعُ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتٍ بَلْ لَا يَجُوزُ الْعَصْرُ إلَّا فِي وَقْتِهِ (ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ بِغُسْلٍ سُنَّ وَوَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى نَاقَتِهِ بِقُرْبِ جَبَلِ الرَّحْمَةِ مُسْتَقْبِلًا، وَدَعَا بِجُهْدٍ وَعَلَّمَ الْمَنَاسِكَ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ بِقُرْبِهِ مُسْتَقْبِلِينَ سَامِعِينَ قَوْلَهُ فَبَعْدَ الْغُرُوبِ أَتَى الْمُزْدَلِفَةِ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِأَذَانٍ) أَيْ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ يَرَاهُ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ الصُّعُودِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَيَقْرَأُ فِي الصَّلَاتَيْنِ سِرًّا، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِنَفْلٍ فَإِنْ فَعَلَ سُنَّ الْأَذَانُ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُعَادُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ قَدْ جَمَعَهُمَا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْلِ مَا يَشْمَلُ النِّيَّةَ الرَّاتِبَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَنَفَّلَ بَيْنَهُمَا فَلَوْ فَعَلَ كُرِهَ وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالنَّافِلَةِ غَيْرَ سُنَّةِ الظُّهْرِ يُنَافِي حَدِيثَ جَابِرٍ إذْ قَالَ فَصَلَّى أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، وَكَذَا بَاقِي إطْلَاقِ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِمْ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ التَّطَوُّعَ يُقَالُ عَلَى السُّنَّةِ اهـ. قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ عَنْ التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا يَأْتِي بِسُنَّةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهَا أَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ عِنْدَهُمَا اهـ. أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِيهَا، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَلَوْ أَنَّهُ فَعَلَ فَعَلَ مَكْرُوهًا وَأَعَادَ الْأَذَانَ لِلْعَصْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ اهـ. فَسَّرَهُ نَفْسُهُ بِمَا يَشْمَلُ الرَّاتِبَةَ فَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا سُنَّةُ الظُّهْرِ الرَّاتِبَةُ إذَا صَلَّاهَا لَا تَفْصِلُ وَلَا يُعَادُ الْأَذَانُ إذَا اشْتَغَلَ بِهَا. اهـ. وَكَذَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمئِذٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ (قَوْلُهُ وَالْإِحْرَامُ) أَقُولُ: وَلَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى الزَّوَالِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَيْ الْإِحْرَامُ الْمَخْصُوصُ بِالْحَجِّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَتْنًا بِقَوْلِهِ وَالْإِحْرَامُ لِلْحَجِّ، اهـ. لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَائِطَ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خَمْسَةٌ: الْوَقْتُ وَالْمَكَانُ وَالْإِحْرَامُ وَالْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ، وَعِنْدَهُمَا الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ لَيْسَا شَرْطًا اهـ. وَيُزَادُ سَادِسٌ وَهُوَ صِحَّةُ الظُّهْرِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُ الظُّهْرِ أَعَادَهُ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَيُشْتَرَطُ إدْرَاكُ شَيْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ أَدْرَكَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَقَطْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْجَمْعُ وَحْدَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَلَوْ نَفَرُوا عَنْهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا نَفَرُوا قَبْلَ الشُّرُوعِ عَلَى قَوْلِهِ فَوَجْهُ الْجَوَازِ الضَّرُورَةُ إذْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ غَيْرَهُ مُقْتَدِيًا بِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنْ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْإِمَامُ وَالْإِحْرَامُ فِي الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُمَا اقْتَصَرَا عَلَى الْإِحْرَامِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ فَيَسْقُطُ شَرْطُ الْإِمَامِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى الْأَظْهَرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَوْقِفِ) هَذَا عَلَى جِهَةِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الذَّهَابُ إلَى الْمَوْقِفِ مِنْ ابْتِدَاءِ الزَّوَالِ بَلْ لَوْ أَخَّرَهُ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِغُسْلٍ سُنَّ) وَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَرَفَاتٍ (قَوْلُهُ وَوَقَفَ النَّاسُ خَلْفَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقِفُوا وَرَاءَ الْإِمَامِ لِيَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِيَّةِ اهـ. وَالْوُقُوفُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَهِيَ الْمَرْكَبُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَفْضَلُ وَالْوُقُوفُ قَائِمًا أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ قَاعِدًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَجْتَهِدُ عَلَى أَنْ يَقْطُرَ مِنْ عَيْنَيْهِ قَطَرَاتٍ مِنْ الدَّمْعِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ الْقَبُولِ وَيَدْعُو لِأَبَوَيْهِ وَأَهْلِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَجِيرَانِهِ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ مَعَ قُوَّةِ الرَّجَاءِ لِلْإِجَابَةِ، وَلَا يُقَصِّرُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ لَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُهُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مِنْ الْآفَاقِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ» رَوَاهُ رَزِينٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةٍ» ذَكَرَهُ فِي تَجْرِيدِ الصِّحَاحِ بِعَلَامَةِ الْمُوَطَّإِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَ الْغُرُوبِ أَتَى مُزْدَلِفَةَ) أَقُولُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى هِينَتِهِ وَإِذَا وَجَدَ فُرْجَةٍ يُسْرِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا وَدُعَاءُ الدَّفْعِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا وَادِيَ مُحَسِّرٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَتَشْدِيدِهَا هُوَ بَيْنَ مَكَّةَ وَعَرَفَاتٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ يَسَارٍ الْمَوْقِفُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَادِي مُحَسِّرٍ مَوْضِعٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مِنًى وَمُزْدَلِفَةَ لَيْسَ

وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) هَاهُنَا جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ (وَأَعَادَ مَغْرِبًا أَدَّاهُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ عَرَفَاتٍ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ) فَإِنَّهُ إنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ مَا لَمْ يَطْلُعْ الْفَجْرُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِإِدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ وَذَا إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِذَا فَاتَ إمْكَانُ الْجَمْعِ سَقَطَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ إنْ وَجَبَ فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ فَذَا مُحَالٌ إذْ لَا مِثْلَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَجِبَ قَضَاءُ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدَّاهَا فِي الْوَقْتِ فَلَا وَجْهَ لِلْقَضَاءِ (وَصَلَّى الْفَجْرَ بِغَلَسٍ) ، وَهُوَ الظُّلْمَةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ (ثُمَّ وَقَفَ وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَلَبَّى وَصَلَّى وَدَعَا) هَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةِ وَاجِبٌ حَتَّى يَجِبُ بِتَرْكِهِ بِلَا عُذْرٍ دَمٌ. (وَإِذَا أَسْفَرَ أَتَى مِنًى ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَادِي مُحَسِّرٍ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَخَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا اهـ. وَسُمِّيَ مُحَسِّرًا؛ لِأَنَّ فِيلَ أَصْحَابَ الْفِيلِ حَسِرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا وَكَلَّ، قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ عَرَفَاتٍ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَهُوَ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ عَنْ يَسَارِ الْمَوْقِفِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ كَانُوا يَتَكَبَّرُونَ وَيَنْزِلُونَ مُعْتَزِلِينَ عَنْ النَّاسِ فِي بَطْنِ عُرَنَةَ وَبَطْنِ مُحَسِّرٍ فَأَمَرَ الشَّرْعُ مُخَالَفَتَهُمْ رَدًّا عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ وَنَزَلَ عِنْدَ جَبَلِ قُزَحٍ) أَقُولُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ مِنْ قَزَحَ إذَا ارْتَفَعَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْمَوْقِفُ فَيَنْزِلُ عِنْدَهُ كَيْ لَا يَضِيقَ عَلَى الْمَارِّ الطَّرِيقُ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ (قَوْلُهُ وَصَلَّى الْعِشَاءَيْنِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ) بِخِلَافِ الْجَمْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهِ بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَيُعْلَمُ بِالْإِقَامَةِ التَّقْدِيمُ عَنْ وَقْتِهِ، وَلَا يَتَطَوَّعُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَتَطَوَّعْ بَيْنَهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَطَوَّعَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَعَادَ الْإِقَامَةَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا لَمْ يَخَفْ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَإِذَا خَشِيَ طُلُوعَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى مُزْدَلِفَةَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الطَّرِيقِ وَإِذَا صَلَّاهُمَا وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا مَعَ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَدَعَا) أَيْ مُجْتَهِدًا فِي دُعَائِهِ وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُتِمَّ مُرَادَهُ وَسُؤَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ كَمَا أَتَمَّهُ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ لِأُمَّتِهِ حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَقَلَ الْكَمَالُ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ وَهْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ اهـ. وَيَجُوزُ فِي حَتَّى الدِّمَاءُ وَالْمَظَالِمُ الرَّفْعُ وَالْجَرُّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ هَذَا الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ وَاجِبٌ) أَقُولُ وَقَالَ مَالِكٌ: سُنَّةٌ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رُكْنٌ، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ بِهَا مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يُسْفِرَ جِدًّا فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ خَرَجَ وَقْتُهُ فَلَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَلَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَوْ وَقَفَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَرَّ بِهَا جَازَ كَمَا فِي عَرَفَاتٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالتَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ فَقَطْ، وَلَا يَلْزَمُهُ هُنَا شَيْءٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ وَالْمَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ سُنَّةٌ وَقَالَ مَالِكٌ وَاجِبٌ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ حَتَّى يَجِبَ بِتَرْكِهِ بِلَا عُذْرٍ دَمٌ) أَقُولُ وَالْعُذْرُ بِأَنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ أَوْ ضَعْفٌ أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً تَخَافُ الزِّحَامَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكَافِي وَكُلُّ وَاجِبٍ فِي الْحَجِّ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ بِعُذْرٍ شَيْءٌ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ الشَّارِعُ بِقَوْلِهِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ فِي الْمُحِيطِ خَوْفَ الزِّحَامِ بِالْمَرْأَةِ بَلْ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الرَّجُلَ فَقَالَ لَوْ مَرَّ قَبْلَ الْوَقْتِ لِخَوْفِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ اهـ قُلْتُ وَكَذَلِكَ أَطْلَقَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ، وَلَوْ دَفَعَ الْحَاجُّ إلَى مِنًى بِلَيْلٍ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ ضَعْفٍ أَوْ عِلَّةٍ جَازَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَسْفَرَ) قَالَ الْكَمَالُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي حَدِّ الْإِسْفَارِ إذَا سَارَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ دَفَعَ، وَهَذَا بِطَرِيقِ التَّقْرِيبِ اهـ. وَوَقَعَ فِي نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفَاضَ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ إذَا أَسْفَرَ أَفَاضَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ. وَقَالَ الْأَكْمَلُ أَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَيْ إذَا قَرُبَتْ إلَى الطُّلُوعِ وَفَعَلَ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْغَلَطُ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ لَا مِنْ الْقُدُورِيِّ نَفْسِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ الْبَغْدَادِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ مِنْ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَثْبَتَ لَفْظَ الْقُدُورِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ ثُمَّ يُفِيضُ الْإِمَامُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى يَأْتِيَ مِنًى وَأَثْبَتَ الْإِمَامُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا فَقَالَ وَيُفِيضُ الْإِمَامُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَأْتِي مِنًى (قَوْلُهُ أَتَى مِنًى) أَقُولُ وَإِذَا بَلَغَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ إنْ كَانَ مَاشِيًا وَحَرَّكَ دَابَّتَهُ إنْ كَانَ رَاكِبًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَحِكْمَةُ الْإِسْرَاعِ فِيهِ مُخَالَفَةُ النَّصَارَى فَإِنَّهُ مَوْقِفُهُمْ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَوْضِعَ أَخْذِ الْجِمَارِ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يَدْفَعُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَقَالَ قَوْمٌ بِسَبْعِينَ

وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي سَبْعًا) أَيْ سَبْعَ حَصَيَاتٍ (خَذْفًا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ رَمْيُ الْحَصَى بِالْأَصَابِعِ وَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْإِبْهَامِ عَلَى طَرَفِ السَّبَّابَةِ فِي الرَّمْيِ (وَكَبَّرَ لِكُلِّ حَصَاةٍ) فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ رَغْمًا لِلشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ اللَّهُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَصَاةً وَلَيْسَ مَذْهَبَنَا اهـ. قُلْت يُعَارِضُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ أَوْ مِنْ الطَّرِيقِ. اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَأْخُذُ الْحَصَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ اهـ فَالنَّفْيُ لَيْسَ إلَّا عَلَى التَّعْيِينِ أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَنَا مَذْهَبًا وَمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي خِلَافَ مَا قِيلَ: إنَّهُ يَلْتَقِطُهَا مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي عَلَى الطَّرِيقِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: جَرَى التَّوَارُثُ بِذَلِكَ وَمَا قِيلَ: يَأْخُذُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ سَبْعًا رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي ذَلِكَ يُوجِبُ خِلَافُهَا الْإِسَاءَةَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهَا مِنْ جَمْعٍ اهـ. وَلَا يَأْخُذُهَا مِنْ مَوْضِعِ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ كَرِهُوهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَرْدُودُ وَمَعَ هَذَا لَوْ رَمَى بِهِ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَمَا هِيَ إلَّا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَيَلْتَقِطُ الْحَصَيَاتِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْسِرَ حَجَرًا وَاحِدًا سَبْعِينَ صَغِيرًا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْآنَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلَ الْحَصَيَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَهَا لِيَتَيَقَّنَ طَهَارَتَهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ بِهَا قُرْبَةٌ، وَلَوْ رَمَى بِمُتَنَجِّسَةٍ بِيَقِينٍ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَرَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) أَقُولُ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَيَجْعَلُ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ رَاكِبًا، وَلَوْ رَمَاهَا مِنْ فَوْقِ الْعَقَبَةِ أَجْزَأَ اهـ. وَلَا يَقِفُ بَعْدَ هَذَا الرَّمْيِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ قَالَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ خَذْفًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ) أَيْ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْخَذْفُ صِغَارُ الْحَصَى قِيلَ: مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ، وَقِيلَ مِقْدَارُ النَّوَاةِ وَقِيلَ مِقْدَارُ الْأُنْمُلَةِ، وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَرْمِي بِالْكِبَارِ خَشْيَةَ أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ رَمْيُ الْحَصَى بِالْأَصَابِعِ) أَيْ بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ قَالَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُغْرِبِ. . . إلَخْ) عَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ وَكَيْفِيَّةُ الرَّمْيِ أَنْ يَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَهْرِ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَيَسْتَعِينَ بِالْمُسَبِّحَةِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا التَّفْسِيرُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ تَفْسِيرَيْنِ قِيلَ بِهِمَا: أَحَدُهُمَا أَنْ يَضَعَ طَرَفَ إبْهَامِهِ الْيُمْنَى عَلَى وَسَطِ السَّبَّابَةِ وَيَضَعَ الْحَصَاةَ عَلَى ظَاهِرِ الْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ عَاقِدُ سَبْعِينَ فَيَرْمِيَهَا وَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي كَوْنِ الرَّمْيِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى، وَالْآخَرُ أَنْ يُحَلِّقَ سَبَّابَتَهُ وَيَضَعَهَا عَلَى مَفْصِلِ إبْهَامِهِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ عَشَرَةً، وَهَذَا فِي التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّمْيِ بِهِ مَعَ الزَّحْمَةِ وَالْوَهْجَةِ عُسْرٌ وَقِيلَ يَأْخُذُهَا بِطَرَفَيْ إبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ الْمُعْتَادُ اهـ. وَذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ كَلَامَ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَيْ الَّذِي بِطَرَفِ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ اهـ. وَصَحَّحَهُ أَيْضًا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ إهَانَةً لِلشَّيْطَانِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ السُّنَّةِ فَلَوْ رَمَى كَيْفَمَا أَرَادَ جَازَ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِقْدَارَ مَوْضِعِ الرَّمْيِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِقْدَارُ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الرَّامِي وَبَيْنَ مَوْضِعِ السُّقُوطِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الْكَمَالُ وَمَقَامُ الرَّامِي بِحَيْثُ يَرَى مَوْقِعَ حَصَاهُ وَمَا قُدِّرَ بِهِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَذَاكَ تَقْدِيرُ أَقَلِّ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكَانِ فِي الْمَسْنُونِ، أَلَا تَرَى إلَى تَعْلِيلِهِ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكُونُ طَرْحًا، وَلَوْ طَرَحَهَا طَرْحًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ رَمَى إلَى قَدَمَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَلَوْ وَضَعَهَا وَضْعًا لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَمْيٍ، وَلَوْ رَمَاهَا فَوَقَعَتْ قَرِيبًا مِنْ الْجَمْرَةِ يَكْفِيهِ لِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلَوْ وَقَعَتْ بَعِيدًا مِنْهَا لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبُهُ إلَّا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ وَالْقُرْبُ قَدْرُ ذِرَاعٍ، وَنَحْوِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَأَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ، وَضِدُّهُ الْبُعْدُ فِي الْعُرْفِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الثَّلَاثَةُ الْأَذْرُعِ فِي حَدِّ الْبَعِيدِ وَمَا دُونَهُ قَرِيبٌ اهـ. وَلَوْ وَقَعَتْ الْحَصَاةُ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ عَلَى مَحْمَلٍ وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ أَعَادَهَا، وَإِنْ سَقَطَتْ عَلَى سَنَنِهَا ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ رَمَى بِسَبْعٍ جُمْلَةً أَجْزَأَهُ عَنْ حَصَاةٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ وَمَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ، وَلَوْ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ، وَلَا يَجُوزُ بِالْخَشَبِ وَالْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نِثَارًا كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ بِالْبَعْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (تَنْبِيهٌ) : قَدَّمْنَا جَوَازَ الرَّمْيِ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَشَمِلَ كُلَّ الْأَحْجَارِ النَّفِيسَةِ كَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْبَلْخَشِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَالْبِلَّوْرِ وَالْعَقِيقِ وَبِهَذَا صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَكْمَلَ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ فِي الْعِنَايَةِ اُعْتُرِضَ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي قَوْلِهِ وَيَجُوزُ الرَّمْيُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ حَتَّى جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الرَّمْيُ بِهِمَا حَتَّى لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِمَا فِي الرَّمْيِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِهَانَةِ بِرَمْيِهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِمَا اهـ. فَقَدْ أَثْبَتَ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الزَّيْلَعِيِّ، وَخُصِّصَ بِالْفَيْرُوزَجِ وَالْيَاقُوتِ دُونَ غَيْرِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ وَكَبَّرَ لِكُلِّ حَصَاةٍ)

اجْعَلْ حَجِّي مَبْرُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَذَنْبِي مَغْفُورًا (وَقَطَعَ تَلْبِيَتَهُ بِأَوَّلِهَا ثُمَّ ذَبَحَ إنْ شَاءَ) ، وَإِنَّمَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُفْرِدُ تَطَوُّعٌ وَالْكَلَامُ فِي الْمُفْرِدِ (ثُمَّ قَصَّرَ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ وَحَلَّ لَهُ غَيْرُ النِّسَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الْكَافِي، وَلَوْ سَبَّحَ مَكَانَ التَّكْبِيرِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ وَذَا يَحْصُلُ بِالتَّسْبِيحِ كَمَا يَحْصُلُ بِالتَّكْبِيرِ اهـ. وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا كَمَا يُفِيدُهُ الْمُصَنِّفُ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقْتَ هَذَا الرَّمْيِ وَلَهُ أَوْقَاتٌ أَرْبَعَةٌ وَقْتُ الْجَوَازِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَالْأَوَّلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَانْتِهَاؤُهُ إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ إلَيْهِ لَزِمَهُ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ النَّحْرِ لَمْ يَصِحَّ اتِّفَاقًا وَالثَّانِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ، وَالثَّالِثُ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ وَالرَّابِعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ الْوَقْتَ الْمُبَاحَ مِنْ الْمَكْرُوهِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ عِنْدَهُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَمَحْمَلُ الْكَرَاهَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْإِسَاءَةِ فِي الرَّمْيِ الْمَكْرُوهِ عَلَى عَدَمِ الْعُذْرِ فَلَا يَكُونُ رَمْيُ الضَّعَفَةِ قَبْلَ الشَّمْسِ وَرَمْيُ الرُّعَاةِ لَيْلًا مُلْزِمَ الْإِسَاءَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقَطَعَ التَّلْبِيَةَ بِأَوَّلِهَا) قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي الْبَدَائِعِ فَإِذَا زَارَ الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ وَيَذْبَحَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلَبِّي مَا لَمْ يَحْلِقْ أَوْ تَزُلْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةُ ابْنُ سِمَاعَةَ مَنْ لَمْ يَرْمِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَرِوَايَةُ هِشَامٍ إذَا مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ وَظَاهِرُ رِوَايَتِهِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَشَارَ بِالرَّمْيِ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا فَعَلَ وَاحِدًا مِنْ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُفْعَلُ يَوْمَ النَّحْرِ فَيَقْطَعُهَا إنْ حَلَقَ قَبْلَ الرَّمْيِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ أَوْ ذَبَحَ قَبْلَ الرَّمْيِ دَمَ التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ، وَمَضَى وَقْتُ الرَّمْيِ الْمُسْتَحَبِّ كَفِعْلِهِ فَيَقْطَعُهَا إذَا لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ قَصَّرَ) التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رُءُوسِ شَعْرِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ أُنْمُلَةٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ التَّقْصِيرُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ مِنْ رُءُوسِ رُبُعِ الرَّأْسِ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ مُرَادُ الزَّيْلَعِيِّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ مِقْدَارَ الْأُنْمُلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ. وَفِي الْبَدَائِعِ قَالُوا يَجِبُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّقْصِيرِ عَلَى قَدْرِ الْأُنْمُلَةِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ مِنْ كُلِّ شَعْرَةٍ بِرَأْسِهِ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَ الشَّعْرِ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ عَادَةً قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ اهـ. قُلْتُ يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ أَيْ مِنْ شَعْرِ الرُّبُعِ عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ أَوْ مِنْ الْكُلِّ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ كَالْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ (قَوْلُهُ وَحَلْقُهُ أَفْضَلُ) أَيْ حَلْقُ الرَّجُلِ أَفْضَلُ لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» وَيَكْتَفِي بِحَلْقِ رُبُعِ الرَّأْسِ وَحَلْقُ الْكُلِّ أَوْلَى وَيَجِبُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ قُرُوحٌ لَا يُمْكِنُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ، وَلَا يَصِلُ إلَى تَقْصِيرِهِ فَقَدْ حَلَّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ خَرَجَ إلَى الْبَادِيَةِ فَلَمْ يَجِدْ آلَةً أَوْ مَنْ يَحْلِقُهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَلَيْسَ هَذَا بِعُذْرٍ قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ قُلْتُ وَالْحَصْرُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ إزَالَةُ الشَّعْرِ، وَلَوْ بِالنَّارِ أَوْ النُّورَةِ فَيَتَحَلَّلُ بِهِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّ إجْرَاءَ الْمُوسَى أَيْ عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ لَمْ يَجِبْ لِعَيْنِهِ بَلْ لِإِزَالَةِ الشَّعْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَزَالَ الشَّعْرَ بِالنُّورَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ إجْرَاءُ الْمُوسَى اهـ. وَيُسْتَحَبُّ لَهُ قَلْمُ أَظْفَارِهِ وَقَصُّ شَارِبِهِ بَعْدَ الْحَلْقِ وَالدُّعَاءُ قَبْلَ الْحَلْقِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مَعَ التَّكْبِيرِ وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الشَّعْرِ، وَإِنْ رَمَى بِهِ لَا بَأْسَ وَكُرِهَ إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ لَهُ غَيْرُ النِّسَاءِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَحْلِيلَ بِالرَّمْيِ لِشَيْءٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ أَنَّ الرَّمْيَ مُحَلِّلٌ لِغَيْرِ النِّسَاءِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالطِّيبُ أَيْضًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَامِلٌ لِلطِّيبِ فَيَحِلُّ، وَلَا تَحِلُّ الدَّوَاعِي وَلَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ بِالرَّمْيِ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ، وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْكَمَ بِضَعْفِ مَا فِي الْفَتَاوَى لِمَا قَدَّمْنَا أَيْ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «طَيَّبْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِإِحْرَامِهِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ» اهـ. وَأَقُولُ لَمْ يَقْتَصِرْ قَاضِي خَانْ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ أَيْضًا قِيلَ: هَذَا بِقَوْلِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا النِّسَاءَ مَا لَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إلَّا الطِّيبَ وَالنِّسَاءَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ الطِّيبَ دَاعٍ إلَى الْجِمَاعِ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْأَثَرِ اهـ. فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَنْ يَرُدَّ كَلَامَ قَاضِي خَانْ الْمَذْكُورَ ثَانِيًا

وَخَطَبَ) الْإِمَامُ (كَمَا فِي السَّابِعِ) هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ (يُعَلِّمُ فِيهَا النَّفْرَ) ، وَهُوَ خُرُوجُ الْحَاجِّ مِنْ مِنًى (وَهُوَ طَوَافُ الصَّدَرِ ثُمَّ طَافَ لِلزِّيَارَةِ) قَدْ مَرَّ أَنَّهُ فَرْضٌ (يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ (بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ إنْ فُعِلَا) أَيْ الرَّمَلُ وَالسَّعْيُ (قَبْلُ وَإِلَّا فَبِهِمَا فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (وَجَبَ دَمٌ) وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَوَّلُ وَقْتِهِ) أَيْ أَوَّلُ وَقْتِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ) أَيْ الطَّوَافُ (فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ النَّحْرِ (أَفْضَلُ وَبِهِ) أَيْ بِالطَّوَافِ (حَلَّ النِّسَاءُ ثُمَّ أَتَى مِنًى وَرَمَى الْجِمَارَ الثَّلَاثَ بَعْدَ زَوَالِ ثَانِي يَوْمِ النَّحْرِ يَبْدَأُ بِمَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ بِمَا يَلِيهِ ثُمَّ بِالْعَقَبَةِ سَبْعًا سَبْعًا وَكَبَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ لِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَاهَا (وَوَقَفَ أَيْ وَقَفَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى) وَأَثْنَى عَلَيْهِ (وَهَلَّلَ وَكَبَّرَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَقَطْ) أَيْ بَعْدَ الرَّمْيِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا الثَّالِثِ، وَلَا بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ (وَدَعَا بِحَاجَتِهِ رَافِعًا يَدَيْهِ ثُمَّ غَدَا كَذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَذَلِكَ إنْ مَكَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمُ لِمُوَافَقَةِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَدَلِيلُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّهُ تَنَاقَضَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي وَقَوْلُ قَاضِي خَانْ، وَإِنَّمَا عَرَفْنَا حِلَّ الطِّيبِ إلَى آخِرِهِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: الطِّيبُ دَاعٍ إلَى النِّسَاءِ فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ مُطْلَقًا فَخَصَّهُ بِالرَّمْيِ وَحَلَّ بِالْحَلْقِ لِلْأَثَرِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ لِتَحْلِيلِ الرَّمْيِ لِشَيْءٍ فَالْمَرْجِعُ لِكَلَامِهِ الْأَوَّلِ الْمُوَافِقِ لِلْهِدَايَةِ وَلِحَصْرِهِ التَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ بِقَوْلِهِ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَلْقِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ بُطْلَانُ مَا يُنْسَبُ لِقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ الْحَلْقَ لَا يَحِلُّ بِهِ الطِّيبُ (قَوْلُهُ وَخَطَبَ الْإِمَامُ كَمَا فِي السَّابِعِ) أَيْ يَخْطُبُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَا يَجْلِسُ فِي وَسَطِهَا (قَوْلُهُ هَذِهِ هِيَ الْخُطْبَةُ الثَّالِثَةُ) كَانَ يَنْبَغِي بَيَانُ وَقْتِهَا: وَهُوَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّهَا فِي الْعَاشِرِ، وَعِنْدَنَا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ خُطْبَةٍ وَأُخْرَى بِيَوْمٍ وَقَالَ زُفَرُ يَخْطُبُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا يَوْمُ التَّرْوِيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ فَرْضٌ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُفْتَرَضُ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ بَلْ بِأَكْثَرِهِ وَيَنْجَبِرُ أَقَلُّهُ بِالدَّمِ إذَا تُرِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) أَقُولُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَلَا يَخْتَصُّ آخِرُهُ بِزَمَانٍ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ صِحَّتُهُ بَلْ الْعُمُرُ وَقْتٌ لِصِحَّتِهِ فَإِذَا فَعَلَ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَبِهِمَا) أَيْ فَبِالرَّمَلِ وَالسَّعْيِ يَطُوفُ أَيْ مَعَهُمَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ قَدَّمَ الرَّمَلَ وَالسَّعْيَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ وَإِلَّا فَعَلَهُمَا فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ السَّعْيِ إلَى مَا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَكَذَلِكَ الرَّمَلُ لِيَصِيرَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ دُونَ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالسَّعْيِ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ (قَوْلُهُ وَبِهِ حِلُّ النِّسَاءِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْ بِالطَّوَافِ وَحِلِّ النِّسَاءِ وَيَسْقُطُ لَفْظُ وَبِهِ كَمَا فَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ إذْ حِلُّ النِّسَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْحَلْقِ السَّابِقِ لَا بِالطَّوَافِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ هُوَ الْمُحَلِّلُ دُونَ الطَّوَافِ غَيْرَ أَنَّهُ أَخَّرَ عَمَلَهُ إلَى مَا بَعْدَ الطَّوَافِ فَإِذَا طَافَ عَمِلَ الْحَلْقُ عَمَلَهُ كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أُخِّرَ عَمَلُهُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْحَلْقِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْحَلْقَ أَصْلًا وَقَلَّمَ ظُفُرَهُ أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ قَاصِدًا التَّحَلُّلَ مِنْ الْإِحْرَامِ كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْجَزَاءِ وَحِلُّ النِّسَاءِ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّكْنِ مِنْ السَّبْعَةِ أَشْوَاطٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ فَقَطْ اهـ. قُلْتُ لَكِنْ سَنَذْكُرُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَمَةً مُحْرِمَةً لَهُ تَحْلِيلُهَا بِقَصِّ ظُفُرٍ وَنَحْوِهِ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ التَّحْلِيلُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَتَى مِنًى) أَقُولُ يَعْنِي بَعْدَمَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا (قَوْلُهُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ) أَقُولُ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ تُوضَعُ فِي يَدِهِ وَيَرْمِي بِهَا أَوْ يَرْمِي عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ، وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَعْنِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالصَّغِيرُ يَرْمِي عَنْهُ أَبُوهُ وَيُحْرِمُ عَنْهُ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ عَلَى جَوَازِ إحْرَامِ الْأَبِ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِالْأَوْلَى فَقَالَ وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَيَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا بِالْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ بَعْدَ زَوَالِ ثَانِي النَّحْرِ) هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الزَّوَالِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ قَصْدُهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي النَّفَرِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَوَقَفَ بَعْدَ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ) أَقُولُ لِيَكُونَ الدُّعَاءُ فِي وَسَطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ انْتَهَتْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَدَعَا بِحَاجَتِهِ) أَيْ بَعْدَمَا حَمِدَ وَأَثْنَى وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ) أَيْ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ فِي

وَهُوَ) أَيْ الْمُكْثُ (أَحَبُّ، وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ) أَيْ الْغَدِ (جَازَ وَلَهُ النَّفْرُ) أَيْ الْخُرُوجُ مِنْ مِنًى (إلَى مَكَّةَ قَبْلَ فَجْرِهِ) أَيْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ (لَا بَعْدَهُ) فَإِنَّهُ إنْ وَقَفَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَمْيُ الْجِمَارِ (وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ) أَيْ مَا يَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ مَا يَلِيهِ (مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْأُولَيَيْنِ (وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاتَ بِهَا وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُؤَدِّبُ عَلَى تَرْكِ الْمَقَامِ بِهَا. (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (تَقْدِيمَ ثَقَلِهِ) أَيْ مَتَاعِهِ وَحَوَائِجِهِ (إلَى مَكَّةَ وَإِقَامَتُهُ بِمِنًى لِلرَّمْيِ) ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ شَغْلَ قَلْبِهِ (وَإِذَا رَجَعَ إلَى مَكَّةَ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَدْعِيَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي دُعَائِهِ بِهَذَا الْمَوْقِفِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ» كَمَا فِي الْكَافِي، وَكَذَا يَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَخُصَّ وَالِدَيْهِ وَأَقَارِبَهُ وَمَعَارِفَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ بَعْدَ عُمُومِهِ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدَّمْنَا مَا فِي جَوَازِهِ لِلْعُمُومِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ فِيهِ أَيْ الْغَدِ) صَوَابُهُ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ أَعْنِي الْيَوْمَ الرَّابِعَ (قَوْلُهُ جَازَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانًا وَقَالَا رَمْيُ الرَّابِعِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ كَالثَّانِي وَالثَّالِثِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَهُ النَّفْرُ أَيْ الْخُرُوجُ إلَى مِنًى) أَقُولُ صَوَابُهُ إلَى مَكَّةَ أَوْ مِنْ مِنًى ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَلَهُ النَّفْرُ قَبْلَ فَجْرِهِ مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَهُوَ أَيْ الْمُكْثُ أَحَبُّ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ عَدَمَ جَوَازِ النَّفْرِ بَعْدَ فَجْرِ الرَّابِعِ (قَوْلُهُ وَجَازَ الرَّمْيُ رَاكِبًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ مَاشِيًا أَفْضَلُ لَا الْعَقَبَةِ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ وَكُلُّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَرْمِيَهُ مَاشِيًا وَإِلَّا فَيَرْمِيهِ رَاكِبًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَعْدَهُ وُقُوفٌ وَدُعَاءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَيَرْمِي مَاشِيًا لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى التَّضَرُّعِ وَبَيَانُ الْأَفْضَلِ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الرَّمْيُ كُلُّهُ رَاكِبًا أَفْضَلُ اهـ. لِأَنَّهُ رُوِيَ رُكُوبُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ كُلِّهِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَحْمِلُ مَا رُوِيَ مِنْ رُكُوبِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى ظُهُورِ فِعْلِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَيُسْأَلَ وَيُحْفَظَ عَنْهُ الْمَنَاسِكُ كَمَا ذُكِرَ فِي طَوَافِهِ رَاكِبًا،. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَطْلَقَ اسْتِحْبَابَ الْمَشْيِ قَالَ: يُسْتَحَبُّ الْمَشْيُ إلَى الْجِمَارِ، وَإِنْ رَكِبَ إلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَالْمَشْيُ أَفْضَلُ وَتَظْهَرُ أَوْلَوِيَّتُهُ؛ لِأَنَّا إذَا حَمَلْنَا رُكُوبَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قُلْنَا كَانَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ مَاشِيًا أَقْرَبَ إلَى التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مُشَاةٌ فِي جَمِيعِ الرَّمْيِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْأَذَى بِالْمَرْكُوبِ بَيْنَهُمْ بِالزَّحْمَةِ اهـ. مَا قَالَهُ الْكَمَالُ، وَقَدْ شَاهَدْت أَذِيَّةَ الرَّاكِبِ خُصُوصًا مِمَّنْ يَكُونُ فِي مِحَفَّةٍ وَمَعَهُ أَتْبَاعُهُ مِنْ الْجُنْدِ رُكْبَانًا مَعَ ضِيقِ الْمَحَلِّ بِكَثْرَةِ الْحَاجِّ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى) قَالَ الْكَمَالُ وَيَكُونُ مُسِيئًا لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَقَالَ فِي الْكَافِي يُكْرَهُ أَنْ لَا يَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ الرَّمْيِ، وَلَوْ بَاتَ فِي غَيْرِهَا عَمْدًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ بَلْ هِيَ تَبَعٌ لِلرَّمْيِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ كَالْبَيْتُوتَةِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لَيْلَةَ النَّحْرِ اهـ فَلْيُنْظَرْ التَّوْفِيقُ لِيُدْفَعَ التَّعَارُضُ (قَوْلُهُ وَعُمَرُ كَانَ يُؤَدِّبُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ - اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِهِ - ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْهَى أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مِنًى وَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنَامَ أَحَدٌ أَيَّامَ مِنًى بِمَكَّةَ (قَوْلُهُ ثَقَلِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَجَمْعُهُ أَثْقَالٌ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ) لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ زَمَنًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ يَنْزِلُ سَاعَةً اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ يُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّ النُّزُولَ سَاعَةً مُحَصِّلٌ لِأَصْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا الْكَمَالُ فَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ الْأَبْطَحُ) وَيُقَالُ لَهُ خَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ. وَقَالَ فِي الْإِمَامِ هُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ إلَى مِنًى أَقْرَبُ، وَهَذَا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ فِنَاءُ مَكَّةَ حَدُّهُ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ الْمُتَّصِلِينَ بِالْمَقَابِرِ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لِذَلِكَ مُصَعِّدًا فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مِنًى مُرْتَفِعًا مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَيْسَتْ الْمَقْبَرَةُ مِنْ الْمُحَصَّبِ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ نَزَلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَقُولُ وَكَانَ نُزُولُهُ قَصْدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى يَكُونَ النُّزُولُ بِهِ سُنَّةً كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ طَافَ لِلصَّدَرِ) عَبَّرَ بِثُمَّ الْمُفِيدَةِ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي فَأَفَادَ أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهِ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ وَأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ مَا دَامَ عَازِمًا عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ مَكَثَ عَامًا لَا يَنْوِي الْإِقَامَةَ فَلَهُ أَنْ يَطُوفَهُ وَيَقَعُ أَدَاءً وَإِذَا طَافَهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَطُوفَهُ حِينَ يَخْرُجُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ إذَا اشْتَغَلَ بَعْدَهُ بِعَمَلٍ بِمَكَّةَ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا طَافَ لِلصَّدَرِ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْعِشَاءِ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَطُوفَ طَوَافًا آخَرَ كَيْ لَا يَكُونَ بَيْنَ طَوَافِهِ وَنَفْرِهِ حَائِلٌ، وَلَوْ نَفَر وَلَمْ يَطُفْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فَيَطُوفَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ جَدِيدٍ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْمَوَاقِيتَ فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ عَيْنًا بَلْ إمَّا أَنْ يَمْضِيَ وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِمَّا

وَهُوَ وَاجِبٌ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ (سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ (بِلَا رَمَلٍ وَسَعْيٍ ثُمَّ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) أَيْ عَتَبَةَ الْكَعْبَةِ (وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ عَلَى الْمُلْتَزَمِ) ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ (وَتَشَبَّثَ) أَيْ تَمَسَّكَ (بِالْأَسْتَارِ) أَيْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ سَاعَةً وَدَعَا مُجْتَهِدًا (وَبَكَى) عَلَى فِرَاقِ الْكَعْبَةِ (وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ جَازَ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ) ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ (مَنْ وَقَفَ بِهَا) أَيْ بِعَرَفَاتٍ (سَاعَةً مِنْ زَوَالِ عَرَفَةَ إلَى صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ اجْتَازَ بِالنَّوْمِ أَوْ الْإِغْمَاءِ أَوْ جَهِلَ أَنَّهَا) أَيْ تِلْكَ الْأَرْضَ (عَرَفَاتٌ صَحَّ) وُقُوفُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَرْجِعَ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ يَطُوفَ لِلصَّدَرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِتَأْخِيرِهِ وَقَالُوا الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ وَيُرِيقَ مَالًا؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الْتِزَامِ الْإِحْرَامِ وَمَشَقَّةِ الطَّرِيقِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ وَاجِبٌ) أَقُولُ وَلَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ حَتَّى لَوْ طَافَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدَرِ كَمَا لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيُلْحَقُ بِهِمْ أَهْلُ مَا دُونَ الْمِيقَاتِ وَمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ أَيْ الرُّجُوعِ إلَى مَكَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بَعْدَمَا حَلَّ وَقْتُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ النَّفْرُ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ التَّوْدِيعُ كَنِيَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُسْتَثْنَاةٌ بِالنَّصِّ وَالنُّفَسَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ وَلَيْسَ لِلْعُمْرَةِ طَوَافُ الصَّدَرِ كَعَدَمِ طَوَافِ الْقُدُومِ لَهَا اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ. . . إلَخْ) . أَيْ بَعْدَ مَا صَلَّى رَكْعَتَيْ طَوَافِ الْوَدَاعِ (قَوْلُهُ وَقَبَّلَ الْعَتَبَةَ) أَيْ بَعْدَ زَمْزَمَ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اخْتَلَفُوا هَلْ يَبْدَأُ بِالْمُلْتَزَمِ أَوْ بِزَمْزَمَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِزَمْزَمَ، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَسْتَقِيَ بِنَفْسِهِ الْمَاءَ وَيَشْرَبَهُ مُسْتَقْبِلَ الْبَيْتِ وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ وَيَتَنَفَّسَ فِيهِ مَرَّاتٍ وَيَرْفَعَ بَصَرَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَيَنْظُرَ إلَى الْبَيْتِ وَيَمْسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ إنْ تَيَسَّرَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ الْكَمَالُ فَصْلًا مُسْتَقِلًّا فِي فَضْلِ مَاءِ زَمْزَمَ وَذَكَرَ فِيهِ مَا بِهِ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ مَتْنِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ سِيَاقِ حَدِيثِ «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» ، وَقَدْ شَرِبَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَطَالِبَ جَلِيلَةٍ فَنَالُوهَا بِبَرَكَتِهِ اهـ. وَصَرَّحَ الْكَمَالُ بِاسْمِ بَعْضِهِمْ كَابْنِ الْمُبَارَكِ (قَوْلُهُ وَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَ عَلَى الْمُلْتَزَمِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بَابَ الْبَيْتِ أَوَّلًا وَيُقَبِّلَ الْعَتَبَةَ وَيَدْخُلَ الْبَيْتَ حَافِيًا ثُمَّ يَأْتِيَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَيَتَشَبَّثَ بِالْأَسْتَارِ سَاعَةً يَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ بِمَا أَحَبَّهُ مِنْ أُمُورِ الدَّارَيْنِ وَيَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّ هَذَا بَيْتُك الَّذِي جَعَلْته مُبَارَكًا وَهُدَى لِلْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتنِي لَهُ فَتَقَبَّلْ مِنِّي، وَلَا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ بَيْتِك وَارْزُقْنِي الْعَوْدَ إلَيْهِ حَتَّى تَرْضَى عَنِّي بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَقَالَ الْكَمَالُ الْمُلْتَزَمُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا دَعَوْت قَطُّ إلَّا أَجَابَنِي» اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَمَاكِنِ الْمُسْتَجَابِ فِيهَا الدُّعَاءُ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي ذَلِكَ إجْلَالُ الْبَيْتِ وَتَعْظِيمُهُ وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِهِ فِي تَعْظِيمِ الْأَكَابِرِ وَالْمُنْكِرُ لِذَلِكَ مُكَابِرٌ، وَهَذَا تَمَامُ الْحَجِّ يَرْجِعُ إلَى وَطَنِهِ اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى لِمَا رَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَانَ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَيَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى» قَالَهُ الْكَمَالُ، وَلَا يَغْفُلُ عَنْ زِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَطَالِبِ (تَنْبِيهٌ) : فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشْعَارٌ بِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُجَاوَرَةُ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ وَنَفَى الْكَرَاهَةَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ: وَهُوَ أَيْ قَوْلُهُمَا أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] وَالْعُكُوفُ الْمُجَاوَرَةُ اهـ. وَأَجَابَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ دَلِيلِهِمَا بِأَنَّ الْعُكُوفَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى اللُّبْثِ دُونَ الْمُجَاوَرَةِ (قَوْلُهُ جَازَ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْوَاقِفِ بِعَرَفَةَ. . . إلَخْ) فِي تَعْبِيرِهِ بِجَوَازِ التَّرْكِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيهَامَ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ، وَلَا يَأْتِي بِهِ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ سَقَطَ عَنْهُ طَوَافُ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَفْعَالِ فَلَا يَكُونُ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ سُنَّةً. اهـ. وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي عُدُولِهِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالسُّقُوطِ أَنَّ حَقِيقَةَ السُّقُوطِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي اللَّازِمِ وَلَكِنْ عَبَّرَ بِهِ الْمُؤَلِّفُونَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ عَنْ عَدَمِ سُنِّيَّةِ الْإِتْيَانِ بِهِ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ؛ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ مَا شَرَعَ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْأَفْعَالِ كَمَا أَفَادَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مَنْ وَقَفَ بِهَا سَاعَةً) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ لَا السَّاعَةُ عِنْدَ الْمُنَجِّمِينَ (قَوْلُهُ صَحَّ وُقُوفُهُ) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يَقُلْ تَمَّ حَجُّهُ كَصَاحِبِ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ الْأَمْنُ مِنْ بُطْلَانِ الْحَجِّ لَا حَقِيقَةُ التَّمَامِ لِبَقَاءِ الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ لَكِنَّهُ

؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ، وَهُوَ الْوُقُوفُ (كَذَا) أَيْ صَحَّ أَيْضًا (لَوْ أَهَلَّ رَفِيقُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقَدَ الرُّفْقَةَ فَقَدْ اسْتَعَانَ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَالْإِحْرَامُ مَقْصُودٌ بِهَذَا السَّفَرِ فَكَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً فَإِنَّهُ إذَا آذَنَ إنْسَانًا بِأَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ نَامَ فَأَحْرَمَ عَنْهُ صَحَّ بِالْوِفَاقِ فَكَذَا هَذَا حَتَّى إذَا أَفَاقَ أَوْ اسْتَيْقَظَ وَأَتَى بِأَفْعَالِ الْحَجِّ جَازَ فَيَصِيرُ الرَّفِيقُ مُحْرِمًا عَنْ نَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ، وَعَنْ غَيْرِهِ بِالنِّيَابَةِ (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهَا) أَيْ فِي عَرَفَاتٍ (فَاتَ حَجُّهُ فَطَافَ وَسَعَى وَتَحَلَّلَ وَقَضَى مِنْ قَابِلٍ) أَيْ عَامَ قَابِلٍ بَعْدَهُ (وَالْمَرْأَةُ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (كَالرَّجُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا وَقَفَ نَهَارًا وَجَبَ عَلَيْهِ امْتِدَادُ الْوُقُوفِ إلَى مَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ وَقَفَ لَيْلًا يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِدَادُهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الرُّكْنُ قَدْ وُجِدَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النِّيَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِكُلِّ رُكْنٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرُّكْنُ مِمَّا يَسْتَقِلُّ عِبَادَةً مَعَ عَدَمِ إحْرَامِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَيُحْتَاجُ فِيهِ إلَى أَصْلِ النِّيَّةِ، وَعَنْ هَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ فَإِنَّهُ لَوْ طَافَ هَارِبًا أَوْ طَالِبًا لِهَارِبٍ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي يَجِبُ الطَّوَافُ بِهِ لَا يُجْزِيهِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَلَوْ نَوَى أَصْلَ الطَّوَافِ جَازَ، وَلَوْ عَيَّنَ جِهَةً غَيْرَ الْفَرْضِ مَعَ أَصْلِ النِّيَّةِ لَغَتْ حَتَّى لَوْ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ عَنْ نَذْرٍ وَقَعَ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلَمْ يُجْزِهِ عَنْ النَّذْرِ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ يُؤَدَّى فِي إحْرَامٍ مُطْلَقًا فَأَغْنَتْ النِّيَّةُ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْأَدَاءِ عَنْهَا فِيهِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ الَّذِي يُؤَدَّى بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَلْقِ فَلَا يُغْنِي وُجُودُهَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ عَنْهَا، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ لَا الْعُمْرَةِ وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَذَا أَيْ صَحَّ أَيْضًا لَوْ أَهَلَّ رَفِيقُهُ عَنْهُ بِالْحَجِّ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَسَوَاءٌ أَحْرَمَ الرَّفِيقُ قَبْلَ إحْرَامِهِ عَنْهُ أَوْ لَا وَأَطْلَقَ مَنْ أَحْرَمَ عَنْهُ عَنْ قَيْدِ الْإِغْمَاءِ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ، وَلَوْ أَهَلَّ عَنْهُ رَفِيقُهُ بِإِغْمَائِهِ صَحَّ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْحَجِّ لِدَلَالَةِ حَالَةِ الْمُسَافِرِ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ عَنْ الْقَيْدِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُ بِحِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ بِمَكَّةَ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا اهـ. قُلْتُ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ الْفَرْضَ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ يَمْتَدُّ الْإِغْمَاءُ، وَلَا يَحْصُلُ إحْرَامٌ عَنْهُ بِالْحَجِّ فَيَفُوتُ مَقْصِدُهُ ظَاهِرًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَاقَدَهُمْ عَقْدَ الرُّفْقَةِ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفِيقِ رَفِيقُ الْقَافِلَةِ لَا الصُّحْبَةِ وَالْمُخَالَطَةِ كَمَا قَالُوا فِي خَوْفِ الْعَطَشِ عَلَى الرَّفِيقِ الْمُرَادُ بِهِ رَفِيقُ الْقَافِلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ رَفِيقِهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ الْكَمَالُ الرَّفِيقُ قَيْدٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ آخَرِينَ حَتَّى لَوْ أَهَلَّ غَيْرُ رُفَقَائِهِ عَنْهُ جَازَ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ لَا الْوِلَايَةِ، وَدَلَالَةُ الْإِعَانَةِ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ عُلِمَ قَصْدُهُ رَفِيقًا كَانَ أَوْ لَا وَلَيْسَ مَعْنَى الْإِحْرَامِ عَنْهُ أَنْ يُجَرِّدُوهُ وَيُلْبِسُوهُ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ بَلْ أَنْ يَنْوُوا وَيُلَبُّوا عَنْهُ فَيَصِيرُ هُوَ بِذَلِكَ مُحْرِمًا كَمَا لَوْ نَوَى وَلَبَّى وَيَنْتَقِلُ إحْرَامُهُمْ إلَيْهِ حَتَّى كَانَ لِلرَّفِيقِ أَنْ يُحْرِمَ عَنْ نَفْسِهِ مَعَ ذَلِكَ وَإِذَا بَاشَرَ أَيْ الرَّفِيقُ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْقَارِنِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ مُغْمًى عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْأَفْعَالِ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ الْمَشَاهِدَ فَيُطَافُ بِهِ وَيُسْعَى وَيُوقَفُ أَوْ لَا بَلْ مُبَاشَرَةُ الرُّفْقَةِ لِذَلِكَ عَنْهُ تُجْزِئُهُ فَاخْتَارَ طَائِفَةٌ الْأَوَّلَ وَاخْتَارَ آخَرُونَ الثَّانِيَ، وَجَعَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَصَحَّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ أَوْلَى لَا مُتَعَيِّنٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَطِيفَ بِهِ الْمَنَاسِكَ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا وَيُشْتَرَطُ نِيَّتُهُمْ الطَّوَافَ إذَا حَمَلُوهُ فِيهِ كَمَا يُشْتَرَط نِيَّتُهُمْ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَا أَعْلَمُ عَنْهُمْ تَجْوِيزَ عَدَمِ حَمْلِهِ وَعَدَمِ شُهُودِ الْمَشَاهِدِ. اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ إجْزَاءَ طَوَافٍ وَاحِدٍ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ بِالنِّيَّةِ عَنْهُمَا وَيُخَالِفُهُ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ مَنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا أَجْزَأَ ذَلِكَ الطَّوَافُ عَنْ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ جَمِيعًا وَسَوَاءٌ نَوَى الْحَامِلُ الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ الْمَحْمُولِ أَوْ لَمْ يَنْوِ أَوْ كَانَ لِلْحَامِلِ طَوَافَ الْعُمْرَةِ وَلِلْمَحْمُولِ طَوَافَ الْحَجِّ وَعَكْسُهُ أَوْ كَانَ الْحَامِلُ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ وَالْمَحْمُولُ عَمَّا أَوْجَبَهُ إحْرَامُهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ جِنَايَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بِانْقِلَابِهِ عَلَى صَيْدٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ إذَا أَذِنَ صَحَّ بِالْوِفَاقِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْقَائِلُ بِصِحَّةِ الْإِهْلَالِ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَبُو حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا فَإِذَا أَذِنَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّ إجْمَاعًا لَكِنْ لَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ الْقَائِلَ، وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي مَعَ ذِكْرِ الِاتِّفَاقِ بَعْدَهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ جَوَازُ إتْمَامِ حَجِّ مَنْ حَصَلَ لَهُ عِلَّةٌ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ نَصَّ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الطَّوَافَ إلَّا مَحْمُولًا وَهُوَ يَعْقِلُ وَنَامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَطَافُوا بِهِ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ إذَا طَافُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِهِ لَا يَجْزِيهِ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ ثُمَّ نَامَ فَحَمَلُوهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلُوا بِهِ الطَّوَافَ أَوْ تَوَجَّهُوا بِهِ نَحْوَهُ فَنَامَ وَطَافُوا بِهِ أَجْزَأَهُ اهـ. وَنَقَلَ مِثْلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ فَظَهَرَ أَنَّ النَّائِمَ يَشْتَرِطُ صَرِيحَ الْإِذْنِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَإِنْ طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا بِغَيْرِ عِلَّةٍ طَوَافَ الْعُمْرَةِ أَوْ الزِّيَارَةِ وَجَبَ الْإِعَادَةُ أَوْ الدَّمُ اهـ. (قَوْلُهُ فَطَافَ

[باب القران والتمتع]

لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا، وَلَا تُلَبِّي جَهْرًا، وَلَا تَرْمُلُ، وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ، وَلَا تَحْلِقُ وَتُقَصِّرُ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ، وَلَا تَقْرَبُ الْحَجَرَ فِي الزِّحَامِ، وَحَيْضُهَا لَا يَمْنَعُ نُسُكًا غَيْرَ الطَّوَافِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ لِلْحَائِضِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَيْضُ (بَعْدَ رُكْنَيْهِ) أَيْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ (يَسْقُطُ الصَّدْرُ) ، وَهُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ (الْبُدْنُ) جَمْعُ بَدَنَةٍ (مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) وَالْهُدَى مِنْهُمَا وَمِنْ الْغَنَمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (بَابُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ) (الْقِرَانُ أَنْ يُهِلَّ) الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ (بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا) قَالَ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ أَنْ يُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ. . . إلَخْ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ اشْتِرَاطُ الْإِهْلَالِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمِيقَاتِ جَازَ وَصَارَ قَارِنًا؛ وَلِذَا قُلْت هَاهُنَا (مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا) كَذَا فِي الْكَافِي (وَيَقُولَ بَعْدَ الصَّلَاةِ) يَعْنِي الشَّفْعَ الَّذِي يُصَلِّيهِ مُرِيدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ) أَيْ يَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهَا تَكْشِفُ وَجْهَهَا لَا رَأْسَهَا) تَبِعَ فِيهِ الْهِدَايَةَ وَالْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ رَأْسَهَا، وَلَا يَذْكُرُ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهُ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونُ فِي ذِكْرِهِ تَطْوِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيهِ، وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ لَمَا عُرِفَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ. فَلَا يُنَاسِبُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمَّا كَانَ كَشْفُ وَجْهِهَا خَفِيًّا؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّهَا لَا تَكْشِفُ لِمَا أَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فِيهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ كَمَا قَالُوا أَنْ تُسْدِلَ عَلَى وَجْهِهَا شَيْئًا وَتُجَافِيَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِذَلِكَ أَعْوَادًا كَالْقُبَّةِ تُوضَعُ عَلَى الْوَجْهِ وَتُسْدَلُ فَوْقَهَا الثَّوْبُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ إبْذَالِ وَجْهِهَا لِلْأَجَانِبِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ دَلَّ الْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ الرُّكْبَانُ تَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْنَا سَدَلَتْ إحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ» . (قَوْلُهُ: وَلَا تَسْعَى بَيْنَ الْمِيلَيْنِ) أَيْ فَتَمْشِي بَيْنَهُمَا عَلَى هِينَتِهَا كَبَاقِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؛ لِأَنَّ سَعْيَهَا بَيْنَ الْمِيلَيْنِ مُخِلٌّ بِالسَّتْرِ أَوْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِإِظْهَارِ الْجَلَدِ وَهُوَ لِلرِّجَالِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهَا لَا تَضْطَبِعُ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةُ الرَّمَلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَتُقَصِّرُ) أَيْ كَالرَّجُلِ مِنْ رُبُعِ شَعْرِهَا خِلَافًا لِمَا قِيلَ: إنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ فِي حَقِّهَا بِالرُّبُعِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَتَلْبَسُ الْمَخِيطَ) قَالَ الْكَمَالُ لَكِنْ لَا تَلْبَسُ الْمُوَرَّسَ وَالْمُزَعْفَرَ وَالْمُعَصْفَرَ اهـ. قُلْتُ إنْ كَانَ لِصَبْغٍ فِيهِ يَنْفُضُهُ فَهِيَ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ حَيْثِيَّةِ الطِّيبِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْفَضُ فَهُوَ جَائِزٌ لَهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَخِيطِ إذَا لَمْ يُنْفَضْ جَازَ لُبْسُهُ لِلرَّجُلِ (قَوْلُهُ وَحَيْضُهَا لَا يَمْنَعُ نُسُكًا) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَخْلُو بِامْرَأَةٍ، وَلَا بِرَجُلٍ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ] (قَوْلُهُ الْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ) أَقُولُ كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّهُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إهْلَالٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِهْلَالُ بِكُلِّ ذِكْرٍ خَالِصٍ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّلْبِيَةِ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِهْلَالِ مُحَافَظَةً عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ إذْ رَفْعُ الصَّوْتِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلدُّخُولِ فِي الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا بَلْ الرَّفْعُ مُسْتَحَبٌّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ الْقِرَانِ لُغَةً وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ مَصْدَرُ قَرَنَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ الْقِرَانَ لِفَضْلِهِ عَلَى الْإِفْرَادِ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ تَرَقِّيًا مِنْ الْوَاحِدِ إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدُ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَخَّرَ بَيَانَ أَفْضَلِيَّتِهِ آخِرَ الْبَابِ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ (قَوْلُهُ مَعًا) الْمَعِيَّةُ لَيْسَتْ قَيْدًا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ بِحِجَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ صَارَ قَارِنًا، وَإِنْ طَافَ لَهَا أَرْبَعَةً ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَكَذَا يَكُونُ قَارِنًا لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ وَقَدْ أَسَاءَ لِتَقْدِيمِهِ إحْرَامَ الْحَجِّ عَلَى إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ أَحْرَمَ لِلْعُمْرَةِ بَعْدَمَا طَافَ لِلْحَجِّ طَوَافَ الْقُدُومِ كَانَ قَارِنًا وَيَلْزَمُهُ دَمُ جَبْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ لَا دَمُ شُكْرٍ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَنْزِ. . . إلَخْ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِيقَاتَ ذُكِرَ قَيْدًا اتِّفَاقِيًّا فِي كَلَامِ الْكَنْزِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَكُونُ إلَّا آفَاقِيًّا وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَوْ أَحْرَمَ مِنْهُ) وَلَيْسَ قَيْدًا لَازِمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهِمَا دَاخِلَ الْمِيقَاتِ كَانَ قَارِنًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَيَقُولَ) بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى يُهِلَّ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ وُجْدَانِ النِّيَّةِ أَوْ إعْلَامٌ بِهَا فَهُوَ بَيَانٌ لِشَرْطَيْ دُخُولِهِ فِي الْقِرَانِ التَّلْبِيَةُ وَالنِّيَّةُ أَفَادَ الْإِتْيَانَ بِالتَّلْبِيَةِ بِقَوْلِهِ يُهِلُّ وَالْإِتْيَانَ بِالنِّيَّةِ بِيَقُولُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ ظَرْفٌ

لِلْإِحْرَامِ (اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَيَسِّرْهُمَا لِي وَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي وَطَافَ لِلْعُمْرَةِ سَبْعَةٌ يَرْمُلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَيَسْعَى بِلَا حَلْقٍ) بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ (ثُمَّ يَحُجُّ) أَيْ يَبْدَأُ بِأَفْعَالِ الْحَجِّ فَيَطُوفُ طَوَافَ الْقُدُومِ وَيَسْعَى (كَمَا مَرَّ) فِي الْمُفْرِدِ (وَكُرِهَ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ لَهُمَا) بِأَنْ طَافَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَوْطًا سَبْعَةً لِلْعُمْرَةِ وَسَبْعَةً لِطَوَافِ الْقُدُومِ لِلْحَجِّ ثُمَّ سَعَى لَهُمَا، وَإِنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ سَعْيَ الْعُمْرَةِ وَقَدَّمَ طَوَافَ الْقُدُومِ (وَذَبَحَ لِلْقِرَانِ بَعْدَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الذَّبْحِ (صَامَ ثَلَاثَةَ) أَيَّامٍ (آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَسَبْعَةَ) أَيَّامٍ (بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَيْنَ شَاءَ) أَيْ سَوَاءٌ صَامَ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا (فَإِنْ فَاتَتْ الثَّلَاثَةُ تَعَيَّنَ الدَّمُ وَبِالْوُقُوفِ قَبْلَ الْعُمْرَةِ بَطَلَتْ وَقُضِيَتْ) أَيْ الْعُمْرَةُ (وَوَجَبَ دَمُ الرَّفْضِ وَسَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ) . قَوْلُهُ (وَالتَّمَتُّعُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقِرَانُ (الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِهِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَلِّقٌ بِيَقُولُ وَيُهِلُّ فَيَكُونَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فِي الذِّكْرِ عِنْدَ الْإِهْلَالِ وَدُعَاءِ التَّيْسِيرِ وَإِنْ أَخَّرَهَا فِيهِمَا جَازَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْكَافِي وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَدَّمَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ ذِكْرَ الْحَجِّ تَبَرُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَمَنْ مَالَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ اهـ. وَالْآيَةُ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي التَّمَتُّعِ لَكِنَّ الْقِرَانَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَرَفَّقَ بِالنُّسُكَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحَلْقُ بَعْدَ سَعْيِهِ إنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحُجُّ) عَبَّرَ بِحَرْفِ التَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَيْنَ الطَّوَافَيْنِ بِأَكْلٍ أَوْ نَوْمٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ أَيْ يَبْدَأُ. . . إلَخْ) هَذَا التَّرْتِيبُ أَعْنِي تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ وَاجِبٌ فَلَوْ طَافَ أَوَّلًا لِحَجَّتِهِ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا فَطَوَافُهُ الْأَوَّلُ وَسَعْيُهُ يَكُونُ لِلْعُمْرَةِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِقَوْلِهِ فِي الْبَحْرِ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْمَنَاسِكِ لَا يُوجِبُ الدَّمَ عِنْدَهُمَا،. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ طَوَافُ التَّحِيَّةِ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ لَا يُوجِبُ الدَّمَ فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى اهـ. (تَنْبِيهٌ) : هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْقِرَانِ الْإِتْيَانُ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ كَالتَّمَتُّعِ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَالْحَقُّ اشْتِرَاطُ فِعْلِ أَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ وَذَبَحَ لِلْقِرَانِ) أَيْ شَاةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الْبَقَرَةِ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الشَّاةِ كَمَا هُوَ فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ (قَوْلُهُ صَامَ ثَلَاثَةً آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. وَعَلَى هَذَا يُسْتَثْنَى عَدَمُ كَرَاهَةِ صَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ عَنْ الْهَدْيِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَرَاهَةَ صَوْمِهِ لِلْحَاجِّ، وَالْعِبْرَةُ لِأَيَّامِ النَّحْرِ فِي الْعَجْزِ وَالْقُدْرَةِ أَيْ مَا لَمْ يَحْلِقْ، وَكَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ صَوْمَ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْدَمَا أَكْمَلَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَيَحِلَّ وَهُوَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ بَطَلَ صَوْمُهُ وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْهَدْيِ، وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ صَوْمِ السَّبْعَةِ أَيَّامٍ صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُ الْهَدْيِ، وَلَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ مَاضٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ فَحَقَّقْت لُزُومَ ذَبْحِ الْهَدْيِ لِوُجُودِهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَ الْحَلْقِ كَمَا لَوْ وَجَدَهُ فِيهَا قَبْلَ الْحَلْقِ وَأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ، وَلَا الرَّمْيِ وَلَيْسَ التَّحَلُّلُ إلَّا بِالْحَلْقِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي حِلِّ النِّسَاءِ قَبْلَ الطَّوَافِ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا بَدِيعَةَ الْهَدْيِ لِمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ (قَوْلُهُ وَسَبْعَةً بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ صَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْوَاجِبِ لِلنَّهْيِ عَنْ صِيَامِهَا كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَبِالْوُقُوفِ قَبْلَ الْعُمْرَةِ) أَيْ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِأَكْثَرِ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنْ أَتَى بِأَكْثَرِ الطَّوَافِ بِقَصْدِهَا أَوْ بِقَصْدِ الْقُدُومِ أَوْ التَّطَوُّعِ لَمْ تَبْطُلْ وَيَأْتِي بِبَاقِيهَا يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ قَارِنٌ عَلَى حَالِهِ وَتَلْغُو نِيَّةُ الطَّوَافِ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ أَتَى بِأَقَلِّهَا بَطَلَتْ بِالْوُقُوفِ وَقُيِّدَ بُطْلَانُهَا بِالْوُقُوفِ فَلَا تَبْطُلُ بِالذَّهَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ رَفْضَهَا بِمُجَرَّدِ التَّوَجُّهِ كَالْجُمُعَةِ وَالْفَرْقُ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْأَمْرَ هُنَاكَ بِالتَّوَجُّهِ مُتَوَجِّهٌ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَالتَّمَتُّعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) أَيْ بَيْنَ أَفْعَالِهِمَا وَهُمَا صَحِيحَانِ بِإِحْرَامَيْنِ وَأَكْثَرُ طَوَافِهِمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِإِحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا كَفِعْلِهَا فِيهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَفَسَّرْنَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بِالْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا الشَّرْطُ لَا الْإِحْرَامُ إذْ لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مِنْ قَابِلٍ وَأَتَى بِهَا فِيهِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَقَوْلُنَا عَنْ إحْرَامٍ بِهَا قَبْلَهَا احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّحَلُّلُ بِالْعُمْرَةِ كَفَائِتِ الْحَجِّ فَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِهِ فِي عَامِهِ بَلْ أَخَّرَ إلَى قَابِلٍ فَتَحَلَّلَ بِهَا فِي شَوَّالٍ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَتَى بِهِمَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنْ مِنْ عَامَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ بِلَا إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ) الْإِلْمَامُ النُّزُولُ يُقَالُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إذَا نَزَلَ

إلْمَامًا صَحِيحًا بَيْنَهُمَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ التَّمَتُّعُ التَّرَفُّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَا يَتِمُّ بِهِ مَعْنَى التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ التَّرَفُّقَ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَالْآخَرُ فِيهَا، وَكَذَا لَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إذَا كَانَ النُّسُكَانِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا حَصَلَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَالْآخَرَ مِنْ السَّنَةِ الْأُخْرَى، وَلَمْ يُوجَدْ الْإِلْمَامُ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ ثُمَّ قَالَ فَإِذَنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَنْ يُقَالَ التَّمَتُّعُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ بِأَهْلِهِ بَيْنَهُمَا إلْمَامًا صَحِيحًا وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ تَفْسِيرُهُ وَأَمَّا كَوْنُ التَّرَفُّقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ فَهُوَ شَرْطٌ وَسَنَذْكُرُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَ اللَّفْظِ بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا تَعْرِيفًا اسْمِيًّا فَيَجِبُ كَوْنُهُ جَامِعًا وَمَانِعًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْمَحْدُودِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا فَلِهَذَا اخْتَرْت هَهُنَا تِلْكَ الْعِبَارَةَ (فَيُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي الْأَشْهُرِ بِعُمْرَةٍ فَيَطُوفُ لَهَا قَاطِعًا التَّلْبِيَةَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) لِلْعُمْرَةِ (وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ فَبَعْدَ مَا أَحَلَّ مِنْهَا أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ) وَكَوْنُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ (بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَفْضَلُ وَحَجَّ كَالْمُفْرِدِ لَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ وَيَسْعَى بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ طَوَافِهِ لِلْحَجِّ بِخِلَافِ الْمُفْرِدِ فَإِنَّهُ قَدْ سَعَى مَرَّةً (وَذَبَحَ) ، وَهُوَ دَمُ التَّمَتُّعِ (وَلَمْ تَنُبْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ، وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ الذَّبْحِ (صَامَ كَالْقِرَانِ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ (وَجَازَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (لَا قَبْلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ (وَنُدِبَ تَأْخِيرُهُ إلَى عَرَفَةَ) فَإِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ وَقْتٌ لِصَوْمِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْإِحْرَامُ، وَكَذَا الْحَالُ فِي الْقِرَانِ لَكِنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ آخِرُهَا عَرَفَةُ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنْ شَاءَ) الْمُتَمَتِّعُ (سَوْقَ هَدْيِهِ أَحْرَمَ وَسَاقَهُ) ، وَهُوَ أَفْضَل مِنْ قَوْدِهِ إلَّا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلْمَامًا صَحِيحًا) هُوَ النُّزُولُ بِوَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهُدَى وَالْإِلْمَامُ الْفَاسِدُ مَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ قُلْتُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَلَكِنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ تَحَلُّلِهِ لَا يَكُونُ إلْمَامُهُ صَحِيحًا (قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الْعِنَايَةِ إنَّ التَّرَفُّقَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. . . إلَخْ وَيُؤَيِّدُ بَحْثَ الْمُصَنِّفِ قَوْلُ الْكَمَالِ بَعْدَ سِيَاقِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ اهـ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَضِ بِمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ الْجَوَابِ، وَلَكِنْ مَالَ شَيْخُنَا إلَى كَلَامِ الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ خَارِجَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةِ وَالتَّعْرِيفُ لِحَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةِ (قَوْلُهُ فَيُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ) الْمِيقَاتُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْعُمْرَةِ، وَلَا لِلتَّمَتُّعِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا جَازَتْ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِهَا تَمَتُّعٌ، وَلَا قِرَانٌ اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمِيقَاتَ يُطْلَقُ لِكُلٍّ بِمَا يُنَاسِبُهُ فَيَشْمَلُ الْمَكِّيَّ (قَوْلُهُ: فِي الْأَشْهُرِ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ الْإِحْرَامُ بِهَا بِالْأَشْهُرِ بَلْ أَكْثَرُ طَوَافِهَا فِيهَا شَرْطٌ (قَوْلُهُ قَاطِعًا التَّلْبِيَةَ أَوَّلَ طَوَافِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَقْطَعُهَا إذَا رَأَى بُيُوتَ مَكَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إذَا رَأَى الْبَيْتَ فَيَكُونُ تَلْبِيَتُهُ إذْ ذَاكَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا إلَى أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ (قَوْلُهُ وَيَحْلِقُ) يَعْنِي إنْ شَاءَ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ تَحَلَّلَ، وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَرْمُلُ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُتَمَتِّعُ طَافَ وَسَعَى بَعْدَمَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إلَى مِنًى لَمْ يَرْمُلْ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَنُبْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ) أَقُولُ حَتَّى لَوْ تَحَلَّلَ بَعْدَمَا ضَحَّى يَجِبُ دَمَانِ دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الذَّبْحِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ اهـ. قُلْتُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ طَوَافٍ مَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمُتْعَةِ وَتَلْغُوَ نِيَّتُهُ كَذَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ رَأَيْت مُوَافَقَتَهُ لِفَهْمِ صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ الْحُكْمِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ أَيْ دَمُ التَّمَتُّعِ لَيْسَ فَوْقَ طَوَافِ الرُّكْنِ، وَلَا مِثْلَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ التَّطَوُّعَ أَجْزَأَ عَنْ الرُّكْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى لَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ طَوَافُ الرُّكْنِ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وُجُوبًا كَانَ النَّظَرُ لِإِيقَاعِ مَا طَافَهُ عَنْهُ وَتَلْغُو نِيَّتُهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَالْمُتْعَةِ فَلَا تَقَعُ الْأُضْحِيَّةُ مَعَ تَعَيُّنِهَا عَنْ غَيْرِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَجَازَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهَا أَيْ الْعُمْرَةِ) أَقُولُ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ لَهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ صِحَّةُ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ يَعْنِي: وَلَوْ صَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّمَتُّعُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ الْمُتَمَتِّعُ سَوْقَ الْهَدْيِ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْمُتَمَتِّعِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ أَحْرَمَ وَسَاقَ) عَبَّرَ بِالْوَاوِ فَصَدَقَ بِمَا لَوْ أَحْرَمَ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ

كَانَتْ لَا تُسَاقُ فَحِينَئِذٍ يَقُودُهَا (وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّجْلِيلِ) أَيْ إلْقَاءُ الْجَلِّ عَلَى ظَهْرِهَا؛ لِأَنَّ لَهُ ذِكْرًا فِي الْقُرْآنِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} [المائدة: 97] (وَكُرِهَ إشْعَارُهَا) وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ طَعَنَ فِي جَانِبِ الْيَسَارِ قَصْدًا وَفِي جَانِبِ الْيَمِينِ اتِّفَاقًا وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَ هَذَا الصُّنْعَ؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ تَعَرُّضِهِ إلَّا بِهَذَا، وَقِيلَ إنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ حَتَّى يُخَافُ مِنْهُ السِّرَايَةُ، وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَ إيثَارَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ (وَاعْتَمَرَ) أَيْ فَعَلَ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ (وَلَا يَتَحَلَّلُ مِنْهَا) أَيْ الْعُمْرَةِ (إذَا سَاقَهُ) أَمَّا إذَا لَمْ يَسُقْهُ فَيَتَحَلَّلْ مِنْهَا كَمَا مَرَّ (ثُمَّ أَحْرَمَ) الْمُتَمَتِّعُ (بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَقَبْلَهُ أَحَبُّ) كَمَا مَرَّ (فَبِحَلْقِهِ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْحَلْقَ مُحَلِّلٌ فِي الْحَجِّ كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ. (الْمَكِّيُّ يُفْرِدُ فَقَطْ) أَيْ لَا تَمَتُّعَ لَهُ، وَلَا قِرَانَ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ بِإِسْقَاطِ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ، وَهَذَا فِي حَقِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَاقَ أَوْ سَاقَ مُقَارِنًا لِلنِّيَّةِ وَالْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالسَّوْقِ كَيْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالسَّوْقُ أَفْضَلُ مِنْ قَوْدِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَبَقِيَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلَا فِيهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِيرِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِيرُ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِهَذَا الْإِشْعَارِ الْمَخْصُوصِ وَتَفْسِيرُهُ لُغَةً الْإِدْمَاءُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ) أَيْ تَفْسِيرُ الْإِشْعَارِ بِشَقِّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ هُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ يَعْنِي فِي الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يُشَقُّ سَنَامُهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ (قَوْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَ هَذَا الصُّنْعَ. . . إلَخْ) . أَيْ خِلَافًا لَهُمَا فَقَالَا يُشْعِرُ وَهُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُمَا مِنْ التَّقْلِيدِ اتِّبَاعًا لِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ، وَقِيلَ إنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ) كَذَا حَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ الْأَوْلَى وَقَالَ فِي الْبَحْرِ اخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ) أَيْ فَكَانُوا لَا يُحْسِنُونَهُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ مُجَرَّدُ شَقِّ الْجِلْدِ لِيُدْمِيَ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ إلَى اللَّحْمِ (قَوْلُهُ فَبِحَلْقِهِ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى بَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَابَعَهُ إنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ الْمَكِّيُّ يُفْرِدُ فَقَطْ) أَقُولُ كَذَلِكَ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ، وَهَذَا مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ أَوْ وَطَنِهِ فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ صَحَّ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ بَعْدَهَا فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الْقِرَانِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَوْلُ الْمَحْبُوبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيُّ ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْقِرَانَ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَاعْتَمَرَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ اهـ قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَعْدُ الْعُمْرَةَ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْمَكِّيُّ إلْمَامُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي إحْدَى صُورَتَيْ التَّمَتُّعِ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ أَيْ لَا تَمَتُّعَ لَهُ، وَلَا قِرَانَ) أَقُولُ الْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ الْفِعْلِ لَا نَفْيُ الْفِعْلِ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَإِنْ فَعَلَ الْقِرَانَ صَحَّ وَأَسَاءَ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ هَذَا وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ ظَاهِرُ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ أَيْ أَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ، وَلَا قِرَانٌ. وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ وَقِرَانُهُمْ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْهَا أَنَّهُمْ لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَيْ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي بِهِ صَاحِبَ التُّحْفَةِ الْقَائِلَ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْإِسَاءَةِ اهـ. قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا طَافَ شَوْطَ الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ فَإِنْ مَضَى الْمَكِّيُّ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ قَالَ الْكَمَالُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] يَعْنِي التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ دَخَلَ فِي مَفْهُومِهِ وَسَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ نَهْيًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ عَنْ فِعْلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الْمَشْرُوعِيَّةِ بِأَصْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ إثْمَهُ كَصِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ أَنْ نَذَرَهُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي الْعِنَايَةِ، وَإِنْ مَضَى أَيْ الْمَكِّيُّ عَلَيْهِمَا وَأَدَّاهُمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ دُونَ النَّفْيِ قِيلَ:

الْآفَاقِيِّ (مَنْ اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقٍ ثُمَّ عَادَ إلَى بَلَدِهِ فَقَدْ أَلَمَّ) أَيْ أَبْطَلَ تَمَتُّعَهُ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ إذْ قَدْ عَرَفْت مَعْنَى التَّمَتُّعِ فَاَلَّذِي اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقِ الْهَدْيِ لَمَّا عَادَ إلَى بَلَدِهِ صَحَّ إلْمَامُهُ فَبَطَلَ تَمَتُّعُهُ (وَمَعَ سَوْقِهِ لِلْهَدْيِ تَمَتُّعٌ) فَإِنَّهُ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَكُونُ إلْمَامُهُ صَحِيحًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَكُونُ عَوْدُهُ وَاجِبًا فَإِنْ عَادَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا (فَإِنْ طَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَتَمَّمَهَا فِيهَا وَحَجَّ فَقَدْ تَمَتَّعَ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا، وَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ (وَلَوْ طَافَ أَرْبَعَةً قَبْلَهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ (لَا) يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ (كُوفِيٌّ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي مُتَمَتِّعٌ (حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِيهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ (وَسَكَنَ بِمَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ وَحَجَّ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ (مُتَمَتِّعٌ) ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْتَهِ بِرُجُوعِهِ إلَى الْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ (وَلَوْ) أَتَى بِعُمْرَةٍ، وَ (أَفْسَدَهَا وَرَجَعَ مِنْ الْبَصْرَةِ وَقَضَاهَا وَحَجَّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ لَمَّا بَقِيَ بِالرُّجُوعِ إلَى الْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ لِلسَّاكِنِ فِيهَا (إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى بِهِمَا) فَإِنَّهُ إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ كَانَ هَذَا إنْشَاءَ سَفَرٍ لِانْتِهَاءِ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بِإِلْمَامٍ فَاجْتَمَعَ نُسُكَانِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا إنَّهُ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَكَانَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَامِلًا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ اهـ. كَلَامُ الْعِنَايَةِ فَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعِهِ وَأَنَّ مَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْكُتُبِ عَدَمُ صِحَّتِهِ مَمْنُوعٌ وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ قَدْ خَالَفَهُ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ بِصَرِيحِ لَا يَصِحُّ فِي كَلَامِهِمْ تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلٍ لَا يَصِحُّ عَلَى نَفْيِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا وَيُحْمَلُ كَلَامُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ عَلَى التَّمَتُّعِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي مَعَهُ الْإِسَاءَةُ فَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مِنْ الْمَكِّيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ لَهُ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَكِّيِّ لِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّمَتُّعِ أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْإِلْمَامُ مَوْجُودٌ مِنْهُ قُلْتُ هَذَا خَاصٌّ بِمَا أَرَادَهُ مِنْ إحْدَى صُورَتَيْ التَّمَتُّعِ وَهُوَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ إذَا حَلَقَ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ لِتَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ وَأَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ غَيْرُ إلْمَامٍ صَحِيحٍ لِبَقَائِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَلَمْ يَحْلِقْ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَكُنْ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْحَلْقِ مِنْ عَامِهِ وُجِدَ مِنْهُ التَّمَتُّعُ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَدَعْوَى عَدَمِ تَصَوُّرِ وُجُودِ تَمَتُّعِهِ خَاصٌّ بِصُورَةٍ وَيُتَصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَثَبَتَ صِحَّةُ تَمَتُّعِ الْمَكِّيِّ كَمَا صَحَّ قِرَانُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مُحَرَّرًا بِحَمْدِ اللَّهِ (قَوْلُهُ مَنْ اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا إذَا حَلَقَ فَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَقُيِّدَ بِالْمُتَمَتِّعِ إذْ الْقَارِنُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدِهِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ فَيَكُونُ عَوْدُهُ وَاجِبًا) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ الْمُتْعَةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِعَزْمِ الْمُتْعَةِ لِنَفْيِ اسْتِحْقَاقِ الْعَوْدِ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ أَيْ لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَإِذَا تَحَلَّلَ كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا) أَقُولُ إنَّمَا خُصَّتْ الْمُتْعَةُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ كَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَدْخَلَ اللَّهُ الْعُمْرَةَ فِيهَا إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ رُخْصَةً وَتَمَتُّعًا كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِأَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي الْقِرَانِ كَالتَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ وَسَكَنَ بِمَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ أَقَامَ؛ لِأَنَّ قَيْدَ الْإِقَامَةِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَّخِذَ مَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ دَارًا أَوْ لَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَتَى) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلْكُوفِيِّ وَقَوْلُهُ بِعُمْرَةٍ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَتْ بِفِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَقَضَى عُمْرَتَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ دَمُ جَبْرٍ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْمُتْعَةُ ثُمَّ عَادَ وَدَخَلَ الْمِيقَاتَ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُحْرِمًا لِلْقَضَاءِ وَقَضَاهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ دَخَلَ الْمِيقَاتَ فِي الْأَشْهُرِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُتَمَتِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَتِهِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يَتَمَتَّعُ مَنْ فَعَلَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ) يَعْنِي بَعْدَ مَا مَضَى فِي الْفَاسِدِ وَبَعْدَ مَا حَلَّ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى بِهِمَا أَيْ بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ

[باب الجنايات في الحج]

مُتَمَتِّعًا (وَأَيًّا أَفْسَدَ أَتَمَّهُ بِلَا دَمٍ) أَيْ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَأَيَّهمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَسَقَطَ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ (وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ) أَيْ التَّمَتُّعِ (، وَهُوَ) أَيْ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ (مِنْ الْإِفْرَادِ) فَيَكُونُ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَصَلَاةَ اللَّيْلِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ بَابُ الْجِنَايَاتِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِيمَا يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ، وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا فِعْلُ مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ، ثُمَّ الْوَاجِبُ بِهَا قَدْ يَكُونُ دَمًا، وَقَدْ يَكُونُ دَمَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ تَصَدُّقًا أَوْ دَمًا، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَرَادَ تَفْصِيلَهَا فَقَالَ (وَجَبَ دَمٌ عَلَى مُحْرِمٍ بَالِغٍ إنْ طَيَّبَ عُضْوًا) كَامِلًا فَمَا زَادَ كَالرَّأْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِأَدَاءِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ) أَيْ وَلَزِمَهُ دَمٌ جَبْرٌ لِلْفَسَادِ [بَابُ الْجِنَايَاتِ فِي الْحَجِّ] (بَابُ الْجِنَايَاتِ) أَيْ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي الْبَابِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ) جَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهَا) يَعْنِي فِي هَذَا الْبَابِ فَعَلَ مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْفَتْحِ الْجِنَايَةُ فِعْلٌ مُحَرَّمٍ وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ تَصَدُّقًا أَوْ دَمًا) يَعْنِي أَوْ صَوْمًا عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ) أَيْ كَقِيمَةِ صَيْدٍ لَا يَبْلُغُ دَمًا وَلَا صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَذَلِكَ كَتَمْرَةٍ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ أَوْ رُبْعِ صَاعٍ بِقَتْلِ حَمَامَةٍ (قَوْلُهُ: وَجَبَ دَمٌ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَفَسَّرَهُ شَارِحُهُ ابْنُ الْمَلِكِ بِقَوْلِهِ أَيْ شَاةٌ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ سِرَّهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ أَشَارَ أَيْ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ تَجِبُ شَاةٌ إلَى أَنَّ سَبْع الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ اهـ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا أَيْ الشَّاةِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بَالِغٍ) لَقَدْ أَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِذِكْرِ قَيْدِ الْبُلُوغِ كَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ فِي جِنَايَتِهِ شَيْءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الْإِحْرَامِ كَالْبَالِغِ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَفِعْلُهُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَا يَكُونُ جَانِيًا اهـ. وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: إنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ) يَعْنِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَالزَّعْفَرَانُ وَالْبَنَفْسَجُ وَالْيَاسَمِينُ وَالْغَالِيَةُ وَالرَّيْحَانُ وَالْوَرْدُ وَالْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ طِيبٌ وَإِطْلَاقُ الْعُضْوِ يَشْمَلُ الْفَمَ حَتَّى لَوْ أَكَلَ طِيبًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يَلْتَزِقُ بِكُلِّ فَمِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِ الدَّمِ حَتَّى لَوْ الْتَزَقَ الطِّيبُ بِثُلُثِ فَمِهِ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ تَبْلُغُ ثُلُثَ الدَّمِ وَإِنْ الْتَزَقَ بِنِصْفِهِ فَصَدَقَةٌ تَبْلُغُ نِصْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا شَيْءَ يَأْكُلُهُ مُطْلَقًا كَأَكْلِهِ مَعَ الطَّعَامِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوُجُوبَ عَنْ قَيْدِ الزَّمَانِ فَأَفَادَ وُجُوبَ الدَّمِ، وَلَوْ أَزَالَ الطِّيبَ عَنْ عُضْوِهِ مِنْ سَاعَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِلُبْسِهِ مُطَيَّبًا دَوَامُهُ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ كَثْرَةُ الطَّيِّبِ فِي الثَّوْبِ وَالْمَرْجِعُ فِيهِ الْعُرْفُ، وَوَرَدَ التَّنْصِيصُ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ قَلِيلٌ وَفِي الْقَلِيلِ صَدَقَةٌ إنْ لَبِسَهُ يَوْمًا كَامِلًا وَإِنْ لَبِسَهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِشَمِّ الطِّيبِ قَصْدًا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَلَا يُكْرَهُ، وَكَذَا يُكْرَهُ شَمُّ الثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ كَالتُّفَّاحِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ قَصْدًا، وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ رَائِحَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الطِّيبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَطَيَّبَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَكَفَّرَ، ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ الطِّيبُ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا بِإِبْقَائِهِ بَعْدَ التَّكْفِيرِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ فَمَه أَوْ يَدَهُ خَلُوقٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ وَسَنَذْكُرُ بَيَانَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفَتْحِ وَالْمَجْمَعِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: كَالرَّأْسِ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْعُضْوِ، فَلَيْسَ كَأَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْأُذُنُ مَثَلًا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَبَرَ كَغَيْرِهِ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ بِالْعُضْوِ وَالْقَلِيلَ بِمَا دُونَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إلَى أَنَّ الدَّمَ يَجِبُ بِالتَّطَيُّبِ الْكَثِيرِ وَالصَّدَقَةَ بِالْقَلِيلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُضْوَ وَمَا دُونَهُ فَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ، وَقَدْرٌ مِنْ الْمِسْكِ يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَثِيرًا وَإِلَّا فَهُوَ قَلِيلٌ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ كَكَفٍّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ

(وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَنَحْوِهَا) (أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ (أَوْ ادَّهَنَ) أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ (بِزَيْتٍ أَوْ حَلَّ، وَلَوْ) كَانَا (خَالِصَيْنِ) فَإِنَّ الدُّهْنَ الْمُطَيِّبَ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهِ يُوجِبُ الدَّمَ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْخَالِصُ فَيُوجِبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَفَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِلطِّيبِ لَا لِلْعُضْوِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ رُبْعَ عُضْوٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ) الْحِنَّاءُ مَمْدُودٌ مُنَوَّنٌ؛ لِأَنَّهُ فِعَالٌ لَا فَعَلَاءٌ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلِفُ التَّأْنِيثِ، بَلْ الْهَمْزَةُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ وَلُزُومُ الدَّمِ فِيمَا إذَا كَانَ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً عَلَى رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ، وَكَذَا إذَا غَلَّفَ الْوَسْمَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا، وَقَدْ أَلْزَمُوا بِتَغْطِيَتِهِ بِالْحِنَّاءِ الْجَزَاءَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَغَلَّفَ الْوَسِمَةَ أَيْ غَلَّفَ بِهَا رَأْسَهُ لِلصُّدَاعِ فَغَطَّتْهَا وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَهُوَ لُغَةُ الْحِجَازِ شَجَرَةٌ وَرَقُهَا خِضَابٌ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْحِنَّاءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ الطِّيبِ لِخَفَاءِ كَوْنِهَا طِيبًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللِّحْيَةَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّأْسَ بِانْفِرَادِهَا مَضْمُونَةٌ وَأَنَّ الْوَاوَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ بِمَاذَا يَكُونُ الضَّمَانُ وَبَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ اهـ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ مَضْمُونَةٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ اهـ. وَقَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ أَقُولُ، بَلْ هُوَ أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ السَّاهِي وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ اخْتَضَبَ بِالْوَسْمَةِ وَلَفْظُهُ عَلَيْهِ دَمٌ لِخِضَابِ رَأْسِهِ بِالْوَسْمَةِ لَا لِلْخِضَابِ، بَلْ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ بِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ أَعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ خِضَابِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. اهـ. قُلْت وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هُنَا غَيْرُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا بِتَقْدِيرِهَا بِنِصْفِ صَاعٍ، بَلْ أَعَمُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمِعْرَاجِ أَعْطَى شَيْئًا فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طِيبٌ) دَلِيلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ؛ وَلِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً مُسْتَلَذَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ) يَعْنِي عَلَى قَصْدِ التَّطَيُّبِ، أَمَّا لَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَهُ فِي أُذُنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ أَوْ طِيبٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَهَذَا إذَا أَكَلَهُ كَمَا هُوَ، وَفِيهِ خِلَافُهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ وَطَبَخَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ، وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ فَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا يُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مِنْ الْمُخَالِطِ رَائِحَةُ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَأَحَسَّ الذَّوْقُ السَّلِيمُ بِطَعْمِهِ فِيهِ حِسًّا ظَاهِرًا فَهُوَ غَالِبٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَغْلُوبٌ وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّفْصِيلِ أَيْضًا بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ فِيهَا لِجَدِيرٍ فَيُقَالُ إنْ كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا فَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَصَدَقَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الْكَثِيرَ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْقَوْلَ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَرُّهُ وَنَحْوُهُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ، ثُمَّ قَالَ وَلَا شَيْءَ فِي أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَى الْمُتَّخَذَةِ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ وَيُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحَلْوَى الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدُ وَالْمِسْكُ فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً اهـ. كَذَا فِي الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي حُكْمِ الْمِسْكِ الْمُضَافِ إلَى الْحَلْوَى مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِهِ بِمَا يُؤْكَلُ وَطُبِخَ وَفِيمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ. (قَوْلُهُ: بِزَيْتٍ أَوْ حَلٍّ) الْحَلُّ بِالْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ وَاحْتُرِزَ بِهِمَا عَنْ السَّمْنِ وَالشَّحْمِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالدُّهْنِ بِهِمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ التَّجْرِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْخَالِصُ. . . إلَخْ) أَقُولُ كَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِي فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَدَقَةٌ عِنْدَهُمَا قِيلَ قَوْلُهُ: فِي خَطْمِي الْعِرَاقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ، وَقَوْلُهُمَا فِي خَطْمِي الشَّامِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ فَلَا خِلَافَ، وَلَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَقَالُوا

(أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ يَوْمًا) كَامِلًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ (أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ) حَلَقَ (مَحَاجِمَهُ أَوْ إحْدَى إبْطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فِيهِ) فَإِنَّ الْكُلَّ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يُزَادُ عَلَى دَمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فِيهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يُقْتَلُ الْقَمْلُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت ذَكَرَ أَصْحَابُ الْخَوَاصِّ أَنَّ الصَّابُونَ يَقْتُلُ الصِّئْبَانَ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا) أَقُولُ حَقِيقَةُ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَنْ يَحْصُلَ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اشْتِمَالٌ عَلَى الْبَدَنِ وَاسْتِمْسَاكٌ وَمِنْهُ إدْخَالُ الْيَدَيْنِ فِي الْقَبَاءِ أَوْ تَزْرِيرُهُ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ تَزْرِيرُ الْقَبَاءِ كَعَقْدِ الْإِزَارِ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِعَقْدِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَخِيطَ بِالْبَدَنِ كَالْمَخِيطِ وَذَلِكَ كَالْبُرْنُسِ وَالزَّرَدِيَّةِ وَمَا صُنِعَ بِتَلْزِيقٍ وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَهُوَ لَابِسُهُ كَإِنْشَائِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ انْتِفَاعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ لِلنَّصِّ فِيهِ، وَلَوْلَاهُ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْتَارِ وَالنَّائِمِ إذَا غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ أَلْبَسَ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ اللِّبَاسِ مِنْ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَخُفٍّ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا أَوْ كَانَ يَنْزِعُهَا لَيْلًا وَيُعَاوِدُ لُبْسَهَا نَهَارًا أَوْ عَكْسُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ الْخَلْعِ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ بَيْنَ اللُّبْسَيْنِ وَإِلَّا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَمَا يَتَعَدَّدُ فِيمَا إذَا اضْطَرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ لَا عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ نَحْوُ أَنْ يَضْطَرَّ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ وَقَلَنْسُوَةً، أَمَّا لَوْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ لِوَاحِدٍ أَوْ اُضْطُرَّ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا) أَقُولُ أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً وَتَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ كَتَغْطِيَةِ الْكُلِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّتْرُ بِمَخِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالْخُوذَةِ لِلْمُقَاتِلِ إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ فَخَرَجَ مَا لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالطَّسْتِ وَالْأَجَّانَةِ وَعِدْلِ الْبُرِّ، وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ يُصِيبُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ الْوَاجِبَ بِالْجِنَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَالْعُذْرُ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْبَعْضِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرُّبْعَ كَالْكُلِّ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْأَكْثَرَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا الْقَوْلُ أَوْجَهُ فِي النَّظَرِ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوُجُوبُ فِيهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ اهـ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَمِنْ لِحْيَتِهِ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الذَّقَنِ بِخِلَافٍ فِيهِ وَعَارِضَهُ وَذَقَنَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ ثَوْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ) أَقُولُ كَذَا رُبْعُ لِحْيَتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الثَّلَاثِ شَعَرَاتٍ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لِكُلِّ شَعْرَةٍ نَتَفَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَأَنْفِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ بِالْحَلْقِ إزَالَةُ الشَّعْرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُوسَى أَوْ بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ لَا فَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ أَوْ النَّتْفِ أَوْ أَحْرَقَ شَعْرَهُ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ شَعْرُهُ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ مِحْجَمَهُ) يَعْنِي وَاحْتَجَمَ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْحِجَامَةُ لَا يَجِبُ إلَّا الصَّدَقَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ بِحَلْقِهِ لِلْحِجَامَةِ كَمَا إذَا حَلَقَهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمَحَاجِمُ جَمْعُ مِحْجَمٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ آلَةٍ مِنْ الْحِجَامَةِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَحْجَمَةٍ اسْمُ مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ إحْدَى إبْطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ) أَقُولُ خَصَّ لُزُومَ الدَّمِ بِحَلْقِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَامِلًا؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْهَا لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِيهَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ بَعْضِهَا وَلَوْ بَلَغَ أَكْثَرَهَا مُوجِبًا إلَّا لِلتَّصَدُّقِ وَالْحُكْمُ بِوُجُوبِ الدَّمِ بِحَلْقِ الْأَكْثَرِ مِنْهَا ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، وَذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ وَالْأَوَّلُ دَلِيلُ الْجَوَازِ مِنْ التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ شَارِبِ الْمُحَرَّمِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ أَوْ حَلَقَهُ فَعَلَيْهِ طَعَامٌ لَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَالطَّعَامُ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَأْخُوذِ مَا نِسْبَتُهُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الشَّارِبِ فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِهَا لَزِمَهُ قِيمَةُ رُبْعِ الشَّاةِ أَوْ ثُمُنُهَا فَثُمُنُهَا وَهَكَذَا كَمَا تُفِيدُهُ الْهِدَايَةُ أَوْ يُعْتَبَرُ بِهَا مُنْضَمًّا مَعَهَا الشَّارِبُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَارِبِ حَلَالٍ أَطْعَمَ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ) هَذَا عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا إذَا أَفْطَرَ أَيَّامًا وَلَمْ يُكَفِّرْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ) الْإِلْحَاقُ بِآيَةِ السَّجْدَةِ إنَّمَا هُوَ فِي تَقْيِيدِ التَّدَاخُلِ بِالْمَجْلِسِ لَا فِي إثْبَاتِ التَّدَاخُلِ

إقَامَةً لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ جُنُبًا أَوْ لِلْفَرْضِ مُحْدِثًا، وَلَوْ لَهُ جُنُبًا فَبَدَنَةٌ) أَيْ لَوْ طَافَ لِلْفَرْضِ جُنُبًا فَالْوَاجِبُ بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سُبْعِ الْفَرْضِ) أَيْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ) أَيْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ (بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَطُوفَهُ أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ بِلَا جَامِعٍ؛ لِأَنَّهُ فِي آيِ السَّجْدَةِ لِلُزُومِ الْحَرَجِ بِاسْتِمْرَارِ الْعَادَةِ بِتَكْرَارِ الْآيَاتِ لِلدِّرَاسَةِ وَالتَّدَبُّرِ لِلِاتِّعَاظِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: إقَامَةً لِلرُّبْعِ مُقَامَ الْكُلِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ حَيْثُ جَعْلُ الْيَدِ مَثَلًا رُبْعًا؛ لِأَنَّهَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْحَلْقِ) أَقُولُ وَلَا يَكُونُ حَلْقُ الرَّأْسِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مُوجِبًا لِأَرْبَعَةِ دِمَاءٍ، بَلْ لِدَمٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَقَ الْإِبْطَيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ. . . إلَخْ) فِيهِ إيهَامٌ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ كَلَامِهِ فِي مُوجِبِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ) كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ فَيَجِبُ الدَّمُ لَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَالصَّدَقَةُ لَوْ مُحْدِثًا لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا وَإِنْ أَعَادَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ سَقَطَ الدَّمُ أَيْ وَالصَّدَقَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَحَلُّ سُقُوطِ الدَّمِ إذَا أَعَادَ السَّعْيَ مَعَ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمَّا اُنْتُقِضَ وَاعْتُبِرَ الثَّانِي كَانَ السَّعْيُ وَاقِعًا قَبْلَ الطَّوَافِ الْمُعْتَدِّ بِهِ فَيَجِبُ الدَّمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ إعَادَةِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ عَلَى أَثَرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَتَحَلَّلُ بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا أَعَادَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَيَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيِّ تَجِبُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ اهـ. وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَمَا طَافَ الْفَرْضَ جُنُبًا وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَمْ يَذْبَحْ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْعَوْدُ وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَوْدُهُ بَعْدَ طَوَافِهِ مُحْدِثًا فَالْأَفْضَلُ إرْسَالُ الشَّاةِ، وَلَوْ لَمْ يَطُفْ لِلْفَرْضِ أَصْلًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ يَعُودُ بِإِحْرَامِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَا إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ مُحْدِثًا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا مُحْدِثًا، وَلَوْ يُعِدْهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ كَتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ؛ لِأَنَّهُ الْمَدَارُ إلَّا أَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْإِمَامِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ قَطُّ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ أَعْنِي بَعْدَ الْغُرُوبِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ بِاعْتِبَارِهَا اهـ حَتَّى لَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَجُوزُ لِلنَّاسِ الدَّفْعُ قَبْلَهُ وَأَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الدَّلِيلِ إلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَيْ فِي الْمَوْقِفِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ اهـ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُفِيضَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ نَدَبَهُ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ فَإِنْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سُقُوطَ الدَّمِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكُ الْمَتْرُوكِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ حَتَّى أَفَاضَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ غُرُوبِهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ أَظْهَرُ خُصُوصًا عَلَى التَّصْحِيحِ السَّابِقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ قُلْت، وَقَدْ نَصَّ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى التَّصْحِيحِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. فَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ بِالْعَوْدِ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سُبْعِ الْفَرْضِ) أَقُولُ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَوْ طَافَهُ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى طَوَافِ الْفَرْضِ مَا يُكْمِلُهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَإِلَّا فَدَمٌ، وَلَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقَدْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ كَمَّلَ مِنْ الصَّدْرِ وَلَزِمَهُ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ وَدَمٌ لِتَرْكِهِ أَكْثَرَ طَوَافِ الصَّدْرِ وَإِنْ كَانَ تَرَكَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ لِلتَّأَخُّرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِطَوَافِ الْوَدَاعِ، بَلْ أَيُّ طَوَافٍ حَصَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ لِلْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ بَقِيَ مُحْرِمًا) أَيْ فِي حَقِّ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَهُ وَكُلَّمَا جَامَعَ لَزِمَهُ دَمٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَجَالِسُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ رَفْضَ الْإِحْرَامِ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ)

أَوْ السَّعْيَ أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ) يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ (أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَوْ فِي يَوْمٍ أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ أَوْ أَكْثَرَهُ) أَيْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرَ (أَوْ مَسَّ بِشَهْوَةٍ) عَطْفٌ عَلَى تَرَكَ (أَوْ قَبَّلَ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى آخَرَ) كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ (أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا) أَيْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ خَرَجَ حَاجًّا مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ عَادَ بِخِلَافِ مُعْتَمِرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقُولُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ (قَوْلُهُ: أَوْ السَّعْيَ) أَقُولُ وَلَوْ هَذَا إذَا تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ، أَمَّا لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ بِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ رَكِبَ فِيهِ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَوْ أَعَادَهُ بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ، وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَمَا رَجَعَ لَكِنَّهُ يَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَتَرْكُ أَكْثَرِهِ كَتَرْكِهِ وَتَرْكُ أَقَلِّهِ يُوجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَذَكَرْته هَاهُنَا لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ فِيمَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي السَّعْيِ الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا فَيَجِبُ دَمٌ لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ) قَدَّمْنَا أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ فَالْوُقُوفُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَتَرْكِهِ يُوجِبُ دَمًا لَوْ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ اهـ، ثُمَّ بِتَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَرَمَاهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَا يَقْضِيهِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ وَقْتَهُ قَدْ خَرَجَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي يَوْمٍ) يَعْنِي إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ أَوْ أَكْثَرَهُ. . . إلَخْ) قَدْ خَصَّ الْمُصَنِّفُ لُزُومَ الدَّمِ فِيمَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَ رَمْيِ الْيَوْمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً فَمَا فَوْقَهَا مِنْ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَسَّ بِشَهْوَةٍ) لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْإِنْزَالَ كَمَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْهِدَايَةِ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَصْلِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ قَالَ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَبَّلَ) الْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ مِنْ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ لِلُزُومِ الدَّمِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ) أَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ وَأَفَادَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الطَّوَافِ عَيْنًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ فَفِي إلْزَامِهَا بِالدَّمِ، وَقَدْ حَاضَتْ فِي الْأَثْنَاءِ نَظَرٌ اهـ. وَإِنْ أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَمَا طَهُرَتْ مِقْدَارَ مَا تَطُوفُ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ تَطُفْ لَزِمَهَا دَمٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ) أَيْ وَقَدْ فَعَلَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا حَتَّى لَا يَكُونَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ فِي الْأَيَّامِ وَأَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وُجِدَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَيَجِبُ دَمٌ (قَوْلُهُ: كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ) مُمَاثِلُهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ الرَّمْيِ، وَهَذَا فِي الْمُفْرِدِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمُفْرِدِ ثَلَاثَةٌ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ فَلَا يَضُرُّهُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِتَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: أَيْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُلْزِمٌ لِدَمَيْنِ فِي الْمُعْتَمِرِ كَالْحَاجِّ إذَا حَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا، وَقَدْ نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ لُزُومَ الدَّمَيْنِ إنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْحَاجِّ لِمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ حَلْقُهُ بِزَمَانٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ أَيْ يَجِبُ دَمٌ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْمُرَادُ فِيمَا إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَإِصْلَاحُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُزَادَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِفَاعِلِ حَلَقَ فَيُقَالُ أَيْ حَلَقَ الْحَاجُّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ. . . إلَخْ (تَتِمَّةٌ) الْمُفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّ جَمِيعَ الْحَرَمِ مَحَلٌّ لِلْحَلْقِ وَلَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ الْحَلْقِ بِمَا كَانَ مِنْهُ فَمَا وَقَعَ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنَّ الْحَلْقَ اخْتَصَّ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ اهـ، لَيْسَ الْمُرَادُ اخْتِصَاصَهُ بِمِنًى عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، بَلْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْحَرَمِ سَوَاءٌ، أَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِهَا فَهُوَ مَسْنُونٌ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ جَرَتْ بِالْحَلْقِ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَرَجَ حَاجًّا مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ عَادَ) أَقُولُ كَذَا نَصَّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَإِطْلَاقُهُ لَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ ذَاتَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ لِمَا نَذْكُرُ وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ الْمُعْتَمِرُ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ عَادَ وَحَلَقَ فِيهِ

خَرَجَ، ثُمَّ عَادَ فَقَصَّرَ) حَيْثُ لَا يَلْزَمُ دَمٌ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا فِي مُعْتَمِرٍ رَجَعَ مِنْ حِلٍّ، ثُمَّ قَصَّرَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَقُولُ فِيهِ تَكَلُّفٌ لِوُجُوهٍ. الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِأَجْلِ الْخُرُوجِ مِنْ إحْرَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُحْرِمٍ فِي قَوْلِهِ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ الثَّانِي أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا فِي مُعْتَمِرٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ظَاهِرًا إذْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَقَصَّرَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ، بَلْ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ أَوْ خَرَجَ حَاجٌّ مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَا مُعْتَمِرٌ رَجَعَ إلَى آخِرِهِ الثَّالِثُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوْ قَبَّلَ يُوهِمُ عَطْفَهُ عَلَى قَصَّرَ مَعَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى حَلَقَ وَلِذَا غَيَّرْت الْعِبَارَةَ هَاهُنَا إلَى مَا تَرَى. (وَدَمَانِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ دَمٌ فِي قَوْلِهِ وَجَبَ دَمٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ) دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ (وَعَلَى مَنْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا، وَلَوْ مُحْدِثًا فِي الْأَوَّلِ فَدَمٌ) عَلَى مَا مَرَّ يَعْنِي لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَطَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا يَجِبُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا دَمٌ وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَطَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْحَدَثِ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ وَفِي إقَامَةِ هَذَا الطَّوَافِ مُقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَائِدَةُ إسْقَاطِ الْبَدَنَةِ عَنْهُ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْعَزِيمَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِلْأَفْعَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَشْرُوعِ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى خِلَافِهِ وَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى مَا عَلَيْهِ كَمَنْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ يُصْرَفُ إلَى الصُّلْبِيَّةِ دُونَ السَّهْوِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَيَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَجِبُ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ بِتَرْكِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (وَتَصَدُّقٌ) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ وَجَبَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَدَمَانِ (بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ رَأْسِهِ أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ أَوْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ اهـ. وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ خُرُوجِ الْحَاجِّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ شَرْحِهِ مَسْأَلَةَ خُرُوجِ الْمُعْتَمِرِ، وَلَوْ فَعَلَ الْحَاجُّ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ التَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَاجَّ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُقَيِّدُ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ فِيهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَاجِّ مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ (قَوْلُهُ: وَدَمَانِ عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ) أَقُولُ كَذَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ، بَلْ أَحَدُ الدَّمَيْنِ بِمَجْمُوعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْآخَرُ دَمُ الْقِرَانِ وَالدَّمُ الَّذِي يَجِبُ عِنْدَهُمَا دَمُ الْقِرَانِ لَيْسَ غَيْرُ لَا لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ دَمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ، وَكَذَا الْأَكْمَلُ وَالْأَتْقَانِيُّ خَطَّآ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَمُعْتَمَدُهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةُ الْهِدَايَةِ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَحَمَلَ فِي الْكَافِي قَوْلَ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا رَوَى عَنْ بَعْضِهِمْ مِثْلَهُ، وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ وَالْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ بِتَرْكِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ وَلَا شَيْءَ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (قَوْلُهُ: وَتَصَدُّقٌ) بِالتَّنْوِينِ أَيْ وَجَبَ تَصَدُّقٌ (قَوْلُهُ: أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ) أَقُولُ يَعْنِي مِنْ عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ وَتَبِعَ فِي الْعِبَارَةِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَهِيَ شَامِلَةٌ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ إلَى الْأَرْبَعِ فَيَجِبُ فِي الْجَمِيعِ نِصْفُ صَاعٍ لِقَوْلِهِ قَبْلُ وَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ إنْ طَيَّبَ. . . إلَخْ وَهُوَ غَلَطٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيُنْقِصُ مَا شَاءَ (قَوْلُهُ: أَوْ خَمْسَةً مُتَفَرِّقَةً) فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِمَا فِي الْكَافِي أَيْضًا لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفْرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةً يَجِبُ بِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مَا شَاءَ اهـ، وَكَذَا

أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ أَوْ إحْدَى جِمَارٍ ثَلَاثٍ أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ) أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ (وَذَبْحٌ أَوْ تَصَدُّقٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَصَدُّقٌ (بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (إنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ) . قَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا) قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ طَوَافِ تَطَوُّعٍ فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ جُنُبًا فِي الْقُدُومِ أَوْ التَّطَوُّعِ أَعَادَهُ وَلَزِمَهُ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ؛ وَلِأَنَّ طَوَافَ التَّطَوُّعِ إذَا شُرِعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ، ثُمَّ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ) أَقُولُ فِيهِ كَمَا فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ إحْدَى جِمَارٍ ثَلَاثٍ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ لَوْ أَقَامَهُ وَيَجِبُ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصُ مَا شَاءَ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا. (قَوْلُهُ: أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ بِمَنْزِلَةِ نَبَاتِ الْحَرَمِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ شَعْرِهِ وَشَعْرِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي شَعْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ) أَقُولُ كَانَ الْوَاجِبُ إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حَلَقَ لِحَلَالٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ، وَإِذَا حَلَقَ لِمُحْرِمٍ كَانَ عَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْحَالِقِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِإِدْخَالِهِ فِي الْوَرْطَةِ وَلَنَا أَنَّ الرَّاحَةَ حَصَلَتْ لَهُ كَالْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِاللَّذَّةِ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَذَبْحٌ) مَرْفُوعٌ مَنُونٌ لِعَطْفِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَاعِلِ أَيْ وَجَبَ ذَبْحُ شَاةٍ فِي الْحَرَمِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَرَمِ يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا بِذَبْحِهَا فِي غَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ مَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِاللَّحْمِ عَلَى سِتَّةٍ وَيَبْلُغُ قِيمَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ اهـ، وَإِذَا ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَالْقُرْبَةُ فِيهِ لَهَا جِهَتَانِ جِهَةُ الْإِرَاقَةِ وَجِهَةُ التَّصَدُّقِ فَلِلْأُولَى لَا يَجِبُ غَيْرُهُ إذَا سُرِقَ مَذْبُوحًا وَلِلثَّانِيَةِ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَصَدُّقٌ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الصَّدَقَةُ تُجْزِيهِ عِنْدَنَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ أَعْنِي التَّغْذِيَةَ وَالتَّعْشِيَةَ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ اهـ. وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ يَجُوزُ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ فَلَمْ يَذْكُرَا لِأَبِي حَنِيفَة قَوْلًا وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَخَّرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ وَقَبِلَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَقَالَ الْكَمَالُ قِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَدِيثُ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ فِيهِ لَفْظُ الْإِطْعَامِ فَكَانَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ مُفَسِّرًا لِمُجْمَلٍ، بَلْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِطْلَاقِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الصَّدَقَةُ وَتَحَقُّقُ حَقِيقَتِهَا بِالتَّمْلِيكِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ فِي الْحَدِيثِ الْإِطْعَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ الصَّدَقَةُ وَإِلَّا كَانَ مُعَارِضًا وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَم اهـ. (قَوْلُهُ: أَصْوُعٍ) عَلَى وَزْنِ أَرْجُلٍ جَمْعُ صَاعٍ (قَوْلُهُ: عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى سِتَّةٍ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ السِّتَّةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا أَوْ عَشَّاهُ أَيْ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَامَ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ فَيُقَالُ أَوْ صِيَامٌ لِعَطْفِهِ عَلَى تَصَدُّقٍ اهـ. وَيَصُومُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مُفَرَّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: إنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ) أَقُولُ أَوْ لَبِسَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُمَا الْهِدَايَةَ (قَوْلُهُ: بِعُذْرٍ) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَاللُّبْسِ، وَالْعُذْرُ كَخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَرَضِ وَلُبْسِ السِّلَاحِ لِلْقِتَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْخَوْفُ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ وَعَوَارِضِ الصَّوْمِ وَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ إلْزَامِ دَمٍ آخَرَ أَوْ صَدَقَةٍ فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَيُغَطِّي رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ وَمُوجِبٌ لِلدَّمِ إنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَصَدَقَةٍ بِأَقَلِّهِ اهـ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ عَدَمِ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ مَعَ الْقَلَنْسُوَةِ، وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى الْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِلُبْسِ جُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مُخَيَّرٌ فِيهَا اهـ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا أَنَّ الدَّمَ أَوْ الصَّدَقَةَ مُكَفِّرٌ لِهَذَا الْإِثْمِ مُزِيلٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا وَهَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا

[قتل محرم صيدا أو دل عليه قاتله]

(وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (يَفْسُدُ حَجُّهُ وَيَمْضِي وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي مِنْ قَابِلٍ وَلَمْ يَفْتَرِقَا) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي قَضَاءِ مَا أَفْسَدَاهُ (وَ) وَطْؤُهُ (بَعْدَ وُقُوفِهِ) أَيْ وُقُوفِ الْفَرْضِ (لَمْ يَفْسُدْ وَتَجِبُ بَدَنَةٌ وَ) إنْ وَطِئَ (بَعْدَ الْحَلْقِ) لَمْ يَفْسُدْ أَيْضًا (وَ) تَجِبُ (شَاةٌ، وَ) وَطْؤُهُ (فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِ أَرْبَعَةٍ يُفْسِدُهَا) أَيْ الْعُمْرَةَ (فَيَمْضِي وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي، وَإِذَا وَطِئَ) فِي عُمْرَتِهِ (بَعْدَ أَرْبَعَةٍ) أَيْ بَعْدَ طَوَافِهِ أَرْبَعَةً (ذَبَحَ وَلَمْ يُفْسِدْ) الْوَطْءُ عُمْرَتَهُ (إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِارْتِكَابِهِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا أَوْ لَا الظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا) أَقُولُ يَعْنِي فِي قُبُلِ أَوْ دُبُرِ آدَمِيٍّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَمْ يُنْزِلْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا وَيَفْسُدُ حَجُّ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ، وَلَوْ نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً، وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ لَهَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَزِمَهَا دَمٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ لَا فِيمَا عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. اهـ. وَيَفْسُدُ حَجُّ الصَّبِيِّ بِالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ اهـ، وَضَعَّفَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ، وَقَالَ يَدُلُّ عَلَى ضَعِيفِ مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْسَدَ الصَّبِيُّ حَجَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ اهـ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ إذْ يَكُونُ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِأَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْإِنْزَالُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ يُوجِبُ شَاةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ، وَقَدْ وَعَدْنَا بِتَتِمَّةِ الْكَلَامِ عَلَى الْجِمَاعِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ لَزِمَتْهُ شَاةٌ فَإِنْ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفَضَ الْحَجَّةَ الْفَاسِدَةَ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ اهـ، وَكَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ قَالَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الشَّاةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. وَعَلَّلَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَ لُزُومِ الدَّمِ فِيمَا إذَا نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ بِأَنَّهُ أَسْنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا وَعَلَى هَذَا سَائِرُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ اهـ. وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ عَنْ تَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْكَافِي. اهـ. قُلْت وَيُنْظَرُ فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا اهـ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفْرٍ وَبِالْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ) أَيْ قَبْلَ وُقُوفٍ هُوَ فَرْضٌ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لَا عَلَى مَعْنَى فِي فَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْفَاسِدِ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ لِحَجٍّ مُطْلَقًا [قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ] (قَوْلُهُ: إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ وَبَحْرِيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] وقَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] ، الْآيَةَ. وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا يَجِيءُ. اهـ. وَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُ الْبَحْرِيِّ سَوَاءً كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مَا يُؤْكَلُ خَاصَّةً كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِ الْبَرِّ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسْبِيبِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ حَفِيرَةً فَعَطِبَ صَيْدٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ فَمَاتَ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ الْحَيَوَانِ يُبَاحُ قَتْلُهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَلَالٌ فَتَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا أَوْ طَرَدَ الصَّيْدَ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ فِي التَّسْبِيبِ وَلَا يُشْبِهُ هَذِهِ الرَّمْيَةَ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ تَمَّتْ جِنَايَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا مَا لَوْ انْقَلَبَ مُحْرِمٌ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَمُ التَّعَدِّي فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِضْ بِالنَّظَرِ لِلتَّحَلُّلِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ كَمَا قَدَّمَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ) الضَّمِيرُ فِي دَلَّ لِلْمُحْرِمِ فَخَرَجَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ، وَلَوْ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطٍ لِلُزُومِ الْجَزَاءِ بِالدَّلَالَةِ أَحَدُهَا وَتُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الدَّلَالَةِ عَدَمُ عِلْمِ الْمَدْلُولِ بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَتَصْدِيقُهُ فِي الدَّلَالَةِ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَذِبَهُ وَاتِّصَالُ الْقَتْلِ بِالدَّلَالَةِ وَبَقَاءُ الدَّالِّ مُحْرِمًا عِنْدَ أَخْذِ الْمَدْلُولِ وَأَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَلِبَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ بَعْدَمَا أَخَذَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ وَعَلَى هَذَا إذَا أَعَارَهُ سِكِّينًا لِيَقْتُلَهُ بِهَا وَلَيْسَ مَعَ

مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ لَا أَوْ كَانَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا (فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَلَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ وَلَا شَيْءَ فِي الصَّائِلِ أَوْ) كَانَ الصَّيْدُ (مُسْتَأْنَسًا أَوْ حَمَامًا مُسَرْوَلًا) وَهُوَ الَّذِي فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَالسَّرَاوِيلِ. وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ فَصَارَ كَالْبَطِّ قُلْنَا هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ لِثِقَلِهِ (أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) بِالْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ جَزَاؤُهُ (مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ) فِي (أَقْرَبِ مَكَان مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخِذِ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ قَوْسًا أَوْ نَشَّابًا يَرْمِيهِ بِهِ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السِّيَرِ بِأَنَّهُ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ الْجَزَاءُ، وَكَذَا إذَا دَلَّ عَلَى قَوْسٍ وَنَشَّابٍ مَنْ رَآهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ لِبُعْدِهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ أَعَارَهُ سِكِّينًا لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إلَى قَتْلِهِ بِدُونِ سِكِّينٍ بِأَنْ يَخْنُقَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّابِقَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ سَبُعًا أَوْ لَا، وَلَوْ كَانَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا وَالسَّبُعُ اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي شَرْحِهِ الْأَسَدُ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَيُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ كَالضَّبُعِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ اهـ لَفْظُ الْجَوْهَرَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي الْفَتَاوَى صَاحِبُ الْبَدَائِعِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْكَمَالُ فَقَالَ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَصُلْ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا، بَلْ ذَكَرَهُ حُكْمًا مَسْكُوتًا فِيهِ قَالَ الْكَمَالُ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي الصَّائِلِ) أَيْ سَبُعًا كَانَ أَوْ صَيْدًا غَيْرَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصَّوْلُ الْحَمْلُ أَيْ الْوَثْبُ لِإِيصَالِ الْأَذَى وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِالصَّائِلِ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَمَامًا مُسَرْوَلًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَمَامِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ وَلْيُفْهَمْ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى اهـ. وَالْحَمَامَةُ الْمُصَوِّيَةُ فِي كَوْنِهَا صَيْدًا رِوَايَتَانِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْبَطِّ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَقَالَ فِي الْكَافِي فَصَارَ كَالدَّجَاجِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ لِمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ بِخِلَافِ الْبَطِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالْبُيُوتِ فَإِنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ إوَزُّ (قَوْلُهُ: أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هُوَ، وَإِذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا، وَقَدْ اُضْطُرَّ فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ يَذْبَحُ الصَّيْدَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَفِي الْمَبْسُوطِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَتَنَاوَلُ الصَّيْدَ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيِّتَةِ أَغْلَظُ لِارْتِفَاعِ حُرْمَةِ الصَّيْدِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ بِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ أَخَفَّ الْحُرْمَتَيْنِ دُونَ أَغْلَظِهِمَا وَالصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَرْتَفِعُ الْحَظْرُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي نَظْمٍ لَهُ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ اهـ، وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا أَوْ مَال الْغَيْرِ فَالصَّيْدُ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، وَعَنْ ابْن سِمَاعَةَ الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَخَيَّرَهُ الْكَرْخِيُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ جَزَاؤُهُ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ) قَيْدُ الْمُثَنَّى لَيْسَ لَازِمًا لِمَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ قَالُوا الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى هُنَا بِالنَّصِّ اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَيَّدَ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ بِالْعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لِظَاهِرِ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ، ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ عَقِبَهُ وَقَلَّدَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ صَحَّحَ لُزُومَ الْمُثَنَّى وَأَنْتَ تَرَى أَنْ لَا تَصْحِيحَ فِيهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمَا اقْتِفَاءُ أَثَرِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْهِدَايَةِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمُقَوَّمِ وَاَلَّذِي لَمْ يُوجِبُوهُ أَيْ الْمُثَنَّى حَمَلُوا الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زِيَادَةُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ وَقَصْدُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ لَا يُنَافِيهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ دَاعِيَتَهُ وَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلْقَةِ لَا بِمَا زَادَهُ التَّعْلِيمُ فَلَوْ كَانَ بَازِيًا صَيُودًا أَوْ حَمَامًا يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ قُوِّمَ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّيُودِيَّةِ وَالْمَجِيءِ مِنْ بَعِيدٍ فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يَزِيدُهُ التَّعْلِيمُ وَقِيمَتُهُ لِلْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ حَتَّى إذَا قَتَلَ بَازِيَ نَفْسِهِ الْمُعَلَّمَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِأَمْرِ خِلْقِيٍّ كَمَا إذَا كَانَ طَيْرًا يُصَوِّتُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ فَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِي شَيْءٍ وَفِي أُخْرَى يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحَمَامِ إذَا كَانَ مُطَوَّقًا (قَوْلُهُ: فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مَكَان مِنْهُ) أَقُولُ كَلِمَةُ أَوْ لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقُومُ فِي مَكَانِ قَتْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَفِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ لَهُ قِيمَةٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ زَمَانِ الْقَتْلِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ

وَ) الْجَزَاءُ (فِي السَّبُعِ لَا يَزِيدُ عَلَى شَاةٍ) وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا (ثُمَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ (أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدْيًا وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ يَصُومَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ) طَعَامُ الْمِسْكِينِ نِصْفُ صَاعٍ وَمَا فَضَلَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ (تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِمَا فَضَلَ (أَوْ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ وَقَطْعِ عُضْوِهِ) أَيْ وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةِ الصَّيْدِ كَامِلَةً (بِنَتْفِ رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَضْمَنُ جَزَاءَهُ (وَكَسْرِ بَيْضِهِ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَالْجَزَاءُ فِي السَّبُعِ لَا يَزِيدُ عَلَى شَاةٍ) هَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ مُطْلَقًا وَقِيمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا تُجَاوِزُ قِيمَةَ شَاةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَهُ أَيْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ. . . إلَخْ) إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي أَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِلْقَاتِلِ لَا لِمَنْ قَوَّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الصَّيْدُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ الْخِيَارُ إلَى الْحُكْمَيْنِ وَفِي مَالِهِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِلْحُكْمَيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ، فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَهَكَذَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُهُ بِمَكَّةَ) أَيْ بِالْحَرَمِ، وَإِذَا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ جَازَ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ لِوُجُودِ الْقُرْبَةِ بِالْإِرَاقَةِ فِي مَكَانِهَا، وَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ فَبِهَا وَإِلَّا فَيُكْمِلُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيَجُوزُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمُ أَحَبُّ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ الْجَزَاءِ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ) وَالْإِبَاحَةُ تَكْفِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْإِطْعَامِ كَالتَّمْلِيكِ صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَكْفِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَيَجُوزُ دَفْعُ قِيمَةِ نِصْفِ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ قِيَاسًا عَلَى الْفِطْرِ (قَوْلُهُ: لَا أَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ لَا يَجْزِيهِ لَوْ دَفَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا، وَكَذَا مَا أَعْطَاهُ زَائِدًا عَنْ نِصْفِ صَاعٍ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ وَيَقَعُ الزَّائِدُ تَطَوُّعًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِ مِثْلِهِ، وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ الصَّاعِ عَلَى مَسَاكِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا خُصُوصًا وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلطَّعَامِ وَهُوَ فَاعِلُ فَضَلَ أَيْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ (قَوْلُهُ: نِصْفِ صَاعٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ (قَوْلُهُ: أَوْ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ) كَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْجَزَاءُ لَا يَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ تَخَيَّرَ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ الْجَمْعُ هُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ فِي الْجَزَاءِ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَالصَّوْمُ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا بَرِئَ وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ، وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ جَرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الظَّاهِرُ إطْلَاقُ لُزُومِ أَرْشِ النَّقْصِ. اهـ. قُلْت يَعْنِي الظَّاهِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِذَا قَالَ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ صَاحِبُ النَّهْرِ إنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْإِطْلَاقِ اهـ، وَلَوْ غَابَ لَمْ يَدْرِ مَاتَ أَوْ لَا لَزِمَ كُلُّ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ: وَقَطْعِ عُضْوِهِ) أَيْ يَجِبُ مَا نَقَصَ بِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْإِصْلَاحَ فَإِنْ قَصَدَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا خَلَّصَ حَمَامَةً مِنْ سِنَّوْرٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ خَيْطًا مِنْ رِجْلِهِ فَقُطِعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي كُلِّ فِعْلٍ قَصَدَ بِهِ الْإِصْلَاحَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَجَبَ قِيمَتُهُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَفَّرَ أَوَّلًا كَفَّرَ ثَانِيًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ رِيشِهِ) أَيْ إذَا كَانَ يَمْتَنِعُ بِهِ الطَّيَرَانُ فَلَوْ كَانَ لَا يَمْتَنِعُ بِهِ كَالنَّعَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ النَّقْصَ بِنَتْفِ رِيشِهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِجَرْيِهَا مَعَ مُسَاعَدَةِ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا (قَوْلُهُ: وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ) يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ كُلِّ الْقَوَائِمِ، بَلْ إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا وَفَاتَ بِهِ الِامْتِنَاعُ وَجَبَ الْجَزَاءُ فَلْيُنْظَرْ اهـ، وَإِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ) الْحَيِّزُ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ الْجِهَةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَكَسْرِ بَيْضِهِ) كَذَا بِشَيِّهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ

الْبَيْضِ بِكَسْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ وَلَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ بَعْدَ كَسْرِ الْبَيْضِ فَرْخٌ مَيِّتٌ يَجِبُ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَمَاتَ بِالْكَسْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى الْبَيْضَةِ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَسَيَجِيءُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْحَلَالِ (وَحَلْبِهِ) أَيْ يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَبَ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةُ لَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ فَأَشْبَهَ كُلَّهُ (وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِمَّا يُنْبَتُ) أَيْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الشَّجَرُ (مَمْلُوكًا) إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرُ مَمْلُوكٍ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا إنَّ حَشِيشَ الْحَرَمِ وَشَجَرَهُ عَلَى نَوْعَيْنِ شَجَرٌ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَشَجَرٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ أَوْ لَا يَكُونُ وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ بِأَنْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَاءٍ أَوْ دَفَنَهُ فِي تُرَابٍ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ نَفَّرَ طَيْرًا عَنْ بَيْضِهِ حَتَّى فَسَدَ أَوْ وَضَعَ بَيْضَ الصَّيْدِ تَحْتَ الدَّجَاجِ فَفَسَدَ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَطَارَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. وَهَلْ قَوْلُهُ: وَطَارَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ أَوْ اتِّفَاقِيٌّ فَلْيُنْظَرْ (تَنْبِيهٌ) إذَا شَوَى الْبَيْضَ أَوْ الْجَرَادَ وَضَمِنَهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِأَكْلِهِ سَوَاءٌ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِهَذَا يُبَاحُ أَكْلُ الْبَيْضِ قَبْلَ شَيِّهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ الْمَحْلُوبُ مِنْ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ) شَامِلٌ لِبَيْضِ النَّعَامَةِ فَإِذَا فَسَدَ لَا شَيْءَ بِكَسْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ فَانْتَفَى بِهَذَا مَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إذَا كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ مَذِرَةٍ وَجَبَ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ لِقِشْرِهَا قِيمَةٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نَعَامَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْإِحْرَامِ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ، بَلْ لِلصَّيْدِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمِذَرَّةِ عَرْضِيَّةُ الصَّيْدِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ) لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْمَتْنِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ بِخُرُوجِ الْفَرْخِ مَيِّتًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَقْسِيمِ الْمَسْأَلَةِ شَرْحًا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ (قَوْلُهُ: وَذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ) أَقُولُ إنَّمَا خَصَّ لُزُومَ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ لِيُخْرِجَ إشَارَةَ غَيْرِ الْمُحْرِمِ إلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ. وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الدَّالِّ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ) بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ إلَى الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ وَعَبَّرْنَا بِالْمَقْتُولِ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَبْحَ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَكُونُ مَيْتَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ فِي قَوْلِهِ لَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ صَيْدِ ذَبَحَهُ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مَعَ ضَمَانِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ) أَقُولُ وَالشَّجَرَةُ الَّتِي بَعْضُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ فَهِيَ كَاَلَّتِي جَمِيعُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتُعْتَبَرُ أَغْصَانُهَا فِي حَقِّ صَيْدٍ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى غُصْنٍ مِنْهَا فِي الْحِلِّ حَلَّ صَيْدُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَحَلِّ قِيَامِ الصَّيْدِ فَلَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحِلِّ وَقَوَائِمُهُ فِي الْحَرَمِ فَضَرَبَ فِي رَأْسِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ كَانَ بِعَكْسِهِ لَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَيَّدَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَمْلُوكًا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ غَيْرُ مُفِيدٍ أَقُولُ مَنْعُ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ لِمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إنْ قَيَّدَ غَيْرَ الْمَمْلُوكَةِ لِإِفَادَةِ عَدَمِ تَعَدُّدِ الْقِيمَةِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ الْحَرَمِ اهـ، ثُمَّ أَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَتْنًا حُكْمُ الْمَمْلُوكَةِ هَلْ يَكُونُ الضَّمَانُ مُتَعَدِّدًا أَوْ لَا وَلَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الدُّرَرِ مَتْنًا إلَّا لُزُومُ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْطُوعُ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي الْمَمْلُوكِ كَمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا. (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً فَكَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقِّ الْأَمْنِ إلْحَاقًا بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ كَمَالِ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مُنْتَفِيًا فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْأَقْسَامِ لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهَا لِمَالِكِهَا لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ (قَوْلُهُ: حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ. . . إلَخْ) كَذَا مِثْلُهُ

فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ (إلَّا مَا جَفَّ) حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ (وَلَا صَوْمَ فِي الْأَرْبَعَةِ) أَيْ لَا يَصُومُ فِي ذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ بَدَلَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ هَاهُنَا مِنْ الْقِيمَةِ غَرَامَةٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَلَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَبْحَ الْحَلَالِ؛ لِأَنَّ الذَّابِحَ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَلَا يُرْعَى الْحَشِيشُ) مِنْ الْحَرَمِ (وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، وَأَمَّا الْإِذْخِرُ فَقَدْ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَرَعْيُهُ (وَالْكَمْأَةُ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّبَاتِ (وَ) تَجِبُ (صَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْهِدَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبَاتَ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ فَكَيْفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ: وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا لِمَالِكِهِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الْحَرَمِ، وَأَمَّا حُكْمُ الْحَرَمِ فَبِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامُ التَّعَرُّضِ بِالنَّصِّ كَصَيْدِهِ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَمَلُّكَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتَصَوَّرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ تَمَلُّكُ أَرْضِ الْحَرَمِ، بَلْ هِيَ سَوَائِبُ وَأَرَادَ بِالسَّوَائِبِ الْأَوْقَافَ وَإِلَّا فَلَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا قَطَعَ الْمَالِكُ أُمَّ غِيلَانٍ مِنْ أَرْضِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى مَا ذُكِرَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلَّهِ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أُمِّ غِيلَانٍ تَنْبُتُ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَطْعُهُ وَلَا قَلْعُهُ، وَلَوْ قَلَعَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ اهـ، وَإِذَا لَزِمَ الْقَاطِعَ الْقِيمَةُ مَلَكَهُ وَكُرِهَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ لِتَطَرُّقِ النَّاسِ لِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَلَوْ بَاعَهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا جَفَّ) أَيْ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ وَصَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ بِقَطْعِ الْجَافِّ مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ وَحَرُمَ قَطْعُ مَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ مِنْ شَجَرٍ وَكَلَأٍ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالْجَافَّ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ، ثُمَّ قَالَ «وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ فِيهِ» ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ وَلَا يُرْعَى حَشِيشُ الْحَرَمِ وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ فِي حَاصِلِ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَدْ جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَى أَنْ قَالَ وَاَلَّذِي فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا مُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا وَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ مِنْ دَلِيلٍ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْخِرَ خَرَجَ بِالنَّصِّ وَمَا أَثْبَتُوهُ بِقِسْمَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الْجَافُّ وَالْمُنْكَسِرُ فَفِي مَعْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْبَابِ الشَّجَرُ وَالشَّوْكُ وَالْخَلَا فَالْخَلَا الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ، وَكَذَا الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ وَالشَّوْكُ لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُقَالُ عَلَى الرَّطْبِ وَالْجَافِّ فَلْيَحْلِلْ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ اهـ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَى مَا فَرَّقَ بِهِ الْبُرْجَنْدِيُّ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَإِ حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْكَلَأُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا لَا يَكُونُ فِيهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ الْحَرَمِ لَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَإِ مُطْلَقًا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ بِأَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ مَعًا اهـ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ أَيْ مَتْنِ الْوِقَايَةِ أَوْ قَطْعِ حَشِيشِهِ أَوْ شَجَرِهِ إلَّا مَمْلُوكًا أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا اهـ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا قَالَهُ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ قَوْلُهُ: إنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِقَطْعِ الْكَلَإِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ، بَلْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَدْلُولِ لَفْظِ الْحَشِيشِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا» ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ وَالْعَضَدُ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. وَفِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الْخَلَا هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ (قَوْلُهُ: وَالْكَمْأَةَ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ اهـ فَفِيهِ نَصٌّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا مَا جَفَّ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا يَكُونُ نَامِيًا فِيهِ اهـ، وَلَوْ قَدَّرَ كَوْنَهَا أَيْ الْكَمْأَةِ نَبَاتًا كَانَتْ مِنْ الْجَافِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَصَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ) يَعْنِي، وَقَدْ أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَيَتَصَدَّقُ لِقَضَاءِ

أَوْ جَرَادَةٍ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَعَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ وَفَأْرَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ) قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ (وَبَعُوضٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاتٍ وَلَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَأَكْلُ مَا صَادَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّفَثِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَوْ قَتَلَ قَمْلَةَ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي غَيْرِهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ قَمْلَةِ الْغَيْرِ إزَالَةُ التَّفَثِ عَنْ الْقَاتِلِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ. وَإِلْقَاءُ قَمْلِ نَفْسِهِ وَإِشَارَتُهُ إلَيْهِ مُوجِبٌ لِلصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَالْقَمْلَتَانِ وَالثَّلَاثُ كَالْوَاحِدَةِ فِي الْجَزَاءِ وَفِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّالِثِ بَالِغًا مَا بَلَغَ نِصْفُ صَاعٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتَاوَى كَقَاضِي خَانْ أَنَّ الْعَشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ فَيَجِبُ بِهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَهَذَا إذَا قَتَلَهَا قَصْدًا أَوْ أَلْقَى ثَوْبَهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ غَسَلَهَا لِقَصْدِ قَتْلِهَا، وَلَوْ أَلْقَاهُ لَا لِقَتْلِهَا فَمَاتَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ مِثْلُهُ، ثُمَّ نُقِلَ خِلَافُهُ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ وَهُوَ نَفْيُ الْجَزَاءِ بِإِلْقَاءِ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا لِقَتْلِ الْقَمْلِ (قَوْلُهُ: أَوْ جَرَادَةٍ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَالْقَمْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ فَفِي الثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ وَفِي الْأَرْبَعِ فَأَكْثَرَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ. . . إلَخْ) . أَطْلَقَ نَفْيَ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْمَذْكُورَاتِ فَأَفَادَ عَدَمَ اسْتِيعَابِ جَزَاءٍ بِقَتْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى، أَمَّا الْعَقْعَقُ فَغَيْرُ مُسْتَثْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى قِيلَ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ، وَقِيلَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ فِي الْعَقْعَقِ وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّظَرِ أَنَّ فِي الْعَقْعَقِ رِوَايَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصَّيُودِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْهِدَايَةِ وَغُرَابُ الزَّرْعِ لَا يُقْتَلُ وَيَرْمِيهِ الْمُحْرِمُ لِيُنَفِّرَهُ عَنْ الزَّرْعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَحِدَأَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ الْحِدَأُ اهـ، وَبِفَتْحِ الْحَاءِ فَأْسٌ يُنْقَرُ بِهَا الْحِجَارَةُ لَهَا رَأْسَانِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ الدَّالِ بِلَا مَدٍّ طَائِرٌ يَصِيدُ الْفَأْرَ وَالْجَرَادَ. (قَوْلُهُ: وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزِ وَاحِدَةُ الْفَأْرِ وَجَمْعُهُ فِيرَانٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّسْهِيلُ اهـ. وَلَا شَيْءَ فِيهَا أَهْلِيَّةً أَوْ وَحْشِيَّةً وَالسِّنَّوْرُ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا كَانَ مِنْهُ بَرِّيًّا فَهُوَ مُتَوَحِّشٌ كَالصَّيُودِ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. . . إلَخْ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَوَابَ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الذِّئْبَ فِي الْمَتْنِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَيْ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يُذْكَرْ فَاقْتَفَى أَثَرَ الَّتِي لَمْ تَذْكُرْهُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ فَهُوَ نَصٌّ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الذِّئْبُ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْكَلْبِ نَصًّا فَيَلْحَقُ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ، وَلَكِنْ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ صَرَّحَا بِعَدَمِ شَيْءٍ بِقَتْلِ الذِّئْبِ وَالْكَلْبِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ يَكُونُ مُكَرَّرًا فِي كَلَامِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي عَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ مَتْنًا أَيْضًا، هَذَا وَقَدْ فَرَّقَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالذِّئْبِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّئْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ اهـ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ السِّبَاعَ كُلَّهَا صَيْدٌ إلَّا الذِّئْبَ وَالْكَلْبَ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَبَعُوضٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْبَعُوضُ صِغَارُ الْبَقِّ الْوَاحِدَةُ بَعُوضَةٌ بِالْهَاءِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهَا كَبَعْضِ الْبَقَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَثَلا مَا بَعُوضَةً} [البقرة: 26] كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحَلُومِ اهـ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَاحِدَةُ السَّلَاحِفِ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ وَيُقَالُ أَيْضًا سُلَحْفِيَةٌ بِالْيَاءِ (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النَّمْلَ وَنَصَّ فِي الْكَنْزِ كَمَا شَرَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِعَدَمِ شَيْءٍ بِقَتْلِهِ، وَقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي تُؤْذِي بِالْعَضِّ وَمَا لَا تُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا، وَلَكِنْ لَا تُضْمَنُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ اهـ. وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حَنِينٍ وَابْنِ عِرْسٍ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهِمَا وَلَيْسَتْ بِصَيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ اهـ، وَقَالَ الْكَمَالُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَتْلِ الْقُنْفُذِ رِوَايَتَانِ جَعَلَهُ نَوْعًا مِنْ الْفَأْرَةِ وَفِي أُخْرَى جَعَلَهُ كَالْيَرْبُوعِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ. وَفِي الْفَتَاوَى لَا شَيْءَ فِي ابْنِ عِرْسٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ لُزُومَ الْجَزَاءِ فِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالسَّمُّورِ وَالسِّنْجَابِ وَالدَّلَقِ وَالثَّعْلَبِ وَابْنِ عِرْسٍ وَالْأَرْنَبِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي شَيْءٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ وَلَا تَطِيرُ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ، وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ اهـ، وَلَوْ نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ

حَلَالٌ وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةِ مُحْرِمٍ وَأُمِرَ بِهِ حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ) . قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ إلَى آخِرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهُوَ حَلَالٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْإِرْسَالِ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا قُلْت حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ (بِصَيْدٍ فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ حَتَّى إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ أَوْ قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (أَرْسَلَهُ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ (وَرَدَّ بَيْعَهُ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي أَتَى بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْمَحْرَمِ (إنْ بَقِيَ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (وَإِلَّا جَزَى) أَيْ أَعْطَى قِيمَتَهُ (كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ صَيْدَهُ) أَيْ يَرُدُّ الْمُحْرِمُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ فَائِتًا سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ (لَا صَيْدًا) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ أَرْسَلَهُ (فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ إنْ أَحْرَمَ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الصَّيْدِ وَمُحَافَظَتَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ صِيدَ فِيهَا صَارَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَيَجِبُ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ (أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا، قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ مِثْلِهِ يُجْزِي كُلٌّ) لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا (وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ إلَيْهِ (مَا بِهِ دَمٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةٍ) شُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ بِالدَّلَالَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ أَوْ فِي قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَزْمُهُ بِعَدَمِ الْإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ لَيْسَ فِي يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَفَادَ ضَعْفَ الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْإِرْسَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدَيْهِ حَيْثُ قَالَ، وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ اهـ، وَكَذَلِكَ فِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَ فِي الْبَحْرِ حُكْمَ دَاخِلِ الْحَرَمِ بِالصَّيْدِ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ أَحْرَمَ فَقَالَ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْكَنْزِ، وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ أَرَادَ بِهِ مَا إذَا دَخَلَ بِهِ وَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ صَيْدٌ فِي قَفَصِهِ لَا فِي يَدِهِ لَا يُرْسِلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إرْسَالِهِ تَسَيُّبَهُ؛ لِأَنَّ تَسَيُّبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ، بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ، وَلَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ يَسْتَرِدُّهُ وَأَطْلَقَ فِي الصَّيْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْجَوَارِحِ أَوْ لَا فَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ بَازِي فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ بَيْعَهُ. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ رَدِّ الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا يَخْلُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إشَارَةٌ بِقَوْلِهِ رَدَّ الْبَيْعَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ. اهـ. قُلْت وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ فَإِنْ بَاعَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَسَدَ الْبَيْعُ اهـ، وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ (قَوْلُهُ: أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَلَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْوِيتِ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا مُطْلَقِ يَدِهِ، فَإِنْ ادَّعَيَا الثَّانِيَ مَنَعْنَاهُ أَوْ الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِرْسَالِهِ، وَلَوْ فِي قَفَصٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ أَتْلَفَ الْمَعَازِفَ اهـ. وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، أَمَّا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ فَهُوَ ضَامِنٌ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ الْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْحُكْمِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ مُحْرِمًا؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مَا. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْرِمُ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فَيَمْلِكُهُ بِهِ كَمَا إذَا وَرِثَ الْمُحْرِمُ مِنْ قَرِيبِهِ صَيْدًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ) أَيْ الْمُحْرِمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُحْرِمُ بِمَا غَرِمَهُ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ شَيْءٌ بِالْقَتْلِ يَلْزَمُهُ مَا قَرَّرَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ، ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ، وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مَا بِهِ دَمٌ عَلَى

الْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ) دَمٌ لِحَجِّهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ (إلَّا بِجَوَازِ الْمِيقَاتِ غَيْرُ مُحْرِمٍ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ (يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ) فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ (وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ) فَإِنَّ جَزَاءَ صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحِلِّ وَهُوَ وَاحِدٌ (بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ وَحَرُمَ ذَبْحُهُ وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ) أَيْ لَوْ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ لَمْ يَغْرَمْ فَقَوْلُهُ لَا مُحْرِمٌ عَطْفٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ) كَذَا الصَّدَقَةُ تَتَعَدَّدُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَيْ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَيْضًا كَالْقَارِنِ فِي تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ، وَهَذَا أَيْ التَّعَدُّدُ إنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ، أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَلَا كَتَرْكِ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمِثْلُهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَإِمْدَادُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ (قَوْلُهُ: إلَّا بِجَوَازِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَزِمَ الْمُفْرِدَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ وَبِالْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِيَخْرُجَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ. قُلْت لَكِنْ ذَكَرَ لِبَيَانِ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ دَمَانِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي التَّبْيِينِ وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَسَائِلَ عَلَى اقْتِصَارِهِمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ (قَوْلُهُ: نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. . . إلَخْ) كَذَا نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ. اهـ. قُلْت وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ إجْمَاعٌ وَغَيْرُهُ فِي عَدَمِ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ اهـ، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِهِ وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ عُمْرَةِ الْقَارِنِ بَعْدَ الْوُقُوفِ إلَى الْحَلْقِ فَلَا يَنْتَهِي إلَّا بِهِ وَمَا فِي الْأَجْنَاسِ كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ فَمُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِانْتِهَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَعَلِمْت ضَعْفَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ) لَيْسَ الْمُثَنَّى قَيْدًا، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ التَّعَدُّدُ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَزَاءُ كَامِلًا (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ) كَذَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَفِي غَيْرِهَا الْقَتْلُ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ وَلَيْسَ صَوَابًا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ بَلْ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ) هَذَا إذَا قَتَلَاهُ بِضَرْبَةٍ فَلَا شَكَّ فِي لُزُومِ نِصْفِ الْجَزَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، أَمَّا إذَا ضَرَبَهُ كُلٌّ ضَرْبَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مَا تَقْتَضِيهِ ضَرْبَتُهُ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِضَرْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ فِعْلِهِمَا جَمِيعُ الصَّيْدِ صَارَ مُتْلَفًا بِفِعْلِهِمَا فَضَمِنَ كُلٌّ نِصْفَ الْجَزَاءِ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْجَزَاءُ الَّذِي تَلِفَ بِضَرْبَةِ كُلٍّ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَالْبَاقِي مُتْلَفٌ بِفِعْلَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ تَفَارِيعُ لِهَذِهِ يَنْبَغِي عِلْمُهَا، وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمُونَ وَمُحِلُّونَ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُحْرِمٍ مَعَ مَا خَصَّهُ مِنْ ذَلِكَ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ يَجِبُ عَلَى الْحَلَالِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْقَسْمِ لَوْ قُسِمَتْ عَلَى الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (تَنْبِيهٌ) لِحُدُودِ الْحَرَمِ عَلَامَاتٌ مَنْصُوبَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ نَصَّبَهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُرِيهِ مَوَاضِعَهَا، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَجْدِيدِهَا، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهِيَ إلَى الْآنَ، وَقَدْ نَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ النُّوَيْرِيُّ بِقَوْلِهِ وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَهْ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا ... وَقَدْ كَمَلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ وَفِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ قُلْت يُغْنِي عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ مَا لَوْ جَعَلَ النِّصْفَ وَالْأَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي هَكَذَا وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ ... وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ وَلَيْسَ لِلْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ حَرَمٌ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ فِيهَا وَقَطْعُ حَشِيشِهَا وَرَعْيُهُ (قَوْلُهُ: بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ) هَذَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَلَوْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ جَازَ الْبَيْعُ، وَإِذَا اشْتَرَى حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ صَيْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ ذَبْحُهُ) أَيْ مَذْبُوحُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ) هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ ضَمَانِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ)

ضَمِيرِ غَرِمَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (وَلَدَتْ ظَبْيَةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَمَاتَا غَرِمَهُمَا) أَيْ الظَّبْيَةَ وَالْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ كَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا (وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ إذْ بَعْدَ أَدَاءِ جَزَاءِ الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ (آفَاقِيّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) قَيَّدَ بِإِرَادَتِهِمَا إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ (وَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَزِمَهُ دَمٌ فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ أَوْ مُحْرِمًا) أَيْ إنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ حَالَ كَوْنِهِ مُحْرِمًا فِي الطَّرِيقِ (لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) وَإِنَّمَا قَالَ (وَلَبَّى) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا كَافٍ لِسُقُوطِ الدَّمِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَوْدِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا (سَقَطَ) أَيْ الدَّمُ اللَّازِمُ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ عَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ الَّذِي قَتَلَهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَتَنَاوَلَهُ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَذْبَحْهُ فَإِنَّمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ سِوَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: غَرِمَهُمَا) أَيْ الْمُخْرِجُ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ) وَقَالَ الْكَمَالُ هَذِهِ أَيْ كَوْنُهَا مُسْتَحِقَّةَ الْأَمْنِ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَالتَّأْنِيثُ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ مِثْلُ زَيْدٍ هُوَ هَدِيَّةٌ إلَيْك وَلَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ اكْتِسَابِ الْكَوْنِ لِلتَّأْنِيثِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِمَّا لَا يَصِحُّ حَذْفُهُ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الظَّبْيَةِ وَلَا يَصِحُّ الظَّبْيَةُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِخِلَافِ نَحْوِ شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ الدَّمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا فَوَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ) كَذَلِكَ كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ وَيُكْرَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: إذْ بَعْدَ جَزَاءِ الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ أَمِنَةً) الضَّمِيرُ فِي تَبْقَ لِلْأُمِّ أَيْ انْتَفَى عَنْهَا اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ بِأَدَاءِ ضَمَانِهَا؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ وَهُوَ جَزَاؤُهَا إلَى مَا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ كَوُصُولِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ الْكَمَالُ بَحْثًا مِنْهُ، وَقَالَ هَذَا أَدْيَنُ لِلَّهِ بِهِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ إنْ أَعْطَى الْجَزَاءَ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى إعَادَتِهَا إلَى الْحَرَمِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ بَعْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِالْجَزَاءِ عَنْ عُهْدَتِهَا وَيُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَالْهَرَبِ إذَا ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ اهـ، وَنَاقَشَهُ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: أَفَاقِيٌّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ) لَيْسَ قَيْدُهُ مُعْتَبَرَ الْمَفْهُومِ لِمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِإِرَادَتِهِمَا) إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا نَذْكُرُ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ مَا تُوُهِّمَ مِنْ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَيْ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانُ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ اهـ، وَهَذَا الْوَهْمُ مَدْفُوعٌ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْهِدَايَةِ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَتَلَافَاهُ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْكُوفِيُّ قَاصِدًا النُّسُكَ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، بَلْ التِّجَارَةَ أَوْ السِّيَاحَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي قَاصِدِي مَكَّةَ مِنْ الْآفَاقِيِّينَ قَصْدُ النُّسُكِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إذَا أَرَادَ مَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَوْجِيهِهِ وَمُوجِبُ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَاطِقَةٌ بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ قَصَدَ النُّسُكَ أَمْ لَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِهِ وَلَا أَصْرَحُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ قَصْدُ الْحَرَمِ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْإِحْرَامِ لِقَصْدِهِ مَكَّةَ اهـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ آفَاقِيٌّ مُسْلِمٌ بَالِغٌ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ وَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَزِمَهُ دَمٌ. . . إلَخْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحُرِّ لِشُمُولِ الرَّقِيقِ فَإِذَا تَجَاوَزَ بِلَا إحْرَامٍ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمٌ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَسَوَاءٌ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي تَجَاوَزَهُ أَوْ عَادَ إلَى غَيْرِهِ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مُحَاذِيًا لِمَا فَاتَهُ أَوْ أَبْعَدَ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ) سَيُبَيِّنُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّوَافَ، وَلَوْ شَرْطًا (قَوْلُهُ: أَوْ مُحْرِمًا لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ وَلَبَّى) أَيْ عِنْدَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالظَّرْفِ لِبَيَانِ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَوْ حَصَلَتْ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَا عِنْدَهُ لَا تَكْفِي لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ أَيْ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ، ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَيْ فِي الْمِيقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا وَلَمْ يُلَبِّ فِي الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمٌ وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَمَا جَاوَزَهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْعَوْدِ إنَّمَا تُسْقِطُ الدَّمَ إذَا حَصَلَتْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَوْ خَارِجَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَتْنُ مِنْ تَصَوُّرِ الْعَوْدِ بِلَا إحْرَامٍ لِانْفِهَامِ

وَلَكِنْ بَعْدَمَا شَرَعَ فِي نُسُكٍ بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ (كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَخَرَجَا مِنْ الْحَرَمِ وَأَحْرَمَا) تَشْبِيهٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي لُزُومِ الدَّمِ فَإِنَّ إحْرَامَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا وَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ (دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ كَالْبُسْتَانِيِّ) بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ مَوْضِعٌ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِذَا دَخَلَهُ لِحَاجَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِهِ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَكِنْ إنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْبُسْتَانِ وَالْحَرَمِ كَالْبُسْتَانِيِّ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْبُسْتَانِيِّ، وَمَنْ دَخَلَهُ (إنْ أَحْرَمَا مِنْ الْحِلِّ وَوَقَفَا بِعَرَفَاتٍ) لِأَنَّهُمَا أَحْرَمَا مِنْ مِيقَاتِهِمَا اهـ. (دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَصَحَّ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَزِمَهُ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ (لَوْ خَرَجَ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ (وَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَا بَعْدَهُ) وَقَالَ فِي زُفَرَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَلَنَا أَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُكْمِهِ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْعَطْفُ بِأَوْ فَيُفِيدُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ فَقَطْ يَمْنَعُ سُقُوطَ الدَّمِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ مَعَ الطَّوَافِ فَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا، بَلْ الطَّوَافُ يُؤَكِّدُ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِلَامٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ اهـ. وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْكَمَالُ الِاسْتِلَامَ فَقَالَ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ، وَلَوْ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَتَّى شَرَعَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ اهـ فَلْيُحَرَّرْ هَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِلَامِ مَانِعٌ لِلسُّقُوطِ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ طَوَافٍ (قَوْلُهُ: كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُقَيَّدْ الْمُعْتَمِرَ بِكَوْنِهِ خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ وَيَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ إلَى مِيقَاتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُهُ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ بِدُخُولِ أَرْضِ الْحَرَمِ يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمِيقَاتِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِعُمْرَةٍ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَدَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْحِلُّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ) يَعْنِي سَوَاءٌ نَوَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ شَرَطَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا لَزِمَ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَعْنِي مَنْ أَخَّرَ دُخُولَهُ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ مِرَارًا غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَ فَأَحْرَمَ بِنُسُكٍ أَجْزَأَهُ عَنْ دُخُولِهِ الْأَخِيرِ لَا عَمَّا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَوْ خَرَجَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ) كَذَا قَيَّدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ عَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ بِالْحَرَمِ وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِئُهُ إحْرَامُهُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ اهـ. وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ اهـ، وَلَوْ خَرَجَ وَأَهَلَّ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِمَّا جَاوَزَهُ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ يُسْقِطُ الدَّمَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَلُزُومُ نُسُكٍ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ كُلٍّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَحَجُّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَيْهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ حَجَّةً مَنْذُورَةً، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ فَلَوْ قَالَ وَأَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ وَأَتَمَّهُ فِي عَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعُمْرَةَ الْمَنْذُورَةَ (قَوْلُهُ: لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ وُجُوبَ تَعْيِينِ الْإِحْرَامِ لِدُخُولِ مَكَّةَ، بَلْ أَيُّ إحْرَامٍ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُجْزِئٌ لِوُجُودِ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ) أَيْ فَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ. وَقَالَ الْكَمَالُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا

الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي كَمَا مَرَّ (جَاوَزَ مِيقَاتَهُ بِلَا إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَفْسَدَهَا مَضَى وَقَضَى وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ (مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ مَنْهِيٌّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) لِأَجْلِ الرَّفْضِ (وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ) لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَعَلَى فَائِتِهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ (وَلَوْ أَتَمَّهُمَا صَحَّ) لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُحَقِّقُ الْمَشْرُوعِيَّةَ. (وَ) لَكِنْ (ذَبَحَ) لِلنُّقْصَانِ، وَهَذَا دَمُ جَبْرٍ وَفِي الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ (مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ، ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِآخَرَ) أَيْ بِحَجٍّ آخَرَ (فَإِنْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ) حَتَّى يَقْضِيَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ (بِلَا دَمٍ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ لِلْأَوَّلِ (فَبِهِ) أَيْ لَزِمَهُ الْآخَرُ بِالدَّمِ (قَصَّرَ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي (أَوَّلًا) أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ فَإِذَا حَلَقَ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ انْتَهَى الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَبَعْدَ هَذَا إنْ حَلَقَ تَحَلَّلَ عَنْ الْأَوَّلِ وَجَنَى عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَبِهِ قَصَّرَ أَوَّلًا (أَتَى بِعُمْرَةٍ) أَيْ بِأَفْعَالِهَا (إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ) ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلَزِمَهُ دَمٌ (آفَاقِيٌّ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ بِالْحَجِّ (ثُمَّ بِهَا) أَيْ بِالْعُمْرَةِ (لَزِمَاهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لِلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ (وَبَطَلَتْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQدَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ وَلَا غَيْرَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَضَى وَقَضَى) أَيْ مِنْ أَحَدِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ الْحَرَمِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي شَرْحًا (قَوْلُهُ: وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ) أَيْ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِفَسَادِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا) حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَخْفَى عَدَمُ فَهْمِهِ مِنْ الْمَتْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: مَكِّيٌّ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْقِرَانِ مَا يُغْنِي عَنْ الْكَلَامِ هُنَا وَحَاصِلُهُ صِحَّةُ قِرَانٍ وَصِحَّةُ تَمَتُّعٍ لِلْمَكِّيِّ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَدُفِعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِمَا مِنْهُ (قَوْلُهُ: طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا. . . إلَخْ) كَذَلِكَ يَرْفُضُهَا لَوْ أَتَى بِأَقَلِّ أَشْوَاطِهَا، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ قَارِنًا فَإِنْ أَتَى الْمَكِّيُّ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا رُفِضَ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِذَا لَمْ يَطُفْ الْمَكِّيُّ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ) الرَّفْضُ التَّرْكُ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَحْلِقَ مَثَلًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِقَصْدِ تَرْكِ الْحَجِّ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ مِنْ الْعُمْرَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا بِشُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا نَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ. . . إلَخْ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَحَجَّ لِمَا أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِآخَرَ يَرْفُضُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ، وَحَاصِلُ تَقْسِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بِدْعَةٌ لِصِدْقِهِ بِالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ وَلَيْسَ الْمُقْسِمَ، وَقَدْ عَطَفَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَوْ فَقَالَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) صَوَابُهُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ لِمَا أَنَّهُ الْمُتَحَدِّثُ عَنْهُ لَا عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ) أَقُولُ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ وَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ الدَّمِ بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَنَاسِكِ الْمَبْسُوطِ وَعَدَمُ ذِكْرِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَيْسَ نَفْيًا بَعْدَ وُجُودِ الْمُوجِبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ فِي الْعُمْرَتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ ثَابِتٌ فِي الْحَجَّتَيْنِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَا يَتِمُّ وَعَلَيْهِ جَعَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي لُزُومِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لِلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ) يَعْنِي كَالْقِرَانِ الِابْتِدَائِيِّ بِأَنْ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا، فَلَيْسَ تَشْبِيهًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا قِرَانٌ بَقَاءً فَهُوَ كَالْقِرَانِ ابْتِدَاءً فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ

[باب الإحصار]

الْعُمْرَةُ (بِالْوُقُوفِ قَبْلَ أَفْعَالِهَا لَا بِالتَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَإِنْ طَافَ لَهُ) أَيْ لِلْحَجِّ يَعْنِي طَوَافَ الْقُدُومِ (ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا) أَيْ بِالْعُمْرَةِ (فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ) ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ (وَنُدِبَ رَفْضُهَا) لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ تَأَكَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ (فَإِنْ رَفَضَ قَضَى) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا (وَذَبَحَ) لِرَفْضِهَا (حَجَّ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي ثَلَاثَةٍ تَلِيهِ لَزِمَتْهُ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ صَحِيحٌ (وَرُفِضَتْ) أَيْ يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ (أَيْضًا وَقُضِيَتْ مَعَ دَمٍ) لِلرَّفْضِ (وَإِنْ مَضَى صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ) لِارْتِكَابِ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ (فَائِتُ الْحَجِّ أَهَلَّ بِهِ أَوْ بِهَا رَفَضَ وَقَضَى وَذَبَحَ) أَيْ فَائِتُ الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يَجِبُ أَنْ يَرْفُضَ الْإِحْرَامَ وَيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ هَذَا، ثُمَّ يَقْضِي مَا أَحْرَمَ بِهِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ وَيَذْبَحُ وَإِنَّمَا يَرْفُضُ إحْرَامَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ فَيَرْفُضُ الثَّانِيَ وَإِنَّمَا يَرْفُضُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ لِفَوَاتِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بِالْإِحْرَامِ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ فَيَرْفُضُ الثَّانِيَةَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ بِالرَّفْضِ {بَابُ مُحْرِمٍ أُحْصِرَ} الْإِحْصَارُ لُغَةً الْمَنْعُ مُطْلَقًا يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَمَا حَصَرَهُ الْمَرَضُ وَفِي الشَّرْعِ مَنَعَ الْخَوْفُ أَوْ الْمَرَضُ مِنْ وُصُولِ الْمُحْرِمِ إلَى تَمَامِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِذَا أُحْصِرَ (بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَبَطَلَتْ الْعُمْرَةُ بِالْوُقُوفِ. . . إلَخْ) هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ ذِكْرُهَا فِي الْقِرَانِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ أَيْ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا (قَوْلُهُ: فَإِذَا طَافَ لَهُ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا أَيْ بِالْعُمْرَةِ فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ) أَقُولُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الدَّمَ دَمُ جَبْرٍ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَكْثَرَ إسَاءَةً مِنْ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ الْكَمَالُ مَا يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ رَفْضُ الْعُمْرَةِ (قَوْلُهُ: وَرُفِضَتْ) حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ، ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَقِيلَ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ الْمَنْهِيِّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَشَايِخُنَا عَلَى هَذَا اهـ أَيْ عَلَى وُجُوبِ الرَّفْضِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَضَى صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ لِارْتِكَابِ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ) أَفَادَ أَنَّ الدَّمَ لِلْكَفَّارَةِ. وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُفِيدُ اخْتِلَافًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ بِصِيغَةِ قَالُوا، وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ (قَوْلُهُ: وَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ [بَابُ الْإِحْصَارُ] (بَابُ مُحْرِمٍ أُحْصِرَ) (قَوْلُهُ: وَفِي الشَّرْعِ مَنْعُ الْخَوْفِ أَوْ الْمَرَضِ) أَقُولُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَيْنِ لِمَا نَذْكُرُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ. . . إلَخْ) مَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ إشَارَةً إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ لَا إحْصَارَ إلَّا بِعَدُوٍّ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ بِالْعَدُوِّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْإِحْصَارَ يَكُونُ بِالْمَرَضِ وَبِالْعَدُوِّ الْحَصْرُ لَا الْإِحْصَارُ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ الْفَرَّاءُ وَابْنُ السِّكِّيتِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَالْعُتْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَئِمَّةُ اللُّغَةِ الْمُتْقِنُونَ لِهَذَا الْفَنِّ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَئِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرَضَ دَلَالَةً كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَمِنْ الْإِحْصَارِ هَلَاكُ النَّفَقَةِ وَمَوْتُ مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ زَوْجِهَا فِي الطَّرِيقِ وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ وَإِلَّا فَمُحْصَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ، وَلَوْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا مَحْرَمَ فَهِيَ مُحْصَرَةٌ لَا تُحِلُّ إلَّا بِالدَّمِ؛ لِأَنَّهَا مُنِعَتْ شَرْعًا آكَدَ مِنْ الْمَنْعِ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا الْمُحْصَرُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِالدَّمِ، وَأَمَّا الْمُحْصَرُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فَكُلُّ مُحْصَرٍ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْإِحْرَامِ شَرْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِالْقَوْلِ وَيُكْرَهُ التَّحْلِيلُ لَوْ أَذِنَ بِالْإِحْرَامِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ الْهَدْيَ أَوْ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ لِيُذْبَحَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا تَحَلَّلَتْ بِغَيْرِ طَوَافٍ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ كَالرَّجُلِ الْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ هَدْيَ الْإِحْصَارِ وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَإِذَا أُحْصِرَ، وَقَدْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ عَنْهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ

جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَحِينَئِذٍ (بَعَثَ الْمُفْرِدُ دَمًا وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامَيْنِ (وَعَيَّنَ يَوْمَ الذَّبْحِ) أَيْ وَأَعَدَّ مَنْ يَبْعَثُهُ يَوْمًا بِعَيْنِهِ يَذْبَحُهُ فِيهِ (فِي الْحَرَمِ) لَا الْحِلِّ (وَلَوْ) كَانَ يَوْمُ الذَّبْحِ (قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الذَّبْحُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ (وَبِذَبْحِهِ يُحِلُّ بِلَا حَلْقٍ وَتَقْصِيرٍ) وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْوِقَايَةِ يُقْبَلُ حَلْقٌ وَتَقْصِيرٌ (وَعَلَيْهِ إنْ حَلَّ مِنْ حَجٍّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ) لَزِمَهُ الْحَجُّ بِالشُّرُوعِ وَالْعُمْرَةُ لِلتَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ (وَمِنْ عُمْرَةٍ عُمْرَةٌ) هِيَ قَضَاؤُهَا (وَمِنْ قِرَانٍ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ) أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ كَمَا مَرَّ فِي الْمُفْرِدِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِخُرُوجِهِ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ (وَإِذَا زَالَ إحْصَارُهُ) أَيْ الْقَارِنِ (وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ) أَيْ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ لِأَدَاءِ الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْهَدْيِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِتْقِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَذَا هَذَا وَيَصْنَعُ بِالْهَدْيِ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا (وَمَعَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ بِدُونِهِمَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ) فَإِنْ أَدْرَكَ الْهَدْيَ لَا الْحَجَّ فَيَتَحَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَا الْهَدْيَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ يُضَيِّعُ مَالَهُ مَجَّانًا وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ فَيَتَحَلَّلُ كَمَا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ (وَمَنْعُهُ) أَيْ مَنْعُ الْمُحْرِمِ (بِمَكَّةَ عَنْ رُكْنَيْ الْحَجِّ) يَعْنِي الطَّوَافَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ (إحْصَارٌ لَهُ) إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْأَفْعَالِ فَكَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبَعْضُهُ مِنْ قَاضِي خَانْ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّحَلُّلِ بِالْهَدْيِ أَوْ الْأَفْعَالِ إذَا قَدَرَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَبْسُوطِ بِعَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بَعَثَ الْمُفْرِدُ دَمًا) أَقُولُ وَإِذَا بَعَثَ إنْ شَاءَ أَقَامَ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعَثَ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ فَلَهُ بَعْثُ قِيمَتِهَا لِتُشْتَرَى فَتُذْبَحَ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُذْبَحُ لَا يَقُومُ الصَّوْمُ وَلَا الْإِطْعَامُ مَقَامَهُ، بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى الْوُجْدَانِ أَوْ التَّحَلُّلِ بِالْأَفْعَالِ وَيَكْفِيهِ سُبْعُ بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يُقَوِّمُ الْهَدْيَ بِالطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ) أَقُولُ فَإِنْ بَعَثَ وَاحِدًا لِلْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَذَبَحَ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ إحْرَامَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَبِذَبْحِهِ يُحِلُّ بِلَا حَلْقٍ وَتَقْصِيرٍ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ فَهُوَ حَسَنٌ أَيْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَيْلَ الْحَلْقُ وَاجِبٌ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا أَيْ كَمَا قَالَا، وَهَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ، أَمَّا إذَا أُحْصِرَ بِالْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ كَذَا فِي شَرْحِهِ، ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَ أَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ لِيَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي عَلَى صِيغَةِ الْجَزْمِ، وَلَكِنْ نَقَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْمُصَفَّى بِصِيغَةِ قِيلَ وَنَصُّهُ: وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ كَذَا فِي الْمُصَفَّى اهـ. وَفِي التَّقْيِيدِ بِالذَّبْحِ فِي الْحَرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ بَقِيَ حَيًّا فَحَلَّ الْمُحْصَرُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْلَالِهِ وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يَحْصُلَ مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ إنْ حَلَّ مِنْ حَجٍّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ) هَذَا إنْ قَضَاهُ مِنْ قَابِلٍ، أَمَّا إذَا قَضَاهُ مِنْ عَامِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ، وَكَذَلِكَ الْقَارِنُ لَوْ قَضَى مِنْ عَامِهِ لَا تَلْزَمُهُ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ وَنِيَّةُ الْقَضَاءِ شَرْطٌ فِي غَيْرِ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ فِي الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا زَالَ إحْصَارُهُ) أَيْ الْقَارِنِ فِيهِ قُصُورٌ لِتَفْسِيرِ الضَّمِيرِ بِالْقَارِنِ خَاصَّةً وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى عُمُومِهِ لِشُمُولِهِ الْمُفْرِدَ إذْ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ التَّوَجُّهِ مَعَ إمْكَانِ إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ بِالْقَارِنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْهَدْيِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِ، وَكَذَا عِبَارَةُ الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَمَعَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ بِدُونِهِمَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْ لَا يَتَوَجَّهَ وَيَتَحَلَّلَ بِذَبْحِ الْهَدْيِ إذْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ التَّحَلُّلَ قَبْلَهُ وَإِنْ فُهِمَ الْحُكْمُ مِمَّا سَبَقَ وَأَخْصَرُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَنْزِ فَإِنْ زَالَ الْإِحْصَارُ وَقَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ وَإِلَّا لَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَا الْهَدْيَ) أَقُولُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيفَاءً بِمَا الْتَزَمَ كَمَا الْتَزَمَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا، ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَدَثَ آخَرُ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ الثَّانِي جَازَ وَحَلَّ بِهِ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ جَزَاءَ صَيْدٍ، ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَاهُ لِلْإِحْصَارِ أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً وَأَوْجَبَهَا، ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَاهَا لَهُ جَازَ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مَكَانَ مَا أَوْجَبَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُجْزِيهِ إلَّا عَنْ التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْوَقْفِ وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عِنْدَهُ فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِ تِلْكَ

[عجز عن الحج بنفسه أمر غيره بأن يحج عنه]

مُحْصَرًا كَمَا إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ (لَا عَنْ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا، أَمَّا عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ، وَأَمَّا عَلَى الْوُقُوفِ فَلِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ (عَجَزَ) عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ (فَأَحَجَّ) أَيْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ (صَحَّ عَنْهُ إنْ مَاتَ مُسْتَمِرَّ الْعَجْزِ وَنَوَاهُ) أَيْ الْمَأْمُورُ الْحَجَّ (عَنْ الْعَاجِزِ) فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ صَحَّ الْإِحْجَاجُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ قَاضِي خَانْ هَذَا إنْ كَانَ الْآمِرُ عَاجِزًا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى جَازَ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْحَجِّ (حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْأَمْرِ يَقَعُ عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (فِي الصَّحِيحِ) وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ فُلَانٍ (وَإِذَا مَرِضَ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ (فِي الطَّرِيقِ لَيْسَ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِهَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا عَنْ أَحَدِهِمَا. . . إلَخْ) أَقُولُ اُسْتُغْنِيَ بِهَذَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَا إحْصَارَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ إذَا دَامَ الْإِحْصَارُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ دَمٌ وَلِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ. (قُلْت) وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا لِعُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِهِ فِي مَكَانِهِ فِي الْحِلِّ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ فِي مَكَانِهِ يَقَعُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ لِيَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَقَعُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ الْمَكَانِ، وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَفُوتُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ جَمِيعًا فَتَحَمُّلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى قَالَ الْعَتَّابِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ [عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ] (قَوْلُهُ: عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ) الْمُرَادُ بِهِ حَجُّ الْفَرْضِ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ إذْ النَّفَلُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَجْزُ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ وُجْدَانَ الْعَجْزِ قَبْلَ الْأَمْرِ شَرْطٌ فَلَوْ أَمَرَ الصَّحِيحُ رَجُلًا بِالْحَجِّ عَنْهُ، ثُمَّ عَجَزَ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ وَمِنْ شَرَائِطِ النِّيَابَةِ الرُّكُوبُ إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ رَاكِبًا فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ النَّفَقَةَ لَوْ مَشَى وَمِنْهَا كَوْنُ أَكْثَرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ وَفِيهِ وَفَاءٌ بِمَا أَنْفَقَ إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا الْوَارِثَ يَحُجُّ عَنْ مُوَرِّثِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً كَذَا فِي الْبَحْرِ وَبَاقِي الشُّرُوطِ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: قَالَ قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا كَانَ الْآمِرُ عَاجِزًا. . . إلَخْ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ لَا يُفِيدُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ، وَلَكِنْ الْمُرَادُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِ قَاضِي خَانْ هَذَا رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ فَخَصَّصَهُ بِعَجْزٍ يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْحَبْسِ، أَمَّا مَنْ بِهِ عُذْرٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ يَعْنِي عَادَةً كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَمْرُهُ بِالْحَجِّ أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ دَوَامِ عَجْزِهِ حَتَّى إذَا زَالَ عَمَاهُ لَا يَبْطُلُ الْحَجُّ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَاضِي خَانْ قَالَ قَبْلَ هَذَا لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بِالْحَجِّ إلَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ عَجْزًا يَدُومُ إلَى الْمَوْتِ، ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ. . . إلَخْ فَبَيَّنَ الْعَجْزَ الَّذِي يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ فَحَاصِلُ الْحُكْمِ أَنَّ الْآمِرَ إذَا كَانَ عُذْرُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ فَالْأَمْرُ مُرَاعًى فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى الْمَوْتِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْآمِرِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عُذْرُهُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْعَمَى فَأَحَجَّ غَيْرَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ أَوْ زَالَ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اهـ. وَقَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ إنَّ دَوَامَ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ شَرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَجْزُ بِمَعْنًى لَا يَزُولُ أَصْلًا كَالزَّمَانَةِ أَوْ بِعَارِضٍ يُتَوَهَّمُ زَوَالُهُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ إلَى الْمَوْتِ وَقَعَ جَائِزًا عَنْ الْآمِرِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ حَجُّ الْإِسْلَامِ وَالْمُؤَدِّي يَصِيرُ تَطَوُّعًا لِلْآمِرِ كَذَا فِي الْكَافِي اهـ مَا قَالَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ (قُلْت) إنْ أَرَادَ كَافِي النَّسَفِيِّ فَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي الشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمُرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ الْعُمُرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَقُلْنَا إنْ عَجَزَ لِمَعْنًى لَا يَزُولُ كَالزَّمَانَةِ صَحَّ الْأَدَاءُ بِالنَّائِبِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بِعَارِضٍ يُتَوَهَّمُ زَوَالُهُ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَسْجُونًا كَانَ الْأَدَاءُ بِالنَّائِبِ مُرَاعًى فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْعُذْرُ إلَى الْمَوْتِ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَوَقَعَ الْمُؤَدِّي جَائِزًا وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّ الْيَأْسَ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُؤَدِّي تَطَوَّعَ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْأَمْرِ يَقَعُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ) أَقُولُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَيِّتِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَذَكَرَ دَلِيلَهُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الْكَشْفِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ وَهُوَ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا لَا يَجُوزُ وَهُوَ دَلِيلُ الضَّعْفِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالثَّمَرَةِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الضَّعِيفِ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ قَدْ حَجَّ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ) فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ

[خرج إلى الحج ومات في الطريق وأوصى بالحج عنه]

دَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ) ذَلِكَ الْغَيْرُ (عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ (وَقْتَ الدَّفْعِ اصْنَعْ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ جَازَ) دَفْعُهُ (مَرِضَ أَوْ لَا) لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا مُطْلَقًا (خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ إنْ فُسِّرَ شَيْءٌ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا فُسِّرَ وَإِلَّا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَحُجُّ مِنْ حَيْثُ مَاتَ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يُجْزِهِ) كَذَا فِي التَّجْرِيدِ (وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ) يَعْنِي رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُمَا فَحَجَّ لَمْ يَقَعْ عَنْهُمَا، بَلْ (يَقَعُ عَنْهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ (وَضَمِنَ مَالَهُمَا) إنْ أَنْفَقَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ (وَلَا يَجْعَلُهُ) أَيْ لَا يَقْدِرُ الْمَأْمُورُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّ (عَنْ أَحَدِهِمَا) وَلَكِنْ (جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) فَإِنَّهُ إنْ حَجَّ عَنْهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَفِي الْأَوَّلِ يَفْعَلُ بِحُكْمِ الْآمِرِ، وَقَدْ خَالَفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّلْبِيَةِ لَمَّا فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ. . . إلَخْ وَأَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي عَنْ فُلَانٍ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بِهِ مُخَالِفًا [خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ] (قَوْلُهُ: خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلَا تَكُونُ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ عَلَى مَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إنَّمَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ عَلَى مَنْ قَدَرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى مَاتَ فَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَخَرَجَ عَنْ عَامِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ اهـ. (قَوْلُهُ: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثَهُ) قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَى مَكَّةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يُجْزِهِ) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْمُتَطَوِّعَ فَشَمِلَ الْوَارِثَ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ الْمَيِّتُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَجُوزُ. اهـ. قُلْت يَعْنِي لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْحَجِّ اهـ. وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ بِالْإِحْجَاجِ أَوْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ جَازَ لِلْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ فَقَدْ فَرَّقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إذَا حَجَّ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ: وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ. . . إلَخْ) أَيْ إذَا أَمَرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحَجِّ عَنْهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَأَهَلَّ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْهُ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ مُعَيِّنًا وَمُبْهِمًا لَا نَصَّ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ قَطْعًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ: بَلْ وَقَعَ عَنْهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَقْلًا وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ قَالَ وَلَا تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا أَمْرٌ بِالْحَجِّ عَنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَرْحًا وَإِنْ كَانَ الْمَتْنُ بِخِلَافِهِ ظَاهِرًا وَحُكْمُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ كَالْوَالِدَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ إنْ حَجَّ عَنْهُمَا. . . إلَخْ) يُفِيدُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ إذَا أَهَلَّ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قُلْت) وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو بِسَبَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابُ اهـ. وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا لِمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ» وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا

فَيَقَعُ عَنْهُ (وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي مَالِهِ لَوْ مَيِّتًا) لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ (وَدَمُ الْقِرَانِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَاجِّ) أَمَّا دَمُ الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْآمِرُ بِالْقِرَانِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ، وَأَمَّا دَمُ الْجِنَايَةِ فَلِأَنَّهُ الْجَانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ (وَضَمِنَ) الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ (النَّفَقَة) (إنْ جَامَعَ قَبْلَ وُقُوفِهِ) وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ (وَإِنْ مَاتَ) الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ (يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) مِنْ مَالِهِ،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمُفْرَزِ لِلْحَجِّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِقِسْمَةِ الْوَصِيِّ بِقِسْمَةِ الْمُوصِي فَإِنَّهُ لَوْ أَفْرَزَ فِي حَيَاتِهِ مَالًا وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ النَّائِبِ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ فَكَذَا إذَا أَفْرَزَ الْوَصِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمَتَى بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفُذُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ الْمَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ قَدْ ضَاعَ فَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ (لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 100] الْآيَةَ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَوَجْهُ قَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، الْحَدِيثَ. وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنَّ الْخُرُوجَ لَمْ يُوجَدْ (الْهَدْيُ) وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا» اهـ. (قَوْلُهُ: وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْحَاجِّ؛ لِأَنَّ دَفْعَ ضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ رَاجِعٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي مَالِهِ لَوْ مَيِّتًا) فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا هَلْ هُوَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ كَالزَّكَاةِ، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَدَمُ الْقِرَانِ. . . إلَخْ) كَذَا الْمُتْعَةُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَكِنْ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ كَالْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ وَتَنْقِيصُهَا يُنْقِصُ الثَّوَابَ بِقَدْرِهِ فَكَانَ الْخِلَافُ ضَرَرًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ آمِرِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُوصِي بِالْحَجِّ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَكَانًا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ وَكَانَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ يَكْفِي لِذَلِكَ بِأَنْ عَيَّنَ مَكَانًا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَا يَكْفِي مِنْ مَنْزِلِ الْمُوصِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَمَاتَ وَكَانَ مِقْدَارُ الْحَجِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَصِيُّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَسُرِقَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَرَّةً أُخْرَى هَكَذَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا سُرِقَتْ الْأَلْفُ الَّتِي دَفَعَهَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحُجُّ بِهِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَوَجْهُ الْأَقْوَالِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْآمِرُ فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ) أَيْ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ. . . إلَخْ، وَقَدْ خَالَفَ الْمُصَنِّفُ صَنِيعَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ بِتَقْدِيمِ تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي مُتَابَعَتُهُ لَهُمَا لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ، ثُمَّ تَأْخِيرُ تَعْلِيلِهِمَا عَنْ تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّ قَوْلَهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ فِي عَامَّةِ الصُّوَرِ حُكْمُ الِاسْتِحْسَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» الْحَدِيثَ) تَمَامُهُ «إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَهُ الْكَمَالُ: ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الْعَمَلِ وَالْكَلَامُ فِي بُطْلَانِ الْقَدْرِ الَّذِي وُجِدَ فِي حُكْمِ الْعِبَادَةِ وَالثَّوَابِ وَهُوَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ لَازِمِهِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْعَمَلِ لِفَقْدِ الْعَامِلِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَا كَانَ قَدْ وُجِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فِيمَا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ حِينَ وُجِدَ، ثُمَّ طَرَأَ الْمَنْعُ مِنْهُ وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ

[أحكام الهدى]

مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ فِيهِ (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَيْ الذَّهَابِ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامُ كَالتَّقْلِيدِ (وَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا جَائِزُ الْأُضْحِيَّةِ) وَسَيَجِيءُ بَيَانُهَا عَنْ قَرِيبٍ (وَجَازَ الْغَنَمُ) فِي كُلِّ شَيْءٍ (إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا وَوَطْئِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ (أَكَلَ) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ، بَلْ اُسْتُحِبَّ (مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْهَدَايَا؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ شُرِعَتْ جَزَاءً لِلْجِنَايَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِرْمَانُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِزِيَادَةِ الزَّجْرِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا (وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا. (وَ) يَذْبَحُ (غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ) مِنْ الْهَدَايَا (لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ) أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَتَعَيَّنَ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِ الْأَخِيرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَتَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي مُوجِبُهُ هُنَاكَ كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِفِدْيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ إمْسَاكِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَاقِيًا اهـ (تَتِمَّةٌ) يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيُكْرَهُ. وَقَالَ الْكَمَالُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ حَجَّ الصَّرُورَةَ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سِنَى الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ، بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْفَرْضَ إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ، وَالصَّرُورَةَ وَالْأَفْضَلُ إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَإِلَّا قَالَ وَيَجِبُ إحْجَاجُ الْحُرِّ. . . إلَخْ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [أَحْكَام الْهُدَى] (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَقُولُ: وَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ فَمَا كَانَ دَمَ شُكْرٍ اُسْتُحِبَّ تَعْرِيفُهُ وَمَا كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ اُسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ وَسَتْرُهُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهَا، وَلَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ وَدَمَ الْجِنَايَاتِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ اهـ. وَوَقْتُ تَقْلِيدِهِ مِنْ بَلَدِهِ إنْ بَعَثَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يَحْرُمُ هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا) أَيْ أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ (قَوْلُهُ: وَوَطِئَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ) أَيْ قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَكْل) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ أَيْضًا مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بَلْ اُسْتُحِبَّ) أَيْ لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ لُحُومِ كُلِّ هَدَايَاهُ» وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ مِنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ وَطَعَامِ الثُّلُثِ وَادِّخَارِ الثُّلُثِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِأَنْ عَطِبَ أَوْ ذَبَحَهُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ تَتِمُّ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَفِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ، بَلْ بِالتَّصَدُّقِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ لِيَحْصُلَ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ) أَرَادَ بِالْيَوْمِ زَمَانَ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا) أَيْ فَلَا يُجْزِئُهُ لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخَّرَهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلسُّنَّةِ عِنْدَهُمَا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَيَذْبَحُ غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ) شَامِلٌ دَمَ التَّطَوُّعِ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَكِنْ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ مِنْ الْهَدَايَا) أَيْ فَلَا تُجْزِيهِ لَوْ ذَبَحَهَا فِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرَهُ يَعْنِي إلَّا مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَيَذْبَحُهُ فِي مَحَلِّ عَطَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِنًى وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ الْكَمَالِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ التَّطَوُّعِ كَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ نَحْرَ الْمَنْذُورَةِ بِمَكَّةَ فَتَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي وَتَحَصَّلَ أَنَّ الدِّمَاءَ قِسْمَانِ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ دِمَاءُ الْحَجِّ وَإِنَّمَا حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَى دِمَاءِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ أَرْبَعَةٌ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ وَالْهَدَايَا الْمَنْذُورَةِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهَا إلَى مَا عَطِبَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ كَدَمِ الْأَضَاحِيِّ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان كَدَمِ الْعَقِيقَةِ وَالْوَكِيرَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ) أَقُولُ إلَّا أَنَّ

شَاءَ كَمَا تَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ أَقُولُ رَبْطُ غَيْرِهَا مَتَى شَاءَ إلَى مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ مَعْرِفَةٍ وَإِنْصَافٍ وَالْعِبَارَةُ الْمُخْتَارَةُ هَاهُنَا أَخْصَرُ وَأَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا (وَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ لِقَطْعِهِ) بِنَضْحِ ضَرْعِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ (مَا عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ فَفِي وَاجِبِهِ إبْدَالُهُ وَالْمَعِيبُ لَهُ وَفِي نَقْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحَرَ بَدَنَةَ النَّفْلِ إنْ عَطِبَتْ) أَيْ قَرُبَتْ إلَى الْهَلَاكِ (فِي الطَّرِيقِ وَصَبَغَ نَعْلَهَا) أَيْ قِلَادَتَهَا (بِدَمِهَا وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا تُقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: رَبْطُ وَغَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ إلَى مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ) هَذَا إذَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي غَيْرِهِمَا تَعَيَّنَ فَلَا يُنَاسِبُهُ مَتَى شَاءَ، وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ لَهُ عَامِلٌ يُنَاسِبُهُ كَذَبْحٍ فَلَا اعْتِسَافَ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَزَجَّجْنَا الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا أَيْ كَحَّلْنَا وَعَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا أَيْ سَقَيْتهَا (قَوْلُهُ: وَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ) الْجُلُّ مَا يُلْبَسُ عَلَى الدَّابَّةِ اتِّقَاءَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْخِطَامُ الزِّمَامُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِهَدْيِهِ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا، وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَحَسَنٌ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ بِالْوَلَدِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُذْبَحَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ) فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ اللَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَةً، وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْكَبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ رُكُوبَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ أَوْ حَمَلَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَطْلَقَهُ أَيْ الْهَدْيَ فَشَمِلَ مَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ لِمَا. رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مَرْفُوعًا «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا لَجَئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. (قُلْت) الْمُصَرَّحُ بِهِ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالسَّوْقِ وَبِالرُّكُوبِ يَصِيرُ كَالْمُرْتَجِعِ لَهَا اهـ، وَكَذَا صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ، وَإِذَا رَكِبَهَا وَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ اهـ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك» وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا، وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ يَعْنِي إنْ نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ لِقَطْعِهِ) هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: يَنْضَحُ ضَرْعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ) النَّضْحُ الرَّشُّ وَنَضَحَ يَنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ يَنْضَحُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَنَفَعَ فَعَلَى هَذَا تُكْسَرُ ضَادُهُ وَتُفْتَحُ اهـ. وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَيَنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالنُّقَاخِ بِالنُّونِ الْمَضْمُومَةِ وَالْقَافِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ الْعَذْبُ الَّذِي يَنْفُخُ الْفُؤَادَ بِبَرْدِهِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ فَفِيهِ زِيَادَةٌ عَنْ لَفْظِ الْمَاءِ الْبَارِدِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَذْبًا (قَوْلُهُ: أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ) هُوَ مَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَقَطْ) تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ (قَوْلُهُ: شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا تُقْبَلُ) كَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي هُمْ بِهَا فِي مِنًى مُتَوَجِّهِينَ إلَى عَرَفَاتٍ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجْنَا بِهِ مِنْ مَكَّةَ الْمُسَمَّى بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَانَ التَّاسِعَ لَا الثَّامِنَ وَلَا يُمْكِنُ لَلْإِمَامَ الْوُقُوفُ بِأَنْ يَسِيرَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِيَقِفَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا وَيَقِفُ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ صَارَ كَشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَلَا يُدْرِكُهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ لَزِمَهُ الْوُقُوفُ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَاتَ حَجُّهُ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَا يَجُوزُ وُقُوفُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عِنْدَهُمْ وَعَلَيْهِمْ إعَادَتُهُ مَعَ الْإِمَامِ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْوُقُوفَ لِمَعْنًى يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لَمْ يَجُزْ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ وَقْتُهُ شَرْعًا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّاسُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ التَّاسِعُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» أَيْ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأَى أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ

وَلَوْ) شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ (قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ) يَعْنِي أَنَّهُمْ وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ بِأَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ أَيْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ وَيُجْزِيهِمْ حَجُّهُمْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِيَهُمْ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصًّا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً بِدُونِهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ فَلَا تُقْبَلُ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالتَّدَارُكُ مُتَعَذِّرٌ وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ ظَاهِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ (رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ) وَتَرَكَ الْأُولَى (فَإِنْ) قَصَدَ التَّكْمِيلَ وَ (رَمَى الْأُولَى) فَقَطْ (جَازَ) لِحُصُولِ الْكُلِّ، وَلَوْ بِلَا تَرْتِيبٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ (أَوْ) رَمَى (الْكُلَّ بِالتَّرْتِيبِ حَسُنَ) لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ (نَذَرَ حَجًّا مَشْيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ الْفَرْضَ) يَعْنِي أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ (اشْتَرَى جَارِيَةً أَحْرَمَتْ بِالْإِذْنِ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَهُ قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ) قَالَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ الثَّامِنُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ الثَّامِنَ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ التَّاسِعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَاتٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ، وَالْقَائِلُونَ إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا وَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَفَ النَّاسُ لَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ انْحَصَرَ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَيْ الْكَمَالُ، بَلْ صُورَتُهُ لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَقَدْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ فَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِمْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَلَا بِدْعَ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ اهـ. (قُلْت) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَمْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوُقُوفِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ مُسْتَحِيلٌ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ وَقَالُوا غَلَبَةُ الظَّنِّ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ فِي هَذَا شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الْكَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَقُولُ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ وَلَا رِفْقَ فِي شَهَادَتِكُمْ لَهُمْ، بَلْ فِيهِ تَهْيِيجُ الْفِتْنَةِ وَالْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً وَهِيَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَتَمَامِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ) عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ وَبِخِلَافِ الْمَرْوَةِ فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ مِنْ الصَّفَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الْوَاقِعُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَمَرَاتِ فَمَحْمُولٌ عَلَى السُّنَّةِ إذْ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَخَيَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ بَعْدَ النَّذْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا مَكْرُوهٌ وَرَاكِبًا أَفْضَلُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا وَالْمَشْيُ فِي الْحَجِّ صِفَةٌ كَمَال قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ مَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ» وَالْمَشْيُ الْوَاجِبُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ الْمَكِّيِّ الْفَقِيرُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَاشِيًا، وَكَذَا الطَّوَافُ وَمَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَشْيَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ سُوءِ الْخُلُقِ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْإِثْمِ فِي مُجَادَلَةِ الرَّفِيقِ وَالْخُصُومَةِ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا كُفَّ بَصَرُهُ مَا أَسِفْت عَلَى شَيْءٍ كَأَسَفِي عَلَى أَنْ لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] مِنْ الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ يُبْتَدَأُ بِالْمَشْيِ وَالْكَمَالُ قَالَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَحَلِّ وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهُ قِيلَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا حُكْمَ مَا لَوْ رَكِبَ، وَقَالَ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ إنْ رَكِبَ فِي الْكُلِّ أَرَاقَ دَمًا، وَكَذَا إنْ رَكِبَ فِي الْأَكْثَرِ وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا

[كتاب الأضحية]

إذْنِ مَوْلَاهَا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ بِدُونِهِ لَا تَكُونُ مُحْرِمَةً (لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (أَنْ يُحَلِّلَهَا بِقَصِّ شَعْرٍ أَوْ قَلْمِ ظُفْرٍ فَيُجَامِعُهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ بِالْجِمَاعِ) تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ {كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ. وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْحَجِّ وُقُوعُ الْأُضْحِيَّةِ فِي أَيَّامِهِ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهَا وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ عَلَى وَزْنِ أَفَاعِلَ مِنْ أَضْحَى يُضْحِي إذَا دَخَلَ فِي الضُّحَى وَيُسَمَّى مَا يُذْبَحُ أَيَّامَ النَّحْرِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُذْبَحُ وَقْتَ الضُّحَى تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ وَقْتِهِ وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ يُذْبَحُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا وَسَبَبِهَا، وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ وَالْيَسَارُ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ الْمَشْيُ فَإِذَا قَرُبَتْ وَهُوَ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ بِدُونِهِ لَا تَكُونُ مُحْرِمَةً) سَهْوٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا تَكُونُ مُحْرِمَةً، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا الْمَوْلَى قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَا لِلِابْتِدَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ صَحَّ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا. وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ إذَا أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيُحَلِّلَهُ بِلَا هَدْيٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْنَعَ بِهِ أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ كَقَلْمِ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ وَعَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَدْيُ الْإِحْصَارِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ إنْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجَّةٍ وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كُرِهَ لَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَوْ حَلَّلَهُ حَلَّ اهـ. وَكَذَا مِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِحْصَارِ وَغَيْرِ مَا كِتَابٍ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَسْأَلَةَ كَمَا هِيَ فِي مَتْنِ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا. وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ مِلْكُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَةً وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا فَكَذَا الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي اهـ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحْلِيلُ بِقَوْلِهِ حَلَلْتُك، بَلْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا بِأَمْرِهِ كَالِامْتِشَاطِ بِأَمْرِهِ بِقَصْدِ التَّحْلِيلِ، وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ الَّتِي أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ أَوْ أَمَتَهُ الْمُحْرِمَةَ وَلَا يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهَا أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحْلِيلَ لَمْ يَكُنْ تَحْلِيلًا، وَقَدْ فَسَدَ حَجُّهَا، وَلَوْ حَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ فَحَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ هَكَذَا مِرَارًا، ثُمَّ حَجَّتْ مِنْ عَامِهَا أَجْزَأَهَا عَنْ كُلِّ التَّحْلِيلَاتِ، وَلَوْ لَمْ تَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ كَانَ عَلَيْهَا لِكُلِّ تَحْلِيلٍ عُمْرَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهَذَا آخِرُ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي رُبْعِ الْعِبَادَاتِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْفَرِ مِنَّتِهِ وَالْهِبَاتِ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَسْأَلُ وَبِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَوَسَّلُ أَنْ يَنْفَعَنِي وَالْمُسْلِمِينَ بِهِ النَّفْعَ الْعَمِيمَ وَأَنْ يَصُونَهُ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ أُعِيذُهُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ [كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ] [شَرَائِطُ الْأُضْحِيَّة] (كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ) (قَوْلُهُ: وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهَا) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْأُضْحِيَّةُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى (قَوْلُهُ: وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ) يَعْنِي بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ تُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى أَفَاعِلَ كَالْأَرَاوِيِّ جَمْعُ الْأَرْوِيَةِ وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ وَضَحَايَا كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ وَتُجْمَعُ عَلَى أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى اهـ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْأَضْحَى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهَا ثَمَانِ لُغَاتٍ ضَمُّ الْهَمْزِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَمَعَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ لُغَتَانِ فَتْحُ الضَّادِ وَكَسْرُهَا وَأَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا اهـ نَقَلَهَا الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الزِّيَادِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ (قَوْلُهُ: فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ) الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ لِيَشْمَلَ الذَّبْحَ لَيْلًا (قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا) يَقْتَضِي أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمُسَافِرَ إذَا ذَبَحَهَا لَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً شَرْعًا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَأَيْضًا يَتَكَرَّرُ قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا بِقَوْلِهِ فِي وَقْتٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ هُوَ السَّبَبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ اهـ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ (قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ) سَوَاءٌ الْإِقَامَةُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْأَحْضَارِ وَالْبَوَادِي لِأَهْلِهَا وَلَيْسَ الْمِصْرُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْحَاجِّ وَأَرَادَ بِالْحَاجِّ الْمُسَافِرَ، وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ. وَفِي الْأَصْلِ قَالَ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ مَا خَلَا الْحَاجَّ وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الْمُقِيمِينَ وَبِالْحَاجِّ الْمُسَافِرِينَ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَعَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا اهـ قُلْت فَمَا نَقَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ اهـ يُحْمَلُ عَلَى إطْلَاقِ الْأَصْلِ وَيُحْمَلُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الْمُسَافِرِ اهـ. وَمَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ، أَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمُوسِرِ الْمُقِيمِ فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْمُسَافِرِ اهـ لَا يَكُونُ قَيْدًا مُخْرِجًا لِلْمُقِيمِ بِغَيْرِ الْأَمْصَارِ (تَنْبِيهٌ) مَا ذُكِرَ مِنْ الشَّرَائِطِ شَرَائِطُ وُجُوبِهَا وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا تُعْلَمُ مِنْ بَاقِي كَلَامِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُرِّيَّةَ صَرِيحًا لِعِلْمِهَا مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَسَارُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ، ثُمَّ إنَّهَا تَجِبُ فِي وَقْتِهَا مُوَسَّعًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ جُزْءٍ مِنْهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ حَتَّى إذَا صَارَ أَهْلًا فِي آخِرِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَيْسَرَ أَوْ أَقَامَ فِي آخِرِهِ يَجِبُ وَبِعَكْسِهِ لَا كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ ضَحَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ فَقِيرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ فِي آخِرِهِ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا

يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا (هِيَ شَاةٌ مِنْ فَرْدٍ) أَيْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ شَاةٍ (وَبَدَنَةٌ) هِيَ بَعِيرٌ (أَوْ بَقَرَةٌ) كَمَا مَرَّ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ وَاحِدٍ (إلَى سَبْعَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْبَدَنَةُ كُلُّهَا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ «جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمْ أَقَلُّ مِنْ سُبْعٍ) حَتَّى إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَبَقَرَةً وَضَحَّيَا بِهَا لَمْ تَجُزْ فِي نَصِيبِ الِابْنِ أَيْضًا لِفَوَاتِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ وَعَدَمِ تَجَزِّي هَذَا الْفِعْلُ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً كَذَا فِي الْكَافِي (وَصَحَّ) لِوَاحِدٍ (إشْرَاكُ سِتَّةٍ) أَيْ جَعْلُهُمْ شُرَكَاءَ لَهُ (فِي بَدَنَةٍ مَشْرِيَّةٍ) اشْتَرَاهَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ (لِأُضْحِيَّةٍ) اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ لَا يُعِيدُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ، ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا صَارَتْ قِيمَتُهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا مَتَى وَجَدَهَا، وَلَوْ مَاتَ الْمُوسِرُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ سَقَطَتْ عَنْهُ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ، ثُمَّ افْتَقَرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِعَيْنِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ فَلَوْ كَانَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ لَكَانَ دَوَامُهَا شَرْطًا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَالْخَارِجِ وَاصْطِلَامُ الزَّرْعِ آفَةٌ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ) لَا نِزَاعَ فِي سَبَبِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ) مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ إلَى حُكْمِهِ يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى كَقَوْلِهِمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْوُصُولُ إلَى الثَّوَابِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقْبَى كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: إلَى سَبْعَةٍ) أَيْ مُرِيدِينَ الْقُرْبَةَ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَأُضْحِيَّةٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَإِحْصَارٍ وَكَفَّارَةِ شَيْءٍ أَصَابَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَتَطَوُّعٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ وَعَقِيقَةٍ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزْوِيجِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يَجُوزُ وَرَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كُرِهَ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، (قُلْت) إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ الْعَقِيقَةَ بِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهُ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةِ نَسَخَ كُلَّ دَمٍ كَانَ قَبْلَهَا مِنْ الْعَقِيقَةِ وَالرَّجَبِيَّةِ وَالْعَتِيرَةِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْعَقِيقَةِ مَنْ شَاءَ فَعَلَ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْإِبَاحَةِ فَيَمْنَعُ كَوْنَهُ سُنَّةً، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا عَنْ الْجَارِيَةِ وَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ كَانَتْ فَضْلًا وَمَتَى نُسِخَ الْفَضْلُ لَا تَبْقَى إلَّا الْكَرَاهَةُ، ثُمَّ قَالَ فِي دَلِيلِنَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْعُقُوقَ مَنْ شَاءَ فَلْيَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً» هَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْعَقِيقَةِ سُنَّةً؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعَقَّ بِالْمَشِيئَةِ، وَهَذَا أَمَارَةُ الْإِبَاحَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فِي الْبَدَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى الْوَلِيمَةَ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُبْتَغِي مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ حَيْثُ قَالَ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْخُرْسُ طَعَامُ الْوِلَادَةِ وَالْمَأْدُبَةُ طَعَامُ الْخِتَانِ وَالْوَكِيرَةُ طَعَامُ الْبِنَاءِ وَالْعَقِيقَةُ طَعَامُ الْحَلْقِ وَالنَّقِيعَةُ طَعَامُ الْقَادِمِ وَالْوَضِيمَةُ طَعَامُ التَّعْزِيَةِ وَكُلُّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ إلَّا طَعَامَ الْعُرْسِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ الْجِيرَانَ وَالْأَقْرِبَاءَ وَالْأَصْدِقَاءَ وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَيَذْبَحَ لَهُمْ وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ آثِمٌ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ) أَقُولُ، وَكَذَا عَنْ الِاثْنَيْنِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ نِصْفَ السَّبْعِ يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ فِي نَصِيبِ الِابْنِ) اقْتَصَرَ فِي نُسْخَةٍ عَلَى بَيَانِهِ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ الْأُمِّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي نَصِيبِهَا بِالْأَوْلَى وَالتَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إلَيْهِ وَفِي نُسْخَةٍ إثْبَاتُ لَفْظَةِ أَيْضًا فَهِيَ نَصٌّ فِي الْحُكْمِ وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى مِنْوَالِ هَذَا مَا إذَا اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي خَمْسِ بَقَرَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ فَذَبَحُوهَا أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ بَقَرَةٍ سُبْعًا، وَلَوْ اشْتَرَكَ ثَمَانِيَةٌ فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ لَمْ تُجْزِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَقَرَةٍ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْقَصَ مِنْ السُّبْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَكَ الثَّمَانِيَةُ فِي ثَمَانِيَةٍ مِنْ الْبَقَرِ لَا تُجْزِيهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَقَرَةٍ تَكُونُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ وَلَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّ لِوَاحِدٍ إشْرَاكُ سِتَّةٍ) مَحْمُولٌ عَلَى الْغِنَى؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ التَّضْحِيَةِ بِهَا وَمَعَ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْغِنَى إذَا اشْتَرَكَ بَعْدَ

[وقت الأضحية]

سَمِينَةً وَلَا يَجِدُ الشَّرِيكَ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا (وَنُدِبَ كَوْنُهُ) أَيْ الْإِشْرَاكِ (قَبْلَ الشِّرَاءِ) لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعُ فِي الْقُرْبَةِ (وَيُقْسَمُ اللَّحْمُ وَزْنًا لَا جُزَافًا إلَّا إذَا ضُمَّ مَعَهُ مِنْ أَكَارِعِهِ أَوْ جِلْدِهِ) أَيْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَمِنْ الْأَكَارِعِ أَوْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَبَعْضُ الْجِلْدِ أَوْ يَكُونُ فِي جَانِبٍ لَحْمٌ وَأَكَارِعُ وَفِي آخَرَ لَحْمٌ وَجِلْدٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ (وَتَجِبُ) . وَفِي الْجَوَامِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ (عَلَى حُرٍّ) فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ فَلَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ (مُسْلِمٍ) فَإِنَّ الْقُرْبَةَ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمُسْلِمِ (مُقِيمٍ) فَإِنْ أَدَاءَهَا يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ تَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ (مُوسِرٍ يَسَارَ الْفِطْرَةِ) فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ (لِنَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجِبُ (لَا طِفْلِهِ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ، وَالسَّبَبُ فِيهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَجِبُ عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ (بَلْ يُضَحِّي أَبُوهُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ (إنْ كَانَ) لَهُ مَالٌ (أَوْ) يُضَحِّي (وَصِيُّهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْأَبِ (وَأَكَلَ الطِّفْلُ وَبَاقِيهِ) بَعْدَ الْأَكْلِ (بِبَدَلٍ بِمَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ) مِنْ آلَاتِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهَا فِي الْهِدَايَةِ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحِّي مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ وَيَبْتَاعُ بِمَا بَقِيَ مَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ. وَفِي الْكَافِي، الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِهِ أَيْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ (لَا تُذْبَحُ) الْأُضْحِيَّةُ (فِي الْمِصْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ لِقِصَّةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَكَذَلِكَ هُنَا فَأَمَّا إذَا كَانَ فَقِيرًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ، وَلَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِكَرَاهَةِ اشْتِرَاكِ الْغَنِيِّ فِي الْهِدَايَةِ، بَلْ قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاشْتِرَاكُ بَعْدَ الشِّرَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ كَوْنُهُ أَيْ الْإِشْرَاكِ قَبْلَ الشِّرَاءِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْأَصْلِ، وَقَالَ فِيهِ أَسْتُحْسِنَ ذَلِكَ أَيْ جَوَازَ الْإِشْرَاكِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ الْإِشْرَاكَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا كَانَ أَحْسَنَ اهـ. وَتَبِعَهُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَلَا تُفِيدُهُ عِبَارَتُهُمْ (قَوْلُهُ: فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ) أَقُولُ وَنَفَى جَوَازَ قَسْمِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ جُزَافًا بِمَعْنًى لَا يَصِحُّ لَا بِمَعْنًى لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا حَقِيقِيًّا فَيَقْتَضِي الْحُرْمَةَ بِالْفَضْلِ، بَلْ إنَّهُ كَهِبَةِ مَشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَيْنَ بِمُجَرَّدِ نَقْضِهِ فَلِلْمَالِكِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ حَتَّى إذَا لَمْ أَلْهَبْهَا حَتَّى أَكَلَ اللَّحْمَ تَمَّ الْأَمْرُ وَلَا حُرْمَةَ وَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ بِإِتْلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُهُ الْأَغْنِيَاءَ وَغَيْرَهُمْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا عَرِيضَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فِي الْجَوَامِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوَامِعِ اسْمُ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ صَنَّفَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فِي الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَأَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ عَدَمُ الْوُجُوبِ قَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لَا تَجِبُ عَلَى طِفْلِهِ الْفَقِيرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا عَنْ الْغَنِيِّ مِنْ مَالِهِ فِي أَصَحِّ مَا يُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ الْأَبُ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فَإِنْ فَعَلَ الْوَصِيُّ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ كَمَا لَا يَضْمَنُ الْأَبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا يَضْمَنُ وَالْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ، أَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ. اهـ. [وَقْت الْأُضْحِيَّة] (قَوْلُهُ: لَا تُذْبَحُ الْأُضْحِيَّةُ فِي الْمِصْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ لَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ إذَا ذَبَحَ فِي الْمِصْرِ لَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ حِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ فَيُضَحِّيَ فِيهِ كُلَّمَا طَلَعَ الْفَجْرُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ إلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمِصْرِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا عَنْ الصَّلَاةِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ حَقِيقَةُ الْفَرَاغِ مِنْهَا عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ فَإِنْ ضَحَّى بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَيَكُونُ مُسِيئًا، وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ

(وَتُذْبَحُ فِي غَيْرِهِ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ) فَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ وَبَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَآخِرُهُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ (وَاعْتُبِرَ الْآخِرُ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالْوِلَادَةِ وَالْمَوْتِ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَقِيرًا فِي آخِرِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَفِي الْعَكْسِ تَجِبُ وَإِنْ وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَا تَجِبُ (وَكُرِهَ الذَّبْحُ لَيْلًا) وَإِنْ جَازَ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ (تُرِكَتْ) التَّضْحِيَةُ (وَمَضَتْ أَيَّامُهَا) اعْلَمْ أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً وَالتَّصَدُّقُ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ، وَإِذَا تُرِكَتْ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّضْحِيَةِ (تَصَدَّقَ بِهَا) أَيْ بِالْأُضْحِيَّةِ نَفْسِهَا (حَيَّةً نَاذِرٌ لِمُعَيَّنَةٍ) أَيْ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ، وَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ تَصَدَّقَ بِهَا أَيْضًا (فَقِيرٌ شَرَاهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ (لَهَا) أَيْ لِلتَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا. (وَ) تَصَدَّقَ (بِقِيمَتِهَا غَنِيٌّ شَرَاهَا أَوْ لَا) يَعْنِي إنْ كَانَ غَنِيًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا فَإِنْ اشْتَغَلَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ بَعْدُ فَاتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ، وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ لَا فِي الْقَضَاءِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ وَهُوَ نَقَلَهُ عَنْ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِمْ الْأُضْحِيَّةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إذَا كَانُوا لَا يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ فَحِينَئِذٍ يُجْزِيهِمْ. اهـ. وَالْإِمَامُ إذَا صَلَّى الْعِيدَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ وَضَحَّى النَّاسُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَالذَّبَائِحُ لِلضَّرُورَةِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ صَلَاةُ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ مَشْغُولُونَ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ الْعِيدِ وَيَجُوزُ لَهُمْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ كَمَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقُرَى اهـ. وَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ أَهْلَ مِنًى هُمْ مَنْ بِهَا مِنْ الْحَاجِّ وَأَهْلِ مَكَّةَ (قَوْلُهُ: وَتُذْبَحُ فِي غَيْرِهِ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ) شَامِلٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي، وَقَدْ قَالَ قَاضِي خَانْ فَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ وَالْقُرَى وَالرِّبَاطَاتِ عِنْدَنَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَوَادِي لَا يُضَحُّونَ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ اهـ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّبْيِينِ وَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ إطْلَاقِ جَوَازِ التَّضْحِيَةِ لِغَيْرِ الْمِصْرِيِّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَشَمِلَ أَهْلُ الْبَوَادِيَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ وَبَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) فِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ لَا لِعَدَمِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا جَازَتْ التَّضْحِيَةُ فِي الْقُرَى بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى اهـ. وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ (قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ) لَكِنْ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَأَدْوَنُهَا آخِرُهَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ هَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ اهـ. (قُلْت) فِيهِ إيهَامُ جَوَازِ التَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ عَنْ وَاجِبِ الْأُضْحِيَّةِ لِلْغَنِيِّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَا يُجْزِيهِ التَّصَدُّقُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِالْقِيمَةِ لِمَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّهُ لَا إشْكَالَ أَنَّ الْمُوسِرَ لَا يُجْزِيهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَإِقَامَةُ الْمُتَقَوِّمِ مَقَامُ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يَجُوزُ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ التَّضْحِيَةُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَالتَّصَدُّقِ اهـ بِمَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَالتَّصَدُّقُ) أَيْ بِثَمَنِهَا تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَكَانَتْ هِيَ أَفْضَلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: نَاذِرٌ لِمُعَيَّنَةٍ) شَامِلٌ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ إلَّا أَنَّ الْغَنِيَّ إذَا عَنَى بِالنَّذْرِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا هِيَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٍ لِأَجْلِ النَّذْرِ وَشَاةٍ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ تَلْزَمُهُ شَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، ثُمَّ أَيْسَرَ فِيهَا فَعَلَيْهِ شَاتَانِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَفَقِيرٌ شَرَاهَا لَهَا) كَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا غَنِيٌّ لَهَا وَافْتَقَرَ بَعْدَمَا مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا وَإِنْ افْتَقَرَ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ سَقَطَتْ عَنْهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا غَنِيٌّ شَرَاهَا أَوَّلًا) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا وَيُفِيدُهُ مَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ عَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهَا

[ما يصح للأضحية]

تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا وَالصَّوْمِ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةٌ (صَحَّ) لِلتَّضْحِيَةِ (الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ) الضَّأْنُ مَا يَكُونُ لَهُ أَلْيَةٌ وَالْجَذَعُ شَاةٌ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ (وَ) صَحَّ (الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَهُوَ) أَيْ الثَّنِيُّ (ابْنُ خَمْسٍ مِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ الْإِبِلِ (وَحَوْلَيْنِ مِنْ الثَّانِي) أَيْ الْبَقَرِ (وَحَوْلٍ مِنْ الثَّالِثِ) أَيْ الْغَنَمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّنِيَّ فَصَاعِدًا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الضَّأْنَ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إلَّا أَنْ يَعْسَرَ عَلَى أَحَدِكُمْ فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ» . (وَ) صَحَّ (الْجَمَّاءُ) أَيْ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا (وَالْخَصِيُّ وَالثَّوْلَاءُ) أَيْ الْمَجْنُونَةُ (لَا الْعَمْيَاءُ وَالْعَوْرَاءُ) أَيْ ذَاتُ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ (وَالْعَجْفَاءُ) بِحَيْثُ لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا (وَعَرْجَاءُ لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ وَمَقْطُوعٌ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا وَمَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ أُذُنِهَا أَوْ ذَنَبِهَا أَوْ عَيْنِهَا أَوْ أَلْيَتِهَا) وَقِيلَ الثُّلُثُ، وَقِيلَ الرُّبْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا فَإِذَا فَاتَ وَقْتُ التَّقَرُّبِ بِالْإِرَاقَةِ وَالْحَقُّ مُسْتَحَقٌّ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا) ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ الْوَقْتِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ هُوَ الظُّهْرُ [مَا يَصِحّ لِلْأُضْحِيَّةِ] (قَوْلُهُ: وَالْجَذَعُ شَاةٌ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مَعْزًا أَوْ ضَأْنًا وَجَذَعُ الضَّأْنِ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَظِيمًا سَمِينًا لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ يَحْسَبُهُ ثَنِيًّا وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ جَذَعِهِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَالذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ أَفْضَلُ، وَكَذَا الذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ مَوْجُوءًا أَيْ خَصِيًّا وَاسْتَوَيَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ قَلْبُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ قِيمَةُ الشَّاةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَالشَّاةُ أَفْضَلُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الْكَبِيرُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ وَالْبَدَنَةِ سَوَاءً كَانَتْ الشَّاةُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَقَرَةُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ لَحْمًا وَالشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ أَطْيَبُ فَإِنْ كَانَ الْبَقَرَةُ أَكْثَرَ لَحْمًا فَسُبْعُ الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ سِتِّ شِيَاهٍ إذَا اسْتَوَيَا قِيمَةً وَلَحْمًا وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَقَرَةٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ أَسْمَنَ وَأَحْسَنَ؛ لِأَنَّهَا مَطِيَّةُ الْآخِرَةِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَظِّمُوا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا عَلَى الصِّرَاطِ مَطَايَاكُمْ وَمَهْمَا كَانَتْ الْمَطِيَّةُ أَعْظَمَ وَأَسْمَنَ كَانَتْ عَلَى الْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ أَقْدَرَ وَأَفْضَلُ الشَّاةِ أَنْ يَكُونَ كَبْشًا أَمْلَحَ أَقْرَنَ مَوْجُوءًا» وَالْأَقْرَن الْعَظِيمُ وَالْأَمْلَحُ الْأَبْيَضُ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «دَمُ الْغَبْرَاءِ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلُ دَمِ السَّوْدَاوَيْنِ وَإِنَّ أَحْسَنَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ الْبَيَاضُ وَاَللَّهُ خَلَقَ الْجَنَّةَ بَيْضَاءَ وَخَلَقَ أَهْلَهَا بِيضًا» وَالْمَوْجُوءُ هُوَ مَدْقُوقُ الْخُصْيَتَيْنِ قِيلَ هُوَ الْخَصِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْبِطَ الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ بِأَيَّامٍ وَأَنْ يُقَلِّدَهَا وَيُجَلِّلَهَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَقَلَائِدِهَا اعْتِبَارًا بِالْهَدَايَا وَالْجَامِعُ أَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِهَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ الْجَمَّاءُ) وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ خِلْقَةً أَوْ مَسْكُورًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَالتَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ بَلَغَ الْكَسْرُ الْمُشَاشَ لَا يُجْزِي وَالْمُشَاشُ رُءُوسُ الْعِظَامِ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالثَّوْلَاءُ) هَذَا إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُعْتَلَفُ لَا يُجْزِيهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَحَكَاهُ فِي الْهِدَايَةِ بِصِيغَةِ قِيلَ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُضَحَّى بِالثَّوْلَاءِ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ بِأَنْ كَانَتْ سَمِينَةً لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْهُ لَا تُجْزِيهِ اهـ. وَلَا بَأْسَ بِالْجَرْبَاءِ السَّمِينَةِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: وَالْعَجْفَاءُ بِحَيْثُ لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا) وَيُقَالُ لِلْمُخِّ نَقِيٌّ، وَإِذَا اشْتَرَاهَا سَمِينَةً فَصَارَتْ عَجْفَاءَ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الطَّحَاوِيِّ يَجُوزُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ: وَعَرْجَاءُ لَا تَمْشِي عَلَى الْمَنْسَكِ) أَيْ الْمَذْبَحِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ أُذُنِهَا. . . إلَخْ) رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّ الثُّلُثَ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الثُّلُثُ) أَيْ مَانِعُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَيْنُهَا) قَالُوا مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ الذَّاهِبِ مِنْ الْعَيْنِ بِشَدِّ الْمَعِيبَةِ بَعْدَ إمْسَاكِ الْعَلَفِ عَنْهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَمَا جَاءَتْ، ثُمَّ يُقَرَّبُ الْعَلَفُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا فَإِذَا رَأَتْهُ عُلِمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، ثُمَّ تُشَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَيُقَرَّبُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ عُلِمَ مِنْ مَكَانِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ هُوَ الثُّلُثُ أَوْ نِصْفًا فَنِصْفٌ، وَلَوْ تَعَيَّبَتْ فِي حَالَةِ الْإِضْجَاعِ بِنَحْوِ كَسْرِ وَذَهَابِ عَيْنٍ لَا يَضُرُّ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ بَعْدَهُ وَأَخَذَهَا مِنْ فَوْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الرُّبْعُ) أَيْ مَانِعُ لَا مَا دُونَهُ، وَهَذَا رِوَايَةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ

وَعِنْدَهُمَا إنْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ (مَاتَ أَحَدُ سَبْعَةٍ) اشْتَرَوْا بَقَرَةً لِلْأُضْحِيَّةِ (وَقَالَ وَرَثَتُهُ) لِلسِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ (اذْبَحُوهَا عَنْهُ وَعَنْكُمْ صَحَّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ الْغَيْرِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَيْضًا الْبَقَرَةُ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْكُلُّ الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَاتُهَا (كَبَقَرَةٍ عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) فَإِنَّهَا تَجُوزُ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ (وَلَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمْ كَافِرًا أَوْ قَاصِدَ لَحْمٍ لَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقُرْبَةِ، وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ يُنَافِيهَا (وَيَأْكُلُ) مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ (وَيُؤْكِلُ غَيْرَهُ) مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ وَلَا يُعْطِي أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا) لِلنَّهْيِ عَنْهُ (وَنُدِبَ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِهَا) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثٌ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ وَالْإِطْعَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا إنْ بَقِيَ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ) اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَوْلُهُمَا رِوَايَةُ رَابِعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ فَمَا كَانَ مُتَضَايِقَةً أَقَلَّ مِنْهُ يَكُونُ كَثِيرًا وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَكُونُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إذَا كَانَا سَوَاءً احْتِيَاطًا لِاجْتِمَاعِ جِهَةِ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْأَكْثَرِ لِلْجَوَازِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) يُكْرَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ الْحَامِلِ إذَا كَانَتْ مُشْرِفَةً عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَلَا تَجُوزُ الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَسْنَانِ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ كَالْأُذُنِ وَالذَّنَبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مَا يُمْكِنُ الِاعْتِلَافُ بِهِ أَجْزَأَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَاَلَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا وَهِيَ تُعْتَلَفُ لَا تَجُوزُ وَإِنْ بَقِيَ لَهَا بَعْضُ الْأَسْنَانِ إنْ بَقِيَ مِنْ الْأَسْنَانِ قَدْرُ مَا تُعْتَلَفُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ تُرْعَى وَتُعْتَلَفُ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَأَمَّا السَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً تَجُوزُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ أَنْ تُسَمَّى أُذُنًا قَالَهُ قَاضِي خَانْ وَلَا تَجُوزُ الْجَلَّالَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا تَأْكُلُ غَيْرَ الْعُذْرَةِ وَلَا الْحَذَّاءُ وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الضَّرْعِ وَلَا الْمُصَرَّمَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْضِعَ فَصِيلَهَا وَلَا الْجَدَّاءُ وَهِيَ الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا تُجْزِي الْجَدْعَاءُ وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأَطْبَاءِ وَهِيَ رُءُوسُ ضَرْعِهَا فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا جَازَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَيَجُوزُ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ قِبَلَ وَجْهِهَا وَهِيَ الْمُقَابَلَةُ، وَكَذَا الْمُدَابَرَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَكْسِ، وَكَذَا الشَّرْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ وَسَطِ أُذُنِهَا فَنَفَذَ الْخَرْقُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَكَذَا الْحُوَّةُ وَهِيَ الَّتِي فِي عَيْنِهَا حَوَلٌ وَالْمَجْزُوزَةُ الَّتِي جُزَّ صُوفُهَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ اهـ. وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِالشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَابَرَةِ» فَالنَّهْيُ فِي الشَّرْقَاءِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَابَرَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَفِي الْخَرْقَاءِ عَلَى الْكَثِيرِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْحَمْلِ جَمَعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِوُرُودِ النَّهْيِ مُتَعَدِّدًا فَفِي مَرَّةٍ عَلَى النَّدْبِ وَأُخْرَى عَلَى الْمَنْعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ كَافِرًا أَوْ قَاصِدَ لَحْمٍ لَا يَصِحُّ) أَيْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقُرْبَةِ) أَيْ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مُعْتَقَدِهِ فَإِذَا لَمْ تَقَعْ قُرْبَةً عَنْ الْبَعْضِ خَرَجَ الْكُلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً لِعَدَمِ تَجَزِّي الْإِرَاقَةِ (قَوْلُهُ: وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَهَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةَ النَّذْرِ وَإِنْ وَجَبَتْ بِهِ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ اهـ وَسَوَاءٌ ذَبَحَهَا فِي أَيَّامِهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الشَّاةِ فَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا، وَلَكِنَّهُ ذَبَحَهَا يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُنْقِصْهَا الذَّبْحُ وَإِنْ نَقَصَهَا يَتَصَدَّقُ بِاللَّحْمِ وَفِيهِ النُّقْصَانُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ يُضَحِّي بِالْأُمِّ وَالْوَلَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ الْوَلَدِ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِوَلَدِهَا حَيًّا وَإِنْ حَلَبَ اللَّبَنَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ جَزَّ صُوفَهَا يَتَصَدَّقُ بِهِمَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِمَا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ انْتَفَعَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ فَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَدًا يُذْبَحُ مَعَ الْأُمِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. وَقَالَ أَيْضًا وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَعَيَّنَتْ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْوَلَدُ يَحْدُثُ عَلَى وَصْفِ الْأُمِّ فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمُوجَبَةِ بِالنَّذْرِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى النَّذْرِ كَالْفَقِيرِ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَمَّا الْمُوسِرُ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَوَلَدَتْ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوُجُوبُ فِيهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَتَعَيَّنْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا فَكَذَا وَلَدُهَا، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ، وَقَالَ كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدِ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسْرِ إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَكَانَ كَجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا فَإِنْ ذَبَحَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ

(وَ) نُدِبَ (تَرْكُهُ) أَيْ تَرْكُ التَّصَدُّقِ (لِذِي عِيَالٍ) تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ (وَالذَّبْحُ بِيَدِهِ أَحْسَنُ إنْ أَحْسَنَ وَإِلَّا أَمَرَ غَيْرَهُ وَكُرِهَ ذَبْحُ كِتَابِيٍّ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَالْقُرْبَةُ حَصَلَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَجْعَلُهُ آلَةً كَجِرَابٍ وَخُفٍّ وَفَرْوٍ أَوْ يُبْدِلُهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَاقِيًا لَا مُسْتَهْلَكًا كَالْأَطْعِمَةِ) وَهُوَ يُنَافِي الْقُرْبَةَ (فَإِنْ بِيعَ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ بِهِ) أَيْ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُسْتَهْلَكًا (تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ (غَلِطًا وَذَبَحَ كُلٌّ شَاةَ صَاحِبِهِ صَحَّ بِلَا غُرْمٍ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَيَغْرَمَ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِمَانِعٍ، وَإِذَا غَلِطَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِيمَا فَعَلَ دَلَالَةً وَإِنْ كَانَا أَكَلَا، ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحْلِلْ كُلٌّ صَاحِبَهُ وَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ، ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ اللَّحْمِ (وَصَحَّتْ) التَّضْحِيَةُ (بِشَاةِ الْغَصْبِ لَا الْوَدِيعَةِ وَضَمِنَهَا) وَجْهُ الصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْغَصْبِ ثَبَتَ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَفِي الْوَدِيعَةِ يَصِيرُ غَاصِبًا بِالذَّبْحِ فَيَقَعُ الذَّبْحُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ يَصِيرُ غَاصِبًا بِمُقَدِّمَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَكَلَ مِنْهُ كَالْأُمِّ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ ذَبْحُهُ فَصَارَ كَالشَّاةِ الْمَنْذُورَةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا وَضَعَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَذَبَحَ الْوَلَدَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الْأُمِّ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَصَدَّقَ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ: وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصِّغَارَ تَدْخُلُ فِي الْهَدَايَا وَيَجِبُ ذَبْحُهَا فَإِذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ تَعَلَّقَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْحُكْمِ مَا تَعَلَّقَ بِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ فَاتَ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ اهـ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَرْكُهُ) أَيْ التَّصَدُّقِ لِذِي عِيَالٍ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ كَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْبِسَ لَحْمَهَا فَيَدَّخِرَ مِنْهَا كَمَا شَاءَ وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ ذَا عِيَالٍ فَيَدَعُهُ لِعِيَالِهِ وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُبْتَغِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَتَّخِذَ الضِّيَافَةَ بِالثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا عِيَالٍ فَلَهُ أَنْ يَدَعَهُ لِعِيَالِهِ وَيُوَسِّعَ بِهِ عَلَيْهِمْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَمَرَ غَيْرَهُ) أَقُولُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضِعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ بِيعَ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اللَّحْمَ كَالْجِلْدِ فَلَهُ تَبْدِيلُهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّحْمِ إلَّا الْأَكْلُ أَوْ الْإِطْعَامُ فَلَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ اللَّحْمَ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ إنْ بَاعَهُ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ جَازَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِاللَّحْمِ ثَوْبًا فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ اشْتَرَى بِلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ مَأْكُولًا فَأَكَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَةِ اللَّحْمِ اسْتِحْسَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ: غَلِطَا وَذَبَحَ كُلٌّ شَاةً صَاحِبِهِ صَحَّ بِلَا غُرْمٍ) يَعْنِي شَاةَ الْأُضْحِيَّةِ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْأُضْحِيَّةِ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ اهـ، وَإِذَا كَانَتْ لِلْأُضْحِيَّةِ وَضَمَّنَهُ مَالِكُهَا قِيمَتَهَا جَازَتْ عَنْ الذَّابِحِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ أَخَذَهَا مَالِكُهَا مَذْبُوحَةً أَجْزَأَتْ مَالِكَهَا عَنْ التَّضْحِيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرُهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَإِذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ الْغَيْرِ نَاوِيًا عَنْ مَالِكِهَا بِغَيْرِ أَمَرَهُ جَازَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ: وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُضَحِّي فَقِيرًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُبَدِّلَ بِهَا غَيْرَهَا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ غَنِيًّا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَكَذَا وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا عَيَّنَهَا لِجِهَةِ الذَّبْحِ صَارَ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ وَاحِدٍ فِي التَّضْحِيَةِ دَلَالَةً وَصَرِيحًا سَوَاءٌ أَطْلَقَ فِي الْأَصْلِ وَقَيَّدَهَا فِي الْأَجْنَاسِ بِمَا إذَا أَضْجَعَهَا صَاحِبُهَا لِلتَّضْحِيَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. . . إلَخْ) أَيْ قَالَهُ بَحْثًا وَمَا بَحَثَهُ نَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فَقَالَ. وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدِيِّ بِعَلَامَةِ صَدْرِ الدِّينِ حُسَامٍ، وَقِيلَ يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا بِالْإِضْجَاعِ وَالشَّدِّ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَاةِ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ يَكُونُ الْمَذْبُوحُ مَغْصُوبًا وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ ذَبْحِ الْوَدِيعَةِ قَبْلَ أَنْ تُغْصَبَ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ كُلُّ شَاةٍ كَانَتْ أَمَانَةً كَمَا فِي الْفَيْضِ عَنْ نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيّ

[كتاب الصيد]

الذَّبْحِ كَالْإِضْجَاعِ وَشَدِّ الرِّجْلِ، فَيَكُونُ غَاصِبًا قَبْلَ الذَّبْحِ أَقُولُ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَغَايَةُ مَا يُوجَدُ فِي الْإِضْجَاعِ وَشَدِّ الرِّجْلِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالذَّبْحِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ {كِتَابُ الصَّيْدِ أَوْرَدَهُ هَا هُنَا لِذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ (وَهُوَ) لُغَةً الِاصْطِيَادُ وَيُسَمَّى الْمِصْيَدُ صَيْدًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ كَضَرْبِ الْأَمِيرِ (يَحِلُّ بِكُلِّ ذِي نَابٍ) مِنْ السِّبَاعِ (وَمِخْلَبٍ) مِنْ الطُّيُورِ الْمِخْلَبُ ظُفْرُ الطَّائِرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ الْمُرَادُ مِنْ ذِي نَابٍ الَّذِي يَصِيدُ بِنَابِهِ وَمِنْ ذِي مِخْلَبٍ الَّذِي يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ لَا كُلَّ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ فَإِنَّ الْحَمَامَةَ لَهَا مِخْلَبٌ وَالْبَعِيرَ لَهُ نَابٌ الْأَوَّلُ (كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَ) الثَّانِي نَحْوُ (بَازٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَيُشْتَرَطُ لِمَا يُؤْكَلُ أَيْ لِجَوَازِ أَكْلِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ الصَّيْدِ أُمُورٌ بِخِلَافِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي جَوَازِ صَيْدِهِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْهَا (عَلَّمَهُمَا) أَيْ عَلَّمَ ذِي نَابٍ وَذِي مِخْلَبٍ كَيْفِيَّةَ الصَّيْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 4] ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِثَعْلَبَةَ «مَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. (وَ) مِنْهَا (جَرْحُهُمَا أَيَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ خَنَقَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ (وَ) مِنْهَا (إرْسَالُ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ إيَّاهُمَا) أَيْ إرْسَالُ مَنْ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ دَعْوَى وَاعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى لَا اعْتِقَادًا كَالْكِتَابِيِّ وَسَيَأْتِي فِي الذَّبَائِحِ فَإِنْ انْبَعَثَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي عَلَى أَثَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الصَّيْدِ] ِ) (قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً الِاصْطِيَادُ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى تَعْرِيفِهِ شَرْعًا وَلَهُ فِي الشَّرْعِ أَحْكَامٌ وَشَرَائِطُ وَهِيَ مَا يَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ لِمَا يُؤْكَلُ. . . إلَخْ وَالصَّيْدُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ إلَّا فِي الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ صَيْدُ الْبَرِّ وَالْحَرَمِ لِغَيْرِ الْفَوَاسِقِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فَإِنَّهَا يَجُوزُ صَيْدُهَا فِي الْحَرَمِ اسْتِدْفَاعًا لِشَرِّهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. وَهُوَ مُبَاحٌ إلَّا إذَا كَانَ لِلتَّلَهِّي أَوْ يَأْخُذُهُ حِرْفَةً كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الِاصْطِيَادُ عَلَى قَصْدِ اللَّهْوِ مَكْرُوهٌ اهـ. (قَوْلُهُ: بِكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ) أَيْ إلَّا الْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بِهِ الِانْتِفَاعُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَسَدَ وَالدُّبَّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَلَّمَانِ عَادَةً؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ يُعْرَفُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَهُمَا أَيْ الدُّبُّ وَالْأَسَدُ لَا يَأْكُلَانِ الصَّيْدَ فِي الْحَالِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِتَرْكِ الْأَكْلِ عَلَى التَّعَلُّمِ حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ التَّعَلُّمُ مِنْهُمَا وَعُرِفَ ذَلِكَ جَازَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ بِهِمَا لِخَسَاسَتِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي جَوَازِ صَيْدِهِ) إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَازَ الِاصْطِيَادِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الصَّائِدُ مُحْرِمًا لِغَيْرِ الْفَوَاسِقِ وَإِنْ أَرَادَ بِالْجَوَازِ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ وَالْجَرْحُ وَكَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا لِطَهَارَةِ جِلْدِهِ كَمَا يُفِيدُهُ آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: مُكَلِّبِينَ) أَيْ مُسَلِّطِينَ وَالتَّكْلِيبُ إغْرَاءُ السَّبُعِ عَلَى الصَّيْدِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَعْنَى مُكَلِّبِينَ مُعَلِّمِينَ الِاصْطِيَادَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُؤَدِّبُونَهُنَّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ) . رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَدَلِيلُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: إرْسَالُ مُسْلِمٍ) أَيْ غَيْرِ مُحْرِمٍ وَهُوَ يُضْبَطُ عَلَى نَحْوِ مَا نَذْكُرُ فِي الذَّبَائِحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّابِئ كَالْكِتَابِيِّ لِمَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت ذَبِيحَةَ الصَّابِئِ وَصَيْدَهُ يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ. اهـ. وَسَنَذْكُرُ فِي الذَّبَائِحِ تَمَامَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ آخَرَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَذُكِرَ لِحِلِّ الصَّيْدِ خَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا عَنْ النِّهَايَةِ وَكُلُّهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا هَذَا لَكِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ عَنْ طَلَبِهِ بَعْدَ رَمْيِهِ كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ بَعْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ، فَيَكُونُ فِي طَلَبِهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ وَالتَّوَارِي (قَوْلُهُ: أَوْ دَعْوَى لَا اعْتِقَادًا كَالْكِتَابِيِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لِلسَّرَخْسِيِّ شَرْطُنَا تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَأَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ تَوْحِيدُهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَوْ يَظْهَرُ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ فَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ يَدَّعِي الِاثْنَيْنِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ فَلِهَذَا لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَصَيْدُهُ وَيَحِلُّ مِنْ الْكِتَابِيِّ لِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَإِنْ أَضْمَرَ غَيْرَهُ وَهُوَ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مَعْبُودًا لَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا

الصَّيْدِ بِغَيْرِ إرْسَالٍ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ وَمِنْهَا التَّسْمِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (مُسَمِّيًا) أَيْ غَيْرَ تَارِكٍ لِلتَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ فَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ» وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مُمْتَنِعًا مُتَوَحِّشًا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عَلَى مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ مَأْكُولٍ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤْكَلَ. (وَ) مِنْهَا (عَدَمُ شَرِكَةِ كَلْبٍ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ) كَكَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبٍ لَمْ يُرْسَلْ لِلصَّيْدِ أَوْ أَرْسَلَ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا. (وَ) مِنْهَا (عَدَمُ طُولِ وَقْفَتِهِ بَعْدَ إرْسَالِهِ) فَإِنَّهَا إنْ طَالَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ الِاصْطِيَادُ مُضَافًا إلَى الْإِرْسَالِ (إلَّا إذَا كَمَنَ الْفَهْدُ) فَإِنَّهَا حِيلَتُهُ فِي الِاصْطِيَادِ، فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الْإِرْسَالِ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْهَا أَنَّهُ يَكْمُنُ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ بِالْخِلَافِ فِي عَدُوِّهِ، وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ، وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِ اللَّحْمِ الطَّيِّبَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ (وَيُعَلَّمُ الْمُعَلَّمُ بِتَرْكِ أَكْلِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَرُجُوعِ الْبَازِي بِدُعَائِهِ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ وَلِأَنَّ بَدَنَ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَيُمْكِنُ ضَرْبُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ وَبَدَنُ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُهُ فَاكْتَفَى بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ فَإِنَّ فِي طَبْعِهِ نُفُورًا وَيَعْلَمُ زَوَالَهُ بِرُجُوعِهِ بِالدُّعَاءِ (وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ بِهِمَا) يَعْنِي أَنَّ الْفَهْدَ وَنَحْوَهُ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ وَعَادَتُهُ الِافْتِرَاسُ وَالنُّفُورُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالْإِجَابَةِ جَمِيعًا كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَلَا يُؤْكَلُ مِمَّا أَكَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ) لِأَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ تَعَلُّمَهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَكَلَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّمْ فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ (بِخِلَافِ الْبَازِي) لِمَا عَرَفْت أَنَّ تَعَلُّمَهُ لَيْسَ بِهِ لِيَكُونَ ضِدُّهُ دَلِيلَ الْجَهْلِ (وَلَا) يُؤْكَلُ أَيْضًا (مَا أَكَلَ) أَيْ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ (مِنْهُ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِأَنَّهُ عَلَامَةَ الْجَهْلِ (وَلَا) يُؤْكَلُ أَيْضًا (مَا صَادَ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَمَا أَكَلَ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (حَتَّى يَتَعَلَّمَ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ قَبْلَ مَا أَكَلَ بَعْدَ التَّرْكِ (لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ) فَإِنَّ مَا أَتْلَفَ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْحُرْمَةُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَبِيرًا وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَجُوسِيِّ وَالْكِتَابِيِّ فَرْقٌ يُعْقَلُ مَعْنَاهُ بِالرَّأْيِ سِوَى أَنَّ مَنْ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ، وَمَنْ يَدَّعِي الِاثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ دُونَ مَا يُضْمِرُونَ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا مَا يُضْمِرُونَ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُمْ وَلِذَلِكَ يُسْتَحْلَفُونَ فِي الْمَظَالِمِ بِاَللَّهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: عَلَى مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ مَأْكُولٍ) قَيْدُ الْمَأْكُولِ مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ لِمَا يُؤْكَلُ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَمَنَ الْفَهْدُ) لَا يَخْتَصُّ بِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ الِاخْتِفَاءَ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الْإِرْسَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَهْدِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِلْفَهْدِ خِصَالٌ. . . إلَخْ) بَقِيَ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُرْكِبَهُ خَلْفَهُ وَهُوَ يَقُولُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ فَلَا أَذِلُّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قُلْت) فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ لِمَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ ذَا عِلْمٍ فَلَا يَسْعَى لِمَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لِتَعْلِيمِهِ اهـ لِمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ فِيمَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِتَرْكِ أَكْلِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) كَذَا فِي الْكَنْزِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ التَّعَلُّمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ كَحَبْسِ الْغَرِيمِ، ثُمَّ إذَا تَرَكَ الْأَكْلَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالثَّلَاثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَا الثَّالِثُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ،. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَحِلُّ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ عِنْدَ الثَّالِثِ آيَةُ تَعَلُّمِهِ فَصَارَ صَيْدَ كَلْبٍ عَالِمٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الثَّالِثِ رِوَايَتَانِ أَيْ عَنْهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحِلُّ اهـ (قَوْلُهُ: وَرُجُوعُ الْبَازِي بِدُعَائِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَمْ يَذْكُرْ الْبَازِيَ بِكَمْ إجَابَةٍ يَصِيرُ مُعَلَّمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي الْكَلْبِ، وَلَوْ قِيلَ يَصِيرُ مُعَلَّمًا بِإِجَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُنَفِّرُهُ بِخِلَافِ الْكَلْبِ اهـ. وَفِي الْبَازِي لُغَتَانِ تَشْدِيدُ الْيَاءِ وَتَخْفِيفُهَا وَجَمْعُهُ بُزَاةٌ وَالْبَازُ أَيْضًا لُغَةٌ فِيهِ وَجَمْعُهُ أَبْوَازٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ بِهِمَا. . . إلَخْ) يُوَافِقُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ عَلَامَةُ تَعَلُّمِ الْكَلْبِ، وَمَنْ بِمَعْنَاهُ الْإِمْسَاكُ عَلَى الْمَالِكِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ وَأَنْ يُجِيبَ إذَا دَعَاهُ. اهـ.؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِجَابَةَ شَرْطًا وَلَمْ تُشْتَرَطْ فِي الْكَلْبِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْكَلُ أَيْضًا مَا أَكَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ مِنْهُ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ

كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بُعْدٌ يَثْبُتُ فِيهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا وَالْمُحْرَزُ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَشُرِطَ لِلْحِلِّ بِالرَّمْيِ التَّسْمِيَةُ) وَعَدَمُ تَرْكِهَا عَمْدًا (وَالْجَرْحُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ «إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك» (وَعَدَمُ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ لَوْ غَابَ مُتَحَامِلًا سَهْمَهُ) أَيْ رَمَى فَغَابَ عَنْ بَصَرِهِ مُتَحَامِلًا سَهْمَهُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ حَلَّ أَكْلُهُ لِبَذْلِهِ وُسْعَهُ وَإِنْ قَعَدَ عَنْهُ حَرُمَ إذَا كَانَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَطْلُبَهُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ (فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ الرَّمْيُ حَيًّا بِحَيَاةٍ أَقْوَى مِمَّا لِلْمَذْبُوحِ حَلَّ بِالذَّكَاةِ، وَلَوْ مِثْلَهَا حَلَّ بِدُونِهَا) أَيْ لَوْ كَانَ حَيَاتُهُ مِثْلَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ لَا تَجِبُ تَذْكِيَتُهُ، بَلْ يَحِلُّ بِدُونِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِتِلْكَ الْحَيَاةِ، وَأَمَّا الْمُتَرَدِّيَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا بَقَرَ ذِئْبٌ بَطْنَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ وَالشَّاةُ الْمَرِيضَةُ فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ قَلَّتْ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ ذَكَّاهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ قَلِيلَةٌ يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] (وَحَرُمَ) عَطْفٌ عَلَى حَلَّ بِالذَّكَاةِ أَيْ حَرُمَ الصَّيْدُ (إنْ تَرَكَهَا) أَيْ الذَّكَاةَ (عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَمَاتَ) لِأَنَّ حَيَاتَهُ لَمَّا كَانَتْ أَقْوَى مِمَّا لِلْمَذْبُوحِ كَانَ ذَكَاتُهُ وَاجِبَةً فَإِذَا تُرِكَتْ حَرُمَ (كَذَا) أَيْ يَحْرُمُ أَيْضًا (إذَا عَجَزَ) عَنْ التَّذْكِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ (وَقِيلَ حَلَّ) وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ (أَوْ أَرْسَلَ) عَطْفٌ عَلَى تَرَكَهَا (مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ) أَيْ أَغْرَاهُ بِالصِّيَاحِ فَاسْتَدَّ (أَوْ قَتَلَهُ مِعْرَاضٌ بِعَرْضِهِ) وَهُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُصِيبُ الشَّيْءَ بِعَرْضِهِ فَإِذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ حِدَّةٌ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ يَحِلُّ (أَوْ بُنْدُقَةٌ ثَقِيلَةٌ ذَاتُ حِدَّةٍ) إنَّمَا حَرُمَ لِاحْتِمَالِ قَتْلِهَا بِثِقَلِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً بِهَا حِدَّةٌ يَحِلُّ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْجَرْحِ (أَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ) لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ (أَوْ) وَقَعَ (عَلَى سَطْحٍ) أَوْ جَبَلٍ (فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ) لِأَنَّهُ الْمُتَرَدِّيَةُ (وَأَكَلَ إنْ وَقَعَ ابْتِدَاءً عَلَى الْأَرْضِ) لِامْتِنَاعِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَكَذَا الْوَاقِعُ عَلَى السَّطْحِ أَوْ الْجَبَلِ أَوْ الصَّخْرَةِ إنْ لَمْ يَتَرَدَّ (أَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَكَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ (قَوْلُهُ: وَالْمُحْرِزُ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَطْلَقَ الْخِلَافَ فَشَمِلَ مَا لَوْ طَالَ زَمَنُ بَقَاءِ الصَّيْدِ أَوْ قَصُرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْخِلَافِ لِمَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّمَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصَّيُودُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا، أَمَّا إذَا تَطَاوَلَ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ فَأَكْثَرُ وَصَاحِبُهُ قَدَّدَ تِلْكَ الصَّيُودَ لَا تَحْرُمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ) أَيْ فَيَطْلُبُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمُتَرَدِّيَةُ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ هُوَ الْمُخْتَارُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ يَحْرُمُ أَيْضًا إذَا عَجَزَ عَنْ التَّذْكِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ (قَوْلُهُ: أَوْ بُنْدُقَةٍ ثَقِيلَةٍ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْبُنْدُقَةُ طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يَرْمِي بِهَا. وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْبُنْدُقَةُ إذَا كَانَ لَهَا حِدَّةٌ تَجْرَحُ بِهَا أُكِلَ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ وَالْمِعْرَاضِ وَالْعَصَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنْ جَرَحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَدَّهُ وَطُولُهُ كَالسَّهْمِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَخَرَقَهُ يَحُدُّهُ حَلَّ أَكْلُهُ فَأَمَّا الْجَرْحُ الَّذِي يُدَقُّ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَخْرُجُ فِي الظَّاهِرِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إنْهَارُ الدَّمِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ. . . إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ، وَقَالَ قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الطَّيْرُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنْ بَرِّيًّا لَا يَحِلُّ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فَوْقَ الْمَاءِ أَوْ كَانَ مُنْغَمِسًا فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ بِحَالٍ لَا يُتَوَهَّمُ نَجَاةُ الصَّيْدِ كَمَا إذَا ذَكَّاهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مَائِيًّا أَنَّ الْجِرَاحَةَ فَوْقَ الْمَاءِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ بِحَالٍ يُتَوَهَّمُ نَجَاةُ الصَّيْدِ مِنْهَا لَوْلَا الْوُقُوعُ لَا يَحِلُّ اهـ. وَفِي قَاضِي خَانْ إنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ لَا يُؤْكَلُ لَعَلَّ أَنَّ وُقُوعَهُ فِي الْمَاءِ قَتَلَهُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ طَيْرُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ طَيْرَ الْمَاءِ إنَّمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ غَيْرَ مَجْرُوحٍ اهـ. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بَعْدَمَا ذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى. وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَ ظَهْرَهُ وَمَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يَحِلُّ. وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ يَحِلُّ وَإِنْ أَصَابَ بَطْنَهُ أَوْ جَنْبَهُ لَا يَحِلُّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ الصَّخْرَةِ إنْ لَمْ يَتَرَدَّ) وَاضِحٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَنْشَقَّ بَطْنُهُ، وَأَمَّا إذَا

كَلْبَهُ فَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ فَأَخَذَ أَوْ لَمْ يُرْسِلْ الْكَلْبَ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ فَأَخَذَ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْإِرْسَالُ وَالْإِغْرَاءُ فَالْعِبْرَةُ لِلْإِرْسَالِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَالْإِغْرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِ حَرُمَ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْعَكْسِ حَلَّ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْإِرْسَالُ وَوُجِدَ الْإِغْرَاءُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِ حَلَّ، وَلَوْ مِنْ الْمَجُوسِيِّ حَرُمَ (أَوْ أَخَذَ) أَيْ أَكَلَ إنْ أَخَذَ الْكَلْبُ (غَيْرَ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ) لِامْتِنَاعِ التَّعْظِيمِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ مَا عَيَّنَهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ فَقَتَلَ صَيْدًا، ثُمَّ آخَرَ أُكِلَا كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَأَصَابَ آخَرَ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَى صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ (كَذَا) يُؤْكَلُ (صَيْدٌ رُمِيَ فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ لَا الْعُضْوَ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» (وَكَذَا) يُؤْكَلُ (مَا قُطِعَ أَثْلَاثًا وَأَكْثَرُهُ مَعَ عَجُزِهِ) أَيْ قَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ الثُّلُثُ فِي طَرَفِ الرَّأْسِ وَالثُّلُثَانِ فِي طَرَفِ الْعَجُزِ (أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ قَدْ بِنِصْفَيْنِ) فَإِنَّ كُلَّهُ يُؤْكَلُ إذْ لَا يُمْكِنُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَيَاةٌ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ» بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثُّلُثَانِ فِي طَرَفِ الرَّأْسِ وَالثُّلُثُ فِي طَرَفِ الْعَجُزِ لِإِمْكَانِ الْحَيَاةِ فِي الثُّلُثَيْنِ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ لِلْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ (رَمَى صَيْدًا وَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ) الْآخَرُ (فَإِنْ أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ) أَيْ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ (فَهُوَ لَهُ) أَيْ مِلْكٌ لِلْأَوَّلِ (وَحَرُمَ) بِرَمْيِ الثَّانِي (وَضَمِنَ الثَّانِي لَهُ قِيمَتَهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَجْرُوحًا) بِرَمْيِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ الْأَوَّلُ (فَلِلثَّانِي) لِأَنَّهُ صَادَهُ (وَحَلَّ) لِأَنَّ ذَكَاتَهُ اضْطِرَارِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي (وَيُصَادُ) أَيْ يَجُوزُ صَيْدُ (مَا يُؤْكَلُ، وَ) يُصَادُ (غَيْرُهُ) لِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ (وَبِهِ) أَيْ بِالصَّيْدِ (يَطْهُرُ لَحْمٌ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ) لِأَنَّهُ ذَكَاةٌ حُكْمًا حَتَّى تَجُوزَ ـــــــــــــــــــــــــــــQانْشَقَّتْ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يَأْكُلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَحَمَلَ مُطْلَقَ الْمَرْوِيِّ فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجُرَّةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عَفْوٌ، وَهَذَا أَصَحُّ اهـ. وَلَفْظُ أَصَحَّ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا مِنْ السَّرَخْسِيِّ يَعْنِي أَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ كَلَامِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَلَا يُبَالِي بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُرْسِلْ الْكَلْبَ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْبَازِي كَالْكَلْبِ فِيمَا ذُكِرَ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ، بَلْ كَذَلِكَ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ لِمَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مَا أَرْسَلَ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى سَنَنِهِ، وَلَوْ أَرْسَلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ يَحِلُّ مَا أَصَابَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرْسَلَهُ فَقَتَلَ صَيْدًا، ثُمَّ آخَرَ أُكِلَا) كَذَا عَبَّرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِثُمَّ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ لَكِنْ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ الْمُكْثِ طَوِيلًا حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا، ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ طَوِيلًا إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرَاحَةٌ اهـ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ لَيْسَ قَيْدًا لِحِلِّ الثَّانِي، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ انْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ فَرَجَعَ وَعَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فِي رُجُوعِهِ فَقَتَلَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ بَطَلَ بِالرُّجُوعِ وَبِدُونِ الْإِرْسَالِ لَا يَحِلُّ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ) يَعْنِي، وَقَدْ ذَبَحَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ، أَمَّا إذَا أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَ وَحَلَّا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يُؤْكَلُ مَا قُطِعَ أَثْلَاثًا وَأَكْثَرُهُ مَعَ عَجُزِهِ) أَيْ فَيُؤْكَلُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ النِّصْفِ إلَى الْعُنُقِ مَذْبَحٌ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْأَوْدَاجَ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: أَوْ قُدِّرَ بِنِصْفَيْنِ) لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَنَصُّ الْمَبْسُوطِ وَإِنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أَكَلَ كُلَّهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ أَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْ الذَّكَاةِ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَمَا قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ طُولًا. اهـ. وَقَاضِي خَانْ وَإِنْ قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ طُولًا يُؤْكَلُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الصَّيْدِ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثُّلُثَانِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجُزْءُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ فَقَالَا إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ الثَّانِي لَهُ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا) نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَيْ بِالصَّيْدِ يَطْهُرُ لَحْمٌ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ) أَقُولُ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ، بَلْ جِلْدُهُ فَقَطْ كَمَا فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِلطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ

[كتاب الذبائح]

صَلَاةُ حَامِلِهِ وَلَا يُنَجِّسُ طَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ (وَ) يُطَهَّرُ (جِلْدُهُ) أَيْضًا حَتَّى تَجُوزَ الصَّلَاةُ بِهِ وَعَلَيْهِ . {كِتَابُ الذَّبَائِحِ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهُوَ حَيَوَانٌ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُذْبَحَ فَيَخْرُجُ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا الذَّبْحُ فَيَحِلَّانِ بِلَا ذَكَاةٍ وَيَدْخُلُ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا تَحِلُّ لِفَقْدِ الذَّكَاةِ (الذَّكَاةُ تُحِلُّ الْمَأْكُولَ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤْكَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُمَيِّزَةُ لِلدَّمِ النَّجِسِ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ (وَتُطَهِّرُ غَيْرَ نَجِسِ الْعَيْنِ) فَإِنَّهَا كَمَا تُفِيدُ الْحِلَّ تُفِيدُ طَهَارَةَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ لِإِفَادَتِهَا التَّمْيِيزَ، ثُمَّ إنَّهَا نَوْعَانِ ضَرُورِيَّةٌ وَاخْتِيَارِيَّةٌ (وَضَرُورِيَّتُهَا جَرْحُ عُضْوٍ) وَسَيَأْتِي (وَالِاخْتِيَارِيَّة ذَبْحٌ فِي الْحَلْقِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَاللَّبَّةُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ (وَلَوْ) كَانَ الذَّبْحُ (فَوْقَ الْعُقْدَةِ) الَّتِي فِي أَعْلَى الْحُلْقُومِ (وَقِيلَ لَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ فَوْقَهَا لَمْ يَكُنْ ذَكَاةً فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الذَّبَائِحِ] ِ) (قَوْلُهُ: وَهِيَ حَيَوَانٌ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُذْبَحَ) عَلَيْهِ يَكُونُ تَسْمِيَتُهَا ذَبِيحَةً بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الذَّبِيحَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْبُوحِ، وَكَذَلِكَ فِي الِاخْتِيَارِ، ثُمَّ قَالَ، وَكَذَلِكَ الذَّبْحُ قَالَ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَالذَّبْحُ مَصْدَرُ ذَبَحَ يَذْبَحُ وَهُوَ الذَّكَاةُ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] أَيْ ذَبَحْتُمْ اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ الذَّكَاةُ الذَّبْحُ وَأَصْلُ تَرْكِيبِ التَّذْكِيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّمَامِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ السِّنِّ بِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ وَذَكَا النَّارِ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِغَالِهَا اهـ، وَهِيَ لُغَةً كَمَا قَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ الذَّكَاةُ لُغَةً التَّوَقُّدُ وَالتَّلَهُّبُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْحَيَوَانِ بِحِدَّةِ الْآلَةِ سُمِّيَتْ الشَّمْسُ ذَكَاءً لِشِدَّةِ الْحَرَارَةِ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي خَاطِرِهِ حِدَةٌ ذَكِيًّا، وَقِيلَ الذَّكَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْيِيلِ الدَّمِ النَّجِسِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْحَيَوَانِ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جُمْلَةِ الْمُحَرَّمَاتِ {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَكَانَتْ الذَّكَاةُ إزَالَةً لِلْخُبْثِ وَتَطَيُّبًا بِتَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ اهـ وَشَرْعًا كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ الذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ. اهـ. وَرُكْنُهَا الْحَيَوَانُ وَشَرْطُهَا أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ وَعَدَمُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ بِمَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَشُرِطَتْ لِتَطْيِيبِ اللَّحْمِ فَإِنَّهَا نَوْعٌ نُضْجٍ لِتَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ وَحُكْمُهَا حِلُّ الْمَذْبُوحِ وَسَبَبُهَا حَاجَةُ الْعَبْدِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الذَّبْحَ مَحْظُورٌ عَقْلًا، وَلَكِنْ الشَّرْعُ أَحَلَّهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْحَيَوَانِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا عِنْدِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ» وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ ذَبْحَ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِأَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيَصْطَادُ بِنَفْسِهِ وَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَقْلًا كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالسَّفَهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الذَّبْحُ كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ؛ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ الْعَقْلِيَّ ضَرْبَانِ مَا يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَمَا فِيهِ نَوْعُ تَجْوِيزٍ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُ مَنْفَعَتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى نَفْعِهِ كَالْحِجَامَةِ لِلْأَطْفَالِ وَتَدَاوِيهِمْ بِمَا فِيهِ أَلَمٌ لَهُمْ (قَوْلُهُ: وَتُطَهِّرُ غَيْرَ نَجِسِ الْعَيْنِ) قَدَّمْنَا أَنَّ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ تُطَهِّرُ جِلْدَ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ دُونَ لَحْمِهِ عَلَى أَصَحِّ مَا يُفْتَى بِهِ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِيَارِيَّة ذَبْحٌ فِي الْحَلْقِ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ الذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ. وَفِي الْهِدَايَةِ جَمَعَ بَيْنَ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَتَى بِلَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانًا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ الذَّبْحَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَذْبَحٌ غَيْرُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ مَعْنَى بَيْنَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَيْ الْقُدُورِيِّ بِمَعْنَى فِي أَيْ وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْحَلْقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الذَّبْحُ فَوْقَ الْعُقْدَةِ، وَقِيلَ لَا) أَقُولُ مَشَى فِي الْمَوَاهِبِ عَلَى الثَّانِي فَقَالَ يَتَعَيَّنُ الذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ تَحْتَ الْعُقْدَةِ، وَقِيلَ مُطْلَقًا اهـ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا لَمْ يَجُزْ فَوْقَ الْعُقْدَةِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ اهـ. وَمَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَى تَعَيُّنِ الذَّبْحِ تَحْتَ الْعُقْدَةِ حَيْثُ قَالَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ. وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا عَنْ الْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَبَقِيَتْ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا قَالَ هَذَا قَوْلُ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ؛ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ، وَقَدْ وُجِدَ، ثُمَّ حَكَى أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَلَا الْمَرِيءِ وَأَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَإِنْ اشْتَرَطُوا قَطْعَ الْأَكْثَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عُقْدَةِ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَطَعَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ، ثُمَّ عَلِمَ فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ

لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَوَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الذَّبْحِ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا فَهُوَ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالْحِلِّ فِيمَا إذَا بَقِيَ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا تُسَاعِدُهُ، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي ذَبَائِحِ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ لَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا تَرَى؛ وَلِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ وَالْمَجْرَى فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ فَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً وَلَا عِبْرَةَ بِالْعُقْدَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَعُرُوقُهُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ) فِي الْمُغْرِبِ الْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الْعَلَفِ. وَفِي الْهِدَايَةِ بِالْعَكْسِ (وَحَلَّ بِقَطْعِ ثَلَاثٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ ثَلَاثٍ كَانَ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ (بِكُلِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطَعَ (مَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَأَسَالَ الدَّمَ) وَلَوْ قَشَّرَ الْقَصَبَ وَحَجَرًا فِيهِ حِدَّةٌ (الْأَسْنَانَ أَوْ ظُفْرًا قَائِمَيْنِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا خَلَا الظُّفْرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهُمَا مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ» (وَبِالْمَنْزُوعِينَ يُكْرَهُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْرُمُ لِمَا رَوَيْنَا وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعَيْنِ فَإِنَّهُ الصَّادِرُ مِنْ الْحَبَشَةِ (وَنُدِبَ إحْدَادُ شَفْرَتِهِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ وَكُرِهَ بَعْدَهُ) لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِمَا وَإِرْفَاقًا لِلْمَذْبُوحِ . (وَ) كُرِهَ (الْجَرُّ بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ وَذَبْحُهَا مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ بَقِيَتْ حَيَّةً يَقْطَعُ عُرُوقَهَا) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ فَتَحِلُّ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ بِلَا حَاجَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهَا، ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ حَيَّةً قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ (حَرُمَتْ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ فِيهَا. (وَ) كُرِهَ (النَّخْعُ) أَيْ الذَّبْحُ الشَّدِيدُ حَتَّى يَبْلُغَ النُّخَاعَ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ " حرام مغز " (وَالسَّلْخُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ) أَيْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ (وَ) كُرِهَ (تَرْكُ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَحَلَّتْ) أَيْ الذَّبِيحَةُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (وَشُرِطَ) فِي حِلِّ الْمَذْبُوحِ (كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ) إنْ كَانَ صَيْدًا (أَوْ كِتَابِيًّا) لِأَنَّهُ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَالْمُرَادُ بِهِ طَعَامٌ يَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ مِنْ جِهَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ وَفِيمَا لَا يَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ يَسْتَوِي الْكِتَابِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ كَالسَّمَكِ وَغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمُوتَ بِالْأَوَّلِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ قَطَعَ تَمَامَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الثَّانِي وَإِلَّا حَلَّ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ فَصَابَ ذَبْحُ الشَّاةِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا اهـ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُخَالِفُهُ (قَوْلُهُ:. وَفِي الْهِدَايَةِ بِالْعَكْسِ) أَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ الْحُلْقُومُ يُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّ الْمَرِيءَ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءُ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفْسِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْعَكْسِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ اهـ. وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَ الْوَدَجَيْنِ، وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَهُمَا الْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَحَلَّ بِقَطْعِ ثَلَاثٍ مِنْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عِرْقٍ كَذَا فِي الْمُخْتَارِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَطْعُ الْأَكْثَرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَعَنْهُ أَيْضًا إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَالْأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ يَحِلُّ وَمَا لَا فَلَا قَالَ مَشَايِخُنَا وَهُوَ أَصَحُّ الْجَوَابَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: الْأَسْنَانَ وَظُفْرًا قَائِمَيْنِ) أَقُولُ وَكَذَا الْقَرْنُ (قَوْلُهُ: وَبِالْمَنْزُوعِينَ يُكْرَهُ) أَيْ الذَّبْحُ، وَأَمَّا أَكْلُ الذَّبِيحِ بِهَا لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ: لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِمَا) أَيْ فِي نَدْبِ إحْدَادِ الشَّفْرَةِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ وَكَرَاهَتِهِ بَعْدَهُ دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَالثَّانِي مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ ضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالدِّرَّةِ حَتَّى هَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ الْجَرُّ بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا، وَقَدْ أَخَذَ شَاةً وَهُوَ يَجُرُّهَا إلَى الْمَذْبَحِ فَقَالَ قُدْهَا إلَى الْمَوْتِ قَوْدًا رَفِيقًا» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ «خُذْ سَالِفَتَهَا فَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ «أُبْهِمَتْ الْبَهَائِمُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ خَالِقِهَا وَرَازِقِهَا وَخَانِقِهَا وَسِفَادِهَا» كَذَا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ النُّخَاعَ) هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَطْعَ الرَّأْسِ مَكْرُوهٌ بِالْأَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ النُّخَاعِ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يُظْهِرَ مَذْبَحَهَا، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ كِتَابِيًّا) نَقَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْكِتَابِيُّ لَا يَعْتَقِدُ الْمَسِيحَ إلَهًا، أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ إلَهًا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ اهـ. (قُلْت) وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِصِيغَةِ قَالُوا هَذَا. . . إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ

[ذبيحة تارك التسمية عمدا]

(ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا) وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِ كِتَابِيٍّ يَحِلُّ صَيْدُهُ وَذَبِيحَتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا كَذَا فِي الْكَافِي (يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ) أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا (وَالذَّبْحَ) أَيْ يَعْلَمُ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَنَحْوِهِ (وَيَقْدِرُ) عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِ (وَلَوْ) كَانَ الذَّابِحُ (مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا) فَإِنَّهُمَا إذَا تَعَقَّلَا التَّسْمِيَةَ وَالذَّبْحَ وَقَدَرَا كَانَا كَالْعَاقِلِ الْبَالِغِ (أَوْ امْرَأَةً أَوْ أَقْلَفَ أَوْ أَخْرَسَ فَيَحْرُمُ ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ) إذْ لَا مِلَّةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى غَيْرِ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَيَعْتَبِرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ عَكَسَ يُؤْكَلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ كَذَا فِي الْكَافِي . (وَ) يَحْرُمُ ذَبِيحَةُ (تَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَلَوْ) تَرَكَهَا (نَاسِيًا حَلَّتْ) ذَبِيحَتُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حَلَّتْ فِي الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ حَرُمَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ (وَحَرُمَتْ إنْ ذَكَرَ) الذَّابِحُ (مَعَ اسْمِهِ تَعَالَى غَيْرَهُ عَطْفًا نَحْوَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ وَفُلَانٍ) لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّجْرِيدُ وَهُوَ شَرْطٌ (وَكُرِهَ وَصْلُهُ بِلَا عَطْفٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ لَا مَا يُضْمِرُونَ. اهـ. وَيُشْتَرَطُ لِحِلِّ ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ صَيْدًا أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ حَلَالٌ إذَا أَتَى بِهِ مَذْبُوحًا، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ بِالْحُضُورِ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَذْكُرَ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ اهـ فَإِنْ سَمَّى النَّصْرَانِيُّ الْمَسِيحَ وَسَمِعَهُ الْمُسْلِمُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَهُوَ يَعْنِي الْمَسِيحَ يُؤْكَلُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ اهـ. وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ: يَعْقِلُ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلذَّابِحِ فِي قَوْلِهِ وَشُرِطَ كَوْنُ الذَّابِحِ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ وَتَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا) هَذَا أَحَدُ مَا فُسِّرَ بِهِ عَقْلُ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قِيلَ يَعْنِي يَعْقِلُ لَفْظَ التَّسْمِيَةِ، وَقِيلَ يَعْقِلُ إنْ حَلَّ الذَّبِيحَةَ بِالتَّسْمِيَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ وَالضَّبْطُ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ حَلَالٌ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَيَضْبِطُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيَضْبِطُ أَنَّهُ يَضْبِطُ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ، وَقَوْلُهُ: يَعْقِلُ تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَاهُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَعْنَاهُ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ بِالتَّسْمِيَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْحِلَّ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَجْنُونًا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْتُوهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَهِيَ بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَخْرَسَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا؛ لِأَنَّهُ أَعْذَرُ مِنْ النَّاسِي كَذَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فَتَحْرُمُ ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ) أَقُولُ، وَلَوْ شَارَكَهُ مُسْلِمٌ فِي الذَّبْحِ لَا تُؤْكَلُ، وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الصَّابِئِ فَتُكْرَهُ إلَّا أَنَّهُ يَحِلُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَا تَحِلُّ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا؛ لِأَنَّهُمْ صِنْفَانِ صِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى وَإِنَّمَا أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِحِلِّ ذَبِيحَةِ الصَّابِئِ إذَا كَانَ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُنْكِرُونَ النُّبُوَّةَ وَالْكُتُبَ أَصْلًا وَيَعْبُدُونَ الشَّمْسَ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُمْ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ فَإِنَّمَا أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِحُرْمَةِ الصَّيْدِ وَالذَّبْحِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ، ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ لَا يَعْرِفُونَ فِي جُمْلَةِ الصَّابِئِينَ مَنْ يُقِرُّ بِعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا يُقِرُّونَ بِإِدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَيَدَّعُونَ لَهُ النُّبُوَّةَ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ وَيُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ فَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الِاسْتِقْبَالِ لَا تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ لَهَا كَمَا يَسْتَقْبِلُ الْمُؤْمِنُونَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ يَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ لَهَا فَأَلْحَقَاهُمْ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِكِتْمَانِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَسْتَحِبُّونَ إظْهَارَ الِاعْتِقَادِ أَلْبَتَّةَ وَمَا اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ اهـ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ [ذَبِيحَةُ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا] (قَوْلُهُ: وَاسْمِ فُلَانٍ) أَيْ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ لَا يَحِلُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِيرُ مَيْتَةً؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ مَيْتَةً يَصِيرُ الرَّجُلُ كَافِرًا اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَفُلَانٍ) أَيْ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ لَا يَحِلُّ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ الْهِدَايَةِ قَالَ لَوْ ذَكَرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ غَيْرَهُ مَوْصُولًا عَلَى وَجْهِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ أَوْ بِسْمِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ اهـ

وَلَمْ يَحْرُمْ (نَحْوُ بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ لِعَدَمِ الْعَطْفِ فَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا لَهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْقِرَانِ صُورَةً فَيُتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْمُحْرِمِ هَذَا إذَا قُرِئَ مُحَمَّدٌ بِالرَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا قُرِئَ بِالْجَرِّ أَوْ النَّصْبِ فَيَحْرُمُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَلَا بَأْسَ إذَا فَصَّلَ صُورَةً وَمَعْنًى كَالدُّعَاءِ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ فَوَجَّهَهُمَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَقَالَ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ذَبَحَ. وَقَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ» (أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ نَحْوَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) وَهَذَا أَيْضًا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذِهِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّا شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» (وَالشَّرْطُ) فِي التَّسْمِيَةِ (هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ) عَنْ شَوْبِ الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ (فَبِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا تَحِلُّ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ دُعَاءٍ (بِخِلَافِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ بِقَصْدِ التَّسْمِيَةِ) فَإِنَّهُ ذِكْرٌ خَالِصٌ (فَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَحِلُّ) لِعَدَمِ قَصْدِ التَّسْمِيَةِ (وَالْمَشْهُورُ) الْمُتَدَاوَلُ فِي الْأَلْسِنَةِ (وَهُوَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (نُدِبَ نَحْرُ الْإِبِلِ وَكُرِهَ ذَبْحُهَا عَكْسُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) أَمَّا النَّدْبِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ وَلِاجْتِمَاعِ الْعُرُوقِ فِي الْمَنْحَرِ وَفِيهِمَا فِي الْمَذْبَحِ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَهِيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالْحِلَّ (يُذْبَحُ صَيْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: نَحْوُ بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الدَّالِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ غَيْرَ مَكْسُورٍ لَا يَحْرُمُ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ. وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ خَفَضَهُ لَمْ يَحِلَّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذَابِحًا بِهِمَا وَإِنْ رَفَعَهُ حَلَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَرَى الْخَطَأَ فِي النَّحْوِ مُعْتَبَرًا فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَا يَحْرُمُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ بِالْجَرِّ لَا يَحِلُّ وَبِالرَّفْعِ يَحِلُّ، وَالنَّصْبُ كَالْخَفْضِ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ (فَإِنْ قُلْت) قَدْ قُلْتُمْ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الْعَوَامُّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْإِعْرَابِ فَلَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى دَقَائِقِ الْإِعْرَابِ وَهُنَا تَرَكْتُمْ (قُلْت) ذَلِكَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْإِغْمَاضُ فِيهِ أَوْلَى وَالطَّلَاقُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ وَالذَّبْحُ يَقَعُ أَحْيَانًا فَلَمْ نَسْلُكْ فِيهِ طَرِيقَ الْعَفْوِ كَذَا عَنْ الْفُرُنْقَانِيِّ الْخُوَارِزْمِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَنْعِ كَوْنِ الذَّبْحِ أَقَلَّ وُقُوعًا مِنْ الطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ مُنْشِئٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْمَلَكَةُ فِيهِ مَعْدُومَةٌ فَمُكْنَةُ الْحِفْظِ عَلَى دَقَائِقِ الْإِعْرَابِ عَسِيرٌ وَالذَّابِحُ حَاكٍ جُمْلَةً مَضْبُوطَةً فَمَلَكَةُ الرِّعَايَةِ وَمُكْنَةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ يَسِيرَةٌ وَالذَّابِحُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: كَالدُّعَاءِ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ الذَّبْحِ بِالتَّقَبُّلِ وَغَيْرِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي أَوْ يَقُولُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَجْرِيدُ التَّسْمِيَةِ وَلَمْ يُجَرِّدْهَا وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَحِلُّ) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ قَصْدِ التَّسْمِيَةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّحْمِيدَ لِلْعُطَاسِ إذْ لَوْ أَرَادَهُ لِلذَّبِيحَةِ حَلَّتْ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَالْمَشْهُورُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ اهـ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرَحَ كِتَابِ الصَّيْدِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ الْوَاوِ قَالَ وَمَعَ الْوَاوِ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ أَكَلَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحِ وَإِنَّمَا أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يُظْهِرْ الْهَاءَ إنْ قَصَدَ ذِكْرَ اللَّهِ حَلَّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَتَرَكَ الْهَاءَ قَصْدًا لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَصَدَ التَّسْمِيَةَ وَالْعَرَبُ قَدْ تَحْذِفُ حَرْفًا تَرْخِيمًا وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَقْصِدْ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبْحِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ التَّرْخِيمَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ نَحْرُ الْإِبِلِ) النَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَعْلَى الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَنُدِبَ تَبَعًا لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكَنْزِ وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ اهـ. وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ لَا الْمُسْتَحَبُّ الِاصْطِلَاحِيُّ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ اهـ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: أَمَّا النَّدْبِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ صُورَةِ ذَبْحِ الْبَقَرِ وَصُورَةِ نَحْرِ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ: وَلِاجْتِمَاعِ الْعُرُوقِ فِي الْمَنْحَرِ) أَيْ مَنْحَرِ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِمَا) أَيْ

اُسْتُؤْنِسَ وَيَكْفِي جَرْحُ نَعَمٍ تَوَحَّشَ أَوْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَبَحَهُ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا مَرَّ وَالْعَجْزُ مَوْجُودٌ فِي الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ (الشَّاةُ إذَا نَدَّتْ خَارِجَ الْمِصْرِ تَحِلُّ بِالْعُقْرِ، وَ) إذَا نَدَّتْ (فِي الْمِصْرِ لَا) تَحِلُّ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ عَادَةً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ خَارِجِ الْمِصْرِ (وَالْمِصْرُ كَخَارِجِهِ فِي الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَلَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهِمَا وَإِنْ نَدَّا فِي الْمِصْرِ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ (وَالصِّيَالُ كَالنَّدِّ) إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مُرِيدًا لِلذَّكَاةِ حَلَّ أَكْلُهُ (لَا يَتَذَكَّى جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ) حَتَّى لَوْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ يُؤْكَلْ (لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ) مِنْ السِّبَاعِ (أَوْ مِخْلَبٍ) مِنْ الطُّيُورِ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا حَيَوَانٌ يَصِيدُ بِنَابِهِ وَحَيَوَانٌ يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ (وَالْحَشَرَاتُ) هِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ (وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ) بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ (وَالْبَغْلُ وَالْخَيْلُ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ الْخَيْلُ) قِيلَ كَرَاهَةُ الْخَيْلِ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ؛ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ لِمَعْنَى الْكَرَامَةِ كَيْ لَا يَحْصُلَ بِإِبَاحَتِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ وَلِهَذَا كَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَبُو الْمُعِينِ فِي جَامِعَيْهِمَا، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكَرْمَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ كُنْت مُتَرَدِّدًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لِي كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَةً فِي سُؤْرِهِ كَمَا فِي لَبَنِهِ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِلَبَنِهِ إذْ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ (وَلَا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَالضَّبُّ) وَفِيهَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ (وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْأَبْقَعُ الْآكِلُ لِلْجِيَفِ وَالْغُدَافُ) كلاغ سياه بزرك (وَالْفِيلُ وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ وَالْحَيَوَانُ الْمَائِيُّ إلَّا سَمَكًا لَمْ يَطْفُ) السَّمَكُ الطَّافِي هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ بِلَا سَبَبٍ، ثُمَّ يَعْلُو فَيَظْهَرُ وَأَصْحَابُنَا كَرِهُوا الْحَيَوَانَ الْمَائِيَّ مُطْلَقًا إلَّا سَمَكًا لَمْ يَطْفُ وَأَبَاحَهَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَلْبَ الْمَاءِ وَخِنْزِيرَهُ وَإِنْسَانَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي الْمَذْبَحِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ) أَيْ وَعُلِمَ مَوْتُهُ بِالْجَرْحِ أَوْ أَشْكَلَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجَرْحِ لَا يُؤْكَلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ) أَيْ الشَّاةُ نَظِيرُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ دَجَاجَةٌ تَعَلَّقَتْ بِشَجَرَةٍ وَصَاحِبُهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الْفَوْتَ وَالْمَوْتَ فَرَمَاهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ خَافَ الْفَوَاتَ فَرَمَاهَا تُؤْكَلُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِمَا) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي بَعِيرٌ أَوْ ثَوْرٌ نَدَّ فِي الْمِصْرِ إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ اهـ فَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّعَذُّرُ، بَلْ التَّعَسُّرُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا حَيَوَانٌ يَصِيدُ بِنَابِهِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْجَمَلِ وَالْحَمَامَةِ (قَوْلُهُ: وَالْبَغْلُ) أَيْ الَّتِي أُمُّهُ أَتَانٌ إذْ لَوْ كَانَتْ فَرَسًا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَالْخَيْلُ) كَذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ. وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْحِلِّ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا تَحِلُّ الْخَيْلُ) أَيْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ قَالَ التَّحْرِيمُ وَمَبْنَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ فَأَمَّا أَنَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ، وَهَذَا يَلُوحُ إلَى التَّنْزِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَبْقَعُ) أَيْ الْغُرَابُ الْآكِلُ لِلْجِيَفِ وَالْغُدَافُ غُرَابُ الْقَيْظِ أَيْ الْحَرِّ وَهُوَ ضَخْمٌ يَأْتِي الْجِيَفَ، وَكَذَا لَا يُؤْكَلُ الْخُفَّاشُ؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ الْعَيْنِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي أَكْلِ الْخُفَّاشِ وَلَا يُؤْكَلُ الشِّقِرَّاقُ وَهُوَ طَائِرٌ أَخْضَرُ يُخَالِطُهُ قَلِيلُ حُمْرَةٍ يَصُولُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، إذَا أُخِذَ فِرَاخُهُ (قَوْلُهُ: هُوَ الَّذِي يَمُوتُ اهـ فِي الْبَحْرِ حَتْفَ أَنْفِهِ بِلَا سَبَبٍ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ مَعْرُوفٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَعْلُو فَيَظْهَرُ) يَعْنِي وَبَطْنُهُ فَوْقَ الْمَاءِ كَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا وُجِدَتْ السَّمَكَةُ مَيِّتَةً عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَبَطْنُهُ مِنْ فَوْقِ الْمَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ طَافٍ وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقُ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَافٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ السَّمَكَةُ اسْتَقَلَّتْ الْمَاءَ وَمَاتَتْ لَمْ تُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهَا إنْ تُرِكَتْ طَفَتْ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَ مَوْتِهَا مَعْلُومٌ وَالطَّافِي بِخِلَافِهِ 1 -

[أكل الجراد وأنواع السمك بلا ذكاة]

وَالْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَاحِدٌ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا أَنَّ مَا مَاتَ مِنْهُ بِسَبَبٍ فَهُوَ حَلَالٌ كَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَمَا مَاتَ مِنْهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَحِلُّ كَالطَّافِي وَإِنْ ضَرَبَ سَمَكَةً فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا أُبِينَ وَمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبٍ وَمَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ لِلْحَدِيثِ، وَكَذَا إنْ وُجِدَتْ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا، وَكَذَا إنْ قَتَلَهَا شَيْءٌ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ أَوْ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ أَوْ جَمَعَهَا فِي حَظِيرَةٍ لَا تَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ صَيْدٍ فَمَاتَتْ فِيهَا لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا، وَإِذَا مَاتَتْ فِي الشَّبَكَةِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا أَوْ أَكَلَ شَيْئًا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِتَأْكُلَهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ أَوْ رَبَطَهَا فِي الْمَاءِ فَمَاتَتْ أَوْ تَجَمَّدَ الْمَاءُ فَبَقِيَتْ بَيْنَ الْجَمْدِ وَمَاتَتْ تُؤْكَلُ وَإِنْ مَاتَتْ بِحَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ تُؤْكَلُ فِي رِوَايَةٍ لِوُجُودِ السَّبَبِ لِمَوْتِهَا وَفِي أُخْرَى لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا كَانَ أَوْ بَارِدًا كَذَا فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّمَكِ الْمَأْكُولِ (الْجِرِّيثُ وَالْمَارْمَاهِيِّ) خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ مَا نُقِلَ فِي الْمُغْرِبِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ جَمِيعَ السَّمَكِ حَلَالٌ غَيْرَ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ وَأَيْضًا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّ بَعْضَ الرَّوَافِضِ وَأَهْلَ الْكِتَابِ يَكْرَهُونَ أَكْلَ الْجِرِّيثِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ كَانَ دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ فَمُسِخَ بِهِ (وَحَلَّ الْجَرَادُ وَأَنْوَاعُ السَّمَكِ بِلَا ذَكَاةٍ) لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْجَرَادَ يُؤْكَلُ وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ السَّمَكِ سُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ كُلْهُ كُلَّهُ، وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ (وَ) حَلَّ (غُرَابُ الزَّرْعِ وَالْأَرْنَبُ وَالْعَقْعَقُ بِهَا) أَيْ بِالذَّكَاةِ (ذَبَحَ شَاةً لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهَا فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ عُلِمَتْ) حَيَاتُهَا (حَلَّتْ) الشَّاةُ (وَإِنْ عُدِمَا) أَيْ الْحَرَكَةُ وَخُرُوجُ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحَيَاةِ فَإِذَا عُلِمَتْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمَا. (كِتَابُ الْجِهَادِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَاحِدٌ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةٌ أُخْرَى) أَيْ فَتُؤْكَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِ السَّمَكَةِ فَلَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَذِرَةً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَكْلُ شَيْءٍ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِيَأْكُلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَتْ بِحَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَنْسُبْهُمَا إلَى أَحَدٍ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ (قُلْت) لَكِنْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ السَّمَكَةُ إذَا قَتَلَهَا حَرُّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدُهُ قَالَ الْإِمَامُ لَا تُؤْكَلُ كَالطَّافِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُؤْكَلُ، وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ اهـ، فَقَدْ قَيَّدَ إطْلَاقَهُ فِي الْهِدَايَةِ اهـ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُحَلُّ بِهِ وَيُفْتَى اهـ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ قَوْلُ الْمَشَايِخِ أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْحُرْمَةِ أَعْجَبُ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِآفَةٍ فَصَارَ كَمَوْتِهَا بِتَجَمُّدِ الْمَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ إنَّهَا تُؤْكَلُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَلَوْ أُرْسِلَتْ السَّمَكَةُ فِي الْمَاءِ النَّجِسِ فَكَبِرَتْ فِيهِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِلْحَالِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. وَيُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَلَّالَةِ [أَكُلّ الْجَرَادُ وَأَنْوَاعُ السَّمَكِ بِلَا ذَكَاةٍ] (قَوْلُهُ: سُئِلَ عَلِيٌّ. . . إلَخْ) دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ الْجَرَادِ مَيِّتًا وَسَنَدُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَالْعَقْعَقُ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا لَيْسَ لَهُ مِخْلَبٌ يَخْطَفُ بِهِ وَالْهُدْهُدُ وَالْخَطَّافُ وَالْقُمْرِيُّ وَالسُّودَانِيُّ وَالزُّرْزُورُ وَالْعَصَافِيرُ وَالْفَاخِتَةُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبُومُ يُؤْكَلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَدْ رَأَيْت هَذَا بِخَطِّ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَبَحَ شَاةً لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهَا فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّتْ) كَذَا فِي الْكَنْزِ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: إنَّ خُرُوجَ الدَّمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ إلَّا إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. [كِتَابُ الْجِهَادِ] [حُكْم الْجِهَاد] (كِتَابُ الْجِهَادِ) هُوَ أَعَمُّ وَغَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ وَهُوَ دَعْوَتُهُمْ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَقِتَالُهُمْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا وَكَذَلِكَ السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فِعْلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السِّيَرِ غَلَبَ فِي لِسَانِ أَهْلِ الشَّرْعِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي غَزْوِ الْكُفَّارِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ كَوْنَهَا تَسْتَلْزِمُ السَّيْرَ وَقَطْعَ الْمَسَافَةِ وَفِي غَيْرِ كُتُبِ الْفِقْهِ يُقَالُ كِتَابُ الْمَغَازِي وَهُوَ أَيْضًا أَعَمُّ لِأَنَّهُ جَمْعُ مَغْزَاةٍ مَصْدَرُهُ سَمَاعِيٌّ لِغَزَا دَالٌّ عَلَى الْوَحْدَةِ وَالْقِيَاسِيُّ غَزْوٌ وَغَزْوَةٌ لِلْوَحْدَةِ كَضَرْبَةٍ وَهُوَ قَصْدُ الْعَدُوِّ لِلْقِتَالِ وَخُصَّ فِي عُرْفِهِمْ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ هَذَا وَفَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَقَامُ الرَّجُلِ فِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَهَّمُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ

لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي آخِرَهَا الْحَجُّ وَمِمَّا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ شَرَعَ الْآنَ فِي خَامِسَةِ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ الْجِهَادُ فَقَالَ (هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بَدْءًا) أَيْ ابْتِدَاءً يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا فَإِنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَأْمُورًا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85] وقَوْله تَعَالَى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] ثُمَّ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُسْتَحْسَنَةِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا وَالْأَمَاكِنِ بِأَسْرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] ، وَ {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} [التوبة: 29] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ. وَجْهُ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَإِفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ بَلْ شُرِعَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ الْعِبَادِ فَحِينَئِذٍ (إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ) فِي كُلِّ زَمَانٍ (سَقَطَ) الْفَرْضُ (عَنْ الْكُلِّ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدَفْنِهَا وَرَدِّ السَّلَامِ فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهَا إذَا حَصَلَ مِنْ بَعْضِ الْجَمَاعَةِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ بَاقِيهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْبَعْضُ بَلْ خَلَا عَنْ الْجِهَادِ وَالزَّمَانُ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ (أَثِمُوا) أَيْ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ لِتَرْكِهِمْ فَرْضًا عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا تَرَكَ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ أَوْ دَفْنَهَا أَوْ رَدَّ السَّلَامِ أَثِمُوا (إلَّا عَلَى صَبِيٍّ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ) ؛ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ وَالتَّكْلِيفُ بِالْقُدْرَةِ. (وَ) فَرْضُ (عَيْنٍ إنْ هَجَمُوا) أَيْ هَجَمَ الْكُفَّارُ عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ. نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْجِهَادَ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسَعَهُمْ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمْ، فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ بِأَنْ عَجَزَ مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ لَمْ يَعْجِزُوا عَنْهَا لَكِنَّهُمْ تَكَاسَلُوا وَلَمْ يُجَاهِدُوا فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَا يَسَعُهُمْ تَرْكُهُ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ، وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَلْدَةِ فَعَلَى جِيرَانِهِ وَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ أَنْ يَقُومُوا بِأَسْبَابِهِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ كَانَ بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يُضَيِّعُونَ حُقُوقَهُ أَوْ يَعْجِزُونَ عَنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهِ، كَذَا هُنَا. (فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ) مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ وَحَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فَرْضِ الْعَيْنِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ إذْ بِغَيْرِهِمْ كِفَايَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمَا. (وَكُرِهَ الْجُعْلُ) وَهُوَ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِهِ وَالْمُرَادُ مَا يَجْعَلُ الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ شَيْئًا بِلَا طِيبِ أَنْفُسِهِمْ يَتَقَوَّى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامُهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أَجْرَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ «وَبُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَمِنَ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ تَعْدِلُ خَمْسَ مِائَةِ صَلَاةٍ وَنَفَقَةَ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعمِائَةِ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِهِ» كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمُوا) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الِافْتِرَاضَ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ سَوَاءٌ فِيهِ أَهْلُ مَحَلٍّ هَجَمَهُ الْعَدُوُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ صَرِيحُ مَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَلَهُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ. اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: إنْ وَقَعَ النَّفِيرُ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ أَنَّ الْعَدُوَّ جَاءَ إلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى ذَرَارِيِّهِمْ أَوْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَإِذَا كَانَ النَّفِيرُ مِنْ قِبَلِ اللُّزُومِ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْغَزْوِ إذَا مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ إلَّا بِعُذْرٍ بَيِّنٍ. اهـ. فَالْمَتْنُ عَامٌّ وَقَدْ خَصَّهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ، وَقَدْ نَقَلَ الْكَمَالُ مَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا ذَكَرُوا وَكَانَ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، بِخِلَافِ إنْفَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ مُتَّجَهٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ وَقُعُودُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ. اهـ. (فَائِدَةٌ) عَالِمٌ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَفْقَهَ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّيَاعِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي.

الْغُزَاةُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ (مَعَ فَيْءٍ) أَيْ وُجُودِ شَيْءٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَبِدُونِهِ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ فَيْءٌ (لَا) يُكْرَهُ الْجُعْلُ (فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ امْتَنَعُوا عَنْ الْإِسْلَامِ (فَإِلَى) أَيْ فَنَدْعُوهُمْ إلَى (الْجِزْيَةِ فَإِنْ قَبِلُوا) الْجِزْيَةَ (فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) هَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّا كُنَّا نَتَعَرَّضُ لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ فَبَعْدَمَا قَبِلُوهَا إذَا تَعَرَّضْنَا لَهُمْ أَوْ تَعَرَّضُوا لَنَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا، وَيَجِبُ لَنَا عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ، يُؤَيِّدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا. (وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ) إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَهَا أَثِمَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَمْ يَغْرَمْ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ (وَنُدِبَ تَجْدِيدُهَا لِمَنْ بَلَغَتْهُ فَإِنْ أَبَوْا حَارَبْنَاهُمْ بِمَنْجَنِيقٍ وَتَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ وَرَمْيٍ، وَلَوْ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ أَوْ تَتَرَّسُوا بِهِ) أَيْ بِالْمُسْلِمِ (بِنِيَّتِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّمْيِ (لَا بِنِيَّتِهِ) لِيَلْزَمَ الْإِثْمُ، وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَة. . (وَقَطْعِ شَجَرٍ وَإِفْسَادِ زَرْعٍ بِلَا غَدْرٍ وَغُلُولٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا خِيَانَةٌ لَكِنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ خَاصَّةً، وَالْغَدْرُ أَعَمُّ يَشْمَلُ نَقْضَ الْعَهْدِ (وَمُثْلَةً) اسْمٌ مِنْ مَثَّلَ بِهِ يُمَثِّلُ مَثَلًا كَقَتَلَ يَقْتُلُ قَتْلًا أَيْ نَكَّلَ بِهِ يَعْنِي جَعَلَهُ نَكَالًا وَعِبْرَةً لِغَيْرِهِ كَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ. وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْمَثُلَةُ الْمَنْهِيَّةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إذْلَالِهِمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا أَحْسَنُ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ (وَبِلَا قَتْلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ (وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَامْرَأَةٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّهَا فِي الْحَدِيثِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُقَاتِلًا أَوْ ذَا مَالٍ يَحُثُّ بِهِ أَوْ) ذَا (رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ. . (وَ) بِلَا قَتْلِ (أَبٍ كَافِرٍ بَدْءًا) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَعَ فَيْءٍ أَيْ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ) فَسَّرَ الْفَيْءَ بِالشَّيْءِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وُجُودُ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُوجَدْ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ الْجُعْلُ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَ الْإِبَاحَةَ فِي السِّيَرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَغْزُو بِأَجْرٍ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا لِنَفْسِهَا وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَكَانَتْ تَأْخُذُ مِنْ فِرْعَوْنَ دِينَارَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ» ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الْجِزْيَةِ) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَأَهْلِ الْكِتَاب وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ، وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ كَالْمُرْتَدِّينَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَقَطْعِ شَجَرٍ وَإِفْسَادِ زَرْعٍ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُغْلَبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ) كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْمَسْطُورُ فِي الزَّيْلَعِيِّ نَصُّهُ. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ. . . إلَخْ وَظَاهِرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ التَّمْثِيلُ سَوَاءٌ وَقَعَ قِتَالًا أَوْ بِأَسِيرٍ إلَّا أَنَّ الْكَمَالَ خَصَّهُ بِقَوْلِهِ التَّمْثِيلُ قَبْلَ الظَّفَرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالًا كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضُرِبَ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَقَطَعَ أَنْفَهُ وَيَدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَشَيْخٍ فَانٍ) قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ فَقَتَلَهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدَّ، وَاَلَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرَّفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُمَيِّزِينَ فَهَذَا حِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ قَالَ، وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ كَمَا يُقْتَلُ سَائِرُ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا. اهـ. وَلَا نَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَنَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ. اهـ. مَا قَالَهُ الْكَمَالُ (قُلْت) وَفِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْأَقْطَعِ مِنْ خِلَافٍ نَظَرٌ لِمَا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّهَا فِي الْحَدِيثِ) وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَغْرَمُ قَاتِلَ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حُرْمَةِ الْقَتْلِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُقَاتِلًا) لَكِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْدَ الْأَسْرِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُقْتَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ وَالْمَعْتُوهُ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَبِلَا قَتْلِ أَبٍ كَافِرٍ) سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَقْتُلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يَقْتُلُهُ غَيْرُ الِابْنِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُعَالِجُهُ بِنَحْوِ ضَرْبِ قَوَائِمِ فَرَسِهِ وَإِلْجَائِهِ إلَى مَكَان حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلَهُ، وَكَذَا الْأُمُّ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ الْمُقَاتِلُونَ يُكْرَهُ لِفَرْعِهِمْ قَتْلُهُمْ وَمَنْ سِوَى الْأُصُولِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْحَرْبِيِّينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ فَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَالْأَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ

يَقْتُلَ أَبَاهُ الْكَافِرَ ابْتِدَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلَيْسَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْمَعْرُوفِ؛ وَلِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ وَإِنَّمَا قَالَ بَدْءًا؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنْ قَصَدَ قَتْلَ الِابْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا دَفْعٌ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ فَالْكَافِرُ أَوْلَى (فَيَقْتُلُهُ غَيْرُ ابْنِهِ) وَابْنُهُ لَا يَمْنَعُهُ عَنْهُ (وَبِلَا إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سُرِّيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهِمَا) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْمُصْحَفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضَائِحِ. (وَيُصَالِحُهُمْ) أَيْ يُصَالِحُ الْإِمَامُ أَهْلَ الْحَرْبِ (إنْ) كَانَ الصُّلْحُ (خَيْرًا) لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى (وَلَوْ بِمَالٍ) يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ (مِنْهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِلَا مَالٍ فَبِهِ أَوْلَى (إنْ احْتَجْنَا إلَيْهِ) ، وَإِنْ لَمْ نَحْتَجْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ وَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ، وَلَوْ حَاصَرَ الْكُفَّارُ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الصُّلْحَ بِمَالٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْحَاقَ الْمَذَلَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ» ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ (وَيَنْبِذُ إنْ خَيْرًا) أَيْ لَوْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحَ نَبَذَ إلَيْهِمْ أَيْ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ خَبَرَ النَّقْضِ (فَيُقَاتِلُ وَقَبْلَ نَبْذٍ لَوْ خَانُوا بَدْءًا) أَيْ قُوتِلُوا قَبْلَ إرْسَالِ خَبَرِ النَّقْضِ إنْ بَدَءُوا بِالْخِيَانَةِ . (وَ) يُصَالِحُ (الْمُرْتَدِّينَ وَالْبَاغِينَ) حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِتَالَ لِمَصْلَحَةٍ فَجَازَ كَمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ (بِلَا مَالٍ) ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ مِنْهُمْ تَقْرِيرٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَذَا لَا يَجُوزُ (وَلَا رَدَّ إنْ أَخَذْنَا) ؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ. (لَا يُبَاعُ سِلَاحٌ وَخَيْلٌ وَحَدِيدٌ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعُونَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ (صَحَّ أَمَانُ حُرٍّ وَحُرَّةٍ) مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي سَرِيَّةٍ) قَالَ الْكَمَالُ مَا نَصُّهُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْعَسْكَرِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. اهـ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ نَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعُمِائَةٍ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ زِيَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ نَصُّ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ بَعْدَمَا قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْمُصْحَفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ) هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْقُمِّيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ أَيْ النَّهْيَ عَنْ إخْرَاجِ الْمُصْحَفِ إنَّمَا كَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَصَاحِفِ كَيْ لَا تَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا يُكْرَهُ. اهـ. وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ التَّأْوِيلِ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ رَاوِي الْحَدِيثِ قَالَ أَرَى ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ وَالْحَقُّ إنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبِذُ إنْ خَيْرًا فَيُقَاتِلُ) أَقُولُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إعْلَامِهِمْ بِالنَّبْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إلْقَاءِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَارَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَفِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيُعَمِّرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ وَهَذَا وَاضِحٌ أَنَّهُ إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً وَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَهَا، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يُنْبَذُ إلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى جَعْلِ رَدِّ مَا يُخَصُّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بِالنَّبْذِ قَبْلَ مُضِيِّهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ نَبْذٍ لَوْ خَانُوا بَدْءًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالنُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا وَتَنْوِينِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةِ قَاتِلِهِمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ. اهـ. وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَهُمْ مَنَعَةٌ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ انْتَقَضَ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ لَا غَيْرُ حَتَّى يَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَدُّوا بِأَنْفُسِهِمْ فَيَنْتَقِضُ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ وَلَا يَنْتَقِضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَحَدِيدٌ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلَ السِّلَاحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا فِي السِّلَاحِ، وَأَمَّا فِيمَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ فَلَا بَأْسَ كَمَا كَرِهْنَا بَيْعَ الْمَزَامِيرِ وَأَبْطَلْنَا بَيْعَ الْخَمْرِ وَلَمْ نَرَ بِبَيْعِ الْعِنَبِ بَأْسًا وَلَا بِبَيْعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الصُّلْحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ وَالِانْقِضَاءِ فَكَانُوا حَرْبًا عَلَيْنَا وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يُمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ» . اهـ. (قَوْلُهُ: صَحَّ أَمَانُ حُرٍّ) أَقُولُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَمَانِ قَوْلُك لِلْحَرْبِيِّ لَا تَخَفْ وَلَا تَوْجَلْ أَوْ مِتْرَسٌ أَوْ لَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ تَعَالَى فَاسْمَعْ الْكَلَامَ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي السِّيَرِ إمْلَاءً سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ

[باب المغنم وقسمته]

الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ (فَإِنْ) كَانَ الصُّلْحُ (شَرًّا نُبِذَ) الْأَمَانُ (وَأُدِّبَ) مُعْطِي الْأَمَانِ. (لَا) يَصِحُّ (أَمَانُ ذِمِّيٍّ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ بِأَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَحِينَئِذٍ جَازَ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَ) لَا أَمَانُ (أَسِيرٍ مُسْلِمٍ) مَعَهُمْ (وَتَاجِرٍ) مُسْلِمٍ (مَعَهُمْ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ. (وَ) لَا أَمَانُ (مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ) إلَيْنَا لِمَا ذَكَرْنَا (وَصَبِيٍّ وَعَبْدٍ مَحْجُورَيْنِ وَمَجْنُونٍ) أَمَّا الصَّبِيُّ فَإِذَا لَمْ يَعْقِلْ بَطَلَ أَمَانُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ عَقَلَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِذَا حُجِرَ عَنْ الْقِتَالِ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ صَحَّ أَمَانُهُ. [بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتِهِ] (إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً صُلْحًا يَجْرِي) أَيْ الْإِمَامُ (عَلَى مُوجَبِهِ) لَا بِغَيْرِهِ هُوَ وَلَا مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ (وَأَرْضُهَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِمْ، وَلَوْ) فَتَحَهَا (عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا فَهُوَ فِي حَقِّهَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ خُمُسَهَا، ثُمَّ (قُسِمَا بَيْنَنَا) يَعْنِي الْغَانِمِينَ فَتَكُونُ مِلْكًا لَنَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ وَوَضَعَ عَلَيْهَا الْعُشْرَ إذْ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا) أَيْ إنْ شَاءَ وَمَنْ بِهِ عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَهُمْ أَحْرَارَ الْأَصْلِ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَالْأَرَاضِي مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ (بِجِزْيَةٍ) أَيْ بِوَضْعِ جِزْيَةٍ عَلَيْهِمْ. (وَ) وَضْعِ (خَرَاجٍ) عَلَى أَرَاضِيِهِمْ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ فَتَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ حَيْثُ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَ دُورَهُمْ وَعَقَارَهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ وَضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، قَالُوا الْأَوَّلُ أَوْلَى عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِهَا لِيَكُونَ ذَخِيرَةً لَهُمْ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ (أَوْ نَفَاهُمْ) مِنْهَا (وَأَنْزَلَ) بِهَا قَوْمًا (آخَرِينَ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ لَوْ) كَانُوا (كُفَّارًا) كَذَا فِي التُّحْفَةِ، يَعْنِي وَضَعَ عَلَيْهِمْ خَرَاجَ الْأَرْضِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ الْجِزْيَةَ، وَقَوْلُهُ: لَوْ كَانُوا كُفَّارًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَوْمَ الْآخَرِينَ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْعُشْرُ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً وُضِعَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. . (وَ) الْإِمَامُ فِي حَقِّ أَهْلِ مَا فُتِحَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا إنْ شَاءَ (قَتَلَ الْأَسْرَى) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَهُمْ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الشِّرْكِ (أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ) تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لَنَا) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ (وَحَرُمَ مَنُّهُمْ) وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ (وَفِدَاؤُهُمْ) وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا أَوْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَفِي الْمَنِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِأَمَانٍ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ أَمَانًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ نَقْلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْأَمَانُ الْأَمَانُ فَقَالَ رَجُلٌ حُرٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا تَخَافُوا وَلَا تَذْهَلُوا أَوْ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَوْ تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا كَلَامَ اللَّهِ فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ صَحِيحٌ. اهـ. [أمان الذِّمِّيّ وَالْأَسِير الْمُسْلِم] (بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتِهِ) . (قَوْلُهُ: إنْ شَاءَ خُمُسَهَا) أَيْ جَعَلَهَا أَخْمَاسًا خُمُسٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَسَمَهَا بَيْنَنَا) يَعْنِي قَسَمَ بَاقِيَهَا وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِقَوْلِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَسَيَذْكُرُ قِسْمَةَ الْخُمُسِ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا. . . إلَخْ) نَصٌّ عَلَى الْمَنِّ بِإِبْقَائِهِمْ ذِمَّةً وَتَمَلُّكِهِمْ الْأَرَاضِيَ فَخَرَجَ مَا يُنْقَلُ إذْ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَأَنَّهُ لَا يَدُومُ وَالْجَوَازُ بِاعْتِبَارِ الدَّوَامِ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِالرِّقَابِ وَحْدَهَا بِدُونِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرَاضِيِ، وَإِذَا مُنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ لَهُمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرَ مَا يَتَأَتَّى لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ وَقَسَمَ الْجَمِيعَ لِلْغَانِمِينَ جَازَ وَكُرِهَ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَفْعَلْهُ وَلِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِلَا آلَتِهَا كَمَا فِي الْكَافِي وَلِي رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَمَّيْتهَا الدُّرَّةُ الْيَتِيمَةُ فِي الْغَنِيمَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْأَسْرَى) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَمَنْ أَسْلَمَ لَا يُقْتَلُ وَقُيِّدَ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغُزَاةِ قَتْلُ أَسِيرٍ بِنَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ بِلَا مُلْجِئٍ بِأَنْ خَافَ الْقَاتِلُ شَرًّا لِأَسِيرٍ كَانَ لِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى قَتْلِ الْأَسْرَى لَا يَنْبَغِي تَعْذِيبُهُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ) وَلَا يُنَافِي اسْتِرْقَاقُهُمْ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ الْأَسْرِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْأَسْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا) هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالْفَتْحِ وَآيَةُ السَّيْفِ نَسَخَتْ الْمُفَادَاةَ وَعُوتِبَ عَلَى الْفِدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ (قَوْلُهُ أَوْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فِي مُقَابَلَتِهِ) هَذَا عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَجُوزُ فِدَاءُ أَسْرَانَا بِأَسْرَاهُمْ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالتَّبْيِينِ. وَقَالَ الْكَمَالُ

[قسمة الغنيمة في دار الحرب قبل إخراجها إلى دار الإسلام]

خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَرْبِ جَازَ بِالْمَالِ لَا بِالْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَلَا بِالنَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَرَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. . (وَ) حَرُمَ (عَقْرُ دَابَّةٍ شَقَّ نَقْلُهَا) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ مَوَاشٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِرُهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يَتْرُكُهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ) أَمَّا الذَّبْحُ فَلِأَنَّهُ جَازَ لِمَصْلَحَةٍ وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ مِنْ أَقْوَى الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا الْحَرْقُ فَلِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهَا الْكُفَّارُ فَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ إذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا، وَيُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا وَمَا لَا يُحْرَقُ كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ. . (وَ) حَرُمَ (قِسْمَةُ مَغْنَمٍ ثَمَّةَ) أَيْ قِسْمَةُ غَنِيمَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ (إلَّا بِالْإِيدَاعِ) فَيُرَدُّ هَاهُنَا وَيُقْسَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةُ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَظِيمَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْنَا بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ يَدْفَعُهُ ظَاهِرًا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَتَخَلَّصُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقُومُ بِدَفْعِهِ وَاحِدٌ مِثْلُهُ ظَاهِرًا فَيَتَكَافَآ ثُمَّ تَبْقَى فَضِيلَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي زِيَادَةُ تَرْجِيحٍ وَثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ» اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْحَقَائِقِ إنَّ مُفَادَاةَ أَسِيرِهِمْ بِأَسِيرٍ مُسْلِمٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا. اهـ. فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَرْبِ جَازَ بِالْمَالِ) أَيْ لِقِيَامِ الْحَاجَةِ فَيَكُونُ مَحْمَلُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ، وَأَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ جَازَ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا) أَيْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ الْمَجْمَعِ إنَّ الْمُفَادَاةَ بِالْمَالِ غَيْرُ جَائِزَةٍ اتِّفَاقًا. اهـ. وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمَجْمَعِ عَلَى عُمُومِهِ خَالَفَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بِجَوَازِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ عِنْدَ قِيَامِ الْحَرْبِ لَا بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: وَرَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ) لَمْ يَزِدْ حُكْمًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَرُمَ مَنُّهُمْ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ وَكَذَا جَمَعَ فِي الْكَنْزِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالرَّدِّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ، وَأَمَّا الْمَنُّ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَّ عَلَيْهِ مَنًّا أَنْعَمَ وَاصْطَنَعَ عِنْدَهُ صَنِيعَةً. اهـ. وَاخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ هُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ مَجَّانًا بِدُونِ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ تَرْكِهِمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُهُ وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي حُكْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعِبَارَاتِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَقْرُ دَابَّةٍ. . . إلَخْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ شَقَّ إخْرَاجُهُمْ فَيُتْرَكُونَ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَقَعُ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانَ يَبْلُغُونَ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا بِدَارِ الْحَرْبِ فِي رِحَالِهِمْ يَنْزِعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَأَنْيَابَ الْحَيَّةِ قَطْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَلَا يَقْتُلُونَهَا إبْقَاءً لِمَا يَضُرُّ بِالْكُفَّارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. [قِسْمَة الْغَنِيمَة فِي دَار الْحَرْب قَبْل إخْرَاجهَا إلَى دَار الْإِسْلَام] (قَوْلُهُ وَحَرُمَ قِسْمَةُ مَغْنَمٍ ثَمَّةَ) لَا يُنَاسِبُ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَالْحُرْمَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْمِلْكِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ كَالْقُدُورِيِّ هَكَذَا وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَالْمَسَائِلُ الْإِفْرَادِيَّةُ الْمَوْضُوعَةُ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مِثْلَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ لَا يُورَثُ حَقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا قَسَمَ بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ اجْتَهَدَ فَوَقَعَ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ أَمَّا إذَا قَسَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ وَثُبُوتِ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ لِلْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهَا قَسَمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ) قَالَ فِي الْكَافِي النَّسَفِيِّ مِنْهَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَيُقْسَمُ الْوَلَدُ وَالْأَمَةُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ. اهـ. وَتَبِعْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْجِهَادِ مِنْ الْكَافِي خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَنَفَى لُزُومَ الْعُقْرِ بِوَطْئِهَا فَتَنَاقَضَ حَيْثُ قَالَ وَطِئَ أَمَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا عُقْرَ فِي الْوَطْءِ لِأَنَّ الثَّابِتَ مُجَرَّدُ الْحَقِّ إذْ الْمِلْكُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ كَالْجُزْءِ وَإِتْلَافُ الْكُلِّ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَإِتْلَافُ الْجُزْءِ أَوْلَى وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ زَجْرًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ وَالْقِسْمَةِ يُقْتَصُّ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ، وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ الْغُرْمُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْغُرْمُ. اهـ. وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّفْصِيلِ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ حَيْثُ نَفَى الْعُقْرَ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ مَنَافِعِ بَعْضِهَا وَلَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا مِلْكُ الْغَانِمِينَ أَصْلًا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا مِنْ وَجْهٍ

[بيع المغنم قبل القسمة]

وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ حُمُولَةٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْغَنَائِمَ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُحَمِّلُوهَا أَجِيرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً شَهْرًا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا إجَارَةٌ أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ إذْ لَا يُجْبَرُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ فِي الْمَفَازَةِ وَمَعَ رَفِيقِهِ دَابَّةٌ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ فَإِنَّهُ بِنَاءٌ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءٍ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْهُ. . (وَ) حَرُمَ (بَيْعُهُ) أَيْ الْمَغْنَمِ (قَبْلَهَا) أَيْ الْقِسْمَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَمْ يَمْلِكْ كَمَا مَرَّ وَبَعْدَهُ نَصِيبُهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ (وَالرِّدْءُ) أَيْ الْعَوْنُ (وَمَدَدٌ يَلْحَقُهُمْ ثَمَّةَ كَمُقَاتِلٍ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ (لَا سُوقِيٌّ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَا مَنْ مَاتَ ثَمَّةَ) لِعَدَمِ التَّمَلُّكِ. (وَيُورَثُ قِسْطُ مَنْ مَاتَ هُنَا) لِحُصُولِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا (وَحَلَّ فِيهَا) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (طَعَامٌ وَعَلَفٌ وَحَطَبٌ وَدُهْنٌ وَسِلَاحٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ عَلَى أَنْ تَصِيرَ مِلْكًا عِنْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ وَادَّعَى الْوَلَدَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ اسْتِحْسَانًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ثَبَاتَ النَّسَبِ وَأُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَقِفُ عَلَى مِلْكٍ خَاصٍّ وَذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ أَوْ حَقٍّ خَاصٍّ وَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْعَامَّ أَوْ الْحَقَّ الْمُتَأَكِّدَ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَا يُحَدُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُقْرُ إنْ وَطِئَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دُونَ دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَنَافِعَ بُضْعِهَا. اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُحِيطِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ، وَقَدْ نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِصِيغَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ قَالَ وَكَذَا إذَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنْ السَّبْيِ أَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَهْلِكُ مِنْ الْغَانِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ. اهـ. وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ كَمَالِ الدِّينِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّنْبِيهِ وَقَوْلُ الْبَدَائِعِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَقِفُ عَلَى مِلْكٍ خَاصٍّ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّهُ إذَا قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ أَوْ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا وَعِتْقُهُ إذَا كَانُوا قَلِيلًا وَالْقَلِيلُ مِائَةٌ فَمَا دُونَهَا وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَقَّتَ وَيُوكَلَ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ. اهـ. [بَيْعُ الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَة] (قَوْلُهُ وَحَرُمَ بَيْعُهُ) أَيْ الْمَغْنَمِ قَبْلَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الشَّرْحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاهِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ) كَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ» فَغَرِيبٌ جِدًّا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرِّدْءُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ. (قَوْلُهُ: وَمَدَدٌ يَلْحَقُهُمْ ثَمَّةَ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْقِتَالِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْمَدَدُ الْجَمَاعَةُ النَّاصِرُونَ لِلْجُنْدِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ إنَّمَا يَنْقَطِعُ شَرِكَتُهُمْ إمَّا بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ انْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَسْتَقِرُّ بِهِ وَاسْتِقْرَارُ الْمِلْكِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ. اهـ. وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ لُحُوقَ الْمَدَدِ بِدَارِ الْحَرْبِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ الْعَسْكَرُ بَلَدًا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ اسْتَظْهَرُوا عَلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَمْ يُشَارِكْهُمْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِدَارِ إسْلَامٍ فَصَارَتْ الْغَنِيمَةُ مُحْرَزَةً بِدَارِ الْإِسْلَامِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ مَاتَ ثَمَّةَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ لَمْ تُقْسَمْ فَلَوْ قُسِمَتْ ثَمَّةَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَازِ فَيُورَثُ نَصِيبُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْحَقَائِقِ (قُلْت) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: وَحَلَّ فِيهَا طَعَامٌ) أَيْ حَلَّ لِمَنْ لَهُ سَهْمٌ أَوْ رَضْخٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَالْمَمَالِيكِ وَلَا يُطْعَمُ التَّاجِرُ وَالْأَجِيرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَزَ الْحِنْطَةَ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ حَتَّى جَازَ ذَبْحُ الْمَوَاشِي وَأَكْلُهَا وَتُرَدُّ جُلُودُهَا فِي الْغَنِيمَةِ وَكَذَا تُؤْكَلُ الْفَاكِهَةُ الرَّطْبَةُ وَغَيْرُهَا وَالسُّكَّرُ وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَكُلُّ مَأْكُولٍ عَادَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: وَحَطَبٌ) أَيْ جَازَ لِلطَّبْخِ وَلِلِاصْطِلَاءِ لِلْبَرْدِ إذَا كَانَ مُعَدًّا لِلْوَقُودِ وَإِنْ مُعَدًّا لِاِتِّخَاذِ الْقِصَاعِ وَالْأَقْدَاحِ وَلَهُ قِيمَةٌ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَفٌ) أَيْ وَلَوْ بِالْحِنْطَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّعِيرُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَدُهْنٌ) يَعْنِي كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ فَيَدْهُنُ وَيَسْتَصْبِحُ وَيُوقِحُ دَابَّتَهُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ كَالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَالْخَيْرِيِّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ لَهُ لِمَرَضٍ يَحُوجُهُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ كَلُبْسِ الثَّوْبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَسِلَاحٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ) التَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ رَاجِعٌ لِلسِّلَاحِ خَاصَّةً عَلَى اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الِانْتِفَاعُ

قِسْمَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَدْفَعُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ (لَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا) لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِلَا رِضَاهُمْ (وَلَا بَيْعُهَا وَتَمَوُّلُهَا) أَيْ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَمْ تُمْلَكْ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ التَّنَاوُلُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمْ رُدَّ الثَّمَنُ إلَى الْمَغْنَمِ (وَرُدَّ الْفَضْلُ) أَيْ مَا بَقِيَ مِمَّا أَخَذَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ (إلَى الْمَغْنَمِ) بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ هَذَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ لَوْ هَالِكًا، وَالْفَقِيرُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ. (وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (عَصَمَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا تَبَعًا فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ. (وَ) عَصَمَ (مَالًا مَعَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ مَعْصُومًا) أَيْ وَضَعَهُ أَمَانَةً عِنْدَ مَعْصُومٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا (لَا وَلَدَهُ الْكَبِيرَ وَعُرْسَهُ وَحَمْلَهَا) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ (وَعَقَارَهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ (وَعَبْدَهُ مُقَاتِلًا وَمَالَهُ مَعَ حَرْبِيٍّ بِغَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ) لِسَهْمِ الْفَارِسِ أَوْ الرَّاجِلِ (وَقْتَ الْمُجَاوَزَةِ) أَيْ مُجَاوَزَةِ مَدْخَلِ دَارِ الْحَرْبِ. (فَمَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ مَاتَ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا (فَلَهُ سَهْمَانِ سَهْمُ فَارِسٍ وَمَنْ دَخَلَهَا رَاجِلًا فَشَرَى فَرَسًا) فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ فَارِسًا (فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ فَرَسٍ وَاحِدٍ) أَيْ لَا يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا لِرَاحِلَةٍ وَبَغْلٍ. (وَ) لَا (عَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ وَرَضَخَ لَهُمْ) الرَّضْخُ إعْطَاءُ شَيْءٍ قَلِيلٍ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا قَدْرُ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَرْضَخُ لَهُمْ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ فَيَكُونُ جِهَادًا بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهَا أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ الرَّضْخُ السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَاوُونَ الْجَيْشَ فِي عَمَلِ الْجِهَادِ إلَّا فِي دَلَالَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَتْ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالسِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ اسْتِعْمَالُ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ أَوْ فَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ. اهـ. وَأَمَّا غَيْرُ السِّلَاحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالطَّعَامِ وَالدُّهْنِ فَشَرَطَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الْحَاجَةَ إلَى التَّنَاوُلِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ تَنَاوُلُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْهَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُهَا وَتَمَوُّلُهَا) شَامِلٌ لِمَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ عَسَلٍ فِي جَبَلٍ وَيَاقُوتٍ وَفَيْرُوزَجَ وَزُمُرُّدٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ مِنْ مَعْدِنِهِ فَإِنَّ جَمِيعَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِدِ وَأَهْلِ الْعَسْكَرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ نَظَرَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَنْفَعَ قَسَمَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَنْفَعَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَجَعَلَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ قَائِمًا يُجِيزُ بَيْعَهُ وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَوْ حَشَّ حَشِيشًا أَوْ اسْتَقَى مَاءً وَبَاعَهُ مِنْ الْعَسْكَرِ طَابَ لَهُ ثَمَنُهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ. . . إلَخْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بِدَارِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ وَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيهَا خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ وَإِلَّا مَا أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لِصِحَّةِ يَدِهِمَا ثَالِثُهَا أَسْلَمَ مُسْتَأْمَنٌ بِدَارِنَا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلَفَهُ حَتَّى صِغَارِ أَوْلَادِهِ فَيْءٌ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ رَابِعُهَا دَخَلَ دَارَهُمْ تَاجِرٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَالْكُلُّ لَهُ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرَاضِيَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فَارِسًا) أَيْ وَفَرَسُهُ صَالِحٌ لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا فَلَوْ كَانَ مُهْرًا أَوْ كَبِيرًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالِاخْتِيَارِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَرِّ أَوْ سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِتَالِ فَحَضَرَ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَحَضَرَ بِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَيُتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ مَاتَ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا (فَلَهُ سَهْمَانِ سَهْمُ فَارِسٍ) وَكَذَا إذَا قَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ وَلَوْ غُصِبَ فَرَسُهُ قُبَيْلَ الدُّخُولِ فَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ فِيهَا فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَكَذَا لَوْ رَكِبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ نَفَرَ أَوْ ضَلَّ الْفَرَسُ فَاتَّبَعَهُ وَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ وَجَدَهُ فِيهَا اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا سَهْمَ لِفَرَسٍ مُشْتَرَكٍ لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ الْآخَرِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالسَّهْمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُجَاوَزَةُ لِلْقِتَالِ فَارِسًا إلَّا إذَا بَاعَهُ مُكْرَهًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة اهـ. (قُلْت) كَذَلِكَ

لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْجِهَادِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ فِي الدَّلَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ فَيُعْطَى بَالِغًا مَا بَلَغَ. (الْخُمُسُ لِلْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَقُدِّمَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَيْهِمْ وَلَا شَيْءَ لِغَنِيِّهِمْ وَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى) فِي قَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] (لِلتَّبَرُّكِ) أَيْ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى شَيْءٍ (وَسَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَقَطَ بَعْدَهُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ كَالصَّفِيِّ وَهُوَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ (مَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ فَأَغَارَ خُمُسٌ إلَّا مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُ وَلَا إذْنَ) فَإِنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكُفَّارِ قَهْرًا وَهُوَ إمَّا بِالْمَنَعَةِ أَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنَعَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُ (وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ) التَّنْفِيلُ إعْطَاءُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى سَهْمِ الْغَنِيمَةِ (وَقْتَ الْقِتَالِ حَثًّا) . أَيْ إغْرَاءً (فَيَقُولُ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» ) وَسَيَأْتِي مَعْنَى السَّلَبِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] (أَوْ) يَقُولُ (مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَيَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ) النَّفَلَ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» (إذَا قَتَلَ) الْإِمَامُ (قَتِيلًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا فَلَا يُتَّهَمُ بِهِ (لَا مَنْ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ النَّفَلَ إذَا قَالَ مَنْ (قَتَلْته أَنَا فَلِي سَلَبُهُ) ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ نَفْسَهُ فَصَارَ مُتَّهَمًا (وَلَا) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ النَّفَلَ أَيْضًا إذَا قَالَ (مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ) لِأَنَّهُ مَيَّزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ (وَذَا) أَيْ اسْتِحْقَاقُ السَّلَبِ إنَّمَا يَكُونُ (إذَا كَانَ الْقَتِيلُ مُبَاحَ الْقَتْلِ) حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّهُ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ؛ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمَقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَاتَلَ الصَّبِيُّ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ اُسْتُحِقَّ سَلَبُهُ لِكَوْنِهِ بِالْقِتَالِ مُبَاحَ الدَّمِ وَيُسْتَحَقُّ السَّلَبُ بِقَتْلِ الْمَرِيضِ وَالْأَجِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّاجِرِ فِي عَسْكَرِهِمْ وَالذِّمِّيِّ الَّذِي نَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ؛ لِأَنَّ بُنْيَتَهُمْ صَالِحَةٌ لِلْقِتَالِ أَوْ هُمْ مُقَاتِلُونَ بِرَأْيِهِمْ. (أَوْ يَقُولُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَقُولُ أَيْ يَقُولُ الْإِمَامُ (لِسَرِيَّةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ أُكْرِهَ عَلَى غَيْرِ الْبَيْعِ مِنْ الرَّهْنِ وَنَحْوِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ. اهـ. وَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفَارِسِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ الْخُمُسُ لِلْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) مُفِيدٌ أَنَّهُ يُقْسَمُ الْخُمُسُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ صَرْفَ الْخُمُسِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ جَازَ عِنْدَنَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ لِبَيَانِ الْمَصَارِفِ لَا لِإِيجَابِ الصَّرْفِ إلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شَيْئًا بَلْ لِتَعْيِينِ الْمَصْرِفِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى) إشَارَةٌ إلَى دُخُولِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ فِي الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لَكِنَّهُ يُبْدَأُ بِهِمْ وَثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهِمْ هُوَ الْأَصَحُّ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بِسُقُوطِهِ كَمَا فِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى يَسْتَحِقُّونَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَقْرِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ. اهـ. . وَفِي الْبَدَائِعِ تُعْطَى الْقَرَابَةُ كِفَايَتَهُمْ. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ لِغَنِيِّهِمْ) فَإِنْ قِيلَ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ اسْمِ الْيَتِيمِ حَيْثُ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ لَا بِالْيُتْمِ، أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْيَتِيمَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْجِهَادِ وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: كَالصَّفِيِّ) قَالَ فِي طُلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْتَأْثِرُ بِالصَّفِيِّ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ) سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُسْتَأْذِنِ مَنَعَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخْمَسُ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَصَابَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ أَيْ نُدِبَ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِذَا نَفَلَ) فَلَا خُمُسَ فِيمَا أَصَابَهُ أَحَدٌ وَيُورَثُ عَنْهُ وَلَوْ مَاتَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا مَعَ اسْتِبْرَائِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً نَفَلَ بِهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ) يَدْخُلُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ النَّفَلَ إذَا قَالَ مَنْ قَتَلْته أَنَا) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَّا إذَا عُمِّمَ بَعْدَهُ وَيَقَعُ التَّنْفِيلُ عَلَى كُلِّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَا لَمْ يَرْجِعُوا وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَالِي وَعَزْلِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الثَّانِي، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ لِسَرِيَّةٍ. . . إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَتْنًا مُسْتَنَدُهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ السِّيَرِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَسْكَرِ فَاقْتَضَى صِحَّتَهُ لِلسَّرِيَّةِ دُونَ الْعَسْكَرِ، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَمَالِ عَنْ السِّيَرِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا الشَّرْعُ إذْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ

[باب استيلاء الكفار]

وَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ (لَا عَسْكَرٍ جَعَلْت لَكُمْ الْكُلَّ أَوْ قَدْرًا مِنْهُ) نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ جَمِيعًا مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ نَفْلًا بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِي التَّعْمِيمِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ أَوْ إبْطَالُ الْخُمُسِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُسْتَثْنَ (لَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ هُنَا إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفَلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إذَا دَخَلَهَا الْكُفَّارُ لِلْقِتَالِ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَلِهَذَا يُورَثُ مِنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّهِمْ (وَسَلْبُهُ مَا مَعَهُ) مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَالِهِ عَلَى وَسَطِهِ (حَتَّى مَرْكَبِهِ وَمَا عَلَيْهِ) مِنْ السَّرْجِ وَإِلَّا لَهُ وَحَقِيقَتُهُ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ مَالِهِ (وَهُوَ) أَيْ السَّلَبُ (لِلْكُلِّ) أَيْ لِجَمِيعِ الْجُنْدِ (إنْ لَمْ يَنْفُلْ) الْإِمَامُ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ. (بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ) (أَهْلُ الْحَرْبِ إذَا سَبَوْا أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ دَارِنَا لَا يَمْلِكُونَهُمْ) لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كَذَا فِي وَاقِعَاتِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ (وَإِذَا سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ أَوْ بَعِيرًا نَدَّ إلَيْهِمْ أَوْ غَلَبُوا عَلَى مَالِنَا وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ مَلَكُوهُ وَلَوْ) كَانَ مَالُنَا (عَبْدًا مُؤْمِنًا) أَوْ أَمَةً مُؤْمِنَةً ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا ابْتَاعَ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ. . . إلَخْ، وَإِنَّمَا قَالَ وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِهَا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنَّا حَتَّى إذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ تَاجِرٌ شَيْئًا مِمَّا أَخَذُوهُ قَبْلَ إحْرَازِهِمْ بِهَا وَوَجَدَهُ مَالِكُهُ فِي يَدِهِ أَخَذَهُ بِلَا شَيْءٍ (لَا حُرَّنَا) الْمَحْضَ (وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا) حَتَّى لَوْ كَانَ أَهْلُ الْحَرْبِ أَخَذُوهُمْ مِنْ دَارِنَا وَأَحْرَزُوهُمْ بِدَارِهِمْ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَهُمْ لِمَالِكِهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا شَيْءٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذَا لَاقَى مَحَلًّا قَابِلًا لِلْمِلْكِ وَهُوَ الْمَالُ الْمُبَاحُ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ لِحُرِّيَّتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ (وَعَبْدَنَا) أَيْ عَبْدًا مِنْ دَارِنَا سَوَاءً كَانَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ (آبِقًا دَخَلَ إلَيْهِمْ) احْتِرَازٌ عَنْ آبِقٍ مُتَرَدِّدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ (وَإِنْ أَخَذُوهُ) إشَارَةً إلَى خِلَافِ الْإِمَامَيْنِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَخَذُوهُ وَقَيَّدُوهُ مَلَكُوهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. لَهُمَا أَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ كَمَا مَرَّ وَلَهُ أَنَّ يَدَهُ ظَهَرَتْ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا لِأَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِهِ لِيَتَحَقَّقَ يَدُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَقَدْ زَالَتْ وَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ، بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ فِيهِمَا وَهُوَ بُطْلَانُ السَّهْمَيْنِ الْمَنْصُوصَةِ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ وَزِيَادَةُ حِرْمَانِ مَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا أَصْلًا بِانْتِهَائِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَوَاشِي وَبِهِ أَيْضًا يَنْتَفِي مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَفِيهِ زِيَادَةُ إيحَاشِ الْبَاقِينَ وَزِيَادَةُ الْفِتْنَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ هُنَا إلَّا مِنْ الْخُمُسِ) ظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا غَنِمَهُ وَصَارَ بِيَدِهِ أَمَّا التَّنْفِيلُ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ دَخَلُوا دَارَنَا فَكَالْحُكْمِ حَالَ قِتَالِهِمْ بِدَارِهِمْ. اهـ. [بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ] (بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ) (قَوْلُهُ: وَإِذَا سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الْحَرْبِيُّ إذْ قَهَرَ حَرْبِيًّا إنَّمَا يَمْلِكُهُ إذَا كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَقَاوِيلُ الْمَشَايِخِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ الْقَهْرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَمْلِكُ حَرْبِيًّا آخَرَ بِالْقَهْرِ. اهـ. وَنَمْلِكُ مَا مَلَكُوهُ بِالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ الْمَأْخُوذِينَ مُوَادَعَةٌ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الظَّفَرِ فَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ) قَيْدٌ لِغَلَبْتُمْ عَلَى مَالِنَا خَاصَّةً دُونَ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَسْأَلَةَ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى أَمْوَالِنَا مُقَيَّدَةً بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ وَأَطْلَقَ غَيْرَهَا عَنْهُ (قَوْلُهُ وَمُدَبَّرَنَا) ظَاهِرٌ فِي الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهَلْ يَمْلِكُونَهُ أَوْ لَا يَمْلِكُونَهُ وَفِي تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذَا لَاقَى مَحَلًّا قَابِلًا لِلْمِلْكِ إشَارَةً إلَى مِلْكِهِمْ الْمُقَيَّدِ فَلْيُنْظَرْ حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ: فَهُمْ لِمَالِكِهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا شَيْءٍ) أَقُولُ وَيُعَوِّضُ الْإِمَامُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قِيمَتَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَعَبْدَنَا آبِقًا) هَذَا إذَا لَمْ يَرْتَدَّ فَإِنْ ارْتَدَّ وَأَبَقَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا؛ لِأَنَّهُ ذِمِّيٌّ تَبَعٌ لِمَوْلَاهُ وَفِي الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَبَقَ قَوْلَانِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمْ إذَا أَخَذُوهُ وَقَيَّدُوهُ مَلَكُوهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ) مُفِيدٌ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَأْخُذُوهُ قَهْرًا لَا يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْوِقَايَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ) أَيْ فَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا شَيْءٍ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

الْمُتَرَدِّدِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ تَمَلُّكُهُمْ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَلَكَهُ، وَلَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُهُ. (وَنَمْلِكُ بِالْغَلَبَةِ) عَلَيْهِمْ (حُرَّهُمْ وَمُدَبَّرَهُمْ وَأُمَّ وَلَدِهِمْ وَمُكَاتَبَهُمْ وَمَلِكَهُمْ) فَإِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَتِهِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِأَنْ جَعَلَهُمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ وَتَبِعَ مَالُهُمْ رِقَابَهُمْ، ثُمَّ إنَّ الْكُفَّارَ بَعْدَمَا غُلِبُوا عَلَيْنَا وَأَخَذُوا مَالَنَا إذَا غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ الْغَانِمُونَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوا مِنَّا (فَمَنْ وَجَدَ مِنَّا مَالَهُ فِي الْغَانِمِينَ أَخَذَهُ مَجَّانًا قَبْلَ قِسْمَتِنَا) الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ (وَ) أَخَذَهُ (بِالْقِيمَةِ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِهِمْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ فَخَاصَمَ فِيهَا الْمَالِكَ الْقَدِيمَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ وَجَدْتهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدْتهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتهَا بِالْقِيمَةِ إنْ شِئْت» ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ يَتَضَرَّرُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِلَا رِضَاهُ وَمَنْ وَقَعَ الْعَيْنُ فِي نَصِيبِهِ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ عِوَضًا عَنْ سَهْمِهِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقُلْنَا بِحَقِّ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا لِلضَّرَرَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْعَامَّةِ فَلَا يُصِيبُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ مَا يُبَالَى بِفَوْتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ، وَإِنَّمَا قُلْت قَبْلَ قِسْمَتِنَا لِرَدِّ مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قِيلَ فِيهِ وَإِذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَلَّتْ لِأَرْبَابِهَا أَوْ بَعْدَهَا أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءُوا، وَفِي الشَّرْحِ إذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْكُفَّارِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوهَا فَهِيَ لِأَرْبَابِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ أَنْ اقْتَسَمُوهَا أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَارُوا، فَإِنَّ حَمْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى قِسْمَةِ الْكُفَّارِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الْكُتُبِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي الْأَبْصَارِ. (وَ) أَخَذَهُ (بِالثَّمَنِ إنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ) فِي دَارِ الْحَرْبِ (تَاجِرٌ) وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا، فَإِنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ إنْ وَجَدَ مَالَهُ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ، فَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ مَلَكَهُ بِمُعَاوَضَةٍ صَحِيحَةٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِهِ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعِوَضَ بِمُقَابَلَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ مَالِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ. (وَإِنْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْنِهِ مَفْقُوءَةً) يَعْنِي إذَا أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ الْمُسْلِمُ أَرْشَهَا فَالْمَوْلَى الْقَدِيمُ أَخَذَ الْعَبْدَ بِثَمَنِ أَخْذِهِ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَلَمْ يَرِدْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْأَرْشِ وَلَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ الْعَيْنِ. (تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ) بِأَنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسَرُوهُ ثَانِيًا فَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَخْذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّ الْأَسْرَ لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِهِ بَلْ (أَخَذَ) الْمُشْتَرِي (الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ) لِوُرُودِ الْأَسْرِ عَلَى مِلْكِهِ (ثُمَّ) أَخَذَهُ (الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَامَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنَيْنِ فَلَمْ يُحَطَّ مِنْهُ شَيْءٌ صِيَانَةً لِحَقِّهِ (وَقَبْلَ أَخْذِ الْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَهَا) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ بِالْمِثْلِ لَوْ مِثْلِيًّا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمَالِكِ وَإِنْ بَاعَهُ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ لَمَا ثَبَتَ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ مِنْ الْغَازِي الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِدُونِ رِضًى (أُجِيبَ) بِأَنَّ بَقَاءَ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِحَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ، أَلَا يُرَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَالْإِعَادَةَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِدُونِ رِضَى الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي الْحَالِ وَكَذَا الشَّفِيعُ يَأْخُذُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحَقِّ الشُّفْعَةِ بِدُونِ رِضَى الْمُشْتَرِي مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ. اهـ. كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: بِقِيمَةِ مَالِهِ) أَيْ مَالِيَّةِ ذَاتِ الْمَأْخُوذِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ كَذَا لَوْ وَهَبَهُ الْعَدُوُّ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا إذْ مِلْكُهُ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. (قَوْلُهُ: فَالْمَوْلَى الْقَدِيمُ أَخَذَ الْعَبْدَ بِثَمَنٍ أَخَذَهُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِتَعَيُّبِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعْيِيبِهِ لَهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ. . . إلَخْ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ النَّظَرِ أَيْ لِلْجَانِبَيْنِ

[باب المستأمن]

مِنْ الثَّانِي (لَا) يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الثَّانِي وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ الثَّانِي غَائِبًا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَخْذُهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ حَضْرَتِهِ، وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ بِالثَّمَنَيْنِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمَّنُ لَا يَثْبُتُ مَا فِي الضِّمْنِ. (أَبَقَ عَبْدٌ بِمَتَاعٍ) فَأَخَذَهُمَا الْكُفَّارُ (فَشَرَاهُمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ أَخَذَ الْعَبْدَ مَجَّانًا) لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِمَا مَرَّ (وَغَيْرُهُ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ لِمَا مَرَّ. (ابْتَاعَ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ) فَأَبَقَ مِنْهُمْ وَخَرَجَ إلَى دَار الْإِسْلَام هَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلَ يُعْتَقُ الْعَبْدُ فِي كُلِّهَا بِلَا إعْتَاقِ إحْدَاهَا هَذِهِ، فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ يُعْتَقُ إقَامَةً لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْإِعْتَاقِ وَذَكَرَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ (أَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ وَأَدْخَلُوهُ فِيهَا) أَيْ دَارِ الْحَرْبِ (فَأَبَقَ) مِنْهُمْ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ الثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ (أَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ ثَمَّةَ وَجَاءَنَا) وَذَكَرَ الرَّابِعَةَ بِقَوْلِهِ (أَوْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ) وَذَكَرَ الْخَامِسَةَ بِقَوْلِهِ (أَوْ خَرَجَ) أَيْ الْعَبْدُ (إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ) مُسْلِمًا (عَتَقَ) الْعَبْدُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ) هُوَ مَنْ يَدْخُلُ غَيْرَ دَارِهِ بِأَمَانٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا (لَا يَتَعَرَّضُ تَاجِرُنَا ثَمَّةَ لِدَمِهِمْ وَمَالِهِمْ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَقَدْ شُرِطَ بِالِاسْتِئْمَانِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَهُ غَدْرٌ (فَمَا أَخْرَجَهُ مِلْكُهُ حَرَامًا) أَمَّا الْمِلْكُ فَلِوُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلِحُصُولِهِ بِسَبَبِ الْغَدْرِ الْحَرَامِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ عَنْهُ (إلَّا إذَا أَخَذَ مَلِكُهُمْ مَالَهُ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَا يَتَعَرَّضُ (أَوْ حَبَسَهُ هُوَ أَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ (غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ) وَلَمْ يَمْنَعْهُ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَءُوا بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالِالْتِزَامُ يَكُونُ مُقَيَّدًا بِهَذَا الشَّرْطِ، بِخِلَافِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَلَا يَكُونُ غَدْرًا، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِالْتِزَامُ (وَلَا يَسْتَبِيحُ فُرُوجَهُمْ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ الثَّانِي غَائِبًا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَخْذُهُ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَبِالْأَوَّلِ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا وَهُوَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ ثَانِيًا اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمَّنُ) أَيْ عَوْدُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَعُدْ مَا فِي الضِّمْنِ وَهُوَ حَقُّ الْأَخْذِ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: أَخَذَ الْعَبْدَ مَجَّانًا) أَيْ سَيِّدُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ أَيْضًا بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: ابْتَاعَ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا مُسْلِمًا) كَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا ذِمِّيًّا يُعْتَقُ بِإِدْخَالِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ أَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ ثَمَّةَ وَجَاءَنَا) خُرُوجُهُ مُؤْمِنًا لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إذْ لَوْ خَرَجَ كَافِرًا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ فَأَمِنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَةٍ فَأَسْلَمَ بِدَارِنَا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ وَلَمْ يَهْرُبْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِيِّ يُعْتَقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا يُعْتَقُ إذَا عَرَضَهُ مَوْلَاهُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ أُخْرَى فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ يُعْتَقُ فِيهَا الْعَبْدُ بِلَا إعْتَاقٍ وَصُورَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ وَهِيَ لَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُخَلِّهِ أَيْ قَالَ لَهُ آخِذًا بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُعْتَقُ لِصُدُورِ رُكْنِ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِهِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مَحَلِّهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ مُعْتَقٌ بِبَيَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِبَيَانِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَمَا يَزُولُ يَثْبُتُ بِاسْتِيلَاءٍ جَدِيدٍ وَهُوَ آخِذٌ لَهُ بِيَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَاءِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي. [بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ] (قَوْلُهُ: لَا يَتَعَرَّضُ تَاجِرُنَا ثَمَّةَ لِدِمَائِهِمْ) لَمْ يُنَصَّ مَتْنًا عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ بِأَمَانٍ لِمَا أَنَّ التَّاجِرَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَمَانٍ حِفْظًا لِمَالِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَتَعَرَّضُ لِأَهْلِ حَرْبٍ أَغَارُوا عَلَى الدَّارِ الَّتِي هُوَ بِهَا إلَّا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَمَّا كَانَ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ عَلَى الْهَلَاكِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِذَلِكَ أَوْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَهُوَ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ لَيْسَ قِتَالُ هَؤُلَاءِ إلَّا إعْلَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَمَا أَخْرَجَهُ مِلْكُهُ حَرَامًا) أَفَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَخَذَ مَلِكُهُمْ مَالَهُ) كَذَلِكَ لَوْ أَغَارَ أَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ فِيهِمْ الْمُسْتَأْمَنُونَ عَلَى ذَرَارِيِّ مُسْلِمِينَ فَأَسَرَهُمْ وَمَرُّوا عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ نَقْضُ الْعَهْدِ وَقِتَالُهُمْ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ فَتَقْرِيرُهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ تَقْرِيرٌ عَلَى الظُّلْمِ وَلَمْ يَضْمَنُوا لَهُمْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ كَذَا فِي الْبَحْرِ

وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ كَمَا مَرَّ (إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَا مَلَكُوهُنَّ وَلَمْ يَطَأْهُنَّ الْحَرْبِيُّ) إذْ لَوْ كَانُوا وَطِئُوهُنَّ وَوَطِئَهُنَّ الْمَالِكُ لَزِمَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ (لَا أَمَتَهُ الْمَأْسُورَةَ مُطْلَقًا) أَيْ لَا يَطَؤُهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الْحَرْبِيُّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا. (أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ) أَيْ جَعَلَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنَ مَدْيُونًا بِتَصَرُّفٍ مَا (أَوْ عُكِسَ) أَيْ أَدَانَ الْمُسْتَأْمَنُ الْحَرْبِيَّ (أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ مَالًا وَجَاءَا هَاهُنَا) وَاسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ (لَمْ يُقْضَ لِأَحَدٍ) مِنْهُمَا (بِشَيْءٍ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمَا مَرَّ (كَذَا حَرْبِيَّانِ فَعَلَا ذَلِكَ وَجَاءَا مُسْتَأْمَنَيْنِ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ جَاءَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا بِالدَّيْنِ لَا الْغَصْبِ) أَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بِالتَّرَاضِي وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ حَالَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلَمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا خُبْثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ لِيُؤْمَرَ بِالرَّدِّ. (قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (مِثْلَهُ) أَيْ مُسْتَأْمَنًا (عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَدَى) أَيْ يُعْطِي الدِّيَةَ (مِنْ مَالِهِ فِيهِمَا) أَيْ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ (وَكَفَّرَ لِلْخَطَإِ) أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] بِلَا تَقْيِيدٍ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ، وَأَمَّا تَخْصِيصُهَا بِالْخَطَإِ فَلِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِنَا لَمْ تَبْطُلْ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُقَاوِمُ الْوَاحِدَ غَالِبًا وَلَا مَنَعَةَ إلَّا بِالْإِمَامِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُوجَدَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ كَالْحَدِّ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ فَلِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تُعَلِّقُ الْعَمْدَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي الْخَطَإِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا. (وَفِي الْأَسِيرَيْنِ) إذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (كَفَّرَ فَقَطْ فِي الْخَطَإِ) أَيْ لَا يَدِي فِي الْخَطَإِ وَلَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ تَاجِرًا أَسِيرًا ثَمَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَإِ عِنْدَهُ وَقَالَا فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا مَرَّ وَلَهُ أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ وَلِهَذَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ أَصْلًا وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَخُصَّ الْخَطَأُ بِالْكَفَّارَةِ لِمَا مَرَّ (كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ) حَيْثُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ فَقَطْ. . (لَا يُمَكَّنُ حَرْبِيٌّ) دَخَلَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا هُنَا (سَنَةً وَيُقَالُ لَهُ إنْ أَقَمْت هُنَا سَنَةً أَوْ شَهْرًا نَضَعُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ، فَإِنْ رَجَعَ) إلَى دَارِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) الْقَدْرِ مِنْ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ فَجَزَاءُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ (فَهُوَ ذِمِّيٌّ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ جِزْيَةٍ لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ جَلْبِ الْحَوَائِجِ وَسَدَّ بَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُهُ إلَى التَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ سَوَاءٌ سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ زَوْجِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا مِنْ أَنَّ الْمَأْسُورَةَ تَبِينُ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: لَمْ يُقْضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُفْتَى الْمُسْلِمُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ نُصَّ فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ) ظَاهِرٌ فِي مَالِ الْحَرْبِيِّ، وَأَمَّا مَالُ الْمُسْلِمِ فَلَعَلَّهُ بِحَسْبِ اعْتِقَادِ الْحَرْبِيِّ عَدَمَ عِصْمَتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا) الْعَيْنُ جَاسُوسُ الْقَوْمِ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ

التِّجَارَةِ فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ إلَى وَطَنِهِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَقِّتَ مَا دُونَ السَّنَةِ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَإِذَا أَقَامَ تِلْكَ الْمُدَّةَ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِمَا ذُكِرَ (لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ لِأَنَّهُ خَلْفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنْقَضُ فَكَذَا خَلْفُهُ (كَذَا) أَيْ يَصِيرُ أَيْضًا ذِمِّيًّا لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ (إذَا أَقَامَ هُنَا سَنَةً قَبْلَ التَّقْدِيرِ) أَيْ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّهُ لِإِيلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ (لَكِنَّهَا) أَيْ الْجِزْيَةَ (تُوضَعُ بَعْدَ السَّنَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَيْ بَعْدَ التَّقْدِيرِ وَقَبْلَهُ (إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَخْذُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ السَّنَةِ (فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) أَيْ بَعْدَ التَّقْدِيرِ، وَيُقَالُ وَنَأْخُذُ بَعْدَ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ فَحِينَئِذٍ نَأْخُذُهَا مِنْهُ كَمَا تَمَّتْ السَّنَةُ الْأُولَى. (وَكَذَا) يَصِيرُ ذِمِّيًّا (إذَا شَرَى أَرْضًا فَوُضِعَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لَزِمَ عَلَيْهِ (جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ الْوَضْعِ) فَتَكُونُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ (أَوْ نَكَحَتْ) عَطْفٌ عَلَى شَرَى أَرْضًا أَيْ تَكُونُ الْحَرْبِيَّةُ ذِمِّيَّةً إذَا نَكَحَتْ (ذِمِّيًّا هُنَا) لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لِزَوْجِهَا (بِلَا عَكْسٍ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ فَيَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ (مُسْتَأْمَنٌ) مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ (رَجَعَ إلَيْهِمْ حِلُّ دَمِهِ) بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ. (فَإِنْ أُسِرَ) الْمُسْتَأْمَنُ (أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ (فَقُتِلَ سَقَطَ دَيْنٌ) كَانَ (لَهُ عَلَى مَعْصُومٍ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ (وَأُفِيءَ) أَيْ صَارَ فَيْئًا (وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ) أَيْ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ لِلْمُودَعِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بِهَا أَسْبَقُ فَهُوَ بِهَا أَحَقُّ (وَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنَهُ بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُبَاعُ وَيُوفَى بِثَمَنِهِ الدَّيْنُ وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِمْ فَالدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ. . (حَرْبِيٌّ هُنَا لَهُ ثَمَّةَ عُرْسٌ وَأَوْلَادٌ وَوَدِيعَةٌ مَعَ مَعْصُومٍ وَغَيْرِهِ فَأَسْلَمَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَكُلُّهُ فَيْءٌ) أَمَّا عُرْسُهُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَعَقَارُهُ فَلِمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ، وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ وَأَمْوَالُهُ لَمْ تَصِرْ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَيَبْقَى الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً، وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَاءَ دَارَ الْإِسْلَامِ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، ثُمَّ هُوَ فَيْءٌ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذُكِرَ وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي الرِّقَّ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَجَاءَ) هُنَا وَ (ظَهَرَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ) صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ، بِخِلَافِهِ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سِنِينَ قَبْلَ مَقَالِ الْإِمَامِ لَهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ فَوُضِعَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا) الْمُرَادُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ حَتَّى إذَا أَصَابَ زَرْعَهُ آفَةٌ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ) أَيْ بِمَا قُلْنَا مِنْ مُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَارَ زَوْجُهَا ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا دَخَلَا بِأَمَانٍ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ

[باب الوظائف]

(عَلَيْهِمْ فَطِفْلُهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ طِفْلُهُ لِاتِّحَادِ الدَّارَيْنِ (وَوَدِيعَتُهُ مَعَ مَعْصُومٍ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ (يَكُونُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ فَكَأَنَّهُ فِي يَدِهِ (وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَعُرْسُهُ وَعَقَارُهُ وَوَدِيعَتُهُ مَعَ حَرْبِيٍّ. (أَسْلَمَ) حَرْبِيٌّ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (وَلَهُ وَرَثَةٌ) مُسْلِمُونَ (فِيهَا فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ وَقَدْ عُلِمَ وَجْهُهُ (يَأْخُذُ الْإِمَامُ دِيَةَ مُسْلِمٍ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَ) دِيَةَ (مُسْتَأْمَنٍ أَسْلَمَ هُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (مِنْ عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ خَطَأً) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَنَاوُلُهُ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَخَذَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْأَخْذَ لَهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَصَبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ النَّظَرِ (وَيَقْتُلُ الْإِمَامُ أَوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ فِي عَمْدِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ نَظَرِيَّةٌ يَنْظُرُ فِيهِ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الدِّيَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْفَعُ مِنْ الْقَوَدِ. (وَ) لِهَذَا (لَا يَعْفُو) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْعَامَّةِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ بِلَا عِوَضٍ. . (تَتِمَّةٌ) لِهَذَا الْبَحْثِ يُبَيِّنُ فِيهَا كَوْنَ دَارِ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ وَعَكْسَهُ (دَارُ الْحَرْبِ تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا كَإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا كَافِرًا صَلَّى وَلَمْ يَتَّصِلْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ مِصْرٌ آخَرُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ (وَيُعْكَسُ) أَيْ يَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ الْحَرْبِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الشِّرْكِ فِيهَا) وَالثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَاتِّصَالِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِصْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ) وَالثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَأَنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ) ، كَذَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَعِنْدَهُمَا إذَا أَجْرَوْا فِيهَا أَحْكَامَ الشِّرْكِ صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ) سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا وَبَقِيَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا. (بَابُ الْوَظَائِفِ) جَمْعُ وَظِيفَةٍ وَهِيَ مَا يُقَدَّرُ لِلْإِنْسَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ رِزْقٍ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ قَبِيلِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ. (الْأَرَاضِي الْعَشْرِيَّةُ أَرْضُ الْعَرَبِ) وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ طُولًا، وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمَا بَيْنَ يَبْرِينَ وَرُمَلٍ عَالِجٍ إلَى حَدِّ الشَّامِ (وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ طَوْعًا) فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَبْدَأُ بِالْخَرَاجِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الذُّلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْجِزْيَةِ وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ (أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغُزَاةِ) وَلَوْ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا يَجُوزُ إنْ كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ (وَالْبَصْرَةِ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهَا عَشْرِيَّةٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِيِ الْعِرَاقِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِهِمْ (وَبُسْتَانُ مُسْلِمٍ أَوْ كَرْمٌ لَهُ كَانَ دَارِهِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ إذْ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْخَارِجِ. (وَ) الْأَرَاضِي (الْخَرَاجِيَّةُ سَوَادُ الْعِرَاقِ) أَيْ عِرَاقِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةَ حُلْوَانَ عَرْضًا وَمِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَغَيْرُهُ فَيْءٌ) شَامِلٌ لِمَا غَصَبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ ثَمَّةَ. . . إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ سَابِقًا كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ أَوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ فِي عَمْدِهِ) يَعْنِي بِرِضَى الْقَاتِلِ وَهَلْ إذَا طَلَبَ الْإِمَامُ الدِّيَةَ يَنْقَلِبُ الْقِصَاصُ مَالًا كَمَا فِي الْوَلِيِّ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: تَتِمَّةٌ لِهَذَا الْبَحْثِ. . . إلَخْ) مِنْ الْكَافِي وَفُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَسُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ الْمِلْحِ أَمِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْإِسْلَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَارِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا قَهْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ. اهـ. [بَابُ الْوَظَائِفِ] (قَوْلُهُ: الْعُذَيْبُ هِيَ) قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسَنَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ. (قَوْلُهُ: حَجَرٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَاحِدُ الْأَحْجَارِ وَمَهْرَةُ بِالْيَمَنِ مُسَمَّاةٌ بِمَهْرَةَ ابْنِ حَيْدَانَ أَبُو قَبِيلَةٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمَا بَيْنَ يَبْرِينَ وَرُمَلٍ عَالِجٍ إلَى حَدِّ الشَّامِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ حَدُّهَا عَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا فِي السَّاحِلِ إلَى حَدِّ الشَّامِ. اهـ. وَحَدُّ الشَّامِ مُنْقَطِعُ السَّمَاوَةِ فَجُمْلَةُ أَرْضُ الْعَرَبِ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ الْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ أَيْ الْبَادِيَةِ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ يَجُوزُ. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ إذَا قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظَّفُ إلَّا الْعُشْرُ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ (قَوْلُهُ وَبُسْتَانُ مُسْلِمٍ أَوْ كَرْمٌ لَهُ كَانَ دَارِهِ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُشْرِ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ وَإِنْ كَانَ تَقْيِيدُهُ يُعْلَمُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: الْعُذَيْبُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَاءٌ لِتَمِيمٍ وَحُلْوَانَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُ بَلَدٍ وَالْعَلْثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ عَلَى شَرْقِيِّ دِجْلَةَ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ وَعَبَّادَانُ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ

[أنواع الخراج]

الثَّعْلَبِيَّةِ وَيُقَالُ مِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ طُولًا (وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ صَالَحَهُمْ) الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجِ أَلْيَقُ بِهِ (أَوْ أَجَلَاهُمْ) الْإِمَامُ مِنْ أَرْضِهِمْ (وَنَقَلَ إلَيْهَا قَوْمًا آخَرِينَ) يَعْنِي كُفَّارًا لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا يُوضَعُ عَلَى الْقَوْمِ الْمَنْقُولِينَ إذَا كَانُوا كُفَّارًا، وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ عَلَيْهِمْ الْعُشْرُ (وَمَوَاتٌ) عَطْفٌ عَلَى مَا فُتِحَ عَنْوَةً (أَحْيَاهُ الذِّمِّيُّ بِالْإِذْنِ) أَيْ إذْنِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا خَرَاجِيٌّ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَضْعِ عَلَى الْكَافِرِ (أَوْ رَضْخٌ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا قَاتَلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) أَهْلَ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا خَرَاجِيٌّ لِمَا مَرَّ (وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ) فَإِنْ قَرُبَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجِيٌّ أَوْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيٌّ. (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ (إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ إلَّا أَرْضَ كَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ) حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ (وَإِنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ مُتَعَلِّقَانِ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: مُرَادُهُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ يُسْقَى؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ فِيمَا إذَا مَلَكَ عُشْرِيَّةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ اهـ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ فَقَالَ (مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ بِئْرٍ وَعَيْنٍ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ عُشْرِيٌّ وَمَاءُ أَنْهَارٍ حَفَرَهَا الْعَجَمُ وَ) مَاءُ (بِئْرٍ وَعَيْنٍ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ خَرَاجِيٌّ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ سَقَاهُ مَرَّةً بِمَاءِ الْعُشْرِ وَمَرَّةً بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ وَالْكَافِرُ بِالْخَرَاجِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (كَذَا) أَيْ خَرَاجِيٌّ (سَيْحُونُ) نَهْرُ خُجَنْدَةَ (وَجَيْحُونُ) نَهْرُ تِرْمِذَ (وَدِجْلَةَ) نَهْرُ بَغْدَادَ (وَالْفُرَاتُ) نَهْرُ الْكُوفَةِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعُشْرِيٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) . (وَهُوَ) أَيْ الْخَرَاجُ (نَوْعَانِ) أَحَدُهُمَا (خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ بَعْضَ الْخَارِجِ كَالْخُمُسِ وَنَحْوِهِ وَ) الثَّانِي (خَرَاجُ وَظِيفَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ كَمَا وَضَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِكُلِّ جَرِيبٍ) وَهُوَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ بِذِرَاعِ كِسْرَى وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ وَذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ وَأُصْبُعٌ قَائِمَةٌ وَعِنْدَ الْحِسَابِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مَضْمُومَةٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ جَرِيبُ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي غَيْرِهِمْ يُعْتَبَرُ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ (يَبْلُغُهُ الْمَاءُ) صِفَةُ جَرِيبٍ (صَاعًا) مَفْعُولُ وَضَعَ (مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَدِرْهَمًا) عَطْفٌ عَلَى صَاعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) خُصَّ مِنْهُ مَكَّةَ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افْتَتَحَهَا عَنْوَةً وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا وَلَمْ يُوَظِّفْ الْخَرَاجَ. اهـ. وَوَضَعَ عُمَرُ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ الْمَأْخُوذُ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ إنَّمَا هُوَ بَدَلُ إجَارَةٍ لَا خَرَاجٍ أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَرَاضِيَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ وَهَذَا بَعْدَمَا قُلْنَا إنَّ أَرْضَ مِصْرَ خَرَاجِيَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافِ وَرَثَةٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَلِصَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ مُفِيدَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ أَجْلَاهُمْ الْإِمَامُ مِنْ أَرَاضِيِهِمْ) أَيْ قَبْلَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ بَعْدَهُ بِعُذْرٍ. قَالَ فِي الْكَافِي نَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ أَرَاضِيِهِمْ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى صَحَّ بِعُذْرٍ لَا بِدُونِهِ وَالْعُذْرُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ يُخَافُ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بِأَنْ يُخْبِرُوهُمْ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ قِيمَةُ أَرَاضِيِهَا أَوْ مِثْلُهَا مِسَاحَةً مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى وَعَلَيْهِمْ خَرَاجُ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي انْتَقِلُوا إلَيْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ خَرَاجُ الْمَنْقُولِ عَنْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ عَلَيْهِمْ الْعُشْرُ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَأَرَاضِيُهُمْ أَيْ الَّتِي انْتَقَلُوا عَنْهَا خَرَاجِيَّةٌ فَلَوْ تَوَطَّنَهَا مُسْلِمٌ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْخَرَاجِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ فَإِنْ أَحْيَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ. . . إلَخْ) فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْحَيِّزَ ثَمَّةَ وَهُنَا اعْتَبَرَ الْمَاءَ وَعَلِمْت أَنَّ ذَاكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا أَيْ اعْتِبَارُ الْمَاءِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ) تَتِمَّتُهُ أَوْ الْعُشْرَانِ كَمَا هُوَ نَصُّ الزَّيْلَعِيِّ. [أَنْوَاع الخراج] (قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ) حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُشْرِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ لَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى إذَا عَطَّلَ الْأَرْضَ مِنْ التَّمَكُّنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْعُشْرِ وَيُوضَعُ ذَلِكَ فِي الْخَرَاجِ أَيْ يُصْرَفُ مَصْرِفَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْخُمُسِ وَنَحْوِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ الْخُمُسِ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ) أَيْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي إعْطَاءِ الصَّاعِ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ الْبُرِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. اهـ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَدِرْهَمًا) أَيْ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ مَعْنَاهُ يَكُونُ الدِّرْهَمُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ

(وَلِجَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلِجَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ مُتَّصِلَةً ضِعْفُهَا وَلِمَا سِوَاهُ كَزَعْفَرَانٍ وَبُسْتَانٍ) وَهُوَ أَرْضٌ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ وَأَعْنَابٌ وَيُمْكِنُ زِرَاعَةُ مَا بَيْنَ الْأَشْجَارِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُلْتَفَّةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا فَهِيَ كَرْمٌ (مَا يُطِيقُ) إذْ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ فِي ذَلِكَ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ قَالُوا (وَنِصْفُ الْخَارِجِ غَايَةُ الطَّاقَةِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ التَّنْصِيفَ غَايَةُ الْإِنْصَافِ (وَنَقْصٌ إنْ لَمْ تُطَقْ وَظِيفَتُهَا) بِالْإِجْمَاعِ (وَلَا يُزَادُ إنْ أَطَاقَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (وَيُزَادُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ خَرَاجَ التَّوْظِيفِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَاتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ فِيهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا وَالتَّقْدِيرُ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ لِئَلَّا يَخْلُوَ التَّقْدِيرُ عَنْ الْفَائِدَةِ. (وَلَا خَرَاجَ لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ أَرْضِهِ أَوْ غَلَبَ) لِانْتِفَاءِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ الْمُعْتَبَرِ فِي الْخَرَاجِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ (أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ إذَا هَلَكَ بَطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَقَالُوا إنَّمَا يَسْقُطُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ ثَانِيًا، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ فَلَا يَسْقُطُ. (وَيَجِبُ) الْخَرَاجُ (إنْ عَطَّلَهَا) أَيْ الْأَرْضَ (مَالِكُهَا) لِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ فَوَّتَهُ (وَيَبْقَى) الْخَرَاجُ (إنْ أَسْلَمَ الْمَالِكُ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَتُهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ (أَوْ شَرَاهَا) مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ (مُسْلِمٌ) لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا. (وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِهِ) أَيْ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُجْمَعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ» وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً. (وَيَتَكَرَّرُ الْعُشْرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ) ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرًا إلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ الْخَارِجِ (لَا الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ) ، فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْخَرَاجُ بِالْمُوَظَّفِ؛ لِأَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ. . (يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ وَأَرَاضِيِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ لَوْ) كَانَتْ (عُشْرِيَّةً وَالْخَرَاجُ لَوْ) كَانَتْ (خَرَاجِيَّةً) لِأَنَّ سَبَبَ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَسَبَبَ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالتَّمَكُّنِ وَلَا عِبْرَةَ بِالصَّاحِبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيرَاطًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِجَرِيبِ الرَّطْبَةِ) بِالْفَتْحِ وَالْجَمْعُ الرِّطَابُ وَهِيَ الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَاذِنْجَان وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ مِثْلُ الْكُرَّاثِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُزَادُ إنْ أَطَاقَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَيُزَادُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي الْأَرَاضِيُ الَّتِي صَدَرَ التَّوْظِيفُ فِيهَا مِنْ عُمَرَ أَوْ مِنْ إمَامٍ بِمِثْلِ وَظِيفَةِ عُمَرَ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إجْمَاعًا، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَوْظِيفَ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضٍ ابْتِدَاءً وَزَادَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا خَرَاجَ لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ أَرْضِهِ أَوْ غَلَبَ) كَذَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ (قَوْلُهُ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ) أَيْ سَمَاوِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَالْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْخَرَاجِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي ذَهَابِ كُلِّ الزَّرْعِ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ بَعْضُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مِقْدَارِ الْخَرَاجِ يَجِبُ نِصْفُهُ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ أَوَّلًا إلَى مَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُنْظَرَ إلَى الْخَارِجِ فَيَجِبَ مَا أَنْفَقَ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا بَيَّنَّا. اهـ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْآفَةُ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَأَكْلِ الْقِرَدَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْأَفْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَلَاكَ الْخَارِجِ قَبْلَ الْحَصَادِ يُسْقِطُ الْخَرَاجَ، وَأَمَّا إذَا أَصَابَ زَرْعَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ فَمَا وَجَبَ مِنْ الْأَجْرِ قَبْلَ الِاصْطِلَامِ لَا يَسْقُطُ وَمَا وَجَبَ بَعْدَ الِاصْطِلَامِ يَسْقُطُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْخَرَاجُ إذَا عَطَّلَهَا أَيْ الْأَرْضَ مَالِكُهَا) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ مُوَظَّفًا أَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ. اهـ. وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ إذَا مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِصْرَ الْآنَ لَيْسَتْ خَرَاجِيَّةً بَلْ بِالْأُجْرَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لَمْ يَزْرَعْ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَأْجِرًا وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا فَمَا يَفْعَلُهُ الظُّلْمَةُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ حَرَامٌ خُصُوصًا إذَا أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَيَبْقَى الْخَرَاجُ إنْ أَسْلَمَ الْمَالِكُ) ذِكْرُهُ هُنَا كَغَيْرِهِ مِثْلَ الْهِدَايَةِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُشْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِهِ) كَذَا لَا زَكَاةَ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ وَلَا يَجْتَمِعُ حَدٌّ وَعَقْرٌ وَجَلْدٌ وَنَفْيٌ وَجَلْدٌ وَرَجْمٌ وَزَكَاةُ تِجَارَةٍ وَصَدَقَةُ فِطْرٍ وَقَطْعٌ وَضَمَانٌ وَتَيَمُّمٌ وَوُضُوءٌ وَحَبَلٌ وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةِ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَاةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَقَفَهَا مُشْتَرِيهَا لَا عُشْرَ فِيهَا وَلَا خَرَاجَ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَفْرَدَهُ بِرِسَالَةٍ. .

[فصل في الجزية]

(فَصْلٌ فِي) (الْجِزْيَةِ) وَهِيَ نَوْعَانِ جِزْيَةٌ وُضِعَتْ بِالصُّلْحِ وَالتَّرَاضِي فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ وَجِزْيَةٌ يَضَعُهَا الْإِمَامُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ (مَا وُضِعَ) مِنْ الْجِزْيَةِ (بِالصُّلْحِ لَا يُقَدَّرُ) أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ تَقْدِيرٌ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ كُلُّ مَا يَقَعُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ (وَلَا يُغَيَّرُ) بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ (وَمَا وُضِعَ بَعْدَمَا غُلِبُوا وَأُقِرُّوا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ يَكُونُ أَمْلَاكًا لَهُمْ بَعْدَمَا أَقَرُّوا عَلَيْهَا (يُقَدَّرُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ ظَهَرَ غِنَاهُ) بِأَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، وَاللَّامُ فِي (لِكُلِّ سَنَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُقَدَّرُ وَقَوْلُهُ (ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) فَاعِلُ يُقَدَّرُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَزْنَ سَبْعَةٍ. (وَ) يُقَدَّرُ (عَلَى مُتَوَسِّطِ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ آلَافٍ نِصْفُهَا) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ (وَعَلَى فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ الْمِائَتَيْنِ، وَ) لَكِنْ (يَكْسِبُ) أَيْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَسْبِ (رُبْعَهَا) أَيْ اثْنَيْ عَشَرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ (لَا) عَلَى (وَثَنِيٍّ عَرَبِيٍّ) فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَعُرْسُهُ وَطِفْلُهُ فَيْءٌ (وَلَا) عَلَى (مُرْتَدٍّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ) ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ أَمَّا وَثَنِيُّ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ (وَلَا) عَلَى (رَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ) وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ (وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَمَمْلُوكٍ وَأَعْمَى وَزَمِنٍ وَفَقِيرٍ لَا يَكْتَسِبُ) . (وَتَسْقُطُ) الْجِزْيَةُ (بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ) ؛ لِأَنَّ شَرْعَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ] [أَنْوَاع الْجِزْيَةَ] (فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ) الْجِزْيَةُ اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَمْعُ جِزًى كَاللِّحْيَةِ وَلِحًى لِأَنَّهَا تَجْزِي عَنْ الْقَتْلِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَأُقِرُّوا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ) مِنْ أَرْضٍ وَعَقَارٍ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يَبْقَى لَهُمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرُ مَا يَتَأَتَّى لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ وَعَدَمُ جَوَازِ الْمَنِّ بِهِ لِأَنَّهُ لِمَنْ نَصَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41] . . . إلَخْ فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ. (قَوْلُهُ: عَلَى كِتَابِيٍّ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: ظَهَرَ غِنَاهُ. . . إلَخْ) هَذَا مَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ. اهـ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إلَى حَالِ أَهْلِهِ وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي ذَلِكَ وَيَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ وَتُقَسَّطُ عَلَى الْأَشْهُرِ تَخْفِيفًا وَلِيُمْكِنَهُ الْأَدَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى وَثَنِيٍّ عَرَبِيٍّ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَعُرْسُهُ وَطِفْلُهُ فَيْءٌ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَرِقُّ ذَرَارِيَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ» وَأَبُو بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ. اهـ. وَإِذَا ظَهَرَ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ إلَّا أَنَّ ذَرَارِيَّ الْمُرْتَدِّينَ وَنِسَاءَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ. . . إلَخْ) اُسْتُدِلَّ لَهُ فِي الِاخْتِيَارِ «بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ رِقٌّ لَكَانَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ» اهـ. (قُلْت) فَيُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ الرَّجُلُ الْبَالِغُ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِرْقَاقِ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَذَرَارِيِّهِمْ. اهـ. . وَفِي الْعِنَايَةِ وَتُرِكَ الْقِيَاسُ فِي الْكِتَابِيِّ الْعَرَبِيِّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الْآيَةِ وَلَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ رِقٌّ الْحَدِيثَ. (قَوْلُهُ: أَمَّا وَثَنِيُّ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ) هُوَ وَإِنْ شَمِلَ الْكِتَابِيَّ فَقَدْ خُصَّ بِالْكِتَابِيِّ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَالْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ يُنْحَتُ وَالْجَمْعُ أَوْثَانٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ،. وَفِي السِّرَاجِ الْوَثَنُ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ اسْمٌ لِمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ فِيهِ وَلَا صُورَةَ تُعْبَدُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ) جَزَمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ وَلَا عَلَى الرُّهْبَانِ الْمُعْتَزِلِينَ وَالْمُرَادُ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ السَّيَّاحِينَ وَنَحْوِهِمْ أَمَّا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ انْعَزَلُوا وَتَرَكُوا الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ فَصَارُوا كَالْمُعْتَمِلِينَ إذَا تَرَكُوا الْعَمَلَ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَزَمِنٍ) الزَّمَانَةُ عَدَمُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ تَعْطِيلُ قُوَاهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفَقِيرٍ لَا يَكْتَسِبُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ. اهـ. فَإِذَا تَرَكَ الْعَمَلَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَغَيْرُ مُطِيقِ الْعَمَلِ مُعْتَبَرٌ بِالْأَرْضِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ اعْتِبَارًا لِخَرَاجِ الرُّءُوسِ بِخَرَاجِ الْأَرْضِ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. [مَا تَسْقُط بِهِ الْجِزْيَةَ] (قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ) كَذَا تَسْقُطُ إذَا عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ أُقْعِدَ أَوْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ افْتَقَرَ

يَكُونُ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِهِمَا. (وَتَتَدَاخَلُ) الْجِزْيَةُ (بِالتَّكْرَارِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَسْقُطُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لَا يُحْدِثُ بَيْعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَبَيْتَ نَارٍ) يُقَالُ: كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمُتَعَبَّدِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبَيْعَةُ مُطْلَقًا فِي الْأَصْلِ، وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالْبَيْعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالصَّوْمَعَةُ الْمُتَخَلَّى فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعَةِ، بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعُ السُّكْنَى (هَاهُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَلَهُمْ إعَادَةُ الْمُنْهَدِمِ) أَيْ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى قَدْرِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ بَلْ مِنْ نَقْلِهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ. (الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا) أَيْ أَرَادَ شِرَاءَهَا (فِي الْمِصْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ مِنْهُ فَلَوْ اشْتَرَى يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ) وَقِيلَ يَجُوزُ الشِّرَاءُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا إذَا كَثُرَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ يُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ فِي زِيِّهِ وَمَرْكَبِهِ وَسَرْجِهِ وَسِلَاحِهِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ (وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجَ) هُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الشَّعْرِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ عَلَى وَسَطِهِ وَهُوَ غَيْرُ الزُّنَّارِ، فَإِنَّهُ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ (وَيَرْكَبُ عَلَى سَرْجٍ كَإِكَافٍ وَمُيِّزَتْ نِسَاؤُهُمْ فِي الطُّرُقِ وَالْحَمَّامِ وَيُعَلَّمُ عَلَى دُورِهِمْ لِئَلَّا يُسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَنُقِضَ عَهْدُهُ) حَتَّى اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ (إنْ غَلَبَ عَلَى مَوْضِعٍ لِحَرْبِنَا أَوْ لَحِقَ بِدَارِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُعَرَّى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحَرْبِ (وَصَارَ كَمُرْتَدٍّ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِلِحَاقَةِ لَكِنْ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ) لِمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فَيُسْلِمَ (لَا) أَيْ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ. (إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْجِزْيَةِ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قَالَ الشَّافِعِيُّ سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُضُ الْعَهْدَ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ خَلْفٌ عَنْ الْإِيمَانِ فِي إفَادَةِ الْأَمَانِ فَمَا يَنْقُضُ الْأَصْلَ الْأَقْوَى يَنْقُضُ الْخَلْفَ الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَنَا أَنَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا لَا أَدَاؤُهَا وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ فَسَقَطَ الْقِتَالُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْجِزْيَةِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ أَدَائِهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُعْطِي الْجِزْيَةَ بَعْدَ هَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنَافِي بَقَاءَ الِالْتِزَامِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالِامْتِنَاعِ تَأْخِيرُهَا وَالتَّعَلُّلُ فِي أَدَائِهَا وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ وَسَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُ عُقْدَةَ الذِّمَّةِ فَالطَّارِئُ كَيْفَ يَرْفَعُهُ مَعَ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَأَيْضًا «قَالَ يَهُودِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّامُّ عَلَيْك فَقَالَ أَصْحَابُهُ نَقْتُلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ هَذَا إذَا سَبَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا إذَا سَبَّهُ أَوْ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - مُسْلِمٌ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالزِّنْدِيقِ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ خِلَافٌ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَلَا فَرْقَ فِي الْمُسْقَطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَتَسْقُطُ جِزْيَةُ سَنَةٍ مَرِضَ نِصْفَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَتَتَدَاخَلُ بِالتَّكْرَارِ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى التَّكْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ سَقَطَتْ جِزْيَةُ السَّنَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَهَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَلَى الْأَشْهَرِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قُيِّدَ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ وَالْأُجْرَةَ وَالْخَرَاجَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ الْخَرَاجِ بِالتَّدَاخُلِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْعُشْرِ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) لَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي قَائِمًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ لَهُ أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ أَوْ يَقُولُ لَهُ: يَا يَهُودِيُّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ. كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يُقَالُ لَهُ: يَا كَافِرُ. وَيَأْثَمُ الْقَائِلُ إذَا آذَاهُ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُصْفَعُ فِي عُنُقِهِ حِينَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَا تُحْدِثُ بَيْعَةً وَكَنِيسَةً وَبَيْتَ نَارٍ هُنَا أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ فَشَمِلَ الْقُرَى كَالْأَمْصَارِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: الذِّمِّيُّ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ سُكْنَاهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ فِي الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهَذَا فِي غَيْرِ أَرْضِ الْعَرَبِ لَمَّا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ يُمْنَعُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ سَكَنًا وَوَطَنًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ» وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْفَوَاحِشِ وَالرِّبَا وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ وَالْغِنَاءِ وَكُلِّ لَهْوٍ مُحَرَّمٍ فِي دِينِهِمْ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَبَائِرُ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَإِنْ حَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ لَا يُخْرِجُونَ فِيهِ صُلْبَانَهُمْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرْكَبُ عَلَى سَرْجٍ كَإِكَافٍ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ مُطْلَقًا وَإِنْ رَكِبَ لِضَرُورَةٍ نَزَلَ فِي الْمَجَامِعِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. (قَوْلُهُ: لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْجِزْيَةِ) كَذَا لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ بِالْقَوْلِ، بِخِلَافِ أَمَانِ الْحَرْبِيِّ

كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَكَحَدِّ الْقَذْفِ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ تَابَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَرٌ وَالْبَشَرُ جِنْسٌ تَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ إلَّا مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْبَارِي تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَايِبِ وَبِخِلَافِ الِارْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُرْتَدُّ وَلِكَوْنِهِ حَقَّ الْغَيْرِ قُلْنَا إذَا شَتَمَهُ سَكْرَانُ لَا يُعْفَى وَيُقْتَلُ أَيْضًا حَدًّا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ الْمَالِكِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ إنْ شَاتَمَهُ كَافِرٌ وَحُكْمُهُ الْقَتْلُ وَمَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكَفَّرَهُ كَفَرَ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ. (يُؤْخَذُ مِنْ بَالِغِي تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلِبِيَّةٍ ضِعْفُ زَكَاتِنَا) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَطْفَالِهِمْ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَطْفَالِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، فَإِنَّهَا أَهْلُ الْوُجُوبِ. (وَ) يُؤْخَذُ (مِنْ مَوْلَاهُ الْجِزْيَةُ) لِنَفْسِهِ (وَالْخَرَاجُ) لِأَرْضِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّدَقَةِ فَيُجْعَلُ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ كَالْهَاشِمِيِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ ثَبَتَتْ بِالشُّبُهَاتِ. (وَهُمَا) أَيْ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ (وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا حَرْبٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ ثَغْرٍ وَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ) وَهِيَ مَا يَكُونُ مَرْكَبًا (وَجِسْرٍ) وَهُوَ خِلَافُهُمَا مِثْلَ أَنْ يَشُدَّ السُّفُنَ (وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ) وَ (مَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ مِنْ الْعَطَاءِ) ، فَإِنَّهُ صِلَةٌ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ ذُكِرَ فِي الْعُمْدَةِ إمَامُ الْمَسْجِدِ إذَا رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ غَلَّةُ بَعْضِ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَقْتَ الْحَصَادِ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَحِقُّ فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتُ الْقَاضِي فِي خِلَالِ السَّنَةِ. وَفِي فَوَائِدِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ طَاهِرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرَاضِي الْوَقْفِ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ يُصْرَفُ إلَيْهِ غَلَّتُهَا وَقْتَ الْإِدْرَاكِ فَأَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ وَذَهَبَ عَنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الْقَاضِي وَأَخْذِ الرِّزْقِ وَيَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَكْلُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَدَارِسِ وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا وَقْفٌ وَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَطْفَالِهِمْ كَذَا فُقَرَاؤُهُمْ) أَيْ بَنِي تَغْلِبَ لِصُلْحِهِمْ عَلَى ضَعْفِ زَكَاتِنَا وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَهُمَا أَيْ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ. . . إلَخْ) بَيَانُ الْمَصْرِفِ أَحَدُ بُيُوتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لِكُلٍّ خِزَانَةٌ وَمَصْرِفٌ: الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. الثَّانِي: الرِّكَازُ وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهُمَا مَنْ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. الثَّالِثُ: خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ. الرَّابِعُ: اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَةُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهُ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطَى مِنْهُ نَفَقَتُهُمْ وَأَدْوِيَتُهُمْ وَكَفَنُهُمْ وَعَقْلُ جِنَايَتِهِمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ وَيَسْتَقْرِضُ مِنْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا حَصَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ خُمُسِ الْغَنَائِمِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكَادَ يَهْلِكُ فَيُعْطِيَهُ الْإِمَامُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ. اهـ. وَكَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. (تَنْبِيهٌ) عِمَارَةُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَنَفَقَتُهَا مِنْ جُمْلَةِ مَصْرِفِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ بُيُوتِ الْمَالِ وَهُوَ مَالُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ بِحَقٍّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ لِتَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ مُعْظَمِهَا عِمَارَةُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجُوزُ صَرْفُ الْخَرَاجِ إلَى نَفَقَةِ الْكَعْبَةِ. اهـ. وَقَدْ أَفْرَدْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا إسْعَادُ آلِ عُثْمَانَ الْمُكَرَّمِ بِبِنَاءِ بَيْتِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ. (قَوْلُهُ: وَذَرَارِيِّهِمْ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ كَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا مِسْكِينٍ فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ. وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُوهِمُ التَّخْصِيصَ كَشَرْحِ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ وَذَرَارِيِّهِمْ أَيْ ذَرَارِيِّ الْمُقَاتِلَةِ. اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَوْتِ الْقَاضِي فِي خِلَالِ السَّنَةِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اسْتَوْفَى

[باب المرتد]

يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَقِيلَ: لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ. (بَابُ الْمُرْتَدِّ) (مَنْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَكُشِفَ شُبْهَتُهُ وَحُبِسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ اُسْتُمْهِلَ وَقِيلَ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسْتَمْهَلْ (فَإِنْ تَابَ بِالتَّبَرِّي عَنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ) فَبِهَا وَنِعْمَتْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ (قُتِلَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا. (وَيُكْرَهُ) أَيْ قَتْلُهُ (قَبْلَ الْعَرْضِ) مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هَاهُنَا تَرْكُ النَّدْبِ (بِلَا ضَمَانٍ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَى غَيْرُ لَازِمٍ (وَلَا يُسْتَرَقُّ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ) إذْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] وَكَذَا الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ لِلتَّوَسُّلِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَاسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدِّ لَا يَقَعُ وَسِيلَةً لِمَا مَرَّ (بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ) إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ إذْ لَمْ يُشْرَعْ قَتْلُهَا وَلَا يَجُوزُ إبْقَاءُ الْكَافِرِ عَلَى الْكُفْرِ إلَّا مَعَ الْجِزْيَةِ أَوْ الرِّقِّ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسْوَانِ فَكَانَ إبْقَاؤُهَا عَلَى الْكُفْرِ مَعَ الرِّقِّ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ إبْقَائِهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ (الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (فَلَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ أَوْ عُكِسَ تُرِكَ) عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ. (رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا طَلَاقَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رِدَّةُ الزَّوْجِ طَلَاقٌ قِيَاسًا عَلَى إبَاءِ الزَّوْجِ. (وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ مَالِهِ مَوْقُوفًا، فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِزْقَ سَنَةٍ وَعُزِلَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ. اهـ. أَيْ رَدُّ رِزْقِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي. اهـ. فَعَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ إذَا مَاتَ مَا بَقِيَ بِعَيْنِهِ مِنْ الرِّزْقِ لِبَاقِي السَّنَةِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ) جُزِمَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ، بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. [بَابُ الْمُرْتَدِّ] (قَوْلُهُ: عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ) هُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَحُبِسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ اسْتَمْهَلَ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ وَلَا يَجُوزُ الْإِمْهَالُ بِدُونِ الِاسْتِمْهَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَمْهِلْ قُتِلَ مِنْ سَاعَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرْجُو إسْلَامَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مُطْلَقًا) أَيْ قِيلَ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ الْإِمْهَالُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْهِلْ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا اسْتَمْهَلَ فَظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ وُجُوبُ إمْهَالِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا طَلَبَ التَّأْجِيلَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُمْهِلَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ الِاسْتِحْبَابُ مُطْلَقًا، كَذَا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالْمُرْتَدِّ ثَانِيًا إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ التَّوْبَةِ، وَيَرَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَإِنْ عَادَ فَعَلَ بِهِ هَكَذَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَابَ بِالتَّبَرِّي. . . إلَخْ) أَيْ مَعَ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ سُئِلَ أَبِي يُوسُفَ كَيْفَ يُسْلِمُ فَقَالَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه وَيُقِرَّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الَّذِي انْتَحَلَهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصُرِّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ التَّبَرِّي بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. (تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ مَا لَمْ تَكُنْ رِدَّتُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ أَوْ بُغْضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ بِهِ قُتِلَ حَدًّا وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ سَوَاءٌ جَاءَ تَائِبًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ فِيهَا تَوْبَةٌ لَكِنَّهُ يُجَدِّدُ نِكَاحَهُ إنْ شُهِدَ عَلَيْهِ مَعَ إنْكَارِهِ وَكَذَا يُقْتَلُ حَدًّا بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الطَّعْنِ فِيهِمَا وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ) يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا قُتِلَ وَلَا يُسْتَرَقُّ وَالْمُصَنِّفُ قَصَرَهُ عَلَى الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ مَتْنًا لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ وَتُحْبَسُ وَكَانَ يُغْنِيهِ هَذَا عَنْ بَعْضِهِ. (قَوْلُهُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئْ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَهَبَهَا لَهُ إذَا كَانَ مُصْرِفًا لِأَنَّهَا صَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ فَيَمْلِكُهَا وَيَتَوَلَّى حِينَئِذٍ حَبْسَهَا وَجَبْرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرْتَدُّ ضَرَرُ قَصْدِهَا عَلَيْهَا، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَسْخٌ) سَيَذْكُرُهُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَالصَّفَّارُ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ لَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى، كَذَا فِي الْفَتْحِ.

لَحِقَ بِدَارِهِهِمْ وَحُكِمَ بِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَحَلَّ دَيْنٌ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ يَصِيرُ حَالًّا بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ (وَكَسْبُ إسْلَامِهِ لِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ) فَإِنْ قِيلَ: الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ فَكَيْفَ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ قُلْنَا: إنَّ مِلْكَهُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ لَمَّا عَرَفْت أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَيَنْتَقِلُ كَسْبُهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَى وَارِثِهِ لِإِمْكَانِ اسْتِنَادِهِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِنَادِ وُجُودُ الْكَسْبِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ (وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ، وَقُضِيَ دَيْنُ كُلِّ حَالٍّ مِنْ كَسْبِهَا) أَيْ دَيْنُ حَالِّ الْإِسْلَامِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ حَالِّهِ وَدَيْنُ حَالِّ الرِّدَّةِ مِنْ كَسْبِ حَالِّهَا. (وَصَحَّ طَلَاقُهُ) ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَمَّا انْفَسَخَ بِالرِّدَّةِ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً، فَإِنْ طَلَّقَهَا يَقَعُ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّا مَعًا فَطَلَّقَهَا فَأَسْلَمَا مَعًا، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَنْفَسِخْ فَيَقَعْ الطَّلَاقُ (وَ) صَحَّ (اسْتِيلَادُهُ) ، فَإِنَّ أَمَتَهُ إذَا وَلَدَتْ فَادَّعَى ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مَعَ وَرَثَتِهِ وَتَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ (لَا ذَبْحُهُ) إذْ لَا دِينَ لَهُ (وَتُوقَفُ مُفَاوَضَتُهُ) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الدِّينِ وَلَا دِينَ لَهُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ (وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَكِتَابَتُهُ وَوَصِيَّتُهُ) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ الْمُقَرَّرَ (إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ هَلَكَ) أَيْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ (أَوْ لَحِقَ) بِدَارِ الْحَرْبِ (وَحُكِمَ بِهِ) أَيْ بِلُحُوقِهِ (بَطَلَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ (فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ) حَتَّى لَا يُعْتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ الْوَارِثُ مَا أَتْلَفَهُ، فَإِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي شَرْطٌ لِبُطْلَانِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ مَيِّتًا بِاللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إذْ الشَّافِعِيُّ مُخَالِفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ لِيَتَأَكَّدَ بِهِ (وَإِنْ جَاءَ) أَيْ مُسْلِمًا (بَعْدَهُ وَمَالُهُ مَعَ وَارِثِهِ أَخَذَهُ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ لِكَوْنِهِ كَالْمَيِّتِ وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ (وَإِنْ أَزَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَأْخُذُهُ) أَيْ قِيمَتَهُ إذْ لَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُبَاحٍ. (وَيَقْضِي عِبَادَاتٍ تَرَكَهَا فِي الْإِسْلَامِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ. ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (وَمَا أَدَّى مِنْهَا) أَيْ الْعِبَادَاتِ (فِيهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (يَبْطُلُ وَلَا يَقْضِي إلَّا الْحَجَّ) ، فَإِنَّهُ بِالرِّدَّةِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (مُسْلِمٌ أَصَابَ مَالًا أَوْ شَيْئًا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْحَدُّ أَوْ الدِّيَةُ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَحِقَ) وَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ زَمَانًا (ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا أُخِذَ بِكُلِّهِ، وَلَوْ أَصَابَهُ بَعْدَمَا لَحِقَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ لَا) أَيْ لَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ كُلُّهُ مَوْضُوعٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ ذَلِكَ وَهُوَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْحَرْبِيُّ لَا يُؤْخَذُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِمَا كَانَ أَصَابَهُ حَالَ كَوْنِهِ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ. . (أَخْبَرَتْ) امْرَأَةٌ (بِارْتِدَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عِتْقُ مُدَبَّرِهِ) كَذَا مُدَبَّرِهَا إذَا لَحِقَتْ وَتَحِلُّ دُيُونُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (لَهُ وَكَسْبُ إسْلَامِهِ لِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ) الْعِبْرَةُ لِكَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللِّحَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَقُضِيَ دَيْنُ كُلِّ حَالٍّ مِنْ كَسْبِهَا) الْكَسْبُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ أَيْ دَيْنَهُ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ بِهِ فَيُقْضَى الْبَاقِي مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْإِنْسَانِ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَكَذَا دَيْنُ الْمَيِّتِ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ وَارِثِهِ وَمَالُهُ كَسْبُ إسْلَامِهِ فَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَمَالُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا لَمْ يَفِ بِهِ كَسْبُ الْإِسْلَامِ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فَيُقْضَى الْبَاقِي مِنْهُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهَكَذَا صَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ طَلَاقُهُ وَاسْتِيلَادُهُ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا قَبُولُهُ الْهِبَةَ وَتَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ وَحَجْرُهُ عَلَى مَأْذُونِهِ. (قَوْلُهُ: وَتُوقَفُ مُفَاوَضَتُهُ) كَذَا تَصَرُّفُهُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَتَدْبِيرُهُ) كَذَا عِتْقُهُ مَوْقُوفٌ كَمَا فِي الْكَنْزِ. (قَوْلُهُ: وَوَصِيَّتُهُ) أَيْ الَّتِي فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَمَّا وَصِيَّتُهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا قُرْبَةً أَوْ غَيْرَ قُرْبَةٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ قُرْبَةٍ، قِيلَ أَرَادَ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ الْوَصِيَّةَ لِلنَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا بَعْدَهُ وَمَالُهُ مَعَ وَارِثِهِ أَخَذَهُ) يَعْنِي بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ وَارِثَ الْمُرْتَدِّ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ الَّذِي وَرِثَهُ بَعْدَمَا عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِطَرِيقَةٍ. اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اسْتِرْدَادِهِ مِنْ الْإِمَامِ كَسْبَ رِدَّتِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ اسْتِرْدَادِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بَلْ لِكَوْنِهِ مَالَ حَرْبِيٍّ كَالْحَرْبِيِّ الْحَقِيقِيِّ لَا يَسْتَرِدُّ مَالَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ. . اهـ. . (قَوْلُهُ: أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ بِارْتِدَادِ

زَوْجِهَا فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ) كَمَا فِي الْإِخْبَارِ بِمَوْتِهِ وَتَطْلِيقِهِ. (لَا تُقْتَلُ مُرْتَدَّةٌ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَإِنْ قَتَلَهَا أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً قَالَ فِي النِّهَايَةِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (وَتُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ) ؛ لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَتُجْبَرُ عَلَى إيفَائِهِ بِالْحَبْسِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً، وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا وَيُرْوَى تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ (وَصَحَّ تَصَرُّفُهَا وَكَسْبَاهَا لِوَرَثَتِهَا) أَيْ كَسْبُ الْإِسْلَامِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ. (وَلَدَتْ أَمَتُهُ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ نَصْرَانِيَّةً (فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرًّا يَرِثُهُ فِي الْمُسْلِمَةِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الِارْتِدَادِ وَالْوِلَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا فَيَتْبَعُ الْأُمَّ فَكَانَ مُسْلِمًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ (إنْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ) بِدَارِ الْحَرْبِ (كَذَا) أَمَتُهُ (النَّصْرَانِيَّةُ) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرًّا يَرِثُهُ (إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مُنْذُ ارْتَدَّ) فَإِنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْعُلُوقُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ، وَإِنْ جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ الْعُلُوقُ مِنْ مَاءِ الْمُرْتَدِّ فَيَتْبَعُ الْمُرْتَدَّ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يُسْلِمَ فَإِذَا كَانَ مُرْتَدًّا لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ. (لَحِقَ) بِدَارِ الْحَرْبِ (بِمَالِهِ) أَيْ مَعَ مَالِهِ (وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَمَالُهُ فَيْءٌ) أَيْ لَا نَفْسُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فَيْئًا دُونَ النَّفْسِ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ (وَلَحِقَ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ مَالِهِ (وَحَكَمَ الْقَاضِي) بِلَحَاقِهِ (فَرَجَعَ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (فَلَحِقَ) بِدَارِ الْحَرْبِ ثَانِيًا (بِهِ) أَيْ مَعَ مَالِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ لِوَارِثِهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَوْجِهَا) لَمْ يُبَيِّنْ شَرْطَ الْمُخْبِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ إخْبَارَ الزَّوْجِ بِارْتِدَادِهَا. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى غَابَ فَأَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّهَا قَدْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَهُوَ حَلَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ لَهُ وَهَذَا أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَكَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ يَتَأَيَّدُ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ يَسْقُطُ بِمُعَارَضَةِ أَكْبَرِ الرَّأْيِ بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ أَخْبَرَ الْمَرْأَةَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ ارْتَدَّ فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا،. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَقُولُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَالَ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ الزَّوْجِ أَغْلَظُ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ، بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ وَمَا ذُكِرَ هُنَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ لَا إثْبَاتُ الرِّدَّةِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِخْبَارِ بِمَوْتِهِ وَتَطْلِيقِهِ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ لَوْ أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ وَمَعَهُ كِتَابٌ بِطَلَاقِهَا وَلَمْ تَدْرِ أَنَّهُ مِنْهُ إلَّا أَنَّهَا تَحَرَّتْ فَتَرَجَّحَ صِدْقُهُ جَازَ لَهَا الِاعْتِدَادُ وَالتَّزَوُّجُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا تُقْتَلُ مُرْتَدَّةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَّا إذَا كَانَتْ سَاحِرَةً تَعْتَقِدُ أَنَّهَا هِيَ الْخَالِقَةُ لِذَلِكَ فَتُقْتَلُ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. أَيْ مَا لَمْ تَتُبْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَتَلَهَا أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ فِي ضَمَانِ الْأَمَةِ مَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْغِيَاثِيَّةِ يَضْمَنُ لِمَوْلَاهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا) أَيْ تُدْفَعُ لِمَوْلَاهَا فَيُجْعَلُ حَبْسُهَا فِي بَيْتِ السَّيِّدِ سَوَاءٌ طَلَبَ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي الصَّحِيحِ جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِخْدَامِ لَكِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَيُرْوَى تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ) إنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ضَرْبَهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ، وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ كُلَّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: تُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ فَقَدْ مَشَى عَلَى مَا قَدَّرَهُ الْبَعْضُ جَازَ مَا بِهِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِعَدَمِ حِكَايَةِ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ عَدَمُ ارْتِضَاعِهِ. (قَوْلُهُ: وَكَسْبَاهَا لِوَرَثَتِهَا) وَلَا يَرِثُ الزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّتْ فِي صِحَّتِهَا، وَأَمَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَرِثَ الزَّوْجُ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ وَالزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: كَذَا أَمَتُهُ النَّصْرَانِيَّةُ) أَرَادَ بِهِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ. (قَوْلُهُ: فَظُهِرَ عَلَيْهِ) أَيْ غُلِبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ ظَهَرَ غَلَبَ وَظَهَرَ عَلَى اللِّصِّ غَلَبَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ ظَهَرَ فَلِأَنَّ السَّطْحَ إذَا عَلَاهُ وَحَقِيقَتُهُ صَارَ عَلَى ظَهْرِهِ. اهـ. كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَحَكَمَ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ) قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَلَيْسَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَدْ أَطْلَقَهَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ عَنْهُ تَبَعًا لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِوَارِثِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَهَا أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ إنْ شَاءَ وَلَوْ كَانَ مِثْلِيًّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

الْأَوَّلَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ الْإِرْثُ وَالثَّانِيَ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا. (قُضِيَ بِعَبْدٍ لِمُرْتَدٍّ) صِفَةُ عَبْدٍ (لَحِقَ) صِفَةُ مُرْتَدٍّ (لِابْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِ " قُضِيَ " يَعْنِي إذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ عَبْدٌ فَقُضِيَ بِهِ لِابْنِهِ (فَكَاتَبَهُ) ابْنُهُ (فَجَاءَ) الْمُرْتَدُّ (مُسْلِمًا فَبَدَلُهَا) أَيْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ (وَالْوَلَاءُ لِلْأَبِ) إذْ لَا وَجْهَ لِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ لِنُفُوذِهَا بِدَلِيلٍ مُنْفِذٍ فَجُعِلَ الْوَارِثُ الَّذِي هُوَ خَلْفَهُ كَالْوَكِيلِ مِنْ جِهَتِهِ وَحُقُوقُ الْعَهْدِ فِيهِ تَرْجِعُ إلَى الْمَأْكُولِ وَالْوَلَاءِ لِمَنْ يَقَعُ الْعِتْقُ عَنْهُ. (قَتَلَ) مُرْتَدٌّ رَجُلًا (خَطَأً وَلَحِقَ أَوْ قُتِلَ) عَلَى رِدَّتِهِ (فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ الْمُرْتَدَّ لِانْعِدَامِ النُّصْرَةِ فَيَكُونُ فِي مَالِهِ الْمُكْتَسَبِ فِي الْإِسْلَامِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ دُونَ الْمُكْتَسَبِ فِي الرِّدَّةِ لِتَوَقُّفِ تَصَرُّفِهِ. (قُطِعَ يَدُهُ) أَيْ يَدُ الْمُسْلِمِ (عَمْدًا فَارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَاتَ) عَلَى رِدَّتِهِ (مِنْهُ) أَيْ الْقَطْعِ (أَوْ لَحِقَ) فَقُضِيَ بِهِ (فَجَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الْقَاطِعُ نِصْفَ الدِّيَةِ مِنْ مَالِهِ لِوَارِثِهِ) ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَلَّ مَحَلًّا مَعْصُومًا وَالسِّرَايَةُ حَلَّتْ مَحَلًّا غَيْرَ مَعْصُومٍ فَاعْتُبِرَ الْقَطْعُ لَا السِّرَايَةُ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيَجِبُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ بِشُبْهَةِ الِارْتِدَادِ (وَإِنْ) لَمْ يَلْحَقْ الْمَقْطُوعُ بِيَدِ الْمُرْتَدِّ بَلْ (أَسْلَمَ هُنَا فَمَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (ضَمِنَ) الْقَاطِعُ (كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الدِّيَةِ لِكَوْنِهِ مَعْصُومًا وَقْتَ الْقَطْعِ وَوَقْتَ السِّرَايَةِ. (مُكَاتَبٌ ارْتَدَّ فَلَحِقَ) وَاكْتَسَبَ مَالًا (فَأُخِذَ بِمَالِهِ) وَأَبَى أَنْ يُسْلِمَ (فَقُتِلَ فَبَدَلُهَا) أَيْ بَدَلُ الْكِتَابَةِ (لِسَيِّدِهِ وَالْبَاقِي لِوَارِثِهِ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِتَابَةِ فَكَذَا اكْتِسَابُهُ. (زَوْجَانِ ارْتَدَّا فَلَحِقَا) فَحَبِلَتْ الْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَوَلَدَتْ هِيَ) وَلَدًا (ثُمَّ وَلَدَ الْوَلَدُ فَظُهِرَ عَلَيْهِمْ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ وَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ جَمِيعًا (فَالْوَلَدَانِ) أَيْ وَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا (فَيْءٌ) أَيْ يَكُونَانِ رَقِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْتَرَقُّ وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ وَكَذَا وَلَدُ الْوَلَدِ. (وَ) الْوَلَدُ (الْأَوَّلُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا وَلَدُهُ) ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ وَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا) هَذَا التَّوْجِيهُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِاللِّحَاقِ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِلْقَضَاءِ وَيَأْخُذُ الْوَارِثُ مَا أَخَذَهُ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ عَوْدِهِ وَرَجَعَ بِهِ ثَانِيًا يُوَجَّهُ بِأَنَّ عَوْدَهُ وَأَخْذَهُ وَلِحَاقَهُ ثَانِيًا يُرَجِّحُ جَانِبَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَيُؤَكِّدُهُ فَتَقَرَّرَ مَوْتُهُ حُكْمًا وَمَا اُحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ بِاللِّحَاقِ لِصَيْرُورَتِهِ مِيرَاثًا إلَّا لِيُرَجَّحَ عَدَمُ عَوْدِهِ فَتَقَرَّرَ إقَامَتُهُ ثَمَّةَ فَيَتَقَرَّرُ مَوْتُهُ فَكَانَ رُجُوعُهُ وَأَخْذُهُ ثُمَّ عَوْدُهُ ثَانِيًا بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ السِّيَرِ جَعَلَهُ فَيْئًا لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ اللِّحَاقِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَقَدْ تَسَاهَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِتَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: فَجَاءَ مُسْلِمًا) يَعْنِي قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ لِلِابْنِ إذْ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلِابْنِ وَقُيِّدَ بِالْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ إذَا دَبَّرَهُ ثُمَّ جَاءَ الْأَبُ مُسْلِمًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِلِابْنِ دُونَ الْأَبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلٍ مُنْفِذٍ) هُوَ الْقَضَاءُ بِالْعَبْدِ. (قَوْلُهُ: فَدِيَتُهُ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا إذَا غَصَبَ مَالًا فَأَفْسَدَهُ يَجِبُ ضَمَانُهُ فِي مَالِ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُمَا فِي الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ. اهـ. وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ دَيْنَ كُلِّ حَالٍّ يُقْضَى مِنْ كَسْبِهَا وَوَاضِحٌ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّهَا فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ فَفِي كَسْبِ الرِّدَّةِ. اهـ. وَقَدْ فَصَّلَ فِيهِ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فَقَالَ مَا غُصِبَ مِنْ شَيْءٍ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ الْبَيِّنَةِ فَضَمَانُ ذَلِكَ فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ يُؤَدَّى مِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ شَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَتِّبَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ فَعِنْدَهُمَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا،. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فَيَصِحُّ فِي مَالِهِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ مَا لَهُ عِنْدَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ. . . إلَخْ) كَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَحِقَ وَلَمْ يُقْضَ بِلَحَاقِهِ وَعَادَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى الْقَاطِعِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَنِصْفُ دِيَةٍ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: لَا نَصَّ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا. قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: مُكَاتَبًا ارْتَدَّ فَلَحِقَ فَاكْتَسَبَ مَالًا. . . إلَخْ) إنَّمَا قُيِّدَ بِكَسْبِ الْمَالِ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِيُفِيدَ أَنَّ حُكْمَ مَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى ثُمَّ إنَّ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى أَصْلِهِمَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الرِّدَّةِ مِلْكُهُ إذَا كَانَ حُرًّا فَكَذَا إذَا كَانَ مُكَاتَبًا إذْ الْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَالرِّدَّةُ أَوْلَى، وَإِذَا كَانَتْ مِلْكَهُ قَضَى مِنْهَا مُكَاتَبَتَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمَلِّكُهُ كَسْبَ الرِّدَّةِ إذَا كَانَ حُرًّا وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ مُكَاتَبًا وَوَجْهُهُ مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَالرِّدَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكِتَابَةِ أَيْ لَا تُبْطِلُهَا كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَكَذَا لَا تُؤَثِّرُ فِي اكْتِسَابِهَا. (قَوْلُهُ زَوْجَانِ ارْتَدَّا فَلَحِقَا. . . إلَخْ) قُيِّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ فَارْتَدَّتْ الزَّوْجَةُ وَلَحِقَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ هُنَاكَ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُسْتَرَقُّ وَيَرِثُ أَبَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ فَإِنْ سُبِيَتْ ثُمَّ وَلَدَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبِيهِ مَرْقُوقٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ

[باب البغاة]

الْأَوْلَادَ يَتْبَعُونَ الْآبَاءَ فِي الدِّينِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ كَمَا يُجْبَرُ أَبُوهُ عَلَيْهِ (وَقِيلَ يُجْبَرَانِ) أَيْ وَلَدُهُمَا وَوَلَدُ وَلَدِهِمَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْبَرُ تَبَعًا لِلْجَدِّ. (صَحَّ ارْتِدَادُ صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَإِسْلَامُهُ فَلَا يَرِثُ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ (بِلَا قَتْلٍ إنْ أَبَى) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: ارْتِدَادُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَإِسْلَامُهُ مُعْتَبَرٌ. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: كِلَاهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَنَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسَلَمَ فِي صِبَاهُ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَحَّحَ إسْلَامَهُ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُفْتَخِرًا بِهِ حَتَّى قَالَ سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طَرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْت أَوَانَ الْحُلُمِ. (بَابُ الْبُغَاةِ) (هُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْعَوْدِ وَيَكْشِفُ شُبْهَتَهُمْ، فَإِنْ تَحَيَّزُوا) أَيْ اتَّخَذُوا حَيِّزًا أَيْ مَكَانًا (مُجْتَمِعِينَ فِيهِ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ تَعَسْكُرُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ، فَإِنْ صَبَرَ الْإِمَامُ إلَى بَدْئِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُ شَرِّهِمْ (وَيُقْتَلُ جَرِيحُهُمْ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا (وَيُتْبَعُ مُولِيهِمْ) أَيْ مُعْرِضُهُمْ (لَوْ كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ) أَيْ جَمْعِيَّةٌ وَفِيهِ أَيْضًا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَمْ يُفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ كَانَ لِأَجْلِ الْخَوْفِ وَإِذْ لَا خَوْفَ لِعَدَمِ الْفِئَةِ فَلَا قَتْلَ لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا (وَلَا تُسْبَى ذُرِّيَّتُهُمْ وَحُبِسَ مَالُهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْصِمُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَالْحَبْسُ كَانَ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ (وَاسْتَعْمَلَ) أَيْ الْإِمَامُ (سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ) لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ الْعَادِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَفِي مَالِ الْبَاغِي أَوْلَى. (لَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْبَاغِي مِثْلُهُ إنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ) لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ (غَلَبُوا عَلَى مِصْرٍ فَقَتَلَ مِصْرِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَرِثُ أَبَاهُ لِحِرْمَانِهِ بِالرِّقِّ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ بِلَا قَتْلٍ إنْ أَبَى) أَحَدُ مَسَائِلَ: لَا يُقْتَلُ فِيهَا الْمُرْتَدُّ. الثَّانِيَةُ: الْمُسْلِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِأَبَوَيْهِ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا. الثَّالِثَةُ: إذَا أَسْلَمَ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ بَلَغَ مُرْتَدًّا. الرَّابِعَةُ: الْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ إذَا ارْتَدَّ اسْتِحْسَانًا فِي الْجَمِيعِ وَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. الْخَامِسَةُ: اللَّقِيطُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ وَلَوْ بَلَغَ كَافِرًا أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ كَالْمَوْلُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. [بَابُ الْبُغَاةِ] (قَوْلُهُ: قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ بِتَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ الْخَوَارِجَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ: أَحَدُهَا: الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَسَيَذْكُرُهُمْ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُمْ هُنَا لِكَوْنِ قِتَالِهِمْ مِنْ الْجِهَادِ. وَالثَّانِي: قَوْمٌ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ. وَالثَّالِثُ: قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَحَمِيَّةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ يُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ وَهَؤُلَاءِ يَسْمَعُونَ بِالْخَوَارِجِ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَسْبُونَ نِسَاءَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ وَحُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَالرَّابِعُ: قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَهُمْ الْبُغَاةُ وَحُكْمُهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ فَيَدْعُوهُمْ إلَى الْعَوْدِ وَيَكْشِفُ شُبْهَتَهُمْ) لَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا بَلْ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمَعِينَ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا) هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ لَا يَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَأَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِالْحَبْسِ بَعْدَ مَا تَحَيَّزُوا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَا يُقَاتِلُهُمْ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ دَفْعُ شَرِّهِمْ بِأَهْوَنَ مِنْهُ وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ وَاجِبٌ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ لُزُومِ الْبَيْتِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْإِمَامِ، وَأَمَّا إعَانَةُ الْإِمَامِ فَمِنْ الْوَاجِبَاتِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الدَّفْعَ أَنْ يُقَاتِلَ مَعَ الْإِمَامِ إلَّا إنْ أَبْدَوْا مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ الْقِتَالَ كَأَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ ظَلَمَ غَيْرَهُمْ ظُلْمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُعِينُوهُمْ حَتَّى يُنْصِفَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ جَوْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْحَالُ مُشْتَبَهًا أَنَّهُ ظُلْمٌ مِثْلَ تَحْمِيلِ الْجِبَايَاتِ الَّتِي لِلْإِمَامِ أَخْذُهَا وَإِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهَا لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَعَمَّ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَقْتُلُ جَرِيحَهُمْ) كَذَا أَسِيرُهُمْ وَإِنْ رَأَى أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ فَعَلَ فَإِنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَخَلَّاهُ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ شَرُّهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. وَإِذَا أُخِذَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَكَانَتْ تُقَاتِلُ حُبِسَتْ وَلَا تُقْتَلُ إلَّا فِي حَالِ مُقَاتَلَتِهَا دَفْعًا وَإِنَّمَا تُحْبَسُ لِلْمَعْصِيَةِ وَلِمَنْعِهَا مِنْ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَحُبِسَ مَالُهُمْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الْكُرَاعَ وَيَحْبِسُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَرَ وَأَيْسَرَ لِأَنَّ الْكُرَاعَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ، وَقَدْ تَأَتَّى عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ بَيْعُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَاسْتَعْمَلَ سِلَاحَهُمْ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ لَهُمْ فِئَةٌ. اهـ. وَلَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: لَا شَيْءَ بِقَتْلِ بَاغٍ مِثْلِهِ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ) الْأَوْلَى مِنْهُ عِبَارَةُ الْكَافِي

[بيع السلاح من أهل الفتنة]

مِثْلَهُ فَظُهِرَ عَلَى الْمِصْرِيِّ قُتِلَ) الْقَاتِلُ (بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ مِثْلَهُ (إذَا لَمْ يَجْرُوا) أَيْ الْبُغَاةُ (فِيهِ) أَيْ الْمِصْرِ (أَحْكَامَهُمْ) إذْ حِينَئِذٍ لَمْ تَكُنْ وِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةً عَنْ الْمِصْرِ فَتَجْرِي أَحْكَامُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجْرَوْا فِيهِ أَحْكَامَهُمْ. (قَتَلَ عَادِلٌ بَاغِيًا أَوْ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَادِلَ (بَاغٍ مُدَّعِيًا) ذَلِكَ الْبَاغِي (حَقِّيَّتَهُ وِرْثُهُ) الْقَاتِلَ عَادِلًا كَانَ أَوْ بَاغِيًا يَدَّعِي الْحَقِّيَّةَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَادِلَ إذَا أَتْلَفَ الْبَاغِيَ أَوْ مَالَهُ لَا يَأْثَمُ بِهِ وَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ تُبْطِلُ الْعِصْمَةَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُقَاتَلَتِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] فَصَارَ قَتْلُهُمْ بِحَقٍّ كَقَتْلِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ كَمَا لَوْ قَتَلَ مُورِثَهُ بِقَوَدٍ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حِرْمَانَ الْإِرْثِ جَزَاءُ قَتْلٍ مَحْظُورٍ فَلَا يُنَاطُ بِقَتْلٍ مُبَاحٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبَاغِيَ إذَا قَتَلَ الْعَادِلَ يَأْثَمُ وَلَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الصَّحِيحِ فِي حَقِّ دَفْعِ الضَّمَانِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ كَتَأْوِيلِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ الضَّمَانُ لَمْ يَجِبْ بِهِ الْحِرْمَانُ وَالْإِرْثُ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ. (وَ) إذَا قَتَلَهُ الْبَاغِي (مُقِرًّا بِبُطْلَانِهِ لَا) أَيْ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْبُطْلَانِ يَجِبُ الضَّمَانُ فَيَلْزَمُ الْحِرْمَانُ. (كُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (وَإِنْ لَمْ يُدْرَ أَنَّهُ مِنْهُمْ لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إمَامٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ آمِنُونَ وَالسُّبُلُ آمِنَةٌ فَخَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْإِمَامِ الْجَمَاعَةُ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعِينُوهُ إنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَزِلَ الْفِتْنَةَ وَيَقْعُدَ فِي بَيْتِهِ. (كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ الْمَذْكُورِ فِي بَعْضِ أَبْوَابِهِ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ عَقَبَهُ بِهِ وَالْمَوَاتُ لُغَةً حَيَوَانٌ مَاتَ وَهَاهُنَا مُسْتَعَارٌ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ (أَرْضٌ لَمْ تُمْلَكْ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ مُلِكَتْ) فِيهِ (وَلَمْ يُعْرَفْ مَالِكُهَا وَتَعَذَّرَ زَرْعُهَا بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ) عَنْهَا (أَوْ غَلَبَتِهِ) عَلَيْهَا (أَوْ نَحْوِهِمَا) كَمَا إذَا نَزَّتْ أَوْ صَارَتْ سَبِخَةً (وَبَعُدَتْ مِنْ الْعَامِرِ) بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ صَوْتٌ مِنْ أَقْصَاهُ (مَلَكَهَا) أَيْ تِلْكَ الْأَرْضَ (مُحْيِيهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِلَا إذْنِهِ (وَلَوْ) كَانَ مُحْيِيهَا (ذِمِّيًّا) وَ (لَا) يَمْلِكُهَا (مُحْجِرُهَا) التَّحْجِيرُ مِنْ الْحَجَرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَوْ الْحَجْرِ بِسُكُونِهَا سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّمُونَهَا بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهَا أَوْ يُعَلِّمُونَهَا بِحَجَرِ غَيْرِهِمْ عَنْ إحْيَائِهَا فَتَبْقَى غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ كَمَا كَانَتْ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ الْحَجَرِ بِأَنْ غَرَزَ حَوْلَهَا أَغْصَانًا يَابِسَةً أَوْ نَقَّى الْأَرْضَ وَأَحْرَقَ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ أَوْ حَصَدَ مَا فِيهَا مِنْ الْحَشِيشِ أَوْ الشَّوْكِ وَجَعَلَهُ حَوْلَهَا وَجَعَلَ التُّرَابَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتِمَّ الْمُسْنَاةَ (فَلَوْ حَجَرَهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ يَعْنِي إذَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُحْجِرُ لَوْ حَجَرَهَا (وَتَرَكَ ثَلَاثَ سِنِينَ دَفَعَهَا) الْإِمَامُ (إلَى غَيْرِهِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ لِمُحْجِرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ قَالُوا هَذَا دِيَانَةٌ، فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ (وَمَا عَدَلَ عَنْهُ الْمَاءُ) أَيْ مَوْضِعُ مَا زَالَ عَنْهُ الْمَاءُ وَانْكَشَفَ الْمَوْضِعُ (وَامْتَنَعَ عَوْدُهُ) إلَيْهِ (فَمَوَاتٌ إنْ لَمْ يَكُنْ حَرِيمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرِهِ قَتَلَ بَاغٍ مِثْلَهُ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَجْرَوْا فِيهِ أَحْكَامَهُمْ) أَيْ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَلَكِنْ يُسْتَحَقُّ عَذَابُ الْآخِرَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ مُدَّعِيًا ذَلِكَ الْبَاغِي حَقِيقَتَهُ) أَيْ حَالَ الْقَتْلِ وَحَالَ طَلَبِ الْمِيرَاثِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ قَتَلَ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَقَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ. اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي، وَقَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ وَرِثَهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي. [بَيْعُ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ] (قَوْلُهُ: كُرِهَ بَيْعُ السِّلَاحِ) خَرَجَ بِهِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ السِّلَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ وَهُمْ لَا يَتَفَرَّغُونَ لَهَا، بِخِلَافِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (قَوْلُهُ: وَالْمَوَاتُ لُغَةً. . . إلَخْ) كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَيْضًا وَالْإِحْيَاءُ لُغَةً بَلْ كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَ بَيَانِ الْإِحْيَاءِ لُغَةً وَشَرِيعَةً وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلْأَرْضِ وَتَفْسِيرُ الْإِحْيَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي النَّوَادِرِ أَنَّ إحْيَاءَ الْأَرْضِ لَا يَكُونُ بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِالْبَذْرِ وَالزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ كَرِيهًا وَلَمْ يَسْقِ أَوْ سَقَى وَلَمْ يَكْرُبْ لَمْ يَكُنْ إحْيَاءٌ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا حَفَرَ لَهَا النَّهْرَ وَسَقَاهَا يَكُونُ إحْيَاءٌ وَكَذَا إذَا حَوَّطَهَا أَوْ سَنَّمَهَا بِحَيْثُ يَنْعَصِمُ الْمَاءُ يَكُونُ إحْيَاءٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَبَعُدَتْ مِنْ الْعَامِرِ) هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ أَنْ لَا يَرْتَفِقَ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا وَجْهُ الْمُخْتَارِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُحْتَطِبًا لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: مَلَكَهَا مُحْيِيهَا) أَيْ وَيَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْخَرَاجُ عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ وَضْعٍ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَلِيقُ بِهِ وَإِنْ سَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ اُعْتُبِرَ بِهِ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: قَالُوا هَذَا دِيَانَةٌ) يَقْتَضِي الْخِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ

[أحيا مواتا ثم أحاط الأحياء بجوانبه الأربعة بالتعاقب]

لِمَعْمُورٍ) ، فَإِنْ جَازَ عَوْدُهُ لَمْ يَجُزْ إحْيَاؤُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ قَائِمٌ فِيهِ. (أَحْيَا مَوَاتًا ثُمَّ أَحَاطَ الْأَحْيَاءَ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ بِالتَّعَاقُبِ فَطَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي) الْأَرْضِ (الرَّابِعَةِ) عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ صَارَ الْبَاقِي طَرِيقًا لَهُ فَإِذَا أَحْيَاهُ الرَّابِعُ فَقَدْ أَحْيَا طَرِيقَهُ بِحَسْبِ الْمَعْنَى فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ طَرِيقٌ. (حَفَرَ بِئْرًا فِي مَوَاتٍ بِالْإِذْنِ فَلَهُ حَرِيمُهَا لِلْعَطِنِ) وَهُوَ بِئْرٌ يُنَاخُ الْإِبِلُ حَوْلَهَا وَتُسْقَى (وَالنَّاضِحُ) وَهُوَ بِئْرٌ يُسْتَخْرَجُ مَاؤُهَا بِسَيْرِ الْإِبِلِ وَنَحْوِهِ (أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) إنَّمَا قَالَ (فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ أَرْبَعُونَ مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ (وَلِلْعَيْنِ خَمْسُمِائَةٍ كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ» وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزْرَعَةِ فَلِهَذَا يُقَدَّرُ بِالزِّيَادَةِ وَالتَّقْدِيرُ بِخَمْسِمِائَةٍ بِالتَّوْقِيفِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (وَمُنِعَ غَيْرُهُ مِنْ الْحَفْرِ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَرِيمِ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبِئْرِ ضَرُورَةَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَإِنْ حَفَرَ فَلِلْأَوَّلِ أَنْ يَسُدَّهُ وَلَا يَضْمَنُهُ النُّقْصَانَ وَأَنْ يَأْخُذَ بِكَبْسِ مَا احْتَفَرَهُ لِأَنَّ إزَالَةَ جِنَايَةِ حَفْرِهِ بِهِ كَمَا فِي كُنَاسَةٍ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا وَقِيلَ يَضْمَنُهُ النُّقْصَانَ ثُمَّ يَكْسِبُهُ بِنَفْسِهِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ (وَإِنْ حَفَرَ الثَّانِي) بِئْرًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ حَرِيمِ الْأَوَّلِ قَرِيبَةً مِنْهُ فَذَهَبَ مَاءُ بِئْرِ الْأُولَى وَعُرِفَ أَنَّ ذَهَابَهُ مِنْ حَفْرِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي تَحْوِيلِ مَاءِ بِئْرِهِ إلَى بِئْرِ الثَّانِي كَالتَّاجِرِ إذَا كَانَ لَهُ حَانُوتٌ فَاِتَّخَذَ آخَرُ بِجَنْبِهِ حَانُوتًا لِمِثْلِ تِلْكَ التِّجَارَةِ فَكَسَدَتْ تِجَارَةُ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الثَّانِيَ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَهُ) أَيْ لِلَّذِي حَفَرَ بِئْرًا فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ مُتَّصِلًا بِحَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى (الْحَرِيمُ مِنْ ثَلَاثِ جَوَانِبَ سِوَى جَانِبِ الْأَوَّلِ) لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ حَفَرَ بَعِيدًا مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى. (وَلِلْقَنَاةِ حَرِيمٌ قَدْرَ مَا يُصْلِحُهَا) الْقَنَاةُ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَلَمْ يُقَدَّرْ حَرِيمُهُ بِشَيْءٍ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبِئْرِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ وَقِيلَ هَذَا عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا حَرِيمَ لَهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ إلَّا بِحُجَّةٍ) يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ وَقَالَا لَهُ مُسْنَاةٌ لِلنَّهْرِ يَمْشِي عَلَيْهَا وَيُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَرِيمٌ إلَّا بِحُجَّةٍ (فَمُسْنَاةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ (بَيْنَ نَهْرِ رَجُلٍ) صِفَةُ مُسْنَاةٍ (وَأَرْضٍ لِآخَرَ وَلَيْسَتْ) تِلْكَ الْمُسْنَاةُ (فِي يَدِ أَحَدٍ) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهَا غَرْسٌ أَوْ طِينٌ مُلْقًى تَكُونُ تِلْكَ الْمُسَنَّاةُ (لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) أَمَّا إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَصَاحِبُ الشُّغْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ. (فَصْلٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا الشِّرْبُ وَالثَّانِي الشَّفَةُ وَقَدْ خُلِطَ بَيْنَهُمَا فِي الْكُتُبِ وَمُيِّزَ هَاهُنَا فَبَيَّنَ أَوَّلًا الشِّرْبَ وَأَحْكَامَهُ ثُمَّ الشَّفَةَ وَأَحْكَامَهَا حَيْثُ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَزَمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ [أَحْيَا مَوَاتًا ثُمَّ أَحَاطَ الْأَحْيَاءَ بِجَوَانِبِهِ الْأَرْبَعَةِ بِالتَّعَاقُبِ] (قَوْلُهُ: أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا كَانَ عُمْقُ الْبِئْرِ زَائِدًا عَلَى أَرْبَعِينَ يُزَادُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ إلَّا بِحُجَّةٍ. . . إلَخْ) أُطْلِقَ الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ النَّهْرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْكِفَايَةِ الِاخْتِلَافُ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِهِ فِي كُلِّ حِينٍ أَمَّا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى كَرْيِهَا فِي كُلِّ حِينٍ فَلَهَا حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَهُ مُسْنَاةٌ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ ثُمَّ عَقَبَهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ بِمَا نَصُّهُ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ لِلنَّهْرِ حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لِضَرُورَةِ الِاحْتِيَاجِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الِاخْتِيَارِ. اهـ. ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْحَرِيمِ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي رِوَايَةٍ يُقَدِّرُ أَبُو يُوسُفَ الْحَرِيمَ بِنِصْفِ عَرْضِ النَّهْرِ مِنْ جَانِبَيْهِ؛ لِأَنَّ طِينَهُ يُلْقَى مِنْ جَانِبَيْهِ فَيُقْسَمُ عَرْضُهُ عَلَيْهِمَا وَقَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ بِقَدْرِ عَرْضِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ الطِّينِ مِنْ جَانِبَيْهِ جَمِيعًا فَيُقَدَّرُ بِعَرْضِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. اهـ. . [فَصْلٌ الْمَاءَ نَوْعَانِ] (فَصْلٌ)

(الشِّرْبُ نَصِيبُ الْمَاءِ يَشْتَرِكُ الْكُلُّ فِي مَاءِ أَوْدِيَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ كَدِجْلَةَ) وَنَحْوِهَا (فِي عُمُومِ الْمَنَافِعِ كَكَرْيِ نَهْرٍ وَنَصْبِ رَحًى) إذَا كَانَ فِي أَرْضِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ (بِلَا ضَرَرِ الْعَامَّةِ) فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمْ وَاجِبٌ وَذَلِكَ بِأَنْ يَمِيلَ الْمَاءُ إلَى هَذَا الْجَانِبِ إذَا انْكَسَرَ طَرَفُ النَّهْرِ فَيُغْرِقَ الْقُرَى وَالْأَرَاضِيَ (صَحَّ دَعْوَاهُ) أَيْ شِرْبُ الْمُجَرَّدِ (بِلَا أَرْضٍ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ قَدْ يُمْلَكُ بِدُونِهَا إرْثًا وَقَدْ تُبَاعُ الْأَرْضُ وَيَبْقَى الشِّرْبُ لَهُ وَهُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ (وَقَسَمَ) الشِّرْبَ (بِقَدْرِ الْأَرَاضِيِ قَوْمٌ اخْتَصَمُوا فِيهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ أَصْلُ الشِّرْبِ بَيْنَهُمْ كَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْتِفَاعُ بِسَقْيِهَا فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطَرُّقُ وَهُوَ فِي الدَّارِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ (وَمُنِعَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ مِنْ سَكْرِ النَّهْرِ) أَيْ سَدِّهِ (بِلَا رِضَاهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُشْرَبْ مِنْهُ) أَيْ النَّهْرِ (بِدُونِهِ) أَيْ السَّكْرِ يَعْنِي إنْ كَانَ الْأَعْلَى مِنْهُمْ لَا يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكُرَ النَّهْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْبَاقِينَ، فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الْأَعْلَى حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ (وَكُلٌّ مِنْهُمْ) عَطْفٌ عَلَى الْأَعْلَى أَيْ مُنِعَ كُلٌّ مِنْهُمْ (مِنْ شَقِّ نَهْرٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَصْلِ النَّهْرِ (وَنَصْبِ رَحًى أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ جِسْرٍ عَلَيْهِ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ طَرَفِ النَّهْرِ وَشَغْلَ مَوْضِعٍ مُشْتَرَكٍ بِالْبِنَاءِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ (رَحًى نُصِبَ فِي مِلْكِهِ غَيْرُ مُضِرٍّ بِالنَّهْرِ وَالْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَلَا ضَرَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. . (وَ) مُنِعَ (مِنْ تَوْسِيعِ فَمِ النَّهْرِ) أَيْ نَهْرِهِ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَكْسِرُ طَرَفَ أَصْلِ النَّهْرِ وَيَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ فِي أَخْذِ الْمَاءِ. (وَ) مُنِعَ أَيْضًا (مِنْ الْقِسْمَةِ بِالْأَيَّامِ وَقَدْ كَانَتْ بِالْكِوَى) بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِهَا وَقَدْ يُضَمُّ الْكَافُ فِي الْمُفْرَدِ فَالْجَمْعُ كُوًى كَعُرْوَةٍ وَعُرًى وَهِيَ رَوَازِنُ الْبَيْتِ اُسْتُعِيرَتْ لِلثُّقَبِ الَّتِي تُثْقَبُ فِي الْخَشَبِ لِيَجْرِيَ الْمَاءُ فِيهِ إلَى الْمَزَارِعِ أَوْ الْجَدَاوِلِ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ. . (وَ) مُنِعَ أَيْضًا (مِنْ سَوْقِ شِرْبِهِ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى لَيْسَ لَهَا مِنْهُ شِرْبٌ) لِأَنَّ تَقَادُمَ الْعَهْدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَقُّهُ. (وَيُورَثُ وَيُوصَى بِنَفْعِهِ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُؤَجَّرُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يُجْعَلُ مَهْرًا وَبَدَلَ خُلْعٍ وَصُلْحٍ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَرَثَةَ خُلَفَاءُ الْمَيِّتِ فَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ وَأَمْلَاكِهِ وَجَازَ أَنْ يَقُومُوا مَقَامَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِالْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ وَالْخَمْرِ، فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالْإِرْثِ وَكَذَا الشِّرْبُ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِنَفْسِ الشِّرْبِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ أَوْ لِلْجَهَالَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلْحَالِ أَوْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَلَوْ تَزَوَّجَ عَلَى شِرْبٍ بِغَيْرِ أَرْضٍ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا شِرْبَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ بِدُونِ الْأَرْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ. (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ مَلَأَ أَرْضَهُ فَنَزَلَتْ أَرْضَ جَارِهِ أَوْ غَرِقَتْ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ كَحَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ، فَإِنَّ فِعْلَهُ فِي أَرْضِهِ مُبَاحٌ فَلَا يَضْمَنُ قَالُوا هَذَا إذَا سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا مُعْتَادًا تَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ عَادَةً، وَأَمَّا إذَا سَقَى سَقْيًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَدِجْلَةَ) الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ لَا لِلتَّمْثِيلِ

[الشفة وأحكامها]

لَا تَحْتَمِلُهُ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَجْرَى الْمَاءَ إلَى أَرْضِ جَارِهِ تَقْدِيرًا، كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (مَنْ سَقَى مِنْ شِرْبِ غَيْرِهِ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ. (وَفِي) رِوَايَةٍ (أُخْرَى يَضْمَنُ) وَهُوَ مُخْتَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي (كُرِيَ نَهْرٌ لَمْ يُمْلَكْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَةِ الْعَامَّةِ (وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ) فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ (فَعَلَى الْعَامَّةِ) وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ لِأَنَّهُ نُصِبَ نَاظِرًا وَفِي تَرْكِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ (وَكُرِيَ) النَّهْرُ (الْمَمْلُوكُ عَلَى أَهْلِهِ) النَّهْرُ الْمَمْلُوكُ الَّذِي دَخَلَ مَاؤُهُ تَحْتَ الْقِسْمَةِ إمَّا عَامٌّ وَإِمَّا خَاصٌّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ بِهِ الشُّفْعَةَ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا فَهُوَ خَاصٌّ وَمَا لَا يَسْتَحِقُّهَا بِهِ فَعَامٌّ وَكَرْيُهُمَا عَلَى أَهْلِهِمَا لَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ تَعُودُ إلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ فَيَكُونُ مُؤْنَةُ الْكِرَى عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغَنْمِ. [الشَّفَةِ وَأَحْكَامِهَا] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الشِّرْبِ وَأَحْكَامِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الشَّفَةِ وَأَحْكَامِهَا فَقَالَ (وَالشَّفَةُ شِرْبُ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ وَلِكُلٍّ) مِنْ بَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ (حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الشَّفَةِ (فِي كُلِّ مَاءٍ لَمْ يُحْرَزْ بِطَرَفٍ فَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا) أَيْ الشَّفَةِ (فَقَطْ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاكٍ لَهُمْ فِي الشِّرْبِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الشِّرْبَ وَالشَّفَةَ ثُمَّ خُصَّ مِنْهُ الشِّرْبُ بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ فِي الْمُقَاسِمِ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ الشَّفَةُ وَلِأَنَّ الْبِئْرَ وَنَحْوَهَا لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ بِدُونِهِ كَالظَّبْيِ إذَا تَكَنَّسَ فِي أَرْضِهِ (فِي أَنْهَارٍ مَمْلُوكَةٍ بِئْرٍ وَحَوْضٍ وَقَنَاةٍ) وَلَمَّا كَانَتْ الشَّفَةُ مُتَنَاوِلَةً لِشُرْبِ الدَّوَابِّ وَكَانَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ فِيهَا مُقْتَضِيًا لِلْقَوْلِ بِجَوَازِ سَقْيِ الدَّوَابِّ مِنْ هَذِهِ الْمِيَاهِ اسْتَدْرَكَهُ بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لَا يَسْقِي دَوَابَّهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ إنْ خِيفَ تَخْرِيبُهُ لِكَثْرَتِهَا) أَيْ الدَّوَابِّ (وَلَا) يَسْقِي (أَرْضَهُ وَشَجَرَهُ مِنْهُ وَمِنْ قَنَاتِهِ وَبِئْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَيَسْقِي شَجَرًا أَوْ خُضَرًا فِي دَارِهِ حَمْلًا بِجِرَارِهِ) فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ النَّهْرِ (طَالِبُ الشَّفَةِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِي مِلْكِ شَخْصٍ خَلَاهُ) أَيْ أَذِنَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الطَّالِبَ لِيَأْخُذَهُ (أَوْ أَخْرَجَهُ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْبِئْرُ أَوْ الْعَيْنُ أَوْ الْحَوْضُ أَوْ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ الشَّفَةَ مِنْ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ يَجِدُ مَاءً آخَرَ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ قِيلَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ: إمَّا أَنْ تُعْطِيَهُ الشَّفَةَ أَوْ تَتْرُكَهُ يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ. وَإِنَّمَا قَالَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَفَرَ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْحَفْرُ لِإِحْيَاءِ حَقٍّ مُشْتَرَكٍ فَلَا يُقْطَعُ الشَّرِكَةُ فِي الشَّفَةِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) صَاحِبُ الْمَاءِ (عَنْهُمَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ وَالْإِخْرَاجِ وَطَالِبُ الْمَاءِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ (قَاتَلَهُ بِالسِّلَاحِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ بِمَنْعِهِ حَقَّهُ وَهُوَ الشَّفَةُ وَالْمَاءُ فِي الْبِئْرِ مُبَاحٌ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. (وَفِي مَاءٍ مُحْرَزٍ) فِي الْإِنَاءِ وَنَحْوِهِ قَاتَلَهُ (بِلَا سِلَاحٍ) بَلْ بِعَصًا وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ التَّعْزِيرِ لَهُ (كَطَعَامٍ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ) ، فَإِنَّ لِطَالِبِهِ أَنْ يُخَاصِمَ بِلَا سِلَاحٍ. . [كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَقَبَهَا بِهَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّ مَسَائِلَهُ تُنَاسِبُهَا بَعْضُهَا تَنَاسُبَ التَّضَادِّ وَبَعْضُهَا تَنَاسُبَ التَّجَانُسِ (مَا كُرِهَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ حَرَامٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ) فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ فِي كُتُبِهِ أَرَادَ بِهِ الْحَرَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ) جَمَعَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَاتَيْنِ التَّسْمِيَتَيْنِ لِلْكِتَابِ وَغَيْرُهُ أَفْرَدَهُ بِإِحْدَاهُمَا وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهُ كِتَابَ الْحَظْرِ وَبَعْضُهُمْ سَمَّاهُ كِتَابَ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ، أَمَّا التَّسْمِيَةُ بِالْكَرَاهِيَةِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَبَيَانُ الْمَكْرُوهِ أَهَمُّ لِوُجُوبِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ بِالْحَظْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا وَالْحَظْرُ الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] أَيْ مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّكَ مَحْبُوسًا عَنْ الْبِرِّ وَالْفَاجِرُ وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ وَالْمُبَاحُ مَا خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِالِاسْتِحْسَانِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَقَبَّحَهُ وَلَفْظَةُ الِاسْتِحْسَانِ أَحْسَنُ أَوْ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِهِ اسْتِحْسَانٌ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ بِالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فَلِأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ أَطْلَقَهَا الشَّرْعُ وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرَكَهَا، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْجَوْهَرَةِ.

[فصل الأكل بقدر دفع الهلاك]

(وَعِنْدَهُمَا إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) فَنِسْبَتُهُ إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ (فَصْلٌ) . (فُرِضَ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ وَاسْتُحِبَّ بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا وَصَوْمِهِ وَأُبِيحَ إلَى الشِّبَعِ لِيَزِيدَ قُوتُهُ وَحَرُمَ مَا فَوْقَهُ إلَّا لِقَصْدِ قُوَّةِ صَوْمِ الْغَدِ أَوْ دَفْعِ اسْتِحْيَاءِ ضَيْفِهِ وَكُرِهَ لَحْمُ الْأَتَانِ وَلَبَنُهَا) وَهِيَ أُنْثَى الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَاللَّبَنُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ، بِخِلَافِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، فَإِنَّهُ وَلَبَنَهُ حَلَالٌ وَلَمْ يَقُلْ حَرُمَ؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ (كَذَا لَحْمُ الْخَيْلِ وَلَبَنُهُ) مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ (خِلَافًا لَهُمَا وَحَرُمَ بَوْلُ الْإِبِلِ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ وَإِدْهَانٌ وَتَطَيُّبٌ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) قِيلَ: صُورَةُ الْإِدْهَانِ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ. كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْرَهَ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَكَذَا لَوْ أَخَذَ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ ثُمَّ قِيلَ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ بَابُ اسْتِعْمَالِهَا أَقُولُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مَعْنَى عِبَارَةِ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ الْوُقُوفِ عَلَى مُرَادِهِمْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مِنْ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ ابْتِدَائِيَّةٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الْأَوَانِيَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسْبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ، فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الْكَبِيرَةَ الْمَصْنُوعَةَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَجْلِ أَكْلِ الطَّعَامِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُكِلَ الطَّعَامُ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِأَجْلِ ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ مِنْهَا بِالْيَدِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ فِي الْعُرْفِ، وَأَمَّا إذَا أُخِذَ مِنْهَا وَوُضِعَ فِي مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فَأُكِلَ مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا وَكَذَا فِي الْأَوَانِي الصَّغِيرَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهَا إذَا أُخِذَتْ وَصُبَّ مِنْهَا الدُّهْنُ عَلَى الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صُنِعَتْ لِأَجْلِ الْإِدْهَانِ مِنْهَا بِذَلِكَ الْوَجْهِ، وَأَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ وَصَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاعِ ابْتِدَاءِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْهَا فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالسَّرِيرِ الْمُفَضَّضِ مَعَ مُلَاحَظَةِ قَوْلِهِمْ مُتَّقِيًا مَوْضِعَ الْفِضَّةِ فَتَدَبَّرْ (كَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَتِهِمَا وَالِاكْتِحَالُ بِمَيْلِهِمَا وَنَحْوُهُمَا) مِنْ الِاسْتِعْمَالَاتِ. (وَحَلَّ) الْأَكْلُ (مِنْ إنَاءٍ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ، وَ) إنَاءٍ (مُفَضَّضٍ، وَ) حَلَّ (جُلُوسُهُ عَلَى) سَرِيرٍ وَسَرْجٍ (مُفَضَّضٍ مُتَّقِيًا مَوْضِعَ الْفِضَّةِ) ، فَإِنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ وَالْجُلُوسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ أَوْ السَّرِيرِ أَوْ السَّرْجِ أَوْ نَحْوِهِ مُفَضَّضًا إنَّمَا يَحِلُّ إذَا اتَّقَى مَوْضِعَ الْفِضَّةِ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الْفَمِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي مَوْضِعِ الْيَدِ عِنْدَ الْأَخْذِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ] (فَصْلٌ) . (قَوْلُهُ: فُرِضَ الْأَكْلُ بِقَدْرِ دَفْعِ الْهَلَاكِ) أَيْ وَكَذَا الشُّرْبُ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَفِي إطْلَاقِ الْأَكْلِ إشَارَةٌ إلَى فَرْضِيَّةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَمَالِ الْغَيْرِ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ وَإِنْ ضَمِنَ مَالَ الْغَيْرِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ» ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْقَاءَ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ بِقَدْرِ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا وَصَوْمِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ» وَلِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا يَقْوَى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَقَالَ الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخُبْزِ إشَارَةً إلَى مَا قُلْنَا كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ وَأُبِيحَ إلَى الشِّبَعِ) أَيْ مِنْ حِلٍّ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُبَاحَ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ فِيهِ وَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ مَا فَوْقَهُ إلَّا. . . إلَخْ) كَذَا لَا بَأْسَ بِالزَّائِدِ لِيَتَقَيَّأَ بِهِ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ أَلْوَانَ الطَّعَامِ وَيَتَقَيَّأُ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ فَلَا حَصْرَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَإِذَا أَكَلَتْ الْمَرْأَةُ الْفَتِيتَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ السِّمَنِ قَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ تَأْكُلْ فَوْقَ الشِّبَعِ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ بَوْلُ الْإِبِلِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَكُرِهَ كَمَا قَالَ فِي لَحْمِ الْأَتَانِ لِلْخِلَافِ فِيهِ. (قَوْلُهُ: كَذَا الْأَكْلُ بِمِلْعَقَتِهِمَا) مُسْتَفَادٌ حُكْمُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَكْلٌ وَشُرْبٌ وَإِدْهَانٌ وَتَطَيُّبٌ مِنْ إنَاءٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَوَجْهُ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ فَكَأَنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي الشُّرْبِ فَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُ لِاسْتِوَاءِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْجَامِعُ أَنَّهُ زِيُّ الْمُتَكَبِّرِينَ وَتَنَعُّمُ الْمُتْرَفِينَ وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَعُمُّ الْكُلَّ وَيَسْتَوِي فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ لِعُمُومِ النَّهْيِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ [الْأَكْلُ مِنْ إنَاءٍ رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبِلَّوْرٍ وَعَقِيقٍ وَإِنَاءٍ مُفَضَّضٍ] (قَوْلُهُ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الْفَمِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَفِي مَوْضِعِ الْيَدِ عِنْدَ الْأَخْذِ) الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ

[دعي إلى وليمة فيها منكر وعلمه]

وَفِي مَوْضِعِ الْجُلُوسِ عَلَى السَّرِيرِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمِلًا لَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَّقِ مَوْضِعَهَا وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِأَحَدِهِمَا هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ كُلُّهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا تَخَلَّصَ، وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِقِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَئِمَّةُ الْعَصْرِ حَاضِرُونَ فَقَالَتْ الْأَئِمَّةُ يُكْرَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ سَاكِتٌ فَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فَقَالَ إنْ وَضَعَ فَاهُ مَوْضِعَ الْفِضَّةِ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فِضَّةٌ فَشَرِبَ مِنْ كَفِّهِ أَيُكْرَهُ ذَلِكَ فَوَقَفَ الْكُلُّ فَتَعَجَّبَ أَبُو جَعْفَرٍ مِنْ جَوَابِهِ وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا. (وَقَبِلَ قَوْلُ كَافِرٍ وَلَوْ) كَانَ (مَجُوسِيًّا شَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ فَحَلَّ أَوْ) شَرَيْته (مِنْ مَجُوسِيٍّ فَحَرُمَ) قَالَ فِي الْكَنْزِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ الدِّيَانَاتِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الدِّيَانَاتِ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ خَاصَّةً لِلضَّرُورَةِ أَقُولُ لَيْسَ السَّاهِي صَاحِبَ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَا يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ لَا مُطْلَقُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَمَا تُوُهِّمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْكَافِي وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ أَجِيرٌ مَجُوسِيٌّ أَوْ خَادِمٌ مَجُوسِيٌّ فَأَرْسَلَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ لَحْمًا فَاشْتَرَى وَقَالَ اشْتَرَيْته مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ وَسِعَهُ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَكْلُهُ ثُمَّ قَالَ وَأَصْلُهُ أَنَّ خَبَرَ الْكَافِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ لِصُدُورِهِ عَنْ عَقْلٍ وَدِينٍ مَانِعٍ مِنْ الْكَذِبِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى قَبُولِهِ لِكَثْرَةِ الْمُعَامَلَاتِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا وَالْعَجَبُ أَنَّهُ بَعْدَمَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ نَقَلَ مَحْصُولَ كَلَامِ الْكَافِي وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَدَلَ الِاعْتِرَاضِ أَرَادَ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَا يَحْصُلُ فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ وَيُجْعَلُ كَلَامُ الْكَافِي قَرِينَةً عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. . . (وَ) قُبِلَ (قَوْلُ فَرْدٍ، وَلَوْ كَافِرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ فَاسِقًا أَوْ عَبْدًا فِي الْمُعَامَلَاتِ) لِأَنَّهَا تَكْثُرُ بَيْنَ أَجْنَاسِ النَّاسِ فَلَوْ شُرِطَ شَرْطٌ زَائِدٌ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ مُطْلَقًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ. (وَ) فِي (التَّوْكِيلِ) بِأَنْ أَخْبَرَ أَنِّي وَكِيلُ فُلَانٍ فِي بَيْعِ هَذَا حَيْثُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُ. . (وَ) قُبِلَ (قَوْلُ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ) كَمَا إذَا جَاءَ بِهَدِيَّةٍ وَقَالَ أَهْدَى إلَيْك فُلَانٌ هَذِهِ الْهَدِيَّةَ يَحِلُّ قَبُولُهُ مِنْهُ أَوْ قَالَ أَنَا مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ (وَشُرِطَ الْعَدْلُ فِي الدِّيَانَاتِ) الْمَحْضَةِ (كَالْخَبَرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ، وَلَوْ عَبْدًا قُبِلَ) قَوْلُهُ (وَتَيَمَّمَ) السَّائِلُ (أَوْ) أَخْبَرَ بِهَا (فَاسِقٌ أَوْ مَسْتُورٌ تَحَرَّى) وَعَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ (فَالْأَحْوَطُ الْإِرَاقَةُ فَالتَّيَمُّمُ فِي غَلَبَةِ صِدْقِهِ وَالتَّوَضُّؤُ وَالتَّيَمُّمُ فِي غَلَبَةِ كَذِبِهِ) رَجُلٌ. (دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ وَعَلِمَهُ لَمْ يَحْضُرْ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ حَدَثَ بَعْدَ حُضُورِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَدٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ مَنَعَ وَإِلَّا خَرَجَ أَلْبَتَّةَ وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمُقْتَدِي (إنْ قَعَدَ وَأَكَلَ جَازَ) فَإِنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَى سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» فَلَا تُتْرَكُ لِاقْتِرَانِ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا تُتْرَكُ لِأَجْلِ النَّائِحَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَلَقِّيه بِالْيَدِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ يَجُوزُ الشُّرْبُ فِي الْإِنَاءِ الْمُفَضَّضِ إذَا كَانَ يَتَّقِي فَمُهُ مَوْضِعَ الْفِضَّةِ وَقِيلَ يَتَّقِي أَخْذَهُ بِالْيَدِ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّوْكِيلِ) ظَاهِرُ عَطْفِهِ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ مُغَايَرَتُهُ لَهَا وَهُوَ فَرْدٌ مِنْهَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ يُقْبَلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَوْلُ الْفَاسِقِ مِثْلَ الْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَذِبُهُ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْخَبَرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ) كَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِأَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَكِنْ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهِ عَلَى بَائِعِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. [دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ وَعَلِمَهُ] (قَوْلُهُ: دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فِيهَا مُنْكَرٌ وَعَلِمَهُ لَمْ يَحْضُرْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُقْتَدٍ أَوْ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْمُقْتَدِي إنْ قَعَدَ وَأَكَلَ جَازَ) هَذَا إذَا كَانَ الْغِنَاءُ وَاللَّعِبُ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ لَا عَلَى الْمَائِدَةِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68] . (قَوْلُهُ: فَإِنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ. . . إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا إذَا كَانَ غَيْرَ مُقْتَدٍ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَبْلَ حُضُورِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ وَفِي جُلُوسِ الْمُقْتَدَى بِهِ فَتْحُ بَابِ مَعْصِيَةٍ وَشَيْنُ الدِّينِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْكَافِي.

[فصل لبس الرجل للحرير]

(فَصْلٌ) . (لَا يَلْبَسُ رَجُلٌ حَرِيرًا إلَّا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عَرْضًا وَعِنْدَهُمَا حَلَّ فِي الْحَرْبِ وَيَتَوَسَّدُهُ وَيَفْتَرِشُهُ وَيَلْبَسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُهُ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ وَهُوَ مُسْدًى بِالْحَرِيرِ وَلِأَنَّ الثَّوْبَ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِآخِرِ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَالنَّسْجِ بِاللُّحْمَةِ فَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ لَا السُّدِّيَّ. (وَ) يَلْبَسُ (عَكْسَهُ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ) لِلضَّرُورَةِ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا لِانْعِدَامِهَا (فَلَا يَتَحَلَّى) أَيْ لَا يَتَزَيَّنُ الرَّجُلُ (بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إلَّا بِخَاتَمٍ وَمِنْطَقَةٍ وَحِلْيَةِ سَيْفٍ مِنْهَا) أَيْ الْفِضَّةِ لَا الذَّهَبِ (وَمِسْمَارٍ ذَهَبٍ لِثَقْبِ فَصٍّ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَلَا يُعَدُّ لُبْسًا لَهُ (وَحَلَّ لِلْمَرْأَةِ كُلُّهَا) لِمَا رَوَاهُ عِدَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ وَقَالَ هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهِمْ» وَيُرْوَى حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ (وَلَا يُتَخَتَّمُ بِالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ) أَمَّا الْحَدِيدُ «فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَأَمَرَهُ فَرَمَى بِهِ» ، وَأَمَّا الصُّفْرُ «فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى رَجُلٍ خَاتَمَ صُفْرٍ فَقَالَ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ فَأَمَرَهُ فَرَمَى بِهِ» (وَاخْتُلِفَ فِي الْحَجَرِ وَالْيَشْبِ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ الْيَشْبَ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ كَالْعَقِيقِ، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَتَخَتَّمُ بِالْعَقِيقِ وَقَالَ تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ، فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ أَقُولُ يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ تِلْكَ الْعِبَارَةِ نَصًّا عَلَى مَا ذَكَرَاهُ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّخَتُّمِ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَهَبٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا صُفْرٍ، وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ» وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّخَتُّمِ بِالْحَجَرِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ يَشْبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذَهَبٍ وَلَا حَدِيدٍ وَلَا صُفْرٍ بَلْ هُوَ حَجَرٌ «وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ لبَسُ الرَّجُلُ لِلْحَرِيرِ] فَصْلٌ) . (قَوْلُهُ: لَا يَلْبَسُ رَجُلٌ حَرِيرًا) كَذَا الْمَصْبُوغُ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ بِزَعْفَرَانٍ أَوْ عُصْفُرٍ أَوْ وَرْسٍ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ يُكْرَهُ الْأَحْمَرُ وَالْمُعَصْفَرُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ» . اهـ. ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً (قُلْت) وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ مَحْمُولَةٌ عَلَى إرَادَةِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ أَوْ التَّكَبُّرِ وَتَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحِلُّ لُبْسُ الْأَحْمَرِ وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ» وَتَأْوِيلُهَا بِذَاتِ الْخُطُوطِ مَرْدُودٌ وَلِلدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْمُثْبِتِ حِلَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِأَخْذِهِ عَامٌّ وَحُكْمُ الْعَامِّ إجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ وَلَنَا رِسَالَةٌ هِيَ تُحْفَةُ الْأَكْمَلِ الْمَصْدَرِ لِبَيَانِ جَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ (قَوْلُهُ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ عَرْضًا) أَيْ مَضْمُومَةً، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ لَيِّنَةُ الْحَرِيرِ أَيْ الْقَلْبِ وَتِكَّةُ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ تَامٌّ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا حَلَّ فِي الْحَرْبِ) هَذَا إذَا كَانَ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ اتِّقَاءُ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ رَقِيقًا لَا يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّقَاءُ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ يُفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ عِنْدَهُمَا لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَخَّصَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ فِي الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَإِنَّ الْخَالِصَ مِنْهُ أَدْفَعُ لِمَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَأَهْيَبُ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ لِبَرِيقِهِ. (قَوْلُهُ: وَيَتَوَسَّدُ بِهِ وَيَفْتَرِشُهُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَتَوَسُّدُ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشُهُ وَجَعْلُهُ سِتْرًا حَلَالٌ عِنْدَنَا وَحَرَّمَاهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. (قُلْت) هَذَا التَّصْحِيحُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ الْمُعْتَبَرَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالشُّرُوحُ. (قَوْلُهُ: وَيَلْبَسُ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُهُ) لَكِنَّهُ يَكْرَهُ مَا سَدَاهُ ظَاهِرٌ كَالْعَتَّابِيِّ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ، كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ سَوَّى بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ وَمَا كَانَتْ سَدَاهُ ظَاهِرًا كَالْعَتَّابِيِّ قِيلَ: يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ لَابِسَهُ فِي مَنْظَرِ الْعَيْنِ لَابِسُ حَرِيرٍ وَفِيهِ خُيَلَاءُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ اعْتِبَارًا بِاللُّحْمَةِ (قَوْلُهُ إلَّا بِخَاتَمِ فِضَّةٍ) وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ مِثْقَالٍ فَمَا دُونَهُ وَيُجْعَلُ فِي خِنْصَرِ الْيُسْرَى وَفَصُّهُ إلَى بَاطِنِ الْكَفِّ، بِخِلَافِ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ فِي حَقِّهِنَّ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فَصُّهُ عَقِيقًا أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ يَاقُوتًا وَنَحْوَهُ وَأَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ اسْمَهُ أَوْ اسْمًا مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اجْعَلْهَا فِي يَمِينِك» فَمَنْسُوخٌ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِلْبَغْيِ وَالْفَسَادِ وَالْحَلْقَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَلَوْ كَانَ خَاتَمُ الْفِضَّةِ كَهَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ فَصَّانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ كُرِهَ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ. اهـ. مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَحِلْيَةُ السَّيْفِ مِنْهَا) أَيْ الْفِضَّةِ وَحَمَائِلُ السَّيْفِ مِنْ جُمْلَةِ حِلْيَتِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَحْرُمُ الرِّكَابُ وَاللِّجَامُ مِنْ الْفِضَّةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُتَخَتَّمُ بِالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ

[فصل عورة الرجل والمرأة]

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ» ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ نَصٌّ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي احْتِمَالَ التَّأْوِيلِ وَالتَّخْصِيصِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَصْرِ فِي قَوْلِهِ لَا يُتَخَتَّمُ إلَّا بِالْفِضَّةِ الْقَصْرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الذَّهَبِ، فَإِنَّهُ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَتَّى إذَا أُطْلِقَ الْحَجَرُ أَنْ لَا يُرَادَ إلَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْحَجَرِ لَكِنْ إذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَخَتَّمَ بِالْعَقِيقِ الَّذِي هُوَ الْحَجَرُ وَقَالَ تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ، فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ كَانَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ جَائِزًا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فَكَيْفَ يُعَارِضُهُ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْفِضَّةِ حَلَالٌ لِلرِّجَالِ بِالْحَدِيثِ وَبِالذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ بِالْحَدِيثِ وَبِالْحَجَرِ حَلَالٌ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْإِمَامِ قَاضِي خَانْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّ حِلَّ الْعَقِيقِ لَمَّا ثَبَتَ بِهِمَا حَلَّ سَائِرُ الْأَحْجَارِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ حَجَرٍ وَحَجَرٍ وَحَرَامٌ عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَخْذًا مِنْ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُحْتَمِلَةِ لَأَنْ يَكُونَ الْقَصْرُ فِيهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى الذَّهَبِ وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْمَأْخَذَيْنِ مِنْ التَّفَاوُتِ (وَتَرْكُهُ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ أَوْلَى) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَخَتَّمُ لِحَاجَةِ الْخَتْمِ وَغَيْرُهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. (وَلَا يُشَدُّ سِنُّهُ إلَّا بِفِضَّةٍ) أَيْ مَنْ تَحَرَّكَ سِنُّهُ يَشُدُّهَا بِالْفِضَّةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا (وَكُرِهَ إلْبَاسُ الصَّبِيِّ ذَهَبًا أَوْ حَرِيرًا) لِأَنَّ حُرْمَةَ اللُّبْسِ لَمَّا ثَبَتَتْ فِي حَقِّ الذُّكُورَةِ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ أَيْضًا كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا (وَجَازَ خِرْقَةٌ لِوُضُوءٍ وَمُخَاطٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبَلَدِ أَنَّ مَنَادِيلَ الْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِلْمُخَاطِ وَمَسْحِ الْعَرَقِ وَمَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَلَوْ حَمَلَهَا بِلَا حَاجَةٍ يُكْرَهُ كَالتَّرَبُّعِ وَالِاتِّكَاءِ لَا يُكْرَهَانِ لِحَاجَةٍ وَيُكْرَهَانِ بِدُونِهَا (وَالرَّتَمُ) وَهُوَ خَيْطُ التَّذَكُّرِ يُعْقَدُ فِي الْأُصْبُعِ قَالَ الشَّاعِرُ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي نُفُوسِهِمْ ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ الرَّتَائِمِ. (فَصْلٌ) (يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ) وَهِيَ مِنْ تَحْتِ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ فَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ لَا السُّرَّةُ، ثُمَّ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَةِ حَتَّى يُنْكَرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ وَفِي الْفَخِذِ يُعَنَّفُ وَفِي السَّوْأَةِ يُضْرَبُ إنْ أَصَرَّ (وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ) أَيْ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُمَا إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ. (وَيَنْظُرُ) الرَّجُلُ (إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحَلِّي بِاللُّؤْلُؤِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَشُدُّ سِنَّهُ إلَّا بِفِضَّةٍ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِالذَّهَبِ أَيْضًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَالْخِلَافُ فِي شَدِّ السِّنِّ أَمَّا اتِّخَاذُ الْأَنْفِ مِنْ الذَّهَبِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ خِرْقَةٌ) أَيْ جَازَ حَمْلُهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَمْلُهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ تَكَبُّرًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَنْ تَكَبُّرٍ وَصَارَ كَالتَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالرَّتَمُ) اسْتَدَلَّ لِجَوَازِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِذَلِكَ» وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَبَثٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَرْضِ الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّذَكُّرُ عِنْدَ النِّسْيَانِ. اهـ. [فَصْلٌ عَوْرَة الرَّجُل وَالْمَرْأَة] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ حَتَّى يُنْكَرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ) أَيْ بِرِفْقٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَهُ وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي كِتَابِ الْخُنْثَى مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ أَغْلَظُ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا أُمِنَتْ الشَّهْوَةُ) لَا يُعْلَمُ حُكْمُ مَا إذَا خَافَتْ أَوْ شَكَّتْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا إنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا. اهـ. وَلَوْ كَانَ النَّاظِرُ إلَيْهَا. هُوَ الرَّجُلُ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَنْظُرْ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى التَّحْرِيمِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ غَالِبَةٌ وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ اعْتِبَارًا فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ إذَا اشْتَهَتْ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي جَانِبِهِ حَقِيقَةً وَاعْتِبَارًا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمُحَرَّمِ أَقْوَى مِنْ الْمُتَحَقِّقِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ. . . إلَخْ) مُفِيدٌ نَظَرَ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ إلَى فَرْجِهِ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَتَجَرَّدَانِ تَجَرُّدَ الْعِيرِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ النِّسْيَانَ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحَصُّلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ. اهـ. وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَعْنِي بِهِ وَقْتَ الْجِمَاعِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَمَالِي قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ أَوْ تَمَسُّ فَرْجَهُ لِيَتَحَرَّكَ عَلَيْهِ. اهـ. لَا تَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ لَا

[حكم العزل]

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ أَمَتِك وَامْرَأَتِك» (الْحَلَالِ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهَا إذَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ كَانَتْ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ بِشَهْوَةٍ أَوْ بِدُونِهَا. . (وَ) يَنْظُرُ الرَّجُلُ (إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ مِنْ مَحْرَمِهِ) ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يَدْخُلُ عَلَى الْبَعْضِ بِلَا اسْتِئْذَانٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا فِي ثِيَابِ بِذْلَتِهَا عَادَةً فَلَوْ حَرُمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ (وَأَمَةِ غَيْرِهِ) فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَحْرَمِ لِضَرُورَةِ رُؤْيَتِهَا فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةَ (إنْ أَمِنَ شَهْوَتَهُ) وَإِلَّا فَلَا يَنْظُرُ (لَا) أَيْ لَا يَنْظُرُ (إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ كَأَمَةِ غَيْرِهِ) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي كَشْفِهَا، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ (وَمَا حَلَّ نَظَرُهُ مِنْهُمَا) أَيْ مَحْرَمِهِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ (حَلَّ مَسُّهُ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ (وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ) أَيِّ عُضْوٍ جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَمَةِ (إنْ أَرَادَ شِرَاءَهَا، وَإِنْ خَافَ شَهْوَتَهُ) لِلضَّرُورَةِ (وَأَمَةٍ تُشْتَهَى) وَيُجَامَعُ مِثْلُهَا (لَا تُعْرَضُ عَلَى الْبَيْعِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَالُ الْبَلَاغَةِ. (وَيَنْظُرُ) الرَّجُلُ (إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا فَقَطْ) لِأَنَّ فِي إبْدَاءِ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ ضَرُورَةً لِحَاجَتِهَا إلَى الْمُعَامَلَةِ مَعَ الرِّجَالِ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَنَحْوَهُمَا (كَذَا السَّيِّدَةُ) أَيْ لِمَمْلُوكِهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِ سَيِّدَتِهِ وَكَفَّيْهَا لَا قَدَمَيْهَا (وَإِنْ خَافَ) أَيْ الرَّجُلُ أَوْ الْمَمْلُوكُ الشَّهْوَةَ (لَا يَنْظُرُ إلَى وَجْهِهَا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ صُبَّ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِذَا خَافَ الشَّهْوَةَ لَمْ يَنْظُرْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَحْرَمِ (كَقَاضٍ يَحْكُمُ عَلَيْهَا وَشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَيْهَا) فَإِنَّ نَظَرَهُمَا إلَى وَجْهِهَا جَائِزٌ، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لِلْحَاجَةِ إلَى إحْيَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ بِالْقَضَاءِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَأَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ تَحَرُّزًا عَنْ قَصْدِ الْقَبِيحِ. (وَمَنْ يُرِيدُ نِكَاحَ امْرَأَةٍ) حَيْثُ جَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا، وَإِنْ خَافَ الشَّهْوَةَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُغِيرَةِ إذَا أَرَدْت أَنْ تَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَبْصِرْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» . (وَرَجُلٌ يُدَاوِيهَا فَيَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ مَرَضِهَا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً مُدَاوَاتَهَا لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُغَسِّلُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا دُونَ الرَّجُلِ. (الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَالْمُخَنَّثُ فِي النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ كَالْفَحْلِ) أَمَّا الْخَصِيُّ فَلِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْخِصَاءُ مَثُلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَقِيلَ هُوَ أَشَدُّ النَّاسِ جِمَاعًا؛ لِأَنَّ آلَتَهُ لَا تَفْتُرُ بِالْإِنْزَالِ، وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ فَلِأَنَّهُ يُسَاحِقُ فَيُنْزِلُ، وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا اخْتِلَاطَهُ بِالنِّسَاءِ فِي حَقِّهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ. [حُكْم الْعَزْل] (وَيَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ) الْعَزْلُ أَنْ يَطَأَ فَإِذَا قَرُبَ إلَى الْإِنْزَالِ أَخْرَجَ وَلَمْ يُنْزِلْ فِي الْفَرْجِ (بِلَا إذْنِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْجُو أَنْ يَعْظُمَ الْأَجْرُ. اهـ. . وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْيَنَابِيعِ يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ وَفَرْجِ نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْ مَحْرَمِهِ) الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ الْمُنَاكَحَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَاهَرَةُ بِنِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَهُ مَسُّ ذَلِكَ) إنْ أَرَادَ شِرَاءَهَا وَإِنْ خَافَ شَهْوَتَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُطْلِقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يُفَصَّلْ قَالَ مَشَايِخُنَا يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ. اهـ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حِلِّ الْمُسَافَرَةِ وَالْخَلْوَةِ بِأَمَةِ الْغَيْرِ مَعَ أَمْنِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا) الْأَوْلَى عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى قَدَمِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ الضَّرُورَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَسُّ مَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لِقِيَامِ الْمَحْرَمِ وَعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى، بِخِلَافِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوًى، وَالْمُحَرَّمُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى أَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ يَدِهَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا وَالصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى يُبَاحُ مَسُّهَا وَالنَّظَرُ إلَيْهَا لِعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَسَيِّدَتِهِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَكِنَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى مَوْلَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا إجْمَاعًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ بِهَا وَمِثْلُهُ فِي قَاضِي خَانْ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَنُصَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْكَلَامِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ عَطَسَتْ وَكَانَتْ عَجُوزًا شَمَّتَهَا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهَا عَلَى هَذَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَشَاهِدٍ يَشْهَدُ عَلَيْهَا) يَعْنِي يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ عَلَيْهَا لِمَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ النَّظَرُ لِلتَّحَمُّلِ إذَا اشْتَهَى عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مَنْ لَا يَشْتَهِي فَلَا ضَرُورَةَ، بِخِلَافِ حَالَةِ الْأَدَاءِ كَمَا فِي

[فصل ملك الأمة بشراء]

«لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَوْلَى الْأَمَةِ اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت» . (وَ) يَعْزِلُ (عَنْ زَوْجَتِهِ بِهِ) أَيْ بِإِذْنِهَا «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَزْلِ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا» . . (فَصْلٌ) (مَنْ مَلَكَ أَمَةً بِشِرَاءٍ وَنَحْوِهِ) كَهِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَتْ الْجَارِيَةُ (بِكْرًا أَوْ مَشْرِيَّةً مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ) أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَبْدَهُ فَكَذَا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ مُسْتَغْرِقًا بِالدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُ، وَإِنْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ فَكَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَكَاسِبَهُ (أَوْ) مَشْرِيَّةً (مِنْ مَحْرَمِهَا أَوْ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ) بِأَنْ بَاعَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (حَرُمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَالِكِ (وَطْؤُهَا وَدَوَاعِيهِ) مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَحْرُمُ الدَّوَاعِي؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يَحْرُمُ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَيَشْتَبِهَ النَّسَبُ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الدَّوَاعِي وَرُدَّ بِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَيْضًا بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الْبَيْعِ وَيَدَّعِي الْبَائِعُ الْوَلَدَ فَيَسْتَرِدُّهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ وَطْأَهُ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الدَّوَاعِي (حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْمَالِكُ) أَيْ يَتَعَرَّفَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا (بِحَيْضَةٍ فِيمَنْ تَحِيضُ وَبِشَهْرٍ فِي ضِدِّهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ، فَإِنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ، وَإِنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بِأَنْ صَارَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ تَرَكَهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَسْتَبْرِئُهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَتَى صَلَحَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُتَوَهَّمُ بِالنِّكَاحِ فِي الْإِمَاءِ فَلَأَنْ تَصْلُحَ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُتَوَهَّمُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى، كَذَا فِي الْكَافِي (وَيُوضَعُ الْحَمْلُ فِي الْحَامِلِ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَبَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي الْمَسْبِيَّةِ لَكِنَّ سَبَبَ الِاسْتِبْرَاءِ حُدُوثُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِبْرَاءُ لِتَعَرُّفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ مَاؤُهُ بِمَاءِ الْغَيْرِ إذْ لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَعَرَّفَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَلَا يَدْرِي أَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَوَجَبَ التَّعَرُّفُ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْأَوْلَادِ عَنْ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يَدَّعِي الْوَلَدَ فَيَهْلِكُ لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِتَرْبِيَتِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ حَقِيقَةِ الشُّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ لَكِنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى أَمْرٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ تَجْدِيدُ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ وَطْءِ الْمَوْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِدَايَةِ وَبِهَذَا كَانَ يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ الْمَمْلُوكِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ خَافَ أَيْ الرَّجُلُ أَوْ الْمَمْلُوكُ الشَّهْوَةَ (قَوْلُهُ وَيَعْزِلُ عَنْ زَوْجَتِهِ بِهِ) الْمُرَادُ بِهَا الْحُرَّةُ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَبِإِذْنِ مَوْلَاهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ، وَإِذَا عَزَلَ عَنْ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ قَالُوا فِي زَمَانِنَا يُبَاحُ لِسُوءِ الزَّمَانِ، وَإِذَا أَسْقَطَتْ الْوَلَدَ بِالْعِلَاجِ قَالُوا إنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خِلْقَتِهِ لَا تَأْثَمُ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا أَقُولُ بِهِ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ يَكُونُ ضَامِنًا لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ مُؤَاخَذًا بِالْجَزَاءِ ثَمَّ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هُنَا إذَا أَسْقَطَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ إلَّا إنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ. [فَصْلٌ مَلَكَ الْأُمَّة بِشِرَاءِ] (فَصْلٌ) . (قَوْلُهُ: وَنَحْوِ ذَلِكَ) يُرِيدُ بِهِ الْمَجْعُولَةَ بَدَلَ كِتَابَةٍ أَوْ بَدَلَ مَنْفَعَةٍ لِمَا اسْتَأْجَرَهُ وَالْمُسْتَوْلَى عَلَيْهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُشْتَرَاةً مِنْ مَحْرَمِهَا) يُرِيدُ نَحْوَ الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْمُشْتَرَاةَ مِنْ ابْنِ وَاطِئِهَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَاعَهُ أَبُوهُ) أَيْ بَاعَ الْمُشْتَرِيَ لِلْجَارِيَةِ أَبُو الصَّغِيرِ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي بَاعَهُ لِلْجَارِيَةِ وَذُكِرَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: وَدَوَاعِيهِ) شَامِلٌ لِلْمَسْبِيَّةِ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الدَّوَاعِيَ فِي الْمَسْبِيَّةِ يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ وُقُوعُهَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَبَلٌ لَا تَصِحُّ دَعْوَةُ الْحَرْبِيِّ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرَاةِ. اهـ. وَأَجَابَ عَنْ إشْكَالٍ فِيهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُنْقَطِعَةِ الْحَيْضُ) إنْ أَرَادَ بِهِ الْآيِسَةَ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا نَصَّهُ قَبْلَهُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمُمْتَدَّةَ الطُّهْرُ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ الْآتِي أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ فِي حَقِّهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُنَاقِضُهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ كَذَا فِي الْكَافِي أَنَّ هَذَا فِيهِ كَذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكَافِي مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَلْ جَعَلَهُ قَسِيمًا لَهُ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِشَهْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا ارْتَفَعَ حَيْضُهَا بِأَنْ صَارَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ تَرَكَهَا حَتَّى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا قَالُوا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِشَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ يَسْتَبْرِئُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةَ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِأَكْثَرِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ وَهِيَ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْحُرَّةِ ثُمَّ

مَعْلُومًا كَمَا فِي الْأُمُورِ الْمَعْدُودَةِ، فَإِنَّ حِكْمَةَ الْحُكْمِ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا عُلِمَ عَدَمُ وَطْءِ الْمَوْلَى كَيْفَ يُتَوَهَّمُ شَغْلُ الرَّحِمِ لِيَلْزَمَ اخْتِلَاطُ الْمَاءِ وَاشْتِبَاهُ النَّسَبِ قُلْنَا الشَّغْلُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ وَكَذَا التَّوَهُّمُ فِي الْبِكْرِ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الشَّغْلَ يُتَصَوَّرُ بِدُونِ زَوَالِ الْعُذْرَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي أَقُولُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّغْلَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى كَانَ مِنْ الزِّنَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ نِكَاحَ الْمُزَنِيَّة وَوَطْأَهَا جَائِزٌ بِلَا اسْتِبْرَاءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَكَيْفَ يُوجِبُ تَوَهُّمُ الشَّغْلِ مِنْ الزِّنَا الِاسْتِبْرَاءَ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الشَّغْلَ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ كَوْنُهُ مِنْ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلَى زَوَّجَهَا بِآخَرَ كَمَا سَيَأْتِي وَاعْتَرَضَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى قَوْلِهِمْ حِكْمَةُ الْحُكْمِ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ لَا تُرَاعَى فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ لَكِنْ تُرَاعَى فِي الْأَنْوَاعِ الْمَضْبُوطَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ بِكْرًا أَوْ مَشْرِيَّةً مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ زَوَّجَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَاطُ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهُ الْأَنْسَابِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ كَمَا عَرَفْت وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا بِكْرٌ أَوْ مَسْبِيَّةٌ مِنْ امْرَأَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُكْمًا عَامًّا فَلَا يَخْتَصُّ بِالْحِكْمَةِ كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ الْحِكْمَةَ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ} [المائدة: 91] الْآيَةَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ إنِّي أَشْرَبُهَا بِحَيْثُ لَا تُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَلَا تَصُدُّنِي عَنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ غَالِبَةً فِي تَحْرِيمِهَا فَالشَّرْعُ حَرَّمَهَا عَلَى الْعُمُومِ لِمَا أَنَّ فِي التَّخْصِيصِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْخَبْطِ وَتَجَاسَرَ النَّاسُ بِحَيْثُ تَرْتَفِعُ الْحِكْمَةَ، فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي السَّبْيِ عَلَى الْعُمُومِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَذَلِكَ قِيَاسًا، فَإِنَّ الْعِلَّةَ مَعْلُومَةٌ ثُمَّ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ. (وَلَمْ تَكْفِ حَيْضَةٌ مَلَكَهَا فِيهَا) ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَيْضَةُ وَهِيَ اسْمٌ لِلْكَامِلَةِ (وَلَا الَّتِي بَعْدَ الْمِلْكِ وَقِيلَ الْقَبْضُ) ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ قَبْلَ عِلَّتِهِ وَهِيَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ جَمِيعًا فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا (أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا صَحِيحًا أَوْ لَا) أَيْ وَلَمْ تَكْفِ أَيْضًا (وِلَادَةٌ كَذَلِكَ) أَيْ حَصَلَتْ بَعْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ كَمَا سَبَقَ. (وَكَفَتْ حَيْضَةٌ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ ثُمَّ أَسْلَمَتْ أَوْ عَجَزَتْ) يَعْنِي اشْتَرَى أَمَةً مَجُوسِيَّةً أَوْ مُسْلِمَةً فَكَاتَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا ثُمَّ حَاضَتْ الْمُكَاتَبَةُ حَالَ كِتَابَتِهَا أَوْ حَاضَتْ الْمَجُوسِيَّةُ حَالَ مَجُوسِيَّتِهَا حَيْضَةً ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ أَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ أَجْزَأَتْ تِلْكَ الْحَيْضَةُ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ بَعْدَ سَبَبِهِ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لِمَانِعٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ. . (اشْتَرَى مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ مَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْعَبْدِ (إنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ دَيْنُهُ كَفَتْ) تِلْكَ الْحَيْضَةُ عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمَوْلَى وَقَبْضِهِ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ دَيْنُهُ (فَلَا) أَيْ لَا تَكْفِي تِلْكَ الْحَيْضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. (وَيَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ (بِشِرَاءِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ) الْجَارِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجَعَ، وَقَالَ يَسْتَبْرِئُهَا بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ ثَابِتُ النَّسَبِ فَلَا يَلْزَمُ اخْتِلَاطُ الْمِيَاهِ. . . إلَخْ) لَا مَعْنَى لِهَذَا؛ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِأَنَّهَا قَدْ بِيعَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْوِلَادَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ. (تَنْبِيهٌ) لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَثِمَ وَلَا اسْتِبْرَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْمُبْتَغَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا) الْأَنْسَبُ تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَكْفِ أَيْضًا وِلَادَةٌ كَذَلِكَ) فِيهِ خِلَافٌ لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُسْلِمَةً فَكَاتَبَهَا) لَوْ قَالَ أَوْ غَيْرَ مَجُوسِيَّةٍ كَانَ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْكِتَابِيَّةَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَاتَبَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ بَائِعِهَا إذْ لَوْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ سَابِقَةً عَلَى الْقَبْضِ لَا يُحْتَاجُ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْحِيَلِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا (قَوْلُهُ: اشْتَرَى مِنْ مَأْذُونِهِ مَنْ حَاضَتْ عِنْدَهُ) قُيِّدَ بِحَيْضِهَا عِنْدَ الْمَأْذُونِ إذْ لَوْ بَاعَهَا لِمَوْلَاهُ قَبْلَ حَيْضِهَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِبْرَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَأْذُونُ مَدْيُونًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) هُوَ الْقِيَاسُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِحْسَانٌ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ.

(الْمُشْتَرَكَةِ) لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ (لَا) عِنْدَ (عَوْدِ الْآبِقَةِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَأْجَرَة وَفَكِّ الْمَرْهُونَةِ) لِانْتِفَاءِ اسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ. (وَرُخِّصَ حِيلَةُ إسْقَاطِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِالْأَوَّلِ إنْ عُلِمَ عَدَمُ وَطْءِ بَائِعِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَبِالثَّانِي إنْ وَطِئَ وَهِيَ) أَيْ الْحِيلَةِ (أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي) قَبْلَ الشِّرَاءِ (إنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ حُرَّةٌ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا) إذْ بِالنِّكَاحِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ ثُمَّ إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَيَحِلُّ الْوَطْءُ وَيَسْقُطُ الِاسْتِبْرَاءُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ رَأَيْت فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْلِكُهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهِ أَمَّا إذَا اشْتَرَاهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا فَكَمَا اشْتَرَاهَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَلَا نِكَاحَ حَالَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ قَالَ وَهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ وَهَذَا دَقِيقٌ حَسَنٌ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى (وَإِنْ كَانَتْ) تَحْتَهُ حُرَّةٌ (فَهِيَ) أَيْ الْحِيلَةُ (أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ) يُزَوِّجَهَا (الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْ يَوْثُقُ بِهِ) مَفْعُولُ يُزَوِّجَهَا أَيْ يُعْتَمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا (ثُمَّ يَشْتَرِيهَا) الْمُشْتَرِي (وَيَقْبِضُهَا) ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ فَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَلَّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ (أَوْ) يُزَوِّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْ يَوْثُقُ بِهِ وَ (يَقْبِضَ فَيُطَلِّقَ الزَّوْجُ) ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ وَإِذَا حَلَّ بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ فَقَوْلُهُ فَيُطَلِّقَ الزَّوْجُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ أَيْضًا. (مَنْ فَعَلَ بِشَهْوَةٍ إحْدَى دَوَاعِي الْوَطْءِ بِأَمَتَيْهِ لَا يَجْتَمِعَانِ نِكَاحًا) صِفَةُ أَمَتَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتَا أُخْتَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا (حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْءُ وَاحِدَةٍ) مِنْهُمَا (وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ أَمَتَانِ كَمَا ذُكِرَ فَقَبَّلَهُمَا مَثَلًا بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُجَامِعُ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَلَا يُقَبِّلُهَا وَلَا يَمَسُّهَا بِشَهْوَةٍ حَتَّى يَمْلِكَ فَرْجَ الْأُخْرَى غَيْرُهُ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ يُعْتِقَهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] عَطْفًا عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ تَحْرِيمِهِنَّ تَحْرِيمُهُنَّ فِي حَقِّ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ وَأَسْبَابِهِ بِالْإِجْمَاعِ. (وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ وَعِنَاقُهُ فِي إزَارٍ) وَاحِدٍ (وَلَوْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ) أَوْ جُبَّةٌ (لَا يُكْرَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا عِنْدَ عَوْدِ الْآبِقَةِ) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا فِي إبْطَالِ بَيْعٍ بِخِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَلَوْ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا بَاعَ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ وَسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا قَبْلَ وَطْءِ الْمُشْتَرِي لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَرَدِّ الْمَغْصُوبَةِ) أَيْ إذَا لَمْ يَبِعْهَا الْغَاصِبُ فَإِنْ بَاعَهَا وَسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضَاءٍ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي عَلِمَ بِالْغَصْبِ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمَالِكِ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ لَمْ يَطَأْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَّهَا غَصْبٌ إنْ لَمْ يَطَأْ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَيُفْتَى بِالْأَوَّلِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ) قَالَ قَاضِي خَانْ ثُمَّ يُسَلِّمَهَا الْمَوْلَى إلَيْهِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُ الْجَارِيَةِ إلَيْهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ. اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ. (قَوْلُهُ: قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ رَأَيْت فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ. . . إلَخْ) نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ ظَهِيرُ الدِّينِ عِنْدِي يُشْتَرَطُ. . . إلَخْ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَهُ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُعْتَمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا) فَإِنْ خَشَى عَدَمَ طَلَاقِهِ يُزَوِّجُهَا عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهِ مَتَى شَاءَ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُطَلِّقَ الزَّوْجُ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَقُيِّدَ بِطَلَاقِهِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي الِاسْتِبْرَاءُ إذَا قَبَضَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِذَا قَبَضَهَا وَالْقَبْضُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ وَلَا عِدَّةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُزَوِّجَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ وَيَقْبِضَ إلَى آخِرِ شَرْحِهَا) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ قَبْلَهُ (قُلْت) بَقِيَ حِيلَةٌ رَابِعَةٌ هِيَ أَحْسَنُ الْحِيَلِ وَهِيَ أَنْ يُكَاتِبَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَقْبِضَهَا فَيُفْسَخَ بِرِضَاهَا، كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا وَهَذِهِ أَسْهَلُ الْحِيَلِ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ حَالٍّ أَوْ مُنَجَّمٍ بِقَرِيبٍ فَتَعْجِزُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ يُعْتِقَهَا) مِثْلُهُ الْكِتَابَةُ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالتَّدْبِيرِ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَقْبِيلُ الرَّجُلِ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ فَشَمِلَ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَبِّلَ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ لَا تُكْرَهُ الْمُعَانَقَةُ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ

وَعَنْ عَطَاءٍ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الْمُعَانَقَةِ فَقَالَ أَوَّلُ مَنْ عَانَقَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ بِمَكَّةَ فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ فَلَمَّا وَصَلَ بِالْأَبْطَحِ قِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ وَعَانَقَهُ وَكَانَ هُوَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُعَانَقَةِ وَتَجْوِيزِهَا وَالشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ وَرَخَّصَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَقْبِيلَ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ الْمُتَوَرِّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ (كَمُصَافَحَتِهِ) ، فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ لِمَا رَوَى «أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ نَعَمْ» . (وَكُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ صِرْفَةً) وَهِيَ رَجِيعُ الْآدَمِيِّ (وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةً) بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا (كَبَيْعِ السِّرْقِينِ) حَيْثُ جَازَ فِي الصَّحِيحِ (وَصَحَّ الِانْتِفَاعُ بِمَخْلُوطِهَا) فِي الصَّحِيحِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ. (وَجَازَ أَخْذُ دَيْنٍ عَلَى كَافِرٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ) يَعْنِي إذَا كَانَ دَيْنُ الْمُسْلِمِ عَلَى كَافِرٍ فَبَاعَ الْمَدْيُونُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهُ لِدَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ الْمَدْيُونُ مُسْلِمًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ فَالثَّمَنُ حَرَامٌ. . . (وَ) جَازَ (تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ (وَتَعْشِيرُهُ وَنَقْطُهُ) ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَاتِ وَالْآيَ تَوْقِيفِيَّةٌ لَا مَدْخَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ عَطَاءٍ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَرَخَّصَ الشَّيْخُ. . . إلَخْ) هَذَا، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ سُفْيَانَ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ سُنَّةٌ وَتَقْبِيلُ يَدِ غَيْرِهِ لَا يُرَخَّصُ فِيهِ. اهـ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ. اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ وَتَكَلَّمُوا فِي تَقْبِيلِ يَدِ غَيْرِهِمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ لِإِسْلَامِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَبَّلَ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمُصَافَحَتِهِ) لَا تَخْتَصُّ الْمُصَافَحَةُ بِالْعَالِمِ وَالْمُتَوَرِّعِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَارَثُ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» . اهـ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُقَالَ لَا بَأْسَ بَلْ يُنْدَبُ أَوْ نَحْوُهُ لِلْأَثَرِ فِي الْمُصَافَحَةِ وَلِي رِسَالَةٌ فِي الْمُصَافَحَةِ عَقِبَ الصَّلَاةِ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِيَامِ لِلْغَيْرِ، وَقَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ يَحْرُمُ تَقْبِيلُ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ لِلتَّحِيَّةِ وَقِيَامُ التَّالِي لِلدَّاخِلِ عَلَيْهِ إلَّا لِأُسْتَاذِهِ أَوْ أَبِيهِ وَيُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ لِلسُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ، قِيلَ: وَالْقِيَامُ لِلتَّعْظِيمِ كَتَقْبِيلِ يَدِ نَفْسِهِ أَوْ يَدِ الْمَحْيَا عِنْدَ السَّلَامِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَمْ يَذْكُرْ الْقِيَامَ تَعْظِيمًا لِلْغَيْرِ وَرَوَى أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكْرَهُ الْقِيَامَ» وَعَنْ الشَّيْخِ الْحَكِيمِ أَبِي الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ يَقُومُ لَهُ وَيُعَظِّمُهُ وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لِأَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَتَوَقَّعُونَ مِنِّي التَّعْظِيمَ فَلَوْ تَرَكْت تَعْظِيمَهُمْ لَتَضَرَّرُوا وَالْفُقَرَاءَ وَطَلَبَةَ الْعِلْمِ لَا يَطْمَعُونَ مِنِّي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَطْمَعُونَ جَوَابَ السَّلَامِ وَالْكَلَامُ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَتَضَرَّرُونَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ. اهـ. . وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى لِلْأَنْطَاكِيِّ قِيَامُ الْقَارِئِ جَائِزٌ إذَا جَاءَ أَعْلَمُ مِنْهُ أَوْ أُسْتَاذُهُ الَّذِي عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْعِلْمَ أَوْ أَبُوهُ أَوْ أُمُّهُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْجَائِي مِنْ الْأَجِلَّةِ وَالْأَشْرَافِ وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِعَيْنِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ تَحِيَّةُ الْقِيَامِ لِمَنْ يُقَامُ لَهُ فَإِنْ قَامَ لِمَنْ لَا يُقَامُ لَهُ لَا يُكْرَهُ. اهـ. . (قَوْلُهُ: كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) الْكَرَاهَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَكِنَّ مُقَابَلَتَهُ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةً بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ بَيْعِ الْخَالِصَةِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالصِّحَّةِ الْحِلُّ. (قَوْلُهُ: غَالِبٍ عَلَيْهَا) كَذَا قُيِّدَ بِالْغَلَبَةِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا مَخْلُوطَةً بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْغَلَبَةِ فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَخْلُوطَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَكَذَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَخْلُوطِ لَا بِغَيْرِ الْمَخْلُوطِ فِي الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَبَيْعِ السِّرْقِينِ) هُوَ رَجِيعُ مَا سِوَى الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ حَيْثُ جَازَ فِي الصَّحِيحِ) يُفِيدُ أَنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ لَا يَجُوزُ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ وَلَمْ أَرَ خِلَافًا فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ بَيْعِ السِّرْقِينِ عِنْدَنَا وَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي، وَقَدْ تَمَوَّلَ الْمُسْلِمُونَ السِّرْقِينَ وَانْتَفَعُوا بِهِ فَإِنَّهُمْ يُلْقُونَهُ فِي الْأَرْضِ لِاسْتِكْثَارِ الرِّيعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ الَّذِي قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْعَذِرَةِ الْمَخْلُوطَةِ لَا الْخَالِصَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْخَالِصَةِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ) التَّحْلِيَةُ غَيْرُ التَّمْرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ) وَلِذَا كُرِهَ مَدُّ الرَّجُلِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ عَلَى الْعُلُوِّ فَلَمْ يُحَاذِهِ، وَإِذَا صَارَ خَلَقًا بِحَيْثُ لَا يُقْرَأُ فِيهِ يُجْعَلُ فِي خَرِيطَةٍ وَيُدْفَنُ كَالْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَالَ فِي غَيْرِهَا يُغْسَلُ فِي مَاءٍ جَارٍ وَلَا يُحْرَقُ. اهـ. وَفِي قَاضِي خَانْ

[دخول الذمي المسجد]

لِلرَّأْيِ فِيهَا فَبِالتَّعْشِيرِ حِفْظُ الْآيِ وَبِالنَّقْطِ حِفْظُ الْإِعْرَابِ وَلِأَنَّ الْعَجَمِيَّ الَّذِي لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ فَذَلِكَ فِي زَمَانِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أُنْزِلَ وَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ سَهْلًا عَلَيْهِمْ وَيَرَوْنَ النَّقْطَ مَحَلًّا لِحِفْظِ الْإِعْرَابِ وَالتَّعْشِيرَ مَحَلًّا لِحِفْظِ الْآيِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَجَمِيُّ فِي زَمَانِنَا فَيُسْتَحْسَنُ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدَدِ الْآيِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا فَمُسْتَحْسَنٌ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، كَذَا قَالَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ. . (وَ) جَازَ (دُخُولُ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ) وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ. (وَ) جَازَ (عِيَادَتُهُ) إذَا مَرِضَ. (وَخِصَاءُ الْبَهَائِمِ، وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْحُقْنَةُ وَسَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَةِ بِلَا مَحْرَمٍ) فَإِنَّ مَسَّ أَعْضَائِهَا فِي الْإِرْكَابِ كَمَسِّ مَحْرَمٍ. وَفِي الْكَافِي قَالُوا هَذَا فِي زَمَانِهِمْ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ فِيهِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ فِيهِ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ. (وَشِرَاءُ أَخٍ وَعَمٍّ وَأُمٍّ وَمُلْتَقِطٍ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِطِفْلٍ فِي حِجْرِهِمْ) أَصْلُهُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الصَّغِيرِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فَيَمْلِكُهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَلِيًّا كَانَ أَوْ لَا كَقَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَيَمْلِكُهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا وَنَوْعٌ هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَلَا يَمْلِكُهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ عَلَيْهِ وَنَوْعٌ هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّغِيرُ فِي أَيْدِيهِمْ لِأَنَّهُمْ مُتَصَرِّفُونَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمْ، كَذَا فِي الْكَافِي وَاسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ نَوْعٌ رَابِعٌ وَهُوَ الْإِنْكَاحُ فَيَجُوزُ مِنْ كُلِّ عَصَبَةٍ وَمِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَ) جَازَ (إجَارَةُ أُمِّهِ فَقَطْ) دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكْرَهُ تَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ وَأَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ، وَإِذَا أَمْسَكَ الْمُصْحَفَ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَقْرَأُ فِيهِ إنْ نَوَى بِهِ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ لَا يَأْثَمُ بَلْ يُرْجَى لَهُ الثَّوَابُ اهـ. [دُخُولُ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ] (قَوْلُهُ: وَجَازَ دُخُولُ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ) إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُمَا فِيهِ تَسَاهُلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ دُخُولُ الذِّمِّيِّ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا وَالْمُرَادُ عِنْدَنَا بِالْمَنْعِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] مَنَعَهُمْ عَنْ الطَّوَافِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ عِيَادَتُهُ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَجُوسِيَّ وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَجُوسِيًّا لَا يَعُودُهُ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقِيلَ يَعُودُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إظْهَارِ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَتَرْغِيبِهِ وَتَأْلِيفِهِ، وَقَدْ نُدِبْنَا إلَيْهِ وَلَا يَدْعُو لِلذِّمِّيِّ بِالْمَغْفِرَةِ وَلَوْ دَعَا لَهُ بِالْهُدَى جَازَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِي قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَوْ دَعَا لَهُ بِطُولِ الْعُمُرِ قِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ التَّمَادِيَ عَلَى الْكُفْرِ وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي طُولِ عُمُرِهِ انْتِفَاعَ الْمُسْلِمِينَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ فَيَكُونُ دُعَاءً لَهُمْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّعَاءُ بِالْعَافِيَةِ وَلَا بَأْسَ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَى الذِّمِّيِّ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهُ وَتَكْرِيمَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الْفَاسِقِ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْعِيَادَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. [خِصَاءُ الْبَهَائِمِ وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ] (قَوْلُهُ: وَخِصَاءُ الْبَهَائِمِ) شَامِلٌ لِلسِّنَّوْرِ وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِكَيِّ الْأَغْنَامِ وَكَيِّ الصَّبِيِّ إنْ مِنْ مَرَضٍ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْحُقْنَةُ) يُرِيدُ بِهَا التَّدَاوِيَ لَا التَّسْمِينَ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ وَلَا يَجُوزُ بِالنَّجِسِ كَالْخَمْرِ وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالطَّاهِرِ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالْحُرْمَةُ تَرْتَفِعُ لِلضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَدَاوِيًا بِالْحَرَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» أَوْ يُحْمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ فِي دَاءٍ عُرِفَ لَهُ دَوَاءٌ غَيْرَ الْمُحَرَّمِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (تَتِمَّةٌ) لَا بَأْسَ بِالرُّقَى لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَا جَاءَ فِيهِ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ إذْ كَانُوا يَرْقُونَ بِكَلِمَاتِ كُفْرٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ امْرَأَةٌ أَرَادَتْ أَنْ تَصْنَعَ تَعَاوِيذَاتٍ لِيُحِبَّهَا زَوْجُهَا بَعْدَمَا كَانَ يَبْغَضُهَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ. اهـ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ» وَالتُّوَلَةُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَافِي. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ وَجَازَ إجَارَةُ أُمِّهِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَتْنًا وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي حِجْرِ الْعَمِّ فَآجَرَتْهُ أُمُّهُ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ هُنَا لِلْعَمِّ، كَذَا فِي الْكَافِي وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطَ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

[حمل خمر ذمي بأجر]

الْمَذْكُورِينَ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ هَؤُلَاءِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ الْوِلَايَةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ فَالْوِلَايَةُ إلَى أَبِ الْأَبِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّ وَصِيِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْقَاضِي وَمَنْ نَصَبَهُ وَلِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وِلَايَةُ التِّجَارَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الْإِجَارَةِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَفِي الْمَقُولَاتِ وَالْعَقَارَاتِ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُمْ وَإِجَارَتُهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ بِمِقْدَارِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ الْعَقْدِ وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُهُمْ لِلصَّغِيرِ وَشِرَاؤُهُمْ لَهُ إنْ كَانَ عَلَى الْمَعْرُوفِ جَازَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ نَفَذَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا وَإِذَا أَدْرَكَ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى النَّفْسِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَبْطَلَ الْإِجَارَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَمْلَاكِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ. وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْقَاضِي الصَّغِيرُ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ قِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ حَتَّى إذَا آجَرَهُ أَحَدُهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ، وَلَوْ بِالْأَقَلِّ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِلْأَبِ أَنْ يُعِيرَ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ مَالَهُ قَالَ وَتَأْوِيلُهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي تَعَلُّمِ الْحِرْفَةِ بِأَنْ دَفَعَهُ إلَى أُسْتَاذٍ لِيُعَلِّمَهُ الْحِرْفَةَ وَيَخْدُمَ أُسْتَاذَه أَمَّا إذَا كَانَ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. . (وَ) جَازَ (بَيْعُ الْعَصِيرِ مِنْ مُتَّخِذِهِ خَمْرًا) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ، بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ كَمَا مَرَّ. [حَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ بِأَجْرٍ] . (وَ) جَازَ (حَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ بِأَجْرٍ) خِلَافًا لَهُمَا (لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ. (إجَارَةُ بَيْتٍ بِالْأَمْصَارِ وَبِقُرَانَا لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ) لِلْمَجُوسِ (أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْعَةٌ) لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (أَوْ يُبَاعَ فِيهِ الْخَمْرُ) ، وَإِنَّمَا قَالَ بِقُرَانَا، إذْ قَدْ نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ جَوَّزَ مَا ذُكِرَ فِي السَّوَادِ لَكِنْ قَالُوا مُرَادُهُ سَوَادُ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَأَمَّا فِي سَوَادِ بِلَادِنَا فَأَعْلَامُ الْإِسْلَامِ فِيهَا ظَاهِرَةٌ فَلَا يُمَكَّنُونَ فِيهَا أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَافِي. . (وَجَازَ بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ) بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِلْكُ مَنْ بَنَاهَا أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ بَنَى عَلَى الْأَرْضِ الْوَقْفِ جَازَ بَيْعُهُ فَهَذَا كَذَلِكَ (وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ أَرْضِهَا) جَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. . (وَ) جَازَ (تَقْيِيدُ الْعَبْدِ) احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ (بِخِلَافِ الْغُلِّ) أَيْ جَعْلِ الْغُلِّ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ الظَّلَمَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِوَضْعِ الرَّايَةِ يَعْنِي الْغُلَّ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي الْهُنُودِ. . (وَ) جَازَ (قَبُولُ هَدِيَّتِهِ تَاجِرًا وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ لَكِنْ جُوِّزَ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لِلضَّرُورَةِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ كَالضِّيَافَةِ لِيَجْتَمِعَ إلَيْهِ الْمُجَاهِرُونَ وَيَجْلُبُ قُلُوبَ الْمُعَامِلِينَ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ (وَكُرِهَ كِسْوَتُهُ ثَوْبًا وَإِهْدَاؤُهُ النَّقْدَيْنِ) لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ. . . (وَ) كُرِهَ (اسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: إلَى الْأَبِ وَوَصِيِّهِ) أَيْ ثُمَّ وَصِيِّهِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَوْ بِالْأَقَلِّ) هَذَا وَلَوْ حُمِلَ الْأَقَلُّ عَلَى الْغَبْنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْفَاحِشِ انْتَفَتْ الْمُخَالَفَةُ (قَوْلُهُ: وَجَازَ حَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ بِأَجْرٍ) أَيْ فَيَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً مِنْهَا حَامِلُهَا» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا آجَرَ دَابَّتَهُ لِنَقْلِ الْخَمْرِ أَوْ نَفْسَهُ لِرَعْيِ الْخِنْزِيرِ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِ أَرْضِهَا) اُقْتُصِرَ فِي الْكَنْزِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا، وَقَالَ شَارِحُهُ قَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ ثُمَّ قَالَ وَيُكْرَهُ إجَارَةُ أَرْضِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَكَلَ أُجُورَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا» وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ الْبَيْعِ وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقُنْيَةِ) عَزَاهُ الزَّيْلَعِيُّ لِلنِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ اسْتِخْدَامُ الْحَصَى) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٍ إطْلَاقُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْخِدْمَةِ مَكْرُوهٌ وَذَكَرَ فِي الْأَوْضَحِ إنَّمَا يُكْرَهُ اسْتِخْدَامُهُ فِي الْخِدْمَةِ الْمَعْهُودَةِ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْحَرِيمِ. اهـ. .

[احتكار قوت البشر والبهائم]

؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يُعْرَى عَنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ. . (وَ) كُرِهَ (إقْرَاضُ بَقَّالٍ دَرَاهِمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعَهَا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوْدِعَهُ دَرَاهِمَ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا شَاءَ جُزْءًا فَجُزْءًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَا شَيْءَ عَلَى الْآخِذِ. . (وَ) كُرِهَ (اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَكُلِّ لَهْوٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةً مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ وَمُنَاضَلَتَهُ لِقَوْسِهِ» وَأَبَاحَ الشَّافِعِيُّ الشِّطْرَنْجَ بِلَا قِمَارٍ وَلَا إخْلَالٍ بِحِفْظِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَشْحِيذَ الْخَاطِرِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. (وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ وَالْفَرَسِ وَالْإِبِلِ إنْ شُرِطَ الْمَالُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ) بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقْتنِي فَلَكَ كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ لِي لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا سَبْقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَيْ بَعِيرٍ أَوْ نَضْلٍ أَيْ رَمْيٍ أَوْ حَافِرٍ أَيْ فَرَسٍ» (وَحَرُمَ لَوْ) شَرَطَاهُ (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك أَعْطَيْتُك كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَأَعْطِنِي كَذَا (إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا بَيْنَهُمَا) وَقَالَا لِلثَّالِثِ إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِنْ سَبَقْنَاك فَلَا شَيْءَ لَنَا عَلَيْك وَلَكِنْ أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ وَكَذَا الْمُتَفَقِّهَةُ إذَا شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا الَّذِي مَعَهُ الصَّوَابُ صَحَّ، وَإِنْ شَرَطَاهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُسَابَقَةِ. . (وَ) كُرِهَ قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك (بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) يُرْوَى بِعِبَارَتَيْنِ الْأُولَى مِنْ الْعَقْدِ وَالثَّانِيَةُ مِنْ الْقُعُودِ وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الثَّانِيَةِ لِاسْتِحَالَةِ مَعْنَاهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ بِهَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَعِزُّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ مِنْ دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» وَلَعَلَّ السِّرَّ فِي تَجْوِيزِهِمَا جَوَازُ جَعْلِ الْعِزِّ صِفَةً لِلْعَرْشِ لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ فَكَذَا بِالْعِزِّ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْهَيْبَةِ وَإِظْهَارِ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ. . (وَ) كُرِهَ قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ (بِحَقِّ فُلَانٍ) وَكَذَا بِحَقِّ أَنْبِيَائِك أَوْ أَوْلِيَائِك أَوْ رُسُلِك أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إذْ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ بِلَا وُجُوبٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِغَيْرِهِ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ. [احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ] . (وَ) كُرِهَ (احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إقْرَاضُ بَقَّالٍ دَرَاهِمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ مَا شَاءَ) أَيْ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا يُقَابِلُ الدَّرَاهِمَ جُزْءًا فَجُزْءًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ حَالَ الْقَرْضِ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مَشْرُوطًا عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْقَرْضِ جَازَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ غَلَّةٍ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَدَّ صِحَاحٍ كُرِهَ وَإِنْ رَدَّ صِحَاحًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا يُكْرَهُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْكَرْخِيِّ. اهـ. وَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْقَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهَا تَبَرُّعًا أَوْ شِرَاءً أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِهَذَا أَوْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا أَخَذَ يَقُولُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَأْخُذُ فَهُوَ عَلَى مَا قَاطَعْتُك عَلَيْهِ. [اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَكُلِّ لَهْوٍ] (قَوْلُهُ وَكُرِهَ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ) كَذَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى لَاعِبِيهِ اسْتِحْقَارًا بِهِمْ وَإِهَانَةً لَهُمْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهِ بَأْسًا لِشَغْلِهِمْ عَنْ اللَّعِبِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ شَرَطَهُ ثَالِثٌ لِأَسْبَقِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا بَيْنَهُمَا) أَيْ وَفَرَسُهُ كُفُؤٌ لِفَرَسَيْهِمَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إدْخَالِهِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَأَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ الْمَالَ) أَيْ وَلَمْ يَسْبِقْهُمَا الثَّالِثُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا، وَإِذَا قَالَ الْأَمِيرُ لِجَمَاعَةِ الْفُرْسَانِ أَوْ الرُّمَاةِ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ أَوْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى تَعْلِيمِ آلَةِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْكَافِي ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَلَكِنَّا نَقُولُ: هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِامْتِنَاعِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فَيُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ إذْ الْمُتَشَابِهُ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ. اهـ. . وَفِي الِاخْتِيَارِ وَمَا رَوَاهُ خَبَرُ آحَادٍ وَلَا يُتْرَكُ بِهِ الِاحْتِيَاطُ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ) وَالِاحْتِكَارُ حَبْسُ الطَّعَامِ لِلْغَلَاءِ افْتِعَالٌ مِنْ حَكِرَ إذَا ظَلَمَ وَنَقَصَ وَحَكِرَ بِالشَّيْءِ إذَا اسْتَبَدَّ بِهِ وَحَبَسَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَتَقْيِيدُهُ بِقُوتِ الْبَشَرِ وَالْبَهَائِمِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ وَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا كَذَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) أُطْلِقَ الْبَلَدُ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْكَافِي يُكْرَهُ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ بِأَنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ صَغِيرَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَنْ كَانَ

لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ وَفِي الِامْتِنَاعِ عَنْ الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ وَيَجِبُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبِعْ عَزَّرَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ إنْ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَمُدَّةُ الْحَبْسِ قِيلَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقِيلَ شَهْرٌ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ يَأْثَمُ، وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ (لَا غَلَّةِ أَرْضِهِ وَمَجْلُوبِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ. (وَلَا يُسَعِّرُ حَاكِمٌ إلَّا إذَا تَعَدَّى الْأَرْبَابُ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ. يُكْرَهُ إمْسَاكُ الْحَمَامَاتِ إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ حَمَامَاتٌ مَمْلُوكَةٌ يُطَيِّرُهَا فَوْقَ السَّطْحِ مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَكْسِرُ زُجَاجَاتِ النَّاسِ بِرَمْيَةِ تِلْكَ الْحَمَامَاتِ يُعَزَّرُ وَيُمْنَعُ أَشَدَّ الْمَنْعِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ ذَبَحَهَا الْمُحْتَسِبُ. (وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِيرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ وَقَّتَ لِقَلْمِ أَظَافِيرِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالُوا إنْ كَانَ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِهَا تَأْخِيرًا فَاحِشًا كَانَ مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا يَكُونُ رِزْقُهُ ضَيِّقًا، فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ وَأَخَّرَهُ تَبَرُّكًا بِالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» . . (وَ) يُسْتَحَبُّ (حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً) فِي الْقُنْيَةِ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظَافِرَهُ وَيُحْفِيَ شَارِبَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمِصْرُ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ مِنْ غَيْرِ إضْرَارٍ بِغَيْرِهِ وَكَذَا تَلَقِّي الْجَلْبِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ إذَا لَمْ يُلْبِسْ الْمُتَلَقِّي عَلَى التُّجَّارِ سِعْرَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَبَّسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ سَوَاءٌ أَضَرَّ أَوْ لَمْ يَضُرَّ بِالْبَلْدَةِ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَزَادَ فِي الْكَافِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَكَرَ عَلَى النَّاسِ الطَّعَامَ رَمَاهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ) أَيْ إلَى زَمَنٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّعَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَبِيعُ إنْ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا) وَاضِحٌ عَلَى قَوْلِهِمَا وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَرَى الْحَجْرَ لِضَرَرٍ عَامٍّ كَمَا فِي الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ. وَفِي الِاخْتِيَارِ قَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَيْسَ هَذَا حَجْرًا وَإِنَّمَا هُوَ دَفْعٌ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ. اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمُدَّةُ الْحَبْسِ قِيلَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. . وَفِي الْكَافِي مَرْوِيًّا «مَنْ احْتَكَرَ الطَّعَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَطْلُبُ الْقَحْطَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَالصَّرْفُ النَّفَلُ وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ يَأْثَمُ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالِاخْتِيَارِ ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّجَارَةَ فِي الطَّعَامِ مَكْرُوهَةٌ فَإِنَّهَا تُوجِبُ الْمَقْتَ فِي الدُّنْيَا وَالْإِثْمَ فِي الْآخِرَةِ. اهـ. . وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِمُنْلَا مِسْكِينٍ هَذَا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الِاحْتِكَارِ وَتَرَبُّصِ الْغَلَاءِ وَقَصَدَ الْإِضْرَارَ بِالنَّاسِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُودٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَجْلُوبُهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكْرَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْعَامَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنَّ نَقْلَهُ مِنْ مَوْضِعٍ يُجْلَبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ فِي الْغَالِبِ يُكْرَهُ حَبْسُهُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ تَعَلَّقَ بِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُؤَخَّرًا قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ. (قَوْلُهُ فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَخَافُ إنْ نَقَصَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْنِي مَا تُحِبُّ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَهُ يَحِلُّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. اهـ. . وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَشَاعَ بَيْنَهُمْ فَدَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ مِنْهُمَا دِرْهَمًا لِيُعْطِيَهُ فَأَعْطَاهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ إلَّا بِسِعْرِ الْبَلَدِ. (قَوْلُهُ: قَالَ قَاضِي خَانْ. . . إلَخْ) وَفِيهِ إذَا قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَ ذَلِكَ فَإِنْ رَمَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْكَنِيفِ أَوْ الْمُغْتَسَلِ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ دَاءً وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ حَلَقْت رَأْسِي بِمَكَّةَ فَخَطَّأَنِي الْحَجَّامُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْهَا أَنِّي جَلَسْت مُسْتَدْبِرًا فَقَالَ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَنَاوَلْته الْجَانِبَ الْأَيْسَرَ فَقَالَ الْأَيْمَنُ وَأَرَدْت أَنْ أَذْهَبَ بَعْدَ الْحَلْقِ فَقَالَ ادْفِنْ شَعْرَك فَدَفَنْته. اهـ. . (قَوْلُهُ وَيُحْفِيَ شَارِبَهُ) الْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُحْفُوا الشَّارِبَ وَاعْفُوَا اللِّحَى» وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ وَالتَّقْصِيرُ مِنْهَا سُنَّةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ؛ لِأَنَّهَا زِينَةٌ وَكَثْرَتُهَا مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ وَطُولُهَا الْفَاحِشُ خِلَافُ الزِّينَةِ وَالسُّنَّةُ النَّتْفُ فِي الْإِبِطِ وَلَا بَأْسَ بِالْحَلْقِ وَيَبْتَدِئُ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ مِنْ تَحْتِ السُّرَّةِ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالسُّنَّةُ حَلْقُ الشَّارِبِ وَقَصُّهُ حَسَنٌ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَقِصَ عَنْ الْإِطَارِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا

[فصل تعليم صفة الإيمان للناس وبيان خصائص أهل السنة]

وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ وَيُنَظِّفَ بَدَنَهُ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ فَالْأُسْبُوعُ هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأَوْسَطُ وَالْأَرْبَعُونَ الْأَبْعَدُ وَلَا عُذْرَ فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ وَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ. وَفِي الْمُحِيطِ ذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ أَنْ وَفِّرُوا الْأَظَافِيرَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّهَا سِلَاحٌ وَهَذَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِلْمُجَاهِدِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ كَانَ قَصُّ الْأَظَافِرِ مِنْ الْفِطْرَةِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ السِّلَاحُ مِنْ يَدِهِ وَقَرُبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ رُبَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِأَظَافِيرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ قَصِّ الشَّارِبِ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَفِي حَقِّ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ تَوْفِيرَ شَارِبِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ. (رَجُلٌ تَعَلَّمَ عِلْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَهُ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ وَآخَرُ لِيَعْمَلَ بِهِ فَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ تَعَلُّمِ الْخَلْقِ أَكْثَرُ. جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ مُذَاكَرَةَ الْعِلْمِ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَفِيهَا رَجُلٌ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يَكُونُ عُقُوقًا قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ مُلْتَحِيًا، وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ الْخُرُوجِ وَمُرَادُهُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ وَمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ دُونَ عِلْمِ الْكَلَامِ وَأَمْثَالِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ. فَإِذَا كَانَ حَالُ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُتَدَاوَلِ فِي زَمَانِهِمْ هَكَذَا فَمَا ظَنُّك بِالْكَلَامِ الْمَخْلُوطِ بِهَذَيَانَاتِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَغْمُورِ بَيْنَ أَبَاطِيلِهِمْ الْمُزَخْرَفَةِ. وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ عَلِمَ أَنَّ فُلَانًا يَتَعَاطَى مِنْ الْمُنْكَرِ هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى أَبِيهِ بِذَلِكَ قَالُوا: إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ إلَى أَبِيهِ يَمْنَعُهُ الْأَبُ عَنْ ذَلِكَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ وَإِلَّا فَلَا يَكْتُبُ كَيْ لَا تَقَعَ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ وَالْحَشَمِ إنَّمَا يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ الرَّجُلَ إذَا كَانَ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ فَذِكْرُهُ بِمَا فِيهِ لَا يَكُونُ غِيبَةً، وَإِنْ أَخْبَرَ السُّلْطَانَ بِذَلِكَ لِيَزْجُرَهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يَذْكُرُ مَسَاوِئَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ يَذْكُرَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ يُرِيدُ السَّبَّ، حُكِيَ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ الْحَافِظِ كُنْت أُفْتِي بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ رَجَعْت عَنْهَا كُنْت أُفْتِي أَنْ لَا يَحِلَّ لِلْمُعَلِّمِ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَكُنْت أُفْتِي أَنْ لَا يَنْبَغِيَ لِلْعَالِمِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى السُّلْطَانِ وَكُنْت أُفْتِي أَنْ لَا يَنْبَغِيَ لِصَاحِبِ الْعِلْمِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْقُرَى فَيُذَكِّرَهُمْ لِيَجْمَعُوا لَهُ شَيْئًا فَرَجَعْت عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. (صِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ) وَلَوْ بِسَلَامٍ وَتَحِيَّةٍ وَهَدِيَّةٍ وَهِيَ مُعَاوَنَةُ الْأَقَارِبِ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ وَالتَّلَطُّفُ بِهِمْ وَالْمُجَالَسَةُ إلَيْهِمْ وَالْمُكَالَمَةُ مَعَهُمْ وَيَزُورُ ذَوِي الْأَرْحَامِ غِبًّا، فَإِنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ أُلْفَةً وَحُبًّا بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَيَكُونُ كُلُّ قَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ يَدًا وَاحِدَةً فِي التَّنَاصُرِ وَالتَّظَاهُرِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَلَا يَرُدُّ بَعْضُهُمْ حَاجَةَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ فِي الْحَدِيثِ «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «لَا تَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ» وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ اللَّهَ يَصِلُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَيَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . [فَصْلٌ تَعْلِيمَ صِفَةِ الْإِيمَانِ لِلنَّاسِ وَبَيَانَ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ] (فَصْلٌ) فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ تَعْلِيمَ صِفَةِ الْإِيمَانِ لِلنَّاسِ وَبَيَانَ خَصَائِصِ أَهْلِ السُّنَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ.، وَقَالَ قَاضِي خَانْ حَتَّى يُوَازِيَ الطَّرَفَ مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَيَصِيرَ مِثْلَ الْحَاجِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ) عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ أَصْبَحَ الْوَجْهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَمُرَادُهُ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ) مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِقَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: دُونَ عِلْمِ الْكَلَامِ) يَعْنِي فِيمَا وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ كَرِهَ أَبُو حَنِيفَةَ تَعَلُّمَ الْكَلَامِ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ وَرَاءَ قَدْرِ الْحَاجَةِ. اهـ. [صِلَة الرحم] (فَصْل)

وَالْجَمَاعَةِ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ وَلِلسَّلَفِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ تَصَانِيفُ وَالْمُخْتَصَرِ أَنْ يَقُولَ مَا أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ قَبِلْتُهُ وَمَا نَهَانِي عَنْهُ انْتَهَيْت عَنْهُ فَإِذَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَأَقَرَّ بِلِسَانِهِ كَانَ إيمَانُهُ صَحِيحًا وَكَانَ مُؤْمِنًا بِالْكُلِّ وَفِيهِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لَا أَدْرِي أَصَحِيحٌ إيمَانِي أَمْ لَا فَهَذَا خَطَأٌ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ نَفْيَ الشَّكِّ كَمَنْ يَقُولُ لِشَيْءٍ نَفِيسٍ لَا أَدْرِي أَيَرْغَبُ فِيهِ أَحَدٌ أَمْ لَا وَمَنْ شَكَّ فِي إيمَانِهِ، وَقَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كَافِرٌ إلَّا أَنْ يُؤَوِّلَهَا فَقَالَ لَا أَدْرِي أَخَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا مُؤْمِنًا فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ كَافِرًا. وَفِي الْمُحِيطِ مَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ الْكُفْرِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا كُفْرٌ إنْ كَانَ عَنْ اعْتِقَادٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا لَفْظَةُ الْكُفْرِ وَلَكِنْ أَتَى بِهَا عَنْ اخْتِيَارٍ فَقَدْ كَفَرَ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا فِي ذَلِكَ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِشَيْءٍ آخَرَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَفْظَةُ الْكُفْرِ نَحْوُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ " بِحَقِّ آنكه تواخدى وَمَا بند كَانَ تو " فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَكْسُهُ فَلَا يَكْفُرُ وَفِي الْأَجْنَاسِ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصًّا أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَكَلْت فَقَالَ كَفَرْت أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، قَالُوا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَمَّا الْقَاضِي فَلَا يُصَدِّقُهُ وَمَنْ أَضْمَرَ الْكُفْرَ أَوْ هَمَّ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ كَفَرَ بِلِسَانِهِ طَائِعًا وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا يَنْفَعُهُ مَا فِي قَلْبِهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ يُعْرَفُ بِمَا يَنْطِقُ بِهِ فَإِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ كَانَ كَافِرًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي سِيَرِ الْأَجْنَاسِ مَنْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْكُفْرِ كَانَ بِعَزْمِهِ كَافِرًا وَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَضَحِكَ غَيْرُهُ يَكْفُرُ الضَّاحِكُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الضَّحِكُ ضَرُورِيًّا بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُضْحِكًا، وَلَوْ تَكَلَّمَ بِهَا مُذَكِّرٌ وَقَبِلَ الْقَوْمُ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرُوا وَالرِّضَا بِكُفْرِ نَفْسِهِ كُفْرٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا الرِّضَا بِكُفْرِ غَيْرِهِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خواهر زاده فِي شَرْحِ السِّيَرِ أَنَّ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ كُفْرًا إذَا كَانَ يَسْتَخِيرُ الْكُفْرَ أَوْ يَسْتَحْسِنُهُ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَكِنْ أَحَبَّ الْمَوْتَ أَوْ الْقَتْلَ عَلَى الْكُفْرِ لِمَنْ كَانَ شِرِّيرًا مُؤْذِيًا بِطَبْعِهِ حَتَّى يَنْتَقِمَ اللَّهُ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ كُفْرًا وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي قَوْله تَعَالَى {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا} [يونس: 88] يَظْهَرُ لَهُ صِحَّةُ مَا ادَّعَيْنَاهُ وَعَلَى هَذَا إذَا دَعَا عَلَى ظَالِمٍ وَقَالَ أَمَاتَك اللَّهُ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ قَالَ سَلَبَ اللَّهُ عَنْك الْإِيمَانَ وَنَحْوَهُ فَلَا يَضُرُّهُ إنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يَنْتَقِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ عَلَى ظُلْمِهِ وَإِيذَائِهِ الْخَلْقَ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَقَدْ عَثَرْنَا عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الرِّضَا بِكُفْرِ الْغَيْرِ كُفْرٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَشْيَاءُ تُوجِبُ الْكُفْرَ إنْ تَكَلَّمَ بِهَا وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَهُوَ مَحْضُ الْإِيمَانِ وَمَنْ اعْتَقَدَ الْحَلَالَ حَرَامًا أَوْ بِالْعَكْسِ يَكْفُرُ إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَإِذَا كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ لَا يَكْفُرُ، وَإِنْ اعْتَقَدَهُ، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ إذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةً بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْفَتَاوَى فَعَلَى الطَّالِبِ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهَذَا الدُّعَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً، فَإِنَّهُ سَبَبُ الْعِصْمَةِ مِنْ الْكُفْرِ بِدُعَاءِ سَيِّدِ الْبَشَرِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ أَنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أُشْرِكَ بِك شَيْئًا وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُك لِمَا لَا أَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْإِكْفَارَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ يَمِيلُ الْعَالِمُ إلَى مَا يَمْنَعُهُ وَلَا يُرَجِّحُ الْوُجُوهَ عَلَى الْوَاحِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْإِكْفَارَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ يَمِيلُ الْعَالِمُ إلَى مَا يَمْنَعُهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ لِمَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِ. (قَوْلُهُ: بِحَقِّ آنكه. . . إلَخْ) مَعْنَاهُ بِحَقِّ أَنَّك أَنْتَ الْإِلَهُ وَنَحْنُ عَبِيدُك. اهـ. مُصَحِّحُهُ.

[فصل من يقر بالتوحيد ويجحد الرسالة]

لِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الْوَجْهَ الَّذِي لَا يُوجِبُ الْإِكْفَارَ ثُمَّ الْمَسْطُورُ فِي الْفَتَاوَى أَنَّ تَوْبَةَ الْيَأْسِ مَقْبُولَةٌ دُونَ إيمَانِ الْيَأْسِ لِأَنَّ الْكَافِرَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ عَارِفٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى ابْتِدَاءً إيمَانًا وَعِرْفَانًا وَالْفَاسِقَ عَارِفٌ وَحَالُهُ حَالُ الْبَقَاءِ، وَالْبَقَاءُ أَسْهَلُ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِهَا مُطْلَقًا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] . (فَصْلٌ) وَفِي الْفَتَاوَى مَنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيَجْحَدُ الرِّسَالَةَ إذَا قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا، وَإِذَا قَالَ مَعَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ يَصِيرُ مُسْلِمًا، كَذَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ دَخَلْتُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، أَمَّا الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ إذَا قَالَهُمَا الْيَوْمَ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَفْسَرْته يَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ فَلَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى إيمَانِهِ يَنْضَمُّ إلَيْهِ التَّبَرِّي مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَإِذَا قَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَتَبَرَّأُ عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ؛ إذْ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ زَادَ، وَقَالَ وَأَدْخُلُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ زَالَ الِاحْتِمَالُ، وَكَذَا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ وَكُلُّ ذِي دِينٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَعَنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ أَسْلَمْتُ يُسْأَلُ أَيُّ شَيْءٍ تُرِيدُ، إنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ تَرْكَ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ وَالدُّخُولَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ صَارَ مُسْلِمًا، وَإِنْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ فِي دِينِ الْحَقِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَإِنْ لَمْ يُسْأَلْ حَتَّى صَلَّى بِجَمَاعَةٍ كَانَ مُسْلِمًا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَ أَوْ يُصَلِّيَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا، وَإِنْ قَالَ الْوَثَنِيُّ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَارَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ تَنَازَعَا فِي شِرَاءِ شَيْءٍ فَقِيلَ إنَّهُ يُبَاعُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا مِنْ النَّصْرَانِيِّ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ أَنَا مُسْلِمٌ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا إلَّا إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ مِثْلُك قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ جَوَابًا لِكَلَامِ غَيْرِهِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِأَنَا مُسْلِمٌ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْكُفْرِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ بِأَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَأُجْبِرَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ وَفِي النَّوَادِرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ (كِتَابُ النِّكَاحِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ شَرَعَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يُسْتَحْسَنُ وَأُخْرَى يُكْرَهُ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَسَائِرُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ قَالَ الشَّاعِرُ: إنَّ الْقُبُورَ تَنْكِحُ الْأَيَامَى ... النِّسْوَةَ الْأَرَامِلَ الْيَتَامَى أَيْ تَضُمُّ وَتَجْمَعُ إلَى نَفْسِهَا سُمِّيَ النِّكَاحُ نِكَاحًا لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ شَرْعًا إمَّا وَطْئًا أَوْ عَقْدًا حَتَّى صَارَ فِيهِ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَزَوْجَيْ خُفٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ مَنْ يُقِرُّ بِالتَّوْحِيدِ وَيَجْحَدُ الرِّسَالَةَ] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ حَتَّى صَلَّى بِجَمَاعَةٍ كَانَ مُسْلِمًا) كَذَلِكَ يَكُونُ مُسْلِمًا لَوْ أَذَّنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا أَوْ صَلَّى فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَبَّى وَطَافَ كَمَا يَطُوفُ الْمُسْلِمُونَ لَا بِمُجَرَّدِ التَّلْبِيَةِ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا عَنْ الْمُنْتَقَى نَصْرَانِيٌّ صَلَّى وَحْدَهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتَنَا وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَفْسَدَ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي النَّوَادِرِ قُبِلَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ) قَالَ قَاضِي خَانْ: وَلَكِنْ لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ نَفْسًا مَا لَا تُقْتَلُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ. اهـ. [كِتَابُ النِّكَاحِ] (كِتَابُ النِّكَاحِ) (قَوْلُهُ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً) عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ قِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ قَلْبُهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الضَّمِّ صَرَّحَ بِهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا. وَقَالَ الْكَمَالُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّمِّ وَالْمَوْضُوعُ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ اهـ. وَعَارَضَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِمَا لَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ إنَّهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ) الْعَطْفُ لِلْبَيَانِ؛ وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي عَلَى قَوْلِهِ النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الضَّمِّ تَعَلُّقُهُ بِالْأَجْسَامِ لَا الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ يَتَلَاشَى الْأَوَّلُ مِنْهَا قَبْلَ وُجُودِ الثَّانِي فَلَا يُصَادِفُ الثَّانِيَ مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْعَقْدِ لِمَا أَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى الضَّمِّ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ حَالَةَ الْوَطْءِ يَجْتَمِعَانِ وَيَنْضَمُّ كُلٌّ إلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَصِيرَا كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ

[ما ينعقد به النكاح]

وَمَعْنَاهُ شَرْعًا (عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ) أَيْ حِلِّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ تَبِعَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ قَوْلِنَا فِي مَحَلِّهَا كَمَا زِيدَ فِي النِّهَايَةِ احْتِرَازًا عَنْ بَيْعِ الْغِلْمَانِ وَالْبَهَائِمِ فَإِنَّ تَمَلُّكَهَا لَيْسَ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ الَّتِي هِيَ الْوَطْءُ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ، بَلْ الْأَجْزَاءُ الْمُرْتَبِطَةُ نَحْوُ زَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ، وَكَذَا بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَ بَعْضَ الْمُرَكَّبَاتِ الْإِخْبَارِيَّةِ إنْشَاءً بِحَيْثُ إذَا وُجِدَ وُجِدَ مَعَهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مَثَلًا إذَا قِيلَ زَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ وُجِدَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ هُوَ النِّكَاحُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ مِلْكُ الْمُتْعَةِ، وَكَذَا إذَا قِيلَ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وُجِدَ مَعْنًى شَرْعِيٌّ هُوَ الْبَيْعُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ اللَّفْظِ الْإِنْشَائِيِّ وَمَعْنَاهُ مِنْ الْعَلَاقَةِ الْقَوِيَّةِ حَيْثُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ إيجَادُ مَعْنًى بِلَفْظٍ يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ سُمِّيَتْ الْأَلْفَاظُ الْإِنْشَائِيَّةُ بِأَسَامِي مَعَانِيهَا حَيْثُ ذُكِرَ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَأُرِيدَ بِهِمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَلِذَا أَطْلَقَ النِّكَاحَ هَاهُنَا عَلَى الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ مَوْضُوعٌ لِلنِّكَاحِ شَرْعًا كَمَا عَرَفْتَ فَظَهَرَ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمِلْكِ الْمُتْعَةِ لَيْسَتْ صِلَةً لِلْوَضْعِ، بَلْ لِلْغَايَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِلْكُ الْمُتْعَةِ وَأَنَّ هَا هُنَا عِلَلًا أَرْبَعًا الْفَاعِلِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَادِّيَّةُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالصُّورِيَّةُ الِارْتِبَاطُ وَالْغَائِيَّةُ الِاسْتِمْتَاعُ، هَذَا تَحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ قَاصِرَةً عَنْ إفَادَتِهِ وَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَسَّرَ أَوَّلًا النِّكَاحَ بِعَقْدٍ مَوْضُوعٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَصَرَّحَ ثَانِيًا بِأَنَّ النِّكَاحَ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ فَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ الِارْتِبَاطِ مَعْنَى النِّكَاحِ، ثُمَّ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ الْمَوْجُودَيْنِ حِسًّا يَرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا حُكْمِيًّا فَيَحْصُلُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَكُونُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَثَرًا لَهُ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ الْهَيْئَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَكُونَا مُتَّحِدَيْنِ لَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَعْنًى لِلْآخَرِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْمُتَنَافِيَيْنِ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، (يُسَنُّ) النِّكَاحُ (حَالَ الِاعْتِدَالِ) أَيْ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بَيْنَ الشَّوْقِ الْقَوِيِّ إلَى الْجِمَاعِ وَبَيْنَ الْفُتُورِ عَنْهُ (وَيَجِبُ فِي التَّوَقَانِ) وَهُوَ الشَّوْقُ الْقَوِيُّ (وَيُكْرَهُ لِخَوْفِ الْجَوْرِ) أَيْ عَدَمُ رِعَايَةِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ (وَيَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ أَيْ يَحْصُلُ وَيَتَحَقَّقُ (بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ كَمَا فِي بَنَيْت الْبَيْتَ بِالْحَجَرِ وَالْمَدَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَعْنَاهُ شَرْعًا عَقْدٌ مَوْضُوعٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ) أَيْ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَهُمْ الْفُقَهَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ فَهُوَ لِلْوَطْءِ فَقَدْ تَسَاوَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَالشَّرْعِيُّ؛ وَلِذَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ، كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاهِيهِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ هَاهُنَا عِلَلًا أَرْبَعًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَظَهَرَ أَنَّ اللَّامَ (قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ) أَيْ بَيْنَ التَّفْسِيرَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ مِنْ أَنَّ اللَّامَ فِي الْمِلْكِ الْمُتْعَةُ لَيْسَتْ صِلَةً، بَلْ لِلْغَايَةِ (قَوْلُهُ: يُسَنُّ. . . إلَخْ) بَيَانٌ لِصِفَةِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورًا تَعَلُّقُ بَقَاءِ الْعَالَمِ بِهِ الْمُقَدَّرِ فِي الْعِلْمِ الْأَزَلِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ وَشَرْطُهُ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ الْأَوَّلُ الْأَهْلِيَّةُ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فِي الْوَلِيِّ لَا فِي الزَّوْجَيْنِ وَلَا مُتَوَلِّي الْعَقْدِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي الْخَاصُّ لِلِانْعِقَادِ سَمَاعُ اثْنَيْنِ بِوَصْفٍ خَاصٍّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَاللَّفْظِ الْقَائِمِ مَقَامَهُمَا وَحُكْمُهُ حِلُّ اسْتِمْتَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَتَمَامُ صِفَتِهِ نَذْكُرُهَا مُنْقَسِمَةً إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ فِي التَّوَقَانِ وَهُوَ الشَّوْقُ الْقَوِيُّ) أَيْ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْوُقُوعِ فِي الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْهُ كَانَ النِّكَاحُ فَرْضًا بِشَرْطِ مِلْكِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَمِنْهَا. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لِخَوْفِ الْجَوْرِ) أَيْ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَمَكَّنُ كَانَ النِّكَاحُ حَرَامًا، وَإِنْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ الْإِيفَاءِ بِمُوجِبِهِ كَانَ مُبَاحًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَعَ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَهِيَ سِتَّةٌ ذَكَرَهَا فِي الْبَحْرِ [مَا يَنْعَقِد بِهِ النِّكَاح] (قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَيْ فِي مَجْلِسٍ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَبُولِ الْمَجْلِسُ كَالْبَيْعِ لَا الْفَوْرُ وَصُورَةُ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ أَنْ يُوجِبَ أَحَدُهُمَا فَيَقُومُ الْآخَرُ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَجْلِسِ فَسُكُوتُهُ بَعْدَ الْإِيجَابِ لَا يَضُرُّ إذَا قَبِلَ بَعْدَهُ وَيُشْتَرَطُ لِلِانْعِقَادِ أَنْ يَكُونَ الْقَبُولُ بَعْدَ ذِكْرِ مَا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ مِنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ حَتَّى لَوْ قَبِلَ قَبْلَهُ لَا يَصِحُّ كَقَوْلِهَا تَزَوَّجْتُكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَبْلَ أَنْ تَقُولَ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَبِلَ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ عَلَى آخِرِهِ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْقَبُولُ الْإِيجَابَ فَلَوْ أَوْجَبَ بِكَذَا، فَقَالَ قَبِلْتُ النِّكَاحَ وَلَا أَقْبَلُ الْمَهْرَ

لَا لِلِاسْتِعَانَةِ كَمَا فِي كَتَبْت بِالْقَلَمِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي كَوْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَجْزَاءً مَادِّيَّةً وَالْمُرَادُ بِالْإِيجَابِ مَا يُقَدَّمُ مِنْ كَلَامِ الْعَاقِدَيْنِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ وُجُودَ الْعَقْدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبُولُ أَوْ يُثْبِتُ لِلْآخَرِ خِيَارَ الْقَبُولِ (وُضِعَا) فِي أَصْلِ اللُّغَةِ (لِلْمُضِيِّ) أَيْ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا حَدَثَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ شَرْعِيٍّ وَالنِّكَاحُ كَذَلِكَ وَالتَّصَرُّفُ الشَّرْعِيُّ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ قَدْ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الْمَاضِي لُغَةً فِي الْإِنْشَاءِ لِيَدُلَّ عَلَى التَّحَقُّقِ وَالثُّبُوتِ، فَيَكُونُ أَدَلَّ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَتَبَ عَلَى شَيْءٍ لِامْرَأَةٍ زَوِّجِينِي نَفْسَكِ فَكَتَبَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ عَقِبَهُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (كَزَوَّجْتُ) أَيْ نَفْسِي إنْ صَدَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ أَوْ بِنْتِي أَوْ نَحْوَهَا إنْ صَدَرَ عَنْ الرَّجُلِ (وَتَزَوَّجْتُ، وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِمَا وُضِعَا) أَيْ لَفْظَيْنِ وُضِعَ أَحَدُهُمَا (لَهُ) أَيْ لِلْمُضِيِّ. (وَ) الْآخَرُ (لِلِاسْتِقْبَالِ) يَعْنِي الْأَمْرَ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِقْبَالِ (كَزَوِّجْنِي وَزَوَّجْت) وَإِنَّمَا عَطَفَ قَوْلَهُ بِمَا وُضِعَا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ النِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي، ثُمَّ قَالَ وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْمَاضِي وَبِالْآخَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَعَادَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا مَاضٍ وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلٌ لَيْسَا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، بَلْ قَوْلُهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ، وَقَوْلُهُ زَوَّجْت إيجَابٌ وَقَبُولٌ حُكْمًا فَإِنَّ الْوَاحِدَ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَصَاحِبُ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ كَأَنَّهُمَا زَعَمَا أَنَّ قَوْلَهُ ثَانِيًا وَيَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ أَنَّ مَا وُضِعَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إيجَابٌ وَقَبُولٌ فَقَصَدَ الِاخْتِصَارَ فَقَالَ الْأَوَّلُ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ لَفْظُهُمَا مَاضٍ كَزَوَّجْتُ وَتَزَوَّجْتُ أَوْ مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ كَزَوِّجْنِي فَقَالَ زَوَّجْتُ، وَقَالَ الثَّانِي يَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي أَوْ أَحَدُهُمَا. وَقَالَ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِلَفْظَيْنِ وُضِعَا لِلْمَاضِي أَوْ وُضِعَ أَحَدُهُمَا لِلْمَاضِي وَالْآخَرُ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَجَعَلُوا مَا وُضِعَ لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكُتُبِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالْآخَرُ مُسْتَقْبَلًا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولُ الْآخَرُ زَوَّجْتُكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَوِّجْنِي تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ، وَقَوْلُهُ زَوَّجْتُكَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ يَجْعَلُ زَوِّجْنِي شَطْرَ الْعَقْدِ وَيُوَافِقُهُ الشَّارِحُ فِيهِ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ تَوْكِيلًا وَإِنَابَةً وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بَعْدَ مَا نَبَّهَ عَلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ كَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهَا هَؤُلَاءِ الْأَفَاضِلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِاسْتِقْبَالِ مَا يَتَنَاوَلُ الْمُضَارِعَ لِمَا نُقِلَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَصِحُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِيهِ تَبَعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى انْعِقَادِهِ بِالْكِتَابَةِ مِنْ الْغَائِبِ لَكِنْ بِشَرْطِ إسْمَاعِ الشُّهُودِ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ مَعَ قَبُولِهَا أَوْ حِكَايَتِهَا مَا فِي الْكِتَابِ مَعَ الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَزَوِّجِي نَفْسَكِ مِنِّي لَا يُشْتَرَطُ إعْلَامُهَا الشُّهُودَ بِمَا فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا تَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُصَفَّى عَنْ الْكَامِلِ. (قَوْلُهُ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا وُضِعَ لِلِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ) هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا نَذْكُرُ. (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ لَفْظَ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ تَنْبِيهًا. . . إلَخْ) مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَهِلَ الصِّحَّةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِالنِّكَاحِ وَالْوَاحِدُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ، فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ عَلَى هَذَا قَائِمًا بِالْمُجِيبِ وَصَرَّحَ غَيْرُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ زَوِّجْنِي إيجَابٌ، فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا أَيْ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ وَلَفْظُ الْأَمْرِ فِي النِّكَاحِ إيجَابٌ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْكَمَالُ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَيْسَ إلَّا اللَّفْظُ الْمُفِيدُ قَصْدَ تَحْقِيقِ الْمَعْنَى أَوَّلًا وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى لَفْظَةِ الْأَمْرِ فَلْيَكُنْ إيجَابًا اهـ. قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ عَلِمْت اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ أَوْ تَوْكِيلٌ فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ الْكَنْزِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا اعْتَرَضَ مُنْلَا خُسْرو مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ خَالَفَ الْكُتُبَ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَالْمُعْتَرِضُ غَفَلَ عَنْ الْقَوْلِ الْآخَرِ حَفِظَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْهُ أَشْيَاءَ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ كَوْنُهُ إيجَابًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِاسْتِقْبَالِ مَا يَتَنَاوَلُ الْمُضَارِعَ. . . إلَخْ) يَرْجَحُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ هُوَ الصَّادِرُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْمِثَالَ الَّذِي جَعَلَهُ لِهَذَا بِقَوْلِهِ إنِّي أَتَزَوَّجُكِ فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ لَا يَقْتَضِي الِانْعِقَادَ بِالتَّوْكِيلِ بِلَفْظِهَا فَقَطْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَةِ إنِّي أَتَزَوَّجُكِ لِلتَّوْكِيلِ، فَيَكُونُ تَمَامُ الْعَقْدِ قَائِمًا بِهِمَا اهـ. وَيَنْعَقِدُ بِالْمُضَارِعِ الْمَبْدُوءِ بِالتَّاءِ تُزَوِّجُنِي بِنْتَكَ فَقَالَ قَبِلْتُ عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ الِاسْتِبْعَادِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ الْمَبْدُوءِ

عَنْ الشَّيْخِ حَمِيدِ الدِّينِ أَنَّهُ قَالَ نَظِيرُ الِانْعِقَادِ بِالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إنِّي أَتَزَوَّجُكِ فَتَقُولَ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْكَ يَصِحُّ النِّكَاحُ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِلَفْظٍ لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ أَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِهِ إنْ عَلِمَا أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ يَكُونُ نِكَاحًا عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا أَنَّ هَذَا لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ فَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالتَّدْبِيرُ وَاقِعٌ فِي الْحُكْمِ ذَكَرَهُ فِي عَتَاقِ الْأَصْلِ، وَإِذَا عَرَفَ الْجَوَابَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ اللَّفْظِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ لِأَجْلِ الْقَصْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَدُّ وَالْهَزْلُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. (وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِقَوْلِهِمَا داد ويذيرفت بِلَا مِيمٍ بَعْدَ دادي ويذير فَتَى) يَعْنِي إذَا قِيلَ لِلْمَرْأَةِ خويشتن بزنى بِفُلَانٍ دَادِي فَقَالَتْ داد، ثُمَّ قِيلَ لِلرَّجُلِ يذير فَتَى فَقَالَ يذيرفت بِلَا مِيمٍ يَصِحُّ النِّكَاحُ لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِهِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقُولَ بِالْمِيمِ، وَعَنْ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْخَاطِبُ خويشتن بزنى دادي، وَتَقُولَ الْمَرْأَةُ خويشتن بزنى دادم؛ لِأَنَّ فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِدُونِ ذِكْرِ بزنى اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ) أَيْ إذَا قِيلَ لِلْبَائِعِ فروختي فَقَالَ فروخت، ثُمَّ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي خريدي فَقَالَ خريد يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُولَا فروختم وخريدم لِمَا ذُكِرَ (لَا) يَنْعَقِدُ (بِقَوْلِهِمَا عِنْدَ الشُّهُودِ مازن وشوهريم) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ هَذِهِ امْرَأَتِي، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ هَذَا زَوْجِي عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَكُونُ نِكَاحًا قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ أَقَرَّا بِعَقْدٍ مَاضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ لَا يَكُونُ نِكَاحًا، وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ زَوْجُهَا وَأَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ يَكُونُ ذَلِكَ نِكَاحًا وَيَتَضَمَّنُ إقْرَارُهُمَا بِذَلِكَ إنْشَاءَ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّا بِعَقْدٍ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ. (وَلَا) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِالتَّعَاطِي) وَهُوَ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْعَاقِدَانِ شَيْئًا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، بَلْ تَرَاضَيَا عَلَى قَدْرٍ مِنْ الْمَهْرِ وَيُنَفِّذُهُ الزَّوْجُ أَوْ وَكِيلُهُ وَتَأْخُذُهُ الْمَرْأَةُ أَوْ وَكِيلُهَا وَتُسَلِّمُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ مُبَالَغَةً فِي صِيَانَةِ الْإِبْضَاعِ عَنْ الْهَتْكِ وَاحْتِرَامًا لِشَأْنِهَا وَيَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْخَسِيسِ لَا النَّفِيسِ (وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَمَا وُضِعَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ) كَهِبَةٍ وَتَمْلِيكٍ وَصَدَقَةٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُمَا وُضِعَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَخْبِرُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَعْدِ، وَلَوْ قَالَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ جِئْتُكَ خَاطِبًا ابْنَتَكَ أَوْ لِتُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ فَقَالَ الْأَبُ زَوَّجْتُكَ فَالنِّكَاحُ لَازِمٌ، وَلَيْسَ لِلْخَاطِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْمُسَاوَمَةِ فِيهِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا مَعْنَاهُ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ لَوْ عَقَدَا عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَفْظٍ لَا يَفْهَمَانِ كَوْنَهُ نِكَاحًا هَلْ يَنْعَقِدُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ اهـ. يَعْنِي بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مَعَ الْهَزْلِ وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُهُ اهـ لَفْظُ الْبَحْرِ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ لُقِّنَتْ الْمَرْأَةُ زَوَّجْتُ نَفْسِي بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَعْلَمْ مَعْنَاهُ وَقَبِلَ أَيْ الزَّوْجُ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ صَحَّ النِّكَاحُ كَالطَّلَاقِ، وَقِيلَ لَا كَالْبَيْعِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمِثْلُ هَذَا فِي جَانِبِ الرَّجُلِ إذَا لَقَّنَتْهُ وَلَا يَعْلَمْ مَعْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَرَفَ الْجَوَابَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ. . . إلَخْ) نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ قَاضِي خَانْ (تَنْبِيهٌ) لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ بَاقِي الْأَحْكَامِ مِنْ الْخُلْعِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْحُقُوقِ. . . إلَخْ، وَقَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي الْخُلْعِ قِيلَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ وَلَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ لُقِّنَتْ أَنْ يَبْرَأَ، وَكَذَا الْمَدْيُونُ إذَا لَقَّنَ رَبَّ الدَّيْنِ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ لَا يَبْرَأُ اهـ. وَعَلِمْت بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَمِثْلُهُ التَّمْلِيكُ. (قَوْلُهُ: كَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ هَذِهِ امْرَأَتِي، وَقَالَتْ هَذَا زَوْجِي عِنْدَ الشُّهُودِ لَا يَكُونُ نِكَاحًا) ، كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالْوَاقِعَاتِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ صَحَّ النِّكَاحُ وَجُعِلَ إنْشَاءً وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَهَذَا أَعَمُّ مِمَّا فَصَّلَهُ قَاضِي خَانْ بَيْنَ أَنْ يُخْبِرَا بِمَا لَمْ يَكُنْ لَا يَنْعَقِدُ وَإِلَّا انْعَقَدَ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ جَعَلْتُمَا هَذَا نِكَاحًا فَقَالَا نَعَمْ انْعَقَدَ؛ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْجَعْلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِلَفْظِ النِّكَاحِ. . . إلَخْ) أُورِدَ عَلَيْهِ انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِغَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَلَفْظِ الرَّجْعَةِ وَكُونِي امْرَأَتِي فَقَبِلَتْ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي حَتَّى فِي النِّكَاحِ فَلْيُرَاجَعْ (تَنْبِيهٌ) لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِضَافَتِهِ لِجُزْءٍ شَائِعٍ فِي الصَّحِيحِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَصَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةِ خِلَافَهُ وَنَصُّهَا قَالَ زَوَّجْت نِصْفَ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْعَقِد. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ، أَمَّا إذَا جُعِلَتْ أُجْرَةً فَيَنْعَقِدُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ مِلْكَ الْعَيْنِ لِلْحَالِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ شَرَطَ الْحُلُولَ أَوْ عُجِّلَتْ، كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ جُعِلَتْ بَدَلَ الْإِجَارَةِ أَوْ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِعَارَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ

[نكاح مسلم ذمية عند ذميين]

لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ (فِي الْحَالِ) فَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا إذَا قُيِّدَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ أُطْلِقَتْ، وَأَمَّا إذَا قِيلَ أَوْصَيْتُ بِبِنْتِي فُلَانَةَ لَكَ الْآنَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ، وَقَالَ الرَّجُلُ قَبِلْتُ يَكُونُ نِكَاحًا. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مَوْضُوعٍ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ يَنْعَقِدُ بِهِ النِّكَاحُ إنْ ذُكِرَ الْمَهْرُ وَإِلَّا فَبِالنِّيَّةِ (وَيُشْتَرَطُ سَمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَفْظَ الْآخَرِ) ؛ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الرِّضَا مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَاضِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْعِبَارَةِ (وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (حُضُورُ حُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ سَامِعَيْنِ مَعًا قَوْلَهُمَا) ، وَقِيلَ الشَّرْطُ أَيْضًا حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ لِإِسْمَاعِهِمَا، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ فَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ أَصَمَّيْنِ وَهِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا وَيَنْعَقِدُ بِحُضُورِ السَّكَارَى إذَا فَهِمُوا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا بَعْدَ الصَّحْوِ، وَإِنْ سَمِعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ فَأُعِيدَ عَلَى الْآخَرِ فَسَمِعَهُ دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَلَوْ أَحَدُهُمَا أَصَمُّ فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ حَتَّى سَمِعَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمَا كَلَامَ الزَّوْجِ وَالْآخَرُ كَلَامَ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ أُعِيدَ وَانْعَكَسَ السَّمَاعُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَأَجَازَ أَبُو سَهْلٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ قَوْلُهُ قَوْلُهُمَا أَيْ قَوْلُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْوِقَايَةِ لَفْظَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ قَوْلَ الْوَكِيلَيْنِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ شَهَادَتُهُمَا لِنِكَاحِ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ (وَمُسْلِمَيْنِ لِنِكَاحِ مُسْلِمَةٍ) ؛ إذْ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَلَوْ) كَانَا (فَاسِقَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ أَعْمَيَيْنِ أَوْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ) ابْنَيْ (أَحَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَهْلُ الْوِلَايَةِ، فَيَكُونُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ تَحَمُّلًا وَإِنَّمَا الْفَائِتُ ثَمَرَةُ الْأَدَاءِ فَلَا يُبَالِي بِفَوَاتِهَا (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) النِّكَاحُ (بِهِمَا) أَيْ ابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ أَوْ ابْنَيْ أَحَدِهِمَا (إنْ ادَّعَى الْقَرِيبُ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِلْقَرِيبِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَحَا بِحُضُورِ ابْنَيْ الزَّوْجِ فَإِنْ ادَّعَى لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ ابْنَيْهِ لَهُ، وَإِنْ ادَّعَتْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَهَا، وَإِنْ نَكَحَا عِنْدَ ابْنَيْ الزَّوْجَةِ فَإِنْ ادَّعَتْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لَهَا، وَإِنْ ادَّعَى تُقْبَلُ (كَمَا صَحَّ نِكَاحُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِمَا إنْ أَنْكَرَ) ؛ إذْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُسْلِمُ تُقْبَلُ لَهُ (أَمَرَ) الْأَبُ شَخْصًا (آخَرَ أَنْ يَنْكِحَ صَغِيرَتَهُ فَأَنْكَحَ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ إنْ حَضَرَ الْأَبُ صَحَّ) النِّكَاحُ (وَإِلَّا فَلَا) فَإِنَّ الْأَبَ إذَا حَضَرَ انْتَقَلَ، عِبَارَةُ الْوَكِيلِ إلَيْهِ فَصَارَ عَاقِدًا حُكْمًا وَالْوَكِيلُ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ شَاهِدَانِ (كَأَبٍ زَوَّجَ بَالِغَتَهُ عِنْدَ رَجُلٍ إنْ حَضَرَتْ صَحَّ) النِّكَاحُ (وَإِلَّا فَلَا) فَصَارَتْ الْبَالِغَةُ كَأَنَّهَا عَاقِدَةٌ وَالْأَبُ وَذَلِكَ الشَّاهِدُ شَاهِدَانِ (حَرُمَ) عَلَى الرَّجُلِ (تَزَوُّجُ أَصْلَهُ) ، وَإِنْ عَلَتْ (وَفَرْعِهِ) ، وَإِنْ سَفَلَتْ (وَأُخْتِهِ وَبِنْتِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا إذَا قَيَّدَتْ. . . إلَخْ) كَذَا نَقْلُ التَّقْيِيدِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُعْتَمَدُ الْإِطْلَاقُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مَجَازٌ عَنْ التَّمْلِيكِ فَلَوْ انْعَقَدَ بِهَا لَكَانَ مَجَازًا فِي النِّكَاحِ وَالْمَجَازُ لَا مَجَازَ لَهُ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ إنْ قَيَّدَ الْوَصِيَّةَ بِالْحَالِ بِأَنْ قَالَ أَوْصَيْتُ لَكِ بِبِنْتِي هَذِهِ الْآنَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ بِهِ صَارَ مَجَازًا عَنْ التَّمْلِيكِ اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِي صِحَّتِهِ حِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِالْحَالِ يَصِحُّ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِمَا يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ إذَا خَلَا الْحَالُ عَنْ نِيَّةٍ وَذِكْرِ الْمَهْرِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مُطْلَقًا. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ الشَّاهِدَيْنِ مَقْصُودَهُمَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الشَّرْطُ حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ) إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ إنَّهُ يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ، وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّحَهُ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ بِحَضْرَةِ الْأَصَمَّيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْأَصَمِّ لِعَدَمِ السَّمَاعِ وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ حَيْثُ قَالَ وَلَقَدْ أُبْعِدَ عَنْ الْفِقْهِ وَصُرِفَ عَنْ الْحِكْمَةِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ جَوَّزَهُ بِحَضْرَةِ النَّائِمَيْنِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ الْأَصَمَّيْنِ وَهِنْدِيَّيْنِ لَمْ يَفْهَمَا كَلَامَهُمَا) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ قَيْدِ الْفَهْمِ مَتْنًا لِيَحْسُنَ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ [نِكَاحُ مُسْلِمٍ ذِمِّيَّةً عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ] (قَوْلُهُ: عِنْدَ ذِمِّيَّيْنِ) أَيْ وَلَوْ مُخَالِفَيْنِ اعْتِقَادًا كَمَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ. (قَوْلُهُ: أَمَرَ الْأَبُ شَخْصًا) يَعْنِي رَجُلًا لِيُفِيدَ حُكْمَ الصِّحَّةِ بِمَا صَوَّرَهُ مِنْ عَقْدِهِ بِحَضْرَةِ امْرَأَتَيْنِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الشَّخْصُ امْرَأَةً شُرِطَ حُضُورُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى اهـ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَأْمُورِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عَقَدَهُ، بَلْ قَالَ هَذِهِ امْرَأَتُهُ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ يَرِدُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ نَحْوِ الْقَبَّانِي وَالْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ بَيَانِهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ (قَوْلُهُ: حَرُمَ عَلَى الرَّجُلِ. . . إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ وَهُوَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَحَلًّا لَهُ وَاخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي إضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَى الْأَعْيَانِ فَقِيلَ مَجَازٌ وَالْمُحَرَّمُ حَقِيقَةُ الْفِعْلِ وَرَجَّحُوا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَانْتِفَاءُ مَحَلِّيَّةِ الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ شَرْعًا بِأَحَدِ تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النَّسَبِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَالرِّضَاعِ وَحُرْمَةِ الْجَمْعِ كَالْمَحَارِمِ وَالْخَمْسِ وَالتَّقْدِيمِ وَحَقِّ الْغَيْرِ وَعَدَمِ دِينٍ سَمَاوِيٍّ وَالتَّنَافِي كَنِكَاحِ السَّيِّدَةِ وَالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِالثَّلَاثِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ

وَإِنْ سَفَلَتْ (وَبِنْتِ أَخِيهِ) ، وَإِنْ سَفَلَتْ (وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ) بِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتَا، وَأَمَّا بَنَاتُ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ فَحَلَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَهُنَّ غَيْرُ مَذْكُورَاتٍ فِي الْمُحَرَّمَاتِ (وَبِنْتِ زَوْجَةٍ وُطِئْت وَأُمِّ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ) الْأُمُّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَطْءَ الْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ وَنِكَاحَ الْبَنَاتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّهَاتِ (وَزَوْجَةِ أَصْلِهِ) ، وَإِنْ عَلَا (وَفَرْعِهِ) (وَإِنْ سَفَلَ وَالْكُلِّ رَضَاعًا) أَيْ حَرُمَ تَزَوُّجُ كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ، وَهَذَا يَشْمَلُ أَقْسَامًا كَبِنْتِ الْأُخْتِ مَثَلًا يَشْمَلُ الْبِنْتَ الرَّضَاعِيَّةَ لِلْأُخْتِ النَّسَبِيَّةِ وَالْبِنْتِ النَّسَبِيَّةِ لِلْأُخْتِ الرَّضَاعِيَّةِ وَالْبِنْتِ الرَّضَاعِيَّةِ لِلْأُخْتِ الرَّضَاعِيَّةِ. (وَ) حَرُمَ أَيْضًا تَزَوُّجُ (أَصْلَ مَزْنِيَّتِهِ) ، وَإِنْ عَلَتْ (وَ) أَصْلَ (مَمْسُوسَتِهِ بِشَهْوَةٍ وَمَاسَّتِهِ وَنَاظِرَةٍ إلَى ذَكَرِهِ وَالْمَنْظُورِ بِشَهْوَةٍ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ، وَلَوْ) كَانَ نَظَرُهُ (مِنْ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ هِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ. (وَ) حَرُمَ أَيْضًا تَزَوُّجُ (فُرُوعِهِنَّ) ؛ إذْ بِالزِّنَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (لَا) أَيْ لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ (مِنْ مِرْآةٍ أَوْ مَاءٍ بِالِانْعِكَاسِ) يَعْنِي إذَا نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ مِنْ زُجَاجٍ أَوْ مَاءٍ هِيَ فِيهِ تَحْرُمُ هِيَ لَهُ، وَأَمَّا إذَا نَظَرَ إلَى مِرْآةٍ أَوْ مَاءٍ فَرَأَى فَرْجَهَا الدَّاخِلَ بِالِانْعِكَاسِ لَا تَحْرُمُ لَهُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ (قَبَّلَ أُمَّ امْرَأَتِهِ تَحْرُمُ) امْرَأَتُهُ (مَا لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ الشَّهْوَةِ وَفِي الْمَسِّ) أَيْ إذَا مَسَّ أُمَّ امْرَأَتِهِ (لَا) تَحْرُمُ (مَا لَمْ تَعْلَمْ الشَّهْوَةَ) ؛ لِأَنَّ تَقْبِيلَ النِّسَاءِ غَالِبًا يَكُونُ عَنْ شَهْوَةٍ وَالْمُعَانَقَةُ بِمَنْزِلَةِ التَّقْبِيلِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ (وَمَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ لَيْسَتْ بِمُشْتَهَاةٍ) فَإِنَّ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ قَدْ تَكُونُ مُشْتَهَاةً، وَقَدْ لَا تَكُونُ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعِظَمِ الْجُثَّةِ وَصِغَرِهَا، وَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِهَا تِسْعَ سِنِينَ فَلَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَبِهِ يُفْتَى (كَذَا) أَيْ كَمَا حَرُمَ تَزَوُّجُ أَصْلِ مَزْنِيَّتِهِ وَنَحْوِهَا كَذَلِكَ حَرُمَ (الْجَمْعُ نِكَاحًا وَعِدَّةً) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَالْعِدَّةِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْعِدَّةُ (مِنْ) طَلَاقٍ (بَائِنٍ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. (وَ) الْجَمْعُ (وَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ) قَوْلُهُ (بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ) كَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ جَدَّتِهِ وَخَالَاتُهَا الْأَشِقَّاءُ وَغَيْرُهُنَّ، وَأَمَّا الْعَمَّةُ لِأُمٍّ فَلَا تَحْرُمُ عَمَّتُهَا، وَكَذَا الْخَالَةُ لِأَبٍ لَا تَحْرُمُ خَالَتُهَا وَالتَّوْجِيهُ لَا يَخْفَى وَهُوَ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَبِنْتِ زَوْجَتِهِ) كَذَا بَنَاتُ الرَّبِيبَةِ، وَإِنْ سَفَلْنَ ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ الْأُمُّ) صَوَابُهُ الزَّوْجَةُ أَوْ الْبِنْتُ بَدَلَ الْأُمِّ. (قَوْلُهُ: وَحَرُمَ تَزَوُّجُ أَصْلِ مَزْنِيَّتِهِ) أَخْرَجَ الْمَيِّتَةَ وَاَلَّتِي أَتَاهَا فِي دُبُرِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْجُزْئِيَّةِ وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَمَمْسُوسَتِهِ) شَامِلٌ جَمِيعَ الْبَدَنِ وَفِي الشَّعْرِ اخْتِلَافٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا عَلَى الرَّأْسِ كَالْبَدَنِ بِخِلَافِ الْمُسْتَرْسِلِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُخْتَارِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْفَضْلِ عَدَمَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبْطَنٌ، وَإِذَا ادَّعَى عَدَمَ الشَّهْوَةِ صُدِّقَ إلَّا إذَا قَبَّلَ الْفَمَ أَوْ مَسَّ الْفَرْجَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ، وَقِيلَ إلَى الشِّقِّ أَوْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ وَحَدُّ الشَّهْوَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَهِيًا أَوْ يَزْدَادَ اشْتِهَاءً وَلَا يُشْتَرَطُ تَحَرُّكُ الْآلَةِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِانْتِشَارِ أَوْ ازْدِيَادِهِ إنْ كَانَ مُنْتَشِرًا وَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَمَحَلُّ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْإِنْزَالُ بِالْمَسِّ فَإِنْ أَنْزَلَ بِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْكَافِي وَفِي الشَّيْخِ وَالْعِنِّينِ عَلَامَةُ الشَّهْوَةِ أَنْ يَتَحَرَّكَ قَلْبُهُ بِالِاشْتِهَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّكًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فَيَزْدَادُ التَّحَرُّكُ وَالِاشْتِهَاءُ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ الشَّهْوَةُ أَنْ يَمِيلَ قَلْبُهُ إلَيْهَا وَيَشْتَهِيَ أَنْ يُوَاقِعَهَا، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ مِنْ مِرْآةٍ) لَا يَصِحُّ هَذَا إلَّا أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فَيُقَالُ لَا يَحْرُمُ تَزَوُّجُ أَصْلِ وَفَرْعِ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا لِمَا أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ نَفْسُ الْمَنْظُورِ إلَى فَرْجِهَا. (قَوْلُهُ: فَرَأَى فَرْجَهَا الدَّاخِلَ بِالِانْعِكَاسِ لَا يُحَرَّمُ لَهُ) ضَمِيرُ يُحَرَّمُ رَاجِعٌ لِلنَّظَرِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَصْلُهَا وَفَرْعُهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّى بِعَلَى. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ) يَعْنِي بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْته وَعِبَارَةُ قَاضِي خَانْ لَوْ نَظَرَ فِي مِرْآةٍ فَرَأَى فَرْجَ امْرَأَةٍ فَنَظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا رَأَى عَكْسَ فَرْجِهَا. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَإِنَّ بِنْتَ تِسْعِ سِنِينَ قَدْ تَكُونُ مُشْتَهَاةً، وَقَدْ لَا تَكُونُ) إخْرَاجٌ لِلْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ بِنْتَ تِسْعٍ مُشْتَهَاةٌ قَطْعًا مُطْلَقًا، وَكَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَا دُونَ تِسْعٍ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ بِنْتُ خَمْسٍ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً اتِّفَاقًا وَبِنْتُ تِسْعٍ فَصَاعِدًا مُشْتَهَاةٌ اتِّفَاقًا وَفِيمَا بَيْنَ الْخَمْسِ وَالتِّسْعِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالرِّوَايَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْجَمْعِ وَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي كِتَابِ الْحَظْرِ لَكِنَّهُ تَبِعَ غَيْرَهُ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ لِذِكْرِهِمْ لَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ

(أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى) يَعْنِي يَحْرُمُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ فِي النِّكَاحِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ أَوْ عَقْدَيْنِ أَوْ يَتَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى، سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَأَنْ يَطَأَهُمَا مَمْلُوكَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ إذْ الْمُعَادَاةُ مُعْتَادَةٌ بَيْنَ الضَّرَائِرِ (فَجَازَ) الْجَمْعُ (بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجِهَا) الَّذِي كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ؛ إذْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا رَضَاعَ فَإِنَّ بِنْتَ الزَّوْجِ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا كَانَ ابْنَ الزَّوْجِ وَهُوَ حَرَامٌ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا فَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَرْأَةُ (وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أَمَةٍ وَطِئَهَا) صَحَّ النِّكَاحُ لِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ لَكِنْ (لَا يَطَأُ وَاحِدَةً) مِنْ الْمَنْكُوحَةِ وَالْمَوْطُوءَةِ (حَتَّى يُحَرِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمَنْكُوحَةَ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حَقِيقَةً، وَلَوْ جَامَعَ الْمَمْلُوكَةَ صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ مَوْطُوءَةٌ حُكْمًا، وَإِذَا حَرَّمَ الْمَمْلُوكَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ كَالْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ حَلَّ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ، وَإِذَا طَلَّقَ الْمَنْكُوحَةَ حَلَّ وَطْءُ الْمَمْلُوكَةِ وَيَطَأُ الْمَنْكُوحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ لِعَدَمِ الْجَمْعِ وَطْئًا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا (وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا) أَيْ الْأُخْتَيْنِ (بِعَقْدَيْنِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهُمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَلَا تَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ (وَنَسَى الْأَوَّلَ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ ذَلِكَ بَطَلَ الثَّانِيَةُ (فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ وَلَا وَجْهَ إلَى التَّعْيِينِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ بَاطِلٌ وَلَا إلَى التَّنْفِيذِ مَعَ الْجَهَالَةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلِلضَّرَرِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِإِلْزَامِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ حَاجَةٍ وَصَيْرُورَةِ الْمَرْأَةِ كَالْمُعَلَّقَةِ وَهِيَ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ قَدْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ (فَإِنْ طَلَبَتَا الْمَهْرَ، وَقَالَتَا لَا نَدْرِي الْأَوَّلِيَّةَ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ) إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمَجْهُولَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْأَوَّلِيَّةِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ لِيَقْضِيَ لَهُمَا وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَا عِنْدَ الْقَاضِي لَنَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَهُوَ لَا يَعْدُونَا فَتَصْطَلِحُ عَلَى أَخْذِ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيَقْضِي الْقَاضِي (وَإِنْ ادَّعَتْهَا) أَيْ الْأَوَّلِيَّةَ (كُلٌّ) مِنْهُمَا (بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَهُمَا تَمَامُ الْمَهْرَيْنِ إنْ فُرِّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ (وَنِصْفُ مَهْرٍ لَوْ قَبْلَهُ وَتَسَاوَى مُسَمَّيَاهُمَا) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْأَخِيرَ بَاطِلٌ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْمَهْرِ وَالنِّكَاحُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ، وَقَدْ فَارَقَ الْأُولَى قَبْلَ الْوَطْءِ فَيَجِبُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا يَدْرِي لِمَنْ هُوَ فَنُصِّفَ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ مُسَمَّيَاهُمَا (فَإِنْ عَلِمَا) أَيْ الْمُسَمَّيَانِ بِأَنَّ أَيَّهُمَا لِفُلَانَةَ وَأَيَّهُمَا لِلْأُخْرَى (فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا رُبُعُ مَهْرِهَا) الْمُسَمَّى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسَمَّيَانِ (فَنِصْفٌ) أَيْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفٌ (أَقَلُّ الْمُسَمَّيَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ (وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ) مَهْرٌ لَهُمَا (فَلَهُمَا مُتْعَةٌ وَاحِدَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَيَّتُهُمَا فُرِضَتْ ذَكَرًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةُ، وَأَمَّا الْمُؤَقَّتَةُ فَلَا يَمْنَعُ؛ وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً، ثُمَّ سَيِّدَتَهَا جَازَ؛ لِأَنَّهَا حُرْمَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ السَّيِّدَةِ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجِهَا) لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى صِيغَةِ الْحَصْرِ فَأَفَادَ تَصْوِيرَ مِثْلِهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ قَاضِي خَانْ قَالُوا كُلُّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى حَرُمَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ إذَا جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبَيْنَ ابْنَةِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا اهـ. لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَامْرَأَةِ ابْنِهَا فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ فُرِضَتْ ذَكَرًا لَحَرُمَ عَلَيْهَا التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةِ ابْنِهِ وَقَلْبُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ (قَوْلُهُ: وَنَسَى) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ بَيَّنَ إحْدَاهُمَا بِالْفِعْلِ بِأَنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ بَيَّنَ أَنَّهَا سَابِقَةٌ قَضَى بِنِكَاحِهَا لِتَصَادُقِهِمَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُخْرَى، وَلَوْ دَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا وَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأُخْرَى سَابِقَةٌ يُعْتَبَرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ بَيَانُ دَلَالَةٍ وَالثَّانِيَ صَرِيحًا وَالدَّلَالَةُ لَا تُقَاوِمُ الصَّرِيحَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: فُرِّقَ) قَالَ الْكَمَالُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ طَلَاقٌ حَتَّى يَنْقُصَ الْعَدَدُ وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا وَنَسِيَهَا حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالتَّعْيِينِ وَلَا يُفَارِقُ الْكُلَّ وَأُجِيبُ بِإِمْكَانِهِ هُنَاكَ لَا هُنَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُنَّ كَانَ مُتَيَقَّنُ الثُّبُوتِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ بِعَيْنِهِ مِنْهُنَّ مُتَمَسِّكًا بِمَا كَانَ مُتَيَقَّنًا وَلَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهَا فَدَعْوَاهُ حِينَئِذٍ تَمَسُّكٌ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ثُبُوتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ ادَّعَتْهَا أَيْ الْأَوَّلِيَّةَ كُلٌّ فَلَهُمَا تَمَامُ الْمَهْرَيْنِ إنْ فُرِّقَ بَعْدَ الدُّخُولِ) أَقُولُ إذَا كَانَ التَّفْرِيقُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَزِمَ لِكُلٍّ مَهْرَهَا وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ دَعْوَى الْأَوَّلِيَّةِ وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ لِلْمُزَاحَمَةِ فِي نِصْفِ الْمُسَمَّى قَبْلَ الدُّخُولِ اهـ. وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْمَهْرُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِالدُّخُولِ فَلَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِيَّةِ وَبَقِيَ مَا لَوْ دَخَلَ بِوَاحِدَةٍ وَالْحُكْمُ مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُسَمَّيَانِ فَنِصْفٌ أَيْ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ) فِيهِ نَظَرٌ لِحُكْمِهِ شَرْحًا بِنِصْفِ

[نكاح الأمة]

بَدَلَ نِصْفِ الْمَهْرِ (كَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْمُحَرَّمِ جَمَعَهُمَا) فِي النِّكَاحِ مِنْ الْمَحَارِمِ (صَحَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ) الْمُقِرَّةِ بِنَبِيٍّ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الصَّابِئَةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً مُقِرَّةً بِنَبِيٍّ صَارَ ذِكْرُهَا عَبَثًا وَإِلَّا فَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا . (وَ) نِكَاحُ (الْمُحْرِمَةِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَلَوْ) كَانَ نِكَاحُهَا (لِمُحْرِمٍ) فَإِنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ [نِكَاحُ الْأَمَةِ] . (وَ) نِكَاحُ (الْأَمَةِ، وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً أَوْ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كِتَابِيَّةً وَيُجَوِّزُهُ بِالْمُسْلِمَةِ بِشَرْطِ عَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ وَالْمُرَادُ بِطَوْلِ الْحُرَّةِ الْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِهَا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَهْرُ الْحُرَّةِ وَنَفَقَتُهَا (وَ) نِكَاحُ (الْحُرَّةِ عَلَيْهَا) أَيْ الْأَمَةِ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّة (وَلَوْ) كَانَ نِكَاحُهَا (فِي عِدَّةِ الْحُرَّةِ) لِبَقَاءِ أَثَرِ النِّكَاحِ الْمَانِعِ مِنْ الْعَقْدِ . (وَ) نِكَاحُ (أَرْبَعٍ مِنْ حَرَائِرَ وَإِمَاءٍ لِلْحُرِّ فَقَطْ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَزْيَدُ مِنْ الْأَرْبَعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا أَمَةً وَاحِدَةً (وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ) . (وَ) نِكَاحُ (حُبْلَى مِنْ الزِّنَا) لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] . (وَ) لَكِنْ (لَا تُوطَأُ قَبْلَ وَضْعِهَا) لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ لَا لِاحْتِرَامِ مَاءِ الزَّانِي هَذَا إذَا كَانَ النَّاكِحُ غَيْرَ الزَّانِي، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ فَتَأْخُذَانِ مَهْرًا كَامِلًا، وَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا نِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ اهـ. وَيُمْكِنُ إصْلَاحُ الْمَتْنِ بِالْعِنَايَةِ فَيُقَالُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْمُسَمَّيَانِ فَنِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ يَعْنِي لَهُمَا وَإِلَّا فَالْمُؤَاخَذَةُ عَلَى ظَاهِرِهِ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَإِنْ عَلِمَا فَلِكُلٍّ رُبُعُ مَهْرِهَا وَإِلَّا فَنِصْفُ أَقَلِّ الْمُسَمَّيَيْنِ اهـ. فَتَأَمَّلْ [نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ] (قَوْلُهُ: صَحَّ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَا يَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُمْ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَتُكْرَهُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَرْبِيَّةُ إجْمَاعًا لِانْفِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ مَعَ إمْكَانِ التَّعَلُّقِ الْمُسْتَدْعِي لِلْمُقَامِ مَعَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَتَعْرِيضِ الْوَلَدِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَعَلَى الرِّقِّ بِأَنْ تُسْبَى وَهِيَ حُبْلَى فَيُولَدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: الْمُقِرَّةِ بِنَبِيٍّ) كَذَا قَالَ الْكَمَالُ الْكِتَابِيُّ مَنْ يُقِرُّ بِنَبِيٍّ وَيُؤْمِنُ بِكِتَابٍ وَفِي الْمُصَفَّى قَالُوا هَذَا يَعْنِي حِلَّ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ إذَا لَمْ تَعْتَقِدْ الْمَسِيحَ إلَهًا، أَمَّا إنْ اعْتَقَدَتْ فَلَا. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْكُلُوا ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ إذَا اعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَسِيحَ إلَهٌ وَأَنَّ عُزَيْرًا إلَهٌ وَلَا يَتَزَوَّجُوا نِسَاءَهُمْ، وَقِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَكِنْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلَائِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْأَكْلُ وَالتَّزَوُّجُ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي مَبْسُوطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الذَّبِيحَةِ قَالَ ذَبِيحَةُ النَّصْرَانِيِّ حَلَالٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قَالَ بِثَالِثِ ثَلَاثَةٍ أَوْ لَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ أَيْ الْهِدَايَةِ وَالدَّلِيلِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ مِنْ ابْتِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ لَا عَلَى مَا يُضْمِرُونَ [نِكَاحُ الْمُحْرِمَةِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ] (قَوْلُهُ: وَلَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ) عَلِمْت كَرَاهَةَ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ الْحُرَّةِ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِكَرَاهَةِ نِكَاحِ الْأَمَةِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمُبَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ رَاجِحًا عَلَى الْفِعْلِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَنِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَيْهَا) كَذَلِكَ يَجُوزُ مَعَهَا وَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ) قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مُرَاجَعَةُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الرَّجْعَةِ وَالْمُرَادُ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ فَلَوْ دَخَلَ بِالْحُرَّةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا يَمْنَعُ نِكَاحَ الْأَمَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْإِمَاءِ وَخَمْسًا مِنْ الْحَرَائِرِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْخَمْسِ بَاطِلٌ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ فَصَحَّ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] . الْآيَةَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ، فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ حِلَّ الْأَرْبَعِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ خَوْفِ عَدَمِ الْعَدْلِ وَثُبُوتِ الْمَنْعِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ خَوْفِهِ قَالَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ الْقَسْمِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ مَا ظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا خَافَ عَدَمَ الْعَدْلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ لَا أَنَّهُ يَحْرُمُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْعَدَدِ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ قَوْلٌ بِالْمَفْهُومِ وَلَا نَقُولُ بِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْكَافِي وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَا تُوطَأُ) حُكْمُ الدَّوَاعِي كَالْوَطْءِ لَا تَحِلُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ [نِكَاحُ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا] (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ) فَإِنْ قِيلَ فَمُ الرَّحِمِ يَنْسَدُّ فِي الْحَبَلِ فَكَيْفَ يَكُونُ سَاقِيًا قُلْنَا شَعْرُهُ يَنْبُتُ مِنْ مَاءِ الْغَيْرِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ ازْدِيَادُ نَبَاتِ الشَّعْرِ لَا أَصْلُ نَبَاتِهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي؛ لِأَنَّ بِهِ يَزْدَادُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ حِدَةً كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ اهـ. وَهَذِهِ حِكْمَتُهُ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ الْمَنْعُ مِنْ الْوَطْءِ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ اهـ.

[نكاح المتعة]

عِنْدَ الْكُلِّ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ . (وَ) نِكَاحُ (الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ يَمِينٍ) بِأَنْ وَطِئَهَا مَوْلَاهَا وَيَدْخُلُ فِيهِ أُمُّ الْوَلَدِ مَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ وَلِهَذَا يَنْتَفِي وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ نَفْيِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ (أَوْ زِنًا) أَيْ صَحَّ نِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ بِزِنًا حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ . (وَ) نِكَاحُ الْمَضْمُومَةِ إلَى مُحَرَّمَةٍ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ إحْدَاهُمَا بِأَنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ وَثَنِيَّةً وَيَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى صَحَّ نِكَاحُ مَنْ تَحِلُّ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ فِي إحْدَاهُمَا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَبِيعِ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَبِيعِ يَكُونُ قَبُولُ غَيْرِ الْمَبِيعِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَمَا سُمِّيَ) مِنْ الْمَهْرِ كُلِّهِ (فَلَهَا) ، وَقَالَا يُقْسَمُ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهِمَا فَمَا أَصَابَ الْمَضْمُومَةَ لَزِمَهُ وَمَا أَصَابَ الْأُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ (لَا نِكَاحُ أَمَتِهِ وَسَيِّدَتِهِ) أَيْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ سَوَاءً كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُشْتَرَكَةً وَلَا نِكَاحُ الْعَبْدِ سَيِّدَتَهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِهِمَا. (وَ) لَا نِكَاحُ (الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْمُشْرِكَاتِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] (وَصَابِئَةٍ عَابِدَةِ كَوْكَبٍ لَا كِتَابَ لَهَا) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الصَّابِئَةِ فَعِنْدَهُمَا هُمْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَ النُّجُومَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسُوا بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا يُعَظِّمُونَ النُّجُومَ كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ، فَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَتَدْخُلُ فِيمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ كَمَا فَسَّرَاهُ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَلِهَذَا قُيِّدَتْ هَاهُنَا بِمَا ذُكِرَ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمَذْكُورَاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ نَقُولُ هُوَ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ الْوَطْءَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ . (وَ) لَا نِكَاحُ (خَامِسَةٍ فِي عِدَّةِ رَابِعَةٍ لِلْحُرِّ وَثَالِثَةٍ فِي عِدَّةِ ثَانِيَةٍ لِلْعَبْدِ) فَإِنْ طَلَّقَ الْحُرُّ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ طَلَاقًا بَائِنًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ . (وَ) لَا نِكَاحُ (حُبْلَى ثَبَتَ نَسَبُ حَمْلِهَا كَحَامِلٍ سُبِيَتْ) فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ فِي دَارِهِمْ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَارِنَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ كَحَامِلٍ مِنْ سَبْيٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ حُصُولُ الْحَمْلِ بَعْدَ السَّبْيِ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ (أَوْ) حَامِلٍ (مِنْ مَوْلَاهَا) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ حَمْلَهَا مِنْهُ (أَوْ) حَامِلٍ (مِمَّنْ زَوَّجَهَا) مَوْلَاهَا (إيَّاهُ) فَإِنَّهُ أَيْضًا ثَابِتُ النَّسَبِ [نِكَاحُ الْمُتْعَةِ] . (وَ) لَا نِكَاحُ (الْمُتْعَةِ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [نِكَاحُ الْمَوْطُوءَةِ بِمِلْكِ يَمِينٍ] قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ) كَذَا فِي الْكَافِي، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا جَازَ النِّكَاحُ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا اهـ. أَيْ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ اهـ. أَيْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا أُحِبُّ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَكَذَا الزَّانِيَةُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلَمْ يَتَقَابَلْ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ فَكَانَ. قَوْلُهُ: تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِمَا اهـ. . وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى اسْتِبْرَاؤُهَا إذَا أَرَادَ تَزْوِيجَهَا وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ. وَفِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيُّ جَعَلَ الْوُجُوبَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا جَازَ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَخِلَافُ مُحَمَّدٍ فِي حِلِّ الْوَطْءِ لَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَقَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا لَا بِجَازِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ تَكُنْ حُبْلَى وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى صَحَّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ [نِكَاحُ الْمَضْمُومَة إلَى مُحَرَّمَةٍ] (قَوْلُهُ: لَا نِكَاحُ أَمَتِهِ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ مِنْ ثُبُوتِ الْمَهْرِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبَقَاءِ النِّكَاحِ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَعَدِّهَا عَلَيْهِ خَامِسَةً. اهـ. (قُلْت) وَكَذَا ثُبُوتُ نَسَبِ وَلَدِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَالْكُلُّ مُنْتَفٍ اهـ. أَمَّا إذَا تَزَوَّجَهَا مُتَنَزِّهًا عَنْ وَطْئِهَا حَرَامًا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ فَهُوَ حَسَنٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً أَوْ مُعْتَقَةَ الْغَيْرِ أَوْ مَحْلُوفًا عَلَيْهَا بِعِتْقِهَا، وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ سِيَّمَا إذَا تَدَاوَلَتْهَا الْأَيْدِي، كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي عَدَمِ عَدِّهَا خَامِسَةً وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِيَاطِ فِي وُقُوعِهِ فِي الْمُحَرَّمِ. (قَوْلُهُ: وَصَابِئَةٍ عَابِدَةِ كَوْكَبٍ لَا كِتَابَ لَهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ هَكَذَا ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَنْعَ نِكَاحِهِنَّ مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ: عِبَادَةُ الْكَوْكَبِ وَعَدَمُ الْكِتَابِ فَلَوْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ وَلَهُمْ كِتَابٌ تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ زَعَمُوا أَنَّ عِبَادَةَ الْكَوَاكِبِ لَا تُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا حَقِيقَةً فَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَهَا كَتَعْظِيمِ الْمُسْلِمِ الْكَعْبَةَ فَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى. اهـ. (قَوْلُهُ: اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الصَّابِئَةِ) وَهُوَ لِاشْتِبَاهِ مَذَاهِبِهِمْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ النِّكَاحَ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَطْءِ) أَيْ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] لَا فِي الْمَذْكُورِ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ

[نكاح خامسة في عدة رابعة للحر وثالثة في عدة ثانية للعبد]

أَتَمَتَّعُ بِكِ، كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ. (وَ) لَا (النِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ) مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَقُلْ وَالْمُؤَقَّتُ لِئَلَّا يُفْهَمَ مِنْهُ عَطْفُهُ عَلَى الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ مَعَ عَدَمِ مَعْنَاهُ مُخَالِفٌ لِلْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ (بَرْهَنَتْ) امْرَأَةٌ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَجُلٍ (أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَقَضَى بِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَزَوَّجَهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَهَا تَمْكِينُهُ فِي عَكْسِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَسَعُهُ الْوَطْءُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ الْحُجَّةَ؛ إذْ الشُّهُودُ كَذَبَةٌ فَصَارَ كَمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَضَى عَلِيٌّ بِذَلِكَ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْهُ بُدٌّ فَزَوِّجْنِي إيَّاهُ فَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ، وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ النِّكَاحُ لَأَجَابَهَا بِمَا طَلَبَتْ (لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِبِنْتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ زَوَّجْتُكِ فُلَانًا، وَقَالَ فُلَانٌ تَزَوَّجْتُهَا فَإِنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ النِّكَاحُ لَمَا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ يَخْتَصُّ بِالْإِسْقَاطَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا يَتَعَدَّاهَا وَالنِّكَاحُ لَيْسَ مِنْهَا (وَلَا إضَافَتُهُ) إلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمُحَرَّمِ مَثَلًا زَوَّجْتُهَا فُلَانًا فِي صَفَرٍ، وَقَالَ فُلَانٌ قَبِلْتُهَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ (وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ دُونَهُ) أَيْ دُونَ النِّكَاحِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ الشَّرْطُ (كَائِنًا) نُقِلَ فِي الْعِمَادِيَّةِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَنَّ تَعْلِيقَ النِّكَاحِ بِشَرْطٍ مَعْلُومٍ لِلْحَالِ يَجُوزُ وَيَكُونُ تَحْقِيقًا بِأَنْ قَالَ لِآخَرَ زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ فَقَالَ إنِّي زَوَّجْتُهَا قَبْلَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْخَاطِبُ فَقَالَ أَبُو الْبِنْتِ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتُهَا قَبْلَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْكَ وَقَبِلَ الْآخَرُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا يَنْعَقِدُ هَذَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَحْقِيقٌ، فَيَكُونُ تَنْجِيزًا وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ (بَابُ الْوَلِيِّ وَالْكُفْءِ) (الْوَلِيُّ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالرَّقِيقِ) ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ الْعَجْزُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِمْ وَلِمَا عُلِمَ مِنْ كَوْنِ الْوَلِيِّ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ فِي الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِ نِكَاحِ أَضْدَادِهِمْ فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (فَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ) أَيْ عَاقِلَةٍ بَالِغَةٍ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (بِلَا وَلِيٍّ) فَإِنَّ الْحُرَّةَ الْمُكَلَّفَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِوَلِيٍّ،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَنْفُذُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَنْفُذُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [نِكَاح خَامِسَة فِي عدة رَابِعَة لِلْحُرِّ وَثَالِثَة فِي عدة ثَانِيَة لِلْعَبْدِ] قَوْلُهُ: وَالنِّكَاحُ الْمُؤَقَّتُ) وَلَوْ إلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَشَمِلَ الْمُدَّةَ الْمَجْهُولَةَ أَيْضًا وَقَيَّدَ بِالْمُؤَقَّتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَاطِعِ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِهِ مُؤَبَّدًا وَبَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهَا مُدَّةً نَوَاهَا فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقُلْ وَالْمُؤَقَّتُ لِئَلَّا يُفْهَمَ مِنْهُ عَطْفُهُ عَلَى الْمُتْعَةِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لَا يَسَعُهُ الْوَطْءُ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي عَدَمِ النَّفَاذِ بَاطِنًا وَفِي الْفَتْحِ وَالنِّهَايَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْجَهُ [تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ] (قَوْلُهُ: فَإِنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ صَحَّ النِّكَاحُ) لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ سِوَى الْمُصَنِّفِ، بَلْ كَلَامُهُ فِي الْبُيُوعِ يُخَالِفُ هَذَا حَيْثُ قَالَ النِّكَاحُ لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقِمَارِ اهـ. وَصَرَّحَ بِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ فِي الْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْخَانِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة وَفَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْقُنْيَةِ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ النِّكَاحُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ بِالنِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ مَعَهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا إضَافَتُهُ إلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ. . . إلَخْ) يُنَاقِضُ حُكْمَهُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ الْمُعَلَّقِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَلَّقِ وَالْمُضَافِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشُّرُوطِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا إضَافَتُهُ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اهـ. . وَفِي الْقُنْيَةِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ كَمَا لَا يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى مُسْتَقْبَلٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ كَائِنًا) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابُ الْوَلِيِّ وَالْكُفْءِ] (قَوْلُهُ: الْوَلِيُّ شَرْطُ صِحَّةِ النِّكَاحِ. . . إلَخْ) هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيهِ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ، وَالثَّانِي وِلَايَةُ إجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْمَعْتُوهَةِ وَالرَّقِيقَةِ، وَالْوَلِيُّ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ وَالْوَلِيُّ فِي اللُّغَةِ خِلَافُ الْعَدُوِّ وَفِي أُصُولِ الدِّينِ هُوَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ حَسْبَمَا يُمْكِنُ الْمُوَاظِبُ عَلَى الطَّاعَاتِ الْمُجْتَنِبُ الْمَعَاصِيَ الْغَيْرُ الْمُنْهَمِكِ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَيَنْعَقِدُ نِكَاحُ حُرَّةٍ مُكَلَّفَةٍ بِلَا وَلِيٍّ) أَيْ يَنْعَقِدُ لَازِمًا، وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اهـ.

[إجبار البكر البالغة على النكاح]

(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ كُفْءٍ) إنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ جَازَ (مَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ) ، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ، فَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ حَقُّ الْفَسْخِ كَيْ لَا يَضِيعَ الْوَلَدُ بِعَدَمِ مُرَبِّيهِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَعَلِمَ الْوَلِيُّ بِذَلِكَ فَسَكَتَ حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا جُعِلَ رِضًا فِي حَقِّ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَرُوِيَ عَدَمُ جَوَازِهِ) . رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ (وَبِهِ يُفْتَى) لِفَسَادِ الزَّمَانِ (وَرِضَا الْبَعْضِ كَالْكُلِّ) أَيْ رِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ كَرِضَا كُلِّهِمْ حَتَّى إذَا عَقَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَقْدِرْ الْبَاقِي عَلَى فَسْخِهِ (لَوْ اسْتَوَوْا) فِي الدَّرَجَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ مِنْ الْعَاقِدِ فَلَهُ فَسْخُهُ (وَقَبْضُهُ) أَيْ الْوَلِيِّ (الْمَهْرَ وَنَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ قَبْضِهِ الْمَهْرَ كَتَجْهِيزِهَا مِنْهُ وَمُبَاشَرَةِ أَسْبَابِ الْوَلِيمَةِ (رِضًا) ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَإِنْ خَاصَمَ أَيْ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ رِضًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ رِضًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (لَا سُكُوتُهُ) ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُجْعَلُ رِضًا إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا (لَا تُجْبَرُ بِكْرٌ بَالِغَةٌ عَلَى النِّكَاحِ) أَيْ لَا تُنْكَحُ بِلَا رِضَاهَا، بَلْ تُجْبَرُ الصَّغِيرَةُ عِنْدَنَا، وَلَوْ ثَيِّبًا وَتُجْبَرُ الْبِكْرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ بَالِغَةً فَالْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ تُجْبَرُ اتِّفَاقًا وَالثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ لَا تُجْبَرُ اتِّفَاقًا، ثُمَّ عِنْدَنَا كُلُّ وَلِيٍّ فَلَهُ الْإِجْبَارُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ إلَّا لِلْأَبِ وَالْجَدِّ أَبِ الْأَبِ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا) أَيْ الْبَالِغَةَ (هُوَ) أَيْ الْوَلِيُّ نَفْسُهُ (أَوْ وَكِيلُهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ زَوَّجَهَا) أَيْ الْوَلِيُّ (فَعَلِمَتْ) بِوُصُولِ خَبَرِ التَّزْوِيجِ إلَيْهَا (فَسَكَتَتْ أَوْ ضَحِكَتْ غَيْرَ مُسْتَهْزِئَةٍ) فَإِنَّ ضَحِكَهَا مُسْتَهْزِئَةً لَا يَكُونُ رِضًا، وَإِذَا تَبَسَّمَتْ فَهُوَ رِضًا هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَوْ بَكَتْ بِلَا صَوْتٍ كَانَ؛ إذْنًا بِشَرْطِ أَنْ تَعْلَمَ الزَّوْجَ) يَعْنِي أَنَّ سُكُوتَهَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ؛ إذْنًا مِنْهَا إذَا عَلِمَتْ الزَّوْجَ أَنَّهُ مَنْ هُوَ لِتُظْهِرَ رَغْبَتَهَا فِيهِ مِنْ رَغْبَتِهَا عَنْهُ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكِ مِنْ رَجُلٍ فَسَكَتَتْ لَا يَكُونُ رِضًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ أُزَوِّجُكِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً فَسَكَتَتْ فَهُوَ رِضًا يُزَوِّجُهَا أَيًّا شَاءَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (لَا الْمَهْرَ) أَيْ عِلْمُهَا الْمَهْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُبَلِّغُ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا (كَذَا) أَيْ كَمَا أَنَّ سُكُوتَهَا الْمَذْكُورَ؛ إذْنٌ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَهُ الِاعْتِرَاضُ فِي غَيْرِ كُفْءٍ مَا لَمْ تَلِدْ) فَإِنْ اخْتَارَ الْفُرْقَةَ شُرِطَ لَهَا قَضَاءُ الْقَاضِي وَلَا تَكُونُ طَلَاقًا، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: رُوِيَ عَدَمُ جَوَازِهِ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ الْكَمَالُ، وَهَذَا أَيْ عَدَمُ انْعِقَادِهِ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا. وَفِي الْخُلَاصَةِ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَفْتَوْا بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا اهـ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْمَشَايِخِ أَفْتَوْا بِانْعِقَادِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ اهـ. عِبَارَةُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَرِضَاءُ الْبَعْضِ كَالْكُلِّ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَقَيَّدَ بِالرِّضَا؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِأَنَّهُ كُفْءٌ مِنْ الْبَعْضِ لَا يُسْقِطُ حَقَّ مَنْ أَنْكَرَ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَإِنْكَارُ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لَهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَاصَمَ أَيْ الْوَلِيُّ الزَّوْجَ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ عَدَمُ الْكَفَاءَةِ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ مُخَاصَمَةِ الْوَلِيِّ إيَّاهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَا يَكُونُ رِضًى بِالنِّكَاحِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: لَا سُكُوتُهُ) أَيْ مَا لَمْ تَلِدْ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي إلْحَاقُ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ بِالْوِلَادَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُجْعَلُ رِضًى إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا) قَدْ جَمَعَهَا الْكَمَالُ بِنَظْمٍ لَهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ وَزَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَسَائِلَ أُخْرَى [إجْبَار الْبِكْر الْبَالِغَة عَلَى النِّكَاح] (قَوْلُهُ: أَوْ رَسُولُهُ) سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَهُ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: فَعَلِمَتْ بِوُصُولِ خَبَرِ التَّزْوِيجِ) إنْ كَانَ بِرَسُولِهِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ فُضُولِيًّا شَرَطَ الْعَدَدَ أَوْ الْعَدَالَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: لَا الْمَهْرَ) أَيْ عِلْمُهَا الْمَهْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ مُصَحَّحَةٍ وَثَانِيهَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّدَاقِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَفِي الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ، وَثَالِثِهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُزَوِّجُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا يَشْتَرِطُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي وَالْمِعْرَاجِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ قَائِلِهِ؛ لِأَنَّ التَّفْرِقَةَ إنَّمَا هِيَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ الْمَهْرِ) أَقُولُ التَّعْلِيلُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْمَهْرِ لَهَا بِأَنَّ لِلنِّكَاحِ صِحَّةً بِدُونِهِ لَا يَنْهَضُ؛ لِأَنَّهُ فِي نِكَاحٍ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مَهْرٌ، فَيَكُونُ مَهْرُ الْمِثْلِ لَازِمًا بِلَا ضَرَرٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلِمْ الْوَلِيُّ الْكَبِيرَةَ بِقَدْرِ الْمَهْرِ وَأَعْلَمَهَا بِالزَّوْجِ فَقَطْ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا قَدْرًا لَا يُرْضِيهَا يَكُونُ إلْزَامُهَا بِالنِّكَاحِ لِسُكُوتِهَا حِينَئِذٍ إضْرَارًا بِهَا؛ إذْ لَيْسَ لَهَا غَيْرُ الْمُسَمَّى فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمَهْرِ لَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالزَّوْجِ هُوَ الْأَوْجَهُ فَلَا يَعْدِلُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ

[إنكاح الصغير والصغيرة بغبن فاحش أو لغير كفء]

(إذَا زَوَّجَهَا) الْوَلِيُّ (عِنْدَهَا فَسَكَتَتْ) يَكُونُ سُكُوتُهَا؛ إذْنًا (فِي الْأَصَحِّ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِنْ اسْتَأْذَنَهَا غَيْرُ الْأَقْرَبِ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ وَلِيٌّ بَعِيدٌ (فَإِذْنُهَا) لَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ، بَلْ (بِالْقَوْلِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا السُّكُوتَ لِقِلَّةِ الِالْتِفَاتِ إلَى كَلَامِهِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى الرِّضَا بِخِلَافِ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَلِيِّ (كَالثَّيِّبِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ تُشَاوَرُ» ؛ وَلِأَنَّ النُّطْقَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا مِنْهَا إذَا قَلَّ الْحَيَاءُ بِالْمُمَارَسَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ النُّطْقِ. وَفِي الْكَافِي إذَا وُجِدَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ كَالْقَوْلِ كَتَمْكِينِهَا نَفْسَهَا وَمُطَالَبَتِهَا بِمَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ. وَفِي الْمُحِيطِ، لَوْ قَبِلَتْ الْهَدِيَّةَ أَوْ خِدْمَةَ الزَّوْجِ أَوْ أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ لَا يَكُونُ رِضًا (وَيُشْتَرَطُ) فِي اسْتِئْذَانِ غَيْرِ الْأَقْرَبِ (إعْلَامُهُمَا) أَيْ الْمَهْرِ وَالزَّوْجِ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي اسْتِئْمَارِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ رَغْبَتَهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قِلَّةِ الصَّدَاقِ وَكَثْرَتِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُزَوِّجَ إذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا فَذِكْرُ الزَّوْجِ يَكْفِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَهْرِ إلَّا لِغَرَضٍ فَوْقَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الزَّوْجِ وَالْمَهْرِ، كَذَا فِي الْكَافِي (الزَّائِلُ بَكَارَتَهَا بِوَثْبَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ تَعْنِيسٍ) هُوَ طُولُ مُكْثِهَا فِي أَهْلِهَا بَعْدَ إدْرَاكِهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ عِدَادِ الْأَبْكَارِ (أَوْ زِنًا بِكْرٌ حُكْمًا) أَيْ لَهَا حُكْمُ الْبِكْرِ فِي أَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا (وَالْقَوْلُ لَهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) أَيْ إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بَلَغَكِ النِّكَاحُ فَسَكَتِّ، وَقَالَتْ: بَلْ رَدَدْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي لُزُومَ الْعَقْدِ وَتَمَلُّكَ الْبُضْعِ وَالْمَرْأَةُ تَدْفَعُهُ (وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى سُكُوتِهَا وَلَا تَحْلِفُ هِيَ عِنْدَ عَدَمِهَا) أَيْ بَيِّنَتِهِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ خِلَافًا لَهُمَا (لِلْوَلِيِّ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَلَوْ) كَانَتْ الصَّغِيرَةُ (ثَيِّبًا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ مَرَّ (بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) وَهُوَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ بِأَنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا نُقْصَانًا فَاحِشًا (أَوْ لِغَيْرِ كُفْءٍ) بِإِذْنِ زَوْجِ بِنْتِهِ الصَّغِيرَةِ عَبْدًا أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً (إنْ كَانَ) أَيْ الْوَلِيُّ (أَبًا أَوْ جَدًّا) أَيْ أَبَ الْأَبِ خِلَافًا لَهُمَا قَالُوا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَأَخِّرُونَ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ: إذَا زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ عِنْدَهَا فَسَكَتَتْ يَكُونُ سُكُوتُهَا إذْنًا فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الْكَمَالُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا أَوْ عَرَفَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ. اهـ. (قُلْت) وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهَا بِقَدْرِ الْمَهْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْكَافِي إذَا وُجِدَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَهُوَ كَالْقَوْلِ كَتَمْكِينِهَا. . . إلَخْ) زَادَ الْكَمَالُ قَبُولَ التَّهْنِئَةِ وَالضَّحِكِ سُرُورًا لَا اسْتِهْزَاءً وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ سِوَى أَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا بِخِلَافِ الثَّيِّبِ لَا بُدَّ فِي حَقِّهَا مِنْ دَلَالَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مُجَرَّدِ السُّكُوتِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قَبِيلِ الْقَوْلِ إلَّا التَّمْكِينَ فَيَثْبُتُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إلْزَامِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْقَوْلِ. اهـ. وَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُزَوِّجَ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا. . . إلَخْ) رَدَّهُ الْكَمَالُ بَحْثًا مِنْهُ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ عِبَارَةَ الْكَافِي فَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ وَمَا ذُكِرَ أَيْ فِي الْكَافِي مِنْ التَّفْصِيلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ الصَّغِيرَةَ بِحُكْمِ الْجَبْرِ وَالْكَلَامُ فِي الْكَبِيرَةِ الَّتِي وَجَبَ مُشَاوَرَتُهُ لَهَا وَالْأَبُ فِي ذَلِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَا يَصْدُرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا إلَّا بِرِضَاهَا غَيْرَ أَنَّ رِضَاهَا يَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يُضْعِفُ ظَنَّ كَوْنِهِ رِضًا وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهَا لِجَوَازِ كَوْنِهَا لَا تَرْضَى إلَّا بِالزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ اهـ. (قَوْلُهُ: الزَّائِلِ بَكَارَتِهَا) أَيْ عُذْرَتِهَا وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي عَلَى الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ اسْمٌ لِمَنْ لَمْ تُجَامَعْ بِنِكَاحٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُلِّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ زِنًا) يُرِيدُ بِهِ الْخَفِيَّ الَّذِي لَمْ تُشْهَرْ بِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا الْحَدُّ بِهِ وَلَمْ يَصِرْ عَادَةً لَهَا. (قَوْلُهُ: بِكْرٍ حُكْمًا) وَاضِحٌ فِي الزِّنَا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَهِيَ بِكْرٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ وَبَقِيَ مَسْأَلَةُ مَنْ طَلُقَتْ بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ فُرِّقَ بَيْنهمَا بِعُنَّةٍ أَوْ جَبٍّ تُزَوَّجُ كَالْأَبْكَارِ، وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا بِكْرٌ حَقِيقَةً وَالْحَيَاءُ فِيهَا مَوْجُودٌ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِلْبِكْرِ الْبَالِغَةِ بَلَغَكِ النِّكَاحُ. . . إلَخْ) إنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ بِهَذَا الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ بَلَغَنِي النِّكَاحُ يَوْمَ، كَذَا فَرَدَدْتُ، وَقَالَ الزَّوْجُ لَا بَلْ سَكَتِّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالْفَرْقُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى سُكُوتِهَا) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ، وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى لِإِثْبَاتِ زِيَادَةِ الرَّدِّ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ ادَّعَى السُّكُوتَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى إجَازَتَهَا وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ وَزِيَادَةُ بَيِّنَتِهِ بِإِثْبَاتِ اللُّزُومِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ بَيِّنَتُهَا أَوْلَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا) سَيَأْتِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتِّ [إنْكَاحُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ لِغَيْرِ كُفْء] (قَوْلُهُ: بِأَنْ زَوَّجَ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ وَنَقَصَ مِنْ مَهْرِهَا نُقْصَانًا فَاحِشًا) كَذَا لَوْ زَادَ فِي مَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ زِيَادَةً فَاحِشَةً فَلَا اخْتِصَاصَ بِمَا فَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: أَوْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَمَةً) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَاءَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا) قَيَّدَ لِقَوْلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلِغَيْرِ كُفْءٍ لَا لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ نِكَاحِ الصَّغِيرِ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْجَدُّ وَالْأَبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ

كَانَ الْأَبُ صَاحِيًا، وَلَوْ كَانَ سَكْرَانَ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ عُرِفَ مِنْهُ سُوءُ الِاخْتِيَارِ لِطَمَعِهِ أَوْ سَفَهِهِ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا، لَهُمَا أَنَّ وِلَايَتَهُمَا نَظَرِيَّةٌ فَإِذَا تَضَمَّنَ ضَرَرًا لَا يَجُوزُ وَلَهُ أَنَّ شَفَقَتَهُمَا وَافِرَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الضَّرَرَ يَضْمَحِلُّ فِي مُقَابَلَةِ فَوَائِدَ أُخَرَ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِ حَسَنَ الْخُلُقِ وَالْأُلْفَةِ وَوَاسِعَ النَّفَقَةِ وَالْعِفَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَصَدَاهَا بِالْعَقْدِ فَلَا ضَرَرَ (وَإِلَّا) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا (فَلَا) أَيْ لَا يَصِحُّ إنْكَاحُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ لِغَيْرِ كُفْءٍ اتِّفَاقًا لِفَقْدِ عِلَّةِ الصِّحَّةِ فِي الْغَيْرِ (فَفِي عَقْدِهِمَا) أَيْ عَقْدِ الْأَبِ وَالْجَدِّ (إذَا كَانَ) ذَلِكَ الْعَقْدُ (بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ كُفْءٍ لَزِمَ) أَيْ الْعَقْدُ وَلَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ (وَفِي) عَقْدِ (غَيْرِهِمَا) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (خِيَارُ فَسْخٍ بِالْبُلُوغِ أَوْ الْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَعْنِي إذَا كَانَا عَالِمَيْنِ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالْعَقْدِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ عِنْدَ الْبُلُوغِ إنْ شَاءَ أَقَامَ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِلَّا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ إذَا عَلِمَ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ غَيْرُهُمَا يَتَنَاوَلُ الْقَاضِيَ وَالْأُمَّ حَتَّى إذَا زَوَّجَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْخِيَارُ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْكَافِي (بِشَرْطِ الْقَضَاءِ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَ الصَّغِيرَةُ أَوْ الصَّغِيرُ الْفُرْقَةَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا تَثْبُتُ الْفُرْقَةُ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ) حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ. (وَ) بِخِلَافِ (خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) فَإِنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلَا قَضَاءٍ (فَيَتَوَارَثَانِ قَبْلَهُ) أَيْ إذَا اشْتَرَطَ الْفُرْقَةَ بِالْقَضَاءِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بَلَغَ أَوْ لَا وَرِثَهُ الْآخَرُ لِبَقَاءِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْقَضَاءِ (وَسُكُوتُ الْبِكْرِ هَاهُنَا) أَيْ عِنْدَ الْبُلُوغِ أَوْ الْعِلْمِ بِالنِّكَاحِ بَعْدَ الْبُلُوغِ (رِضًا وَخِيَارُهَا لَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ جَهِلَتْ بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ فَإِنَّ الْبِكْرَ إذَا سَكَتَتْ هَا هُنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ يَبْطُلُ خِيَارُهَا وَلَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَإِنْ رَأَتْهُ بِاللَّيْلِ تَخْتَارُ بِلِسَانِهَا فَتَقُولُ فَسَخْتُ نِكَاحِي وَتُشْهِدُ إذَا أَصْبَحَتْ وَتَقُولُ رَأَيْتُ الدَّمَ الْآنَ فَإِنْ قَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ اخْتَرْت فَهِيَ عَلَى اخْتِيَارِهَا، وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا حِينَ حَاضَتْ فَدَعَا شُهُودًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمْ وَهِيَ فِي مَكَان مُنْقَطِعٍ لَزِمَهَا النِّكَاحُ وَلَمْ تُعْذَرْ، وَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا، وَلَوْ اخْتَارَتْ وَأَشْهَدَتْ وَلَمْ تَتَقَدَّمْ إلَى الْقَاضِي بِشَهْرَيْنِ فَهِيَ عَلَى خِيَارِهَا كَخِيَارِ الْعَيْبِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (بِخِلَافِ الْمُعْتَقَةِ) أَيْ إذَا أُعْتِقَتْ أَمَةٌ وَلَهَا زَوْجٌ ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَوْلَى تَمْنَعُ التَّعَلُّمَ بِخِلَافِ الْحَرَائِرِ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ إذَا رَاهَقَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا تَعَلُّمُ الْإِيمَانِ وَأَحْكَامِهِ أَوْ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِمَا التَّعْلِيمُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَا سُدًى قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا وَاضْرِبُوهُمْ إذَا بَلَغُوا عَشْرًا» (وَخِيَارُ الصَّغِيرِ) أَيْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِلصَّغِيرِ (وَالثَّيِّبِ) إذَا بَلَغَا (لَا يَبْطُلُ بِلَا صَرِيحِ رِضًا) بِأَنْ يَقُولَ رَضِيتُ أَوْ قَبِلْتُ (أَوْ دَلَالَةً) بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَالْقُبْلَةِ وَالْمَسِّ وَإِعْطَاءِ الْغُلَامِ الْمَهْرَ وَقَبُولِ الثَّيِّبِ الْمَهْرَ (وَلَا بِقِيَامِهِمَا عَنْ الْمَجْلِسِ) ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ ثَبَتَ بِعَدَمِ الرِّضَا لِتَوَهُّمِ الْخَلَلِ وَمَا ثَبَتَ بِعَدَمِ الرِّضَا يَبْطُلُ بِالرِّضَا إلَّا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ سَكْرَانَ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا) أَيْ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَهُوَ الصَّحِيحُ حَتَّى لَوْ زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ فَقِيرٍ أَوْ مُحْتَرِفٍ حِرْفَةً دَنِيَّةً وَلَمْ يَكُنْ كُفُؤًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ الْقَضَاءِ، كَذَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ) فِي سِتَّةٍ أُخْرَى. (قَوْلُهُ: الْفُرْقَةِ) بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنَقْضِ الْمَهْرِ وَالْإِبَاءِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَاللِّعَانِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْعِتْقِ وَالْمُخَيَّرَةِ) بَقِيَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ الْفُرْقَةُ بِالْإِيلَاءِ وَالرِّدَّةِ وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَيْ إذَا اشْتَرَطَ الْفُرْقَةَ بِالْقَضَاءِ وَمَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ بَلَغَ أَوْ لَا وَرِثَهُ الْآخَرُ) اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ مُفَادِ الْمَتْنِ الْوِرَاثَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ إفَادَتَهُ الْوِرَاثَةَ قَبْلَ فُرْقَةٍ لَا تَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَعَثَتْ خَادِمَهَا. . . إلَخْ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْسَخْ بِلِسَانِهَا حَتَّى فَعَلَتْهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَأَلَتْ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ أَوْ عَنْ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى أَوْ سَلَّمَتْ عَلَى الشُّهُودِ بَطَلَ خِيَارُهَا) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا تَعَسُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ غَايَةُ الْأَمْرِ كَوْنُ هَذِهِ الْحَالَةِ كَحَالَةِ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، وَلَوْ سَأَلَتْ الْبِكْرُ عَنْ اسْمِ الزَّوْجِ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، وَكَذَا عَنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ ذِكْرِهِ مِنْهَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَ سُكُوتِهَا رِضًا عَلَى الْخِلَافِ، فَإِنَّ ذَاكَ إذَا لَمْ تَسْأَلْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِكُلِّ مَهْرٍ وَالسُّؤَالُ يُفِيدُ نَفْيَ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ رِضَاهَا عَلَى مَعْرِفَةِ كَمِّيَّتِهِ، وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْقَادِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا كَيْفَ وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ لِغَرَضِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْفَسْخِ اهـ. وَفِيهِ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ تَأَمُّلٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ إذَا رَاهَقَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا تَعَلُّمُ الْإِيمَانِ وَأَحْكَامِهِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَاهِقَ صَبِيٌّ وَلَا وُجُوبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ

سُكُوتَ الْبِكْرِ رِضًا فَلَا يَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَضْلًا عَمَّا وَرَاءَهُ لَا سُكُوتُ الْغُلَامِ فَلَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِالْقِيَامِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلسُّكُوتِ، وَأَمَّا عَدَمُ بُطْلَانِ خِيَارِ الثَّيِّبِ بِقِيَامِهَا عَنْهُ؛ فَلِأَنَّ خِيَارَ بُلُوغِهَا لَمْ يَثْبُتْ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَإِنَّ التَّفْوِيضَ هُوَ الْمُقْتَصَرُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ لَا التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ) فَإِنَّهُ لِلْأَبِ، ثُمَّ لِأَبِيهِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِمَا، ثُمَّ وَثُمَّ (الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ ذَكَرٌ يَتَّصِلُ بِالْمَيِّتِ بِلَا تَوَسُّطِ أُنْثَى احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعَصَبِيَّةِ بِالْغَيْرِ كَالْبِنْتِ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً بِالِابْنِ فَلَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أُمِّهَا الْمَجْنُونَةِ، وَعَنْ الْعَصَبَةِ مَعَ الْغَيْرِ كَالْأُخْتِ مَعَ الْبِنْتِ حَيْثُ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَى أُخْتِهَا الْمَجْنُونَةِ (عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ) أَيْ يُقَدَّمُ الْجُزْءُ، وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَصْلُ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُوهُ، وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ الْأَخُ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِأَبٍ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ الْعَمُّ لِأَبٍ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ لِأَبٍ، ثُمَّ الْمُعْتَقُ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، ثُمَّ عَصَبَةُ الْمَوْلَى فَوَلِيُّ الْمَجْنُونَةِ الِابْنُ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ (وَالْحَجْبُ) أَيْ الْأَبْعَدُ مَحْجُوبٌ بِالْأَقْرَبِ (بِشَرْطِ حُرِّيَّةٍ وَتَكْلِيفٍ) فَلَا وِلَايَةَ لِعَبْدٍ وَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ إذْ الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ فَرْعُ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَا وِلَايَةَ لَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ (وَإِسْلَامٍ فِي) حَقِّ (مُسْلِمَةٍ) أَرَادَتْ التَّزَوُّجَ (وَوَلَدٍ مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لِمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أُمِّهِ كَافِرَةً أَوْ سُلْطَانًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (ثُمَّ) أَيْ الْوَلِيُّ بَعْدَ الْعَصَبَةِ الْمَذْكُورَةِ (الْأُمُّ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأُمٍّ، ثُمَّ ذُو الرَّحِمِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ، ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) وَهُوَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ وَوَالَى غَيْرَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَنَى فَأَرْشُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لَهُ (ثُمَّ السُّلْطَانُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» (ثُمَّ قَاضٍ) كَتَبَ (فِي مَنْشُورِهِ) أَيْ مَكْتُوبِهِ الْمُعْطَى مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ (ذَلِكَ) أَيْ تَزْوِيجَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا (لِلْأَبْعَدِ) أَيْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ (التَّزْوِيجُ بِغَيْبَةِ الْأَقْرَبِ) غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ، وَقِيلَ أَدْنَى مُدَّةِ السَّفَرِ يَعْنِي (مَسَافَةَ الْقَصْرِ) ؛ إذْ لَيْسَ لِأَقْصَى مُدَّةِ السَّفَرِ نِهَايَةٌ فَاعْتُبِرَ الْأَدْنَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْمَرْوَزِيِّ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْكَافِي (وَقِيلَ مَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْكُفْءُ الْخَاطِبُ الْخَبَرَ مِنْهُ) اخْتَارَهُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ حَيْثُ قَالَ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لِلْأَبِ، ثُمَّ لِأَبِيهِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِمَا) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْأَبِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ، ثُمَّ لِلْجَدِّ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ، ثُمَّ لِلْقَاضِي، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْمَأْذُونِ وَفِي آخِرِ بَابِ الْإِيصَاءِ آخِرَ الْكِتَابِ وَهُوَ الصَّوَابُ. (قَوْلُهُ: الْعَصَبَةُ) فِيهِ نَوْعُ تَدَافُعٍ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ إلَى قَوْلِهِ لَا التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِمَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَهُمَا التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يُقَدَّمُ الْجُزْءُ) لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحِ مَنْ جُنَّ أَوْ عَتِهَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. (قَوْلُهُ: وَالْحَجْبُ) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ سَيِّدَ أَمَةٍ كَافِرَةٍ أَوْ سُلْطَانًا) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ الْكَمَالُ وَقَائِلُهُ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَنَسَبَهُ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَلَمْ يُنْقَلُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ أَصْحَابِنَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ مَعْزُوٍّ إلَى الْمَبْسُوطِ الْوِلَايَةَ بِالسَّبَبِ الْعَامِّ تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ كَوِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالشَّهَادَةِ وَلَا تَثْبُتُ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ) هَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَقَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِ أَبِي الصَّغِيرَةِ وَوَالَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ اهـ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ أَنَّ الْأَسْفَلَ يُزَوِّجُ بِنْتَ الَّذِي وَالَاهُ، وَلَيْسَ صَحِيحًا فَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِ أَبِ الصَّغِيرَةِ فَيُزَوِّجُهَا مَوْلَى أَبِيهَا بَعْدَ فَقْدِهِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأُمُّ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّةَ وَلَا مَرْتَبَتَهَا فِي التَّزْوِيجِ وَلَنَا فِيهَا رِسَالَةٌ يَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهَا. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَاضٍ كَتَبَ فِي مَنْشُورِهِ) لَكِنَّهُ لَا يُزَوِّجُ يَتِيمَةً مِنْ ابْنِهِ كَالْوَكِيلِ مُطْلَقًا إذَا زَوَّجَ مُوَكِّلَتَهُ مِنْ ابْنِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ لِلْقَاضِي حُكْمٌ مِنْهُ وَحُكْمُهُ لِابْنِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ. . . إلَخْ) كَذَا لِلْأَبْعَدِ التَّزْوِيجُ بِعَضْلِ الْأَقْرَبِ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قُلْت) وَالْمُرَادُ بِالْأَبْعَدِ الْقَاضِي دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الظُّلْمِ وَلَنَا رِسَالَةٌ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ الْحَاصِلِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مُسَمَّاةٌ بِكَشْفِ الْمُعْضِلِ فِيمَنْ عَضَلَ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ مَا لَمْ يَنْتَظِرْ الْكُفْءَ الْخَاطِبَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْفَضْلِ. وَفِي الْهِدَايَةِ هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ اهـ.

[الكفاءة في النكاح]

اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ أَوْ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِهِ يَفُوتُ الْكُفْءُ الَّذِي حَضَرَ فَالْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةٌ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ وَلَا نَظَرَ فِي إبْقَاءِ وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ (وَلَا يَبْطُلُ بِعَوْدِهِ) يَعْنِي بَعْدَ مَا ثَبَتَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ إذَا زَوَّجَهَا، ثُمَّ حَضَرَ الْأَقْرَبُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ عُقِدَ بِوِلَايَةٍ تَامَّةٍ، وَقَدْ حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْخَلَفِ (أَقَرَّ وَلِيُّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ وَكِيلُ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مَوْلَى الْعَبْدِ بِالنِّكَاحِ لَمْ يُصَدَّقْ) وَاحِدٌ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ يُدْرِكَ الصَّغِيرُ أَوْ الصَّغِيرَةُ فَيُصَدِّقُهُ أَوْ يُصَدِّقُ الْمُوَكِّلَ أَوْ الْعَبْدَ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ بِلَا شُهُودٍ وَالتَّصْدِيقُ صُورَتُهُ أَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَ الْقَاضِي رَجُلٌ عَلَى أَبِي الصَّغِيرَةِ أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ وَأَقَرَّ الْأَبُ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ مَا لَمْ يَأْتِ الزَّوْجُ بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَيُنَصِّبُ إنْسَانًا عَنْ الصَّغِيرَةِ حَتَّى يُنْكِرَ النِّكَاحَ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَوْ تُدْرِكُ الصَّغِيرَةُ فَتُصَدِّقُ الرَّجُلَ وَالْأَبَ فَحِينَئِذٍ يَقْضِي بِالنِّكَاحِ (بِخِلَافِ الْأَمَةِ) فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَقَرَّ بِنِكَاحِ أَمَتِهِ بَعْدَمَا ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحَهَا يَقْضِي بِنِكَاحِهَا بِلَا تَصْدِيقٍ وَبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَ الْجَارِيَةِ وَبُضْعَهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَقَطْ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوَلِيِّ شَرَعَ فِي الْكُفْءِ فَقَالَ (الْكَفَاءَةُ) هِيَ لُغَةً كَوْنُ الشَّيْءِ نَظِيرُ آخَرَ وَهِيَ (تُعْتَبَرُ) فِي النِّكَاحِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلُزُومِ النِّكَاحِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (نَسَبًا) فِي الْعَرَبِ فَإِنَّ الْعَجَمَ ضَيَّعُوا أَنْسَابَهُمْ (فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ) أَيْ بَعْضُهُمْ كُفُؤٌ لِبَعْضٍ (وَالْعَرَبُ) يَعْنِي مَا سِوَى قُرَيْشٍ (أَكْفَاءٌ) قَبِيلَةٌ لِقَبِيلَةٍ وَلَيْسُوا كُفُؤًا لِقُرَيْشٍ (وَالْمَوَالِي) يَعْنِي الْعَجَمَ سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ نَصَرُوا الْعَرَبَ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالنَّاصِرُ يُسَمَّى مَوْلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] (أَكْفَاءٌ) رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَيْ لَا يُعْتَبَرُ نَسَبُهُمْ وَلَيْسُوا بِكُفْءٍ لِلْعَرَبِ. (وَ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا (إسْلَامًا فَمُسْلِمٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِكُفْءٍ لِذِي أَبٍ) وَاحِدٍ (فِيهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (وَالْأَبَوَانِ فِيهِ كَالْآبَاءِ) يَعْنِي مَنْ كَانَ لَهُ أَبَوَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفُؤٌ لِمَنْ لَهُ آبَاءٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَقَعُ بِالْأَبَوَيْنِ فَلَا تُعْتَبَرُ الزَّائِدُ. (وَ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا (حُرِّيَّةٌ فَعَبْدٌ أَوْ مُعْتَقٌ لَيْسَ كُفُؤًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَا مُعْتَقُ أَبُوهُ كُفُؤًا لِذَاتِ أَبَوَيْنِ حُرَّيْنِ، وَ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا (دِيَانَةً، فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفُؤًا لِصَالِحَةٍ أَوْ بِنْتِ صَالِحٍ، وَ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا (مَالًا) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِلْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (فَالْعَاجِزُ عَنْ) الْمَهْرِ (الْمُعَجَّلِ وَالنَّفَقَةِ لَيْسَ كُفُؤًا لِفَقِيرَةٍ) ، أَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ عِوَضُ بُضْعِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَهْرِ قَدْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَقَرَّ وَلِيُّ صَغِيرٍ أَوْ صَغِيرَةٍ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ بِلَا شُهُودٍ وَتَصْدِيقٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الْمُصَفَّى عَنْ أُسْتَاذِهِ يَعْنِي الشَّيْخَ حَمِيدَ الدِّينِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْوَلِيُّ فِي صِغَرِهِمَا فَإِنَّ إقْرَارَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى بُلُوغِهِمَا فَإِذَا بَلَغَا وَصَدَّقَاهُ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ وَإِلَّا يَبْطُلُ، وَعِنْدَهُمَا يَنْفُذُ فِي الْحَالِ، وَقَالَ إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ قَالَ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ وَأَنْكَرَ النِّكَاحَ فَأَقَرَّ الْوَلِيُّ، أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ فِي صِغَرِهِ صَحَّ إقْرَارُهُ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْجَهَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا بَلَغَا فَأَنْكَرَا النِّكَاحَ، أَمَّا إذَا أَقَرَّ عَلَيْهِمَا فِي صِغَرِهِمَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا اهـ. [الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ] (قَوْلُهُ: هِيَ لُغَةً كَوْنُ الشَّيْءِ نَظِيرَ آخَرَ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهُ عَقِيبَ قَوْلِهِ فِي الْكُفْءِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَعْرِيفَهُ شَرْعًا لِوُضُوحِ أَنَّهُ مَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ. (قَوْلُهُ: بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي؛ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ وَلَفْظَةُ بَيْنَ لَا تُفِيدُ هَذَا. (قَوْلُهُ: لِلُزُومِ النِّكَاحِ) أَيْ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْكَفَاءَةِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ لِلُزُومِهِ وَلَا يَضُرُّ زَوَالُهَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَدَّمْنَا الْقَوْلَ بِاشْتِرَاطِهَا لِلصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ خِلَافَ الْكَرْخِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا أَيْضًا لِمُوَافَقَتِهِ لِمَالِكٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَقُرَيْشٌ أَكْفَاءٌ) الْقُرَشِيُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ وَالْهَاشِمِيُّ مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَالْعَرَبُ مَنْ جَمَعَهُمْ أَبٌ فَوْقَ النَّضْرِ وَالْمَوَالِي سِوَاهُمْ، كَذَا فِي الْكَافِي أَيْ سِوَى الْعَرَبِ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُمْ رِقٌّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَالْعَرَبُ أَكْفَاءٌ) أَطْلَقَهُ كَالْكَنْزِ وَأَخْرَجَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي مِنْ عُمُومِهِ بَنِي بَاهِلَةَ فَقَالَ: وَبَنُو بَاهِلَةَ لَيْسُوا بِأَكْفَاءٍ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِالْخَسَاسَةِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ أَيْ اسْتِثْنَاءُ بَنِي بَاهِلَةَ فَإِنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَعْلَمَ لِقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَطْلَقَ، وَلَيْسَ كُلُّ بَاهِلِيٍّ كَذَلِكَ، بَلْ فِيهِمْ الْأَجْوَادُ وَكَوْنُ فَصِيلَةٍ مِنْهُمْ أَوْ بَطْنٍ صَعَالِيكَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَسْرِي فِي حَقِّ الْكُلِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ فَالْحَقُّ الْإِطْلَاقُ. (قَوْلُهُ: وَالْأَبَوَانِ فِيهِ كَالْآبَاءِ) لَوْ ثَنَّى ضَمِيرَ فِيهِ وَأَخَّرَهُ عَنْ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ لَكَانَ خَيْرًا لِيُفِيدَ ذَلِكَ فِي الْحُرِّيَّةِ أَيْضًا كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَأَبَوَانِ فِيهِمَا كَالْآبَاءِ. (قَوْلُهُ: فَالْعَاجِزُ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ لَيْسَ كُفُؤًا لِفَقِيرَةٍ) غَيْرُ مُعْتَبَرِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ كُفُؤًا كَمَا فِي

مَا تَعَارَفُوا تَعْجِيلَهُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ مُؤَجَّلٌ عُرْفًا، وَأَمَّا النَّفَقَةُ فَلِأَنَّ قِوَامَ الِازْدِوَاجِ وَدَاوَمَهُ بِهَا (لَا غِنَى فِي الْأَصَحِّ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ مَذْمُومَةٌ فِي الْأَصَحِّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ إلَّا مَنْ قَالَ بِمَالِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا أَيْ تَصَدَّقَ بِهِ» (فَالْقَادِرُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ (كُفُؤٌ لِذَاتِ أَمْوَالٍ عِظَامٍ) لِعَدَمِ الْعِبْرَةِ بِالْغِنَى. (وَ) تُعْتَبَرُ أَيْضًا (حِرْفَةً) ؛ لِأَنَّ التَّفَاخُرَ يَقَعُ بِهَا (فَمِثْلُ حَائِكٍ) كَحَدَّادٍ وَخَفَّافٍ وَنَحْوِهِمَا (لَيْسَ كُفُؤًا لِمِثْلِ عَطَّارٍ) كَبَزَّازٍ فَالْعَطَّارُ وَالْبَزَّازُ كُفُؤَانِ (الْعَجَمِيُّ الْعَالِمُ كُفُؤٌ لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ) ؛ لِأَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ يُقَاوِمُ شَرَفَ النَّسَبِ (وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ) أَيْ غَيْرُ الْغَنِيِّ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَالنَّفَقَةِ (كُفُؤٌ لِلْجَاهِلِ الْغَنِيِّ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْغِنَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (وَلِلْعَلَوِيِّ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ شَرَفَ الْعِلْمِ يُقَاوِمُ شَرَفَ النَّسَبِ (وَالْقَرَوِيُّ لِلْمَدَنِيِّ نَقَصَتْ) أَيْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَةٌ وَنَقَصَتْ (عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا لِلْوَلِيِّ أَنْ يُتِمَّ) الْمَهْرَ (أَوْ يُفَرِّقَ) بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا أَلْحَقَتْ الْعَارَ بِالْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَفَاخَرُونَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيُعَيَّرُونَ بِالنُّقْصَانِ فَكَانَ لَهُمْ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ (أَمَرَ) رَجُلٌ شَخْصًا (بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَزَوَّجَهُ أَمَةً جَازَ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَدَرَ مُطْلَقًا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ كَمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ (وَامْرَأَتَيْنِ لَا) يَعْنِي إذَا زَوَّجَهُ الْمَأْمُورُ امْرَأَتَيْنِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ؛ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ كِلْتَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِهِ وَلَا إلَى إلْزَامِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا إلَى إلْزَامِ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْمَجْهُولَةِ لِتَعَطُّلِهِ عَمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ الْوَطْءُ لِاسْتِحَالَةِ وَطْءِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ (زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَائِبٍ) بِأَنْ قَالَتْ اشْهَدُوا أَنِّي زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ (فَأَجَازَهُ) أَيْ أَجَازَ الْغَائِبُ التَّزْوِيجَ بِبُلُوغِ خَبَرِهِ إلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ قَبِلَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ طَرَفِ الْغَائِبِ فِي الْمَجْلِسِ (وَاحِدٌ) سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا (جَازَ) النِّكَاحُ (وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ عَنْ الْمَرْأَةِ شَطْرُ الْعَقْدِ وَشَطْرُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ نَاكِحٍ غَائِبٍ، بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَوْ مِنْ فُضُولِيٍّ لِيَتَحَقَّقَ صُورَةُ الْعَقْدِ وَيَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى إجَازَةِ الْغَائِبِ (يَتَوَلَّى طَرَفَيْ النِّكَاحِ) يَعْنِي الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ (وَاحِدٌ لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَكَلَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْهِدَايَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُطِيقَةً لِلْوَطْءِ فَهُوَ كُفُؤٌ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَيُعَدُّ قَادِرًا عَلَى الْمَهْرِ بِيَسَارِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى النَّفَقَةِ بِيَسَارِ الْأَبِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَالْقَادِرُ عَلَيْهِمَا أَيْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كُفُؤٌ) مُفِيدٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: فَالْعَطَّارُ وَالْبَزَّازُ كُفُؤَانِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِرْفَةِ التَّقَارُبُ لَا حَقِيقَةُ الْمُسَاوَاةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَالْعَالِمُ الْفَقِيرُ. . . إلَخْ) لَمْ يُفِدْ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْمَهْرَ وَقَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ كَانَ كُفُؤًا لِفَائِقَةِ الْغِنَى فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ لَمْ تُؤَثِّرْ شَيْئًا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اهـ. نَعَمْ وَصْفُ الْعِلْمِ يُجْبِرُ خَلَلَ الْفَقْرِ بِعَدَمِ مِلْكِ الْمَهْرِ عَلَى مَا نَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ ذَا جَاهٍ كَالسُّلْطَانِ وَالْعَالِمِ يَكُونُ كُفُؤًا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الْخَلَلَ يَنْجَبِرُ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفَقِيهُ الْعَجَمِيُّ يَكُونُ كُفُؤًا لِلْعَرَبِيِّ الْجَاهِلِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّ بِنْتَ مَلِكِهِمْ إذَا خَدَعَهَا حَائِكٌ أَوْ سَائِسٌ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا تَسْكِينًا لِلْفِتْنَةِ لَا لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ. (قَوْلُهُ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يُتِمَّ الْمَهْرَ أَوْ يُفَرِّقَ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ طَلَبُ تَتْمِيمِ الْمَهْرِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ الْعَصَبَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا عَلَى الْمُخْتَارِ فَخَرَجَ الْقَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ وَخَرَجَ الْقَاضِي اهـ. (قُلْت) التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ لِكُلِّ قَرِيبٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِتَزَوُّجِهَا غَيْرَ الْكُفْءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ لَا كَابْنِ الْعَمِّ هُوَ الْمُخْتَارُ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَرَ رَجُلٌ شَخْصًا) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْآمِرَ فَشَمِلَ الْأَمِيرَ وَغَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً تُكَافِئُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا زَوَّجَهُ أَمَتَهُ) مِثَالٌ لِمَوْضِعِ التُّهْمَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ كَمَا إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ) تَنْصِيصٌ عَلَى الشَّرْطِ الثَّانِي لِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْمَأْمُورِ أَمَةً لِآمِرِهِ. (قَوْلُهُ: وَامْرَأَتَيْنِ لَا) أَيْ فِي صُورَةِ قَوْلِهِ زَوِّجْنِي امْرَأَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا لَوْ عَيَّنَهَا فَزَوَّجَهَا لَهُ مَعَ أُخْرَى لَزِمَتْهُ الْمُعَيَّنَةُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ) لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهُمَا عَلَى الْآمِرِ فَيَتَوَقَّفُ فَإِنْ أَجَازَهُمَا صَحَّ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ نِكَاحَهُمَا، وَلَوْ قَالَ فَانْتَفَى اللُّزُومُ اسْتَقَامَ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَكِيلًا) أَمَّا كَوْنُهُ فُضُولِيًّا فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَكِيلًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِشَرْطِ الْمُصَنِّفِ الْإِجَازَةَ لِصِحَّتِهِ مَعَ قَبُولِ الْوَكِيلِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) مُفِيدٌ عَدَمَ الِانْعِقَادِ مَوْقُوفًا فِيمَا إذَا قَبِلَ الْعَاقِدُ الْفُضُولِيَّ أَيْضًا عَنْ الْغَائِبِ كَقَوْلِهَا زَوَّجْتُ نَفْسِي مِنْ فُلَانٍ، ثُمَّ قَالَتْ وَقَبِلْتُ عَنْهُ لَا يَتَوَقَّفُ، بَلْ يَبْطُلُ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ

[باب المهر]

بِهِمَا، بَلْ الْوَاحِدُ إذَا كَانَ وَكِيلًا مِنْهُمَا فَقَالَ زَوَّجْتُهَا إيَّاهُ كَانَ كَافِيًا وَلَهُ أَقْسَامٌ إمَّا أَصِيلٌ وَوَلِيٌّ كَابْنِ الْعَمِّ تَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ أَصِيلٌ وَوَكِيلٌ كَمَا إذَا وَكَّلَتْ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا نَفْسَهُ أَوْ وَلِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ وَكِيلًا مِنْهَا أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَوَكِيلًا مِنْ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فُضُولِيًّا كَمَا إذَا كَانَ أَصِيلًا وَفُضُولِيًّا أَوْ وَلِيًّا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ آخَرَ أَوْ وَكِيلًا مِنْ جَانِبٍ وَفُضُولِيًّا مِنْ آخَرَ أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ (أَذِنَتْ) امْرَأَةٌ (لِرَجُلٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَعَقَدَ) أَيْ تَزَوَّجَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْمَرْأَةَ لِنَفْسِهِ (عِنْدَ شَاهِدَيْنِ جَازَ) النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ فُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ فَقَوْلُهُ زَوَّجْت يَتَضَمَّنُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ (كَذَا ابْنُ عَمٍّ زَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَصِحُّ هَذَا التَّزْوِيجُ أَيْضًا لِكَوْنِهِ وَلِيًّا لَيْسَ بِفُضُولِيٍّ مِنْ جَانِبٍ (وَلَوْ وَكَّلَتْ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّهَا نَصَبَتْهُ مُزَوِّجًا لَا مُتَزَوِّجًا بَابُ الْمَهْرِ) . (صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَبِنَفْيِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فَإِنَّ الْبَاءَ لَفْظٌ خَاصٌّ مَعْنَاهُ الْإِلْصَاقُ فَيَدُلُّ قَطْعًا عَلَى امْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الِابْتِغَاءِ وَهُوَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ عَنْ الْمَالِ فَإِنْ قِيلَ الِابْتِغَاءُ وَرَدَ مُطْلَقًا عَنْ الْإِلْصَاقِ بِالْمَالِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] وَالْمُطْلَقُ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا وَأَيْضًا مُحَصِّلُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ الِابْتِغَاءَ الصَّحِيحَ مُلْصَقًا بِالْمَالِ فَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ الِابْتِغَاءُ الْمُنْفَكُّ عَنْ الْمَالِ صَحِيحًا لَا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَمُسْتَوْجِبًا لِثُبُوتِ مَا نَفَى أَوْ سَكَتَ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ قُلْنَا عَنْ الْأَوَّلِ إنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عِنْدَنَا أَيْضًا إذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْحَادِثَةُ وَدَخَلَ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى الْحُكْمِ الْمُثْبَتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَهَا هُنَا كَذَلِكَ، وَعَنْ الثَّانِي أَنْ قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] دَلَّ عَلَى تَحَقُّقِ الطَّلَاقِ بِدُونِ سَبْقِ فَرْضِ الْمَهْرِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا صَحَّ النِّكَاحُ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَجَبَ أَنْ تُحْمَلَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا عَلَيْهِ (وَأَقَلُّهُ قَدْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةً وَزْنُ سَبْعَةٍ) أَيْ وَزْنُ كُلِّ عَشَرَةٍ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ حَتَّى يَجُوزَ وَزْنُ عَشَرَةٍ تِبْرًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ بِخِلَافِ نِصَابِ السَّرِقَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَوَجَبَتْ) أَيْ الْعَشَرَةُ (إنْ سَمَّى دُونَهَا) . (وَ) وَجَبَ (الْأَكْثَرُ إنْ سَمَّى) أَيْ الْأَكْثَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى رَدِّ مَا قَيَّدَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ تَوَقُّفِهِ بِمَا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْحَوَاشِي قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ وَلَا وُجُودَ لِهَذَا الْقَيْدِ فِي كَلَامِ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ، بَلْ كَلَامُ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ الَّذِي جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ مُطْلَقٌ عَنْهُ، وَأَصْلُ الْمَبْسُوطِ خَالٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ فُضُولِيًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ إنْ قَبِلَ مِنْهُ فُضُولِيٌّ آخَرُ تَوَقَّفَ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ اهـ. وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْفُضُولِيُّ الثَّانِي قَبِلْتُ لَهُمَا فَإِذَا جَازَا نَفَذَ. (تَنْبِيهٌ) لِلْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ فَسْخُهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَتَّى لَوْ أَجَازَ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ قَاسَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَى الْفُضُولِيِّ بَعْدَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْعَاقِدِ أَنْ يَفْسَخَ هَذَا الْعَقْدَ اهـ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ: وَكَّلَتْ رَجُلًا بِتَزْوِيجِهَا فَتَزَوَّجَهَا لَمْ يَجُزْ) فَكَذَا عَكْسُهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إلَّا أَنْ تَقُولَ مِمَّنْ شِئْت اهـ. وَإِذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ فِي الصَّحِيحِ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْآمِرِ بِامْرَأَةٍ أَمَةٍ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُعَيَّرُ بِعَدَمِ الْكُفْءِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَيُمْنِهِ [بَابُ الْمَهْرِ] لَمَّا ذَكَرَ رُكْنَ النِّكَاحِ وَشَرْطَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمُهُ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِالتَّسْمِيَةِ فَكَانَ حُكْمًا لَهُ وَلَهُ أَسْمَاءٌ مَهْرٌ صَدَاقٌ نِحْلَةٌ أَجْرٌ فَرِيضَةٌ عُقْرٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: صَحَّ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةٍ) لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] غَيَّرَ الْأَنْسَبَ لِلْمَقَامِ فَإِنَّهُ فِي بَيَانِ صِحَّةِ النِّكَاحِ بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ لَا فِي بَيَانِ لُزُومِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلصِّحَّةِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236] ، ثُمَّ يُقَالُ وَالْمَهْرُ وَاجِبٌ شَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي [أَقَلُّ الْمَهْرِ] (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ قَدْرُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةً وَزْنَ سَبْعَةٍ) هُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ دِرْهَمٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا، وَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا اُعْتُبِرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ لَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِذَا أُنْقِصَ عَنْ الْعَشَرَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِالنِّسْبَةِ لِضَمَانِهَا فَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَرْضٍ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَقَبَضَتْهُ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ هَلَكَ الثَّوْبُ رَدَّتْ عَشَرَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ

(عِنْدَ الْوَطْءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْوُجُوبِ (أَوْ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) فَإِنَّهُ أَيْضًا مُؤَكِّدٌ لِلْمَهْرِ (وَنِصْفُهُ) أَيْ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى (بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْوَطْءِ أَوْ الْخَلْوَةِ) (وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ عِنْدَمَا ذَكَرَ) مِنْ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ وَالْمَوْتِ (فِي الشِّغَارِ) وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ لِلْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْآخَرُ بِنْتَه أَوْ أُخْتَهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَنَا وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا سَمَّى بِهِ؛ لِأَنَّ الشُّغُورَ هُوَ الرَّفْعُ وَالْإِخْلَاءُ فَكَأَنَّهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ رَفَعَا الْمَهْرَ وَأَخْلَيَا الْبُضْعَ عَنْهُ (وَ) وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَيْضًا (فِيمَا لَمْ يُسَمَّ) الْمَهْرُ (أَوْ نَفَى إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى شَيْءٍ (فَذَاكَ) الشَّيْءُ هُوَ الْوَاجِبُ (أَوْ سُمِّيَ) عَطْفٌ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ أَيْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِيمَا سُمِّيَ (خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ هَذَا الْخَلُّ وَهُوَ خَمْرٌ، أَوْ هَذَا الْعَبْدُ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ ثَوْبٌ أَوْ دَابَّةٌ لَمْ يُبَيِّنْ جِنْسَهُمَا أَوْ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ أَوْ خِدْمَةُ الزَّوْجِ الْحُرِّ لَهَا سَنَةً) ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الِابْتِغَاءُ بِالْمَالِ الْمُتَقَوِّمِ وَالتَّعْلِيمُ لَيْسَ بِمَالٍ فَضْلًا عَنْ التَّقَوُّمِ، وَكَذَا الْمَنَافِعُ عَلَى أَصْلِنَا، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَةِ حُرٍّ آخَرَ فَقِيلَ لَا تَسْتَحِقُّ الْخِدْمَةَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَتَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ بِقِيمَةِ خِدْمَتِهِ، وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ أَوْ الزِّرَاعَةِ لَمْ يَجُزْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا إجْمَاعًا اسْتِدْلَالًا بِقِصَّةِ مُوسَى وَشُعَيْبٍ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَإِنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا إذَا قَصَّهَا اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ بِلَا إنْكَارٍ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (عَبْدًا فَالْخِدْمَةُ) أَيْ فَالْوَاجِبُ الْخِدْمَةُ فَإِنَّ خِدْمَةَ الْعَبْدِ ابْتِغَاءٌ بِالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ رَقَبَتِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحُرُّ (وَمُتْعَةٌ) عَطْفٌ عَلَى الْمَهْرِ الْمِثْلِ أَيْ وَجَبَ مُتْعَةٌ (لِمُفَوِّضَةٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهِيَ الَّتِي زُوِّجَتْ بِلَا ذِكْرِ مَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا (طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ وَهِيَ) أَيْ الْمُتْعَةُ (دِرْعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: عِنْدَ الْوَطْءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْوُجُوبِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ الْمَهْرُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ يَتَأَكَّدُ لُزُومُ تَمَامِهِ بِنَحْوِ الْوَطْءِ، وَلَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَالْخَلْوَةِ أَوْ أَزَالَ بَكَارَتَهَا بِنَحْوِ حَجَرٍ وَيَجِبُ نِصْفُهُ بِزَوَالِهَا بِدَفْعَةٍ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ أَيْضًا مُؤَكِّدٌ لِلْمَهْرِ) مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَاهُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ كَذَلِكَ فِيمَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفُهُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ الْوَطْءِ) لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ لِمَا قُلْنَا إنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ بِالْعَقْدِ فَهِيَ لِلْمُصَاحَبَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ كُلٌّ مِنْ الرَّجُلَيْنِ بِنْتَه. . . إلَخْ) لَا يَصِحُّ هَذَا الْمِثَالُ لِلشِّغَارِ اصْطِلَاحًا إلَّا بِزِيَادَةِ شَرْطِ جَعْلِ بُضْعِ كُلٍّ مِنْهُمَا نَظِيرَ بُضْعِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، بَلْ مِثْلُ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَا يَكُونُ شِغَارًا اصْطِلَاحًا، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ وُجُوبَ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِكَ وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ، بَلْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا، فَلَيْسَ بِشِغَارٍ، وَإِنْ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَهْرًا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ. اهـ. (قُلْت) لَكِنْ يُعَارِضُهُ أَنَّهُ خِدْمَةٌ لَهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ مُشْتَرَكِ مَصَالِحِهِمَا فَلَا تَصِحُّ تَسْمِيَةُ التَّعْلِيمِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَكَحَهَا عَلَى رَعْيِ الْغَنَمِ أَوْ الزِّرَاعَةِ لَمْ يَجُزْ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهَا. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَالْأَوْجَهُ أَوْ وَالْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الصَّوَابِ يَقْتَضِي خَطَأَ مَا يُقَابِلُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ خَطَأٌ اهـ. عَلَى أَنَّ الْكَمَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ كَوْنُ الْأَوْجَهِ الصِّحَّةُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَتْ الْغَنَمُ مِلْكَ الْبِنْتِ دُونَ شُعَيْبٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ اهـ. وَالدَّلِيلُ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ فِي الزِّرَاعَةِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ تَسْمِيَتِهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ لَمْ يَتَمَحَّضْ خِدْمَةً لَهَا؛ إذْ الْعَادَةُ اشْتِرَاكُ الزَّوْجَيْنِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ مَالِهِمَا، فَلَيْسَ مِنْ بَابِ خِدْمَةِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ أَلَا يُرَى أَنَّ الِابْنَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لِلزِّرَاعَةِ وَالرَّعْيِ صَحَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ اهـ. وَالْمُرَادُ بِالزِّرَاعَةِ أَنْ يَزْرَعَ أَرْضَهُ بِبَذْرِهَا، وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ شُرِطَ لَهُ شَيْءٌ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (تَنْبِيهٌ) : لَوْ جَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا كَأَنْ يَقُولَ أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ تُزَوِّجِينِي نَفْسَكِ بِعِوَضِ الْعِتْقِ فَقَبِلَتْ صَحَّ وَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي تَزَوُّجِهِ فَإِنْ تَزَوَّجَتْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ أَبَتْ أَلْزَمْنَاهَا بِقِيمَتِهَا، وَلَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ رِقَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ مُتْعَةٌ) بِمَعْنَى لَزِمَ. (قَوْلُهُ: لِمُفَوِّضَةٍ بِكَسْرِ الْوَاوِ) مِنْ فَوَّضَتْ أَمْرَهَا لِوَلِيِّهَا وَزَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ وَبِفَتْحِهَا مِنْ فَوَّضَهَا وَلِيُّهَا إلَى الزَّوْجِ بِلَا مَهْرٍ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: دِرْعٌ) هِيَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدِّرْعَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْخِمَارُ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَالْمِلْحَفَةُ الْمُلَاءَة وَهِيَ مَا تَلْتَحِفُ بِهِ الْمَرْأَةُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا أَدْنَى الْمُتْعَةِ اهـ. . وَفِي الْبَحْرِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَذَا فِي دِيَارِهِمْ، وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا تَلْبَسُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُزَادُ عَلَى هَذَا إزَارٌ وَمُكَعَّبٌ اهـ. وَلَوْ أَعْطَاهَا قِيمَتَهَا تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

وَخِمَارٌ وَمِلْحَفَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ) أَيْ نِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (غَنِيًّا وَلَا تَنْقُصُ عَنْ خَمْسَةٍ) أَيْ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ (وَلَوْ) كَانَ (فَقِيرًا وَتُعْتَبَرُ) أَيْ الْمُتْعَةُ (بِحَالِهِ) لَا حَالِهَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ عَمَلًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236] ، وَقِيلَ تُعْتَبَرُ بِحَالِهِمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَفِي الْآيَةِ أَشَارَ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 236] ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ كَمَا قُلْنَا فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ بِحَالِهِ وَحْدَهُ لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْوَضِيعَةِ وَالشَّرِيفَةِ فِي الْمُتْعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بَيْنَ النَّاسِ، بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَتُسْتَحَبُّ) أَيْ الْمُتْعَةُ (لِمَنْ سِوَاهَا) أَيْ سِوَى مُفَوِّضَةٍ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ (إلَّا مَنْ سُمِّيَ لَهَا الْمَهْرُ وَطَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ) فَالْبَاقِي بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ وَمُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَسُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُطَلَّقَاتِ أَرْبَعٌ مُطَلَّقَةٌ لَمْ تُوطَأْ وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ فَيَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَمُطَلَّقَةٌ لَمْ تُوطَأْ، وَقَدْ سُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُمَا الْمُتْعَةُ وَمُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَلَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ وَمُطَلَّقَةٌ وُطِئَتْ وَسُمِّيَ لَهَا مَهْرٌ فَهَاتَانِ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا الْمُتْعَةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا الْمُتْعَةُ سَوَاءٌ سَمَّى لَهَا مَهْرًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ مَا سَلَّمَتْ إلَيْهِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا زَائِدًا عَلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي صُورَةِ التَّسْمِيَةِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي صُورَةِ عَدَمِهَا وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا فَفِي صُورَةِ التَّسْمِيَةِ تَأْخُذُ نِصْفَ الْمُسَمَّى مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الْبُضْعِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهَا شَيْءٌ آخَرُ وَفِي صُورَةِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ يَجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَأْخُذُ شَيْئًا وَابْتِغَاءُ الْبُضْعِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَالِ (مَا فُرِضَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ زِيدَ لَا يَتَنَصَّفُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ نَفَاهُ، ثُمَّ تَرَاضَيَا عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَسُمِّيَ لَهَا بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى، ثُمَّ زَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَتَنَصَّفُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَا الزَّائِدُ عَلَى الْمُسَمَّى بَعْدَهُ، بَلْ يَجِبُ الْمُتْعَةُ فِي الْأَوَّلِ وَنِصْفُ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ فِي الثَّانِي (وَيَسْقُطُ الزَّائِدُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ وَطْءِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَتَنَصَّفُ أَيْضًا وَإِنَّمَا لَمْ يَتَنَصَّفْ؛ لِأَنَّهُ تَعْيِينٌ لِلْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَذَلِكَ لَا يَتَنَصَّفُ فَكَذَا مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَإِنَّمَا سَقَطَ الزَّائِدُ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنَّ كُلَّ مَا لَمْ يُسَمَّ فِي الْعَقْدِ يُبْطِلُهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعْدَهُ وَجَبَ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمُسَمَّى (وَصَحَّ حَطُّهَا) أَيْ حَطُّ الْمَرْأَةِ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا وَالْحَطُّ يُلَاقِي حَالَةَ الْبَقَاءِ (الْخَلْوَةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي كَالْوَطْءِ، وَالْمُرَادُ بِهَا اجْتِمَاعُهُمَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمَا عَاقِلٌ فِي مَكَان لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ؛ إذْنِهِمَا أَوْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ لِظُلْمَةٍ وَيَكُونُ الزَّوْجُ عَالِمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: لَا تَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَإِذَا كَانَا سَوَاءً فَالْوَاجِبُ الْمُتْعَةُ؛ لِأَنَّهَا الْفَرِيضَةُ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا. . . إلَخْ) اعْتَبَرَهُ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ وَصَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَقَالَ عَلَيْهَا الْفَتْوَى قَالَ فِي الْبَحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ، وَالْأَرْجَحُ قَوْلُ الْخَصَّافِ. (قَوْلُهُ: إلَّا مَنْ سَمَّى لَهَا الْمَهْرَ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ) أَيْ فَلَا تُسْتَحَبُّ وَلَا تَجِبُ لَهَا الْمُتْعَةُ، وَهَذَا عَلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ حُكْمًا لِلطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَحَبَّةً كَانَتْ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا يُكَبَّرُ فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى فِي عِيدِ الْفِطْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ حُكْمًا لِلْعِيدِ، وَلَوْ كَبَّرَ جَازَ وَاسْتُحِبَّ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الِاسْتِحْبَابِ عَدَمَ الثَّوَابِ، بَلْ إنَّ هَذَا لَيْسَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَالْحَصْرِ وَالْمُخْتَلِفِ فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تُسْتَحَبُّ لِلَّتِي طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا اهـ مِنْ الْبَحْرِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَنْتَصِفُ الْمُسَمَّى بَعْدَ الْعَقْدِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا كَانَ لَهَا الْمُسَمَّى وَهُوَ مَا فَرَضَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ) خِلَافَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْوَطْءِ فَهَذَا رُجُوعٌ إلَى الصَّوَابِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ حَطُّهَا) أَيْ لَزِمَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الزَّوْجُ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا فِي الْمَجْلِسِ لِصِحَّتِهَا وَيَرْتَدُّ حَطُّهَا بِرَدِّهِ فَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ يَعْنِي لَمْ يَقْبَلْ صَرِيحًا بِأَنْ سَكَتَ اهـ. وَقَيَّدَ فِي الْبَدَائِعِ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْمَهْرِ بِأَنْ يَكُونَ دَيْنًا أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَطَّ الْمَهْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَا يَصِحُّ فِي الْأَعْيَانِ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عِلْمُهَا بِمَعْنَى اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ لُقِّنَتْهُ وَلَمْ تُحْسِنْهُ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَيْثُ يَقَعَانِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرِّضَا شَرْطُ جَوَازِ الْهِبَةِ دُونَهُمَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَهْرَ بَقَاءُ حَقِّهَا) إنَّمَا قَالَ بَقَاءُ؛ لِأَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ حَقُّ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِرَاضُ إذَا نَقَصَتْهُ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمَا عَاقِلٌ) أَطْلَقَهُ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْكَمَالُ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ اسْتَوَى مَنْعُهُ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى يَقْظَانَ أَوْ نَائِمًا بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى يُحِسُّ وَالنَّائِمَ يَسْتَيْقِظُ وَيَتَنَاوَمُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ لَا يُمْنَعُ، وَقِيلَ الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُمْنَعَانِ اهـ. وَاسْتَثْنَى فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ جَارِيَتَهَا فَقَالَ لَا تُمْنَعُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الْمُخْتَارُ كَجَارِيَةٍ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُبْتَغَى اهـ.

بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ (بِلَا مَانِعِ وَطْءٍ) حِسًّا أَوْ طَبْعًا أَوْ شَرْعًا الْأَوَّلُ (نَحْوُ مَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ، وَ) الثَّانِي نَحْوُ (حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ مَانِعًا شَرْعًا أَيْضًا (وَ) الثَّالِثُ نَحْوُ (إحْرَامٍ) لِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ (وَصَوْمِ فَرْضٍ) وَهُوَ صَوْمُ رَمَضَانَ (كَالْوَطْءِ) فِي كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلْمَهْرِ (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا أَوْ صَائِمَ فَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ أَوْ صَائِمَ نَذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ فَرْضًا وَنَفْلًا) أَيْ لَا تَكُونُ الْخَلْوَةُ صَحِيحَةً مَعَ الصَّلَاةِ الْفَرْضِ كَمَا فِي الصَّوْمِ الْفَرْضِ وَتَكُونُ صَحِيحَةً مَعَ الصَّلَاةِ النَّفْلِ كَمَا فِي الصَّوْمِ النَّفْلِ (وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْكُلِّ) أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَقْسَامِ الْخَلْوَةِ صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً احْتِيَاطًا لِتَوَهُّمِ الشَّغْلِ (قَبَضَتْ أَلْفَ الْمَهْرِ فَوَهَبَتْهُ لَهُ وَطَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ بِنِصْفِهِ) يَعْنِي تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفٍ فَقَبَضَتْهُ وَوَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسِمِائَةٍ؛ إذْ لَمْ يَصِلْ إلَى الزَّوْجِ عَيْنُ مَا اسْتَوْجَبَهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ نِصْفَ الْمَهْرِ، وَالْمَقْبُوضُ لَيْسَ بِمَهْرٍ، بَلْ عِوَضٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ فَصَارَ هِبَةُ الْمَقْبُوضِ كَهِبَةِ مَالٍ آخَرَ وَحَقُّ الزَّوْجِ فِي سَلَامَةِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَلَمْ يَسْلَمْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا دَيْنٌ غَيْرُ عَيْنٍ (وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهُ أَوْ قَبَضَتْ نِصْفَهُ فَوَهَبَتْ الْكُلَّ أَوْ مَا بَقِيَ أَوْ عَرَضَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا) يَعْنِي إذَا وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَ شَيْئًا مِنْهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ إذَا سَلِمَ لَهُ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهَا شَيْئًا آخَرَ، غَايَتُهُ أَنَّ هَذِهِ السَّلَامَةَ حَصَلَتْ بِسَبَبٍ آخَرَ غَيْرِ الطَّلَاقِ وَلَا يُبَالِي بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْمَقْصُودِ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَتْ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ وَهَبَتْ الْأَلْفَ كُلَّهُ الْمَقْبُوضَ وَغَيْرَهُ أَوْ وَهَبَتْ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ أَيْضًا إذَا وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مَا يَسْتَحِقُّهُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ قَبَضَتْ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ كَسِتِّمِائَةٍ وَوَهَبَتْ لَهُ الْبَاقِيَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعِنْدَهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِائَةٍ، وَعِنْدَهُمَا بِثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَوْ قَبَضَتْ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ كَمِائَتَيْنِ مَثَلًا لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَيْهَا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِمِائَةٍ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْعَرْضِ فَوَهَبَتْ نِصْفَهُ أَوْ كُلَّهُ قَبَضَتْهُ أَوْ لَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَلَامَةُ نِصْفِ الْمَقْبُوضِ بِلَا عِوَضٍ مِنْ جِهَتِهَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَكَانَ الْمَوْهُوبُ عَيْنَ الْمَهْرِ فَسَلِمَ لَهُ مَقْصُودُهُ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ (نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا) مِنْ مَقَامِهَا (أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ) نَكَحَهَا (عَلَى أَلْفٍ إنْ أَقَامَ بِهَا وَ) عَلَى (أَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَهَا فَإِنْ وَفَّى) أَيْ فِيمَا نَكَحَهَا عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا (وَأَقَامَ) أَيْ فِيمَا نَكَحَهَا بِأَلْفٍ إنْ أَقَامَ وَبِأَلْفَيْنِ إنْ أَخْرَجَ (فَلَهَا الْأَلْفُ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ) ، أَمَّا الْأَلْفُ فِي صُورَةِ الْوَفَاءِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِي صُورَةِ عَدَمِهِ؛ فَلِأَنَّ الْمُسَمَّى صَلُحَ لِلْمَهْرِ، وَقَدْ تَمَّ رِضَاهَا بِهِ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي عَدَمِهِ؛ فَلِأَنَّهُ سَمَّى مَا لَهَا فِيهِ نَفْعٌ فَعِنْدَ فَوَاتِهِ يَنْعَدِمُ رِضَاهَا بِالْأَلْفِ فَيَكْمُلُ مَهْرُ مِثْلِهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَعِنْدَهُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ لَا الثَّانِي، وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ صَحِيحَانِ، وَعِنْدَ زُفَرَ فَاسِدَانِ (لَكِنْ لَا يُزَادُ الْمَهْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: نَحْوَ مَرَضٍ لِأَحَدِهِمَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَقِيلَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مَرَضِهَا، وَأَمَّا مَرَضُهُ فَمَانِعٌ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَوْمِ فَرْضٍ) يَعْنِي بِهِ أَدَاءَ رَمَضَانَ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِهِ دُونَ الْقَضَاءِ وَالْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ عَلَى الصَّحِيحِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: كَالْوَطْءِ فِي كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلْمَهْرِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْوَطْءِ فِي غَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ الْإِحْصَانِ وَالْمِيرَاثِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَفِي شَرْحِنَا لِمَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ انْتِهَاءُ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ الِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ حُكْمًا فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَائِمِ فَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي بِهِ غَيْرَ أَدَاءِ رَمَضَانَ وَإِلَّا نَاقَضَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ شَرْطِهِ لِصِحَّةِ الْخَلْوَةِ عَدَمُ صِيَامِ الْفَرْضِ وَتَصْحِيحُهُ بِمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى أَدَاءِ الْفَرْضِ. (قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْعِدَّةُ فِي الْكُلِّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، ثُمَّ قَالَ فِيهَا، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمَانِعَ إنْ كَانَ شَرْعِيًّا تَجِبُ الْعِدَّةُ لِثُبُوتِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ حَقِيقِيًّا كَالْمَرَضِ وَالصِّغَرِ لَا تَجِبُ لِانْعِدَامِ التَّمَكُّنِ حَقِيقَةً اهـ. وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ فِي فُتْيَاهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْعِدَّةِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَهْرُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا آخَرَ فِي الذِّمَّةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا فَهُوَ كَالْعَرَضِ، وَلَيْسَ لَهَا رَدُّ مَا كَانَ مُعَيَّنًا وَلَمْ تَرَهُ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَهَا رَدُّهُ بِالْعَيْبِ الْفَاحِشِ وَتَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ صَحِيحًا، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى، سَوَاءٌ وَفَّى بِشَرْطِهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَتَنَصَّفُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ

فِي) الْمَسْأَلَةِ (الْأَخِيرَةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ بِأَلْفٍ إنْ أَقَامَ فَإِنَّهُ إذَا أَخْرَجَهَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ يَجِبُ أَلْفٌ وَلَا يُنْتَقَصُ مِنْهُ شَيْءٌ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى أَلْفَيْنِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ أَلْفٍ (نَكَحَ بِهَذَا) الْعَبْدِ (أَوْ بِهَذَا) الْعَبْدِ (وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسُ) أَيْ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْآخَرِ (حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ) أَيْ جَعَلَ مَهْرَ الْمِثْلِ حُكْمًا فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَوْكَسِهِمَا فَلَهَا الْأَوْكَسُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْفَعِهِمَا فَلَهَا الْأَرْفَعُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا لَهَا الْأَوْكَسُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَنِصْفُ الْأَوْكَسِ) أَيْ فَلَهَا نِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ (أَمْهَرَ عَبْدَيْنِ وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ فَمَهْرُهَا الْعَبْدُ إنْ سَاوَى عَشَرَةً وَإِلَّا كَمَّلَ لَهَا الْعَشَرَةَ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (شَرَطَ الْبَكَارَةَ وَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْمَهْرِ وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّرْطِ (صَحَّ إمْهَارُ فَرَسٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يُبَالِغْ فِي وَصْفِهِ وَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بَيَّنَ جِنْسَهُ لَا صِفَتَهُ وَلَزِمَ الْوَسَطُ أَوْ قِيمَتُهُ وَإِنْ بَيَّنَهَا) أَيْ صِفَتَهُ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا بَيَّنَ جِنْسَهُ (فَالْمَوْصُوفُ) أَيْ اللَّازِمُ هُوَ (وَيَجِبُ فِي) النِّكَاحِ (الْفَاسِدِ بِالْوَطْءِ لَا الْخَلْوَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ) يَعْنِي أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَجِبُ فِيهِ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّتِهَا وَهُوَ الْحُرْمَةُ فَإِنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْوَطْءِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْهُ وَلَا تَمَكُّنَ مَعَ الْحُرْمَةِ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ بِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَا الْعِدَّةُ وَلِكُلٍّ مِنْهَا فَسْخُهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ إلَّا بِحَضْرَةٍ مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْقَبْضِ (وَلَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ إنْ زَادَ مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى الْمُسَمَّى لَمْ تُعْتَبَرْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لِرِضَاهَا بِمَا دُونَهَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: نَكَحَ بِهَذَا الْعَبْدِ أَوْ بِهَذَا الْعَبْدِ وَأَحَدُهُمَا أَوْكَسَ حُكْمَ مَهْرِ الْمِثْلِ) هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخِيَارَ لَهَا لِتَأْخُذَ أَيًّا شَاءَتْ أَوْ الْخِيَارَ لَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَيًّا شَاءَ فَإِنْ شَرَطَ صَحَّ اتِّفَاقًا لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَنِصْفُ الْأَوْكَسِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ نِصْفُ الْأَوْكَسِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنْ كَانَ نِصْفُ الْأَوْكَسِ أَقَلَّ مِنْ الْمُتْعَةِ تَكُونُ لَهَا الْمُتْعَةُ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَالْوَاجِبُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ وَنِصْفُ الْأَوْكَسِ يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ فَوَجَبَ لِاعْتِرَافِهِ بِالزِّيَادَةِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا فَالْحُكْمُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي التَّحْقِيقِ لَيْسَ إلَّا مُتْعَةُ مِثْلِهَا اهـ. (قَوْلُهُ: شَرَطَ الْبَكَارَةَ وَوَجَدَهَا ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْكُلُّ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَقَاضِي خَانْ وَالْعِمَادِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ عَلَى قِيَاسِ مَا اخْتَارَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَئِمَّةِ بُخَارَى فِي مَسْأَلَةِ الْجِهَارِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ عَلَى دستيمان مِثْلِهَا وَفِيهَا عَنْ الْقُنْيَةِ تَزَوَّجَهَا بِأَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ ثَيِّبٌ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّوْفِيقُ وَاضِحٌ لِلْمُتَأَمِّلِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي فَوَائِدِ الْإِمَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ اهـ. عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنْ رَدَّدَ فِي الْمَهْرِ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ لِلثُّيُوبَةِ وَالْبَكَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَزِمَهُ الْأَقَلُّ وَإِلَّا فَمَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ الْأَقَلِّ مِمَّا سَمَّاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الدَّبُوسِيِّ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَعَلَى أَلْفٍ إنْ كَانَتْ قَبِيحَةً قَالُوا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَالشَّرْطَانِ عِنْدَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ جَمِيلَةً كَانَ الْمَهْرُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَبِيحَةً كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ لَا خَطَرَ فِي التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ قَبِيحَةً أَوْ جَمِيلَةً اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَشْكَلَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ صِحَّتِهِمَا اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ إنْ كَانَتْ مَوْلَاةً أَوْ لَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَبِأَلْفَيْنِ إنْ كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ أَوْ لَهُ امْرَأَةٌ لَكِنَّ الْخِلَافَ مَنْقُولٌ فِيهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ مَسْأَلَةَ الْقَبِيحَةِ وَالْجَمِيلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فَقَدْ نَصَّ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمَا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَيَّنَهَا أَيْ صِفَتَهُ أَيْضًا أَيْ كَمَا بَيَّنَ جِنْسَهُ فَالْمَوْصُوفُ أَيْ اللَّازِمُ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ لُزُومِ الزَّوْجِ مَا بَيَّنَ صِفَتَهُ وَجِنْسَهُ مِنْ غَيْرِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ الَّذِي بَيَّنَ صِفَتَهُ وَجِنْسَهُ فَلَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَدَائِهِ وَأَدَاءِ قِيمَتِهِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ صَحِيحًا حَالًّا قَرْضًا وَمُؤَجَّلًا سَلَمًا بِخِلَافِ غَيْرِ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَائِهِ وَأَدَاءِ قِيمَتِهِ، وَلَوْ بَالَغَ فِي وَصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَا تَجِبُ بِهَا حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ) أَقُولُ يَعْنِي فَلَا يَحْرُمُ أَصْلُهَا وَلَا فَرْعُهَا لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ مُعْتَبَرًا لِمَفْهُومِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ أَيْ حُرْمَةَ بِنْتِ الزَّوْجَةِ لَا تَثْبُتُ بِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَلَا الْعِدَّةُ) لَا يُخَالِفُهُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ فِي كُلِّ أَقْسَامِ الْخَلْوَةِ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي خَلْوَةٍ عَنْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ يَحِلُّ الْوَطْءُ بِهِ لَا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ

نَفْسِهِ فَيَتَقَدَّرُ بَدَلُهُ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى أَوْ كَانَ مَجْهُولًا وَجَبَ بَالِغًا مَا بَلَغَ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَالْعِدَّةُ) تَجِبُ إلْحَاقًا لِلشُّبْهَةِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ وَتَحَرُّزًا عَنْ اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا (مِنْ) وَقْتِ (التَّفْرِيقِ) لَا مِنْ آخِرِ الْوَطَآتِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ النِّكَاحِ وَرَفْعِهَا بِالتَّفْرِيقِ (وَالنَّسَبُ) يَثْبُتُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ إحْيَاءً لِلْوَلَدِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ وَتُعْتَبَرُ مُدَّةُ النَّسَبِ (مِنْ الْوَطْءِ) فَإِنْ كَانَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ إلَى وَقْتِ الْوَضْعِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَا هَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ يُفْتَى،. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ كَمَا فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ (وَمَهْرُ مِثْلِهَا) فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ (مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ مَهْرُ امْرَأَةٍ تُمَاثِلُهَا (مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا) ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ وَقِيمَةُ الشَّيْءِ إنَّمَا تُعْرَفُ بِالنَّظَرِ فِي قِيمَةِ جِنْسِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِأُمِّهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا بِأَنْ تَكُونَ بِنْتَ عَمِّهِ وَبَيَّنَ مَا فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ بِقَوْلِهِ (سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَعَقْلًا وَدِيَانَةً وَبَلَدًا) بِأَنْ يَكُونَا مِنْ بَلَدٍ وَاحِدٍ (وَعَصْرًا وَبَكَارَةً وَثُيُوبَةً وَعِفَّةً) ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ (وَعِلْمًا وَأَدَبًا وَكَمَالَ خُلُقٍ) ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْمُنْتَقَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شُهُودٌ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ بِيَمِينِهِ (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَمِنْ الْأَجَانِبِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ قَبِيلَةِ أَبِيهَا مَنْ هِيَ مِثْلُهَا يُعْتَبَرُ مَهْرُ مِثْلِهَا مِنْ الْأَجَانِبِ مِنْ قَبِيلَةٍ هِيَ مِثْلُ قَبِيلَةِ أَبِيهَا (صَحَّ ضَمَانُ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ، وَقَدْ أَضَافَهُ إلَى مَا يَقْبَلُهُ فَيَصِحُّ (وَلَوْ) كَانَتْ (صَغِيرَةً) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ زَعِيمًا وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ وَإِنَّمَا قَالَهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً فَمُطَالِبُ الْمَهْرِ لَيْسَ إلَّا وَلِيُّهَا فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْوَاحِدِ مُطَالَبًا وَمُطَالِبًا لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الْوَهْمِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ هُنَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأَصِيلِ، وَالْوَلِيُّ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْأَبَ إذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ (وَتُطَالِبُ) الْمَرْأَةُ (أَيًّا شَاءَتْ) مِنْ زَوْجِهَا وَوَلِيِّهَا اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْكَفَالَاتِ (وَإِنْ أَدَّى) أَيْ الْوَلِيُّ (رَجَعَ عَلَى الزَّوْجِ إنْ أَمَرَ) أَيْ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ بِهِ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ فِي الْكَفَالَةِ (لَهَا مَنْعُهُ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ زَوْجَهَا (مِنْ الْوَطْءِ وَالسَّفَرِ بِهَا بَعْدَ وَطْءٍ أَوْ خَلْوَةٍ رَضِيَتْهُمَا) أَيْ وَإِنْ وَطِئَهَا أَوْ خَلَا بِهَا بِرِضَاهَا، وَهَذَا الدَّفْعُ أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ بِالْوَطْءِ أَوْ الْخَلْوَةِ لَمْ يَبْقَ لَهَا حَقُّ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهَا سَلَّمَتْ إلَيْهِ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهَا حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ كُلَّ وَطْئَةٍ مَعْقُودٌ عَلَيْهَا فَتَسْلِيمُ الْبَعْضِ لَا يُوجِبُ تَسْلِيمَ الْبَاقِي (لِأَخْذِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْعِ (مَا بَيَّنَ تَعْجِيلَهُ) مِنْ الْمَهْرِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا (أَوْ) أَخْذِ (قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا) مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (عُرْفًا) غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالرُّبُعِ أَوْ الْخُمُسِ (إنْ لَمْ يُؤَجَّلْ كُلُّهُ) ، وَإِنْ أُجِّلَ كُلُّهُ أَوْ عُجِّلَ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَا حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا إلَى اسْتِيفَاءِ كُلِّهِ فِيمَا إذَا عُجِّلَ كُلُّهُ، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ هَذَا قَضَاءٌ وَدِيَانَةٌ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا قَضَاءٌ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثًا بَعْدَ آخِرِ وَطْءٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهَا التَّزَوُّجُ دِيَانَةً وَالْمُتَارَكَةُ كَالتَّفْرِيقِ وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ إلَّا بِالْقَوْلِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا كَقَوْلِهِ تَرَكْتُهَا خَلَّيْتُ سَبِيلَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَتَتَحَقَّقُ الْمُتَارَكَةُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَقَصْدِهِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالْمُتَارَكَةِ لِصِحَّتِهَا وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْعِلْمِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَا إحْدَادَ عَلَيْهَا وَلَا نَفَقَةَ فِي هَذِهِ الْعِدَّةِ لَهَا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَكُونَ بِنْتَ عَمِّهَا) أَيْ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً أَيْ بِنْتَ عَمِّ أَبِيهَا وَفِي نُسَخِ بِنْتِ عَمِّهِ وَهِيَ الْأَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَجَمَالًا) قَالَ الْكَمَالُ: وَقِيلَ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمَالُ فِي بَيْتِ الْحَسَبِ وَالشَّرَفِ، بَلْ فِي أَوْسَاطِ النَّاسِ، وَهَذَا جَيِّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَمَالِ خُلُقٍ) زَادَ الْكَمَالُ عَدَمُ الْوَلَدِ أَيْضًا (تَنْبِيهٌ) : مَهْرُ مِثْلِ الْأَمَةِ عَلَى قَدْرِ الرَّغْبَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ: صَحَّ ضَمَانِ الْوَلِيِّ مَهْرَهَا) هَذَا إذَا كَانَ فِي صِحَّتِهِ، أَمَّا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ لِوَارِثِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ اهـ. وَهَذَا يُفِيدُ صِحَّةَ ضَمَانِهِ مِنْ الثُّلُثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ وَارِثَةً. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً) كَذَا لَوْ ضَمِنَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ عَنْهُ الْمَهْرَ وَيَرْجِعُ فِي مَالِهِ إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِيَرْجِعَ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ وَإِلَّا لَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ، وَإِنْ ضَمِنَ الْوَلِيُّ يَرْجِعُ مُطْلَقًا، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَتُطَالِبُ الْمَرْأَةُ أَيًّا شَاءَتْ مِنْ زَوْجِهَا) أَيْ إذَا كَانَ بَالِغًا وَلَهَا مُطَالَبَةُ أَبِ الصَّغِيرِ ضَمِنَ أَوْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتَّتِمَّةِ (قَوْلُهُ: لَهَا مَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ. . . إلَخْ) كَذَا لِوَلِيِّهَا إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ فَلَا يُسَلِّمُهَا قَبْلَ قَبْضِ الصَّدَاقِ لِمَنْ لَهُ وِلَايَةُ قَبْضِهِ فَإِنْ سَلَّمَهَا فَالتَّسْلِيمُ فَاسِدٌ وَتُرَدُّ، وَلَوْ ذَهَبَتْ بِنَفْسِهَا لِوَلِيِّهَا رَدَّهَا حَتَّى يُعْطِيَ زَوْجُهَا مَهْرَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الرِّضَى، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَالسَّفَرُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ بَدَلَهُ وَالْإِخْرَاجُ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّهُ يَنْقُلُهَا لِمَحَلٍّ آخَرَ مِنْ بَلْدَتِهَا، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدْفَعْ مَهْرَهَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَخْذِ مَا بَيَّنَ تَعْجِيلَهُ) قَالَ الْكَمَالُ أَيْ إذَا لَمْ يَشْرِطْ الدُّخُولَ فِي الْعَقْدِ قَبْلَ

[الاختلاف في المهر]

تَحْبِسَهَا فِيمَا إذَا أُجِّلَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ (وَالنَّفَقَةُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَنْعُهُ أَيْ لَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ الْمَنْعِ (وَالسَّفَرُ وَالْخُرُوجُ) مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا (لِلْحَاجَةِ، وَ) لَهَا (زِيَارَةُ أَهْلِهَا بِلَا إذْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَالسَّفَرُ. . . إلَخْ (مَا لَمْ تَقْبِضْهُ) أَيْ الْمَهْرَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ قَبْلَ الْإِيفَاءِ (وَيُسَافِرُ بِهَا) بِلَا رِضَاهَا (بَعْدَ أَدَائِهِ) أَيْ أَدَاءِ مَا بَيَّنَ تَعْجِيلَهُ أَوْ قَدْرَ مَا يُعَجَّلُ لِمِثْلِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] (وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يُسَافِرُ بِهَا إلَى بَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرِيبَ يُؤْذِي (وَبِهِ يُفْتَى) أَفْتَى بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَاخْتَارَهُ أَبُو قَاسِمٍ الصَّفَّارُ، وَمَنْ بَعْدَهُ (وَيَنْقُلُهَا فِيمَا دُونَ مُدَّتِهِ) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ اتِّفَاقًا؛ إذْ فِي قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ لَا تَتَحَقَّقُ الْغُرْبَةُ اعْلَمْ أَنَّ الْمَهْرَ الْمَذْكُورَ هُنَا مَا تُعُورِفَ تَعْجِيلُهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا تُعُورِفَ تَأْخِيرُهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ أَوْ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ كَالْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَشْخَاصِ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصَّا عَلَى التَّعْجِيلِ أَوْ التَّأْجِيلِ، أَمَّا إذَا نَصَّا عَلَى تَعْجِيلِ جَمِيعِ الْمَهْرِ أَوْ تَأْجِيلِهِ فَهُوَ عَلَى مَا شَرَطَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (اخْتَلَفَا فِي الْمَهْرِ فَفِي أَصْلِهِ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) يَعْنِي قَالَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَمْ يُسَمَّ مَهْرٌ، وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ سُمِّيَ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ وَإِلَّا يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ دَعْوَى التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ النِّكَاحِ، بَلْ هِيَ مَسْأَلَةُ الْمَهْرِ وَفِيهَا الْحَلِفُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعْوَى، وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ مَهْرَهَا. وَقَالَ الشَّارِحُ ثَمَّةَ أَيْ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النِّكَاحَ وَطَلَبَتْ الْمَالَ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ يَلْزَمُ الْمَالَ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا ذَكَرَ هَاهُنَا (وَفِي قَدْرِهِ) أَيْ إنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي قَدْرِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ وَادَّعَتْ أَنَّهُ بِأَلْفَيْنِ حُكْمُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَحِينَئِذٍ (إنْ قَامَ النِّكَاحُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِيَمِينِهِ) أَيْ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مُسَاوِيًا لِمَا يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِمَا تَدَّعِيهِ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا (وَإِنْ بَرْهَنَ قُبِلَ) سَوَاءٌ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ أَوْ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَدَّعِي الزِّيَادَةَ فَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً قُبِلَتْ، وَإِنْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ قُبِلَتْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِرَدِّ الْيَمِينِ كَمَا إذَا أَقَامَ الْمُودَعُ بَيِّنَةً عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمَالِكِ تُقْبَلُ (وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ مَنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ) أَيْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا إنْ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ وَبَيِّنَتُهُ إنْ شَهِدَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ شُرِعَتْ لِإِثْبَاتِ خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْيَمِينَ لِإِبْقَاءِ الْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ كَوْنُهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَهُ فَبَيِّنَتُهُ أَوْلَى (وَإِنْ كَانَ) مَهْرُ الْمِثْلِ (بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا فَإِنْ حَلَفَا أَوْ بَرْهَنَا قُضِيَ بِهِ) أَيْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ (وَإِنْ بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا قُبِلَ) بُرْهَانُهُ (وَإِنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الْوَطْءِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ إنْ أَقَامَ النِّكَاحَ (حُكْمُ مُتْعَةِ الْمِثْلِ) أَيْ إنْ كَانَ مُتْعَةُ الْمِثْلِ مُسَاوِيَةً لِنِصْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُلُولِ الْمَهْرِ فَإِنْ شَرَطَهُ، فَلَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ بِالِاتِّفَاقِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا فِيمَا تُعُورِفَ تَأْخِيرُهُ إلَى الْمَيْسَرَةِ) بِخِلَافِهِ مَا قَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا لِقَبْضِ الْمُؤَجَّلِ مُدَّةً مَعْلُومَةً أَوْ قَلِيلَةَ الْجَهَالَةِ كَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الْمُتَفَاحِشَةِ كَإِلَى الْمَيْسَرَةِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَهْرُ حَالًّا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَالتَّأْجِيلُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْقُلُهَا فِيمَا دُونَ مُدَّتِهِ اتِّفَاقًا. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: كَذَا ظَاهِرُ الْكَافِي، وَذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ اخْتِلَافًا فِي نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الرُّسْتَاقِ فَعَزَا إلَى كُتُبٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ عَزَا إلَى غَيْرِهَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ. اهـ. (قُلْت) يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ نَقْلِهَا مِنْ الْمِصْرِ إلَى الْقَرْيَةِ فِي زَمَانِنَا لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ فَسَادِ الزَّمَانِ وَالْقَوْلُ بِنَقْلِهَا إلَى الْقَرْيَةِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، وَقِيلَ يُسَافِرُ بِهَا إلَى قُرَى الْمِصْرِ الْقَرِيبَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّفَرِ فِي كَلَامِ الِاخْتِيَارِ الشَّرْعِيَّ، بَلْ النَّقْلَ لِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ [الِاخْتِلَاف فِي الْمَهْر] (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَفَ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا يُزَادُ عَلَى مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلتَّسْمِيَةِ وَلَا يَنْقُصُ عَمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي لَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ النِّكَاحِ. . . إلَخْ) كَذَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَقَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ هُنَا عَلَى الْمَالِ لَا أَصْلِ النِّكَاحِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَحْلِفَ مُنْكِرُ التَّسْمِيَةِ إجْمَاعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا نَكَلَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ فَيَجِبُ ذَلِكَ وَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ لِكَوْنِهِ مُسَمًّى، وَإِذَا حَلَفَا وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ يَدْفَعُ مِنْهُ قَدْرَ مَا أَقَرَّ بِهِ تَسْمِيَةً فَلَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَالزَّائِدُ يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَرْهَنَا قَضَى بِهِ) لِتَهَاتُرِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَهَاتُرُهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِتَخَيُّرِ الزَّوْجِ فِيهِ كُلِّهِ بَيْنَ دَفْعِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ

مَا يَدَّعِي الرَّجُلُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُسَاوِيَةً لِنِصْفِ مَا تَدَّعِي الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً قُبِلَتْ فَإِنْ أَقَامَا فَبَيِّنَتُهَا إنْ شَهِدَ لَهُ وَبَيِّنَتُهُ إنْ شَهِدَ لَهَا (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ (بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّحَالُفِ (وَجَبَتْ) أَيْ مُتْعَةُ الْمِثْلِ (وَمَوْتُ أَحَدِهِمَا كَحَيَاتِهِمَا حُكْمًا) أَيْ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فِي الْأَصْلِ وَالْقَدْرِ؛ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا أَلَا يُرَى أَنَّ لِلْمُفَوِّضَةِ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا (وَبَعْدَ مَوْتِهِمَا فَفِي) الِاخْتِلَافِ فِي (الْقَدْرِ الْقَوْلُ لِوَرَثَتِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ يَسْقُطُ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا. (وَ) فِي الِاخْتِلَافِ (فِي أَصْلِهِ) الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى؛ إذْ لَا حُكْمَ لِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَهُ بَعْدَ مَوْتِهِمَا كَمَا مَرَّ، وَعِنْدَهُمَا (قَضَى بِمَهْرِ الْمِثْلِ) كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ (وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا فَإِنْ سَلَّمَتْ، ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْحَيَاةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ لَا يُحَكَّمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، بَلْ يُقَالُ لَهَا إمَّا أَنْ تُقِرِّي بِمَا أَخَذْت وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْك بِالْمُتَعَارَفِ فِي الْمُعَجَّلِ، ثُمَّ يَعْمَلُ فِي الْبَاقِي كَمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ نَفْسَهَا إلَّا بَعْدَ قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عَادَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (بَعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا) ، ثُمَّ اخْتَلَفَا (فَقَالَتْ هَدِيَّةٌ، وَقَالَ مَهْرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ) مَعَ يَمِينِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُمَلِّكُ فَكَانَ أَعْرَفَ بِجِهَةِ التَّمْلِيكِ كَمَا لَوْ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ أَصْلًا وَكَمَا إذَا قَالَ أَوْدَعْتُكِ هَذَا الشَّيْءَ، فَقَالَتْ بَلْ وَهَبْتَهُ لِي؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْمَهْرِ وَاجِبٌ وَالْإِهْدَاءَ تَبَرُّعٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ (إلَّا فِيمَا هُيِّئَ لِلْأَكْلِ) فَإِنَّ الطَّعَامَ الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ لَا يَكُونُ مَهْرًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهَا فَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْوَالِ فَقَدْ يَكُونُ مَهْرًا، وَقَدْ يَكُونُ هَدِيَّةً فَإِلَيْهِ الْبَيَانُ (خَطَبَ بِنْتَ رَجُلٍ وَبَعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا وَلَمْ يُزَوِّجْهَا أَبُوهَا فَمَا بَعَثَ لِلْمَهْرِ يُسْتَرَدُّ) إنْ عَيَّنَهُ (قَائِمًا) ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِ فَلَا يَلْزَمُ فِي مُقَابَلَةِ مَا اُنْتُقِصَ بِاسْتِعْمَالِهِ شَيْءٌ (أَوْ) قِيمَتُهُ إنْ (هَالِكًا) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَلَمْ تَتِمَّ فَجَازَ الِاسْتِرْدَادُ (كَذَا كُلُّ مَا بُعِثَ هَدِيَّةً وَهُوَ قَائِمٌ دُونَ الْهَالِكِ وَالْمُسْتَهْلَكِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْهِبَةِ رَجُلٌ زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَجَهَّزَهَا فَمَاتَتْ فَزَعَمَ أَبُوهَا أَنَّ مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْجِهَازِ أَمَانَةٌ وَأَنَّهُ لَمْ يَهَبْهُ لَهَا وَإِنَّمَا أَعَارَهُ مِنْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ فِي الظَّاهِرِ أَنَّ الْأَبَ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ يَدْفَعُ إلَيْهَا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ، وَالْبَيِّنَةُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ التَّسْلِيمِ إلَى الْبِنْتِ أَنِّي إنَّمَا أَعْطَيْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِابْنَتِي عَارِيَّةً أَوْ يَكْتُبُ نُسْخَةً مَعْلُومَةً وَيَشْهَدُ الْأَبُ وَتَشْهَدُ الْبِنْتُ عَلَى إقْرَارِهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ مِلْكُ وَالِدِي عَارِيَّةٌ مِنْهُ فِي يَدِي لَكِنْ هَذَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لَا لِلِاحْتِيَاطِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي حَالِ الصِّغَرِ فَبِهَذَا الْإِقْرَارِ لَا تَصِيرُ لِلْأَبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ إنَّ الْبِنْتَ تُبْرِئُهُ عَنْ الثَّمَنِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (نَكَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً أَوْ حَرْبِيٌّ حَرْبِيَّةً ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (بِمَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ) أَوْ نَحْوِهِمَا (أَوْ بِلَا مَهْرٍ) يُحْتَمَلُ نَفْيُ الْمَهْرِ وَيُحْتَمَلُ السُّكُوتُ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا كُلُّهُ. . . إلَخْ وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَقِبَهُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُونَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ إيصَالَ شَيْءٍ إلَيْهَا، أَمَّا لَوْ لَمْ يَدَّعِ فَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مَا قَالَهُ فِي حَالِ مَوْتِهِمَا (قَوْلُهُ: فَأَمَّا سَائِرُ الْأَمْوَالِ) أَيْ بَاقِيهَا بَعْدَمَا هُيِّئَ لِلْأَكْلِ نَحْوُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالسَّمْنِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالدَّقِيقِ وَالسُّكَّرِ وَالشَّاةِ الْحَيَّةِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دِيَارِنَا أَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْطَةِ. . . إلَخْ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إرْسَالُهُ هَدِيَّةً وَالظَّاهِرُ مَعَ الْمَرْأَةِ لَا مَعَهُ وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي نَحْوِ الثِّيَابِ وَالْجَارِيَةِ اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ بَحْثٌ لِلْكَمَالِ (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ) اخْتَارَهُ السُّغْدِيُّ وَاخْتِيَارُ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ كَوْنَ الْقَوْلِ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى الْقَوْلُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ ظَاهِرًا بِذَلِكَ كَمَا فِي دِيَارِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَفَتَاوَى الْخَاصِّيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْأَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْكِرَامِ لَا يُقْبَلُ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ عَارِيَّةٌ) ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُجَهِّزُ الْبَنَاتِ بِمِثْلِ ذَلِكَ قُبِلَ. (قَوْلُهُ: اهـ) ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَالْوَاقِعُ فِي دِيَارِنَا الْقَاهِرَةِ أَنَّ الْعُرْفَ مُشْتَرَكٌ فَيُفْتَى بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْأَبِ، ثُمَّ قَالَ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَبِ يَتَأَتَّى فِي الْأُمِّ وَالْجَدِّ صَارَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا صَرِيحًا اهـ.

[باب نكاح الرقيق والكافر]

وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى اعْتِقَادِهِمْ (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فَوُطِئَتْ أَوْ طَلُقَتْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ (أَوْ مَاتَ) الزَّوْجُ عَنْهَا (فَلَا مَهْرَ لَهَا) أَيْ النِّكَاحُ صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فِي الْحَرْبِيَّيْنِ، وَأَمَّا فِي الذِّمِّيَّيْنِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا. وَقَالَ زُفَرُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْحَرْبِيَّيْنِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ وَالنِّكَاحَ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ وَلَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ غَيْرُ مُلْتَزِمِينَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَوِلَايَةُ الْإِلْزَامِ مُنْقَطِعَةٌ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَهْرَ حَقُّ اللَّهِ وَالْكَافِرُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَصَحَّ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَلَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ مُعَيَّنٍ فَأَسْلَمَا أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُهُمَا فَلَهَا هُوَ) أَيْ الْمُعَيَّنِ. (وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ قِيمَةُ الْخَمْرِ فِيهَا) أَيْ فِي الْخَمْرِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُسَمَّى خَمْرًا (وَمَهْرُ الْمِثْلِ فِيهِ) أَيْ فِي الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ عِنْدَهُمْ مِثْلِيٌّ كَالْخَلِّ عِنْدَنَا فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْ الْخَمْرِ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَمِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَهُمْ كَالشَّاةِ عِنْدَنَا فَإِيجَابُ الْقِيمَةِ لَا يَكُونُ إعْرَاضًا عَنْهُ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ إعْرَاضًا عَنْ الْخِنْزِيرِ [بَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ] (وَقَفَ نِكَاحُ الْقِنِّ) الرَّقِيقُ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَالْقِنُّ هُوَ الْمَمْلُوكُ كُلًّا (وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَقَفَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهِيَ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ جَائِزٌ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ (إنْ أَجَازَ) أَيْ الْمَوْلَى (نَفَذَ) أَيْ النِّكَاحُ (وَإِنْ رَدَّ بَطَلَ فَإِنْ نَكَحُوا بِهِ) أَيْ الْإِذْنِ (فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْقِنِّ وَغَيْرِهِ (وَبِمَوْتِهِمْ يَسْقُطَانِ) أَيْ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ (وَالْمَهْرُ عَلَى الْقِنِّ بَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ الْعَقْدُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ، وَإِنْ) كَانَ (بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ (تَعَلَّقَ) الْمَهْرُ (بِرَقَبَتِهِ) أَيْ الْقِنِّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا فَإِنَّ ذِمَّتَهُ ضَعِيفَةٌ فَلَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ لَتَضَرَّرَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا حَيْثُ لَا يُبَاعُ بِهِ، بَلْ يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا إذَا لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ (فَيُبَاعُ فِيهِ) أَيْ الْمَهْرِ (مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِ) لَمْ يُبَعْ ثَانِيًا، بَلْ (طُولِبَ) بِبَاقِيهِ (بَعْدَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّهُ بِيعَ بِجَمِيعِ الْمَهْرِ. (وَ) يُبَاعُ (فِيهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (مِرَارًا) ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَمْ يَقَعْ الْبَيْعُ بِالْجَمِيعِ هَذَا إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَأَمَّا إذَا زَوَّجَهُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْمَهْرُ، ثُمَّ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ لِاقْتِضَائِهِ إيجَابًا لَهُ عَلَيْهِ أَقُولُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَنَّ النَّصَّ الْمُفِيدَ لِوُجُوبِ الْمَهْرِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَبْدَ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِلْمَالِ (وَالْآخَرَانِ) أَيْ الْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ (يَسْعَيَانِ) فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ مَعَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ (وَبِكَسْبِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِرَقَبَتِهِ (بَعْدَ مَا فَضَلَ) كَسْبُهُ (مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ) فَإِنَّ دَيْنَهَا مُقَدَّمٌ عَلَى دَيْنِ الْمَهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَالْكَافِرِ) . (قَوْلُهُ: بِإِذْنِ الْمَوْلَى) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْمَهْرُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ) صَوَابُهُ إنْ كَانَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ بِهِ تَعَلَّقَ الْمَهْرُ بِرَقَبَتِهِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَكَحُوا بِهِ فَالْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ لَكِنَّهُ أَعَادَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُ جَوَازِ بَيْعِهِ دُونَ الْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ الْمَهْرُ، ثُمَّ يَسْقُطُ) ذَكَرَ تَصْحِيحَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ) صَحَّحَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هَذَا أَصَحُّ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ ثَمَرَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ أَمَةَ الصَّغِيرِ مِنْ عَبْدِهِ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجِبُ، ثُمَّ يَسْقُطُ قَالَ بِالصِّحَّةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَصْلًا قَالَ بِعَدَمِهَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا: وَقَدْ جَزَمَ بِعَدَمِهَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ الْمَأْذُونِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نِكَاحٌ لِلْأَمَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ لِلْحَالِ اهـ.

(إنْ ثَبَتَ) الْمَهْرُ (بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى، وَإِنْ) ثَبَتَ (بِالْبَيِّنَةِ تُسَاوِي الْمَرْأَةُ الْغُرَمَاءَ) فِي مَهْرِهَا، كَذَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ الَّذِي تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِهِ (طَلِّقْهَا رَجْعِيَّةً إجَازَةٌ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، فَيَكُونُ إجَازَةً (لَا) قَوْلُهُ (طَلِّقْهَا أَوْ فَارِقْهَا) أَيْ لَا يَكُونَانِ إجَازَةً لِاحْتِمَالِهِمَا الرَّدَّ؛ لِأَنَّ رَدَّ هَذَا الْعَقْدِ وَمُتَارَكَتَهُ يُسَمَّى طَلَاقًا وَمُفَارَقَةً وَهُوَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْعَبْدِ الْمُتَمَرِّدِ أَوْ هُوَ أَدْنَى فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى (وَالْإِذْنُ) لِلْعَبْدِ (بِالنِّكَاحِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي أَمْرَيْنِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَيُبَاعُ لِمَهْرِهَا إنْ وَطِئَهَا) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا لَزِمَ الْعَقْدُ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُطَالَبُ إلَّا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا أَوْ أُخْرَى بَعْدَهَا، وَلَوْ صَحِيحًا وَقَفَ عَلَى الْإِذْنِ) يَعْنِي إذَا نَكَحَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا وَدَخَلَ بِهَا يَنْتَهِي الْإِذْنُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا حَتَّى لَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا أَوْ نَكَحَ أُخْرَى بَعْدَهَا صَحِيحًا صَحَّ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ، بَلْ وَقَفَ عَلَى الْإِذْنِ (زَوَّجَ عَبْدًا لَهُ مَأْذُونًا مَدْيُونًا صَحَّ وَسَاوَتْ) الْمَرْأَةُ (غُرَمَاءَهُ) أَيْ غُرَمَاءَ الْعَبْدِ (فِي مَهْرِ مِثْلِهَا) ، أَمَّا صِحَّةُ النِّكَاحِ فَلِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ تَحْصِينًا لَهُ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَلِأَنَّهُ لَزِمَهُ حُكْمًا بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ وَهُوَ صِحَّةُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِلَا مَهْرٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَلَوْ زَوَّجَهُ الْمَوْلَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزَّائِدُ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْغُرَمَاءِ كَدَيْنِ الصِّحَّةِ مِنْ دَيْنِ الْمَرَضِ (مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّبْوِئَةُ) وَهِيَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمَهَا مَصْدَرُ بَوَّأْته مَنْزِلًا وَبَوَّأْت لَهُ إذَا هَيَّأْت لَهُ مَنْزِلًا وَالْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُهَيِّئْ لَهُ مَنْزِلًا تَسْتَنِدُ إلَيْهِ التَّبْوِئَةُ لِتُمَكِّنَهُ مِنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ (فَتَخْدُمُهُ) أَيْ الْجَارِيَةُ مَوْلَاهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى أَقْوَى مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ ذَاتَهَا وَمَنَافِعَهَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ، وَلَوْ وَجَبَتْ التَّبْوِئَةُ لَبَطَلَ حَقُّهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ. (وَ) حَقُّ الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ لَا يَبْطُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ؛ إذْ (يَطَأُ الزَّوْجُ إنْ ظَفِرَ بِهَا لَكِنْ) يَجِبُ (بِهَا) أَيْ بِالتَّبْوِئَةِ (النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى) عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ (وَصَحَّ الرُّجُوعُ بَعْدَهَا) أَيْ إنْ أَرَادَ اسْتِخْدَامَهَا بَعْدَ التَّبْوِئَةِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَا كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالنِّكَاحِ (وَسَقَطَتْ) النَّفَقَةُ (بِهِ) أَيْ بِالرُّجُوعِ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فَإِذَا زَالَ سَقَطَتْ (وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا اسْتِخْدَامِهِ لَا) أَيْ لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَتَكُونُ إجَازَةً) أَيْ اقْتِضَاءً وَيَرِدُ عَلَيْهِ طَلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك بِالْمَالِ أَوْ تَزَوَّجْ أَرْبَعًا لَا يُعْتَقُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أُجِيبُ بِأَنَّ إثْبَاتَ الشَّرَائِطِ الَّتِي هِيَ أُصُولٌ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْأَهْلِيَّةِ لَا تَكُونُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ لِلْمُتَحَقَّقِ بِالرِّقِّ، وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ مَا ثَبَتَ لِلْعَبْدِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِثُبُوتِهِ تَبَعًا لِلْآدَمِيَّةِ وَالْعَقْلِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ لِاسْتِلْزَامِهِ تَعْيِيبَ مَالِ الْغَيْرِ فَقَوْلُهُ: طَلِّقْهَا رَجْعِيًّا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْمَانِعِ اقْتِضَاءً لَا إثْبَاتَ مِلْكِ النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَا طَلِّقْهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْقِعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ كَانَ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُتَارَكَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ طَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً تَقَعُ عَلَيْهَا تَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا أَوْ أُخْرَى بَعْدَهَا، وَلَوْ صَحِيحًا) يَنْبَغِي حَذْفُ وَلَوْ مِنْ الْبَيْنِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَهَا يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْحُكْمِ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَمَعَهُ لَا تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ؛ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: زَوَّجَ عَبْدًا مَأْذُونًا مَدْيُونًا) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مَعْزِيًّا لِلتُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِلَا مَهْرٍ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ؛ إذْ النِّكَاحُ لَا تَتَوَقَّفُ مَشْرُوعِيَّتُهُ أَيْ صِحَّتُهُ عَلَى الْمَهْرِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ لُزُومِ الْمَهْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَالنِّكَاحُ لَا يُلَاقِي حَقَّ الْغُرَمَاءِ بِالْإِبْطَالِ مَقْصُودًا إلَّا أَنَّهُ إذَا صَحَّ النِّكَاحُ وَجَبَ الدَّيْنُ أَيْ الْمَهْرُ بِسَبَبٍ لَا مَرَدَّ لَهُ فَشَابَهُ دَيْنَ الِاسْتِهْلَاكِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ زَوَّجَهُ الْمَوْلَى أَمَتَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ (قَوْلُهُ: مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ لَا تَجِبُ التَّبْوِئَةُ) أَيْ وَلَوْ شَرَطَهَا الزَّوْجُ عَلَى الْمَوْلَى فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صِحَّةِ شَرْطِ حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَنَّ قَبُولَهُ مِنْ الْمَوْلَى عَلَى مَعْنَى تَعْلِيقِ الْحُرِّيَّةِ بِالْوِلَادَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِخِلَافِ التَّبْوِئَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ بِتَعْلِيقِهَا عِنْدَ ثُبُوتِ الشَّرْطِ لِكَوْنِهَا عِدَةً مُجَرَّدَةً، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: إذْ يَطَأُ الزَّوْجُ إنْ ظَفِرَ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَالْكَنْزِ وَيَطَأُ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ إذَا مَا ظَرْفِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ وَلَا مَحَلَّ لَهُمَا هُنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ خَدَمَتْهُ بِلَا اسْتِخْدَامِهِ لَا) يَعْنِي فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَدْ قَالُوا إنَّهُ إذَا بَوَّأَهَا فَكَانَتْ تَخْدُمُ الْمَوْلَى أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا، وَكَذَا الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْأَمَةِ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلَهَا النَّفَقَةُ سَوَاءٌ بَوَّأَهَا الْمَوْلَى أَمْ لَا؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ نَفْسِهَا لَا حَقَّ

خَدَمَتْ الْمَوْلَى بِلَا اسْتِخْدَامِهِ بَعْدَ التَّبْوِئَةِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ عَنْ الزَّوْجِ (وَلَهُ إجْبَارُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ) مَعْنَى الْإِجْبَارِ هُنَا نَفَاذُ نِكَاحِهِ عَلَيْهِمَا بِلَا رِضَاهُمَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا إجْبَارَ فِي الْعَبْدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ رَقَبَةً وَيَدًا فَيَمْلِكُ عَلَيْهِ كُلَّ تَصَرُّفٍ فِيهِ صِيَانَةُ مِلْكِهِ (وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (أَمَتَهُ قَبْلَ الْوَطْءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَتْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارًا بِمَوْتِهَا حَتْفَ أَنْفِهَا فَإِنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى أَتْلَفَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ بِوُصُولِ الزَّوْجِ إلَيْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِيَأْخُذَهُ الْمَوْلَى كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي مِنْ الْمِصْرِ أَوْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَاخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَوْ غَيَّبَهَا بِمَوْضِعٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا الزَّوْجُ وَالْقَتْلُ جُعِلَ إتْلَافًا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا حَتَّى وَجَبَ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ وَالْحِرْمَانُ مِنْ الْإِرْثِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: لِأَنَّهُ عَجَّلَ بِالْقَتْلِ أَخْذَ الْمَهْرِ فَجُوزِيَ بِالْحِرْمَانِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ سُقُوطِ الْمَهْرِ لَوْ كَانَ حِرْمَانَ الْمَوْلَى مِنْ الْإِرْثِ لِكَوْنِهِ قَاتِلًا لَزِمَ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْمَهْرَ إذَا قَتَلَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا وَإِنَّمَا قَالَ قَبْلَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْوَطْءِ الْمَهْرُ وَاجِبٌ فِي الصُّورَتَيْنِ (لَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ (بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَطْءِ خِلَافًا لِزُفَرَ هُوَ يَقُولُ إنَّهَا فَوَّتَتْ الْمُبْدَلَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَفُوتُ الْبَدَلُ كَقَتْلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ وَلَنَا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا إذَا قَتَلَ نَفْسَهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (الْإِذْنُ فِي الْعَزْلِ) لَا لِلْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ عَنْ حُدُوثِ الْوَلَدِ وَهُوَ حَقُّ مَوْلَاهَا (وَخُيِّرَتْ أَمَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ) ، وَكَذَا مُدَبَّرَةٌ وَأُمُّ وَلَدٍ (عَتَقَتْ، وَلَوْ) كَانَتْ (تَحْتَ حُرٍّ) سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْعَبْدِ فَلَهَا الْخِيَارُ اتِّفَاقًا دَفْعًا لِلْعَارِ وَهُوَ كَوْنُ الْحُرَّةِ فِرَاشًا لِلْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ الْحُرِّ فَفِيهِ خِلَافٌ لِلشَّافِعِيِّ (نَكَحَ عَبْدٌ بِلَا إذْنٍ فَعَتَقَ نَفَذَ النِّكَاحُ) ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ فَأَجَازَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمَوْلَى فِي اسْتِخْدَامِهَا اهـ. وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَإِلَّا فَهِيَ نَاشِزَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَهُ إجْبَارُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ) الْمُرَادُ بِهِمَا غَيْرُ الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ رَقَبَةً وَيَدًا اهـ. أَيْ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ إلَّا بِرِضَاهُ، وَعَنْ هَذَا اسْتَظْرَفْت مَسْأَلَةً نُقِلَتْ مِنْ الْمُحِيطِ هِيَ تَوَقُّفُ نِكَاحِ الْمَوْلَى مُكَاتَبَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى إجَازَتِهَا حَالَ كِتَابَتِهَا لِالْتِحَاقِهَا بِالْبَالِغَةِ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الْكِتَابَةِ فَلَوْ لَمْ تُرَدَّ حَتَّى عَتَقَتْ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى لَا عَلَى إجَازَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ مُكَاتَبَةً وَهِيَ صَغِيرَةٌ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ فَاعْتُبِرَ التَّوَقُّفُ عَلَى إجَازَتِهَا حَالَ رِقِّهَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ بَعْدَ عِتْقِهَا، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ، وَلَوْ رَضِيَتْ قَبْلَ الْعِتْقِ، ثُمَّ عَتَقَتْ لَا خِيَارَ لَهَا لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ وَلَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ إذَا بَلَغَتْ لِزِيَادَةِ الْمِلْكِ لَا خِيَارُ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ قَائِمًا لِلْمَوْلَى وَامْتِنَاعُ النَّفَاذِ لِحَقِّهَا فَإِذَا رَضِيَتْ نَفَذَ بِالْوِلَايَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ وِلَايَةُ الْمَوْلَى فَلَوْ عَجَزَتْ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ طَرَأَ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ حِلٌّ نَافِذٌ وَفِي الْمُكَاتَبِ الصَّغِيرِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ حِلٌّ بَاقٍ فَبَقِيَ ذَلِكَ الْمَوْقُوفُ فَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْمَوْلَى، كَذَا فِي الْكَافِي وَمَا بَحَثَهُ الْكَمَالُ فِي التَّوَقُّفِ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى ذَكَرَ جَوَابَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِقَتْلِهِ) أَيْ الْمَوْلَى قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَوْلَى الْقَاتِلُ صَبِيًّا يَجِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَهْرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَذَا فِي الْكَافِي، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ مَا يُرَجِّحُهُ. (قَوْلُهُ: أَمَتَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُكَاتَبَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ بَاعَهَا وَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي. . . إلَخْ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْمَهْرُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْضَرَهَا بَعْدَهُ لَهُ الْمَهْرُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ فَلَا يَسْقُطُ فِيهِمَا إلَّا الْمُطَالَبَةُ (قَوْلُهُ: لَا بِقَتْلِ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ) كَذَا الْأَمَةُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ لِمَوْلَاهَا وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَنْعٌ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ لَا بِقَتْلِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا قَبْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى، وَكَذَا لَا يَسْقُطُ بِقَتْلِ وَارِثِ الْحُرَّةِ إيَّاهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَارِثًا فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَخُيِّرَتْ أَمَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ عَتَقَتْ سَوَاءٌ كَانَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ لَا) أَقُولُ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ خُيِّرَتْ، وَلَوْ زَوْجُهَا حُرًّا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ بِرِضَاهَا أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهَا اهـ. وَنَفْيُ رِضَا الْمُكَاتَبَةِ بِتَزْوِيجِهَا مَنْفِيٌّ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ بِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَيَغْرَمُ الْمَوْلَى الْعُقْرَ إنْ وَطِئَهَا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِبَقَاءِ مِلْكِ الْمَوْلَى رَقَبَتَهَا فَلَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا بِدُونِ إذْنِ مَوْلَاهَا كَمَا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِدُونِ رِضَاهَا لِمُوجِبِ الْكِتَابَةِ، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ بِدُونِ إذْنِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ حَتَّى عَتَقَتْ نَفَذَ عَلَيْهَا وَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ النَّفَاذَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يَزْدَدْ مِلْكُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَالْخِيَارُ بِاعْتِبَارِ زِيَادَةِ الْمِلْكِ وَعِبَارَةُ كَافِي النَّسَفِيِّ الْمُكَاتَبَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ عَتَقَتْ خُيِّرَتْ اهـ. فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، وَقَدْ نَبَّهَنِي اللَّهُ لَهُ بَعْدَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي مُسْتَهَلِّ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَأَلْفٍ

الْمُشْتَرِي، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (كَذَا الْأَمَةُ) إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا إذْنِ مَوْلَاهَا، ثُمَّ عَتَقَتْ نَفَذَ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ وَامْتِنَاعُ نُفُوذِهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى، وَقَدْ زَالَ (بِلَا خِيَارٍ لَهَا) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ نَفَذَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ النَّفَاذِ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا مِلْكٌ فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْخِيَارِ فَلَا يَثْبُتُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ (فَلَوْ وَطِئَ) أَيْ الزَّوْجُ الْأَمَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعِتْقِ (فَالْمُسَمَّى) مِنْ الْمَهْرِ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا (لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَوْ) وَطِئَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ (فَلَهَا) أَيْ الْمُسَمَّى لِلْأَمَةِ يَعْنِي إنْ تَزَوَّجَتْ بِلَا إذْنِهِ عَلَى أَلْفٍ، وَمَهْرُ مِثْلِهَا مِائَةٌ مَثَلًا فَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فَالْأَلْفُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لَهُ فَوَجَبَ الْبَدَلُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى أَعْتَقَهَا فَالْمَهْرُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةً مَمْلُوكَةً لَهَا فَوَجَبَ الْبَدَلُ لَهَا اعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ إعْتَاقَ الْعَبْدِ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَلِيُّ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيُّ وَالْمُكَاتَبُ وَالشَّرِيكُ الْمُفَاوِضُ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ لَا الْعَبْدِ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ وَالشَّرِيكُ شَرِكَةَ عِنَانً لَا يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَهَا أَيْضًا (مَنْ وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَأَعَادَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لَا مَهْرُهَا) أَيْ عُقْرُهَا (وَ) لَا (قِيمَةُ الْوَلَدِ) سَوَاءٌ ادَّعَى الْأَبُ شُبْهَةً أَوْ لَا صَدَّقَهُ الِابْنُ فِيهِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الِابْنِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَسْتَدْعِي قِيَامَ وِلَايَةِ التَّمَلُّكِ مِنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ تَمَلُّكِ مَالِ الِابْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى صِيَانَةِ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَمَاؤُهُ جُزْؤُهُ فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْ الضَّيَاعِ بِمَالِ الِابْنِ وَذَا بِتَمَلُّكِ جَارِيَتِهِ لِتَصْحِيحِ فِعْلِ الِاسْتِيلَادِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا خَلَا عَنْ الْمِلْكِ لَغَا، وَإِذَا تَمَلَّكَهَا غَرِمَ قِيمَتَهَا لِابْنِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ لَيْسَتْ بِكَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَاتِ الْبَقَاءِ وَلِهَذَا لَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهُ أَمَةً يَسْتَوْلِدُهَا فَلِقِيَامِ الْحَاجَةِ أَوْجَبْنَا لَهُ التَّمَلُّكَ وَلِعَدَمِ الضَّرُورَةِ أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ صِيَانَةً لِمَالِ الْوَلَدِ وَلَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَضْمَنْ قِيمَةَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حُرًّا لِاسْتِنَادِ الْمِلْكِ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ (كَذَا) أَيْ كَالْأَبِ (الْجَدُّ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْأَبِ (وَلَوْ زَوَّجَهَا) أَيْ الِابْنُ جَارِيَتَهُ (أَبَاهُ) فَوَلَدَتْ مِنْهُ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِصِيَانَةِ مَائِهِ، وَقَدْ صَارَ مَصُونًا بِدُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ (وَيَجِبُ الْمَهْرُ) لِالْتِزَامِهِ بِالنِّكَاحِ (لَا الْقِيمَةُ) لِعَدَمِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ (وَوَلَدُهَا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ أَخَاهُ مَلَكَهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ (حُرَّةٌ قَالَتْ لِمَوْلَى زَوْجِهَا اعْتِقْهُ عَنِّي بِأَلْفٍ فَأَعْتَقَ فَسَدَ النِّكَاحُ) ، وَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا أَعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ فَفَعَلَ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَفَسَدَ النِّكَاحُ وَيَسْقُطُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْمَهْرُ لِاسْتِحَالَةِ وُجُوبِهِ عَلَى عَبْدِهَا وَلَا يَسْقُطُ فِي الثَّانِيَةِ،. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَتَحْقِيقُ الْخِلَافِ أَنَّ الْبَدَلَ إذَا ذُكِرَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالِاقْتِضَاءِ عِنْدَنَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَتْ بِعْهُ مِنِّي بِكَذَا، ثُمَّ اعْتِقْهُ عَنِّي وَقَوْلُ الْمَوْلَى أَعْتَقَتْ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بِعْته مِنْك وَأَعْتَقْتُهُ عَنْك فَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ اقْتِضَاءً فَسَدَ النِّكَاحُ وَزُفَرُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَهُ وَتَمَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَذَا الْأَمَةُ) شَامِلٌ لِلْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَفِي أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَنْفُذُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى كَمَا عَتَقَتْ وَالْعِدَّةُ تَمْنَعُ نَفَاذَ النِّكَاحِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ نِكَاحَهَا أَيْ أُمِّ الْوَلَدِ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوَقُّفُهُ مَعَ وُجُودِ الْعِدَّةِ؛ إذْ النِّكَاحُ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْوَلِيُّ وَالْقَاضِي وَالْوَصِيُّ. . . إلَخْ) كَذَا أَثْبَتَ الْوَلِيُّ أَيْضًا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وِلَايَةٌ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ؛ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ خِلَافَ مَا ذُكِرَ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ تَزْوِيجَ الْأَمَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِ الِابْنِ عَنْ وَقْتِ الْعُلُوقِ إلَى وَقْتِ الدَّعْوَى) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ عُلِّقَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِ الِابْنِ أَوْ فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا، ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا فَادَّعَى الْأَبُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَهَذَا إذَا كَذَّبَهُ الِابْنُ فَإِنْ صَدَّقَهُ صَحَّتْ دَعْوَاهُ وَلَا يَمْلِكُ الْجَارِيَةَ كَمَا إذَا ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلِابْنِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ مُكَاتَبَتَهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْأَبِ لَوْ قَالَ حَالَ عَدَمِ وِلَايَتِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ بِمَوْتِهِ أَوْ رِقِّهِ أَوْ جُنُونِهِ أَوْ كُفْرِهِ (قَوْلُهُ: فَأَعْتَقَ فَسَدَ النِّكَاحُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا أُمِرَ بِهِ؛ إذْ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ، ثُمَّ أُعْتِقْت لَمْ يَصِرْ مُجِيبًا لِكَلَامِهَا، بَلْ كَانَ مُبْتَدَأً وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ

تَحْقِيقِهِ فِي الْأُصُولِ (وَالْوَلَاءُ لَهَا وَيَقَعُ عَنْ كَفَّارَتِهَا إنْ نَوَتْ) لِكَوْنِهَا مُعْتَقَةً (وَلَوْ تَرَكَتْ) الْحُرَّةُ (الْبَدَلَ) أَيْ لَا تَقُولُ بِأَلْفٍ (لَمْ يَفْسُدْ) النِّكَاحُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ (وَالْوَلَاءُ لَهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَقُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ نِكَاحِ الرَّقِيقِ شَرَعَ فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ فَقَالَ (أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ إقْرَارًا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَا) أَيْ الْمُتَزَوِّجَانِ اللَّذَانِ أَسْلَمَا (مُحْرِمَيْنِ أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْمُحْرِمَيْنِ أَوْ تَرَافَعَا) أَيْ عَرَضَا أَمْرَهُمَا إلَيْنَا وَهُمَا عَلَى الْكُفْرِ (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْمَحْرَمِيَّةِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَحَلِّ يَسْتَوِي فِيهِ الِابْتِدَاءُ وَالْبَقَاءُ بِخِلَافِ مَا مَرَّ (وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا) أَيْ لَا يُفَرَّقُ؛ إذْ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ وِلَايَةُ إلْزَامِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ (الْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا) فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيًّا وَالْآخَرُ مَجُوسِيًّا فَهُوَ كِتَابِيٌّ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لَهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ بِأَنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَالِدُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَالْمَجُوسِيُّ وَمِثْلُهُ) كَالْوَثَنِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ (شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ) ؛ إذْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ دَعْوَى وَلِهَذَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَيَجُوزُ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَانَ الْمَجُوسِيُّ شَرًّا حَتَّى إذَا وُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يَكُونُ كِتَابِيًّا تَبَعًا (وَفِي إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ امْرَأَةِ الْكِتَابِيِّ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ وَإِلَّا فُرِّقَ) بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِبَاءِ هَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِيمُ فِي الْمَجُوسِيَّيْنِ؛ إذْ بِإِسْلَامِ أَحَدُهُمَا مُطْلَقًا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْإِبَاءِ، وَأَمَّا إذَا كَانَا كِتَابِيَّيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا لِجَوَازِ تَزَوُّجِهَا لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا إذَا كَانَتْ كِتَابِيَّةً وَالزَّوْجُ مَجُوسِيٌّ فَأَسْلَمَ لِمَا ذَكَرْنَا (وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ لَا إبَاؤُهَا) يَعْنِي إذَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْإِبَاءُ مِنْ طَرَفِ الرَّجُلِ كَانَ التَّفْرِيقُ طَلَاقًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرَفِ الْمَرْأَةِ كَانَ فَسْخًا لَا طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ الرِّجَالِ لَا النِّسَاءِ (وَلَا مَهْرَ فِي هَذَا) أَيْ إبَائِهَا (إلَّا لِلْمَوْطُوءَةِ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ فَوَّتَتْ الْمُبْدَلَ قَبْلَ تَأْكِيدِ الْبَدَلِ فَأَشْبَهَ الرِّدَّةَ وَالْمُطَاوَعَةَ، وَأَمَّا فِي صُورَةِ إبَاءِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً فَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ وَإِلَّا فَنِصْفُهُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ هُنَا طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ) أَيْ إسْلَامُ أَحَدِ الْمَجُوسِيَّيْنِ أَوْ امْرَأَةِ الْكِتَابِيِّ (ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَسْلَمَ الْمُتَزَوِّجَانِ بِلَا شُهُودٍ) صِحَّةُ نِكَاحِهِمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ هُوَ فَاسِدٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدَيْنِ ذَلِكَ) هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا بِفَسَادِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمَا تَرْكًا لَا تَقْرِيرًا فَإِذَا تَرَافَعَا أَوْ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ وَجَبَ التَّفْرِيقُ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُرَافَعَةُ أَوْ الْإِسْلَامُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا لَا يُفَرَّقُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ عَنْ النِّهَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَرَافَعَا) ضَمِيرُهُ لِلْمُحَرَّمَيْنِ خَاصَّةً لَا لِمَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا مَرَّ) يُرِيدُ بِهِ تَزَوُّجَهُمَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بِلَا شُهُودٍ. (قَوْلُهُ: وَبِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا لَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُفَرَّقُ بِمُرَافَعَةِ أَحَدِهِمَا كَإِسْلَامِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ تَرَافَعُوا إلَيْنَا أَمْ لَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا فَرَّقْت وَإِلَّا فَلَا اهـ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ نِكَاحَ الْمُرْتَدِّ وَلَا يَنْكِحُ أَحَدًا (قَوْلُهُ: يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ عَلَى الْآخَرِ) يَعْنِي إنْ كَانَ بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ فَإِنْ أَبَى فُرِّقَ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مَجْنُونًا عَرَضَ عَلَى أَبَوَيْهِ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ بَقِيَ النِّكَاحُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَجْنُونًا لَكِنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْأَدْيَانَ يُنْتَظَرُ عَقْلُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ غَايَةً مَعْلُومَةً بِخِلَافِ الْجُنُونِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصِرُّ صَبِيًّا مُمَيِّزًا أَوْ بَالِغًا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِإِبَائِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَإِبَاؤُهُ طَلَاقٌ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ طَلَاقًا، وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا يَكُونُ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهِيَ مِنْ أَغْرَبِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْهُمَا وَنَظِيرُهُ إذَا كَانَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ عِنِّينًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ طَلَاقًا اتِّفَاقًا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَا مَهْرَ فِي هَذَا إلَّا لِلْمَوْطُوءَةِ) شَامِلٌ لِلصَّغِيرَةِ الْمَجْنُونَةِ الَّتِي فُرِّقَ بِإِبَاءِ وَالِدِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَلَا نَفْعَ لَهَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا بِهِ، فَيَكُونُ وَارِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لِلصَّغِيرِ فَلْيُنْظَرْ جَوَابُهُ. (قَوْلُهُ: لَمْ تَبِنْ حَتَّى تَحِيضَ ثَلَاثًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَحِضْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَلَا تَكُونُ عِدَّةً؛ وَلِذَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهَا وَلَا تَلْزَمُهَا عِدَّةٌ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِمُضِيِّ الْحَيْضِ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْمَبْسُوطِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا اهـ. وَأَطْلَقَ الطَّحَاوِيُّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ قَوْلِهِمَا وَهَذِهِ

إسْلَامِ الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفُرْقَةِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ فَأَقَمْنَا شَرْطَهَا وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ امْرَأَةِ الْكِتَابِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا كَانَ هُوَ الزَّوْجُ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا (أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ لَمْ تَبِنْ) ؛ إذْ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّجُ بِهَا ابْتِدَاءً فَالْبَقَاءُ أَوْلَى (تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ لَا السَّبْيُ) حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَيْنَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ أَوْ عَقَدَ عَقْدَ الذِّمَّةِ فِي دَارِنَا أَوْ سُبِيَ وَأُدْخِلَ فِيهَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ سُبِيَا مَعًا لَمْ تَقَعْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَبَبُهَا السَّبْيُ لَا التَّبَايُنُ (حَائِلٌ) هِيَ ضِدُّ الْحَامِلِ (هَاجَرَتْ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَيْنَا مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً أَوْ أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً (تُنْكَحُ بِلَا عِدَّةٍ) بِخِلَافِ الْحَامِلِ حَيْثُ لَا تُنْكَحُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَجْهُ جَوَازِ النِّكَاحِ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] حَيْثُ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمُهَاجِرَةِ مُطْلَقًا فَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ فَسْخٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (ارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (فَسْخٌ عَاجِلٌ) لِلنِّكَاحِ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى الْحُكْمِ وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ فَسْخًا أَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ لَا يُنْتَقَصُ بِهِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَطَلَاقٌ (فَلِلْمَوْطُوءَةِ كُلُّ الْمَهْرِ) سَوَاءٌ كَانَتْ الرِّدَّةُ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا يُتَصَوَّرُ سُقُوطُهُ (وَلِغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ (النِّصْفُ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ (لَوْ ارْتَدَّ) الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ تُوجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ (وَلَا شَيْءَ) مِنْ الْمَهْرِ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ (لَوْ ارْتَدَّتْ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِمَعْصِيَةٍ تُوجِبُ سُقُوطَهُ (وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ) أَيْ نَظِيرُ الِارْتِدَادِ حَتَّى إذَا كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ يَجِبُ الْمَهْرُ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ يَجِبُ النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ (ارْتَدَّا وَأَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ، وَلَوْ أَسْلَمَا مُتَعَاقِبًا بَانَتْ) فَإِنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفُرْقَةُ طَلَاقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَسْخٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِبَاءُ عَنْ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ مُضِيِّ الْحَيْضِ أَوْ الْأَشْهُرِ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ. (قَوْلُهُ: وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ) عَدَلَ بِهِ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَالْعَرْضُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوضَ عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَعْقِلَ وَنَظِيرُهُ فِي اللُّغَةِ عَرَضَتْ النَّاقَةُ عَلَى الْحَوْضِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَجِّعُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادُ الْبُلَغَاءِ. (قَوْلُهُ: فَأَقَمْنَاهُ شَرْطَهَا) أَيْ شَرْطَ الْفُرْقَةِ وَهُوَ مُضِيُّ الْحَيْضِ مَقَامَ السَّبَبِ يَعْنِي بِهِ الْإِبَاءَ عَنْ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَيْ السَّبَبُ تَفْرِيقُ الْقَاضِي عِنْدَ إبَاءِ الزَّوْجِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ هُوَ الْإِبَاءُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي حَفْرِ الْبِئْرِ) يَعْنِي بِهِ أَنَّ لِلْإِضَافَةِ إلَى الشَّرْطِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْإِضَافَةِ إلَى الْعِلَّةِ نَظِيرًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ حَافِرُ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ يُضَافُ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ فِيهِ إلَى الْحَفْرِ وَهُوَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ ثِقَلُ الْوَاقِعِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ لِكَوْنِهِ طَبِيعِيًّا فَأُضِيفَ إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ الْحَفْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ: تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ سَبَبُ الْفُرْقَةِ) يَعْنِي تَبَايُنُهُمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ بِهِ لَا تَنْتَظِمُ الْمَصَالِحُ حَتَّى لَوْ نَكَحَ مُسْلِمٌ حَرْبِيَّةً كِتَابَةً ثَمَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ عَنْهَا بَانَتْ عِنْدَنَا، وَلَوْ خَرَجَتْ قَبْلَ الزَّوْجِ لَمْ تَبِنْ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ التَّبَايُنَ وَإِنْ وُجِدَ حَقِيقَةً لَمْ يُوجَدْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِهَا حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخْرَجَهَا أَحَدٌ كُرْهًا فَإِنَّهَا تَبِينُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا وَزَوْجَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا، وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَهُمْ بِأَمَانٍ لَمْ تَبِنْ زَوْجَتُهُ اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَأْسُورَةَ لَا تَبِينُ بِهِ لِعَدَمِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِيمَا يُخَالِفُ هَذَا فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: حَائِلٌ هَاجَرَتْ تُنْكَحُ بِلَا عِدَّةٍ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَجْهُ جَوَازِ النِّكَاحِ قَوْله تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 235] التِّلَاوَةُ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ (قَوْلُهُ: ارْتِدَادُ أَحَدِهِمَا فَسْخٌ فِي الْحَالِ) جَوَابُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَامَّةُ مَشَايِخِ بُخَارَى أَفْتَى بِهِ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ زَوْجِهَا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ دِينَارًا وَلِكُلِّ قَاضٍ فِعْلُ ذَلِكَ رَضِيَتْ أَمْ لَا وَتُعَزَّرُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ وَبَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخِي وَسَمَرْقَنْدَ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الْفُرْقَةِ بِرِدَّتِهَا حَسْمًا لِاحْتِيَالِهَا عَلَى الْخَلَاصِ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. (قَوْلُهُ: وَالْإِبَاءُ نَظِيرُهُ) فِيهِ اسْتِدْرَاكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا مَهْرَ فِي هَذَا أَيْ إبَائِهَا إلَّا لِلْمَوْطُوءَةِ. (قَوْلُهُ: ارْتَدَّا وَأَسْلَمَا مَعًا لَمْ تَبِنْ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَعًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمَا ارْتَدَّا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ سَبْقَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الرِّدَّةِ جَعَلَ الْحُكْمَ كَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا كَمَا فِي الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ (تَنْبِيهٌ) : لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ أَوْ مَنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ هُنَّ كِتَابِيَّاتٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقَدَةٍ

[باب القسم بين الزوجات]

إذَا تَقَدَّمَ يَبْقَى الْآخَرُ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاخْتِلَافُ بَابُ الْقَسْمِ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ مَصْدَرُ قَسَمَ الْقَاسِمُ الْمَالَ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَرَّقَهُ بَيْنَهُمْ وَعَيَّنَ أَنْصِبَاءَهُمْ وَمِنْهُ الْقَسْمُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَهُوَ إعْطَاءُ حَقِّهِنَّ فِي الْبَيْتُوتَةِ عِنْدَهَا لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ لَا فِي الْمُجَامَعَةِ؛ لِأَنَّهَا تُبْتَنَى عَلَى النَّشَاطِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِيهَا كَمَا فِي الْمَحَبَّةِ (يَجِبُ الْعَدْلُ فِيهِ وَفِي الْمَلْبُوسِ وَالْمَأْكُولِ) وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (وَالْبِكْرُ وَالْجَدِيدَةُ وَالْمُسْلِمَةُ كَأَضْدَادِهَا) يَعْنِي الثَّيِّبَ وَالْقَدِيمَةَ وَالْكِتَابِيَّةَ (فِيهَا) أَيْ الْقَسْمِ وَالْمَلْبُوسِ وَالْمَأْكُولِ (وَلِلْحُرَّةِ ضِعْفُ الْأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمَنْكُوحَاتِ) إظْهَارًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ (وَيُسَافِرُ بِمَنْ شَاءَ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ الْقَسْمُ فِي السَّفَرِ حَتَّى جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فِيهِ (وَالْقُرْعَةُ أَوْلَى) تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِنَّ (وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ تَرَكَتْ قَسْمَهَا لِأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقًّا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَلَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَائِمِ، فَيَكُونُ الرُّجُوعُ امْتِنَاعًا بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِيهَا مَتَى شَاءَ لِمَا قُلْنَا (وَلَا يَسْقُطُ بِمَرَضِهَا) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . (كِتَابُ الرَّضَاعِ) (هُوَ) فِي اللُّغَةِ مَصُّ الثَّدْيِ مُطْلَقًا وَفِي الشَّرْعِ (مَصُّ) الصَّبِيِّ (الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ آدَمِيَّةٍ) احْتِرَازًا عَنْ ثَدْيِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الرَّضِيعَيْنِ إذَا مَصَّاهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ كَمَا سَيَأْتِي (فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ هُوَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (حَوْلَانِ وَنِصْفٌ، وَعِنْدَهُمَا حَوْلَانِ) فَقَطْ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ إذَا طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَفِي عَقْدٍ فَنِكَاحُ مَنْ يَحِلُّ لِسَبْقِهِ جَائِزٌ وَنِكَاحُ مَنْ تَأَخَّرَ فَوَقَعَ بِهِ الْجَمْعُ أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ بَاطِلٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ [بَابُ الْقَسْمِ بَيْن الزَّوْجَات] (بَابُ الْقَسْمِ) . (قَوْلُهُ: يُجِبْ الْعَدْلُ فِيهِ) لِذَا سُمِّيَ بِالْعَدْلِ كَمَا سُمِّيَ بِالْقَسْمِ وَحَقِيقَتُهُ مُطْلَقًا مُمْتَنِعَةٌ كَمَا أَخْبَرَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129] فَقَدْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُسْتَطَاعُ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ شَيْءٌ مُعَيَّنٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا) إخْرَاجٌ لِلْمَتْنِ عَنْ إفَادَتِهِ مُوَافَقَةَ مَا سَيَذْكُرُهُ فِي النَّفَقَةِ مِنْ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ بِعَدَمِ تَعَدِّي الْوَاجِبِ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى نِسَائِهِ غَنِيَّةً لَا تَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأُخْرَى الْفَقِيرَةِ مِثْلَهَا فَتَفْسِيرُ الْعَدْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ بَعْضٍ عَلَى بَعْضٍ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ، وَلَيْسَ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى تَسَاوِي حَالِ النِّسَاءِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ. (قَوْلُهُ: وَالْبِكْرُ. . . إلَخْ) كَذَا الْمَجْنُونَةُ الَّتِي لَا يُخَافُ مِنْهَا مَعَ الْعَاقِلَةِ وَالْمُرَاهِقَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالْمُحْرِمَةِ وَالْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا إنْ قَصَدَ رَجْعَتَهَا مَعَ مُقَابَلَتِهَا وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ كَالْفَحْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ وَلَا يُجَامِعُ الْمَرْأَةَ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا وَلَا يَدْخُلُ لَيْلًا عَلَى الَّتِي لَا قَسْمَ لَهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا نَهَارًا لِحَاجَةٍ وَيَعُودَهَا فِي مَرَضِهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا فَإِنْ ثَقُلَ مَرَضُهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا حَتَّى تُشْفَى أَوْ تَمُوتَ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (تَنْبِيهٌ) : الْقَسْمُ عِنْدَ تَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ فَمَنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ حَقُّهَا فِي يَوْمٍ مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُؤْمَرُ بِأَنْ يَصْحَبَهَا أَحْيَانًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مُسْتَوْلَدَاتٌ وَإِمَاءٌ فَلَا قَسْمَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُنَّ فِي الْمُضَاجَعَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. (تَنْبِيهٌ آخَرُ) لَيْسَ اللَّازِمُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّوْرِ عَلَى نِسَائِهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الدَّوْرَ عَلَيْهِنَّ عَقِبَ تَمَامِهِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ عِنْدَ الْكُلِّ بَعْضَ اللَّيَالِيِ وَانْفَرَدَ بِنَفْسِهِ أَوْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الدَّوْرِ عَلَى نِسَائِهِ مَعَ سَرَارِيهِ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا نَقَلْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَجَدُّدَ الْمَسَرَّاتِ بِالْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَوَائِدَ جَلِيلَةٍ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَدْ قَالُوا إنَّ الرَّجُلَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَسْمِ يُضْرَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ الْحَقُّ فِيهِ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ اهـ. وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، بَلْ إذَا عَادَ مَا نَهَاهُ الْقَاضِي أَوْجَعَهُ عُقُوبَةً وَأَمَرَهُ بِالْعَدْلِ لِإِسَاءَةِ أَدَبِهِ وَارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ الْقَاضِي يُخَيَّرُ فِي التَّعْزِيرِ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالضَّرْبِ لِاخْتِصَاصِ هَذَا بِغَيْرِ الْحَبْسِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ [كِتَابُ الرَّضَاعِ] (كِتَابُ الرَّضَاعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ الْأَصْلُ وَبِكَسْرِهَا لُغَةٌ فِيهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ الرَّضَاعُ وَالرَّضَاعَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَفَتْحِهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَالرَّضْعُ، الْخَامِسَةُ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ مَعَ الْهَاءِ وَفَعَلَهُ فِي الْفَصِيحِ مِنْ حَدِّ عَلِمَ يَعْلَمُ وَأَهْلُ نَجْدٍ قَالُوهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَعَلَيْهِ قَوْلُ السَّلُولِ يَذُمُّ عُلَمَاءَ زَمَانِهِ وَذَمُّوا لَنَا الدُّنْيَا وَهُمْ يَرْضَعُونَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الشَّرْعِ مَصُّ الصَّبِيِّ) تَعْبِيرُهُ بِالْمَصِّ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ وُصُولُ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِهِ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا بِالْإِقْطَارِ فِي الْأُذُنِ وَالْإِحْلِيلِ وَالْجَائِفَةِ وَالْآمَّةِ وَالْحُقْنَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا حَوْلَانِ فَقَطْ) بِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ

[ما يحرم بالرضاع]

لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ إذَا مَضَتْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ» وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ إذَا فُطِمَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاسْتَغْنَى بِالطَّعَامِ لَمْ يَكُنْ رَضَاعًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَا يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهُ ضَرُورِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ (وَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالرَّضَاعِ (وَإِنْ قَلَّ) ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يَكْتَفِي الصَّبِيُّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا (أُمُومَةُ الْمُرْضِعَةِ) فَاعِلُ يَثْبُتُ (لِلرَّضِيعِ وَأُبُوَّةُ زَوْجِ مُرْضِعَةٍ لَبَنُهَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ (لَهُ) أَيْ لِلرَّضِيعِ يَعْنِي يَثْبُتُ بِالرَّضَاعِ كَوْنُ الْمُرْضِعَةِ أُمًّا لِلرَّضِيعِ وَكَوْنُ زَوْجِهَا أَبًا لَهُ إذَا كَانَ لَبَنُهَا مِنْهُ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ لَبَنُهَا مِنْهُ بِأَنْ تَزَوَّجَتْ ذَاتُ لَبَنٍ رَجُلًا فَأَرْضَعَتْ بِهِ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدًا لَهُ مِنْ الرَّضَاعِ، بَلْ يَكُونُ رَبِيبُهُ مِنْ الرَّضَاعِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَوْلَادِ الزَّوْجِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِهَا وَبِأَخَوَاتِهِ كَمَا فِي النَّسَبِ وَيَكُونُ وَلَدًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي فَإِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ وَلَدُ الثَّانِي بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ مِنْ الثَّانِي فَهُوَ وَلَدُ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِنْهُ، ثُمَّ إنَّ انْتِفَاءَ هَذَا الْقَيْدِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْأُبُوَّةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ نِكَاحِ الزَّوْجِ لِلرَّضِيعَةِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْضِعَةِ الْمَوْطُوءَةِ لَهُ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْأُمَّهَاتِ يُحَرِّمُ الْبَنَاتِ، وَلَوْ بِجِهَةِ الرَّضَاعِ كَمَا مَرَّ (فَيَحْرُمُ بِهِ) أَيْ بِالرَّضَاعِ (مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ وَأَخِيهِ) فَإِنَّ أُمَّ الْأُخْتِ وَالْأَخِ مِنْ النَّسَبِ هِيَ الْأُمُّ أَوْ مَوْطُوءَةُ الْأَبِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا حَرَامٌ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِثَلَاثِ صُوَرٍ: الْأُولَى الْأُمُّ رَضَاعًا لِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخِ نَسَبًا كَأَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ أُخْتٌ مِنْ النَّسَبِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَالثَّانِيَةُ الْأُمُّ نَسَبًا لِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخِ رَضَاعًا كَأَنْ يَكُونَ لَهُ أُخْتٌ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَهَا أُمٌّ مِنْ النَّسَبِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَالثَّالِثَةُ الْأُمُّ رَضَاعًا لِلْأُخْتِ أَوْ الْأَخِ رَضَاعًا كَأَنْ يَجْتَمِعَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ الْأَجْنَبِيَّانِ عَلَى ثَدْيِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَلِلصَّبِيَّةِ أُمٌّ أُخْرَى مِنْ الرَّضَاعَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِذَلِكَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ (وَأُخْتُ ابْنِهِ) فَإِنَّ أُخْتَ الِابْنِ مِنْ النَّسَبِ، أَمَّا الْبِنْتُ أَوْ الرَّبِيبَةُ، وَقَدْ وُطِئَتْ أُمُّهَا وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ (وَجَدَّةُ ابْنِهِ) فَإِنَّ جَدَّةَ ابْنِهِ نَسَبًا أُمُّ مَوْطُوءَتِهِ أَوْ أُمُّهُ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ (وَأُمُّ عَمِّهِ وَعَمَّتِهِ وَأُمُّ خَالِهِ وَخَالَتِهِ) فَإِنَّ أُمَّ الْأُولَيَيْنِ مَوْطُوءَةُ الْجَدِّ الصَّحِيحِ وَأُمُّ الْأُخْرَيَيْنِ مَوْطُوءَةُ الْجَدِّ الْفَاسِدِ وَلَا كَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعِ (لِلرَّجُلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَثْنَى فِي قَوْلِهِ إلَّا أُمَّ أُخْتِهِ. . . إلَخْ يَعْنِي أَنَّ شَيْئًا مِنْ النِّسْوَةِ الْمَذْكُورَاتِ لَا يَحْرُمُ لِلرَّجُلِ إذَا كَانَتْ مِنْ الرَّضَاعِ (وَتَحِلُّ أُخْتُ أَخِيهِ مُطْلَقًا) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِ أَخِيهِ مِنْ النَّسَبِ كَالْأَخِ مِنْ الْأَبِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: ثُمَّ مُدَّةُ الرَّضَاعِ إذَا انْقَضَتْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ) أَيْ سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَيْ الْحُرْمَةُ تَثْبُتُ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الرَّضَاعِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْفِطَامُ قَبْلَ الْمُدَّةِ إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ فَإِنَّ مَا قَبْلَ الْمُدَّةِ مَظِنَّةُ عَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ وَنُقِلَ مِثْله عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهَا بَعْدَهُ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى إذَا اخْتَلَفَتْ كَانَ التَّرْجِيحُ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُبَاحُ الْإِرْضَاعُ بَعْدَهُ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ الْإِرْضَاعُ بَعْدَ مُدَّتِهِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ نَعَمْ أَجَازَ الْبَعْضُ التَّدَاوِيَ بِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَزُولُ بِهِ الرَّمَدُ، كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْبَعْضُ لَمْ يُجَوِّزُوا شُرْبَهُ لِلتَّدَاوِي اهـ. وَقَدَّمْنَا مَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِالْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَمْ يَبْقَ حَرَامًا. (قَوْلُهُ: وَأُبُوَّةُ زَوْجِ الْمُرْضِعَةِ) كَذَا أُبُوَّةُ مَوْلَى الْمُرْضِعَةِ وَاللَّبَنُ مِنْهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ اللَّبَنُ مِنْ زِنًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ لِرَضِيعَتِهِ عَلَى فُرُوعِ الزِّنَى وَأُصُولِهِ وَالْأَوْجَهُ دِرَايَةُ عَدَمِ تَحْرِيمِهِ لَا رِوَايَةُ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ مِنْ إطْلَاقِهِ كَلَامَ الْكَمَالِ الْأَوْجَهِيَّةِ وَقَيَّدَ أُسْتَاذُنَا بِمَا قُلْنَاهُ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ بِمَا يَأْتِي آخِرَ كَلَامِ الْكَمَالِ اهـ. . وَفِي الْجَوْهَرَةِ إنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ فَأَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَهُوَ ابْنُ الْوَاطِئِ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْوَاطِئِ يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ، وَمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ الرَّضَاعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ وَلَدًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ تَلِدْ مِنْ الثَّانِي) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجْعَلُهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ الثَّانِي إنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ مُطَلِّقًا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ دَرَّ بَعْدَمَا جَفَّ اخْتَصَّ بِهَا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ [مَا يحرم بِالرَّضَاعِ] (قَوْلُهُ: وَأُخْتُ ابْنِهِ. . . إلَخْ) لَا حَصْرَ فِيمَا ذُكِرَ؛ إذْ يُتَصَوَّرُ الْحِلُّ فِي أُخْتِ ابْنِهِ وَبِنْتِهِ نَسَبًا بِأَنْ يَدَّعِيَ شُرَكَاءُ فِي أَمَةِ وَلَدِهَا فَإِذَا كَانَ لِكُلِّ بِنْتٍ مِنْ غَيْرِ الْأَمَةِ حَلَّ لِشَرِيكِهِ

كَانَتْ لَهُ أُخْتٌ مِنْ أُمِّهِ جَازَ لِأَخِيهِ مِنْ أَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (وَلَا حِلَّ بَيْنَ رَضِيعَيْ امْرَأَةٍ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَخَوَانِ مِنْ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَبَاعِدَةٍ وَسَوَاءٌ أَرْضَعَتْهُمَا مِنْ ثَدْيٍ وَاحِدٍ أَوْ أَحَدِهِمَا مِنْ ثَدْيٍ وَالْآخَرَ مِنْ آخَرَ (بِخِلَافِ الشَّاةِ) وَنَحْوِهَا حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى لَبَنِهَا حُكْمُ الرَّضَاعِ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ بِوَاسِطَةِ شُبْهَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمُرْضِعَةُ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالْآدَمِيِّ وِلَادًا فَكَذَا رَضَاعًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا. (وَ) لَا حِلَّ أَيْضًا (بَيْنَ رَضِيعَةٍ وَوَلَدِ مُرْضِعَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُمَا أَيْضًا أَخَوَانِ (وَوَلَدِ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أُخْتِهَا (وَيَحْرُمُ) أَيْ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ (لَبَنُ الْبِكْرِ) ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ النُّشُوءِ وَالنُّمُوِّ فَتَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ كَلَبَنِ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ. (وَ) الْمَرْأَةُ (الْمَيِّتَةُ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا لَبَنٌ حَقِيقَةً (كَذَا) أَيْ يَحْرُمُ أَيْضًا لَبَنُ الْمَرْأَةِ (الْمَخْلُوطُ بِمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ أَوْ لَبَنِ) امْرَأَةٍ (أُخْرَى أَوْ) لَبَنِ (شَاةٍ إذَا غَلَبَ) أَيْ لَبَنُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْبَاتَ اللَّحْمِ وَإِنْشَازَ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ (لَا) أَيْ لَا يَحْرُمُ (الْمَخْلُوطُ بِالطَّعَامِ) هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْغَلَبَةُ فِيهِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ وَشَرَطَ الْقُدُورِيُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَوْنَ الطَّعَامِ مُسْتَبِينًا كَالثَّرِيدِ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ اللَّبَنُ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ فَإِنْ تَقَاطَرَ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ . (وَ) لَا (لَبَنُ الرَّجُلِ وَ) لَا (لَبَنُهَا إذَا احْتَقَنَ بِهِ) أَيْ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ (الصَّبِيُّ) ، أَمَّا لَبَنُ الرَّجُلِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ حَقِيقَةً فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ، وَأَمَّا الِاحْتِقَانُ بِلَبَنِهَا فَلِأَنَّ النُّشُوءَ لَا يُوجَدُ فِيهِ وَالتَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِالْغِذَاءِ وَهُوَ مِنْ الْأَعْلَى لَا الْأَسْفَلِ (أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حَرُمَتَا) يَعْنِي إذَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّزَوُّجُ بِهَا وَهِيَ أُخْتُ وَلَدِهِ نَسَبًا مِنْ الْأَبِ وَأَلْغَزَ بِهَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَأَجَابَ عَنْهُ وَمِمَّنْ يَحِلُّ رَضَاعًا لَا نَسَبًا أُمُّ وَلَدِ وَلَدِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ لَبَنُ الْبِكْرِ) هَذَا إذَا حَصَلَ مِنْ بِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا، وَلَوْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِلَبَنِهَا التَّحْرِيمُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَبَنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْلُوطُ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى أَوْ شَاةٍ إذَا غَلَبَ) يَعْنِي أَوْ سَاوَى وَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ إجْمَاعًا إذَا تَسَاوَى لَبَنُهُمَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَإِذَا غَلَبَ لَبَنُ إحْدَاهُمَا ثَبَتَ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَعَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ مِثْلُ قَوْلِهِمَا وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لِتَأْخِيرِهِ دَلِيلَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْغَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قِيلَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ إنْبَاتَ اللَّحْمِ وَإِنْشَازَ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إذَا جُعِلَ مَخِيضًا أَوْ رَائِبًا أَوْ شِيرَازًا أَوْ جُبْنًا أَوْ أَقِطًا فَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الرَّضَاعِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ؛ وَلِذَا لَا يُنْبِتُ اللَّحْمَ وَلَا يَنْشِزُ الْعَظْمَ وَلَا يَكْتَفِي بِهِ الصَّبِيُّ فِي الِاغْتِذَاءِ فَلَا يَحْرُمُ بِهِ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا جُبِّنَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ وَأُطْعِمَ الصَّبِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ) مُفِيدٌ أَنَّهُ إذَا مَسَّتْهُ لَا يُحَرِّمُ وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ غَلَبَ اللَّبَنُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَوْ كَانَتْ النَّارُ قَدْ مَسَّتْ اللَّبَنَ وَأَنْضَجَتْ الطَّعَامَ حَتَّى تَغَيَّرَ فَلَا يُحَرِّمُ سَوَاءٌ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ مِنْ حَالَتَيْ التَّقَاطُرِ عِنْدَ حَمْلِ اللُّقْمَةِ وَعَدَمِهِ إذَا تَنَاوَلَهُ لُقْمَةً لُقْمَةً، أَمَّا لَوْ حَسَاهُ فَقَدْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَشْرَبْهُ، أَمَّا إذَا حَسَاهُ حَسْوًا أَيْ شَرِبَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَفْظَةُ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يَجِبُ؛ وَلِذَا حَذَفَهَا قَاضِي خَانْ فَقَالَ هَذَا إذَا أَكَلَ الطَّعَامَ لُقْمَةً لُقْمَةً فَإِنْ حَسَاهُ حَسْوًا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ) أَيْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ لَبَنٌ عَلَى التَّحْقِيقِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ حُكْمُهُ اهـ. وَلَبَنُ الْخُنْثَى إنْ كَانَ وَاضِحًا فَوَاضِحٌ، وَإِنْ أَشْكَلَ إنْ قَالَ النِّسَاءُ إنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى غَزَارَتِهِ إلَّا لِامْرَأَةٍ تَعَلَّقَ بِهِ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْنَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا احْتَقَنَ بِهِ الصَّبِيُّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ صَوَابُهُ حَقَنَ لَا احْتَقَنَ يُقَالُ حَقَنَ الْمَرِيضَ دَاوَاهُ بِالْحُقْنَةِ وَاحْتَقَنَ الصَّبِيُّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ وَاحْتُقِنَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ حَقَنَ، وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ الِاحْتِقَانُ حَقَنَهُ كَرَدَنَ فَجَعَلَهُ مُتَعَدِّيًا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ اهـ. كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي تَاجِ الْمَصَادِرِ مِنْ التَّفْسِيرِ لَا يُفِيدُ الِافْتِعَالَ مِنْهُ لِلْمَفْعُولِ الصَّرِيحِ كَالصَّبِيِّ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا احْتَقَنَ الصَّبِيُّ، بَلْ إلَى الْحُقْنَةِ وَهِيَ آلَةُ الِاحْتِقَانِ وَالْكَلَامُ فِي بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الصَّبِيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ قَاصِرٍ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجْرُورِ وَالظَّرْفِ كَجَلَسَ فِي الدَّارِ وَمَرَّ بِزَيْدٍ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ بِاعْتِبَارِ الْآلَةِ وَالظَّرْفِ جَوَازُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَفْعُولِ، بَلْ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا إلَيْهِ بِنَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حَرُمَتَا) أَمَّا حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ فَمُؤَيَّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ

[ما يثبت به الرضاع]

فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حَرُمَتَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا (وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ تُوطَأْ) ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَجِئْ مِنْ قِبَلِهَا بِأَنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَهَا فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مِنْ قِبَلِهَا؛ إذْ لَا عِبْرَةَ لِارْتِضَاعِهَا (وَيَرْجِعُ) أَيْ الزَّوْجُ (بِهِ) أَيْ بِنِصْفِ الْمَهْرِ (عَلَى الْمُرْضِعَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِلَّا فَلَا، طَلُقَتْ لَبُونٌ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ آخَرَ فَحَبِلَتْ وَأَرْضَعَتْ فَحُكْمُهُ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَلِدَ) يَعْنِي امْرَأَةً لَهَا لَبَنٌ مِنْ الزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَحَبِلَتْ مِنْهُ وَنَزَلَ لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى تَلِدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِذَا وَلَدَتْ فَاللَّبَنُ يَكُونُ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ بِيَقِينٍ وَشَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مِنْ الثَّانِي فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ (أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ عَلَى التَّعَاقُبِ حَرُمَتَا) يَعْنِي رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ رَضِيعَتَانِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ عَلَى التَّعَاقُبِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَتَا أُخْتَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا حَرَامٌ (قَالَ) رَجُلٌ مُشِيرًا إلَى امْرَأَتِهِ (هَذِهِ رَضِيعَتِي، ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ قَوْلِهِ (صَدَقَ) فِي رُجُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَجْرِي فِيهِ الْغَلَطُ فَكَانَ مَعْذُورًا فَقَدْ يَقَعُ عِنْدَ الرَّجُلِ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانَةَ رَضَاعًا فَيُخْبِرُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَتَفَحَّصُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَيَتَبَيَّنُ لَهُ غَلَطٌ فِي ذَلِكَ فَإِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَلَطٌ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ أُخْتُهُ أَوْ أُمُّهُ أَوْ بِنْتُهُ رَضَاعًا، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَقَالَ أَخْطَأْت أَوْ وَهَمْت أَوْ نَسِيت وَصَدَّقَتْهُ فَهُمَا مُصَدَّقَانِ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا (وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ. وَقَالَ هُوَ حَقٌّ كَمَا قُلْت، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا (فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) ، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِهِ وَأَنْكَرَ، ثُمَّ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ أَخْطَأْت وَتَزَوَّجَهَا جَازَ، وَكَذَا إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا جَازَ، وَلَوْ أَقَرَّا جَمِيعًا بِذَلِكَ، ثُمَّ أَكْذَبَا أَنْفُسَهُمَا، وَقَالَا أَخْطَأْنَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا جَازَ، وَكَذَا فِي النَّسَبِ لَيْسَ يَلْزَمُهُ إلَّا مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ هَذِهِ أُخْتِي أَوْ أُمِّي، وَلَيْسَ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، ثُمَّ قَالَ وَهَمْت صُدِّقَ، وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، كَذَا فِي الْكَافِي (وَيَثْبُتُ) أَيْ الرَّضَاعُ (بِمُثْبِتِ الْمِلْكِ كَالْبَيِّنَةِ) أَيْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (وَالتَّصَادُقُ) وَثُبُوتُهُ بِهَذَا لَا يُنَافِي ارْتِفَاعَ حُكْمِهِ بِالتَّكَاذُبِ كَمَا عَرَفْت . (كِتَابُ الطَّلَاقِ) (وَهُوَ) لُغَةً رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا يُقَالُ أَطْلَقَ الْفَرَسَ أَوْ الْأَسِيرَ، وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ كَالسَّلَامِ وَالسَّرَاحِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسْرِيحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وَفِي غَيْرِهِ بِالْأَفْعَالِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَبِتَخْفِيفِهَا يَحْتَاجُ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَشَرْعًا (رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ شَرْعًا) خَرَجَ بِهِ قَيْدٌ ثَابِتٌ حِسًّا كَحَلِّ الْوَثَائِقِ (بِالنِّكَاحِ) خَرَجَ بِهِ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ قَيْدٍ ثَابِتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ اللَّبَنُ مِنْ الرَّجُلِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ أَيْضًا مُؤَبَّدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ التَّحْرِيمُ لِلدُّخُولِ بِالْأُمِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ) بِأَنْ تَعْلَمَ قِيَامَ النِّكَاحِ وَأَنَّ الرَّضَاعَ مِنْهَا مُفْسِدٌ وَاعْتُبِرَ الْجَهْلُ لِدَفْعِ قَصْدِ الْفَسَادِ لَا لِدَفْعِ الْحُكْمِ وَأَنْ تَتَعَمَّدَهُ لَا لِدَفْعِ الْجُوعِ أَوْ الْهَلَاكِ عِنْدَ خَوْفِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ ظَنَّتْ أَنَّهَا جَائِعَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا شَبْعَانَةُ لَا تَكُونُ مُتَعَمِّدَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْقَوْلُ لِلْكَبِيرَةِ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ لَبُونٌ. . . إلَخْ) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ زَوْجُ مُرْضِعَةِ لَبَنِهَا مِنْهُ غِنًى عَنْ هَذَا (قَوْلُهُ: أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ عَلَى التَّعَاقُبِ حَرُمَتَا) مُفِيدُ الْحُرْمَةِ بِالْمَعِيَّةِ بِالْأَوْلَوِيَّةِ فَلَوْ كُنَّ ثَلَاثًا فَأَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِأَنْ أَوْجَرَتْ وَاحِدَةً وَأَلْقَمَتْ ثَدْيَيْهَا ثِنْتَيْنِ حُرِّمْنَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ بَانَتْ الْأُولَيَانِ فَقَطْ وَالثَّالِثَةُ امْرَأَتُهُ وَالتَّوْجِيهُ وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ فِي الْفَتْحِ وَالْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ صَدَقَ) يَعْنِي رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ الثَّبَاتُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) وَلَا يَنْفَعُهُ جُحُودُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ [مَا يَثْبُت بِهِ الرَّضَاع] (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ) لَكِنْ لَا يَقَعُ الْفُرْقَةُ إلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [كِتَابُ الطَّلَاقِ] (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي النِّكَاحِ بِالتَّفْعِيلِ) يُقَالُ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ أَوَّلِ طَلْقَةٍ أَوْقَعَهَا، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّأْكِيدُ، أَمَّا إذَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ فَلِلتَّكْثِيرِ كَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ وَرُكْنِهِ وَمَحَاسِنِهِ وَوَصْفِهِ، وَسَبَبُهُ الْحَاجَةُ إلَى الْخَلَاصِ عِنْدَ تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ، وَشَرْطُهُ كَوْنُ الزَّوْجِ مُكَلَّفًا وَالْمَرْأَةِ مَنْكُوحَةً أَوْ فِي عِدَّةٍ تَصْلُحُ مَعَهَا مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْفُرْقَةِ مُؤَجَّلًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعِيِّ وَبِدُونِهِ فِي الْبَائِنِ وَرُكْنُهُ نَفْسُ اللَّفْظِ وَمَحَاسِنُهُ مِنْهَا ثُبُوتُ التَّخَلُّصِ بِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَمِنْهَا جَعْلُهُ بِيَدِ الرِّجَالِ لَا النِّسَاءِ وَشَرَعَهُ

شَرْعًا لَكِنَّ ذَلِكَ الْقَيْدَ لَمْ يَثْبُتْ بِالنِّكَاحِ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ الْفَسْخِ وَفِيهِ وَلِهَذَا زِدْت قَوْلِي (يَزِيدُ) أَيْ ذَلِكَ الرَّفْعُ مِنْ وَاحِدٍ (إلَى الثَّلَاثَةِ) فَخَرَجَ الْفَسْخُ؛ إذْ لَا عَدَدَ فِيهِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحْسَنُ وَحَسَنٌ وَبِدْعِيٌّ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (طَلْقَةٌ فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ أَحْسَنُ) طَلْقَةٌ مُبْتَدَأٌ وَأَحْسَنُ خَبَرُهُ يَعْنِي أَنَّ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ تَطْلِيقُهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ وَتَرَكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَصْحَابَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ النَّدَمِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّدَارُكِ، وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَطَلَاقُ غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حَسَنٌ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الطَّلَاقُ (فِي حَيْضٍ، وَ) طَلَاقُ (مَوْطُوءَةٍ بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ) مُتَعَلِّقٌ بِالطَّلَاقِ (فِي أَطْهَارٍ لَا وَطْءَ فِيهَا) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّفْرِيقِ (فِيمَنْ تَحِيضُ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ مُتَعَلِّقٌ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ (وَأَشْهُرٍ) عَطْفٌ عَلَى أَطْهَارٍ (فِي) حَقِّ (الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) يَعْنِي أَنَّ تَطْلِيقَ غَيْرِ مَوْطُوءَةٍ وَاحِدَةً وَتَطْلِيقَ مَوْطُوءَةٍ ثَلَاثًا مُتَفَرِّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ أَوْ أَشْهُرٍ حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ. وَقَالَ مَالِكٌ الثَّلَاثُ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِحَاجَةِ الْخَلَاصِ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ وَلَنَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُرْ ابْنَكَ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يَدَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إنْ أَحَبَّ. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّكَ أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ» يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ سُنِّيًّا (وَحَلَّ طَلَاقُهُنَّ) أَيْ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ (عَقِيبَ الْوَطْءِ) ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي ذَوَاتِ الْحَيْضِ لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَثَلَاثٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي بِدْعِيٌّ (أَوْ ثِنْتَانِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ فِي طُهْرٍ لَا رَجْعَةَ فِيهِ أَوْ وَاحِدَةٌ فِي طُهْرٍ وُطِئَتْ فِيهِ أَوْ) وَاحِدَةٌ (فِي حَيْضِ مَوْطُوءَةٍ بِدْعِيٌّ) ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِدْعِيًّا قَبِيحًا، (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الرَّجْعَةِ فِي الْأَخِيرَةِ) أَيْ الْمُطَلَّقَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَدَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ بِرَفْعِ أَثَرِهَا وَهُوَ الْعِدَّةُ، وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا تُسْتَحَبُّ (فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ) وَإِلَّا أَمْسَكَهَا (قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQثَلَاثًا، وَأَمَّا وَصْفُهُ فَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَقُولُ هَذَا لَيْسَ بِمَانِعٍ لِدُخُولِ الْفَسْخِ فِيهِ وَلِهَذَا زِدْت قَوْلِي يَزِيدُ. . . إلَخْ) لَوْ أَبْدَلَ الزِّيَادَةَ بِمَا أَرَادَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَصَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّهُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ لَكَانَ أَوْلَى وَاللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَادَّةِ طَلَّقَ صَرِيحًا كَطَالِقٍ أَوْ كِنَايَةً كَمُطْلَقَةٍ بِالتَّخْفِيفِ. (قَوْلُهُ: طَلْقَةً فِي طُهْرٍ لَا وَطْءَ فِيهِ) أَيْ وَلَا فِي الْحَيْضِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي أَيِّ زَمَنٍ مِنْهُ يُوقَعُ الطَّلَاقُ. وَفِي الْهِدَايَةِ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِبَ الْوَقَاعِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ مَوْطُوءَةٍ بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ. . . إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ أَيْضًا زَمَنَ إيقَاعِ الطَّلْقَةِ الْأُولَى، وَقِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الطُّهْرِ، وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِبَ الطُّهْرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَيَتَأَتَّى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ. (قَوْلُهُ: حَسَنٌ وَسُنِّيٌّ) قَالَ الْكَمَالُ تَخْصِيصُ هَذَا بِاسْمِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا وَجْهَ لَهُ اهـ. أَيْ لِأَنَّ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ سُنِّيٌّ أَيْضًا اهـ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحْسَنَ سُنِّيٌّ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْرِيحِ بِكَوْنِهِ سُنِّيًّا وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الْحَسَنِ سُنِّيًّا لِدَفْعِ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ لَا لِأَنَّهُ عِنْدَنَا سُنِّيٌّ دُونَ الْأَوَّلِ، كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ تَطْلِيقَ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ) عَبَّرَ بِالتَّطْلِيقِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَطَلَاقُ غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ لِيَصِحَّ وَصْفُهُ بِكَوْنِهِ حَسَنًا وَسُنِّيًّا؛ إذْ الْفِعْلُ هُوَ الَّذِي يُوصَفُ بِالسُّنَّةِ اهـ. وَالسُّنِّيُّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَالْبِدْعِيُّ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ سُنِّيًّا) مَعْنَى السُّنِّيِّ مِنْ الطَّلَاقِ مَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَوْجِبُ فَاعِلُهُ عِتَابًا إذَا صَدَرَ لِحَاجَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ عِبَادَةً فِي نَفْسِهِ لِيَثْبُتَ لَهُ ثَوَابٌ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَالْأَصَحُّ حَظْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: لِتَوَهُّمِ الْحَبَلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا) ضَمِيرُ هُوَ رَاجِعٌ لِلتَّوَهُّمِ وَالْإِشَارَةُ بِهُنَا إلَى الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لِاشْتِبَاهِ حَالِ الْعِدَّةِ إمَّا بِالْأَقْرَاءِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ عُلُوقٌ أَوْ بِالْوَضْعِ إنْ حَصَلَ وَالِاشْتِبَاهُ مُنْتَفٍ فِيهِنَّ لِعَدَمِ خَفَاءِ أَمْرِ الْحَبَلِ. (قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِدْعِيًّا قَبِيحًا) فَفَاعِلُهُ يَكُونُ عَاصِيًا بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الرَّجْعَةِ) كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا تُسْتَحَبُّ) قَالَ الْكَمَالُ كَأَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَهُ تَطْلِيقَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ الَّتِي طَلَّقَهَا وَرَاجَعَهَا فِيهَا، وَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ. وَفِي الْأَصْلِ خِلَافُهُ وَهُوَ نَصُّ الْقُدُورِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَا وَإِذَا طَهُرَتْ وَحَاضَتْ، ثُمَّ طَهُرَتْ إنْ شَاءَ طَلَّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا

حَالَ كَوْنِهَا (مِمَّنْ تَحِيضُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ بِلَا نِيَّةٍ) أَوْ نَوَى أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ (يَقَعُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَإِنَّمَا قَالَ مِمَّنْ تَحِيضُ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ يَقَعُ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ وَبَعْدَ شَهْرٍ أُخْرَى وَبَعْد شَهْرٍ أُخْرَى، وَكَذَا الْحَالُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَوْطُوءَةٍ وَقَعَتْ لِلْحَالِ طَلْقَةٌ، ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ هَذَا الْكَلَامِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِوَقْتِ السُّنَّةِ وَلَمْ يَبْقَ فِي حَقِّهَا وَقْتَ السُّنَّةِ لِعَدَمِ الْعِدَّةِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْكُلَّ) أَيْ وُقُوعَ الْكُلِّ (الْآنَ أَوْ) يَنْوِيَ (وَاحِدَةً عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ) فَحِينَئِذٍ يَقَعُ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّهُ سُنِّيٌّ وُقُوعًا؛ إذْ وُقُوعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً عُرِفَ بِالسُّنَّةِ لَا إيقَاعًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا (يَقَعُ طَلَاقُ كُلِّ زَوْجٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَلَا الْمُكَاتَبُ إلَّا الطَّلَاقَ» (وَلَوْ مُكْرَهًا) فَإِنَّ طَلَاقَهُ صَحِيحٌ لَا إقْرَارَهُ بِالطَّلَاقِ (أَوْ هَازِلًا) وَهُوَ الَّذِي لَا يَقْصِدُ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (أَوْ سَفِيهًا) أَيْ ضَعِيفَ الْعَقْلِ (أَوْ سَكْرَانَ) زَائِلُ الْعَقْلِ فَإِنَّ طَلَاقَهُ وَاقِعٌ، وَكَذَا خُلْعُهُ وَإِعْتَاقُهُ (أَوْ أَخْرَسَ) فِي الْيَنَابِيعِ هَذَا إذَا وُلِدَ أَخْرَسَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ وَدَامَ، وَإِنْ لَمْ يَدُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ (بِإِشَارَتِهِ) الْمَعْهُودَةِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ إشَارَةٌ تُعْرَفُ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ فَهِيَ كَالْعِبَارَةِ مِنْ النَّاطِقِ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الْكَافِي (أَوْ سَاهِيًا) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَثَلًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ (فَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمَوْلَى) أَيْ تَطْلِيقُهُ (امْرَأَةَ عَبْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْجٍ (وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ» (وَالْمُبَرْسَمِ) مِنْ الْبِرْسَامِ بِكَسْرِ الْبَاءِ عِلَّةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْجُنُونِ (وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَعْتُوهِ) مِنْ الْعَتَهِ وَهُوَ اخْتِلَالٌ فِي الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيُشْبِهُ مَرَّةً كَلَامَ الْعُقَلَاءِ وَمَرَّةً كَلَامَ الْمَجَانِينِ (وَالنَّائِمِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُمْ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ أَوْ الْعَقْلِ فِيهِمْ (إذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (الْآخَرَ) كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (بَطَلَ النِّكَاحُ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ تُنَافِي ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَتَمْنَعُ بَقَاءَهُ (وَلَوْ حَرَّرَتْهُ) أَيْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا الْمَمْلُوكَ (حِينَ مَلَكَتْهُ فَطَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ خَرَجَتْ الْحَرْبِيَّةُ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (مُسْلِمَةً، ثُمَّ خَرَجَ) زَوْجُهَا (مُسْلِمًا فَطَلَّقَهَا فِي عِدَّتِهَا) (أَلْغَاهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (أَبُو يُوسُفَ) أَيْ قَالَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَأَوْقَعَهُ) أَيْ الطَّلَاقَ (مُحَمَّدٌ) فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِثْبَاتِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَحْكِيَ الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيهِ فَلِذَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ) أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَيَتَنَاوَلُ الْكَامِلَ وَهُوَ السُّنِّيُّ وُقُوعًا وَإِيقَاعًا. (قَوْلُهُ: لَهُ ثُمَّ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ شَيْءٌ) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا طَلُقَتْ أُخْرَى، وَكَذَا ثَالِثًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ لِلْحَالِ بِالْإِجْمَاعِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ اهـ. وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ أَنَّهُ لَوْ رَاجَعَ الْمَدْخُولَ بِهَا لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَتَطْلُقُ بَعْدَهُ فِي طُهْرَيْنِ طَلْقَتَيْنِ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكْرَهًا فَإِنَّ طَلَاقَهُ صَحِيحٌ لِإِقْرَارِهِ بِالطَّلَاقِ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقِيَامُ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ يُرَجِّحُ جَانِبَ الْكَذِبِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِنْشَاءُ؛ لِأَنَّهُ عَرَفَ الشَّيْئَيْنِ فَاخْتَارَ أَهْوَنَهُمَا، وَفَوْتُ الرَّضَاعِ لَا يُخِلُّ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَالْهَازِلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَكْرَانَ) أَيْ مِنْ مُحَرَّمٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا الْأَصَحُّ عَدَمُ وُقُوعِ طَلَاقِهِ كَمَا لَا يُحَدُّ، كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيمَا إذَا سَكِرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الْعَسَلِ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا سَكِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ فَيَقَعُ طَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. (قَوْلُهُ: زَائِلُ الْعَقْلِ) وَهُوَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلَا السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ السُّكْرُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ التَّصَرُّفَاتُ أَنْ يَصِيرَ بِحَالٍ يَسْتَحْسِنُ مَا يَسْتَقْبِحُهُ النَّاسُ وَيَسْتَقْبِحُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ النَّاسُ لَكِنَّهُ يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: بِإِشَارَتِهِ الْمَعْهُودَةِ) أَيْ الْمَقْرُونَةِ بِتَصْوِيتٍ مِنْهُ وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ أَوْ لَا اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَا تَقَعُ بِالْإِشَارَةِ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِمَا هُوَ أَدَلُّ مِنْ الْإِشَارَةِ وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَاهِيًا) يَعْنِي مُخْطِئًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْمِثَالِ وَلَا يَدِينُ لِمَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ وَفِي الْعَتَاقِ يَدِينُ وَالْغَلَطُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَيْ أَبُو يُوسُفَ لَا يَدِينُ فِيهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَالنَّائِمُ) كَذَا لَوْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ أَجَزْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ أَوْقَعْته لَا يَقَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعَادَ الضَّمِيرَ إلَى غَيْرِ مُعْتَبَرٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) يَعْنِي مِلْكًا حَقِيقِيًّا فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَزَوْجَتِهِ إذَا اشْتَرَاهَا لِقِيَامِ الرِّقِّ وَالثَّابِتُ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ النِّكَاحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَلْغَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَوْقَعَهُ مُحَمَّدٌ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ وَنَفْيُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ

[باب إيقاع الطلاق]

(وَاعْتِبَارُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ وَالْمُرَادُ عَدَدُهُ (بِالنِّسَاءِ فَطَلَاقُ الْحُرَّةِ) أَيْ جَمِيعُ طَلَاقِهَا (ثَلَاثَةٌ) حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا (وَ) طَلَاقُ (الْأَمَةِ اثْنَتَانِ) حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ بِلَا عَكْسٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَعْتَقْتُكِ تَطْلُقُ إنْ نَوَى أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ الْحَالُ، وَإِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ طَلَّقْتُكِ لَا تُعْتَقُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ الْقَيْدِ، وَلَيْسَتْ الْأُولَى لَازِمَةً لِلثَّانِيَةِ فَلَا يَصِحُّ اسْتِعَارَةُ الثَّانِيَةِ لِلْأُولَى وَيَصِحُّ الْعَكْسُ [بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ] [أَنْوَاع الطَّلَاق] بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ) الطَّلَاقُ نَوْعَانِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، الصَّرِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا ظَهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى صَارَ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ بِحَيْثُ يَسْبِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا (صَرِيحُهُ مَا) أَيْ لَفْظٌ (لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِيهِ كَطَلَّقْتُك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ) قَالَ الشَّاعِرُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَمْ تُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي الطَّلَاقِ (وَيَقَعُ بِهِ) أَيْ بِالصَّرِيحِ (وَاحِدٌ) ، أَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَلِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ حَتَّى قِيلَ لِلْمُثَنَّى طَالِقَانِ وَلِلثَّلَاثِ طَوَالِقُ فَلَا يُحْتَمَلُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَذِكْرُ الطَّلَاقِ ذِكْرٌ لِطَلَاقٍ هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ لَا لِطَلَاقٍ هُوَ تَطْلِيقٌ وَالْعَدَدُ الَّذِي يُقْرَنُ بِهِ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ مَعْنَاهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ لُغَةً وَيَدُلُّ عَلَى التَّطْلِيقِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الرَّجُلِ اقْتِضَاءً فَاَلَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ لَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدِّدٍ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا التَّعَدُّدُ فِي التَّطْلِيقِ حَقِيقَةً وَبِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِهِ يَتَعَدَّدُ لَازِمُهُ أَيْ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَرْأَةِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَأَمَّا الَّذِي هُوَ صِفَةُ الرَّجُلِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ اقْتِضَاءً وَبَيَّنَهُ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَقَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّهُ نَعْتُ فَرْدٍ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الطَّلَاقِ لَا الْمَرْأَةِ لَا يَسْتَقِيمُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَأَمَّا الْبَوَاقِي فَلِأَنَّهَا لِلْإِخْبَارِ لُغَةً، وَالشَّارِعُ نَقَلَهَا إلَى الْإِنْشَاءِ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ مَعْنَى الْإِخْبَارِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي جَمِيعِ أَوْضَاعِهِ اعْتَبَرَ الْمَعَانِيَ اللُّغَوِيَّةَ حَتَّى اخْتَارَ لِلْإِنْشَاءِ أَلْفَاظًا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مَعَانِيهَا فِي الْحَالِ كَأَلْفَاظِ الْمَاضِي فَإِذَا قَالَ طَلَّقْتُك وَهُوَ فِي اللُّغَةِ لِلْإِخْبَارِ وَجَبَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَوْصُوفَةً بِهِ فِي الْحَالِ فَيُثْبِتُ الشَّرْعُ الْإِيقَاعَ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ اقْتِضَاءً لِيَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ، فَيَكُونُ الطَّلَاقُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً فَلَا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ؛ إذْ لَا عُمُومَ لِلْمُقْتَضِي؛ وَلِأَنَّ نِيَّةَ الثَّلَاثِ إنَّمَا تَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِكَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدًا اعْتِبَارِيًّا وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الْمَجَازِ إلَّا فِي اللَّفْظِ كَنِيَّةِ التَّخْصِيصِ (رَجْعِيٌّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] ، وَقَدْ قَالُوا الْإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ هُوَ الرَّجْعَةُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَوَى وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُرَادِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِعَيْنِ الْكَلَامِ وَقَامَ مَقَامَ مَعْنَاهُ فَاسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ الْإِبَانَةِ قَصَدَ تَنْجِيزَ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَيَلْغُو قَصْدُهُ كَمَا إذَا سَلَّمَ يُرِيدُ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ، وَكَذَا نِيَّةُ الثَّلَاثِ تُعْتَبَرُ لِمُقْتَضَى اللَّفْظِ كَمَا سَنُبَيِّنُ فَتَلْغُو (وَلَا يَمْنَعُ) أَيْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ (الْإِرْثَ أَصْلًا) أَيْ لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْمَرَضِ (وَصُدِّقَ فِي نِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَيُخَالِفُهُ نَقْلُ الْكَمَالِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَقَعُ اهـ. (تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا لَوْ حَرَّرَهَا بَعْدَ شِرَائِهِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِي الْعِدَّةِ وَالْحُكْمُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ هَذَا. وَقَالَ لَا يَقَعُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَهُ قَاضِي خَانْ اهـ. فَعَلَيْهِ تَكُونُ الْفَتْوَى عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيمَا لَوْ حَرَّرَتْهُ هِيَ بَعْدَ شِرَائِهَا إيَّاهُ (بَابُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ) . (قَوْلُهُ: الطَّلَاقُ ضَرْبَانِ) أَيْ التَّطْلِيقُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: ظُهُورًا بَيِّنًا) أَيْ بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالصَّرِيحُ مَا يَقُومُ لَفْظُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا) الضَّمِيرُ لِلصَّرِيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ نَوَى وَاحِدًا بَائِنًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ) شَامِلٌ لِقَوْلِهِ وَطَلَاقٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ اللَّامِ وَالْمُحَلَّى فَيَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ كَلَامَهُ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ تَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ، وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ طَالِقٍ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا (قُلْنَا) إنَّهُ يُرَادُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَاتُ طَلَاقٍ أَوْ يَجْعَلُ ذَاتَهَا طَلَاقًا لِلْمُبَالَغَةِ فَلَا يَرِدُ الْإِيرَادُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالتَّبْيِينِ

الْوَثَاقِ دِيَانَةً) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ عَدْلٍ عِنْدَهَا لَكِنْ تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ) أَيْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَنْ وَثَاقٍ (صُدِّقَ مُطْلَقًا) أَيْ لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً (وَفِي نِيَّةِ الْعَمَلِ لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا) لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ لِرَفْعِ الْقَيْدِ وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْعَمَلِ (كَذَا) أَيْ كَمَا ذَكَرَ مِنْ الصُّوَرِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ (أَنْتِ الطَّلَاقُ أَوْ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً لَكِنْ يَقَعُ بِهَا) أَيْ بِهَذَا الصُّوَرِ (وَاحِدٌ رَجْعِيٌّ إنْ لَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُرَادِ (أَوْ ثِنْتَيْنِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَدَدٌ مَحْضٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْفَرْدُ (وَإِنْ نَوَى تَمَامَ الْعَدَدِ) وَهُوَ الثَّلَاثُ فِي الْحُرَّةِ وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ (صَحَّ) لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ مُفْرَدٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ وَالثَّلَاثُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ لِكَوْنِهِ تَمَامَ الْجِنْسِ، وَكَذَا الثِّنْتَانِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ مَحْضٌ فَلَا تَصِحُّ نِيَّتُهُمَا (إنْ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ، وَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا (أَوْ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا كَالرَّقَبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] (وَالْعُنُقِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] (وَالرُّوحِ) يُقَالُ هَلَكَ رُوحُهُ (وَالْبَدَنِ وَالْجَسَدِ وَالْفَرْجِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» (وَالْوَجْهِ) يُقَالُ يَا وَجْهَ الْعَرَبِ (وَالرَّأْسِ) فُلَانٌ رَأْسُ الْقَوْمِ (أَوْ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَنِصْفِهَا وَثُلُثِهَا وَقَعَ) أَيْ الطَّلَاقُ جَزَاءً لِقَوْلِهِ إنْ أَضَافَ فَإِنَّ الْجُزْءَ الشَّائِعَ مَحَلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَكِنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتُ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً. (وَ) إنْ أَضَافَهُ (إلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَالْقَلْبِ لَا) أَيْ لَا تَطْلُقُ؛ إذْ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْكُلِّ فَإِنْ قِيلَ الْيَدُ وَالْقَلْبُ عَبَّرَ بِهِمَا عَنْ الْكُلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ» وقَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وقَوْله تَعَالَى {مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63] أَيْ بَيْنَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63] أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِمْرَارُ اسْتِعْمَالِهِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنَّمَا جَاءَ عَلَى وَجْهِ النُّدْرَةِ حَتَّى إذَا كَانَ عِنْدَ قَوْمٍ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَيَّ عُضْوٍ كَانَ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ . (وَ) يَقَعُ (بِنِصْفِ طَلْقَةٍ) أَوْ ثُلُثِهَا وَفَاعِلُ يَقَعُ الْمُقَدَّرُ قَوْلُهُ الْآتِي وَاحِدَةٌ يَعْنِي إذَا طَلَّقَهَا نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ أَوْ ثُلُثَهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَكَذَا كُلُّ جُزْءٍ شَائِعٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ. (وَ) يَقَعُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ وَإِلَى ثَلَاثٍ) أَيْ يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ، أَوْ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ (ثِنْتَانِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْأُولَى عِنْدَهُ تَدْخُلُ تَحْتَ الْمُغَيَّا لَا الثَّانِيَةُ، وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْأُولَى ثِنْتَانِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ،. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْأُولَى شَيْءٌ وَفِي الثَّانِيَةِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ. (وَ) يَقَعُ (بِثَلَاثِ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ) ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الطَّلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَنْصَافٍ يَكُونُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ) لَعَلَّ إنَّمَا قَالَ يَعْنِي وَحَصَرَ شَرْحَهُ بِالتَّصْوِيرِ بِطَالِقٍ؛ لِأَنَّ الْمَتْنَ شَامِلٌ لِقَوْلِهِ مُطَلَّقَةٌ وَطَلَاقٌ فَيُنْظَرُ هَلْ تَعْمَلُ نِيَّةُ الطَّلَاقِ عَنْ وَثَاقٍ فِيهِمَا دِيَانَةً أَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ كَالْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ. . . إلَخْ) فَتَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهَا بِغَيْرِ الْقَتْلِ عَلَى الْمُخْتَارِ لِلْفَتْوَى وَعَلَى الْقَوْلِ بِقَتْلِهِ نَقْتُلُهُ بِالدَّوَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَمْ يَكُنْ قَرُبَهَا فِيهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعِدَّةُ قَائِمَةً فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ رَجْعِيٌّ فَلَا تَمْنَعُهُ عَنْ نَفْسِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ صُدِّقَ مُطْلَقًا) هَذَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَدَدِ فَلَوْ قَالَ طَالِقٌ ثَلَاثًا مِنْ هَذَا الْقَيْدِ وَقَعَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى تَمَامَ الْعَدَدِ صَحَّ) ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ قَوْلِهِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةٌ بِتَاءِ الْوَحْدَةِ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ قَبْلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَسَنَذْكُرُ فِي الْكِنَايَاتِ عَنْ الْكَافِي أَنَّ التَّنْصِيصَ عَنْ الْوَاحِدَةِ يُنَافِي نِيَّةَ الثَّلَاثِ اهـ. وَذَكَرَ الْكَمَالُ فِي الْكِنَايَاتِ أَنَّ الْمَصْدَرَ الْمَحْدُودَ بِالْهَاءِ لَا يَتَجَاوَزُ الْوَاحِدَةَ. (قَوْلُهُ: وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّتُهُمَا فِي الْحُرَّةِ، وَلَوْ سَبَقَ لَهَا طَلْقَةٌ وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ صِحَّةِ نِيَّتِهِمَا فِيمَنْ سَبَقَ تَطْلِيقُهَا سَهْوٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَضَافَ. . . إلَخْ) الْإِضَافَةُ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَبِالتَّجَوُّزِ فِيمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَرَقَبَتُك وَسَوَاءٌ أَشَارَ إلَى مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجَسَدِ كَهَذَا الرَّأْسِ أَمْ قَالَ رَأْسُك، أَمَّا لَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى نَحْوِ الرَّقَبَةِ فَقَالَ هَذَا الْعُضْوُ طَالِقٌ أَوْ قَالَ الرَّقَبَةُ مِنْك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ عِبَارَةً عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ جَوَابَ الشَّرْطِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْقَوْلَةِ لِيَحْسُنَ اسْتِدْلَالُهُ لِإِطْلَاقِ نَحْوِ الرَّقَبَةِ عَلَى إرَادَةِ الذَّاتِ فِيمَا عُطِفَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْجُ) كَذَا الِاسْتُ فَيَقَعُ بِقَوْلِهِ اسْتُك طَالِقٌ

(وَ) يَقَعُ بِثَلَاثَةِ أَنْصَافِ (طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ) ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ تَكُونُ طَلْقَةً وَنِصْفًا فَيَتَكَامَلُ النِّصْفُ فَيَحْصُلُ طَلْقَتَانِ (وَقِيلَ) يَقَعُ (ثَلَاثٌ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِصْفٍ يَتَكَامَلُ فَيَحْصُلُ ثَلَاثٌ (وَوَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ يَقَعُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً (فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ) لِكَوْنِهِ صَرِيحًا (أَوْ نَوَى الضَّرْبَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ شَيْئًا فِي الْمَضْرُوبِ (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَانَ فِي الْمَوْطُوءَةِ (وَفِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ) أَيْ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَنَوَى وَثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةً (كَوَاحِدَةٍ وَثِنْتَيْنِ) أَيْ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ حَيْثُ يَقَعُ وَاحِدَةً وَلَا يَبْقَى لِلثِّنْتَيْنِ مَحَلٌّ، وَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ. (وَ) يَقَعُ (بِثِنْتَيْنِ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ (فِي ثِنْتَيْنِ بِنِيَّةِ الضَّرْبِ ثِنْتَانِ) لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْمَضْرُوبِ شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُحْتَمَلُ اللَّفْظِ . (وَ) يَقَعُ (بِمِنْ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ (هُنَا إلَى الشَّامِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ) . وَقَالَ زُفَرُ هِيَ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالطُّولِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَوِيلَةً، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ كَانَ بَائِنًا، كَذَا هُنَا، قُلْنَا لَا، بَلْ وَصَفَهُ بِالْقِصَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ وَقَعَ فِي الْأَمَاكِنِ كُلِّهَا وَنَفْسُ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَمِلُ الْقِصَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَقَصْرُ حُكْمِهِ بِكَوْنِهِ رَجْعِيًّا (وَقَوْلُهُ) أَنْتِ طَالِقٌ (بِمَكَّةَ أَوْ فِي مَكَّةَ أَوْ فِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ) يَقَعُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِمَكَانٍ، وَلَوْ عَنَى بِهِ التَّعْلِيقَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَوْبِ كَذَا تَنْجِيزٌ، وَلَوْ نَوَى التَّعْلِيقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الظِّلِّ أَوْ فِي الشَّمْسِ (وَقَوْلُهُ) أَنْتِ طَالِقٌ (إذَا دَخَلْت مَكَّةَ، وَ) قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ (فِي دُخُولِك الدَّارَ تَعْلِيقٌ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ وَالْفِعْلُ لَا يَصْلُحُ لِلظَّرْفِيَّةِ حَقِيقَةً فَيُحْمَلُ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ فَإِنَّ الْمَظْرُوفَ يُجَامِعُ الظَّرْفَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَشْرُوطُ يُجَامِعُ الشَّرْطَ وَلَا يُوجَدُ بِدُونِهِ وَالشَّرْطُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَكَذَا الظَّرْفُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْمَظْرُوفِ فَتَقَارَبَا فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ (وَبَانَتْ) أَيْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ (طَالِقٌ غَدًا أَوْ فِي غَدٍ يَقَعُ) أَيْ الطَّلَاقُ (عِنْدَ الصُّبْحِ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ (وَصَحَّ فِي الثَّانِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ فِي غَدٍ (نِيَّةُ الْعَصْرِ) يَعْنِي آخِرَ النَّهَارِ وَمُرَادُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا دِيَانَةً فَيُصَدَّقُ فِيهِمَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِمَا قَضَاءً وَيُصَدَّقُ فِيهِمَا دِيَانَةً. (وَفِي) أَنْتِ طَالِقٌ (الْيَوْمَ غَدًا أَوْ غَدًا الْيَوْمَ يُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ) وَيَلْغُو الثَّانِي يَعْنِي طَلَّقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْغَدِ وَفِي الثَّانِيَةِ تَطْلُقُ فِي الْغَدِ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ إذَا ذَكَرَ ثَبَتَ حُكْمُهُ تَعْلِيقًا أَوْ تَنْجِيزًا فَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْبِيرَ بِذِكْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَقْبَلُ التَّنْجِيزَ وَالْمُنَجَّزَ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إذَا جَاءَ غَدٌ حَيْثُ لَا يَقَعُ قَبْلَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَجِيءِ غَدٍ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ، وَذَكَرَ الْيَوْمَ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّعْلِيقِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوَّلًا أَوْ مَعَ مَوْتِي أَوْ مَعَ مَوْتِك لَغْوٌ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصْفَ مَتَى قُرِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَثَلَاثَةُ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ) قَالَ الْعَتَّابِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) يَشْمَلُ الَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ مَعَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ اهـ. فَقَيْدُ الدُّخُولِ خَاصٌّ بِالصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَجِبُ إطْلَاقُ الْأُولَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ لَا يَفْتَرِقُ فِيهَا حَالُ الدُّخُولِ عَنْ عَدَمِهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَهُ كَوَاحِدَةٍ فِي ثِنْتَيْنِ أَنَّ فِي تَأْتِي بِمَعْنَى مَعَ

بِالْعَدَدِ كَانَ الْوُقُوعُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ الشَّكُّ دَاخِلًا فِي الْإِيقَاعِ فَلَا يَقَعُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْإِيقَاعِ وَمَوْتُهَا يُنَافِي مَحَلِّيَّةَ الْوُقُوعِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا (كَذَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك أَوْ أَمَسَّ وَنَكَحَهَا الْيَوْمَ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهُ فِيهِ فَلَغَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي أَوْ طَلَّقْتُك وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ أَنْ أَشْتَرِيَك أَوْ أَنْتَ حُرٌّ أَمْسِ، وَقَدْ اشْتَرَاهُ الْيَوْمَ حَيْثُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِهِ أَلَا يُرَى مَنْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِنْ نَكَحَهَا قَبْلَ أَمْسِ وَقَعَ الْآنَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إخْبَارًا عَنْ طَلَاقِ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ طَلَاقِ غَيْرِهِ لِانْعِدَامِهِمَا فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْإِسْنَادِ فَتَعَيَّنَ الْإِنْشَاءُ فِي الْحَالِ (قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ وَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرَيْنِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي أَوْ قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرَيْنِ يَعْنِي وَمَاتَ لِتَمَامِهِ عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ وَتَرِثُ مِنْهُ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِهِ مُقْتَصِرًا كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَهُ يَقَعُ مُسْتَنِدًا حَتَّى إذَا كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا تَرِثُ مِنْهُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ ثَلَاثُ حِيَضٍ. اهـ. (أَقُولُ) فِي الْحُكْمِ بِعَدَمِ تَوْرِيثِهَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ فَمَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً وَمَاتَ فِيهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً تَأَمَّلْته فَظَهَرَ لِي وَجْهُ النَّظَرِ مِنْ وُجُوهٍ، الْأَوَّلُ أَنَّ الطَّلَاقَ مُقَيَّدٌ بِالثَّلَاثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَتَرَكَ الْقَيْدَ فِي الدُّرَرِ وَهُوَ مُخِلٌّ بِالْحُكْمِ لِافْتِرَاقِ الْبَائِنِ عَنْ الرَّجْعِيِّ حُكْمًا، وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ فِي الدُّرَرِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْجَامِعِ وَالْوُقُوعُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْطِ فَإِنَّ الشَّرْطَ مَا كَانَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَقُدُومِ زَيْدٍ، وَجَائِزٌ أَنْ لَا يَقْدَمَ وَالْمَوْتُ الْمُضَافُ الطَّلَاقُ لِمَا قَبْلَهُ بِكَذَا كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ فَكَانَ مُعَرِّفًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ عَرَّفَهُ بِمَعْنًى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ فَكَانَ مُعَرَّفًا فَيَقَعُ الْجَزَاءُ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ مُسْتَنِدًا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ، وَالثَّالِثِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَنْقَضِي بِشَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَكِنَّهُ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ بَعْدَهُ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ ضَعِيفًا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَجْهَهُ فَإِنَّ مَنْعَهَا الْمِيرَاثِ بِإِمْكَانِ انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ لَا وَجْهَ لَهُ لِكَوْنِ الزَّوْجِ فَارًّا؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ فِي تَصْوِيرِ هَذِهِ بِمَا دُونَ شَهْرَيْنِ وَنَصُّهُ: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ فَمَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ وَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَطْلُقُ وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا لَكِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِمَا دُونَ الشَّهْرَيْنِ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ وَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ اهـ. فَلَوْلَا الْفِرَارُ مَا وَرِثَتْ بِمَوْتِهِ فِي عِدَّتِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ عِدَّةَ زَوْجَةِ الْفَارِّ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَبِمُضِيِّ ثَلَاثِ حَيْضٍ فِي شَهْرَيْنِ بِالْحَقِيقَةِ لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَيَبْقَى مِنْهَا شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ لِإِتْمَامِ أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ فَتَرِثُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ مُضِيِّهِ فَكَيْفَ تُمْنَعُ بِمُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ بِإِمْكَانِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِيهَا هَذَا مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّهُ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ اسْتِنَادُ الْعِدَّةِ كَالطَّلَاقِ بِمَبْدَأِ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَنَصُّهُ: وَأَمَّا الْعِدَّةُ فَقَدْ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَجِبُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ اهـ. فَكَانَ فِي اقْتِصَارِ صَاحِبِ الدُّرَرِ عَلَى نَقْلِهِ ذَلِكَ قُصُورٌ عَنْ الْوُصُولِ لِلصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَالْعُذْرُ لَهُ عَدَمُ مُطَالَعَةِ تَمَامِ الْبَابِ وَانْقِطَاعُ الْكَلَامِ الَّذِي يَلِي مَا نَقَلَهُ عَنْ تَعَلُّقِهِ بِهِ لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَعَادَ فَذَكَرَ الصَّحِيحَ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ اقْتِصَارُ الْعِدَّةِ عَلَى وَقْتِ الْمَوْتِ وَلَا يَلْزَمُ اسْتِنَادُهَا لِأَوَّلِ الْمُدَّةِ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَثْبُتُ مَعَ الشَّكِّ وَلَازِمُ الشَّيْءِ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ لِمُقْتَضٍ لَهُ كَتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ كَالطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ إذَا عَيَّنَهُ بَعْدَ مُضِيِّ ثَلَاثِ حِيَضٍ لِكُلٍّ مِنْ امْرَأَتَيْنِ قَالَ لَهُمَا إحْدَاكُمَا طَالِقٌ كَانَ الْعِدَّةُ عَلَى الَّتِي عَيَّنَهَا مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ، وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي مَتْنِ الصَّدْرِ سُلَيْمَانَ وَشَرْحِهِ لِلْفَخْرِ عُثْمَانَ الْمَارْدِينِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ فَقَالَ: أَمَّا الْعِدَّةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الضَّعِيفَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ فَكَانَ هَذَا الرَّابِعُ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ، ثُمَّ إنَّ الْمَارْدِينِيَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ التَّفْرِيعُ فِي الْإِرْثِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَتَأَتَّى عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنَّ عِدَّتَهَا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فَتَرِثُ عِنْدَ الْإِمَامِ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ الصَّدْرِ سُلَيْمَانَ فِي مَتْنِهِ وَلَا يَتَأَتَّى أَيْ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الْعِدَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَتَوَقَّفُ إرْثُهَا عَلَيْهَا فَتَرِثُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا مَضَى؛ إذْ لَا يَظْهَرُ الِاسْتِنَادُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّهَا الْمُتَعَلِّقِ بِمَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْفَرْعِ الَّذِي قَالَهُ الْكَمَالُ بِمَنْعِ إرْثِهَا بِمُضِيِّ شَهْرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ مَا فِي مَنْظُومَةِ الْإِمَامِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا هُوَ عَلَى الضَّعِيفِ، وَقَدْ تَبِعَهُ شُرَّاحُهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذِكْرِ الصَّحِيحِ مِنْهُمْ حَيْثُ قَالَ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْتِ كَذَا قَبْلَ مَمَاتِ مَنْ ذَكَرَ ... بِمُدَّةٍ مُسْتَنِدٌ لَا مُقْتَصِرٌ فَلَمْ تَرِثْ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ كَذَا ... قَبْلَ وَفَاتِي بِكَذَا إذَا مَضَى

شَهْرَيْنِ (لَمْ تَطْلُقْ) لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَا مِيرَاثَ لَهَا) ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَنْقَضِي بِشَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى لَمْ أُطَلِّقْك أَوْ مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْك وَسَكَتَ طَلُقَتْ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ، وَقَدْ وُجِدَ حَيْثُ سَكَتَ فَإِنَّ مَتَى صَرِيحٌ فِي الْوَقْتِ لِكَوْنِهَا مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ وَمَا أَيْضًا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ. (وَ) لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ (إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لَا) أَيْ لَا تَطْلُقُ بِالسُّكُوتِ، بَلْ يَمْتَدُّ النِّكَاحُ (حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا) قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ (وَإِذَا وَإِذَا مَا بِلَا نِيَّةٍ كَانَ عِنْدَهُ وَمَتَى عِنْدَهُمَا) ، وَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُمَا (وَإِنْ نَوَى الْوَقْتَ أَوْ الشَّرْطَ فَذَاكَ) لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ كُلًّا مِنْهُمَا. (وَفِي) (قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ بِالْأَخِيرَةِ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ ثِنْتَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ التَّطْلِيقِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ زَمَانُ اشْتِغَالِهِ بِالطَّلَاقِ قُبَيْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ الْبِرِّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ الْقَدْرِ عَنْ الْيَمِينِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ لَابِسُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَفِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَنَكَحَهَا لَيْلًا حَنِثَ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) اعْلَمْ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ الْإِنْهَارُ، وَإِذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ ظَرْفَ الزَّمَانِ إذَا تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ بِلَا لَفْظِ فِي يَكُونُ مِعْيَارًا لَهُ كَقَوْلِهِ صُمْت السَّنَةَ بِخِلَافِ صُمْت فِي السَّنَةِ فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مُمْتَدًّا كَالْأَمْرِ بِالْيَدِ كَانَ الْمِعْيَارُ مُمْتَدًّا فَيُرَادُ بِالْيَوْمِ النَّهَارُ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُمْتَدٍّ كَوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَانَ الْمِعْيَارُ غَيْرَ مُمْتَدٍّ فَيُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَتَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي التَّلْوِيحِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِيهِ (وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ مَعَ عِتْقِ سَيِّدِك فَأَعْتَقَ سَيِّدُهَا لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (الرَّجْعَةُ) يَعْنِي رَجُلٌ تَزَوَّجَ أَمَةَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَهَا هَذِهِ الْعِبَارَةُ فَأَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَطَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ فِي حَقِّ الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ لَكِنَّهُ يَمْلِكُهَا؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمَوْلَى شَرْطٌ لِلتَّطْلِيقِ وَلَا يُنَافِيهِ لَفْظُ مَعَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى بَعْدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5] ، فَيَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ حُرَّةٌ فَلَا يَكُونُ تَمَامُ طَلَاقِهَا ثِنْتَيْنِ، بَلْ ثَلَاثًا فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الثِّنْتَيْنِ (وَلَوْ عُلِّقَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عِتْقُهَا وَطَلَّقْتهَا بِمَجِيءِ الْغَدِ) يَعْنِي قَالَ الْمَوْلَى إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، وَقَالَ الزَّوْجُ إذَا جَاءَ الْغَدُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ (فَجَاءَ) الْغَدُ (لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ مُقَارِنٌ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَهِيَ أَمَةٌ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْعِتْقَ هُنَاكَ مُقَدَّمٌ رُتْبَةً كَمَا عَرَفْت،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَسْرَعُ وُقُوعًا لِكَوْنِهِ رُجُوعًا إلَى الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ أَبْغَضُ الْمُبَاحَاتِ (بَلْ تَعْتَدُّ كَالْحُرَّةِ) بِالِاتِّفَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ (تَطْلُقُ) الْمَرْأَةُ (بِأَنَا) أَيْ بِقَوْلِ الزَّوْجِ أَنَا (مِنْك بَائِنٌ أَوْ عَلَيْك حَرَامٌ إنْ نَوَى لَا بِأَنَا مِنْك طَالِقٌ وَإِنْ نَوَى) ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقُلْت لَزِمَ عَلَيْنَا نَظْمُ الصَّحِيحِ لِيَتَنَبَّهَ لَهُ الْحَاذِقُ النِّحْرِيرُ الْفَصِيحُ (فَقُلْت) تَفْرِيعُهُ بِمَنْعِهَا عَنْ إرْثِهَا ... فَرْعُ اسْتِنَادِ عِدَّةٍ كَانَتْ لَهَا مَبْدَؤُهَا الْوُقُوعُ لِلطَّلَاقِ ... وَالرَّاجِحُ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ لِعِدَّةٍ عَلَى وَفَاةِ الْفَانِي ... وَرَّثَهَا الْإِمَامُ وَالشَّيْخَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فِي التَّخْرِيجِ ... أَنْقَيْته مِنْ مُتْعَبٍ مَرِيجٍ وَتَمَامُهُ مَبْسُوطٌ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا الْفَرِيدَةَ بَيْنَ الْإِعْلَامِ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَمْتَدُّ النِّكَاحُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا) يُفِيدُ أَنَّ مَوْتَهَا كَمَوْتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَيْسَ مِثْلُ هَذَا حَلِفُهُ عَلَى الدُّخُولِ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا بِخِلَافِ إنْ لَمْ أُطَلِّقْك لِتَحَقُّقِ الْيَأْسِ بِمَوْتِهِ فَيَحْنَثُ قُبَيْلَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ أَتَزَوَّجُك) الْيَوْمُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ قَالَهُ نَضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالنَّهَارُ الْبَيَاضُ خَاصَّةً وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: الْيَوْمُ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ يَمْتَدُّ. . . إلَخْ) قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الِامْتِدَادِ وَعَدَمِهِ الْجَزَاءُ وَهُوَ الطَّلَاقُ هُنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ تَسَامَحَ فَاعْتَبَرَ الْمُضَافَ إلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْجَوَابُ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِهِ الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ مِمَّا يَمْتَدُّ نَحْوُ أَمْرُك بِيَدِك يَوْمَ يَسِيرُ فُلَانٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ الْأَوْجَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِالْأَوْجَهِ وَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي (قَوْلُهُ: مَعَ عِتْقِ سَيِّدِك) لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَفْعُولِ كَالْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ مَعَ عِتْقِ مَوْلَاك إيَّاكَ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِعَارَةِ الْحُكْمِ لِلْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِعْتَاقُ

لِإِزَالَةِ الْقَيْدِ وَهُوَ فِيهَا دُونَ الزَّوْجِ، وَلَوْ كَانَ لِإِزَالَةِ الْمِلْكِ فَهُوَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَالزَّوْجُ مِلْكٌ بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ؛ لِأَنَّهَا لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ وَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا وَبِخِلَافِ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ الْحِلِّ وَهُوَ أَيْضًا مُشْتَرَكٌ فَصَحَّتْ إضَافَتُهُمَا إلَيْهِمَا وَلَا يَصِحُّ إضَافَةُ الطَّلَاقِ إلَّا إلَيْهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَا طَلَاقَ بَعْدَ مَا مَلَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ شِقْصَهُ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَ قَبْلَ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا مَلَكَ الْآخَرَ بَطَلَ النِّكَاحُ فَإِنَّهُ إذَا بَطَلَ لَمْ يَحْتَمِلْ الْوُقُوعَ. (وَ) يَقَعُ (بِأَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا يُشِيرُ بِبَطْنِ الْإِصْبَعِ بِعَدَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَقَعُ الْمُقَدَّرِ (الْمَنْشُورِ) أَيْ الْمَنْصُوبِ مِنْ الْإِصْبَعِ. (وَ) يَقَعُ بِمَا ذَكَرَ مُشِيرًا (بِظَهْرِهِ بِعَدَدِ الْمَضْمُومِ) فَإِنَّهُ إذَا أُشِيرَ بِالْإِصْبَعِ الْمَنْشُورِ فَالْعَادَةُ أَنْ يَكُونَ بَطْنُ الْكَفِّ فِي جَانِبِ الْمُخَاطَبِ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْمَنْشُورِ، وَإِذَا عَقَدَ الْإِصْبَعَ يَكُونُ بَطْنُ الْكَفِّ فِي جَانِبِ الْعَاقِدِ فَيُعْتَبَرُ الْعَدَدُ الْمَضْمُومُ اعْتِبَارًا بِطَرِيقِ الْحِسَابِ وَعُرْفِهِمْ. (وَ) يَقَعُ (بِأَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ أَشَدُّ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشُهُ أَوْ أَخْبَثُهُ أَوْ طَلَاقُ الشَّيْطَانِ أَوْ) طَلَاقُ (الْبِدْعَةِ أَوْ) طَلَاقًا (كَالْجَبَلِ أَوْ كَأَلْفٍ أَوْ مِلْءَ الْبَيْتِ أَوْ تَطْلِيقَةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ طَوِيلَةٌ أَوْ عَرِيضَةٌ بِلَا نِيَّةِ ثَلَاثٍ) يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ عَدَدًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَهَذَا فِي الْحُرَّةِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَثِنْتَانِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِمَا مَرَّ مِرَارًا (وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) فَاعِلُ يَقَعُ الْمُقَدَّرُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي إذَا وَصَفَ الطَّلَاقَ بِضَرْبٍ مِنْ الزِّيَادَةِ أَوْ الشِّدَّةِ كَانَ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ، فَيَكُونُ هَذَا الْوَصْفُ لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ. (وَ) يَقَعُ (بِهَا) أَيْ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ (ثَلَاثٌ) لِمَا مَرَّ أَنَّهَا تَمَامُ الْجِنْسِ فَيَحْتَمِلُهَا اللَّفْظُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ (قَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً، وَإِذَا قَالَ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَقَعْنَ؛ لِأَنَّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا إلَى عِدَّةٍ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثًا يُصَادِفُهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَطَفَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَوْقَعْت عَلَيْك ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَلَنَا أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ الْعَدَدَ كَانَ الْوُقُوعُ بِالْعَدَدِ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ الْعَطْفِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (وَإِنْ فَرَّقَ) أَيْ الطَّلَاقَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ (بَانَتْ بِالْأُولَى) لَا إلَى عِدَّةٍ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا (وَلَمْ تَقَعْ الثَّانِيَةُ) لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ (وَيَقَعُ) أَيْ الطَّلَاقُ (بِعَدَدٍ قُرِنَ بِهِ) أَيْ بِالطَّلَاقِ (لَا بِهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً يَقَعُ الطَّلَاقُ بِوَاحِدَةٍ لَا بِأَنْتِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ مَوْقُوفٌ عَلَى ذِكْرِ الْعَدَدِ فَلَا يُفِيدُ الْحُكْمَ قَبْلَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (فَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ لَغَا) أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ قَيَّدَ بِمَوْتِهَا؛ إذْ بِمَوْتِ الزَّوْجِ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فِي مَوْتِهَا وَذِكْرُ الْعَدَدِ يَحْصُلُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَفِي مَوْتِ الزَّوْجِ ذَكَرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ ثَلَاثًا فَأَخَذَ رَجُلٌ فَاهُ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا بَعْدَ ذِكْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَقَعُ بِأَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا) قَيَّدَ بِهَكَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مُشِيرًا بِالْأَصَابِعِ تَقَعُ وَاحِدَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: يُشِيرُ بِبَطْنِ الْأُصْبُعِ بِعَدَدِ الْمَنْشُورِ وَبِظَهْرِهِ بِعَدَدِ الْمَضْمُومِ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَبَرُ الْمَنْشُورُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمَضْمُومَةُ مُطْلَقًا قَضَاءً لِلْعُرْفِ وَالسُّنَّةِ وَتُعْتَبَرُ دِيَانَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمَوَاهِبِ وَقَاضِي خَانْ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَ النَّشْرُ لَوْ عَنْ طَيٍّ وَالطَّيُّ لَوْ عَنْ نَشْرٍ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بَطْنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ فَالْمَنْشُورُ، وَإِنْ إلَى الْأَرْضِ فَالْمَضْمُومُ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَوِيلَةً أَوْ عَرِيضَةً. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طُولَ كَذَا وَكَذَا أَوْ عَرْضَ كَذَا وَكَذَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا تَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَاهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَقَعُ بِهَا ثَلَاثٌ بِالنِّيَّةِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ. وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي طَالِقٍ تَطْلِيقَةً شَدِيدَةً أَوْ عَرِيضَةً أَوْ طَوِيلَةً؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى التَّطْلِيقَةِ وَأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَةَ وَنَسَبَهُ إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَ بِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمُحْتَمَلِ وَتَطْلِيقَةُ بِنَاءِ الْوَحْدَةِ لَا تَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ

الطَّلَاقِ يَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِهِ لَا بِقَصْدِهِ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ . (وَ) يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ (بِوَاحِدَةٍ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ (وَوَاحِدَةٍ أَوْ قَبْلَ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْبَوَاقِي فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْأُولَى فِيهَا وُصِفَتْ بِالْقَبْلِيَّةِ، فَلَمَّا وَقَعَتْ لَمْ يَبْقَ لِلثَّانِيَةِ مَحَلٌّ. (وَ) يَقَعُ (بِوَاحِدَةٍ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً (قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ أَوْ بَعْدَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ) طَلْقَتَانِ (ثِنْتَانِ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ صِفَةُ الثَّانِيَةِ لِاتِّصَالِهَا بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ فَاقْتَضَى إيقَاعَهَا فِي الْمَاضِي وَإِيقَاعَ الْأُولَى فِي الْحَالِ لَكِنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَرِنَانِ فَيَقَعَانِ مَعًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةٌ لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي الْحَالِ وَإِيقَاعَ الْأُخْرَى قَبْلَ هَذِهِ فَيَقْتَرِنَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَلِأَنَّ مَعَ لِلْقِرَانِ. (وَ) يَقَعُ (بِإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً) طَلْقَةً (وَاحِدَةً إنْ دَخَلَتْ) الدَّارَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَفِي الْمُنْجَزِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ إذْ لَمْ يَبْقَ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مَحَلٌّ فَكَذَا هُنَا (وَإِنْ أَخَّرَ الشَّرْطَ) ، وَقَالَ لِغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ (فَثِنْتَانِ) ؛ لِأَنَّ الْجُزْأَيْنِ يَتَعَلَّقَانِ بِالشَّرْطِ دُفْعَةً فَيَقَعَانِ كَذَلِكَ. (وَفِي الْمَوْطُوءَةِ ثِنْتَانِ فِي كُلِّهَا) لِبَقَاءِ أَثَرِ النِّكَاحِ بِوُجُودِ الْعِدَّةِ هَذَا هُوَ الْمَحَلُّ لِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْوِقَايَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا (قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (خِيَارُ التَّعْيِينِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلَاقٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الْإِيلَاءِ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَعْنَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إيقَاعٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً، وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ لَا يُقَالُ النَّصُّ قَدْ وَرَدَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَا دَلَالَةَ فِي النَّصِّ عَلَى دُخُولِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ (لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَةٌ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ أَوْ قَالَ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ قِسْمَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُنَّ فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَانِ هَكَذَا إلَى ثَمَانِ تَطْلِيقَاتٍ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا) ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَكِنَايَتُهُ) وَهِيَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا اسْتَتَرَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ) أَيْ وَجْهُهُ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِمَا ذُكِرَ عَمَّا لَوْ قَالَ وَاحِدَةً وَنِصْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَأُخْرَى أَوْ وَاحِدَةً وَعُشْرَيْنِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ثِنْتَانِ وَالثَّالِثِ ثَلَاثٌ، أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا عِبَارَةٌ أَخْصَرُ مِنْهُمَا فَكَانَ فِيهِمَا ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ وَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَثْنِيَتُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ أُخْرَى ابْتِدَاءً وَاسْتِقْلَالًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْبَوَاقِي) مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ الْجَمْعِ وَإِرَادَةِ الْمُثَنَّى؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ صُورَتَانِ وَاحِدَةٌ قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَوَاحِدَةٌ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ. (قَوْلُهُ: فَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ الْأُولَى فِيهَا وُصِفَتْ بِالْقَبْلِيَّةِ) يَعْنِي بِالصَّرَاحَةِ فِيمَا صَرَّحَ فِيهَا بِالْقَبْلِيَّةِ وَبِاللَّازِمِ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ؛ لِأَنَّ الْبَعْدِيَّةَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ صِفَةُ الْأَخِيرَةِ فَوَقَعَتْ الْأُولَى قَبْلَهَا ضَرُورَةً. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُنْجَزِ وَتَقَعُ وَاحِدَةً؛ إذْ لَا يَبْقَى لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ مَحَلٌّ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ ذَكَرَ الثَّالِثَ (قَوْلُهُ: قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ. وَفِي الْفَتَاوَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقِيلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَالْبَيَانُ إلَيْهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا. . . إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أُعِيدَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَنْوِيَ قِسْمَةً كُلَّ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُنَّ فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا) يَعْنِي فِي غَيْرِ قَوْلِهِ بَيْنَكُنَّ تَطْلِيقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ بِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَرْبَعِ يُصِيبُ كُلَّ زَوْجَةٍ رُبُعٌ مِنْ كُلِّ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيُكْمِلُ كُلَّ رُبُعٍ طَلْقَةً فَيَصِيرُ الْمُجْتَمِعُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ ضَرُورَةً وَبِقِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ كَذَلِكَ وَزِيَادَةً، وَأَمَّا بِقِسْمَةِ الْوَاحِدَةِ بَيْنَهُنَّ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ رُبُعٌ وَبِقِسْمَةِ كُلٍّ مِنْ الثِّنْتَيْنِ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدَةٍ رُبُعٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَيَجْتَمِعُ لِكُلٍّ رُبُعَانِ فَلَا تَطْلُقُ كُلُّ زَوْجَةٍ ثَلَاثًا فِيهِمَا، وَلَوْ نَوَى؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ مُنْقَسِمَةٌ ضَرُورَةً أَرْبَاعًا وَالرُّبُعُ لَا يَصِيرُ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ الرُّبُعَانِ مِنْ قِسْمَةِ كُلٍّ مِنْ الطَّلْقَتَيْنِ عَلَيْهِنَّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، ثُمَّ رَأَيْته نَصًّا بِفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ بَيْنَكُنَّ خَمْسُ تَطْلِيقَاتٍ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَاقَانِ هَكَذَا إلَى ثَمَانٍ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى انْقِسَامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَلَيْهِنَّ طَلُقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا وَلَا يَخْفَى التَّوْجِيهُ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّنْقِيحِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَتِرُ الْمُرَادُ فَصَرِيحٌ وَإِلَّا فَكِنَايَةٌ فَالْحَقِيقَةُ الَّتِي لَمْ تُهْجَرْ صَرِيحٌ وَاَلَّتِي هُجِرَتْ وَغَلَبَ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ كِنَايَةٌ وَالْمَجَازُ الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالُ صَرِيحٌ وَغَيْرُ الْغَالِبِ كِنَايَةٌ اهـ. وَقَالَ فِي الْمَنَارِ وَكِنَايَاتُ

هَا هُنَا (مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ) أَيْ لِلطَّلَاقِ (وَاحْتَمَلَهُ وَغَيْرَهُ) فَلَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوضَعْ لَهُ وَاحْتَمَلَتْهُ وَغَيْرَهُ وَجَبَ التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ أَوْ دَلَالَةِ التَّعْيِينِ كَحَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ وَحَالِ الْغَضَبِ (وَهُوَ) أَيْ مَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (إمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ) عَنْ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ (فَقَطْ) أَيْ لَا يَكُونُ رَدًّا لِكَلَامِهَا وَلَا سَبًّا لَهَا وَلَا شَتْمًا (كَاعْتَدِّي) فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نِعَمِي عَلَيْك أَوْ اعْتَدِّي مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَى الِاعْتِدَادَ مِنْ النِّكَاحِ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَجَبَ بِهَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً كَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَدِّي وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا هُنَا وَتَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْحُكْمِ لِسَبَبِهِ إذَا اخْتَصَّ السَّبَبُ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ (اسْتَبْرِئِي رَحِمَك) فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعِدَّةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِبْرَاءَ لِيُطَلِّقَهَا فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا أَيْ تَعَرَّفِي بَرَاءَةَ رَحِمِك لِأُطَلِّقَك (أَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَيْ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ مُنْفَرِدَةٌ عِنْدِي لَيْسَ لِي مَعَك غَيْرُك وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ كَانَ دَلَالَةً عَلَى الصَّرِيحِ لَا عَامِلًا بِمُوجِبِهِ وَالصَّرِيحُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ فَفِيهِ احْتِمَالُ الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ لَا الرَّدِّ وَلَا السَّبَبِ (أَمْرُك بِيَدِك) أَيْ عَمَلُك بِيَدِك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] وَيُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْأَمْرِ بِالْيَدِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ كَمَا سَيَأْتِي (اخْتَارِي) أَيْ اخْتَارِي نَفْسَك بِالْفِرَاقِ فِي النِّكَاحِ أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك فِي أَمْرٍ آخَرَ فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ، فَيَكُونَانِ جَوَابًا لِسُؤَالِ الطَّلَاقِ (وَمُرَادِفُهَا) مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ. (وَفِي الْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي قَوْلَهُ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي (لَا تَطْلُقُ) الْمَرْأَةُ (مَا لَمْ تُطَلِّقْ نَفْسَهَا) كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ، وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا) صَالِحٌ (لِلْجَوَابِ) عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ (وَالرَّدِّ لِسُؤَالِهَا كَاخْرُجِي) أَيْ مِنْ عِنْدِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ اُخْرُجِي وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (وَكَذَا اذْهَبِي قُومِي) ، وَأَمَّا (تَقَنَّعِي) فَإِمَّا مِنْ الْقِنَاعِ وَهُوَ الْخِمَارُ أَيْ اسْتَتِرِي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ الْقَنَاعَةِ أَيْ اقْنَعِي بِمَا رَزَقَك اللَّهُ مِنِّي مِنْ أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ، وَكَذَا (تَخَمَّرِي وَاسْتَتِرِي) وَأَمَّا (اُغْرُبِي) فَمِنْ الْغُرْبَةِ أَيْ اخْتَارِي الْغُرْبَةَ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِتَزُورِي أَهْلَك، وَقِيلَ اُعْزُبِي وَهِيَ إمَّا مِنْ الْعُزُوبَةِ وَهِيَ التَّجَرُّدُ عَنْ الزَّوْجِ أَوْ بِمَعْنَى الْبُعْدِ أَيْ اخْتَارِي الْعُزُوبَةَ أَوْ الْبُعْدَ عَنِّي لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِزِيَارَةِ أَهْلِك وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (تَزَوَّجِي ابْتَغِي الْأَزْوَاجَ) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ اُطْلُبِي النِّسَاءَ؛ إذْ الزَّوْجُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (الْحَقِي بِأَهْلِك) أَيْ لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِأَنِّي أَذِنْت لَك وَلَا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ (حَبْلُك عَلَى غَارِبِك) الْغَارِبُ مَا بَيْنَ السَّنَامِ وَالْعُنُقِ أَيْ اذْهَبِي حَيْثُ شِئْت لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِئَلَّا تَطْلُبِي الطَّلَاقَ وَفِي مَعْنَاهُ سَرَّحْتُك وَلِذَا لَمْ يُفْرَدْ بِالذِّكْرِ (لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك) احْتِمَالُهَا لِلطَّلَاقِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا احْتِمَالُ الرَّدِّ فَلِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقِ سُمِّيَتْ بِهَا مَجَازًا اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ فِي التَّحْرِيرِ مَا قِيلَ لَفْظُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا غَلَطٌ؛ إذْ لَا تُنَافِي الْحَقِيقَةُ الْكِنَايَةَ اهـ. وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: إمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَقَطْ كَاعْتَدِّي إلَى اخْتَارِي) جَعَلَ مِنْهُ فِي الْمَوَاهِبِ سَرَّحْتُك فَارَقْتُك أَنْتِ حُرَّةٌ وَهَبْتُك لِأَهْلِك الْحَقِي بِأَهْلِك. (قَوْلُهُ: وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ فِي الْجُمْلَةِ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ، أَمَّا إذَا قَالَهُ أَيْ لَفْظَ اعْتَدِّي قَبْلَ الدُّخُولِ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ لِيَرِدَ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَالْجَوَابُ بِأَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ غَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ اهـ. . وَفِي الْبَحْرِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاقْتِضَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفِ الْمَجَازِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا هُنَا) يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ. (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ بِإِعْرَابِ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُمَا لَا يَصْلُحَانِ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ إلَى أَمْرِك بِيَدِك اخْتَارِي لَا لِمُحْتَمِلِ اخْتَارِي. (قَوْلُهُ: وَمُرَادِفُهَا مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ التَّطْلِيقِ بِلُغَةِ التُّرْكِ هَلْ هُوَ رَجْعِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ أَوْ بَائِنٌ بِاعْتِبَارِ مَدْلُولِ " سن بوش " أَوْ " بوش أَوَّل "؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ خَالِيَةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ فَلْيُنْظَرْ وَفِي الْمُحِيطِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ بِالْفَارِسِيِّ مُفِيدٌ الْحُكْمَ فِي هَذَا فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَإِمَّا صَالِحٌ لِلْجَوَابِ وَالرَّدِّ إلَى قَوْلِهِ الْحَقِي بِأَهْلِك) جَعَلَ فِي الْمَوَاهِبِ الْحَقِي بِأَهْلِك مِمَّا هُوَ صَالِحٌ لِلْجَوَابِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ سَرَّحْتُك) جَعَلَهُ فِي الْمَوَاهِبِ مِنْ الصَّالِحِ لِلْجَوَابِ فَقَطْ مَا ذَكَرْنَاهُ

كُلًّا مِنْهَا جُحُودٌ لِلنِّكَاحِ فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا، بَلْ كَذِبًا كَمَا سَيَأْتِي فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى الرَّدِّ بِأَبْلَغِ وَجْهٍ (وَمُرَادِفُهَا) مِنْ أَيِّ لُغَةٍ كَانَ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا) صَالِحٌ (لِلْجَوَابِ وَالشَّتْمِ كَخَلِيَّةٍ بَرِيَّةٍ بَتْلَةٍ بَتَّةٍ بَائِنٌ) وَفِي مَعْنَاهُ (فَارَقْتُك) وَلِذَا لَمْ يُفْرَدْ بِالذِّكْرِ (حَرَامٌ) احْتِمَالُهَا لِلطَّلَاقِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا احْتِمَالُهَا الشَّتْمَ فَلِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ عَنْ الْخَيْرِ لَا حَيَاءَ لَك بَرِيَّةٍ عَنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَحَامِدِ بَتَّةٍ بَتْلَةٍ بَائِنٍ كُلُّهَا بِمَعْنَى الْمُنْقَطِعَةِ أَيْ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ كُلِّ رُشْدٍ، وَعَنْ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ فَارَقْتُك مُفَارَقَةً صُورِيَّةً حَرَامُ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ، ثُمَّ إنَّ الْأَحْوَالَ أَيْضًا ثَلَاثٌ، حَالُ الرِّضَا وَحَالُ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ بِأَنْ تَسْأَلَ هِيَ طَلَاقَهَا أَوْ يَسْأَلَهُ أَجْنَبِيٌّ وَحَالُ الْغَضَبِ (فَفِي) حَالِ (الرِّضَا لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ) لِلِاحْتِمَالِ وَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي عَدَمِ النِّيَّةِ. (وَفِي) حَالِ (مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ يَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِالصَّالِحِ لِلْجَوَابِ وَالرَّدِّ بِالنِّيَّةِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْجَوَابَ وَالرَّدَّ ثَبَتَ الْأَدْنَى بِدُونِ النِّيَّةِ وَهُوَ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ إبْقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَإِذَا وُجِدَتْ تَعَيَّنَ الْجَوَابُ. (وَ) يَقَعُ الطَّلَاقُ (بِالْبَاقِيَيْنِ) وَهُمَا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ فَقَطْ وَالثَّالِثُ الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ وَالشَّتْمِ (بِدُونِهَا) أَيْ بِلَا نِيَّةٍ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الْجَوَابِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَصَارَ طَلَاقًا، وَكَذَا الثَّالِثُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَصْلُحُ لِلشَّتْمِ فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ. (وَفِي) حَالِ (الْغَضَبِ يَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِالصَّالِحِ لَهُ) أَيْ لِلْجَوَابِ (فَقَطْ بِلَا نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلطَّلَاقِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْغَضَبُ وَلَا يَصْلُحُ لِلرَّدِّ وَالشَّتْمِ. (وَ) يَقَعُ (بِالْبَاقِيَيْنِ) وَهُمَا الْقِسْمُ الثَّانِي الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ وَالرَّدِّ وَالثَّالِثُ الصَّالِحُ لِلْجَوَابِ وَالشَّتْمِ (بِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْجَوَابَ وَغَيْرَهُ اُحْتِيجَ إلَى مَا يُرَجِّحُ الْجَوَابَ وَهُوَ النِّيَّةُ (وَتَطْلُقُ) الْمَرْأَةُ (بِالثَّلَاثِ الْأُوَلِ) يَعْنِي اعْتَدِّي اسْتَبْرِئِي رَحِمَك أَنْتِ وَاحِدَةٌ (وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) ، أَمَّا اعْتَدِّي فَلِأَنَّ حَقِيقَتَهُ الْأَمْرُ بِالْحِسَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نِعَمِي عَلَيْك أَوْ اعْتَدِّي مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَى الْأَخِيرَ زَالَ الْإِبْهَامُ وَوَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ اقْتِضَاءً كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَاعْتَدِّي وَقَبْلَ الدُّخُولِ جُعِلَ مُسْتَعَارًا عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ وَتَجُوزُ اسْتِعَارَةُ الْحُكْمِ لِلسَّبَبِ إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُخْتَصًّا بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَالطَّلَاقُ مُعَقِّبٌ لِلرَّجْعَةِ، وَأَمَّا اسْتَبْرِئِي فَلِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الِاعْتِدَادِ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعِدَّةِ فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَيُحْتَمَلُ الِاسْتِبْرَاءُ لِيُطَلِّقَهَا فِي حَالِ فَرَاغِ رَحِمِهَا أَيْ تَعَرَّفِي بَرَاءَةَ رَحِمِك لِأُطَلِّقَك، وَأَمَّا أَنْتِ وَاحِدَةٌ فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ عِنْدَ قَوْمِك أَوْ مُنْفَرِدَةٌ عِنْدِي لَيْسَ لِي مَعَك غَيْرُك وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ فَإِذَا زَالَ الْإِبْهَامُ بِالنِّيَّةِ كَانَ دَلَالَةً عَلَى الصَّرِيحِ لَا عَامِلًا بِمُوجِبِهِ وَالصَّرِيحُ يَعْقُبُ الرَّجْعَةَ (وَلَا تَصِحُّ) فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ (نِيَّةُ الثَّلَاثِ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَبَتَ اقْتِضَاءً فِي اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَمُضْمَرًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ مُصَرَّحًا لَمْ يَقَعْ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ فَإِذَا كَانَ مُقْتَضًى أَوْ مُضْمَرًا أَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ فَإِنْ قِيلَ الْمَصْدَرُ لَمَّا كَانَ مُضْمَرًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ، وَجَبَ أَنْ تَصِحَّ نِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ فَارَقْتُك) هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: فَفِي حَالَةِ الرِّضَا) يَعْنِي الْمُجَرَّدَةَ عَنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا اعْتَدِّي فَلِأَنَّ حَقِيقَتَهُ الْأَمْرُ بِالْحِسَابِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ عَوَامَّ الْأَعْرَابِ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ) مُكَرَّرٌ

الثَّلَاثِ، قُلْنَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْوَاحِدَةِ يُنَافِي نِيَّةَ الثَّلَاثِ، كَذَا فِي الْكَافِي . (وَ) تَطْلُقُ (بِغَيْرِهَا) مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ طَلْقَةً وَاحِدَةً (بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ) ، أَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ كِنَايَةً عَنْ مُجَرَّدِ الطَّلَاقِ، بَلْ عَنْ الطَّلَاقِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْنُونَةِ، وَأَمَّا امْتِنَاعُ إرَادَةِ الثِّنْتَيْنِ فَلِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الطَّلَاقَ مَصْدَرٌ لَا يَحْتَمِلُ مَحْضَ الْعَدَدِ (وَتَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) فِي غَيْرِهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ (إلَّا فِي اخْتَارِي) لِمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْكَنْزِ (قَالَ اعْتَدِّي ثَلَاثًا) أَيْ قَالَ اعْتَدِّي اعْتَدِّي اعْتَدِّي (وَنَوَى) أَيْ قَالَ نَوَيْت (بِالْأُولًى طَلَاقًا وَبِالْبَاقِي حَيْضًا صُدِّقَ) فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) أَيْ قَالَ لَمْ أَنْوِ (بِهِ) أَيْ بِالْبَاقِي (شَيْئًا فَثَلَاثٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ صَارَ الْحَالُ حَالَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَتَعَيَّنَ الْبَاقِيَانِ لِلطَّلَاقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي نَفْيِ النِّيَّةِ (لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ لَسْت لِي بِامْرَأَةٍ. (وَ) كَذَا قَوْلُهُ لَهَا أَنَا (لَسْت لَك) بِزَوْجٍ (طَلَاقٌ بَائِنٌ إنْ نَوَاهُ) ، وَقَالَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ نَفَى النِّكَاحَ وَهُوَ لَا يَكُونُ طَلَاقًا، بَلْ كَذِبًا لِكَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ مَعْلُومَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك أَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فَكَذَا هُنَا وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَصْلُحُ لِإِنْكَارِ النِّكَاحِ وَتَصْلُحُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتهَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ؛ لِأَنِّي مَا تَزَوَّجْتهَا فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَقَدْ نَوَى مُحْتَمَلَ لَفْظِهِ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنِك (طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَجَعَلَهَا ثَلَاثًا صَارَتْ ثَلَاثًا) وَقَالَا لَا يَكُونُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا وَلَهُ أَنَّ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ ثَلَاثًا بِانْضِمَامِ الثِّنْتَيْنِ إلَيْهَا فَيُحْمَلُ عَلَى هَذَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ (طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَجَعَلَهُ) أَيْ فَقَالَ (قَبْلَ الرَّجْعَةِ) جَعَلْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ (بَائِنًا صَارَ بَائِنًا) ،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ إبْطَالُ وِلَايَةِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا فَيَلْغُو وَلَهُمَا أَنَّهُ مَالِكٌ لِلطَّلَاقِ بِوَصْفِ الْبَيْنُونَةِ ابْتِدَاءً لِوُجُودِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَيَصِحُّ إلْحَاقُ هَذَا الْوَصْفِ بِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَتَحْصِيلًا لِغَرَضِهِ وَإِنَّمَا قَالَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا، ثُمَّ قَالَ جَعَلْتهَا بَائِنَةً لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِالرَّجْعَةِ أَبْطَلَ عَمَلَ الطَّلَاقِ فَتَعَذَّرَ بِهِ جَعْلُهَا بَائِنَةً (الصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ) أَيْ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَ) الصَّرِيحُ يَلْحَقُ (الْبَائِنَ) أَيْ إذَا أَبَانَهَا، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] يَعْنِي الْخُلْعَ، ثُمَّ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْوَصْلِ، فَيَكُونُ هَذَا نَصًّا عَلَى وُقُوعِ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْخُلْعِ الَّذِي هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَقَدْ حُقِّقَ هَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَأَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِيهِ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ ثَمَّةَ (وَالْبَائِنُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِلْمَوْطُوءَةِ أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ (لَا الْبَائِنَ) أَيْ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنُ الْبَائِنَ (إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا) بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ، ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ، أَمَّا لُحُوقُ الْبَائِنِ الصَّرِيحَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ الْحُكْمِيَّ بَاقٍ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا عَدَمُ لُحُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْكَنْزِ) هُوَ وَاقِعٌ فِي الْكَنْزِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِيهِ وَالِاعْتِرَاضُ أَصْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ اخْتَارِي لَيْسَ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادٌ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ وَلَهُ بَابٌ مُسْتَقِلٌّ، وَقَدْ قَيَّدَهُ فِي بَابِهِ فَلَا اعْتِرَاضَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ أَيْ بِالْبَاقِي شَيْئًا فَثَلَاثٌ) جَعَلَهُ فِي التَّبْيِينِ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَاهُ) مَحَلُّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَكِّدْ النَّفْيَ بِالْيَمِينِ، أَمَّا إذَا أَكَّدَهُ بِهِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى بِاتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا لِمَا فِي الْحَدَّادِيِّ، وَقَدْ اتَّفَقُوا جَمِيعًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ لَسْت وَاَللَّهِ لِي بِامْرَأَةٍ أَوْ عَلَيَّ حَجَّةٌ مَا أَنْتِ لِي بِامْرَأَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ سُئِلَ هَلْ لَك امْرَأَةٌ فَقَالَ لَا وَنَوَى الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ إنْ نَوَى كَانَ طَلَاقًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَوْ نَوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ بَائِنًا) أَخَذَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا مِنْ عَدَمِ جَعْلِهَا ثَلَاثًا اهـ. وَيُخَالِفُهُ تَصْحِيحُ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ يَصِيرُ بَائِنًا وَثَلَاثًا

[باب التفويض]

الْبَائِنِ الْبَائِنَ فَلِإِمْكَانِ جَعْلِهِ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِهِ إنْشَاءً؛ لِأَنَّهُ اقْتِضَاءٌ ضَرُورِيٌّ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ أَوْ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ الْغَلِيظَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْمَحَلِّ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ إخْبَارًا عَنْ ثَابِتٍ فَيُجْعَلُ إنْشَاءً ضَرُورَةً وَلِهَذَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ كَمَا ذُكِرَ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَهُ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ هِيَ مَحَلٌّ لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَقُولُ قَوْلُهُمْ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ إلَى آخِرِهِ يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا، ثُمَّ قَالَ فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا تَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ إذَا ثَبَتَتْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِلَا ذِكْرِ الثَّلَاثِ لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا فِي الْمَحَلِّ فَلَأَنْ تَثْبُتَ إذَا صَرَّحَ بِالثَّلَاثِ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الصَّرِيحَ يَلْحَقُ الْبَائِنَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا صَرِيحٌ بِلَا رَيْبٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ وَالْفُرْقَةَ الْكَامِلَةَ لَا الْبَيْنُونَةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْ الْكِنَايَاتِ (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَلَاثًا وَقَعْنَ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إيقَاعٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَلَاقًا ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ جُمْلَةً، وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعًا عَلَى حِدَةٍ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ أَقُولُ يَظْهَرُ بِهِ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ الْمُشْكِلَاتِ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْمَوْطُوءَةِ بَاطِلٌ مَحْضٌ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ خُصُوصَ سَبَبِ النُّزُولِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (بَابُ التَّفْوِيضِ) (إذَا قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (طَلِّقِي نَفْسَكِ، أَوْ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي بِهِمَا) أَيْ بِالْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ (الطَّلَاقَ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ (لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ عَزْلَهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَا تَوْكِيلٌ لِامْتِنَاعِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا (وَتَقَيَّدَ بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا) فَإِنْ كَانَتْ تَسْمَعُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا ذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَجْلِسُ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهَا فَإِنْ طَلُقَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا؛ إذْ لِلْمُخَيَّرَةِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (طَالَ) أَيْ الْمَجْلِسُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (إلَّا إذَا زَادَ) عَلَى قَوْلِهِ " طَلِّقِي نَفْسَكِ " وَأَخَوَاتِهِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ تَقَيَّدَ بِمَجْلِسِ عِلْمِهَا (مَتَى) شِئْتِ (أَوْ مَتَى مَا) شِئْتِ (أَوْ إذَا) شِئْتِ (أَوْ إذَا مَا) شِئْتِ، أَمَّا " مَتَى " وَ " مَتَى مَا " فَلِأَنَّهُمَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتِ فَلَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا " إذَا "، وَ " إذَا مَا " فَإِنَّهُمَا وَ " مَتَى " سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَيُسْتَعْمَلَانِ لِلشَّرْطِ كَمَا يُسْتَعْمَلَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَقُولُ قَوْلُهُمْ حَتَّى لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ. . . إلَخْ) يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا. . . إلَخْ (قُلْت) مَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ مِنْ قَبِيلِ الصَّرِيحِ اللَّاحِقِ لَصَرِيحٌ وَبَائِنٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَلَبَ، وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ الْبَائِنِ فَإِنَّهُ وَاقِعٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ اللَّفْظُ لَا الْمَعْنَى وَالْكِنَايَاتُ الَّتِي تَقَعُ رَجْعِيَّةً تَلْحَقُ الْمُخْتَلِعَةَ كَقَوْلِهِ بَعْدَ الْخُلْعِ أَنْتِ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ لِلْمُخْتَلِعَةِ الَّتِي هِيَ مُطَلَّقَةٌ بِتَطْلِيقَتَيْنِ أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِكَوْنِهِ صَرِيحًا، وَإِنْ كَانَ يَصِيرُ ثَلَاثًا وَهُوَ بَائِنٌ اهـ. قَالَ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ اللَّفْظِ لَا الْمَعْنَى وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا نُسِبَ نَقْلُهُ إلَى بَعْضِ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَائِنًا، ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ بَعْضُهُمْ يَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي اللَّفْظِ وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الْبَائِنَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ بَائِنٌ فِي الْمَعْنَى وَالْبَائِنُ لَا يَلْحَقُ الْبَائِنَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْأَوْلَى مِنْ اللَّفْظِ اهـ. بِلَفْظِهِ هَكَذَا وَقَفْت عَلَيْهِ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَنْسُوبًا إلَى قَاضِي خَانْ وَلَكِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ يَقَعُ أُخْرَى مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ أَعْنِي كَوْنَهُ بَائِنًا فِي الْمَعْنَى. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا قَالَ لِلْمُبَانَةِ أَبَنْتُكِ بِأُخْرَى يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ جَوَابًا فَهَذَا لَيْسَ الصَّرِيحُ فِيهِ ظَاهِرًا، وَقَدْ حَكَمَ بِالْوُقُوعِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ تَقْدِيرَهُ بِتَطْلِيقَةٍ أُخْرَى وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ: طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ. . . إلَخْ) قَدْ تَكَرَّرَ ثَانِيًا فِيمَا مَضَى وَهَذِهِ ثَالِثُ مَرَّةٍ [بَابُ التَّفْوِيضِ] (بَابُ التَّفْوِيضِ) (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ) الصَّوَابُ أَنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَعْمَلَانِ بِلَا نِيَّةٍ) هَذَا فِي غَيْرِ حَالِ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ الْمُذَاكَرَةِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَالَ لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ، أَوْ شَتِيمَةٍ فَلَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (تَنْبِيهٌ) : لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهَا بِالتَّخْيِيرِ حَتَّى لَوْ خَيَّرَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِهِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْوَكِيلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ وَقَالَ زُفَرُ: طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَالْوَصِيِّ لَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوِصَايَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَأَخَوَاتِهِ) مِنْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ، وَإِرَادَةِ الْمُثَنَّى وَالْأَوْلَى وَأُخْتَيْهِ.

لِلظَّرْفِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ (وَفِي طَلِّقِي ضَرَّتَكِ، أَوْ طَلِّقِي امْرَأَتِي عَكْسُهُمَا) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي ضَرَّتَكِ، أَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْ امْرَأَتِي صَحَّ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ مَحْضٌ لَا يَشُوبُهُ تَمْلِيكٌ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِالْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ حُكْمُ التَّوْكِيلِ (إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ) فَحِينَئِذٍ لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ وَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَقَالَ زُفَرُ: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ كَالْأَوَّلِ وَعَامِلٌ لِغَيْرِهِ وَبِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ لَا يَكُونُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَمَالِكًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ سَوَاءٌ ذَكَرَهَا الْمُوَكِّلُ، أَوْ لَا فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ لَهُ بِعْهُ إنْ شِئْتَ وَلَنَا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَصْلُحُ وَكِيلًا وَمَالِكًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ وَالْمَالِكُ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ تَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا إنْ شِئْتَ كَانَ تَمْلِيكًا لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَمَطْلُوبٌ مِنْهُ الْفِعْلُ شَاءَ، أَوْ لَمْ يَشَأْ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ إلَى آخِرِهِ قُلْنَا الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ مَشِيئَةٌ تَثْبُتُ بِالصِّيغَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَشِيئَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِلْزَامِ وَكَلَامُنَا فِي مُوجَبِ الصِّيغَةِ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِي الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ يَعْنِي إذَا قَالَ الزَّوْجُ: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (أَوْ نَوَى) طَلْقَةً (وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ) نَفْسَهَا (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ (وَقَعَتْ) طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الصَّرِيحَ (وَلَوْ) نَوَى ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ (ثَلَاثًا وَقَعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّطْلِيقِ لُغَةً فَيَقْتَضِي مَصْدَرًا هُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ. . (وَ) فِي قَوْلِهِ (اخْتَارِي إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا) بِأَنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي (بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَرْتُكِ مِنْ نَفْسِي، أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي مِنْكِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا الْإِيقَاعَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَوَجْهُ وُقُوعِ الْبَائِنِ أَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا إنَّمَا يَكُونُ بِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِهَا وَهُوَ فِي الْبَائِنِ؛ إذْ فِي الرَّجْعِيِّ يَتَمَكَّنُ الزَّوْجُ مِنْ رَجْعَتِهَا بِلَا رِضَاهَا أَوْ قَالَتْ: أَخْتَارُ نَفْسِي، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ وَعْدٍ، أَوْ يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ فَلَا تَطْلُقُ بِالشَّكِّ كَمَا إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ فَقَالَتْ: أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْحَالِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَأَدَاءِ الشَّاهِدِ الشَّهَادَةَ فَيَكُونُ حِكَايَةً عَنْ اخْتِيَارِهَا فِي الْقَلْبِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي؛ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حِكَايَةً عَنْ تَطْلِيقِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا (وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى الْغِلْظَةِ وَالْخِفَّةِ كَالطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ. (وَفِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْتِ، أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ مَتَى مَا شِئْتِ، أَوْ إذَا شِئْتِ، وَإِذَا مَا شِئْتِ (لَا يَتَقَيَّدُ) بِالْمَجْلِسِ (وَلَا يَرْجِعُ) الزَّوْجُ (وَلَا يَرْتَدُّ الْأَمْرُ) بِرَدِّهَا (بَلْ تُطَلِّقُ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا (مَتَى شَاءَتْ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَا تَمْلِكُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِيَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا (وَاحِدَةً فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ لَا الْأَفْعَالَ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى أَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ) أَيْ لِأَنَّ التَّطْلِيقَ فِعْلُ اللِّسَانِ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِعْلُ اللِّسَانِ الَّذِي هُوَ التَّطْلِيقُ مَعَ نُطْقِهَا بِهَذَا الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءُ التَّطْلِيقِ بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْقَلْبِ فَلَا يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبَيْنُونَةِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَبِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ التَّمْلِيكِ وَضْعًا بِصِفَةِ الْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلَانِ) يَعْنِي بِهِ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِالْمَجْلِسِ وَرُجُوعَ الزَّوْجِ وَقَوْلُهُ: فَلِمَا مَرَّ يَعْنِي مِنْ أَنَّ مَتَى شِئْتِ وَمَتَى مَا شِئْتِ لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْ أَنَّهُ تَمْلِيكُ طَلَاقِهَا لَهَا لَا تَوْكِيلٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ) يَعْنِي عَدَمَ الرَّدِّ بِرَدِّهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ) أَيْ وَضْعًا

زَمَانٍ لَا تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ. (وَفِي) قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ (كُلَّمَا شِئْتِ تُطَلِّقُ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا (إلَى الثَّلَاثِ) لِأَنَّ كُلَّمَا يُفِيدُ عُمُومَ الْأَفْعَالِ (بِالتَّفْرِيقِ) لِأَنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ دُونَ الِاجْتِمَاعِ (وَلَا تُطَلِّقُ) الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا (بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمِلْكَ الْحَادِثَ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ. (وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (حَيْثُ) شِئْتِ (وَأَيْنَ) شِئْتِ (لَا) تَطْلُقُ حَتَّى تَشَاءَ (وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ) لِأَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَكَانِ حَتَّى إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّامِ تَطْلُقُ الْآنَ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ خُصُوصًا كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت، أَوْ عُمُومًا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت. (وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (كَيْفَ) شِئْتِ (يَقَعُ) قَبْلَ الْمَشِيئَةِ طَلْقَةٌ (رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ (فَإِنْ شَاءَتْ) أَيْ قَالَتْ شِئْتُ (بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ) أَيْ الزَّوْجُ أَيْ قَالَ نَوَيْتُ ذَلِكَ (وَقَعَ) ذَلِكَ لِثُبُوتِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا، وَإِرَادَتِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَشِيئَتَاهُمَا) بِأَنْ أَرَادَتْ ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ وَاحِدَةً، أَوْ بِالْعَكْسِ (فَرَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهَا لَغَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) أَيْ الزَّوْجُ (فَمَا شَاءَتْ) أَيْ يُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا جَرْيًا عَلَى مُوجَبِ التَّخْيِيرِ. (وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (كَمْ) شِئْتِ (أَوْ مَا) شِئْتِ (طَلَّقَتْ) نَفْسَهَا (مَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَخِطَابٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْحَالِ (وَإِنْ رَدَّتْ ارْتَدَّ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ فَيَقْبَلُ الرَّدَّ. (وَفِي) قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تُطَلِّقُ مَا دُونَهَا) أَيْ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ دُونَ الثَّلَاثِ وَعِنْدَهُمَا تُطَلِّقُ ثَلَاثًا أَيْضًا إنْ شَاءَتْ لِأَنَّ مَا يُحْكَمُ فِي الْعُمُومِ وَ " مِنْ " قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ فَيُحْمَلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا قَالَ كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت، أَوْ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ وَلَهُ أَنَّ " مِنْ " حَقِيقَةٌ فِي التَّبْعِيضِ وَ " مَا " فِي التَّعْمِيمِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا، وَفِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ تُرِكَ التَّبْعِيضُ لِدَلَالَةِ إظْهَارِ السَّمَاحَةِ، أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ حَتَّى لَوْ قَالَ مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى الْخِلَافِ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ وَمَا لَا يَخْتَلِفُ فَقَالَ (وَالْمَجْلِسُ إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِقِيَامِهَا) إنْ كَانَتْ قَاعِدَةً (أَوْ ذَهَابِهَا) إنْ كَانَتْ قَائِمَةً (أَوْ شُرُوعِهَا فِي قَوْلٍ، أَوْ عَمَلٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا مَضَى) مِنْ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ، فَجُلُوسُ الْقَائِمَةِ، وَاتِّكَاءُ الْقَاعِدَةِ، وَقُعُودُ الْمُتَّكِئَةِ، وَدُعَاءُ الْأَبِ لِلْمَشُورَةِ وَشُهُودٍ تُشْهِدُهُمْ، وَوَقْفُ دَابَّةٍ - هِيَ رَاكِبَتُهَا - لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا لِجَمْعِ الرَّأْيِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَا مَضَى وَلَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ لَا عَنْ قَبْضٍ دُونَ الْإِعْرَاضِ (وَفُلْكُهَا كَبَيْتِهَا، وَسَيْرُ دَابَّتِهَا كَسَيْرِهَا) حَتَّى لَا يَتَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ بِجَرْيِ الْفُلْكِ، وَيَتَبَدَّلُ بِسَيْرِ الدَّابَّةِ فَإِنَّ سَيْرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُفِيدُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ) أَيْ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَزْمَانِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَطْلُقُ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) يَعْنِي إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَلَوْ طَلَّقَتْ دُونَهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى أَنْ تُوقِعَ الثَّلَاثَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ) يَعْنِي خُصُوصًا وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ لِيَصِحَّ عَطْفُ قَوْلِهِ: أَوْ عُمُومًا بَعْدَهُ عَلَيْهِ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: يَقَعُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَقَعُ عِنْدَهُمَا مَا لَمْ تَشَأْ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْتَ، وَقَوْلُهُ " تَقَعُ رَجْعِيَّةٌ " ظَاهِرٌ أَنَّهُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهَا مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا) فِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ اخْتِلَافُ مَشِيئَتِهَا مَعَ نِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَرَادَتْ) يَعْنِي شَاءَتْ. (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ) أَيْ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَمَا شَاءَتْ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: طَلُقَتْ مَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ) لَا يُقَالُ: كَيْفَ أُبِيحَ لَهَا ذَلِكَ وَلَا يُبَاحُ لِلزَّوْجِ وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَشِيئَةُ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةُ الْإِبَاحَةِ، أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفَرِّقَ عَلَى الْأَطْهَارِ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا بِالتَّفْرِيقِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ لِقُدْرَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ) مُفِيدٌ أَنَّ الْوَاحِدَ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ فَقَالَ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا تَكَرَّرَ لَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ، وَإِرَادَتِهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي " كَمْ "، وَأَمَّا فِي " مَا " فَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْعَدَدِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَفْوِيضِ الْعَدَدِ فَلَا يَثْبُتُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ وَتَرَجَّحَ اعْتِبَارُهَا بِالْعَدَدِ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَكُنْ مُؤَقَّتًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ) أَيْ شَأْنٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ تَطْلُقُ مَا دُونَهَا) عِبَارَةُ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَفِي طَلِّقِي مِنْ ثَلَاثٍ فَلْيُنْظَرْ مَعَ هَذَا. (قَوْلُهُ: وَمِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ) أَيْ لِلتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ) أَيْ فِي طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ. (قَوْلُهُ: وَسَيْرُ دَابَّتِهَا كَسَيْرِهَا) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ

وَوُقُوفَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى رَاكِبِهَا فَافْتَرَقَا. (وَشُرِطَ) فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ (ذِكْرُ النَّفْسِ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجِ، أَوْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ فِي الْمُفَسَّرَةِ بِذِكْرِ النَّفْسِ مِنْ أَحَدِهِمَا. (فَلَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْت بَطَلَ) وَلَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ (إلَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى اخْتِيَارِهَا) أَيْ اخْتَارَ النَّفْسَ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ ذِكْرِ النَّفْسِ شَرْطًا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهَا الزَّوْجُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَمَّا إذَا صَدَّقَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِتَصَادُقِهِمَا، وَإِنْ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْهُمَا مُجْمَلًا (أَوْ يَقُولَ) الزَّوْجُ (اخْتَارِي اخْتِيَارَهُ فَتَقُولَ) الْمَرْأَةُ (اخْتَرْتُ) فَإِنَّ ذِكْرَ الِاخْتِيَارِ كَذِكْرِ النَّفْسِ لِأَنَّ تَاءَ الْوَحْدَةِ تُنْبِئُ عَنْ الِاتِّحَادِ، وَاخْتِيَارُهَا نَفْسَهَا هُوَ الَّذِي يَتَّحِدُ تَارَةً وَيَتَعَدَّدُ أُخْرَى بِأَنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَكِ بِمَا شِئْتِ أَوْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ (وَلَوْ ثَلَّثَهَا) أَيْ ذَكَرَ لَفْظَةَ اخْتَارِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (فَقَالَتْ اخْتَرْت اخْتِيَارَهُ، أَوْ) قَالَتْ (اخْتَرْت الْأُولَى، أَوْ الْوُسْطَى، أَوْ الْأَخِيرَةَ فَثَلَاثٌ) أَمَّا وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْأُولَى فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: تَطْلُقُ وَاحِدَةً لِأَنَّ ذِكْرَ الْأُولَى وَنَحْوِهَا إنْ كَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ فَيُعْتَبَرُ فِيمَا يُفِيدُ وَلَهُ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَغْوٌ لِأَنَّ الْمُجْتَمَعَ فِي الْمِلْكِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ كَالْمُجْتَمَعِ فِي الْمَكَانِ، وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ، وَالْإِفْرَادُ مِنْ ضَرُورَاتِهِ فَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ اخْتَرْت فَيَقَعُ الثَّلَاثُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَا يُؤَيِّدُ دَلَالَةَ الْحَالِ لِأَنَّهُ صَارَ جَوَابًا لِكُلِّ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا (بِلَا نِيَّةٍ) مِنْ الزَّوْجِ لِدَلَالَةِ التَّكْرَارِ عَلَيْهِ؛ إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ. (لَوْ قَالَتْ) فِي جَوَابِ اخْتَارِي ثَلَاثًا (طَلَّقْت نَفْسِي أَوْ اخْتَرْت) نَفْسِي (بِتَطْلِيقَةٍ فَبَائِنَةٌ) أَيْ بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِيهِ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ لَا إيقَاعُهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَالزِّيَادَاتِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلِذَا اُعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بِأَنَّهُ غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ وَالصَّوَابُ لَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تَتَصَرَّفُ حُكْمًا لِلتَّفْوِيضِ وَالتَّفْوِيضُ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ لِكَوْنِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَتَمْلِكُ الْإِبَانَةَ لَا غَيْرُ فَقِيلَ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا وُقُوعُ وَاحِدَةٍ رَجْعِيَّةٍ لِأَنَّ لَفْظَهَا صَرِيحٌ ذَكَرَهَا صَدْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأُخْرَى وُقُوعُ الْبَائِنَةِ وَهَذَا أَصَحُّ (وَبِأَمْرِكِ بِيَدِكِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي يَقَعُ (فِي تَطْلِيقَةٍ، أَوْ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ رَجْعِيَّةٌ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ إلَيْهَا لَكِنَّهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَهِيَ مُعَقِّبَةٌ لِلرَّجْعَةِ. فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَوْ اخْتَارِي يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَرَنَهُ بِالصَّرِيحِ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الرَّجْعِيَّ كَمَا لَوْ قَرَنَ الصَّرِيحَ بِالْبَائِنِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونَ مُنْفَرِدَةً، أَوْ كَانَ مَعَهَا زَوْجُهَا عَلَى الدَّابَّةِ، أَوْ الْمَحْمِلِ، أَوْ لَا يَكُونَ وَلَوْ كَانَا فِي الْمَحْمِلِ يَقُودُهُ الْجَمَّالُ وَهُمَا فِيهِ لَا يَبْطُلُ ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ عَنْ الْغَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ فِي الْمُفَسَّرَةِ) ضَمِيرُ هُوَ رَاجِعٌ لِلطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بِالِاخْتِيَارِ أَيْ وَالطَّلَاقُ فِي الطَّلَاقِ الْمُفَسَّرِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهَا اخْتَرْت مُبْهَمٌ فَلَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِمُبْهَمٍ إلَّا بِذِكْرِ النَّفْسِ، أَوْ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْمُفَسَّرِ مُتَّصِلًا، وَإِنْ انْفَصَلَ فَإِنْ كَانَ الْمَجْلِسُ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ. . . إلَخْ) نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّصَادُقِ ثُمَّ قَالَ: فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذِكْرَ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَذِكْرِ النَّفْسِ) كَذَا ذِكْرُ التَّطْلِيقَةِ، أَوْ تَكْرَارُ قَوْلِهِ اخْتِيَارِيٌّ يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ النَّفْسِ كَمَا سَيَأْتِي وَكَذَا قَوْلُهَا: أَخْتَارُ أَبِي أَوْ أُمِّي أَوْ أَهْلِي أَوْ الْأَزْوَاجَ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ بِخِلَافِ اخْتَرْت أُخْتِي، أَوْ عَمَّتِي، وَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي وَزَوْجِي فَالْعِبْرَةُ لِلسَّابِقِ وَلَوْ قَالَتْ، أَوْ زَوْجِي يَبْطُلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ثَلَّثَهَا. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْطِفَ بِالْوَاوِ، أَوْ بِالْفَاءِ، أَوْ بِثُمَّ. (قَوْلُهُ: أَمَّا وُقُوعُ الثَّلَاثِ فِي الْأُولَى) يَعْنِي قَوْلَهَا اخْتَرْت الْأُولَى، أَوْ الْوُسْطَى، أَوْ الْأَخِيرَةَ جَوَابًا لِقَوْلِ الزَّوْجِ اخْتَارِي ثَلَاثًا. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) يَعْنِي الْوُسْطَى، أَوْ الْأَخِيرَةَ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ التَّرْتِيبُ) أَيْ الصِّفَةُ كَالْأَوَّلِيَّةِ وَالْوَسَطِيَّةِ لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الطَّلَقَاتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يُفِيدُ مِنْ حَيْثُ الْإِفْرَادُ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوَحْدَةُ فَإِنَّ أَوَّلِيَّةَ الْأُولَى إذَا كَانَتْ لَغْوًا فَوَحْدَتُهُ وَانْفِرَادُهُ مُتَحَقَّقٌ فِي نَفْسِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ لِلتَّرْتِيبِ) أَيْ أَصَالَةً فِي أَصْلِهِ وَصِفَةُ الْوَحْدَةِ تَابِعَةٌ لَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا لَغَا فِي حَقِّ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ التَّرْتِيبُ لَغَا فِي حَقِّ الْبِنَاءِ أَيْ التَّبَعِ الَّذِي هُوَ الْإِفْرَادُ. (قَوْلُهُ: بِلَا نِيَّةٍ مِنْ الزَّوْجِ) أَيْ قَضَاءً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَذَهَبَ قَاضِي خَانْ وَأَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ إلَى اشْتِرَاطِهَا لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا يُزِيلُ الْإِبْهَامَ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْوَجْهُ. اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِ الْخِلَافِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةً وَدِرَايَةً اشْتِرَاطُهَا أَيْ النِّيَّةِ دُونَ اشْتِرَاطِ النَّفْسِ اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ الِاخْتِيَارُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ) أَيْ فَتَعَيَّنَ لَهُ وَاخْتِيَارُ الزَّوْجِ لَا يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ اعْتَدِّي لِاحْتِمَالِهِ نِعَمُ اللَّهِ وَهِيَ لَا تُحْصَى. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ فِيهِ رِوَايَتَانِ) لَيْسَ مُسَبَّبًا عَمَّا قَبْلَهُ فَيَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ

حَيْثُ يَقَعُ الْبَائِنُ (وَبِأَمْرِكِ بِيَدِكِ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْآتِي يَقَعْنَ (وَنَوَى الثَّلَاثَ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِوَاحِدَةٍ، أَوْ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ يَقَعْنَ) أَيْ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ يَصْلُحُ لِجَوَابِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ تَمْلِيكًا كَالتَّخْيِيرِ وَالْوَاحِدَةُ صِفَةُ الِاخْتِيَارَةِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ يَقَعُ الثَّلَاثُ (أَوْ) قَالَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ (طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً، أَوْ اخْتَرْت نَفْسِي بِتَطْلِيقَةٍ يَقَعُ بَائِنَةٌ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ تَفْوِيضُ الزَّوْجِ لَا إيقَاعُهَا فَتَكُونُ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي التَّفْوِيضِ مَذْكُورَةً فِي الْجَوَابِ ضَرُورَةَ الْمُوَافَقَةِ. (وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي: أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ لَا يَدْخُلُ فِيهِ اللَّيْلُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهَا الْخِيَارُ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْيَوْمَيْنِ ذُكِرَ مُفْرَدًا، وَالْيَوْمُ الْمُفْرَدُ لَا يَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ (وَبِرَدِّهَا أَمْرَ الْيَوْمِ) بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ (رُدَّ) أَمْرُ الْيَوْمِ (لَا الْأَمْرُ بَعْدَ غَدٍ) يَعْنِي إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ فِي يَوْمِهَا بَطَلَ الْأَمْرُ فِيهِ وَكَانَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا بَعْدَ غَدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لِانْفِصَالِ وَقْتِهِمَا ثَبَتَ لَهَا الْخِيَارُ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَقْتَيْنِ عَلَى حِدَةٍ فَبِرَدِّ أَحَدِهِمَا لَا يَرْتَدُّ الْآخَرُ (وَيَدْخُلُ) أَيْ اللَّيْلُ (فِي) قَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ (الْيَوْمَ وَغَدًا) إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ وَقْتٌ مِنْ جِنْسِهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْأَمْرُ فَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا، وَتَخَلُّلُ اللَّيْلَةِ لَا يَفْصِلُهُمَا لِأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ يَجْلِسُونَ لِلْمَشُورَةِ فَيَهْجُمُ اللَّيْلُ وَلَا يَنْقَطِعُ مَشُورَتُهُمْ وَمَجْلِسُهُمْ (وَبِرَدِّهَا أَمْرَ الْيَوْمِ) بِاخْتِيَارِهَا الزَّوْجَ (رُدَّ أَمْرُ غَدٍ) حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْغَدِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ فَلَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الرَّدِّ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ فَرَدَّتْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَا يَبْقَى لَهَا الْخِيَارُ فِي آخِرِهِ. (قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ فَطَلَّقَتْهَا ثَلَاثًا إنْ نَوَاهَا) أَيْ الزَّوْجُ الثَّلَاثَ (وَقَعَتْ، وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا، سَوَاءٌ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا أَوْ نَوَى وَاحِدَةً (فَرَجْعِيَّةٌ وَلَغَا نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ: طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي طَلَاقًا وَالطَّلَاقُ لَفْظٌ فَرْدٌ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَ الِاعْتِبَارِيَّ وَهُوَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ تَمَامُ الْجِنْسِ كَمَا مَرَّ لَا الْعَدَدُ الْمَحْضُ وَهُوَ الثِّنْتَانِ (كَذَا) أَيْ كَمَا يَلْغُو نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ يَلْغُو أَيْضًا قَوْلُهَا (اخْتَرْت نَفْسِي) فِي جَوَابِ طَلِّقِي نَفْسَكِ حَيْثُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِهِ. (وَ) يَقَعُ (بِأَبَنْتُ نَفْسِي رَجْعِيَّةٌ) ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْهُ فِي جَوَابِ طَلِّقِي نَفْسَك وَلَيْسَ لَهَا إيقَاعُ الْبَائِنِ بَلْ مُطْلَقُ الطَّلَاقِ فَبَطَلَتْ الْإِبَانَةُ فِي قَوْلِهَا أَبَنْت نَفْسِي وَبَقِيَ مُطْلَقُ الطَّلَاقِ وَهُوَ رَجْعِيٌّ. (أُمِرَتْ بِالثَّلَاثِ) أَيْ قَالَ الزَّوْجُ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا (فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ. (وَلَغَا عَكْسُهُ) أَيْ إذَا قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً. (أُمِرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَبِأَمْرِكِ بِيَدِكِ وَنَوَى الثَّلَاثَ فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي) ذِكْرُ النَّفْسِ خَرَجَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ لَمْ تَذْكُرْهَا لَا يَقَعُ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَتْ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ أَمْرُك. . . إلَخْ) ذِكْرُ النَّفْسِ فِي قَوْلِهَا طَلَّقْت نَفْسِي شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ اللَّيْلُ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ الْيَوْمَ وَغَدًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ لَفْظَ الْأَمْرِ مَعَ ذِكْرِ الْغَدِ كَانَ أَمْرًا مُبْتَدَأً لِأَنَّهُمَا جُمْلَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ بِذَاتِهَا وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا لَيْلًا فَلَا يُغْفَلُ عَنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَوْمَ قَدْ يَجْلِسُونَ. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ تَعْلِيلًا لِدُخُولِ اللَّيْلِ فِي التَّمْلِيكِ الْمُضَافِ إلَى الْيَوْمِ وَغْدِهِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ اللَّيْلِ فِي الْيَوْمِ الْمُفْرَدِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ هُجُومُ اللَّيْلِ، وَمَجْلِسُ الْمَشُورَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك إلَى قَوْلِهِ وَلَغَا نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا ذُكِرَ أَوَّلَ الْبَابِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ثَلَاثًا سَوَاءٌ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا، أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَرَجْعِيَّةٌ) لَيْسَ قَوْلَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْوَاحِدَةِ، وَنِيَّتَهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ وُقُوعِ شَيْءٍ بِتَطْلِيقِهَا ثَلَاثًا فِي جَوَابِ قَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَصَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي ثَلَاثًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ صَاحِبَيْهِ اهـ. وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ مَفْهُومِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ الَّتِي هِيَ: وَإِنْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا وَنَوَاهُ وَقَعْنَ. اهـ. لِأَنَّ مُوجَبَ طَلِّقِي هُوَ الْفَرْدُ الْحَقِيقِيُّ فَيَثْبُتُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَالْفَرْدُ الِاعْتِبَارِيُّ - أَعْنِي الثَّلَاثَ - مُحْتَمَلَةٌ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنِيَّتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ الْمَلِكِ فَإِتْيَانُهَا بِالثَّلَاثِ حِينَئِذٍ اشْتِغَالٌ بِغَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ لِسَائِرِ هَذَا الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ وَقَدْ عَلِمْته فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. (قَوْلُهُ: وَلَغَا نِيَّتُهُ الثِّنْتَيْنِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا كَقَوْلِهِ بَعْدَهُ كَذَا اخْتَرْت بَلْ يَقَعُ بِنِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ بِتَطْلِيقِهَا وَيَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ إنْ كَانَتْ أَمَةً لِكَوْنِهِمَا جَمِيعَ الْجِنْسِ فِي حَقِّهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَبِأَبَنْت نَفْسِي رَجْعِيَّةٌ) ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِجَوَابِهَا أَبَنْت نَفْسِي كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَغَا عَكْسُهُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا طَلَّقَتْ ثَلَاثًا دَفْعَةً أَمَّا لَوْ فَرَّقَتْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالْأَوْلَى اتِّفَاقًا، ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

[باب التعليق في الطلاق]

بِالْبَائِنِ) أَوْ (الرَّجْعِيِّ فَعَكَسَتْ) أَيْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً بَائِنًا فَقَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدًا رَجْعِيًّا أَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدًا رَجْعِيًّا فَقَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَاحِدًا بَائِنًا (وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ) الزَّوْجُ وَيَلْغُو مَا وَصَفَتْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ إلَيْهَا ذَاتَ الطَّلَاقِ مَعَ الْوَصْفِ، وَإِنَّهَا أَتَتْ بِذَاتِ مَا فَوَّضَ بِهِ إلَيْهَا وَخَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ فَصَارَتْ مُخَالِفَةً فِي الْوَصْفِ مُوَافِقَةً فِي الْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْأَصْلِ بِالْوَصْفِ فَيَقَعُ الْأَصْلُ وَيُسْتَتْبَعُ الْوَصْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّوْجُ. (وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِطَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا إنْ شِئْتِ لَوْ طَلَّقَتْ وَاحِدَةً وَلَا) يَقَعُ (بِعَكْسِهِ أَيْضًا) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَاحِدَةً إنْ شِئْتِ فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْتِ الثَّلَاثَ فَصَارَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ شَرْطًا لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَإِذَا بُنِيَ عَلَيْهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ، وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ هُنَاكَ وَلَمْ يُعَلِّقْ وُقُوعَهَا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ بَعْضَ مَا مَلَكَتْ وَلَوْ قَالَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شِئْتُ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَا لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ قَدْ وُجِدَتْ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ وَمَشِيئَتُهَا لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْكُلِّ فَوُجِدَتْ مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مُنْفَصِلًا عَنْ بَعْضٍ بِأَنْ سَكَتَتْ عِنْدَ الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ شَاءَتْ الْبَاقِيَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ؛ إذْ لَمْ تُوجَدْ مَشِيئَةُ ثَلَاثٍ لِكَوْنِ السُّكُوتِ فَاصِلًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا. (وَلَا) يَقَعُ أَيْضًا (بِأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ) حَيْثُ يَبْطُلُ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَإِيتَاؤُهَا بِالْمُعَلَّقَةِ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَيُوجِبُ خُرُوجَ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ شِئْتُ، وَإِنْ نَوَاهُ؛ إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ لِيَكُونَ الزَّوْجُ شَائِيًا طَلَاقَهَا، وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْتُ طَلَاقَكِ يَقَعُ إنْ نَوَى لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ؛ إذْ الْمَشِيئَةُ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَرَدْتُ طَلَاقَكِ حَيْثُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ (كَذَا كُلُّ تَعْلِيقٍ بِمَعْدُومٍ) كَمَا إذَا قَالَتْ شِئْتُ إنْ شَاءَ أَبِي، أَوْ شِئْتُ إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مَشِيئَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَبْطُلُ الْأَمْرُ (بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ) فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ. . (بَابُ التَّعْلِيقِ) (شَرْطُ صِحَّتِهِ الْمِلْكُ كَقَوْلِ الزَّوْجِ) لِزَوْجَتِهِ (إنْ ذَهَبْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ الْإِضَافَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَقَالَتْ طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدًا بَائِنًا) قَيَّدَ بِهِ لِمَا قَالَ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ مَحَلُّهُ مَا إذَا قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي بَائِنَةٌ أَمَّا إذَا قَالَتْ أَبَنْتُ نَفْسِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَاغْتَنِمْ هَذَا الْقَيْدَ فَإِنَّك لَا تَجِدُهُ فِي شَرْحٍ مِنْ الشُّرُوحِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَهَبَ. اهـ. كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ: وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا بِمَشِيئَةِ الثَّلَاثِ، وَمَشِيئَتُهَا) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الثَّلَاثِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الثَّلَاثُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي) يَعْنِي: بِهِ قَوْلَهُ لَا بِعَكْسِهِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَرَدْت طَلَاقَك حَيْثُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) قَالَ الْكَمَالُ بَلْ هِيَ أَيْ الْإِرَادَةُ طَلَبُ النَّفْسِ الْوُجُودَ عَنْ مَيْلٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ وَالْإِرَادَةَ فِي صِفَةِ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَانِ، وَفِي صِفَةِ اللَّهِ مُتَرَادِفَانِ كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَتَمَامُهُ فِيهِ. [بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق] (بَابُ التَّعْلِيقِ) التَّعْلِيقُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ مِنْ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا جَعَلَهُ مُعَلَّقًا، وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى. وَشَرْطُ صِحَّتِهِ كَوْنُ الشَّرْطِ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَخَرَجَ مَا كَانَ مُحَقَّقًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا فَهُوَ تَنْجِيزٌ وَخَرَجَ مَا كَانَ مُسْتَحِيلًا كَإِنْ دَخَلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ أَصْلًا لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ تَحْقِيقُ الْمَنْفِيِّ حَيْثُ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مُحَالٍ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا: إمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ لِلْغَزِّيِّ. (قَوْلُهُ: شَرْطُ صِحَّتِهِ الْمِلْكُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِصَرِيحِ الشُّرُوطِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَقَوْلِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ إذَا تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَا يُرَاعَى فِيهَا الصِّفَةُ فَبَقِيَ قَوْلُهُ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَقَلَ فِي فَتْحٍ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشِي فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ وَكَذَا كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةٌ فَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمِلْكِ

إلَيْهِ) أَيْ التَّعْلِيقِ بِالْمِلْكِ (كَإِنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَإِنَّ التَّزَوُّجَ لَيْسَ بِمِلْكٍ لَكِنَّهُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ أُقِيمَ مَقَامَهُ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَخْفِيًّا لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى مَنْعِ النَّفْسِ وَلَوْلَا الْمِلْكُ فِي الْحَالِ، أَوْ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ لَمَا حَصَلَ الْفَائِدَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْ الْيَمِينِ؛ إذْ لَا جَزَاءَ فِي مِلْكِهِ فِي الْحَالِ حَتَّى يَتَحَرَّزَ عَنْ الشَّرْطِ وَلَا إضَافَةَ إلَى الْمِلْكِ حَتَّى يَتَحَرَّزَ عَنْ تَحْصِيلِ الْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يُفِدْ الْيَمِينُ فَائِدَتَهَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ (فَلَا تَطْلُقُ أَجْنَبِيَّةٌ قَالَ لَهَا: إنْ كَلَّمْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَكَلَّمَهَا) لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَتَطْلُقُ بَعْدَ الشَّرْطِ إنْ قَالَهُ لِزَوْجَتِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهَا لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، أَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ نَكَحْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ. (وَيُبْطِلُهُ) أَيْ التَّعْلِيقَ (زَوَالُ الْحِلِّ لَا زَوَالُ الْمِلْكِ فَتَنْجِيزُ الثَّلَاثِ يُبْطِلُ تَعْلِيقَهَا لَا تَنْجِيزُ مَا دُونَهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْجَزَاءَ طَلَقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعَةُ؛ إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَبْقَى الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْوِقَايَةِ: وَالتَّنْجِيزُ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ. . . إلَخْ عَلَى إطْلَاقِهِ لَا يَخْلُو عَنْ مُسَامَحَةٍ. (وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ: إنْ، وَإِذَا، وَإِذَا مَا، وَكُلُّ) وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً لِأَنَّ مَا يَلِيهَا اسْمٌ وَالشَّرْطُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَزَاءُ، وَالْأَجْزِيَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ لَكِنَّهُ الْحَقُّ بِالشَّرْطِ لِتَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ الَّذِي يَلِيهَا كَقَوْلِك: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَكَذَا (وَكُلَّمَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا، وَفِي كُلَّمَا يَنْحَلُّ الْيَمِينُ) أَيْ تَبْطُلُ الْيَمِينُ بِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ (بَعْدَ) وُقُوعِ الطَّلَقَاتِ (الثَّلَاثِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِلْمَوْطُوءَةِ كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا (فَلَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ (إنْ نَكَحَهَا بَعْدَ) زَوْجٍ (آخَرَ) فَدَخَلَتْ الدَّارَ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ (إلَّا إذَا دَخَلَتْ) أَيْ كُلَّمَا (فِي التَّزَوُّجِ) بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ تَطْلُقُ فَإِنَّ " كُلَّمَا " يُفِيدُ عُمُومَ الْأَفْعَالِ كَمَا أَنَّ كُلَّ يُفِيدُ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ (وَفِيمَا سِوَاهَا) أَيْ سِوَى كُلَّمَا مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ (إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ يَنْحَلُّ) أَيْ الْيَمِينُ (إلَى جَزَاءٍ) أَيْ تَبْطُلُ الْيَمِينُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ (وَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمِلْكِ (يَنْحَلُّ) الْيَمِينُ (لَا إلَيْهِ) أَيْ لَا إلَى جَزَاءٍ أَيْ يَبْطُلُ الْيَمِينُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ فَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَأَرَادَ أَنْ تَدْخُلَ الدَّارَ وَلَا يَقَعَ الثَّلَاثُ فَحِيلَتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فَتَدْخُلَ الدَّارَ حَتَّى يَبْطُلَ الْيَمِينُ وَلَا يَقَعَ الثَّلَاثُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا وَتَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّهَا إنْ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ يَقَعُ الثَّلَاثُ. (اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ إلَّا أَنْ تُبَرْهِنَ) أَيْ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَزَوَالَ الْمِلْكِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ. (وَفِي شَرْطٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ فِي إضَافَةِ التَّعْلِيقِ إلَى الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَطْلُقُ أَجْنَبِيَّةٌ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ، أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ لَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: وَيُبْطِلُهُ - أَيْ التَّعْلِيقَ - زَوَالُ الْحِلِّ) أَيْ الْحِلِّ الْكَامِلِ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ: وَيَعْنِي إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) أَتَى بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ لِأَنَّ الْجَوَابَ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الشَّرْطِ يَكُونُ بِالْفَاءِ إنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الشَّرْطُ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى، وَإِنْ حَذَفَ الْفَاءَ إنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ دُيِّنَ وَنَظَمَ الْكَمَالُ مَوَاضِعَ الْفَاءِ بِقَوْلِهِ: تَعَلَّمْ جَوَابَ الشَّرْطِ حَتْمَ قِرَانِهِ ... بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسَمًا كَانَ أَوْ بِقَدْ ... وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ ... وَلَنْ مَنْ يَحِدْ عَمَّا حَدَّدْنَاهُ قَدْ عَتَى (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَهَا) أَيْ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ. (قَوْلُهُ: إنْ) أَيْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَلَوْ بِالْفَتْحِ طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَكَذَا إنْ دَخَلَتْ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ دُيِّنَ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَلِمَةَ إنْ صَرْفُ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْوَقْتِ وَمَا وَرَاءَهَا مُلْحَقٌ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ عَلَمٌ عَلَيْهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ لَوْ وَمَنْ وَأَيُّ وَأَيَّانَ وَأَيْنَ وَأَنَّى كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ) الْإِشَارَةُ إلَى كُلِّ وَهِيَ مِنْ الْعَامِّ الْمَعْنَوِيِّ فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُنْكَرِ أَوْجَبَتْ عُمُومَ أَفْرَادِهِ، وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُعَرَّفِ أَوْجَبَتْ عُمُومَ أَجْزَائِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ) كَذَا إذَا قَالَ تَزَوَّجْت امْرَأَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ (فَرْعٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ) قَالَ فِي السِّرَاجِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَكُلَّمَا حَلَّتْ حَرُمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ قَالَ يَجُوزُ قَالَ فَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ " كُلَّمَا حَلَّتْ حَرُمَتْ " الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ. (قَوْلُهُ: اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِهِ كَمَا فِي الْمَجْمَعِ

لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا كَإِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ صُدِّقَتْ فِي حَقِّهَا) إذَا قَالَتْ حِضْتُ (فَقَطْ) أَيْ لَا فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُصَدَّقَ فِي حَقِّ نَفْسِهَا أَيْضًا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ كَمَا فِي الدُّخُولِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا كَمَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ وَالْوَطْءِ، لَكِنَّهَا شَاهِدَةٌ فِي حَقِّ ضَرَّتِهَا بَلْ هِيَ مُتَّهَمَةٌ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا، نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُجْرًى عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هَذَا فِيمَا إذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ فِي قَوْلِهَا حِضْتُ، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا (فَيُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهَا) يَعْنِي إذَا رَأَتْ الدَّمَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى تَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَا يَنْقَطِعُ دُونَهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا فَإِذَا تَمَّتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِالطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ فَكَانَ حَيْضًا مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَبِإِنْ حِضْت) أَيْ إذَا قَالَ إنْ حِضْت (حَيْضَةً) فَأَنْتِ طَالِقٌ (تَطْلُقُ إذَا طَهُرَتْ) لِأَنَّ الْحَيْضَةَ بِالْهَاءِ هِيَ الْكَامِلَةُ مِنْهَا وَكَمَالُهَا بِانْتِهَائِهَا وَذَلِكَ بِالطُّهْرِ. (وَبِإِنْ صُمْت) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ صُمْتِ (يَوْمًا) فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ (إذَا غَرَبَتْ) الشَّمْسُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَصُومُ فِيهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ (بِخِلَافِ) مَا إذَا قِيلَ (إنْ صُمْتِ) وَلَمْ يَقُلْ يَوْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ بِمِعْيَارٍ وَقَدْ وُجِدَ الصَّوْمُ بِرُكْنِهِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَبِشَرْطِهِ وَهُوَ النَّهَارُ وَالنِّيَّةُ. (عَلَّقَ طَلْقَةً بِوِلَادَةِ ذَكَرٍ وَطَلْقَتَيْنِ بِأُنْثَى) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْتِ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِذَا وَلَدْتِ جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ (فَوَلَدَتْهُمَا وَلَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا) أَيْ احْتِيَاطًا (وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَخِيرِ) مِنْ الْوَلَدَيْنِ فَإِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ، ثُمَّ لَا يَقَعُ بِهِ أُخْرَى لِأَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا وَقَعَتْ طَلْقَتَانِ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ، ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ بِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَالُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذًا يَقَعُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٌ، وَفِي حَالٍ ثِنْتَانِ فَلَا يَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِالثِّنْتَيْنِ احْتِيَاطًا حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً قَبْلَ الْيَمِينِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ آخَرَ فَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وِلَادَةُ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا. (عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِشَيْئَيْنِ يَقَعُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَإِنْ حِضْت. . . إلَخْ) مِثْلُهُ التَّعْلِيقُ بِمَحَبَّتِهَا وَبُغْضِهَا قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ إنَّمَا يُفَارِقُ التَّعْلِيقَ بِالْحَيْضِ فِي أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا وَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَاذِبَةً تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الْحَيْضِ لَا يُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَلَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنْ تَكُونَ صَادِقَةً اهـ. (قَوْلُهُ: صُدِّقَتْ فِي حَقِّهَا إذَا قَالَتْ حِضْت) وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إذَا أَخْبَرَتْ وَالْحَيْضُ قَائِمٌ فَإِذَا انْقَطَعَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الشَّرْطِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي السِّرَاجِ لَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ هُوَ مَرِيضٌ إذَا مَرِضْتُ فَهُوَ عَلَى حَيْضٍ وَمَرَضٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِذَا عَنَى بِهِ مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ، أَوْ مَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ صَحِيحًا إنْ صَحَحْتُ، أَوْ بَصِيرًا إنْ أَبْصَرْتُ، أَوْ سَمِيعًا إنْ سَمِعْتُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ حِينَ سَكَتَ. اهـ. . (قَوْلُهُ: فَيُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهَا) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَيَكُونُ بِدْعِيًّا. (قَوْلُهُ: تَطْلُقُ إذَا طَهُرَتْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ وَكَانَ سُنِّيًّا اهـ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لِأَنَّهُ الشَّرْطُ فَلَا يُقْبَلُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: فَوَلَدَتْهُمَا وَلَمْ يُعْلَمْ الْأَوَّلُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ. (قَوْلُهُ: عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِشَيْئَيْنِ) عَدَلَ بِهِ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَجَعْلُهُ فِي الْكَنْزِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ لَيْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الشَّرْطِ بِتَعَدُّدِ فِعْلِ الشَّرْطِ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْفِعْلِ هُنَا بَلْ فِي مُتَعَلَّقِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدُ الْمُتَعَلَّقِ تَعَدُّدَ الْفِعْلِ فَإِنَّهَا لَوْ كَلَّمَتْهُمَا مَعًا وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَغَايَتُهُ تَعَدُّدٌ بِالْقُوَّةِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ اعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ فِي جَعْلِهِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ سَهْوٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى وَصْفَيْنِ وَعَلَيْهِ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَدْ رَدَّهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ بِقَوْلِهِ أَقُولُ كَيْفَ يُقَالُ فِي حَقِّهِ - أَيْ الْكَمَالِ - ذَلِكَ - أَيْ نِسْبَتُهُ إلَى السَّهْوِ - مَعَ أَنَّهُ حَقَّقَ الْكَلَامَ وَبَيَّنَ الْمُرَادَ فَقَالَ: وَأَمَّا الشَّرْطَانِ فَتَحَقُّقُهُمَا حَقِيقَةٌ بِتَكْرَارِ أَدَاتِهِمَا وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ بِوَاوٍ وَبِغَيْرِهِ. . . إلَخْ وَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ قَالَ الشَّرْطَيْنِ فَسَّرَهُ الشَّارِحُ وَجَعَلَ مِنْهُ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَا تَكْرَارَ فِي أَدَاتِهَا فَلَا يَكُونُ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطَيْنِ حَقِيقَةً فَلَا سَهْوَ فِي كَلَامِ الْمُحَقِّقِ أَصْلًا فَقَدْ أَقَرَّ اعْتِرَاضَهُ عَلَى الْكَنْزِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْهِدَايَةِ فَيَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهَا أَيْضًا وَنَفْيُ تَعَدُّدِ الْفِعْلِ فِي أَصْلِهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ فَرَضَ الْخِلَافِيَّةَ فِيمَا إذَا أَبَانَهَا بَعْدَ كَلَامِ أَحَدِهِمَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَكَلَّمَتْ الثَّانِيَ عِنْدَنَا يَقَعُ لَا عِنْدَ زُفَرَ وَكَلَامُهَا لِلثَّانِي غَيْرُ كَلَامِهَا لِلْأَوَّلِ فَقَدْ تَعَدَّدَ الْفِعْلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا لِلْحِنْثِ لِوُجُودِهِ بِكَلَامِهِمَا مَعًا فَلْيُحَرَّرْ وَقَدْ حَرَّرْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا بُغْيَةَ أَعْيَانِ الْفَرِيقَيْنِ.

الثَّلَاثُ (إنْ وُجِدَ الثَّانِي فِي الْمِلْكِ) يَشْمَلُ مَا إذَا وُجِدَا فِي الْمِلْكِ، أَوْ وُجِدَ الثَّانِي فِيهِ فَقَطْ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا وَبَكْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَبَانَتْ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَكَلَّمَتْ زَيْدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَكَلَّمَتْ بَكْرًا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا (وَإِلَّا فَلَا) يَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا فِي الْمِلْكِ، أَوْ وُجِدَ الْأَوَّلُ فِيهِ لَا الثَّانِي وَذَلِكَ لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ لَكِنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَيَصِحُّ الْيَمِينُ وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ أَيْضًا لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَالْحَالُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ؛ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ وَهُوَ الذِّمَّةُ. (عَلَّقَهَا هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ الثَّلَاثَ (أَوْ مَوْلَى الْأَمَةِ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ) فَقَالَ الزَّوْجُ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ (فَأَوْلَجَ) أَيْ أَدْخَلَ الْحَشَفَةَ حَتَّى الْتَقَى الْخِتَانَانِ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ وَعَتَقَتْ الْأَمَةُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَبِثَ) بَعْدَ الْإِيلَاجِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ (فَلَا عُقْرَ) وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقِيلَ هُوَ مِقْدَارُ أُجْرَةِ الْوَطْءِ لَوْ كَانَ الزِّنَا حَلَالًا (بِهِ) أَيْ بِاللَّبْثِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى (وَلَمْ يَصِرْ بِهِ) أَيْ بِاللَّبْثِ (مُرَاجِعًا فِي) الطَّلَاقِ (الرَّجْعِيِّ) لِأَنَّ الْجِمَاعَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ لَا دَوَامَ لَهُ حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُدْخِلُ دَابَّتَهُ الْإِصْطَبْلَ وَهِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ بِإِمْسَاكِهَا فِيهِ (بَلْ) يَجِبُ الْعُقْرُ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا فِي الثَّانِي (بِإِيلَاجِهِ ثَانِيًا) لِوُجُودِ الْجِمَاعِ فِيهِ حَقِيقَةً بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، لَكِنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ وَجَبَ الْمَهْرُ لِأَنَّهُ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ. (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا، أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الشَّرْطِ لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ مُغَيِّرٌ لِصَدْرِ الْكَلَامِ وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ اتِّصَالُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْكَلَامَ خَرَجَ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا، وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ لَا الْمُبْطِلَ (وَإِنْ مَاتَ) الزَّوْجُ قَبْلَ الشَّرْطِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ إذْ لَمْ يَتَّصِلْ بِكَلَامِهِ الشَّرْطُ. (قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ (ثَلَاثًا وَعَتَقَ) الْعَبْدُ وَقَالَا: لَا تَطْلُقُ وَلَا يَعْتِقُ لِأَنَّ التَّكْرَارَ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ فَلَا يَبْطُلُ اتِّصَالُ الشَّرْطِ وَلَهُ أَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ لَغْوٌ؛ إذْ لَا يُفِيدُ فَوْقَ مَا يُفِيدُهُ الْأَوَّلُ وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ تَأْكِيدًا لِلْفَصْلِ بِالْوَاوِ فَيُمْنَعُ الْمَعْطُوفُ عَنْ اتِّصَالِ الشَّرْطِ بِهِ فَيَقَعُ. (كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ) فَإِنَّهُ تَطْلِيقٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَعْلِيقٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنَّ الْمُبْطِلَ مُتَّصِلٌ بِالْإِيجَابِ فَيَبْطُلُ حُكْمُهُ كَمَا لَوْ أُخِّرَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَوْضُوعَ لِارْتِبَاطِ الْجُمْلَتَيْنِ هُوَ الْفَاءُ فَإِذَا انْتَفَى انْتَفَى الِارْتِبَاطُ فَيَبْقَى قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مُنَجَّزًا بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مُغَيِّرًا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صَدْرُ الْكَلَامِ (وَبِأَنْتِ طَالِقٌ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، أَوْ بِإِرَادَتِهِ، أَوْ بِمَحَبَّتِهِ، أَوْ بِرِضَاهُ لَا) أَيْ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ إذْ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، وَفِي التَّعْلِيقِ إلْصَاقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ (وَإِضَافَتُهَا) أَيْ إضَافَةُ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْمَشِيئَةِ وَغَيْرِهَا (إلَى الْعَبْدِ تَمْلِيكٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ (كَإِنْ شَاءَ فُلَانٌ) ، أَوْ أَرَادَ، أَوْ أَحَبَّ، أَوْ رَضِيَ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَ التَّعْلِيقِ) خَاصٌّ بِنَحْوِ هَذَا الْمِثَالِ، وَإِلَّا فَالتَّعْلِيقُ بِنَحْوِ طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا الْمِلْكُ فِيهِ مُنْعَدِمٌ مَعَ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ لِإِضَافَتِهِ إلَى الْمِلْكِ. (قَوْلُهُ: فَلَا عُقْرَ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ دِيَةُ الْفَرْجِ الْمَغْصُوبِ وَصَدَاقُ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ دِيَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ إذَا غُصِبَ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَهْرِ وَبِفَتْحِهَا الْجُرْحُ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: بِاللَّبْثِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُكْثُ مِنْ لَبِثَ كَسَمِعَ وَهُوَ نَادِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْ فَعِلَ بِالْكَسْرِ قِيَاسُهُ بِالتَّحْرِيكِ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: بَلْ بِإِيلَاجِهِ ثَانِيًا) قَالَ فِي النَّهْرِ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا بِأَنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَ حُرٌّ وَحُرٌّ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ عَطَفَ بِمُرَادِفِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ وَعَتِيقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ فَاصِلًا وَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ اهـ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّرْطِ الِاتِّصَالُ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَعُرُوضُ اللَّغْوِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَزَاءِ فَاصِلٌ يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَيَجْعَلُ أَبُو يُوسُفَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " لِلتَّعْلِيقِ وَهُمَا لِلْإِبْطَالِ وَبِهِ يُفْتَى وَقِيلَ الْخِلَافُ بِالْعَكْسِ فَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ كَذَا بِلَا فَاءٍ يَقَعُ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَلْغُو عَلَى الثَّانِي وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ صَاحِبُ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ) مُفِيدٌ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ إنْ شَاءَ الْجِنُّ، أَوْ الْحَائِطُ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوقَفْ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ

[باب طلاق الفار]

فَإِنْ عَلِمَهُ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ وَشَاءَ وَقَعَ الطَّلَاقُ. . (وَ) قَوْلُهُ (أَنْتِ طَالِقٌ بِأَمْرِهِ، أَوْ حُكْمِهِ، أَوْ قَضَائِهِ، أَوْ إذْنِهِ أَوْ عِلْمِهِ، أَوْ قُدْرَتِهِ تَنْجِيزٌ) يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ (سَوَاءٌ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى، أَوْ إلَى الْعَبْدِ) إذْ يُرَادُ بِمِثْلِهِ التَّنْجِيزُ عُرْفًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِحُكْمِ الْقَاضِي. . (وَ) إنْ قَالَ (بِاللَّامِ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَوْ لِأَمْرِهِ، أَوْ لِحُكْمِهِ. . . إلَخْ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي الْوُجُوهِ الْعَشَرَةِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ أَضَافَ إلَى اللَّهِ، أَوْ إلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ كَأَنَّهُ أَوْقَعَ وَعَلَّلَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِدُخُولِكِ الدَّارَ. (وَ) إنْ قَالَ (بَقِيَ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ. . . إلَخْ (فَإِنْ أَضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقَعُ) الطَّلَاقُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ (إلَّا فِي الْعِلْمِ) لِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَهُوَ وَاقِعٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ وَلَا يَلْزَمُ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ هَاهُنَا التَّقْدِيرُ وَقَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا وَلَا يُقَدِّرُ شَيْئًا حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِهِ صِفَةً تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ يَقَعُ فِي الْحَالِ. (وَ) إنْ أَضَافَ (إلَى الْعَبْدِ صَحَّ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ) فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ تَعْلِيقًا فِي غَيْرِهَا وَهِيَ السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ عَشَرَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَأَخَوَاتُهَا وَسِتٌّ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ وَهِيَ الْأَمْرُ وَأَخَوَاتُهُ وَالْكُلُّ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ إلَى الْعَبْدِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ، أَوْ بِاللَّامِ، أَوْ بِفِي (بِأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ يَقَعُ وَاحِدَةٌ وَبِإِلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ ثِنْتَانِ وَبِإِلَّا ثَلَاثًا) يَقَعُ (ثَلَاثٌ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا فَشَرْطُ صِحَّتِهِ أَنْ يَبْقَى وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى شَيْءٌ لِيَصِيرَ مُتَكَلِّمًا بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى جَمِيعَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ شَيْءٌ لِيَتَكَلَّمَ بِهِ (لَا بِإِنْ نَكَحْتُهَا عَلَيْكِ فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَهَا عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ) أَيْ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ الْجَدِيدَةُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلَّتِي تَحْتَهُ إنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ امْرَأَةً فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَطَلَّقَ الَّتِي مَعَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَيْهَا أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَنْ يُنَازِعُهَا فِي الْفِرَاشِ وَيُزَاحِمُهَا فِي الْقَسْمِ وَلَمْ يُوجَدْ (سَأَلَتْ) الْمَرْأَةُ (الطَّلَاقَ فَقَالَ) الزَّوْجُ (أَنْتِ طَالِقٌ خَمْسِينَ تَطْلِيقَةً فَقَالَتْ ثَلَاثٌ يَكْفِينِي فَقَالَ) الزَّوْجُ (ثَلَاثٌ لَك وَالْبَاقِي لِصَوَاحِبِكِ وَلَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ غَيْرِهَا تَطْلُقُ الْمُخَاطَبَةُ ثَلَاثًا لَا غَيْرُهَا أَصْلًا) كَذَا فِي وَاقِعَاتِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ (بَابُ طَلَاقِ الْفَارِّ) (مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي فَارٌّ بِالطَّلَاقِ (كَمَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ مَصَالِحِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ) فَمَنْ يَقْضِيهَا فِي خَارِجِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَشْتَكِي لَا يَكُونُ فَارًّا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْهُ هُوَ الصَّحِيحُ (وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا) فِي الْمُحَارَبَةِ (أَوْ قَدِمَ لِيُقْتَلَ بِقِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٍ) وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إذَا قَدِمَ لِلْقِصَاصِ لَا يَكُونُ فَارًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنْ عَلِمَهُ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ وَشَاءَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَى فُلَانٍ وَقَعَ ذِكْرُ الطَّلَاقِ أَوَّلًا كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فِي الْوُجُوهِ الْعَشَرَةِ) أَوَّلُهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْعِلْمِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي، ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ الْعِلْمُ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهَا طَالِقٌ فَهُوَ فَرْعُ تَحَقُّقِ طَلَاقِهَا وَكَذَا نَقُولُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَفْهُومِهَا فَلَا يَقَعُ لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعَهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ سَبْقُ تَحَقُّقِهِ يُقَالُ لِلْفَاسِدِ الْحَالِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْحَالِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِإِلَّا ثَلَاثًا يَقَعُ ثَلَاثٌ) كَذَا نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي أَمَّا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَنِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ وَهِنْدَ وَبَكْرَةَ وَعَمْرَةَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ أَتَى عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: فَطَلَّقَ الَّتِي مَعَهُ) يَعْنِي طَلَاقًا بَائِنًا لِأَنَّ الْمُبَانَةَ لَا قَسْمَ لَهَا بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، إذْ لَهَا الْقَسْمُ فَمَتْنُهُ خَيْرٌ مِنْ شَرْحِهِ. [بَابُ طَلَاقِ الْفَارِّ] (بَابُ طَلَاقِ الْفَارِّ) (قَوْلُهُ: كَمَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ مَصَالِحِهِ خَارِجَ الْبَيْتِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ إذَا أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِهَا فِي الْبَيْتِ لَا فِي خَارِجِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحِيحٌ. اهـ. . وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا فِي الْمَرْأَةِ فَقَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فَبِأَنْ تَعْجِزَ عَنْ الْمَصَالِحِ الدَّاخِلَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الصُّعُودُ إلَى السَّطْحِ فَهِيَ مَرِيضَةٌ اهـ. وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ عَلَى نَحْوِ الطَّبْخِ دُونَ صُعُودِ السَّطْحِ لَمْ تَكُنْ مَرِيضَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ. اهـ. . (فَرْعٌ) الشَّخْصُ الصَّحِيحُ فِي فَشْوِ الطَّاعُونِ كَالْمَرِيضِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي الْفَتْحِ لَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا اهـ لَكِنَّ قَوَاعِدَهُمْ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ بَذْلُ الْمَاعُونِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِي جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَاَلَّذِي طَلَّقَ وَهُوَ فِي صَفِّ الْقِتَالِ فَلَا يَكُونُ فَارًّا اهـ. وَلَيْسَ مُسَلَّمًا إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ مَنْ هُوَ مَعَ قَوْمٍ يَدْفَعُونَ عَنْهُ فِي الصَّفِّ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ مَعَ قَوْمٍ هُمْ مِثْلُهُ لَيْسَ لَهُمْ قُوَّةُ الدَّفْعِ عَنْ أَحَدٍ حَالَ فَشْوِ الطَّاعُونِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَنْ بَارَزَ رَجُلًا) قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُبَارَزَ لَيْسَ مِنْ أَقْرَانِهِ بَلْ أَقْوَى مِنْهُ كَذَا فِي النَّهْرِ

لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّجْمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ الِاعْتِمَادُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (أَوْ رَكِبَ سَفِينَةً فَانْكَسَرَتْ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ أَوْ افْتَرَشَهُ السَّبُعُ وَبَقِيَ فِي فِيهِ) وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ مَا دَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ كَالْمَرِيضِ فَإِنْ صَارَ قَدِيمًا وَلَمْ يَزْدَدْ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ كَالرَّجُلِ) حَتَّى لَوْ بَاشَرَتْ سَبَبَ الْفُرْقَةِ كَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالتَّمْكِينِ مِنْ ابْنِ الزَّوْجِ وَالِارْتِدَادِ بَعْدَمَا حَصَلَ لَهَا مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ يَرِثُهَا الزَّوْجُ لِكَوْنِهَا فَارَّةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَالْحَامِلُ كَالصَّحِيحَةِ) فَإِنْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ كَالْمَرِيضَةِ لِأَنَّ هَلَاكَهَا لَا يَغْلِبُ مَا لَمْ يَأْخُذْهَا الطَّلْقُ كَذَا فِي الْكَافِي (فَارٌّ بِالطَّلَاقِ وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ إلَّا مِنْ الثَّالِثِ فَلَوْ أَبَانَهَا بِلَا رِضَاهَا) حَتَّى لَوْ رَضِيَتْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ فَارًّا (وَمَاتَ) الزَّوْجُ (وَلَوْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْمَرَضِ وَالْمُبَارَزَةِ وَنَحْوِهِمَا بِأَنْ يُقْتَلَ الْمَرِيضُ أَوْ يَمُوتَ بِمَرَضٍ آخَرَ (وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تَرِثُ) هَذَا فِي الْبَائِنِ، وَأَمَّا فِي الرَّجْعِيِّ فَتَرِثُ مِنْهُ مُطْلَقًا إذَا مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ السَّبَبُ لِإِرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّ الزَّوْجَ قَصَدَ إبْطَالَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى زَمَانِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا وَلِهَذَا يَرِثُهَا هُوَ إذَا مَاتَتْ بِخِلَافِ الْبَائِنِ لِأَنَّ السَّبَبَ - وَهُوَ النِّكَاحُ - قَدْ زَالَ. (كَذَا) تَرِثُ (طَالِبَةُ رَجْعِيٍّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ النِّكَاحَ وَلِهَذَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَا يَحْرُمُ بِهِ الْمِيرَاثُ فَلَمْ تَكُنْ بِسُؤَالِهَا إيَّاهُ رَاضِيَةً بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً. . (وَ) كَذَا تَرِثُ (مُبَانَةٌ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا) يَعْنِي: أَبَانَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ فَقَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا لَا يَمْنَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ رَكِبَ سَفِينَةً فَانْكَسَرَتْ) لَيْسَ كَسْرُهَا شَرْطًا بَلْ كَذَلِكَ لَوْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ وَخِيفَ الْغَرَقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْبَدَائِعِ وَقَيَّدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِأَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْجِ أَمَّا لَوْ سَكَنَ، ثُمَّ مَاتَ لَا تَرِثُ. اهـ. . وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْطُ كَوْنِهِ فَارًّا فَلَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَفْلُوجُ. . . إلَخْ) اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ أَحَدُ خَمْسَةِ أَقْوَالٍ فِيهِ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَرْأَةُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالرَّجُلِ) فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي اشْتِرَاطِ عَجْزِهَا عَنْ الْمَصَالِحِ خَارِجَ الْبَيْتِ، وَعُلِمَتْ مُخَالَفَتُهَا لَهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْ بَعْدَ مَا تَمَّ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ اهـ. (قُلْتُ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَادَةَ صُعُوبَةُ طَلْقِ السِّقْطِ بِمَا هُوَ أَشَدُّ فِي تَمَامِ الْمُدَّةِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الطَّلَاقِ فَقِيلَ هُوَ الْوَجَعُ الَّذِي لَا يَسْكُنُ حَتَّى الْمَوْتِ أَوْ تَلِدَ وَقِيلَ: وَإِنْ سَكَنَ لِأَنَّ الْوَجَعَ يَسْكُنُ تَارَةً وَيَهِيجُ أُخْرَى وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَلَاكَهَا لَا يَغْلِبُ مَا لَمْ يَأْخُذْهَا الطَّلْقُ) فِي مَفْهُومِهِ تَأَمُّلٌ، إذْ الْمَعْلُومُ أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ الْهَلَاكُ بِالطَّلْقِ، وَالْفَارُّ مَنْ غَالِبُ حَالِهِ الْهَلَاكُ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَبَانَهَا بِلَا رِضَاهَا) أَيْ وَهُوَ طَائِعٌ لَا مُكْرَهٌ وَكَذَا يَكُونُ فَارًّا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِمَرَضِهِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، أَوْ وَكَّلَ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَأَوْقَعَهُ وَكِيلُهُ حَالَ مَرَضِهِ قَادِرًا عَلَى عَزْلِهِ لَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ وَلَوْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: هَذَا فِي الْبَائِنِ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فَارٌّ بِالطَّلَاقِ لِيَخْرُجَ الرَّجْعِيُّ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ ظَاهِرٌ فِي الرَّجْعِيِّ فَقَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِيَخْرُجَ الرَّجْعِيُّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَيْ كَمَا ذُكِرَ إذْ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ مَتْنًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ تَرِثُ فِيهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً كَانَ صَحِيحًا، أَوْ مَرِيضًا وَقْتَ التَّطْلِيقِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا السَّبَبُ لِإِرْثِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) غَيْرُ جَيِّدٍ لِأَنَّهَا - أَيْ الزَّوْجِيَّةَ - سَبَبُ إرْثِهَا عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ مَرَضٍ، أَوْ فَجْأَةٍ، وَالْوَجْهُ أَنْ نَقُولَ الزَّوْجِيَّةُ سَبَبُ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَالزَّوْجُ قَصَدَ. . . إلَخْ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ هَذَا فِي الْبَائِنِ يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ: فَإِنَّ الزَّوْجَ قَصَدَ إبْطَالَهُ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الزَّوْجَ قَصَدَ إبْطَالَهُ. . . إلَخْ) مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ قَصْدَ الْإِبْطَالِ إنَّمَا هُوَ فِي الْبَائِنِ لَا الرَّجْعِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ اَ هـ. وَيُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ فَارًّا أَهْلِيَّتُهَا لِلْإِرْثِ فِي الْبَائِنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ إلَى الْمَوْتِ، وَفِي الرَّجْعِيِّ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَوْ كَذَّبَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ فَالْقَوْلُ لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَادَّعَتْ الْعِتْقَ - قَبْلَ مَوْتِهِ - وَالْوَرَثَةُ بَعْدَهُ؛ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُمْ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَرِثُهَا) هُوَ إذَا مَاتَتْ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَمُ ذِكْرِهِ هُنَا لِإِيهَامِ ذِكْرِهِ تَعَلُّقَهُ بِالْبَائِنِ وَلَيْسَ صَحِيحًا بَلْ بِالرَّجْعِيِّ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَيَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَرِثُهَا هُوَ إذَا مَاتَتْ يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ: عَقِبَهُ بِخِلَافِ الْبَائِنِ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ النِّكَاحُ قَدْ زَالَ يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لِقَصْدِهِ الَّذِي رُدَّ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ عَمَلِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ هِيَ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ لَا يَرِثُهَا هُوَ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِإِرْثِهِ مِنْهَا مُؤَاخِذَةً لَهُ بِقَصْدِهِ وَرِضَاهُ بِهِ هَكَذَا يَجِبُ حَلُّ هَذَا الْمَحَلِّ لِدَفْعِ الِاشْتِبَاهِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَلَعَلَّهُ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ بِوَضْعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّبَبَ - وَهُوَ النِّكَاحُ - قَدْ زَالَ) فِيهِ قُصُورٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ: لَكِنْ لَمَّا صَارَ فَارًّا رُدَّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ فَوَرِثَتْ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: كَذَا تَرِثُ طَالِبَةُ رَجْعِيٍّ) سَوَاءٌ فِيهِ مَا لَوْ صَرَّحَتْ بِهِ، أَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي وَلَمْ تَزِدْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: كَذَا تَرِثُ مُبَانَةٌ قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا)

تَقْبِيلُهَا الْإِرْثَ إذْ الْبَيْنُونَةُ وَقَعَتْ بِإِبَانَتِهِ لَا بِتَقْبِيلِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَانَتْ بِالتَّقْبِيلِ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ. . (وَ) كَذَا تَرِثُ (مَنْ لَاعَنَهَا، أَوْ آلَى مِنْهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْمَرَضِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ لَاعَنَ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّهَا تَرِثُ وَكَذَا إذَا قَذَفَ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّ هَذَا مُلْحَقٌ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي؛ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ إذَا حَلَفَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ وَوَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ، ثُمَّ مَاتَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ (وَلَوْ آلَى فِي صِحَّتِهِ وَبَانَتْ بِهِ) أَيْ بِالْإِيلَاءِ (فِي مَرَضِهِ لَا) أَيْ لَا تَرِثُ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ أَيْضًا فِي الْمَرَضِ تَرِثُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ فِي مَعْنَى تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَعْنَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ خَالِيَةٍ عَنْ الْوِقَاعِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِالتَّعَلُّقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ كَمَرِيضٍ عَجَزَ إلَى آخِرِهِ (مَنْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ، أَوْ حُمَّ، أَوْ حُبِسَ لِقِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٍ، أَوْ حُصِرَ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ حِينَئِذٍ لَا تَرِثُ) لِأَنَّ الْهَلَاكَ لَيْسَ بِغَالِبٍ فِيهَا (كَذَا) لَا تَرِثُ (الْمُخْتَلِعَةُ فِي مَرَضِهِ وَمُخَيَّرَةٌ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِيهِ وَمَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِأَمْرِهَا، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِبُطْلَانِ حَقِّهَا وَالتَّأْخِيرُ كَانَ لِحَقِّهَا (أَوْ لَا بِهِ) أَيْ وَكَذَا لَا تَرِثُ مَنْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا لَا بِأَمْرِهَا (ثُمَّ صَحَّ) الزَّوْجُ مِنْ مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَارًّا لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَلِذَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ. (تَصَادَقَا عَلَى ثَلَاثٍ فِي الصِّحَّةِ وَمَضَى الْعِدَّةُ أَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فَأَقَرَّ لَهَا بِمَالٍ أَوْصَى فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِرْثِ) أَيْ قَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ كُنْت طَلَّقْتُكِ وَأَنَا صَحِيحٌ فَانْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَصَدَّقَتْهُ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِمَالٍ، أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ، أَوْ أَبَانَهَا بِأَمْرِهَا فِي مَرَضِهِ فَأَقَرَّ لَهَا، أَوْ أَوْصَى، ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ. (إذَا عَلَّقَ) الْمَرِيضُ (طَلَاقَهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ - وَالتَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا (فِي مَرَضِهِ -، أَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا (بِفِعْلِ نَفْسِهِ - وَهُمَا) أَيْ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ (فِي الْمَرَضِ، أَوْ الشَّرْطُ فَقَطْ) فِيهِ (-، أَوْ) عَلَّقَ طَلَاقَهَا (بِفِعْلِهَا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ) كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَاسْتِيفَائِهِ (- وَهُمَا فِي الْمَرَضِ، أَوْ الشَّرْطُ -) فَقَطْ فِيهِ وَجَوَابُ إذَا قَوْلُهُ (وَرِثَتْ) الْمَرْأَةُ لِكَوْنِ الزَّوْجِ فَارًّا (وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (لَا) أَيْ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ، أَوْ كَيْفَمَا كَانَ إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا الَّذِي لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ، أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْمَرْأَةِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، أَوْ كَانَ فِي الْمَرَضِ: أَمَّا الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَرَجَ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا كَاَلَّتِي فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهَا لَا تَرِثُ لِكَوْنِهَا بَانَتْ بِالتَّقْبِيلِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ طَائِعَةً، أَوْ مُكْرَهَةً لِرِضَاهَا بِإِبْطَالِ حَقِّهَا فِي الطَّوْعِ وَلِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إبْطَالُ حَقِّهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ أَيْضًا. . . إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِدُونِ سَطْرٍ. (قَوْلُهُ: فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِرْثِ) هَذَا إذَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا أَمَّا إذَا انْقَضَتْ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا جَمِيعُ مَا أَقَرَّ لَهَا بِهِ، أَوْ أَوْصَى كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ. اهـ. . وَلَيْسَتْ " مِنْ " فِيهِمَا صِلَةً لِأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ أَقَلَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ لِلْبَيَانِ، وَأَفْعَلُ اُسْتُعْمِلَ بِاللَّامِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ: أَوْ مِنْ الْإِرْثِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَقَلَّ بَيَّنَهُ بِأَحَدِهِمَا وَصِلَةُ الْأَقَلِّ مَحْذُوفٌ وَهُوَ مِنْ الْأُخْرَى أَيْ فَلَهَا أَحَدُهُمَا الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْآخَرِ فَتَكُونُ الْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ "، أَوْ تَكُونُ عَلَى مَعْنَاهَا لَكِنْ لَا يُرَادُ بِهِمَا الْمَجْمُوعُ بَلْ الْأَقَلُّ الَّذِي هُوَ الْإِرْثُ تَارَةً وَالْمُوصَى بِهِ أُخْرَى فَتَكُونُ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ لِأَنَّ الْأَقَلِّيَّةَ ثَابِتَةٌ لَكِنْ بِحَسَبِ زَمَانَيْنِ قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَاعْتَرَضَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا بِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلْجَمْعِ فِي أَفْعَلَ بِحَسَبِ زَمَانَيْنِ لَا يَجِبُ إذَا كَانَتْ صِلَةَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ أَقَلُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهَا أَحَدَهُمَا لَا غَيْرُ، نَعَمْ لَا يَجْتَمِعُ " مِنْ " وَاللَّامُ، وَجَعَلَهَا فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ مُتَعَلِّقَةً بِالظَّرْفِ أَيْ ثَبَتَ لَهَا دَائِمًا مِنْ الْمُوصَى بِهِ وَمِنْ الْإِرْثِ مَا هُوَ أَقَلُّ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) : عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَا تَأْخُذُهُ لَهُ شَبَهٌ بِالْمِيرَاثِ فَمَا نَوَى كَانَ عَلَى الْكُلِّ وَشُبِّهَ بِالدَّيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهَا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ وَسَوَاءٌ كَانَ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ. . . إلَخْ) قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مُطْلَقًا حَتَّى بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: إنَّهَا عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ إمَّا بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِفِعْلِهِ، أَوْ فِعْلِهَا، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ وَالشَّرْطَ إمَّا أَنْ يُوجَدَا فِي الصِّحَّةِ، وَفِي الْمَرَضِ، أَوْ يُوجَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ اهـ.

[باب الرجعة]

أَعْنِي مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَجِيءِ الزَّمَانِ، أَوْ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ وَرِثَتْ لِلْفِرَارِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ لَمْ تَرِثْ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَتَرِثُ كَيْفَمَا كَانَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِمَّا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ صَارَ قَاصِدًا إبْطَالَ حَقِّهَا بِالتَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ، أَوْ بِالشَّرْطِ وَحْدَهُ لِأَنَّ لِلشَّرْطِ شَبَهًا بِالْعِلَّةِ لِأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا مِنْ وَجْهٍ صِيَانَةً لِحَقِّهَا، وَاضْطِرَارُهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ غَيْرِهِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ حَالَ الِاضْطِرَارِ، أَوْ النَّوْمِ، وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِفِعْلِهَا فَإِنْ كَانَ فِعْلًا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ لَمْ تَرِثْ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ وَالشَّرْطُ فِي الْمَرَضِ، أَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالشَّرْطُ وَالْمَرَضِ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِالشَّرْطِ، وَالرِّضَاءُ بِهِ يَكُونُ رِضًا بِالْمَشْرُوطِ. (أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ) وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَصَحَّ (فَمَاتَ، أَوْ أَبَانَهَا فَارْتَدَّتْ فَأَسْلَمَتْ فَمَاتَ) الزَّوْجُ (لَمْ تَرِثْ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الصِّحَّةَ لَمَّا تَخَلَّلَتْ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَارٍّ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ بِارْتِدَادِهَا أَبْطَلَتْ أَهْلِيَّةَ الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَإِذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُ السَّبَبِ (قَالَ لَهَا إنْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا) حَتَّى إذَا مَرِضَ وَمَاتَ فِيهِ تَرِثُ (قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ: طَلِّقْنِي فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَرِثَتْ) لِأَنَّ مَدْلُولَ طَلِّقْنِي طَلَبُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّضَا بِهِ الرِّضَا بِالثَّلَاثِ فَإِذَا أَتَى بِهَا الزَّوْجُ كَانَ فَارًّا وَوَرِثَتْ الْمَرْأَةُ. (قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ أُخْرَى ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى (عِنْدَ التَّزَوُّجِ فَلَا يَصِيرُ) الزَّوْجُ (فَارًّا فَلَا تَرِثُ) الْمَرْأَةُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا طَلُقَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَصِيرُ فَارًّا وَتَرِثُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِعَدَمِ تَزَوُّجِ غَيْرِهَا بَعْدَهَا وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ فَكَانَ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنَّ الْمَوْتَ مُعَرَّفٌ وَاتِّصَافُهُ بِالْآخِرِيَّةِ مِنْ وَقْتِ الشَّرْطِ فَيَثْبُتُ مُسْتَنِدًا. (بَابُ الرَّجْعَةِ) (هِيَ اسْتِدَامَةُ الْقَائِمِ فِي الْعِدَّةِ) أَيْ إبْقَاءُ النِّكَاحِ عَلَى مَا كَانَ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ قَائِمٌ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] فَإِنَّ الْإِمْسَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِدَامَةِ النِّكَاحِ الْقَائِمِ لَا عَنْ إعَادَةِ الزَّائِلِ فَيَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ، وَشَرْطِيَّةِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِدَامَةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ مَا دَامَتْ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً؛ إذْ الْمِلْكُ بَاقٍ فِي الْعِدَّةِ زَائِلٌ بَعْدَ انْقِضَائِهَا (بِنَحْوِ رَاجَعْتُك وَبِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) مِنْ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا مَرَّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ عِنْدَهُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ فَلَا يَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ لَهَا: إنْ مَرِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا) هُوَ الصَّحِيحُ فَتَرِثُ بِمَوْتِهِ فِي عِدَّتِهَا وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ: لَا تَرِثُ وَكَذَا يَكُونُ فَارًّا إذَا عَلَّقَ الْمَرِيضُ الثَّلَاثَ بِعِتْقِهَا، أَوْ إسْلَامِهَا، أَوْ قَالَ سَيِّدُ الْأَمَةِ: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا، وَقَالَ زَوْجُهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ إنْ عَلِمَ بِكَلَامِ الْمَوْلَى يَكُونُ فَارًّا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهَا وَطَلَاقَهَا ثَلَاثًا بِالْغَدِ فَجَاءَ وَقَعَا، وَلَا تَرِثُ بِمَوْتِهِ فِي عِدَّتِهَا كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَقَدَّمْنَا عَنْ التَّحْرِيرِ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِهِ بِمَا قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرَيْنِ، وَالْكَلَامَ عَلَى عِدَّتِهَا، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ صَارَ فَارًّا وَتُزَادُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ عَلَى السِّتَّةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً فِي تَعْلِيقِ الْفَارِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهَا. (قَوْلُهُ: قَالَتْ لِزَوْجِهَا الْمَرِيضِ. . . إلَخْ) فِيمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ: كَذَا تَرِثُ طَالِبَةُ رَجْعِيٍّ طَلُقَتْ ثَلَاثًا غَنِيَّةً عَنْ هَذَا. (قَوْلُهُ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَلَا تَرِثُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً دَخَلَ بِهَا أَمْ لَا إلَّا أَنَّهُ إنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرٌ وَنِصْفٌ وَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهَا مَهْرٌ وَاحِدٌ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ. [بَابُ الرَّجْعَةِ] (بَابُ الرَّجْعَةِ) الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْفَتْحَ فِيهَا أَفْصَحُ مِنْ الْكَسْرِ خِلَافًا لِلْأَزْهَرِيِّ فِي دَعْوَى أَكْثَرِيَّةِ الْكَسْرِ، وَلِمَكِّيٍّ تَبَعًا لِابْنِ دُرَيْدٍ فِي إنْكَارِ الْكَسْرِ عَلَى الْفُقَهَاءِ تَتَعَدَّى وَلَا تَتَعَدَّى يُقَالُ: رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَرَجَعْتُهُ إلَيْهِمْ رَدَدْتُهُ رَجْعًا وَرُجُوعًا وَمَرْجِعًا كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ رَاجَعْتُكِ) يُرِيدُ بِهِ رَاجَعْت امْرَأَتِي وَارْتَجَعْتُكِ وَرَجَعْتُكِ وَرَدَدْتُكِ وَأَمْسَكْتُكِ وَمَسَكْتُكِ وَهَذَا صَرِيحٌ وَاشْتُرِطَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فِي رَدَدْتُكِ الصِّلَةُ كَإِلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي، أَوْ إلَى عِصْمَتِي وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الصِّلَةِ فِي الِارْتِجَاعِ وَالْمُرَاجَعَةِ قَالَ الْكَمَالُ: وَهُوَ حَسَنٌ، إذْ مُطْلَقُهُ يُسْتَعْمَلُ فِي ضِدِّ الْقَبُولِ وَمِنْ الصَّرِيحِ النِّكَاحُ وَالتَّزْوِيجُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ،. وَفِي الْيَنَابِيعِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا رُكْنُ الرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ إمَّا قَوْلٌ، أَوْ فِعْلٌ وَالْقَوْلُ الصَّرِيحُ مَا تَقَدَّمَ وَالْكِنَايَةُ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْتِ وَأَنْتِ امْرَأَتِي فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَبِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ) بَيَانٌ لِلرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ وَنُقِلَ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إذَا رَاجَعَهَا بِقُبْلَةٍ، أَوْ لَمْسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْإِشْهَادِ ثَانِيًا. اهـ. لِأَنَّ السُّنَّةَ الرَّجْعَةُ بِالْقَوْلِ وَالْإِشْهَادِ وَإِعْلَامِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ) يَعْنِي بِهِ اللَّمْسَ وَالْقُبْلَةَ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهَا وَالنَّظَرَ إلَى فَرْجِهَا الدَّاخِلِ بِشَهْوَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُرَاجَعَةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ مِنْهُ، أَوْ مِنْهَا بَعْدَ كَوْنِهِ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا

عِنْدَهُ الْوَطْءُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ بِالْقَوْلِ (وَتَصِحُّ) أَيْ الرَّجْعَةُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ طَلْقَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ وَهَذَا فِي الْحُرَّةِ، وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ وَقَدْ مَرَّ مِرَارًا (وَإِنْ أَبَتْ) الْمَرْأَةُ عَنْ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِمْسَاكِ مُطْلَقٌ فَيَشْمَلُ التَّقَادِيرَ. (وَنُدِبَ إعْلَامُهَا) أَيْ إعْلَامُ الزَّوْجِ إيَّاهَا بِالرَّجْعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعْلِمْهَا لَرُبَّمَا تَقَعُ الْمَرْأَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَزَوَّجُ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهَا أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُرَاجِعْهَا وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فَكَانَتْ عَاصِيَةً وَزَوْجُهَا الَّذِي أَوْقَعَهَا فِيهِ مُسِيئًا بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يُعْلِمْهَا صَحَّتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلْقَائِمِ وَلَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ فَكَانَ الزَّوْجُ بِرَجْعَتِهِ مُتَصَرِّفًا فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَتَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ حَقِّهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْغَيْرِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ عَاصِيَةً بِغَيْرِ عِلْمٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ فَقَدْ تَرَكَتْ التَّثَبُّتَ فَوَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ جَاءَ مِنْ جِهَتِهَا. (وَ) نُدِبَ (الْإِشْهَادُ) أَيْضًا احْتِرَازًا عَنْ التَّجَاحُدِ وَعَنْ الْوُقُوعِ فِي مَوَاقِعِ التُّهَمِ لِأَنَّ النَّاسَ عَرَفُوهُ مُطْلَقًا فَيُتَّهَمُ بِالْقُعُودِ مَعَهَا، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ صَحَّتْ. . (وَ) نُدِبَ أَيْضًا (عَدَمُ دُخُولِهِ عَلَيْهَا بِلَا إذْنِهَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الرَّجْعَةَ) أَيْ يُعْلِمُهَا بِدُخُولِهِ عَلَيْهَا بِالنِّدَاءِ، أَوْ التَّنَحْنُحِ، أَوْ صَوْتِ النَّعْلِ لِتَتَأَهَّبَ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ نَظَرُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْجُمْلَةِ. (ادَّعَى بَعْدَ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ فِيهَا إنْ صَدَّقَتْهُ فَرَجْعَةٌ) لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى (وَإِنْ كَذَّبَتْهُ فَلَا) أَيْ لَا يَكُونُ رَجْعَةً لِأَنَّهُ مُدَّعٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ (وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا) لِمَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يَمِينَ فِيهَا (كَمَا فِي رَاجَعْتُكِ) أَيْ كَمَا لَا يَكُونُ رَجْعَةً إذَا قَالَ رَاجَعْتُكِ يُرِيدُ بِهِ الْإِنْشَاءَ (فَقَالَتْ - مُجِيبَةً لَهُ -: مَضَتْ عِدَّتِي) لِأَنَّ هَذِهِ الرَّجْعَةَ صَادَفَتْ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ، وَهَذَا لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ فَوَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهَا فَإِذَا أَخْبَرَتْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سَبْقِ الِانْقِضَاءِ، وَأَقْرَبُ أَحْوَالِهِ حَالُ قَوْلِ الزَّوْجِ رَاجَعْتُك فَيَكُونُ مُقَارِنًا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا تَصِحُّ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَتَتْ، ثُمَّ أَخْبَرَتْ بِالِانْقِضَاءِ لِأَنَّ أَقْرَبَ الْأَحْوَالِ فِيهَا حَالُ السَّكْتَةِ فَيُصَارُ إلَيْهِ. . (وَ) كَمَا (فِي زَوْجِ أَمَةٍ أَخْبَرَ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْعِدَّةِ (بِالرَّجْعَةِ وَصَدَّقَهُ سَيِّدُهَا وَكَذَّبَتْهُ) الْأَمَةُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا فَإِنَّ صِحَّةَ الرَّجْعَةِ بِنَاءٌ عَلَى قِيَامِ الْعِدَّةِ، وَالْقَوْلُ فِي الْعِدَّةِ قَوْلُهَا بَقَاءً وَانْقِضَاءً فَكَذَا فِيمَا بُنِيَ عَلَيْهِ (أَوْ قَالَتْ) الْأَمَةُ (مَضَتْ) عِدَّتِي (وَأَنْكَرَا) أَيْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ مُضِيَّ الْعِدَّةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِشَأْنِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاتِّفَاقًا قَالَ فِي الْفَتْحِ: بِشَرْطِ أَنْ يُصَدِّقَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَإِنْ كَانَ اخْتِلَاسًا مِنْهَا كَأَنْ كَانَ نَائِمًا، أَوْ فَعَلَتْهُ وَهُوَ مُكْرَهٌ، أَوْ مَعْتُوهٌ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا بِإِدْخَالِهَا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا وَهُوَ نَائِمٌ، أَوْ مَجْنُونٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ: وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ رَجْعَةٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَرَجْعَةُ الْمَجْنُونِ بِالْفِعْلِ، وَلَا تَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِهِمَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ) بَيَانُ شَرْطِ الرَّجْعَةِ وَلَهَا شُرُوطٌ خَمْسٌ تُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَبَتْ) أَيْ بَعْدَ الْعِلْمِ وَكَذَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِهَا أَصْلًا وَمَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ إعْلَامِ الْغَائِبَةِ بِهَا فَسَهْوٌ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: أُجِيبَ بِأَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ سُؤَالٍ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا مُشْكِلٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا السُّؤَالُ، وَالْمَعْصِيَةُ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا اهـ قَالَ الْكَمَالُ: وَلَيْسَ السُّؤَالُ إلَّا لِدَفْعِ مَا هُوَ مُتَوَهَّمُ الْوُجُودِ بَعْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ فَهُوَ وِزَانُ إعْلَامِهِ إيَّاهَا، إذْ هُوَ أَيْضًا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذًا كَانَ مُسْتَحَبًّا. (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَقْصِدْ الرَّجْعَةَ) كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْمُرَاجَعَةُ بِالنَّظَرِ لِدَاخِلِ فَرْجِهَا وَهُوَ مَكْرُوهٌ فَيُنْدَبُ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهَا حَتَّى يُؤْذِنَهَا وَلَوْ قَصَدَ الرَّجْعَةَ دَفْعًا لِوُقُوعِ الرَّجْعَةِ بِالْمَكْرُوهِ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ بِالْإِطْلَاقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ نَظَرُهُ إلَيْهِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ، إذْ الْكَلَامُ فِي الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا وَلَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فَالنَّظَرُ لَهُ مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ إنَّمَا نُدِبَ إعْلَامُهَا بِدُخُولِهِ لِخَوْفِ أَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى مَوْضِعٍ يَصِيرُ بِهِ مُرَاجِعًا وَهُوَ لَا يُرِيدُهَا فَيَحْتَاجَ إلَى طَلَاقِهَا فَتَطُولَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فَيَلْزَمَهَا الضَّرَرُ بِذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا لِمَا يَأْتِي) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ: وَتُحَلَّفُ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي رَاجَعْتُكِ) لَيْسَ هُوَ مِثْلَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا تُحَلَّفُ هُنَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَوَقَعَ فِي التَّبْيِينِ - وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ - أَنَّهَا تُحَلَّفُ هُنَا بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ صَحَّتْ عِنْدَهُمَا فَعَلَامَ تُسْتَحْلَفُ وَاَلَّذِي فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَأَجَابَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا لَوْ قَالَا: كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ فَرَاجِعْهَا اهـ. وَبَعْدُهُ لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَصَدَّقَهُ سَيِّدُهَا وَكَذَّبَتْهُ) أَيْ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَفِي قَلْبِهِ الْقَوْلُ لِسَيِّدِهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ، وَفِي النَّهْرِ هُوَ الْأَصَحُّ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي وَأَنْكَرَ. . . إلَخْ) أَيْ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ، إذْ لَوْ أَخْبَرَتْ بِأَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا لَهُ

(تَنْقَطِعُ) أَيْ الْعِدَّةُ (إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ الْأَخِيرِ لِعَشَرَةٍ) وَهُوَ الْحَيْضُ الثَّالِثُ مِنْ الْعِدَّةِ (وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ مَا تَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الِاغْتِسَالِ وَتُحْرِمُ لِلصَّلَاةِ فَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَدْرُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَتَيَقَّنَّا بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَانْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ. (وَ) إذَا طَهُرَتْ مِنْهُ (لِأَقَلَّ) مِنْ الْعَشَرَةِ (لَا) أَيْ لَا تَنْقَطِعُ الْعِدَّةُ (حَتَّى تَغْتَسِلَ، أَوْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ، أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ) مَكْتُوبَةً، أَوْ تَطَوُّعًا فَإِنَّهُ إذَا انْقَطَعَ فِيمَا دُونَهَا يَحْتَمِلُ عَوْدَ الدَّمِ فَلَمْ يُتَيَقَّنْ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَيْضًا لِأَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ أَيَّامُهَا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فَالِاغْتِسَالُ مُؤَكِّدٌ لِلِانْقِطَاعِ، وَكَذَا مُضِيُّ وَقْتِ الصَّلَاةِ؛ إذْ بِمُضِيِّ وَقْتِهَا صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا عَلَى الطَّاهِرَةِ عَنْ الْحَيْضِ، وَإِذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَمَا طَهُرَتْ، وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ فَقَدْ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا حَيْثُ جَوَّزْنَا صَلَاتَهَا بِالتَّيَمُّمِ. (نَسِيَتْ غَسْلَ عُضْوٍ رَاجَعَ) الزَّوْجُ (وَ) نَسِيَتْ (مَا دُونَهُ) أَيْ دُونَ عُضْوٍ (لَا) أَيْ لَا يُرَاجِعُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ أَنْ لَا تَبْقَى الرَّجْعَةُ لِأَنَّهَا غَسَلَتْ أَكْثَرَ الْبَدَنِ وَالْقِيَاسُ فِيمَا دُونَهُ أَنْ تَبْقَى لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ مَا دُونَ الْعُضْوِ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ لِقِلَّتِهِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِعَدَمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَيْهِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهَا التَّزَوُّجُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الرَّجْعَةِ وَالتَّزَوُّجِ بِخِلَافِ الْعُضْوِ الْكَامِلِ؛ إذْ لَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْجَفَافُ وَلَا يُغْفَلُ عَنْهُ عَادَةً فَافْتَرَقَا. (طَلَّقَ حَامِلًا مُنْكِرًا وَطْئَهَا فَرَاجَعَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ) فَصَاعِدًا (صَحَّتْ الرَّجْعَةُ) يَعْنِي: لَهُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ طَلَّقَهَا وَأَنْكَرَ وَطْئَهَا، ثُمَّ رَاجَعَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِهِ لِلْوَطْءِ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ بِجَعْلِ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ لِأَنَّهَا خَالِيَةٌ عَنْ مُسَامَحَةٍ ذَكَرَهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (وَ) طَلَّقَ (مَنْ وَلَدَتْ) لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ فَصَاعِدًا (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الطَّلَاقِ (مُنْكِرًا وَطْئَهَا فَلَهُ الرَّجْعَةُ) يَعْنِي لَهُ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ وَطْئَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَلَا عِبْرَةَ لِإِنْكَارِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ (وَإِنْ خَلَا بِهَا) خَلْوَةً صَحِيحَةً (فَأَنْكَرَ) الْوَطْءَ (فَلَا) أَيْ لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهَا لِأَنَّهُ أَنْكَرَ الْوَطْءَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الشَّرْعُ فَيَكُونُ إنْكَارُهُ حُجَّةً عَلَيْهِ (فَإِنْ طَلَّقَهَا) أَيْ بَعْدَمَا خَلَا بِهَا وَأَنْكَرَ وَطْئَهَا إنْ طَلَّقَهَا (فَرَاجَعَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ صَحَّتْ) الرَّجْعَةُ فَإِنَّهَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ نَسَبُ هَذَا الْوَلَدِ لِأَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْوَلَدُ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ الزَّوْجُ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَطَأْ قَبْلَهُ يَزُولُ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ الْوَطْءُ بَعْدَ الطَّلَاقِ حَرَامًا فَيَجِبُ صِيَانَةُ فِعْلِ الْمُسْلِمِ عَنْهُ فَإِذَا جُعِلَ وَاطِئًا قَبْلَ الطَّلَاقِ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ. (قَالَ: إذَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا، ثُمَّ) وَلَدَتْ وَلَدًا (آخَرَ بِبَطْنَيْنِ فَهُوَ رَجْعَةٌ) الْمُرَادُ بِبَطْنَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوِلَادَتَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرُ أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ يَكُونُ بِبَطْنٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهَا طَلُقَتْ بِالْوِلَادَةِ الْأُولَى ثُمَّ الْوِلَادَةُ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ رَاجَعَهَا بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجْعَةُ وَلَوْ قَالَتْ: انْقَضَتْ بِالْوِلَادَةِ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ قَالَتْ أَسْقَطْتُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ بَعْضِ الْخَلْقِ فَلَهُ طَلَبُ يَمِينِهَا عَلَى أَنَّ صِفَتَهُ كَذَلِكَ، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْحَيْضُ الثَّالِثُ) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَهُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ الْأَخِيرِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ الْأَمَةَ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ إلَى قَوْلِهِ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا) يَعْنِي لِلُزُومِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِأَنَّ طَهَارَتَهَا بِالنَّظَرِ لِحِلِّ الْوَطْءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا، ثُمَّ إنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ مِنْ حَيْثِيَّةِ لُزُومِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْأَنْسَبُ حَذْفَ هَذَا الْمُفَرَّعِ مِنْ ذَا الْمَحَلِّ وَاقْتِصَارَهُ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَهُ: لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ. . . إلَخْ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ: حَتَّى تَغْتَسِلَ) هَذَا إذَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَلَوْ كَانَ غُسْلُهَا بِسُؤْرِ حِمَارٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَالْكِتَابِيَّةُ تَنْقَطِعُ رَجْعَتُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ لِعَدَمِ خِطَابِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمَجْنُونَةُ وَالْمَعْتُوهَةُ كَذَلِكَ فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ مَكْتُوبَةً، أَوْ تَطَوُّعًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ،. وَفِي الْجَوْهَرَةِ تَصْحِيحُ خِلَافِ هَذَا وَنَصُّهُ صَحَّحَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالشُّرُوعِ اهـ. وَلَوْ مَسَّتْ الْمُصْحَفَ، أَوْ قَرَأَتْ الْقُرْآنَ أَوْ دَخَلَتْ الْمَسْجِدَ قَالَ الْكَرْخِيُّ تَنْقَطِعُ وَقَالَ الرَّازِيّ لَا تَنْقَطِعُ بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: نَسِيَتْ غَسْلَ عُضْوٍ) الْمُرَادُ بِهِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا مَا دُونَهُ كَالْأُصْبُعِ وَبَعْضِ السَّاعِدِ وَلَوْ بَقِيَ أَحَدُ الْمَنْخَرَيْنِ لَمْ تَنْقَطِعْ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ لِأَنَّهَا لَوْ تَعَمَّدَتْ إبْقَاءَ مَا دُونَ عُضْوٍ لَا تَنْقَطِعُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَطَلَّقَ مَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ) يَعْنِي مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ

الْوِلَادَةِ الْأُولَى لِيَكُونَ الْوَطْءُ حَلَالًا أَمَّا إذَا كَانَتْ الْوِلَادَتَانِ بِبَطْنٍ وَاحِدٍ فَلَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ لِأَنَّ عُلُوقَ الْوَلَدِ الثَّانِي كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ الْأُولَى. . (وَ) لَوْ قَالَ (كُلَّمَا وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً بِبُطُونٍ يَقَعُ) طَلَقَاتٌ (ثَلَاثٌ، وَ) الْوَلَدُ (الثَّانِي وَالثَّالِثُ رَجْعَةٌ) فَإِنَّهَا طَلُقَتْ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَصَارَتْ مُعْتَدَّةً وَبِالْوَلَدِ الثَّانِي صَارَ مُرَاجِعًا فِي الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ؛ إذْ يُجْعَلُ الْعُلُوقُ بِوَطْءٍ حَادِثٍ فِي الْعِدَّةِ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَطَلُقَتْ ثَانِيًا بِالْوَلَدِ الثَّانِي لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ بِكُلَّمَا وَبِالْوَلَدِ الثَّالِثِ صَارَ مُرَاجِعًا فِي الطَّلَاقِ الثَّانِي لِمَا مَرَّ وَطَلُقَتْ ثَالِثًا بِالْوَلَدِ الثَّالِثِ (فَتَعْتَدُّ بِالْحَيْضِ) ؛ لِأَنَّهَا حَائِلٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ. (الرَّجْعِيُّ) مِنْ الطَّلَاقِ (لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ) لِبَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ كَمَا مَرَّ حَتَّى لَوْ وَطِئَ لَا يَغْرَمُ الْعُقْرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحَرِّمُهُ حَتَّى يَغْرَمَ الْعُقْرَ (وَمُطَلَّقَتُهُ) أَيْ مُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيِّ (تَتَزَيَّنُ) لِيَرْغَبَ الزَّوْجُ فِي رَجْعَتِهَا (وَلَا يُسَافِرُ بِهَا بِلَا إشْهَادٍ عَلَى رَجْعَتِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُعْتَدَّاتِ مِنْ الرَّجْعِيِّ لِسِيَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231] وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ رَجْعِيٌّ بِالْإِجْمَاعِ. (يَنْكِحُ) الزَّوْجُ (مُبَانَتَهُ بِلَا ثَلَاثٍ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا) لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ لِأَنَّ زَوَالَهُ مُعَلَّقٌ بِالطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ فَيَنْعَدِمُ قَبْلَهَا وَمُنِعَ الْغَيْرُ فِي الْعِدَّةِ لِاشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَلَا اشْتِبَاهَ فِي حَقِّهِ (لَا مُطَلَّقَتَهُ بِهَا) أَيْ بِالثَّلَاثِ (لَوْ حُرَّةً وَبِالثِّنْتَيْنِ لَوْ أَمَةً حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ، وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ وَالنِّكَاحُ فِي الْآيَةِ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ، وَلُزُومُ الْوَطْءِ ثَبَتَ بِحَدِيثٍ مَشْهُورٍ يَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ وَقَدْ حُقِّقَ هَذَا الْبَحْثُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَوْضَحْنَاهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ فِي شَرْحِ الْمِرْقَاةِ وَحَوَاشِي التَّلْوِيحِ بِمَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ (مُرَاهِقًا) غَيْرَ بَالِغٍ؛ لِأَنَّهُ فِي التَّحْلِيلِ كَالْبَالِغِ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْإِيلَاجُ دُونَ الْإِنْزَالِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ (بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ " يَطَأَهَا " (وَتَمْضِيَ) عَطْفٌ عَلَى " يَطَأَهَا " (عِدَّتُهُ) أَيْ عِدَّةُ الزَّوْجِ الثَّانِي (لَا سَيِّدُهَا) عَطْفٌ عَلَى " غَيْرُهُ " يَعْنِي أَنَّ وَطْءَ السَّيِّدِ أَمَتَهُ لَا يَكُونُ مُحَلِّلًا لِتَعَيُّنِ مِلْكِ النِّكَاحِ لِلتَّحْلِيلِ بِالنَّصِّ. (وَكُرِهَ نِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ، وَإِنْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) بِأَنْ قَالَ تَزَوَّجْتُك عَلَى أَنْ أُحِلّكِ، أَوْ قَالَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَوْ وَكِيلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ رَجْعَةٌ) الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ رَجْعَةً أَنَّهُ ظَهَرَ صِحَّةُ الرَّجْعَةِ السَّابِقَةِ بِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَرَامًا إذْ قَدْ لَا تَرَى النِّفَاسَ أَصْلًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيِّ تَتَزَيَّنُ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الزَّوْجَ حَاضِرٌ وَقَيَّدَهُ مُلَّا مِسْكِينٍ بِكَوْنِ الرَّجْعَةِ مَرْجُوَّةً فَإِنْ كَانَتْ لَا تَرْجُوهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهِ لَهَا فَإِنَّهَا لَا تَفْعَلُ. (قَوْلُهُ: لِسِيَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 231] كَذَا فِي النُّسَخِ بِالْفَاءِ، وَالتِّلَاوَةُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا} [الطلاق: 1] الْآيَةَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّيَّةِ بَاقٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ: هَذَا تَرْكِيبٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ حِلَّ الْمَحَلِّ بَاقٍ، أَوْ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ بَاقِيَةٌ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ هِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَحَلًّا وَلَا مَعْنَى لِنِسْبَةِ الْحِلِّ إلَيْهَا، إذْ لَا مَعْنَى لِحِلِّ كَوْنِهَا مَحَلًّا اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُنِعَ الْغَيْرُ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ) يَعْنِي لَوْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَإِنْ أَفْضَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا لَا يُحِلُّهَا، وَالشَّرْطُ الْإِيلَاجُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ فَلَا يُحِلُّهَا الشَّيْخُ بِإِيلَاجِهِ بِمُسَاعَدَةِ يَدِهِ إلَّا إذَا انْتَعَشَ، وَعَمِلَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُحِلُّهَا كَذَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ. (قَوْلُهُ: وَلُزُومُ الْوَطْءِ ثَبَتَ بِحَدِيثٍ مَشْهُورٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِإِشَارَةِ الْكِتَابِ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ اهـ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى رُجُوعِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِ بِأَنَّ الدُّخُولَ لَيْسَ شَرْطًا لِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ نَصَّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهُ فِي الْقُنْيَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهَا فِي الْبَحْرِ وَمُرَادُ الزَّيْلَعِيِّ الْإِجْمَاعُ الْعَالِي فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَالشِّيعَةِ قَائِلِينَ بِمَا رَجَعَ عَنْهُ سَعِيدٌ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ أَفْتَى بِهَذَا الْقَوْلِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ مُرَاهِقًا غَيْرَ بَالِغٍ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: الْمُرَاهِقُ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْبُلُوغَ وَتَحَرَّكَ آلَتُهُ وَاشْتَهَى قَيَّدَ بِالْمُرَاهِقِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرَطَ اللَّذَّةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ اهـ،. وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِعَشْرِ سِنِينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) يَخْرُجُ الْفَاسِدُ وَنِكَاحُ غَيْرِ الْكُفْءِ إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ. (قَوْلُهُ: وَتَمْضِي عِدَّتُهُ) أَيْ الزَّوْجِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فَلَوْ قَالَ أَيْ عِدَّةُ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لَكَانَ أَوْلَى قَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ بِشَرْطِ التَّحْلِيلِ) أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يَعْنِي عِنْدَ الْإِمَامِ الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ حَتَّى إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا بَعْدَ مَا جَامَعَهَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: هَذَا الْإِجْبَارُ مِمَّا لَمْ يُعْرَفْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْكَمَ بِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ كَوْنِهِ ضَعِيفَ الثُّبُوتِ تَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ، وَإِذَا خِيفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا الْمُحَلِّلُ تَقُولُ زَوَّجْتُك نَفْسِي

[باب الإيلاء]

أَمَّا لَوْ أَضْمَرَا ذَلِكَ فِي قَلْبِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ) أَيْ حُكْمَهُ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَهْدِمُ حُكْمَ الثَّلَاثِ يَعْنِي إذَا طَلَّقَ الْحُرَّةَ تَطْلِيقَةً أَوْ تَطْلِيقَتَيْنِ وَمَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَادَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَهَدَمَ الزَّوْجُ الثَّانِي حُكْمَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ مِنْ الْحُرْمَةِ الْخَفِيفَةِ كَمَا يَهْدِمُ حُكْمَ الثَّلَاثِ مِنْ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلَاثِ وَهَذَا الْبَحْثُ أَيْضًا ذُكِرَ مُسْتَوْفًى فِي الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. (مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ أُخْبِرَتْ بِمُضِيِّ الْعِدَّتَيْنِ) عِدَّةٍ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَعِدَّةٍ مِنْ الثَّانِي (وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُهُ) أَيْ مُضِيَّهُمَا وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْعِدَّةِ أَنَّ مُضِيَّهَا إنْ كَانَ بِحَيْضٍ: فَأَقَلُّ مَا تُصَدَّقُ فِيهِ عِنْدَهُ شَهْرَانِ وَعِنْدَهُمَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا (لَهُ) أَيْ جَازَ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ (تَصْدِيقُهَا إنْ ظَنَّ صِدْقَهَا) لِأَنَّهُ إمَّا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ - لِكَوْنِ الْبُضْعِ مُقَوَّمًا عِنْدَ الدُّخُولِ -، أَوْ الدِّيَانَاتِ - لِتَعَلُّقِ الْحِلِّ بِهِ -، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِيهِمَا. (بَابُ الْإِيلَاءِ) (هُوَ) لُغَةً الْحَلِفُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (حَلِفٌ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا مُدَّةً) وَحُكْمُهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ إنْ بَرَّ وَالْكَفَّارَةُ وَالْجَزَاءُ إنْ حَنِثَ (وَأَقَلُّهَا لِلْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلِلْأَمَةِ شَهْرَانِ) وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا فَلَا إيلَاءَ لَوْ حَلَفَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْأَقَلَّيْنِ بِأَنْ قَالَ لِلْحُرَّةِ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ شَهْرَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ (فَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، أَوْ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) الْأَوَّلُ مُؤَبَّدٌ وَالثَّانِي مُؤَقَّتٌ (أَوْ إنْ قَرِبْتُك فَعَلَيَّ حَجٌّ، أَوْ نَحْوُهُ، أَوْ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ فَإِنْ قَرِبَهَا فِي الْمُدَّةِ حَنِثَ) وَإِذَا حَنِثَ (فَفِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ) وَجَبَتْ (الْكَفَّارَةُ وَفِي غَيْرِهِ) وَجَبَ الْجَزَاءُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا (بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَسَقَطَ الْحَلِفُ الْمُؤَقَّتُ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُوَقَّتًا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَقْرَبْهَا بَانَتْ بِوَاحِدَةٍ وَسَقَطَ الْحَلِفُ حَتَّى لَوْ نَكَحَهَا فَلَمْ يَقْرَبْهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَبِينُ (لَا) أَيْ لَا يَسْقُطُ الْحَلِفُ (الْمُؤَبَّدُ) وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَضَتْ الْمُدَّتَانِ بِلَا فَيْءٍ) أَيْ بِلَا قُرْبَانٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ أَمْرِي بِيَدِي، أَوْ يَدِ فُلَانٍ أُطَلِّقُ نَفْسِي كُلَّمَا أُرِيدُ فَإِذَا قَبِلَ جَازَ النِّكَاحُ وَصَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا، أَوْ يَدِ مَنْ شُرِطَ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا أَضْمَرَا ذَلِكَ فِي قَلْبِهِمَا فَلَا يُكْرَهُ) أَقُولُ بَلْ يَكُونُ مَأْجُورًا لِأَنَّ مُجَرَّدَ النِّيَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَقِيلَ الْمُحَلِّلُ مَأْجُورٌ، وَتَأْوِيلُ اللَّعْنِ إذَا شَرَطَ الْأَجْرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَيَهْدِمُ الزَّوْجُ الثَّانِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ) هَذَا إذَا دَخَلَ بِهَا وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَهْدِمُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَهْدِمُ) انْتَصَرَ الْكَمَالُ لِمُحَمَّدٍ بِمَا يَطُولُ، ثُمَّ قَالَ - أَيْ بَحْثًا -: فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ. (قَوْلُهُ: مُطَلَّقَةُ الثَّلَاثِ أَخْبَرَتْ بِمُضِيِّ الْعِدَّتَيْنِ) أَيْ قَالَتْ قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَتَزَوَّجْتُ وَدَخَلَ بِي الزَّوْجُ الثَّانِي وَطَلَّقَنِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا ذَكَرَ إخْبَارَهَا هَكَذَا مَبْسُوطًا لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: حَلَلْت لَكَ فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَتْ لَمْ يَكُنْ الثَّانِي دَخَلَ بِي إنْ كَانَتْ عَالِمَةً بِشَرَائِطِ الْحِلِّ لَمْ تُصَدَّقْ، وَإِلَّا تُصَدَّقُ، وَفِيمَا ذَكَرَتْهُ مَبْسُوطًا لَا تُصَدَّقُ فِي كُلِّ حَالٍ وَعَنْ السَّرَخْسِيِّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَسْتَفْسِرَهَا لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي حِلِّهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْعِدَّةِ) يَعْنِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْإِحْدَادِ. [بَابُ الْإِيلَاءِ] [مُدَّة الْإِيلَاء] (بَابُ الْإِيلَاءِ) (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا حَلِفٌ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِهَا مُدَّةً) تَعْرِيفٌ لِأَحَدِ قِسْمَيْ الْإِيلَاءِ وَهُوَ الْحَقِيقِيُّ لَا لِمَا فِي مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِمَا يَشُقُّ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ، أَوْ تَعْلِيقٌ بِمَا يَسْتَشِقُّهُ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ. . . إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ رُكْنَهُ نَصًّا وَهُوَ الْحَلِفُ، أَوْ التَّعْلِيقُ بِمَا يَسْتَشِقُّهُ وَشَرْطُهُ وَهُوَ مَحَلِّيَّةُ الْمَرْأَةِ وَسَبَبُهُ وَهُوَ قِيَامُ الْمُشَاجَرَةِ وَعَدَمُ الْمُوَافَقَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكِ) هَذَا بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ حَائِضًا كَمَا فِي النَّهْرِ. (وَأَقُولُ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهَا عَالِمًا بِحَيْضِهَا لِيَنْصَرِفَ يَمِينُهُ إلَى مَا هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْهُ شَرْعًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ لَا أَقْرَبُك. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَائِضِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: فَعَلَيَّ حَجٌّ، أَوْ نَحْوُهُ) يُرِيدُ بِنَحْوِهِ صَوْمَ يَوْمٍ، أَوْ شَهْرٍ، أَوْ صَدَقَةً وَهَذَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا لِأَنَّ إيلَاءَ الذِّمِّيِّ بِاَللَّهِ مُنْعَقِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ دُونَ الْكَفَّارَةِ وَقَالَا لَا يَكُونُ إيلَاءً وَبِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ يَصِحُّ اتِّفَاقًا وَبِصَوْمٍ، أَوْ صَدَقَةٍ لَا يَكُونُ مُولِيًا اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَا بِقَوْلِهِ فَعَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ وَلَا بِقَوْلِهِ فِي رَجَبٍ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك حَتَّى أَصُومَ شَعْبَانَ وَكَذَا بِقَوْلِهِ فَعَلَيَّ صَلَاةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَالَ الْكَمَالُ لَا يَكُونُ مُولِيًا بِنَحْوِ إنْ وَطِئْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَغْزُوَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ وَإِنْ تَعَلَّقَ إشْقَاقُهُ بِعَارِضٍ ذَمِيمٍ فِي النَّفْسِ مِنْ الْجُبْنِ وَالْكَسَلِ وَيَجِبُ صِحَّةُ الْإِيلَاءِ فِيمَا لَوْ قَالَ: فَعَلَيَّ مِائَةُ رَكْعَةٍ، وَنَحْوَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ) هَذَا إذَا اسْتَمَرَّ فِي مِلْكِهِ لَا إنْ مَاتَ أَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ، أَوْ اسْتَرَدَّهُ بَعْدَ وَطْئِهَا وَإِنْ اسْتَرَدَّهُ قَبْلَ وَطْئِهَا، أَوْ مَلَكَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ قَبْلَ الْوَطْءِ عَادَ الْإِيلَاءُ مِنْ وَقْتِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَرِبَهَا. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ فِي الْحِنْثِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْكِحْهَا وَبَقِيَتْ عِدَّتُهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ ثَانِيَةٌ وَثَالِثَةٌ لَا تَبِينُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَمَضَتْ الْمُدَّتَانِ) اُخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ ابْتِدَائِهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ أَنَّ مُدَّةَ هَذَا الْإِيلَاءِ تُعْتَبَرُ مِنْ

(بَانَتْ بِأُخْرَيَيْنِ) يَعْنِي إنْ نَكَحَهَا وَلَمْ يَقْرَبْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تَبِينُ ثَانِيًا، ثُمَّ إنْ نَكَحَهَا وَلَمْ يَقْرَبْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ تَبِينُ ثَالِثًا (فَإِنْ نَكَحَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَطْلُقْ) إذْ لَمْ يَبْقَ الْإِيلَاءُ (وَإِنْ وَطِئَهَا كَفَّرَ) لِبَقَاءِ الْيَمِينِ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ طَلَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ بِهِ لَا يَبْقَى لِمَا عَرَفْت أَنَّ تَنْجِيزَ الثَّلَاثِ يُبْطِلُ تَعْلِيقَهَا. (قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ إيلَاءٌ) لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَرْفِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَجَمْعِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَيَتَحَقَّقُ الْمُدَّةُ (لَا قَوْلُهُ بَعْدَ يَوْمٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمَّا فَصَلَ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالشَّهْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِيَوْمٍ لَمْ تَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَكَذَا قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك سَنَةً إلَّا يَوْمًا) لَا يَكُونُ إيلَاءً لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى يَوْمٌ مُنَكَّرٌ فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ فَلَا يَمُرُّ عَلَيْهِ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ إلَّا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ الْمُسْتَثْنَى وَكَذَا إذَا قَالَ إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُك فِيهِ لَا يَكُونُ مُولِيًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى كُلَّ يَوْمٍ يَقْرَبُهَا فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا أَبَدًا وَلَوْ قَرِبَهَا يَوْمًا وَالْبَاقِي أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرُ صَارَ مُولِيًا لِسُقُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى لَمَّا مَضَى لَا يُمْكِنُهُ قُرْبَانُهَا إلَّا بِكَفَّارَةٍ. . (وَ) كَذَا قَوْلُهُ (بِالْبَصْرَةِ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ الْكُوفَةَ وَامْرَأَتُهُ بِهَا) لَا يَكُونُ إيلَاءً لِإِمْكَانِ قُرْبَانِهَا بِلَا لُزُومِ شَيْءٍ بِأَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الْكُوفَةِ. (الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ فِيهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْإِيلَاءِ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا كَمَا مَرَّ (لَا الْمُبَانَةُ وَلَا أَجْنَبِيَّةٌ نَكَحَهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِمَا لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَنْ تَكُونُ مِنْ نِسَائِهِ بِالنَّصِّ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْهَا فَلَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُولِيًا وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْإِيلَاءَ بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ، أَوْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ كَمَا سَبَقَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ وَطِئَهَا كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ. (عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ لِمَرَضٍ بِأَحَدِهِمَا، أَوْ صِغَرِهَا، أَوْ رَتَقِهَا، أَوْ لِمَسَافَةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بَيْنَهُمَا فَفَيْؤُهُ قَوْلُهُ فِئْت إلَيْهَا) فَلَا تَطْلُقُ بَعْدَهُ إنْ مَضَتْ مُدَّتُهُ وَهُوَ عَاجِزٌ (وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى الْجِمَاعِ (فِي الْمُدَّةِ فَفَيْؤُهُ الْوَطْءُ) ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ بِاللِّسَانِ خَلَفٌ عَنْ الْفَيْءِ بِالْجِمَاعِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ بَطَلَ كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى الْمَاءَ. (قَوْلُهُ) لِامْرَأَتِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُجْمَلٌ فَكَانَ بَيَانُهُ إلَى الْمُجْمَلِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ التَّحْرِيمَ، أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ شَيْئًا كَانَ يَمِينًا وَيَصِيرُ بِهِ مُولِيًا لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ (وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ) ؛ لِأَنَّ فِي الظِّهَارِ حُرْمَةً فَإِذَا نَوَاهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقْتِ التَّزَوُّجِ أَيْ فَقَدْ أَطْلَقَا فِي ذَلِكَ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ إنْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الثَّانِيَةِ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ قَبْلَ التَّزَوُّجِ وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ. اهـ. . قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِهِ: فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قَالَ فِي النَّهْرِ لَوْ ذَكَرَ مَعَ الْمَعْطُوفِ حَرْفَ النَّفْيِ أَوْ الْقَسَمِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. (قَوْلُهُ: لَا قَوْلُهُ بَعْدَ يَوْمٍ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، أَوْ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ وَشَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ) مَقُولُ الْقَوْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِثَالًا لِلْمَنْفِيِّ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِحَرْفِ الْجَمْعِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَصَارَ كَالْجَمْعِ بِلَفْظِهِ وَبِهِ يَصِيرُ مُولِيًا لِمَنْعِهِ عَنْ وَطْئِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُ الْإِيلَاءِ عَنْهُ فَالصَّوَابُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ هَكَذَا: لَا قَوْلُهُ بَعْدَ يَوْمٍ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك شَهْرَيْنِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِتَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَمَّا فَصَلَ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالشَّهْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِيَوْمٍ لَمْ تَتَكَامَلْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ اهـ فَهَذَا يُعَيِّنُ مَا ذَكَرْنَاهُ صَوَابًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا قَوْلُهُ: بِالْبَصْرَةِ) نَفْيُ الْإِيلَاءِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَمَّا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُولٍ عَلَى مَا فَرَّعَ قَاضِي خان والمرغيناني فَفَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ لِلْبُعْدِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ إمْكَانُ الِاجْتِمَاعِ بِخُرُوجِهِمَا فَيَلْتَقِيَانِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْتِقَاؤُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يَصِيرُ مُولِيًا إلَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ فَمَا فَوْقَهَا، فَإِذَا كَانَ يَصِيرُ الْفَيْءُ بِاللِّسَانِ اهـ. وَعُلِمَ مِنْ الْبَحْرِ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ حُسْنُ هَذَا التَّقْدِيرِ. (قَوْلُهُ: عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ عَاجِزًا مِنْ وَقْتِ الْإِيلَاءِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَتَّى لَوْ آلَى قَادِرًا، ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الْوَطْءِ، أَوْ عَاجِزًا، ثُمَّ قَدَرَ فِي الْمُدَّةِ لَمْ يَصِحَّ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَلَوْ آلَى مَرِيضًا إيلَاءً مُؤَبَّدًا وَبَانَتْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، ثُمَّ صَحَّ وَتَزَوَّجَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَفَاءَ بِلِسَانِهِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمَا وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَقَوْلُهُمَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حُبِسَ هَلْ يَفِيءُ بِلِسَانِهِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْفِعْلِ؟ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَوَّلَ،. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَا يَكُونُ فَيْؤُهُ بِاللِّسَانِ وَهُوَ جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِالْإِمْكَانِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: فَفَيْؤُهُ قَوْلُهُ فِئْت إلَيْهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ هَذَا اللَّفْظِ بَلْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَرَجَعْتُ عَمَّا قُلْت، أَوْ رَجَعْتُهَا، أَوْ أَبْطَلْتُ

[باب الخلع.]

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ ظِهَارًا لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ (وَهَدَرٌ إنْ نَوَى الْكَذِبَ) لِأَنَّهُ وَصَفَ الْمُحَلَّلَةَ بِالْمُحَرَّمَةِ فَكَانَ كَذِبًا حَقِيقَةً فَإِذَا نَوَاهُ صُدِّقَ. (وَ) تَطْلِيقَةٌ (بَائِنَةٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَاهَا) وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِنَايَاتِ (وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ) وَجُعِلَ نَاوِيًا عُرْفًا وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ وَعَنْ هَذَا قَالُوا لَوْ نَوَى غَيْرَهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (كَذَا كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ " وَهَرْجه بدست راسث كيرم بروي حرام ") أَيْ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ " وَلَوْ قَالَ بدست جب كيرم " لَا يَكُونُ طَلَاقًا لِعَدَمِ الْعُرْفِ وَلَوْ قَالَ " هرجه بدست كيرم " كَانَ طَلَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ. (بَابُ الْخُلْعِ) وَمَا صَلُحَ مَهْرًا صَلُحَ بَدَلَ الْخُلْعِ، الْخُلْعُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَةً الْإِزَالَةُ مُطْلَقًا وَبِضَمِّهَا شَرْعًا الْإِزَالَةُ الْمَخْصُوصَةُ (هُوَ فَصْلٌ مِنْ نِكَاحٍ بِمَالٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ غَالِبًا) إنَّمَا قَالَ غَالِبًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي (وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] (بِمَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ) لِأَنَّ مَا يَكُونُ عِوَضًا لِلْمُتَقَوِّمِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عِوَضًا لِغَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ لَكِنْ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْلُحُ لِبَدَلِ الْخُلْعِ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ كَمَا دُونَ الْعَشَرَةِ (وَيَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ (وَهُوَ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ) لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ قَبُولِهَا الْمَالَ (حَتَّى لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُهُ قَبْلَ قَبُولِهَا) كَمَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ (وَلَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا) كَمَا لَا يَبْطُلُ الْيَمِينُ بِهِ بَلْ يَصِحُّ إنْ قَبِلَتْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى حُضُورِهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا لَا يَتَوَقَّفُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ (بَلْ) يَتَوَقَّفُ (عَلَى عِلْمِهَا) فَإِذَا بَلَغَهَا فَلَهَا الْقَبُولُ فِي مَجْلِسِهَا (وَجَازَ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، أَوْ وَقْتٍ) كَمَا جَازَ فِي الْيَمِينِ (لَا) أَيْ لَمْ يَجُزْ (بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْيَمِينِ. (وَ) هُوَ (فِي جَانِبِهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ، عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي جَانِبِهِ (كَبَيْعٍ) يَعْنِي مُعَاوَضَةً لِأَنَّهَا تَبْذُلُ مَالًا لِتُسَلَّمَ لَهَا نَفْسُهَا (حَتَّى انْعَكَسَ الْأَحْكَامُ) أَيْ جَازَ رُجُوعُهَا قَبْلَ قَبُولِهِ وَبَطَلَ بِقِيَامِهَا عَنْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا وَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، أَوْ وَقْتٍ وَجَازَ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا كَمَا هِيَ أَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ (وَطَرَفُ الْعَبْدِ فِي الْعَتَاقِ كَطَرَفِهَا فِي الطَّلَاقِ) فَيَكُونُ مِنْ طَرَفِ الْعَبْدِ مُعَاوَضَةً وَمِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى يَمِينًا وَهِيَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ قَبُولِ الْعَبْدِ فَيَتَرَتَّبُ أَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ فِي جَانِبِ الْعَبْدِ لَا الْمَوْلَى. (وَ) الْخُلْعُ (قَدْ يَكُونُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْمُبَارَأَةِ) بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ بِعْتُك نَفْسَكِ، أَوْ طَلَاقَكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَوْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ اشْتَرَيْتُ نَفْسِي، أَوْ طَلَاقِي مِنْكَ بِأَلْفٍ، أَوْ يَقُولَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ بَارَأْتُكِ أَيْ فَارَقْتُكِ فَقَبِلَتْ الْمَرْأَةُ. (وَ) قَدْ يَكُونُ (بِالْفَارِسِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ) رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ (" خويشتن زَمَن خريدي " فَقَالَتْ " خريدم " فَقَالَ) الزَّوْجُ (فرختم بَانَتْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQإيلَاءَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَهَدَرٌ إنْ نَوَى الْكَذِبَ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي نِيَّةِ الْكَذِبِ دِيَانَةً لِأَنَّ هَذَا يَمِينٌ ظَاهِرًا فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ فِي نِيَّتِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْعُرْفِ الْحَادِثِ اهـ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَتْوَى إنَّمَا هُوَ فِي انْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ لَا فِي كَوْنِهِ يَمِينًا كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا. . . إلَخْ) لَا يَتِمُّ هَذَا عَلَى مَا فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ مُفْرَدَةٌ بِهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَيْهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، ثُمَّ رَأَيْت مُوَافَقَتَهُ فِي النَّهْرِ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَعْنِي فِي التَّحْرِيمِ لَا بِقَيْدِ " أَنْتِ " كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. . (قُلْتُ) : يَعْنِي أَنَّهُ قَالَ امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً وَلَهُ نِسْوَةٌ لَا أَنَّهُ قَالَ مُخَاطِبًا لِمُعَيَّنَةٍ مِنْهُنَّ وَلَا أَنَّهُ عَمَّمَ فَقَالَ نِسَائِي عَلَيَّ حَرَامٌ. [بَابُ الْخُلْعِ.] (بَابُ الْخُلْعِ) (قَوْلُهُ: هُوَ فَصْلٌ مِنْ نِكَاحٍ) الْمُرَادُ بِهِ الصَّحِيحُ فَخَرَجَ الْفَاسِدُ وَمَا بَعْدَهُ الرِّدَّةُ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا مِلْكَ فِيهِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفُصُولِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِهِ) بَلْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. (قَوْلُهُ: بِمَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِمَالٍ وَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ لَفْظِ بِمَا مِنْ " بِمَا يَصْلُحُ " وَتَأْخِيرُ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَمَا صَلَحَ مَهْرًا صَلَحَ بَدَلَ الْخُلْعِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ: ظَاهِرٌ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الْمُوجَبَةَ تَنْعَكِسُ جُزْئِيَّةً وَانْعِكَاسُهَا كُلِّيَّةً قَضِيَّةٌ كَاذِبَةٌ قَالَ: وَجَوَّزَ الْأَتْقَانِيُّ انْعِكَاسَهَا كُلِّيَّةً صَادِقَةً وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَيْنِيُّ وَمَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ انْعِكَاسَهَا كُلِّيَّةً. (قَوْلُهُ: وَيَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ) يَعْنِي إنْ شُرِطَ فِيهِ الْمَالُ. (قَوْلُهُ: أَيْ جَازَ رُجُوعُهَا قَبْلَ قَبُولِهِ) الضَّمِيرُ لِلْخُلْعِ. (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ بِقِيَامِهَا عَنْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا) وَكَذَا بِتَبَدُّلِهِ حُكْمًا. (قَوْلُهُ: وَجَازَ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا) هُوَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ ذَكَرَهُ الْبَزْدَوِيُّ، وَالْفَرْقُ فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: كَمَا هِيَ أَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهَا [أَلْفَاظ الخلع] (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكِ) لَيْسَ هُوَ مِنْ صُوَرِ

أَيْ يَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ. (وَالْوَاقِعُ بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ) - وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُكِ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى كَذَا مِنْ الْمَالِ، أَوْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ: طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا وَيَقُولَ الزَّوْجُ: طَلَّقْتُكِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ إذَا بَطَلَ بَقِيَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَعِوَضَ الطَّلَاقِ إنْ بَطَلَ يَقَعُ رَجْعِيًّا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ - (طَلَاقٌ بَائِنٌ) لِأَنَّهَا لَا تُسَلِّمُ الْمَالَ إلَّا لِتُسَلَّمَ لَهَا نَفْسُهَا وَذَلِكَ بِالْبَيْنُونَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْخُلْعُ (مِنْ الْكِنَايَاتِ) لِاحْتِمَالِهِ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ (فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا) مِنْ قَرَائِنَ تُرَجِّحُ جَانِبَ الطَّلَاقِ (وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنْ ذَكَرَ بَدَلًا لَمْ يُصَدَّقْ) فِي نَفْيِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الطَّلَاقِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْبَدَلِ مُغْنِيًا عَنْ النِّيَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ بَدَلًا (صُدِّقَ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ) أَيْ فِيمَا وَقَعَ الْخُلْعُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ، أَوْ الْمُبَارَأَةِ لِأَنَّهُمَا كِنَايَتَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ ذِكْرُ الْبَدَلِ وَقَدْ انْتَفَيَا وَلَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ لِكَوْنِهِمَا صَرِيحَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. أَقُولُ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ صَرِيحًا فِيهِ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ قَطْعًا بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ أَصْلًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُهُ قَطْعًا زَوَالُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَلِهَذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ لَا الْعِتْقُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَمَا مَرَّ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَبِالْقَبُولِ حَقِيقٌ. (وَكُرِهَ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الزَّوْجِ الْبَدَلَ (إنْ نَشَزَ) أَيْ الزَّوْجُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] وَلِأَنَّهُ أَوْحَشَهَا بِالِاسْتِبْدَالِ فَلَا يَزِيدُ فِي وَحْشَتِهَا بِأَخْذِ الْمَالِ. . (وَ) كُرِهَ (أَخْذُ الْفَضْلِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى مَا دَفَعَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ (إنْ نَشَزَتْ) وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُكْرَهُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] . (أَكْرَهَهَا) أَيْ أَكْرَهَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخُلْعِ (تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ) لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ (بِلَا مَالٍ) أَيْ بِلَا لُزُومِ مَالٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ مَالٌ بَلْ الْتَزَمَتْ أَنْ تُعْطِيَهُ مَالًا لِتَتَخَلَّصَ، أَوْ بِلَا سُقُوطِ مَالٍ إنْ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ مَالٌ كَالْمَهْرِ وَنَحْوِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الرِّضَا شَرْطٌ فِي لُزُومِ الْمَالِ وَسُقُوطِهِ، وَالْإِكْرَاهُ يَعْدَمُ الرِّضَا. (هَلَكَ بَدَلُهُ فِي يَدِهَا يَعْنِي) خَالَعَتْ مَعَ زَوْجِهَا عَلَى مَالٍ فَقَبْلَ أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ هَلَكَ الْمَالُ (أَوْ اُسْتُحِقَّ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ قِيَمِيًّا (أَوْ مِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَلَا يَبْطُلُ الْخُلْعُ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهَا تَحْقِيقًا لِلْمُعَاوَضَةِ. (خَلَعَ أَوْ طَلَّقَ بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ مَيْتَةٍ) وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ (وَقَعَ) طَلَاقٌ (بَائِنٌ فِي الْخُلْعِ، رَجْعِيٌّ فِي غَيْرِهِ مَجَّانًا) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ مُعَلَّقٌ بِالْقَبُولِ وَقَدْ وُجِدَ فَيَقَعُ فِي الْخُلْعِ الْبَائِنِ، وَفِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَقَدْ نَقَلْنَاهُ مِنْ الْمُحِيطِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَمْ تُسَمِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِتَصِيرَ غَارَّةً لَهُ وَأَيْضًا لَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ وَلَا إيجَابِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الِالْتِزَامِ (كَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) أَيْ كَمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَجَّانًا إذَا قَالَتْ: خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَلَيْسَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا لَمْ تُسَمِّ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَلَمْ تَصِرْ غَارَّةً لَهُ وَالرُّجُوعُ بِالْغُرُورِ وَالْمُرَادُ بِالْيَدِ هَهُنَا الْيَدُ الْحِسِّيُّ (وَإِنْ زَادَتْ) عَلَى قَوْلِهَا " خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي " قَوْلَهَا (مِنْ مَالٍ، أَوْ دَرَاهِمَ) وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهَا شَيْءٌ (رَدَّتْ) عَلَيْهِ فِي الْأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَالٍ) شَامِلٌ لِلْمَبْذُولِ وَلِلْمُبْرَأِ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَصَالَةً، أَوْ كَفَالَةً كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْخُلْعِ فِي الْأَحْكَامِ) لَيْسَ هُوَ الْفَرْقَ بَلْ الْجَمْعُ وَمَا الْفَرْقُ إلَّا قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: طَلَاقٌ بَائِنٌ) لَوْ قُضِيَ بِكَوْنِهِ فَسْخًا فَفِي نَفَاذِهِ قَوْلَانِ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قُضَاةَ هَذَا الزَّمَانِ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا الْقَضَاءُ بِالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَائِنًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ ادَّعَى فِيهِ شَرْطًا، أَوْ اسْتِثْنَاءً، إذْ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ إلَّا إذَا وُجِدَ الْتِزَامُ الْبَدَلِ أَوْ قَبَضَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ إنْ نَشَزَ) يَعْنِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَالْحَرَامُ يُسَمَّى مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْأَخْذَ حَرَامٌ قَطْعًا كَذَا فِي الْبَحْرِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْإِبْرَاءُ مِنْ صَدَاقِهَا كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُكْرَهُ) هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْخُلْعِ تَطْلُقُ) أَيْ بَائِنًا إنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) فِي التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ هُوَ الزَّوْجُ وَلَيْسَ بِمُكْرَهٍ بَلْ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ،. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْكُرْهِ وَالطَّوْعِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ. (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا لَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الْمُسَمَّى لِلْإِسْلَامِ) أَيْ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مَانِعٌ عَنْ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَتَمْلِيكِهَا أَيْضًا. (قَوْلُهُ: وَلَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ كَانَ لَهُ وَلَوْ قَلِيلًا فِيمَا إذَا قَالَتْ مِنْ مَالٍ (قَوْلُهُ: أَوْ دَرَاهِمَ) لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا ذَكَرَتْهَا مُنَكَّرَةً أَوْ مُعَرَّفَةً فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: رَدَّتْ

(مَهْرَهَا) الَّذِي أَخَذَتْهُ مِنْهُ (أَوْ) دَفَعَتْ إلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ (ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ) وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا دِرْهَمَانِ تُؤْمَرُ بِإِتْمَامِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَلَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ أَمَّا رَدُّ مَا أَخَذَتْهُ فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهَا لَمَّا سَمَّتْ مَالًا لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ رَاضِيًا بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الْمُسَمَّى، وَقِيمَتِهِ لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا وَلَا لِإِيجَابِ قِيمَةِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَ الْخُرُوجِ فَتَعَيَّنَ إيجَابُ مَا قَامَ بِهِ الْبُضْعُ عَلَى الزَّوْجِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَأَمَّا دَفْعُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهَا سَمَّتْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَتَجِبُ عَلَيْهَا لِلتَّيَقُّنِ بِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَرَأَ، أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ (خَالَعَتْ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى بَرَاءَتِهَا مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ) بَلْ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ عَيْنِهِ إنْ قَدَرَتْ وَتَسْلِيمُ قِيمَتِهِ إنْ عَجَزَتْ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ هُوَ لَا الْخُلْعُ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (طَلَبَتْ) طَلَقَاتٍ (ثَلَاثًا) أَيْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا (بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ فِي الْأُولَى بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ، وَفِي الثَّانِيَةِ رَجْعِيَّةٌ مَجَّانًا) فَإِنَّهَا إذَا قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ جُعِلَ الْأَلْفُ عِوَضًا لِلثَّلَاثِ فَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَجَبَ ثُلُثُ الْأَلْفِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْعِوَضِ تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ أَمَّا إذَا قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفٍ فَجُعِلَ عَلَى لِلشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَأَجْزَاءُ الشَّرْطِ لَا تَنْقَسِمُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ فَيَقَعُ رَجْعِيَّةٌ بِلَا شَيْءٍ وَعِنْدَهُمَا تَقَعُ بَائِنٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ لِأَنَّهُمَا حَمَلَاهُ عَلَى الْعِوَضِ بِمَعْنَى الْبَاءِ كَمَا فِي بِعْت عَبْدًا بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْعِوَضِ ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الطَّلَاقِ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ بِالشَّرْطِ. (وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ كُلِّهَا لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ كَانَتْ بِبَعْضِهَا أَوْلَى أَنْ تَرْضَى. (وَبَانَتْ) أَيْ إذَا قَالَ أَنْتِ (طَالِقٌ بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ بَانَتْ) الْمَرْأَةُ (وَلَزِمَ الْأَلْفُ) لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ، أَوْ تَعْلِيقٌ فَيَقْتَضِي سَلَامَةَ الْبَدَلَيْنِ، أَوْ وُجُودَ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا. (وَبِأَنْتِ طَالِقٌ) أَيْ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ (وَعَلَيْكِ أَلْفٌ، أَوْ) قَالَ لِعَبْدِهِ (أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ أَلْفٌ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ (مَجَّانًا) سَوَاءٌ قَبِلَا، أَوْ لَا عِنْدَهُ وَقَالَا: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَلْفُ إذَا قَبِلَ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ بِلَا قَبُولٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُعَاوَضَةِ فَيُقَالُ احْمِلْ هَذَا الْمَتَاعَ، وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ بِدِرْهَمٍ وَلَهُ أَنَّهُ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ فَلَا تَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ إلَّا بِدَلَالَةِ الْحَالِ؛ إذْ الْأَصْلُ فِيهَا الِاسْتِقْلَالُ وَلَا دَلَالَةَ هُنَا لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ يَنْفَكَّانِ عَنْ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُوجَدَانِ بِدُونِهِ. (قَالَ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي وَقَالَتْ قَبِلْتُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَفِي الْبَيْعِ) الْقَوْلُ (لِلْمُشْتَرِي) يَعْنِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْتُ مِنْكَ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ، وَالْقَبُولُ شَرْطُ الْحِنْثِ، فَيَتِمُّ الْيَمِينُ بِلَا قَبُولِهَا فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْيَمِينِ إقْرَارًا بِشَرْطِ الْحِنْثِ لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ فَصَارَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِيجَابٌ وَقَبُولٌ وَلَا صِحَّةَ لِأَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَهْرَهَا) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ مَقْبُوضٌ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسَمًّى، أَوْ مَهْرَ الْمِثْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: خَالَعَتْ عَلَى عَبْدٍ آبِقٍ لَهَا عَلَى بِرَاءَتِهَا مِنْ ضَمَانِهِ لَمْ تَبْرَأْ) يُخَالِفُ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَيْبِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً. . . إلَخْ) هَذَا إذَا طَلَّقَ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى لَوْ قَامَ فَطَلَّقَهَا لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَ هُوَ فَقَالَ: خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَجْلِسُهَا فِي الْقَبُولِ لَا مَجْلِسُهُ حَتَّى لَوْ ذَهَبَ مِنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَبِلَتْ فِي مَجْلِسِهَا ذَلِكَ صَحَّ قَبُولُهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: يَقَعُ فِي الْأُولَى بَائِنَةٌ بِثُلُثٍ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ثِنْتَيْنِ فَإِنْ كَانَ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً كَانَ لَهُ كُلُّ الْأَلْفِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا دَفْعَةً، أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَقَبِلَتْ بَانَتْ الْمَرْأَةُ وَلَزِمَ) يَعْنِي إذَا قَبِلَتْ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ: الْوَاقِعُ بِهِ وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ طَلَاقٌ بَائِنٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَوْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة،. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى خُلْعِ زَوْجِهَا الْمَجْنُونِ فِي صِحَّتِهِ وَأَقَامَ وَلِيُّهُ، أَوْ هُوَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ أَنَّهُ فِي جُنُونِهِ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى كَمَا فِي النَّهْرِ

فَصَارَ الْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ إقْرَارًا بِمَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِذَا أَنْكَرَهُ فَقَدْ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ فَلَا يُصَدَّقُ (وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَرِيئًا لِلْآخَرِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ (كُلَّ حَقٍّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ) كَالْمَهْرِ مَقْبُوضًا - أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، أَوْ بَعْدَهُ - وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِالذِّكْرِ قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ مَا اشْتَرَتْ مِنْ الزَّوْجِ وَنَحْوِهِمَا. (خَلَعَ الْأَبُ صَغِيرَتَهُ بِمَالِهَا أَوْ مَهْرِهَا طَلُقَتْ وَلَمْ يَلْزَمْ) أَيْ الْمَالُ عَلَيْهَا (وَلَمْ يَسْقُطْ) أَيْ الْمَهْرُ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ فَلِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِقَبُولِ الْأَبِ فَيَكُونُ كَتَعْلِيقِهِ بِسَائِرِ أَفْعَالِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهَا فَلِأَنَّ بَدَلَ الْخُلْعِ تَبَرُّعٌ وَمَالُ الصَّبِيِّ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ (فَإِنْ خَلَعَهَا) أَيْ الْأَبُ صَغِيرَتَهُ (ضَامِنًا لَهُ) أَيْ لِبَدَلِ الْخُلْعِ لَمْ يُرِدْ بِالضَّمَانِ الْكَفَالَةَ عَنْ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَلْزَمُهَا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً. (صَحَّ) الْخُلْعُ (وَالْمَالُ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَبِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى (بِلَا سُقُوطِ الْمَهْرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ وِلَايَةِ الْأَبِ (وَإِنْ شَرَطَ) الزَّوْجُ (الضَّمَانَ عَلَيْهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ (فَإِنْ قَبِلَتْ وَهِيَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ الْقَبُولِ بِأَنْ كَانَتْ تَعْقِلُ أَنَّ الْخُلْعَ سَالِبٌ وَالنِّكَاحَ جَالِبٌ (طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (بِلَا شَيْءٍ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ (قَالَ) الزَّوْجُ (خَالَعْتُكِ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا (فَقَبِلَتْ) الْمَرْأَةُ (طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (وَبَرِئَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَيُسْقِطُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ كُلَّ حَقٍّ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ الْخُلْعُ الصَّادِرُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ بِمَا لَهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا، وَالسُّقُوطُ فِيمَا إذَا كَانَ الْخُلْعُ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ،. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا خَلَعْتُكِ فَقَالَتْ: قَبِلْت لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ بِقَوْلِهِ إذَا نَوَى وَلَا دَخْلَ لِقَبُولِهَا حَتَّى إذَا نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ وَلَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ يَقَعُ الْبَائِنُ، وَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَيُصَدَّقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ: خَالَعْتُكِ فَقَالَتْ: قَبِلْتُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْبَرَاءَةُ اهـ. (قُلْتُ) وَتَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ يَجِبُ رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ الْمَالَ مَذْكُورٌ عُرْفًا. اهـ. . وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ تَفْسِيرُ الْمُبَارَأَةِ وَالْخُلْعِ بِمَا إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ: بَارِئْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ: بَارَأْتُكِ أَوْ قَالَتْ: خَالِعْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ، أَوْ قَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: قَبِلْتُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُبَارَأَةُ بِالْهَمْزَةِ، وَتَرْكُهَا خَطَأٌ وَهِيَ أَنْ تَقُولَ لِلزَّوْجِ: بَرِئْتُ مِنْ نِكَاحِكَ بِكَذَا، كَذَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَلَا يَخْفَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ صَوَّرَهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَقُولَ أَبْرَأْتُكِ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ قَالَ فِيهَا: نِيَّةُ الطَّلَاقِ فِي الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ شَرْطُ الصِّحَّةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ لَمْ يَشْرِطُوهُ فِي الْخُلْعِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الْخُلْعِ بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُبَارَأَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ لَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ عَلَى الْأَصْلِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: كَالْمَهْرِ) الْمُرَادُ بِهِ مَهْرُ النِّكَاحِ الْمُخْتَلَعِ مِنْهُ حَتَّى لَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ آخَرَ فَاخْتُلِعَتْ مِنْهُ عَلَى مَهْرِهَا بَرِئَ مِنْ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُتْعَةِ كَالْمَهْرِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ. . . إلَخْ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَعَنْ دَيْنٍ آخَرَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: خَلَعَ الْأَبُ صَغِيرَتَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَيَّدَ بِالْأَبِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَوْ وَقَعَ الْخُلْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ فَإِنْ أَضَافَتْ الْبَدَلَ إلَى مَالِ نَفْسِهَا، أَوْ قَبِلَتْ ثَمَّ الْخُلْعَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِنْ لَمْ تُضِفْ وَلَمْ تَضْمَنْ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِخِلَافِ الْأَبِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبِلَتْ) قَيَّدَ بِهِ، إذْ لَوْ قَبِلَ عَنْهَا الْأَبُ لَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: قَالَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا. . . إلَخْ) كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَعِبَارَتُهُ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: خَالَعْتُكِ فَقَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْ الْمَهْرِ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَهْرٌ كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْإِقْرَارِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ اهـ عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ: وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَفِيهَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهَا لَا يَبْرَأُ عَنْ الْمَهْرِ فَتَأْخُذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا ظَاهِرُ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ لَا غَيْرُ فَلَا يُطَالِبُ بِهِ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ مَقْبُوضًا، أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ الثَّالِثَةُ بَرَاءَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْمَهْرِ وَعَنْ دَيْنٍ آخَرَ كَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ اهـ، وَفِي تَقْيِيدِ قَاضِي خَانْ بِقَبُولِ الْمَرْأَةِ إشَارَةٌ إلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ لِمَا إذَا لَمْ تَقْبَلْ وَهُوَ مَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْخُلْعِ بِالْفَارِسِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: خَالَعْتُكِ، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْمَهْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ خَالَعْتُكِ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَبْرَأُ عَنْ الْمَهْرِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. اهـ. (تَنْبِيهٌ) : فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالِ

[باب الظهار]

الْمَهْرِ) الْمُؤَجَّلِ (لَوْ كَانَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الْمُؤَجَّلِ شَيْءٌ (رَدَّتْ) عَلَى الزَّوْجِ (مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمَهْرِ) الْمُعَجَّلِ فَإِنَّهَا إذَا قَبِلَتْ الْخُلْعَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّهَا فَقَدْ الْتَزَمَتْ الْعِوَضَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. (خُلْعُ الْمَرِيضَةِ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ) لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَ الْخُرُوجِ. (بَابُ الظِّهَارِ) (هُوَ) لُغَةً مُقَابَلَةُ الظَّهْرِ بِالظَّهْرِ فَإِنَّ الشَّخْصَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ يَجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ الْآخَرِ وَشَرْعًا (تَشْبِيهُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ) وَهُوَ كُلُّهَا، أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ، أَوْ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْهَا (مِنْ الْمَنْكُوحَةِ) فَلَا يَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْ أَمَتِهِ وَلَا مِمَّنْ نَكَحَهَا بِلَا أَمْرِهَا، ثُمَّ ظَاهَرَ مِنْهَا، ثُمَّ أَجَازَتْ (بِمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّشْبِيهِ (مِنْ عُضْوِ مَحْرَمِهِ) بَيَانٌ لِمَا (نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا) تَمْيِيزٌ مِنْ " مَحْرَمِهِ " (وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ وَطْئِهَا وَدَوَاعِيهِ) كَالْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ (حَتَّى يُكَفِّرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ (لِلظِّهَارِ وَالْعَوْدِ) الْمُفَسَّرِ بِالْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ التَّكْفِيرِ هُوَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ وَسَبَبُهَا أَيْضًا دَائِرٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى تَتَعَلَّقَ الْعُقُوبَةُ بِالْمَحْظُورِ وَالْعِبَادَةُ بِالْمُبَاحِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِي الذَّاتِ فَيَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْحُرْمَةِ لِتُرْفَعَ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الطَّهَارَةِ إنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا سَبَبُهَا لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِرَفْعِ الْحَدَثِ فَتَجُوزُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَّارَةُ بَعْدَمَا أَبَانَهَا، أَوْ بَعْدَمَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِالِارْتِدَادِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْوَطْءِ وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى التَّكْفِيرِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَوْ وَطِئَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ التَّكْفِيرِ (اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَفَّرَ لِلظِّهَارِ فَقَطْ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ (وَذَا) أَيْ الظِّهَارُ (كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ رَأْسُكِ وَنَحْوُهُ) يَعْنِي: رَقَبَتُكِ وَعُنُقُكِ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ (أَوْ نِصْفُكِ كَظَهْرِ أُمِّي وَنَحْوِهِ) مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ (أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَخِذِهَا، أَوْ كَظَهْرِ أُخْتِي، أَوْ عَمَّتِي وَهِيَ) أَيْ الصُّوَرُ الْمَذْكُورَةُ وَنَظَائِرُهَا (ظِهَارٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ فِيهَا إمَّا كُلُّهَا، أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهُ، أَوْ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْهَا وَهُوَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ) وَالشَّرْطُ فِي جَانِبِ الْمَحْرَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ عُضْوًا لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَمَا ذُكِرَ، وَقَدْ وُجِدَا (لَا طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَاهُ وَلَا إيلَاءٌ) لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُمَا (وَفِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي مَا نَوَاهُ مِنْ الْكَرَامَةِ، أَوْ الظِّهَارِ، أَوْ الطَّلَاقِ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهَا فَمَا تَرَجَّحَ بِالنِّيَّةِ تَعَيَّنَ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَغَا) لِتَعَارُضِ الْمَعَانِي وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرِوَايَتَانِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْمَهْرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْفُصُولِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ عِنْدَهُمَا كَالْخُلْعِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ كَقَوْلِهَا كَذَا فِي النَّهْرِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي النَّفَقَةِ أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [بَابُ الظِّهَارِ] (بَابُ الظِّهَارِ) (قَوْلُهُ: مِنْ عُضْوِ مَحْرَمِهِ نَسَبًا، أَوْ رَضَاعًا) يُرِيدُ بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَى تَحْرِيمِهَا مُؤَبَّدًا لِيَخْرُجَ أُمُّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَبِنْتُهَا فَإِنَّهُ لَوْ شَبَّهَهَا بِهَا لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ لَكِنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ مُظَاهِرًا قِيلَ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ كَذَا فِي النَّهْرِ وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا فِي تَشْبِيهِهَا بِأُمِّ، أَوْ بِنْتِ مَنْ مَسَّهَا، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْوَطْءَ. (قَوْلُهُ: وَدَوَاعِيهِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ) يُرِيدُ بِهِ النَّظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِخِلَافِ النَّظَرِ إلَى شَعْرِهَا وَظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا حَيْثُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا كَمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ الْحَظْرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ التَّكْفِيرِ هُوَ الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ) عَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَقِيلَ الظِّهَارُ هُوَ السَّبَبُ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَا تَزُولُ بِغَيْرِ التَّكْفِيرِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الظِّهَارُ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ أَمَّا إذَا قَيَّدَهُ بِوَقْتٍ كَشَهْرٍ، أَوْ سَنَةٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الظِّهَارُ بِمُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ النِّهَايَةِ. (تَنْبِيهٌ) : لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ وَلَوْ بِمَشِيئَةِ فُلَانٍ، أَوْ بِمَشِيئَتِهَا كَانَ عَلَى الْمَشِيئَةِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. . . إلَخْ) هَذَا وَقَالَ النَّخَعِيُّ: ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: وَذَا أَيْ الظِّهَارُ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَهُ أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ أَنَا عَلَيْكَ كَظَهْرِ أُمِّكَ لَا يَكُونُ ظِهَارًا قَالُوا: وَلَا يَمِينًا أَيْضًا وَهُوَ الصَّحِيحُ،. وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي مَا نَوَاهُ مِنْ الْكَرَامَةِ، أَوْ الظِّهَارِ، أَوْ الطَّلَاقِ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَالْخَانِيَّةِ: وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمًا كَانَ ظِهَارًا فِي الصَّحِيحِ اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ، إذْ لَوْ تَجَرَّدَ الْكَلَامُ عَنْهَا فَقَالَ: أَنْتِ أُمِّي لَا يَكُونُ مُظَاهِرًا وَيُكْرَهُ لِقُرْبِهِ مِنْ التَّشْبِيهِ

(وَفِي) قَوْلِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي مَا نَوَاهُ مِنْ الظِّهَارِ أَوْ الطَّلَاقِ) لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُمَا وَمَا تَرَجَّحَ بِالنِّيَّةِ تَعَيَّنَ (وَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ، وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا، أَوْ إيلَاءً) لِأَنَّ ذِكْرَ الظَّهْرِ رَجَّحَ جَانِبَ الظِّهَارِ (وَبِأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لِنِسَائِهِ يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ جَمِيعًا) لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارَ إلَيْهِنَّ فَصَارَ كَمَا إذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ (فَحِينَئِذٍ يَجِبُ لِكُلٍّ) مِنْهُنَّ عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ) وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ وَفَصَّلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَهِيَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةً كَانَتْ، أَوْ كَافِرَةً ذَكَرًا كَانَتْ أَوْ أُنْثَى صَغِيرَةً كَانَتْ، أَوْ كَبِيرَةً (لَمْ تَكُنْ فَائِتَةَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ) وَهُوَ الْمَانِعُ أَمَّا إذَا اخْتَلَّتْ الْمَنْفَعَةُ فَلَا يَمْنَعُ حَتَّى جَازَ الْعَوْرَاءُ وَنَحْوُهَا وَجَازَ الْأَصَمُّ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْفَائِتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا الْجَوَازَ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَنْفَعَةِ بَاقٍ فَإِنَّهُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ يَسْمَعُ، حَتَّى لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَسْمَعُ بِأَنْ وُلِدَ أَصَمَّ مَثَلًا وَهُوَ الْأَخْرَسُ لَا يَجُوزُ (وَلَوْ) كَانَ ذَلِكَ التَّحْرِيرُ (بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ بِنِيَّتِهَا) أَيْ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَبَيَّنَ فَوْتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِقَوْلِهِ (كَالْأَعْمَى) بِخِلَافِ الْأَعْوَرِ (وَمَجْنُونٍ لَا يَعْقِلُ) ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجَوَارِحِ لَيْسَ إلَّا بِالْعَقْلِ فَكَانَ فَائِتَ الْمَنْفَعَةِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الِاخْتِلَالَ غَيْرُ مَانِعٍ (وَالْمَقْطُوعِ يَدَاهُ) فَإِنَّهُ فَائِتُ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ (أَوْ إبْهَامَاهُ) لِأَنَّ قُوَّةَ الْبَطْشِ بِهِمَا فَبِفَوَاتِهِمَا يَفُوتُ مَنْفَعَةُ الْبَطْشِ (أَوْ رِجْلَاهُ) فَإِنَّهُ فَائِتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ (أَوْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ جَانِبٍ) فَإِنَّهُ أَيْضًا فَائِتُ مَنْفَعَةِ الْمَشْيِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَذَّرٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُطِعَتَا مِنْ خِلَافٍ؛ إذْ لَمْ يَفُتْ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ (وَلَا مُدَبَّرًا) عَطْفٌ عَلَى لَمْ تَكُنْ فَائِتَةَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ (أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِاسْتِحْقَاقِهَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا (أَوْ مُكَاتَبًا أَدَّى بَعْضَ بَدَلِهِ) لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ وَبِهِ لَا تَتَأَدَّى الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِلَّهِ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا لِأَنَّهُ يَكُونُ تِجَارَةً فَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبًا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا جَازَ (أَوْ عَبْدًا مُشْتَرَكًا أَعْتَقَ) الْمُكَفِّرُ عَنْ ظِهَارِهِ (نِصْفَهُ) وَهُوَ مُوسِرٌ (ثُمَّ) أَعْتَقَ عَنْهُ (بَاقِيَهُ بَعْدَ ضَمَانِهِ) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالنُّقْصَانُ تَمَكَّنَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ وَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ نَاقِصًا فَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ (أَوْ عَبْدًا أَعْتَقَ نِصْفَهُ عَنْ تَكْفِيرِهِ، ثُمَّ بَاقِيَهُ بَعْدَ وَطْءِ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا) لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَرَّأُ عِنْدَهُ وَالْمَأْمُورُ بِهِ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ النِّصْفَ وَقَعَ بَعْدَهُ (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ صَامَ شَهْرَيْنِ وِلَاءً لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ وَلَا الْأَيَّامُ الْمَنْهِيَّةُ) الْوِلَاءُ التَّتَابُعُ وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ لَا يَقَعُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِهِ وَالصَّوْمُ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ نَاقِصًا فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ الْكَامِلُ (وَإِنْ أَفْطَرَ) الْمُظَاهِرُ (يَوْمًا وَلَوْ بِعُذْرٍ) كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ (أَوْ وَطِئَهَا) أَيْ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا (فِي الشَّهْرَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَفْطَرَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (لَيْلًا عَمْدًا، أَوْ يَوْمًا سَهْوًا اسْتَأْنَفَهُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِثْلُهُ يَا بِنْتِي وَيَا أُخْتِي وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. (قَوْلُهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي مَا نَوَاهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ ظِهَارٌ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إيلَاءٌ اهـ. وَكَوْنُهُ ظِهَارًا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ إيلَاءٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ، أَوْ الدَّمِ، أَوْ الْخِنْزِيرِ. رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا أَنَّهُ إيلَاءٌ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَطَلَاقٌ إنْ نَوَاهُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ نَوَى ظِهَارًا لَا يَكُونُ ظِهَارًا اهـ. (قَوْلُهُ: يَجِبُ لِكُلٍّ كَفَّارَةٌ) كَذَا لَوْ ظَاهَرَ مِرَارًا وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ مِنْ امْرَأَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمَوَاهِبِ وَلَوْ أَرَادَ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ، إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ لَا مَجَالِسَ كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ بِنِيَّتِهَا) لَوْ قَالَ بِتَمَلُّكِ قَرِيبِهِ بِنِيَّتِهَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ، وَفِي قَوْلِنَا بِتَمَلُّكِ إشَارَةٌ إلَى إخْرَاجِ الْإِرْثِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَعْوَرِ) تَقَدَّمَ قَرِيبًا شَرْحًا كَمَا هُنَا. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُجْزِيهِ) يَعْنِي إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَقْطُوعِ يَدَاهُ) كَذَا قَطْعُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ غَيْرِ الْإِبْهَامَيْنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ إبْهَامَاهُ) يَعْنِي إبْهَامَيْ الْيَدَيْنِ فَلَوْ قَالَ أَوْ إبْهَامَاهُمَا لَكَانَ أَوْلَى لِيُخْرِجَ إبْهَامَيْ الرِّجْلَيْنِ إذْ لَا يُمْنَعُ قَطْعُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبًا أَدَّى بَعْضَ بَدَلِهِ) هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ مُطْلَقًا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ) عَجْزُهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ثَمَنِهَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لَزِمَهُ الْعِتْقُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ فِي الْخِزَانَةِ: بِخِلَافِ الْمَسْكَنِ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي السِّرَاجِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا اهـ يَعْنِي الْعَبْدَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى الْمَوْلَى لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لَيْلًا عَمْدًا، أَوْ يَوْمًا سَهْوًا) الْعَمْدُ لَيْسَ بِقَيْدٍ مُخْرِجٍ لِلسَّهْوِ بَلْ هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ اتِّفَاقِيٌّ، أَوْ خَطَأٌ فَاجْتَنِبْهُ. اهـ. . وَالسَّهْوُ يَوْمًا مُفِيدٌ بِالْأَوْلَوِيَّةِ الِاسْتِئْنَافَ بِالْعَمْدِ فِيهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ وَطْئَهَا مُطْلَقًا عَمْدًا، أَوْ سَهْوًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ، وَوَطْءَ غَيْرِهَا لَا يُوجِبُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفَرِّطًا. (قَوْلُهُ: أَوْ يَوْمًا) لَمْ يَقُلْ نَهَارًا لِيَدْخُلَ

الصَّوْمَ أَمَّا فِي الْإِفْطَارِ فَلِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ بِالْفِطْرِ وَهُوَ عُذْرٌ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِدُ شَهْرَيْنِ لَا عُذْرَ فِيهِمَا، وَأَمَّا فِي الْوَطْءِ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَمِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِمَا قَبْلَهُ إخْلَاؤُهُمَا عَنْهُ أَمَّا لَوْ وَطِئَ غَيْرَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا نَاسِيًا فَلَا يَضُرُّهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (لَا الْإِطْعَامُ إنْ وَطِئَ فِي خِلَالِهِ) أَيْ إنْ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ لِأَنَّ النَّصَّ فِي الْإِطْعَامِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَا قَبْلَ التَّمَاسِّ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْإِعْتَاقِ وَالصِّيَامِ. (وَلَوْ قَدَرَ) الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ (عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي آخِرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ) أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي (لَزِمَهُ) أَيْ الْإِعْتَاقُ وَلَمْ يَصِحَّ تَكْفِيرُهُ بِالصَّوْمِ وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ، وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِنْ عَجَزَ) أَيْ الْمُكَفِّرُ (عَنْهُ) أَيْ الْإِعْتَاقِ (أَطْعَمَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الظِّهَارِ (هُوَ) أَيْ الْمُظَاهِرُ (أَوْ نَائِبُهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) يَعْنِي أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ. اعْلَمْ أَنَّ مَا شُرِعَ بِلَفْظِ الْإِطْعَامِ، أَوْ الطَّعَامِ يَجُوزُ فِيهِ التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ وَمَا شُرِعَ بِلَفْظِ الْإِيتَاءِ وَالْآرَاءِ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّمْلِيكُ فَذَكَرَ صُورَةَ التَّمْلِيكِ بِقَوْلِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ هُوَ، أَوْ نَائِبُهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا (كُلًّا قَدْرَ الْفِطْرَةِ، أَوْ قِيمَتَهُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ (مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصَةِ) الْأَشْيَاءُ الْمَنْصُوصَةُ كَالْبُرِّ وَدَقِيقِهِ وَسَوِيقِهِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِهَا كَالْأَرُزِّ وَالْعَدَسِ وَالذُّرَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ رُبُعَ صَاعٍ مِنْ التَّمْرِ إذَا سَاوَى نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ قِيمَةً لَمْ يُجْزِ دَفْعُهُ بِخِلَافِ الْأَرُزِّ مَثَلًا فَإِنَّ رُبُعَ صَاعٍ مِنْهُ إذَا سَاوَى نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ قِيمَةً جَازَ دَفْعُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ مُقَرَّرٍ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْمَنْصُوصَ لَا يَنُوبُ أَخَاهُ (أَوْ) أَطْعَمَ (وَاحِدًا شَهْرَيْنِ) أَيْ أَعْطَى الطَّعَامَ كُلَّهُ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا جَازَ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّةِ الْمِسْكِينِ وَرَدُّ جَوْعَتِهِ، وَذَا يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ فَكَانَ هُوَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي كَمِسْكِينٍ آخَرَ لِتَجَدُّدِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ (لَا فِي يَوْمٍ قَدْرَ الشَّهْرَيْنِ إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) سَوَاءٌ كَانَ بِدَفْعَةٍ، أَوْ دَفَعَاتٍ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَسْتَوْفِي فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَلَمْ يُوجَدْ الْعَدَدُ الْمَفْرُوضُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ وَذَكَرَ صُورَةَ الْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا أَشْبَعَهُمْ) أَيْ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَإِنْ قَلَّ مَا أَكَلُوا (بِالْغَدَاءِ) وَهُوَ الطَّعَامُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ (وَالْعَشَاءِ) وَهُوَ الطَّعَامُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ (أَوْ غَدَاءَيْنِ) أَيْ أَشْبَعَهُمْ بِطَعَامٍ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ مَرَّتَيْنِ (أَوْ عَشَاءَيْنِ) أَيْ أَشْبَعَهُمْ بِطَعَامٍ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ عَشَاءٍ وَسَحُورٍ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ وَالْغَدَاءَانِ يُجْزِئُهُ وَالْعَشَاءَانِ كَذَلِكَ وَالْعَشَاءُ وَالسَّحُورُ كَذَلِكَ، وَأَوْفَقُهَا وَأَعْدَلُهَا الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الشِّبَعُ لَا الْمِقْدَارُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّمْلِيكِ الْمِقْدَارُ لَا الشِّبَعُ وَالسَّحُورُ قَدْ يَصْلُحُ لِلِاسْتِيفَاءِ فَأُقِيمَ مَقَامَ الْغَدَاءِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَكْلَتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَالْوَاجِبُ فِيهِ الْوَسَطُ وَهُوَ أَكْلَتَانِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْعَادَةِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، وَالْأَقَلَّ مَرَّةٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (بِخُبْزِ بُرٍّ فَقَطْ، أَوْ خُبْزِ شَعِيرٍ بِالْإِدَامِ) فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مِنْهُ حَاجَتَهُ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُ عَنَى الْعُرْفِيَّ، وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَرَ الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ عَلَى الْإِعْتَاقِ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ فِي آخِرِ الْإِطْعَامِ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَانْقَلَبَ الْإِطْعَامُ نَفْلًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَفِّرُ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْإِعْتَاقِ أَطْعَمَ) الصَّوَابُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي عَنْهُ إنَّمَا هُوَ لِلصِّيَامِ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ الْإِطْعَامُ إلَّا بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ الصِّيَامِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ الصِّيَامُ إلَّا بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْإِعْتَاقِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَيْ عَنْ الصِّيَامِ أَطْعَمَ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: سِتِّينَ مِسْكِينًا) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ جَائِعًا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا بَلْ مُرَاهِقًا فَالشَّبْعَانُ وَغَيْرُ الْمُرَاهِقِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ فَطِيمًا لَمْ يُجْزِهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ إفَادَةِ مَا يُخَالِفُ الْبَدَائِعَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا اهـ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمِسْكِينِ لِمُطَابَقَةِ لَفْظِ النَّصِّ وَإِلَّا فَالْفَقِيرُ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ. . . إلَخْ) قَيَّدَ بِالْأَمْرِ، إذْ بِغَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَبِالْإِطْعَامِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْعِتْقِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَلَوْ بِجُعْلٍ سَمَّاهُ جَازَ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الرُّجُوعِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ إلَّا إنْ قَالَ لَهُ الْآمِرُ: عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ، وَإِنْ سَكَتَ لَمْ يَرْجِعْ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِلثَّانِي وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ فِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَسْتَوْفِي فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) هَذَا بِخِلَافِ الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْبًا جَازَ وَلَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ زَمَانٍ تَتَجَدَّدُ فِيهِ الْحَاجَةُ إلَى الْكِسْوَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا أَشْبَعَهُمْ بِالْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ. . . إلَخْ) يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّحَادُ الْفُقَرَاءِ فِيهِمَا، إذْ لَوْ غَدَّى سِتِّينَ وَعَشَّى سِتِّينَ آخَرِينَ لَمْ يُجْزِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ السِّتِّينَ غَدَاءً، أَوْ عَشَاءً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُمْ فِي الْغَدَاءَيْنِ أَوْ الْعَشَاءَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَأَرْفَقُهُمَا وَأَعْدَلُهُمَا الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ) أَيْ إذَا كَانَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ. (وَأَقُولُ) كَذَلِكَ الْعَشَاءُ وَالسَّحُورُ فِي

[باب اللعان]

بِالْإِدَامِ بِخِلَافِ خُبْزِ الْبُرِّ (أَوْ أَعْطَى) عَطْفٌ عَلَى أَشْبَعَهُمْ (كُلًّا رُبُعَ صَاعِ بُرٍّ وَنِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ مِنْ بُرٍّ، أَوْ مَنَوَيْ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ جَازَ) جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ إذَا أَشْبَعَهُمْ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَإِنَّ رُبُعَ صَاعِ بُرٍّ وَنِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ يَبْلُغُ بِالْكَيْلِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ وَكَذَا مَنُّ بُرٍّ وَمَنَوَا شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ يَبْلُغُ بِالْوَزْنِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ أَوْ صَاعَ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُتَّحِدَةَ الْجِنْسِ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ حَيْثُ الطَّعَامُ جِنْسٌ وَاحِدٌ جَازَ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَلَا كَذَلِكَ الْقِيمَةُ كَمَا عَرَفْت (بِخِلَافِ إعْتَاقِ نِصْفِ رَقَبَةٍ وَصِيَامِ شَهْرٍ) لِتَعَذُّرِ تَكْمِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِهِمَا مَعْنًى فَإِنَّ الْعِتْقَ شُرِعَ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ وَالصَّوْمَ لِتَجْوِيعِ النَّفْسِ. (وَ) بِخِلَافِ (إطْعَامِ نِصْفِ صَاعِ تَمْرٍ قِيمَتُهُ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ) لِمَا عَرَفْت مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَدَاءِ مَا هُوَ مِنْ الْأَعْدَادِ الْمَنْصُوصَةِ قِيمَةً إذَا كَانَ أَقَلَّ قَدْرًا مِمَّا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِثْلَهُ قِيمَةً (أَطْعَمَهُمْ) أَيْ سِتِّينَ مِسْكِينًا (كُلًّا مِنْهُمْ صَاعَ بُرٍّ عَنْ ظِهَارَيْنِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا عَنْ أَحَدِهِمَا وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ صَحَّ عَنْهُمَا) لِأَنَّ النِّيَّةَ تَعْمَلُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ كَالْإِفْطَارِ وَالظِّهَارِ لَا عِنْدَ اتِّحَادِهِمَا فَإِذًا لَغَتْ النِّيَّةُ، وَالصَّاعُ يَصْلُحُ لِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ مِنْ أَدْنَى الْمَقَادِيرِ فَالْمُؤَدَّى وَهُوَ الصَّاعُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهَا لِلظِّهَارَيْنِ بَلْ لِظِهَارٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا فَرَّقَ فِي الدَّفْعِ لِأَنَّهُ فِي الدَّفْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي حُكْمِ مِسْكِينٍ آخَرَ (كَصَوْمِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ إطْعَامِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا، أَوْ إعْتَاقِ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ) فَإِنَّهُ صَحِيحٌ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا لِوَاحِدٍ) لِأَنَّ الْجِنْسَ فِي الظِّهَارَيْنِ مُتَّحِدٌ فَلَا يَجِبُ التَّعْيِينُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُظَاهِرِ (فِي إعْتَاقِ عَبْدٍ عَنْهُمَا، أَوْ صَوْمِ شَهْرَيْنِ أَنْ يُعَيِّنَ لِأَيٍّ) مِنْهُمَا (شَاءَ، وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ قَتْلٍ وَظِهَارٍ لَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ) لِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ لَغْوٌ، وَفِي الْمُخْتَلِفِ مُفِيدٌ فَإِذَا لَغَتْ بَقِيَ مُطْلَقُ النِّيَّةِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَهُ فِي الِابْتِدَاءِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَلَوْ نَوَى مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، أَوْ عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. (عَبْدٌ ظَاهَرَ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَقَطْ) أَيْ صَوْمِ شَهْرَيْنِ؛ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ كَفَّرَ بِصَوْمِ شَهْرٍ اعْتِبَارًا بِالْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا كَالْحُدُودِ (لَا سَيِّدُهُ عَنْهُ بِالْمَالِ) بِأَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ، أَوْ أَطْعَمَ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ. (بَابُ اللِّعَانِ) (هُوَ) لُغَةً مِنْ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِي الْخَامِسَةِ مِنْ لَعْنِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ وَمِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا الْمُسْتَلْزِمِ لِلَّعْنِ وَشَرْعًا (شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا تَلَاعَنَا سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ الْقَذْفِ. (وَ) مَقَامَ (حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا) بِمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا تَلَاعَنَا سَقَطَ عَنْهَا حَدُّ الزِّنَا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ أَنَّ «هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ غِبْتُ عَنْ امْرَأَتِي سَنَتَيْنِ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَجَدْتُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي الشَّرِيكَ يَزْنِي بِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّفْقِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ رُبُعَ صَاعِ بُرٍّ وَنِصْفَ صَاعِ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ يَبْلُغُ بِالْكَيْلِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ) فِيهِ تَسَامُحٌ فَلَوْ قِيلَ يَبْلُغُ بِالتَّقْدِيرِ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ لَكَانَ أَوْلَى وَكَذَا فِيمَا بَعْدُ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْ قَتْلٍ وَظِهَارٍ وَلَمْ يَجُزْ عَنْ وَاحِدٍ) هَذَا إذَا كَانَتْ مُؤْمِنَةً، وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً جَازَ عَنْ الظِّهَارِ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. اهـ. . [بَابُ اللِّعَانِ] (بَابُ اللِّعَانِ) (قَوْلُهُ: سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِي الْخَامِسَةِ مِنْ لَعْنِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَهِيَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَالتَّشَهُّدِ اهـ، وَفِي النَّهْرِ وَلَمْ يُسَمَّ بِالْغَضَبِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ لِمَا فِي جَانِبِهَا لِأَنَّ لَعْنَهُ أَسْبَقُ، وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا شَهَادَاتٌ. . . إلَخْ) رُكْنُهُ وَسَبَبُهُ الْقَذْفُ. (قَوْلُهُ: مَقْرُونَةٌ بِاللَّعْنِ) أَيْ وَالْغَضَبِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: قَائِمَةٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ أَبَدًا وَبِهِ جَزَمَ الْعَيْنِيُّ هُنَا تَبَعًا لِلِاخْتِيَارِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَدِّ الْقَذْفِ أَنَّهَا تُقْبَلُ اهـ. وَالْمُرَادُ مِنْ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ إذَا كَانَ كَاذِبًا وَمِنْ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً وَهُوَ صَادِقٌ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَتْحِ كَذَا فِي النَّهْرِ

ائْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهُودٍ، وَإِلَّا تُجْلَدُ عَلَى ظَهْرِكَ فَقَالَ هِلَالٌ: رَأَيْت بِعَيْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَعَادَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ، ثُمَّ قَالَ، وَإِنِّي لَأَرْجُو مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لِي مَخْرَجًا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ حَيْثُ لَمْ يُجْلَدْ هِلَالٌ بِقَذْفِهِ ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ أَنَّ هِلَالًا لَمَّا رَمَاهَا بِالشَّرِيكِ ابْنِ السَّحْمَاءِ حَيْثُ قَالَ: وَجَدْتُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي الشَّرِيكَ يَزْنِي بِهَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ عَلَى نَعْتِ كَذَا فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا جُمَالِيًّا فَهُوَ لِلشَّرِيكِ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ سَبَقَتْ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ) بَعْدَ التَّلَاعُنِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ التَّامَّةِ (وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ) حَتَّى إذَا طَلَّقَهَا بَائِنًا، أَوْ ثَلَاثًا سَقَطَ وَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَوْنُ النِّكَاحِ صَحِيحًا فَمَنْ قَذَفَ بِالزِّنَا زَوْجَتَهُ الْعَفِيفَةَ) أَيْ الْبَرِيَّةَ عَنْ الزِّنَا غَيْرَ مُتَّهَمَةٍ بِهِ كَمَنْ يَكُونُ مَعَهَا وَلَدٌ لَا يَكُونُ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ (وَصَلُحَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ) حَتَّى لَا يَجْرِيَ اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ وَلَا بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ، وَإِنْ صَلُحَ شَاهِدًا عَلَى مِثْلِهِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ نَفَى) عَطْفٌ عَلَى قَذَفَ (وَلَدَهَا) احْتِرَازٌ عَنْ نَفْيِ الْحَمْلِ كَمَا سَيَأْتِي (وَطَالَبَتْ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْقَذْفِ وَهُوَ الْحَدُّ فَإِنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا كَسَائِرِ حُقُوقِهَا وَلِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَفِيفَةً لَيْسَ لَهَا الْمُطَالَبَةُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْعِفَّةُ (لَاعَنَ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ فَمَنْ قَذَفَ (فَإِنْ أَبَى) أَيْ الزَّوْجُ عَنْ اللِّعَانِ (حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ، أَوْ يُكْذِبَ نَفْسَهُ فَيُحَدَّ) لِأَنَّ اللِّعَانَ خَلَفٌ عَنْ الْحَدِّ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْخَلَفِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ (فَإِنْ لَاعَنَ) الزَّوْجُ (لَاعَنَتْ) الْمَرْأَةُ بِالنَّصِّ لَكِنْ يُبْدَأُ بِالزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي فَيُطْلَبُ مِنْهُ الْحُجَّةُ أَوَّلًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُلَاعِنْ (حُبِسَتْ حَتَّى تُلَاعِنَ، أَوْ تُصَدِّقَهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ " أَوْ تُصَدِّقَهُ فَتُحَدَّ " وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً فَكَيْفَ يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ مَرَّةً وَهُوَ لَا يَجِبُ بِالتَّصْدِيقِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ قَصْدًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ وَيُعْتَبَرُ فِي دَرْئِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ اللِّعَانُ وَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ وَلَدُهُمَا لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْقَطِعُ حُكْمًا بِاللِّعَانِ فَلَمْ يُوجَدْ وَهُوَ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي إبْطَالِهِ وَبِهِ يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَيُنْفَى نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ. (فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ) الزَّوْجُ (لِلشَّهَادَةِ) بِأَنْ كَانَ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ (حُدَّ لَوْ هِيَ مِنْ أَهْلِهَا) لِأَنَّ اللِّعَانَ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ فَيُصَارُ إلَى الْمُوجَبِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الثَّابِتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] الْآيَةَ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ إلَّا إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بَعْدَ التَّلَاعُنِ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ التَّامَّةِ) فِي التَّعْلِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَالِاسْتِمْتَاعُ بَعْدَ التَّلَاعُنِ وَلَوْ قَبْلَ التَّفْرِيقِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْوِيرِ عَنْ الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّةَ الشَّرْطِ صَرِيحًا وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهَا لِيَحْسُنَ التَّفْرِيعُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهِيَ عَدَمُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِدْقِهِ، وَإِنْكَارُهَا، وَطَلَبُهَا اللِّعَانَ، وَعِفَّتُهَا، وَالْعَقْلُ، وَالْإِسْلَامُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالنُّطْقُ، وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ، وَكَوْنُهُمَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا) قَيَّدَ بِهِ، إذْ لَوْ رَمَاهَا بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: كَمَنْ يَكُونُ مَعَهَا وَلَدٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَبٌ مَعْرُوفٌ) يُتَأَمَّلُ فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجْرِيَ اللِّعَانُ بَيْنَ الْكَافِرَيْنِ. . . إلَخْ) كَذَا بَيْنَ الصَّغِيرَيْنِ وَالْمَجْنُونَيْنِ وَمَنْ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَفَى وَلَدَهَا) أَضَافَ الْوَلَدَ إلَيْهَا لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَيْسَ مِنِّي، أَوْ مِنْ الزِّنَا كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لَاعَنَ) أَيْ إنْ اعْتَرَفَ بِالْقَذْفِ، أَوْ أَقَامَتْ عَدْلَيْنِ مَعَ إنْكَارِهِ وَإِنْ أَقَامَتْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ بَيِّنَةً لَا يُحَلَّفُ فِي الْحَدِّ وَاللِّعَانِ اتِّفَاقًا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ) قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ هَاهُنَا غَايَةٌ أُخْرَى يَنْتَهِي الْحَبْسُ عِنْدَهَا وَهِيَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ بِطَلَاقٍ، أَوْ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ. وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَشَرْطُهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ آخِرَ الْبَابِ وَإِذَا امْتَنَعَا جَمِيعًا مِنْ اللِّعَانِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: يُحْبَسَانِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَعْفُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ عَفَا الْمَقْذُوفُ لَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ لَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ بَلْ لِتَرْكِ طَلَبِهِ حَتَّى لَوْ عَادَ وَطَلَبَ يُحَدُّ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَاعَنَ لَاعَنَتْ) لَوْ خَطِئَ الْقَاضِي فَبَدَأَ بِالْمَرْأَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَهُ وَلَوْ فَرَّقَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ جَازَ كَذَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَفِي الْغَايَةِ وَلَوْ بَدَأَ بِلِعَانِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَدَّقَتْهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ وَهُوَ وَلَدُهُمَا) أَقُولُ

[صورة اللعان]

فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ قَذَفَهَا قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ (وَإِنْ صَلُحَ لَهَا) أَيْ الزَّوْجُ لِلشَّهَادَةِ (وَهِيَ لَا تَصْلُحُ) لَهَا بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً، أَوْ كَافِرَةً، أَوْ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ، أَوْ صَبِيَّةً، أَوْ مَجْنُونَةً (أَوْ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا) بِأَنْ كَانَتْ زَانِيَةً (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) كَمَا إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ (وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْهُ. (وَصُورَتُهُ) أَيْ صُورَةُ اللِّعَانِ (مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ) يَعْنِي الْقُرْآنَ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَوَّلًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي صَادِقٌ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَفِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا مُشِيرًا إلَيْهَا فِي كُلِّهِ، ثُمَّ تَقُولَ هِيَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا، وَفِي الْخَامِسَةِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّهُنَّ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ فِي كَلَامِهِنَّ كَثِيرًا كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ: إنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَسَقَطَتْ حُرْمَةُ اللَّعْنِ فِي أَعْيُنِهِنَّ فَعَسَاهُنَّ يَخْتَرْنَ اللَّعْنَ بِخِلَافِ الْغَضَبِ (فَإِنْ الْتَعَنَا فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا) وَلَا تَبِينُ قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ وَرِثَهُ الْآخَرُ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّةُ اللِّعَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ، أَوْ قَذَفَ إنْسَانًا فَحُدَّ لَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا (وَنُفِيَ نَسَبُ الْوَلَدِ إنْ قَذَفَهَا بِهِ وَأَلْحَقَهُ بِأُمِّهِ) وَبَانَتْ بِطَلْقَةٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ حَالَ جَرَيَانِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا حَتَّى لَوْ عَلِقَتْ أَمَةٌ، أَوْ كَافِرَةٌ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ، أَوْ أَسْلَمَتْ لَا يَنْفِي وَلَا يُلَاعِنُ لِأَنَّ نَسَبَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَهُ (فَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ حُدَّ) لِإِقْرَارِهِ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (فَلَهُ) أَيْ بَعْدَمَا حُدَّ جَازَ لَهُ (أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ مَا دَامَا مُتَلَاعِنَيْنِ كَمَا يُقَالُ: الْمُصَلِّي لَا يَتَكَلَّمُ أَيْ مَا دَامَ مُصَلِّيًا (كَذَا إنْ قَذَفَ غَيْرَهَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّلَاعُنِ (فَحُدَّتْ، أَوْ زَنَتْ) فَإِنَّهُ إذًا بِحَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلِّعَانِ وَكَذَا الْمَرْأَةُ بَعْدَ الزِّنَا لَمْ تَبْقَ أَهْلًا لَهُ فَجَازَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ، أَوْ زَنَتْ فَحُدَّتْ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ زِنَاهَا يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْحَدِّ بِخِلَافِ الْقَذْفِ؛ إذْ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْإِحْصَانُ حَتَّى تُحَدَّ رُوِيَ عَنْ الْفَقِيهِ الْمَكِّيِّ أَنَّهُ كَانَ: يَقُولُ زَنَّتْ بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ نَسَبَتْ غَيْرَهَا إلَى الزِّنَا وَهُوَ الْقَذْفُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِيهِ شَرْطًا كَمَا ذُكِرَ وَلَا يَبْقَى الْإِشْكَالُ. (لَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ وَقَذْفُهُ لَا يُعَرَّى عَنْ شُبْهَةٍ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِهَا. (وَ) لَا (بِنَفْيِ الْحَمْلِ) لِأَنَّ قِيَامَهُ عِنْدَ الْحَمْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ انْتِفَاخًا (وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ) وَقَالَا: يَجِبُ بِنَفْيِهِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّهَا (وَتَلَاعَنَا بِزَنَيْتِ وَهَذَا الْحَمْلُ مِنْهُ) لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ زَنَيْتِ (وَلَا يَنْفِي الْقَاضِي الْحَمْلَ) أَيْ نَسَبُ الْحَمْلِ مِنْ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّ تَلَاعُنَهُمَا كَانَ بِسَبَبِ قَوْلِهِ زَنَيْتِ لَا بِنَفْيِ الْحَمْلِ (نَفْيُ الْوَلَدِ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفِيدُ هَذَا بِمَا إذَا مَضَتْ مُدَّةُ التَّهْنِئَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ نَفْيَهُ فِي مُدَّةِ التَّهْنِئَةِ صَحِيحٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ كَمَا إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ) يَعْنِي بِهِ الزَّانِيَةَ وَنَحْوَهَا كَالْأَمَةِ دُونَ الْمَحْدُودَةِ فِي قَذْفٍ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً وَقَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ حُدَّ. (قَوْلُهُ: وَحَاصِلُهُ. . . إلَخْ) يُتَأَمَّلُ فِي عُدُولِهِ عَنْ مَعْنَى مَا نَطَقَ بِهِ النَّصُّ مِنْ حَذْفِ بَعْضِ الْمُؤَكِّدَاتِ إلَى مَا تَرَى فَلَيْسَ صَوَابًا، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْخِطَابُ هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أَقْطَعُ لِلِاحْتِمَالِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ ضَمِيرَ الْغَائِبِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِشَارَةُ يَنْقَطِعُ الِاحْتِمَالُ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ [صُورَةُ اللِّعَانِ] (قَوْلُهُ: فَإِنْ الْتَعَنَا فَرَّقَ الْقَاضِي) يَعْنِي وُجُوبًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَإِنْ فَرَّقَ بَعْدَ وُجُودِ أَكْثَرِ اللِّعَانِ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يُفَرِّقْ حَتَّى مَاتَ، أَوْ عُزِلَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُعِيدُهُ كَمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ كَذَلِكَ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَبِينُ قَبْلَهُ) لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) يَعْنِي الْخَرَسَ وَالْوَطْءَ الْحَرَامَ لَا مَا إذَا جُنَّ أَحَدُهُمَا. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ حَالَ جَرَيَانِ اللِّعَانِ) لَوْ قَالَ فِي حَالٍ يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِيهِ اللِّعَانُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ حُدَّ) أَيْ إذَا أَكْذَبَهَا بَعْدَ التَّلَاعُنِ، وَإِنْ كَذَّبَ قَبْلَهُ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْلَ الْإِكْذَابِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ أَبَانَهَا ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِكْذَابُ بِاعْتِرَافِهِ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ دَلَالَةٍ بِأَنْ مَاتَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ عَنْ مَالٍ فَادَّعَى نَسَبَهُ اهـ. ثُمَّ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَيْسَ تَكْرَارًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: حُبِسَ حَتَّى يُلَاعِنَ، أَوْ يُكْذِبَ نَفْسَهُ فَيُحَدَّ لِأَنَّ ذَاكَ فِيمَا قَبْلَ اللِّعَانِ وَهَذَا فِيمَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: فَلَهُ أَيْ بَعْدَمَا حُدَّ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) الْحَدُّ لَيْسَ قَيْدًا لِحِلِّ تَزَوُّجِهِ بِهَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَكَذَا إذَا لَمْ يُحَدَّ أَوْ صَدَّقَتْهُ. (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِيهِ شَرْطًا) هُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظَةُ الْقَذْفِ بَعْدَ الْحَدِّ وَهُوَ سَهْوٌ. (قَوْلُهُ: لَا لِعَانَ بِقَذْفِ الْأَخْرَسِ) كَذَا لَا حَدَّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَنْفِي الْحَمْلَ لِأَنَّ قِيَامَهُ عِنْدَ الْحَمْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ) الضَّمِيرُ فِي قِيَامِهِ لِلْحَمْلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ قِيَامَ الْحَمْلِ عِنْدَ الْحَمْلِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ قِيَامَ الْحَمْلِ عِنْدَ الْقَذْفِ. . . إلَخْ كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: نَفْيُ الْوَلَدِ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِكَوْنِ الْوَلَدِ حَيًّا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَمَتَى بَلَغَهُ الْخَبَرُ يَكُونُ

[باب العنين وغيره.]

وَمُدَّتُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَوْ شِرَاءُ آلَةِ الْوِلَادَةِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا) لِأَنَّ قَبُولَهُ التَّهْنِئَةَ، أَوْ سُكُوتَهُ عِنْدَ التَّهْنِئَةِ أَوْ شِرَاءَ آلَةِ الْوِلَادَةِ، أَوْ سُكُوتَهُ عَنْ النَّفْيِ عِنْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ إقْرَارٌ مِنْهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ السُّكُوتُ عَنْ نَفْيِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَا يَصِحُّ نَفْيُهُ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ وُجِدَ الْإِقْرَارُ صَرِيحًا (وَلَاعَنَ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا صَحَّ نَفْيُهُ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَصِحَّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ (نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ) وَهُمَا اللَّذَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ) لِأَنَّهُ كَذَّبَ نَفْسَهُ بِدَعْوَى الثَّانِي (وَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَنَفَى الثَّانِيَ (لَاعَنَ) لِأَنَّهُ قَاذِفٌ بِنَفْيِ الثَّانِي وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَالْإِقْرَارُ بِالْعِفَّةِ سَابِقٌ عَلَى الْقَذْفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِعِفَّتِهَا، ثُمَّ قَذَفَهَا بِالزِّنَا (وَصَحَّ نَسَبُهُمَا) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ (فِيهِمَا) أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَبِثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ. (اجْتَمَعَ شَرَائِطُ اللِّعَانِ فِيهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا، أَوْ ثَلَاثًا سَقَطَ) أَيْ اللِّعَانُ (وَلَمْ يَجِبْ الْحَدُّ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ شَرْطَهُ قِيَامُ الزَّوْجِيَّةِ فَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَى (كَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ) لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (وَلَوْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا لَا يَسْقُطُ) لِمَا عَرَفْت مِنْ بَقَاءِ أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ [بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ.] (بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ) كَالْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ (هُوَ) أَيْ الْعِنِّينُ (مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ) مُطْلَقًا (أَوْ يَصِلُ إلَى الثَّيِّبِ لَا الْأَبْكَارِ، أَوْ لَا يَصِلُ إلَى) امْرَأَةٍ (وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا) مِنْ عُنَّ إذَا حُبِسَ فِي الْعُنَّةِ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْإِبِلِ. (وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا) وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ (فُرِّقَ) بَيْنَهُمَا (فِي الْحَالِ إنْ طَلَبَتْ) التَّفْرِيقَ لِأَنَّهُ حَقُّهَا وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّأْجِيلِ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ جُبَّ بَعْدَمَا وَصَلَ إلَيْهَا لَا خِيَارَ لَهَا كَمَا إذَا صَارَ عِنِّينًا بَعْدَهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَرِيضًا، أَوْ صَغِيرًا لِمَا ذُكِرَ بِخِلَافِ الْعِنِّينِ حَيْثُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ أَوْ بُرْؤُهُ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ كَمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً وَهُوَ مَجْبُوبٌ، أَوْ عِنِّينٌ حَيْثُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَرْضَى بِهِ (أَوْ) وَجَدَتْ زَوْجَهَا (عِنِّينًا، أَوْ خَصِيًّا) هُوَ مَقْطُوعُ الْخُصْيَتَيْنِ فَقَطْ (فَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ بَعْدَ مَا وَجَدَتْهُ عِنِّينًا، أَوْ خَصِيًّا إنْ أَقَرَّ (أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أُجِّلَ) أَيْ الزَّوْجُ يَعْنِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا (سَنَةً قَمَرِيَّةً) فِي الصَّحِيحِ وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَمُدَّتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا وَثُلُثُ يَوْمٍ وَثُلُثُ عُشْرِ يَوْمٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً شَمْسِيَّةً وَهِيَ مُدَّةُ وُصُولِ الشَّمْسِ إلَى النُّقْطَةِ الَّتِي فَارَقَتْهَا مِنْ ذَلِكَ الْبُرْجِ وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبُعِ يَوْمٍ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَزُولُ غَالِبًا فِيهَا لِأَنَّهُ يَكُونُ لِغَلَبَةِ الْبُرُودَةِ، أَوْ الْحَرَارَةِ، أَوْ الْيُبُوسَةِ أَوْ الرُّطُوبَةِ، وَفُصُولُ السَّنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوَقْتِ الْوِلَادَةِ فَتُجْعَلُ كَأَنَّهَا وَلَدَتْهُ الْآنَ فَلَهُ النَّفْيُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مِقْدَارِ مَا يَقْبَلُ فِيهِ التَّهْنِئَةَ وَعِنْدَهُمَا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْقُدُومِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَعِنْدَهُمَا إنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ فَكَذَلِكَ أَيْ هُوَ كَوَقْتِ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ بَلَغَهُ بَعْدَهَا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ إلَى سَنَتَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمُدَّتُهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يُقَدَّرْ زَمَنُهَا بِشَيْءٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بِسَبْعَةٍ وَضَعَّفَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: أَوْ سُكُوتَهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْمَمْلُوكَةِ إذَا هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ قَبُولًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ عَلَى هَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَنَفَى الثَّانِيَ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُمَا ابْنَايَ، أَوْ لَيْسَا بِابْنَيَّ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. اهـ. (بَابُ الْعِنِّينِ وَغَيْرِهِ) (قَوْلُهُ: هُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجِمَاعِ مُطْلَقًا) أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِ الثَّيِّبِ وَلَا جِمَاعِ الْبِكْرِ فِي الْقُبُلِ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ فِي الدُّبُرِ فَقَطْ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ إذْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُ عِنِّينًا كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ. (قَوْلُهُ: وَجَدَتْ زَوْجَهَا) الْمُرَادُ بِهَا مَنْ لَمْ تَكُنْ عَالِمَةً بِحَالِهِ وَلَا رَتْقَاءَ وَلَا أَمَةً كَمَا سَيَذْكُرُهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَقْطُوعُ الذَّكَرِ وَالْخُصْيَتَيْنِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ يَذْكُرُوا مَقْطُوعَ الذَّكَرِ فَقَطْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَى هَذَا الْحُكْمَ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ إنْ طَلَبَتْ) أَيْ فُرِّقَ فِي حَالِ طَلَبِهَا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ عَلَى فَوْرِ عِلْمِهَا بِهِ حَتَّى لَوْ أَقَامَتْ مَعَهُ زَمَانًا وَهُوَ يُضَاجِعُهَا كَانَتْ عَلَى خِيَارِهَا مَا لَمْ تَعْلَمْ بِحَالِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ، أَوْ عَلِمَتْ بِهِ وَلَمْ تَرْضَ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَجَّلَهُ الْقَاضِي) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِتَأْجِيلِ غَيْرِهِ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِعَدَمِ تَأْجِيلِهِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: قَمَرِيَّةً فِي الصَّحِيحِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَهِيَ بِالْأَهِلَّةِ، وَالشَّمْسِيَّةُ بِالْأَيَّامِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَزَادَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَقَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ اهـ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى: لَا خِلَافَ فِي الِاعْتِبَارِ بِالْأُمِّ إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ

[باب العدة]

مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا فَالرَّبِيعُ حَارٌّ رَطْبٌ وَالصَّيْفُ حَارٌّ يَابِسٌ وَالْخَرِيفُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَالشِّتَاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ يَزُلْ الْمَرَضُ ظَهَرَ أَنَّهُ خِلْقِيٌّ (سِوَى مُدَّةِ مَرَضِهِ وَمَرَضِهَا) بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَأَيَّامِ حَيْضِهَا فَإِنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي السَّنَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ رَتْقَاءَ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أُجِّلَ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ رَتْقَاءَ لَمْ يُفِدْ التَّأْجِيلُ كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا (فَإِنْ وَطِئَ) فَبِهَا وَنِعْمَتْ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ (بَانَتْ بِالتَّفْرِيقِ) أَيْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَكَانَ تَفْرِيقُهُ طَلَاقًا بَائِنًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ - وَهُوَ دَفْعُ الظُّلْمِ عَنْهَا - لَا يَحْصُلُ بِالرَّجْعِيِّ (إنْ طَلَبَتْ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَقُّهَا (وَلَهَا كُلُّ الْمَهْرِ إنْ خَلَا بِهَا) لِأَنَّ خَلْوَةَ الْعِنِّينِ صَحِيحَةٌ (وَتَجِبُ الْعِدَّةُ) لِلِاحْتِيَاطِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَقَرَّ أَيْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَدَمَ الْوُصُولِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ (وَكَانَتْ ثَيِّبًا، أَوْ بِكْرًا فَنَظَرَتْ النِّسَاءُ فَقُلْنَ ثَيِّبٌ حَلَفَ) أَيْ الزَّوْجُ لِأَنَّ الثِّيَابَةَ ثَبَتَتْ بِقَوْلِهِنَّ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الثِّيَابَةِ الْوُصُولُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ زَوَالِهَا بِشَيْءٍ آخَرَ فَيَحْلِفُ بِخِلَافِ الْبَكَارَةِ فَإِنَّ ثُبُوتَهَا يَنْفِي الْوُصُولَ إلَيْهَا ضَرُورَةً فَتُخَيَّرُ بِقَوْلِهِنَّ (فَإِنْ حَلَفَ) الزَّوْجُ (بَطَلَ حَقُّهَا) فَتَكُونُ امْرَأَتُهُ (كَمَا لَوْ اخْتَارَتْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ) فَإِنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ زَوْجَهَا بَطَلَ حَقُّهَا فِي طَلَبِ التَّفْرِيقِ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ إلَّا أَحَدُهُمَا (وَإِنْ نَكَلَ) الزَّوْجُ (أَوْ قُلْنَ: إنَّهَا بِكْرٌ أُجِّلَ) الزَّوْجُ سَنَةً (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ بَعْدَ التَّأْجِيلِ سَنَةً إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَدَمَ الْوُصُولِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ (فَالْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ) أَيْ إنْ صَدَّقَهَا خُيِّرَتْ، وَإِنْ أَنْكَرَ نَظَرَ إلَيْهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ: بِكْرٌ خُيِّرَتْ، وَإِنْ قُلْنَ: ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ حَلَفَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ (لَكِنَّهَا خُيِّرَتْ هَهُنَا حَيْثُ أُجِّلَ الزَّوْجُ ثَمَّةَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّأْجِيلِ ثَمَّةَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِالْعُنَّةِ لِتَخْيِيرِ الْمَرْأَةِ وَقَدْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهَا هَهُنَا فَخُيِّرَتْ، ثُمَّ إذَا قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا، أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا بَطَلَ خِيَارُهَا لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ بَلْ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ، وَإِذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً فَإِنْ أَبَى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَقِيلَ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ لِرِضَاهَا بِحَالِهِ، وَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى وَهِيَ عَالِمَةٌ بِحَالِهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا خِيَارَ لَهَا لِعِلْمِهَا بِالْعَيْبِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ وَطْءِ امْرَأَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ غَيْرِهَا وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ (وَلَا يَتَخَيَّرُ أَحَدُهُمَا بِعَيْبِ الْآخَرِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ، وَهِيَ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْقَرْنُ وَهُوَ مَا يَمْنَعُ سُلُوكَ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ وَهُوَ إمَّا غُدَّةٌ غَلِيظَةٌ، أَوْ لَحْمَةٌ مُرْتَقِيَةٌ، أَوْ عَظْمٌ وَالرَّتَقُ وَهُوَ التَّلَاحُمُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بِالزَّوْجِ جُنُونٌ، أَوْ جُذَامٌ، أَوْ بَرَصٌ فَالْمَرْأَةُ بِالْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَرْأَةِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الزَّوْجَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِالطَّلَاقِ. (ظَهَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ عِنِّينًا فَالْخِيَارُ لِلْمَوْلَى) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ كَمَا فِي الْعَزْلِ. (بَابُ الْعِدَّةِ) (هِيَ) لُغَةً الْإِحْصَاءُ يُقَالُ عَدَدْت الشَّيْءَ أَيْ أَحْصَيْته وَشَرْعًا (تَرَبُّصٌ) أَيْ انْتِظَارٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQخَلْوَةً بِهِ، وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْ مَهْرَهَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ مَرَضَهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ اُحْتُسِبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْمُلْتَقَطَاتِ: عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْمُحِيطِ: هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ مَرِضَ فِي السَّنَةِ يُؤَجَّلُ مِقْدَارَ مَرَضِهِ قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ رَتْقَاءَ لَمْ يُفِدْ التَّأْجِيلُ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُفْسَخُ لِلْحَالِ لِقَوْلِهِ كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا بَلْ إنَّهُ لَا خِيَارَ لِلرَّتْقَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النَّهْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: أَيْ بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي) يَعْنِي إذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ مِنْ تَطْلِيقِهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا، وَإِلَّا فَالتَّفْرِيقُ لِلْحَاكِمِ بِطَلَبِهَا لَوْ حُرَّةً، أَوْ لَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهَا قَالَا. (قَوْلُهُ: أَوْ قُلْنَ: إنَّهَا بِكْرٌ) الْجَمْعُ فِي الْمُخْبِرَاتِ لِبَيَانِ الْأَوْلَى وَيُكْتَفَى بِقَوْلِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَقَوْلُ امْرَأَتَيْنِ أَحْوَطُ،. وَفِي الْبَدَائِعِ أَوْثَقُ، وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَفْضَلُ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا. . . إلَخْ) هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: هَذَا التَّخْيِيرُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقْتَصِرُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ لَهَا خِيَارٌ) وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْخَانِيَّةِ إذَا تَزَوَّجَتْهُ عَالِمَةً بِعُنَّتِهِ اخْتَلَفَ الرِّوَايَاتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهَا الْمُخَاصَمَةَ. (قَوْلُهُ: وَالْقَرْنُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ بِفَتْحِهِمَا، وَالرَّتَقُ بِفَتْحِ التَّاءِ كَذَا فِي النَّهْرِ. [بَابُ الْعِدَّةِ] (قَوْلُهُ: هِيَ تَرَبُّصٌ

وَتَوَقُّفٌ (يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ مُدَّةً مَعْلُومَةً) سَيَأْتِي بَيَانُهَا (بِزَوَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَلْزَمُ (مِلْكِ نِكَاحٍ مُتَأَكِّدٍ) صِفَةُ " مِلْكِ " (بِالْمَوْتِ، أَوْ الدُّخُولِ وَلَوْ حُكْمًا) أَرَادَ بِهِ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ (أَوْ) زَوَالِ (فِرَاشٍ مُعْتَبَرٍ) احْتِرَازٌ عَنْ فِرَاشِ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ؛ إذْ لَا عِدَّةَ لَهَا بِخِلَافِ أُمِّ وَلَدٍ مَاتَ مَوْلَاهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا كَمَا سَيَأْتِي وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ، وَالْقَوْمُ لَمْ يَذْكُرُوهُ (وَبِوَطْءٍ) عَطْفٌ عَلَى " بِزَوَالِ " (بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ (فَلَا عِدَّةَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ) لِعَدَمِ تَأَكُّدِ مِلْكِ النِّكَاحِ (وَمِنْ حُكْمِهَا مَنْعُ جَوَازِ تَزَوُّجِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ زَوْجِهَا. (وَ) مَنْعُ جَوَازِ (نِكَاحِ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٌ سِوَاهَا) لِمَا مَرَّ مِنْ بَقَاءِ أَصْلِ النِّكَاحِ (وَصِحَّةُ الطَّلَاقِ فِيهَا) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَنْعُ جَوَازِ " وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ أَيْضًا. (وَهِيَ) أَيْ الْعِدَّةُ (فِي) حَقِّ (حُرَّةٍ تَحِيضُ لِلطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ) كَالْفَسْخِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَتَقْبِيلِهَا ابْنَ الزَّوْجِ بِشَهْوَةٍ وَارْتِدَادِ أَحَدِهِمَا (ثَلَاثُ حِيَضٍ كَوَامِلَ) حَتَّى إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَجَبَ تَكْمِيلُ تِلْكَ الْحَيْضَةِ بِبَعْضِ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ لَكِنَّهَا لَمَّا لَمْ تَتَجَزَّأْ اُعْتُبِرَ تَمَامُهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وَالْفَسْخُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ وَجَبَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الْفُرْقَةِ الطَّارِئَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمَا (كَذَا أُمُّ وَلَدٍ مَاتَ مَوْلَاهَا أَوْ أَعْتَقَهَا) فَإِنَّ عِدَّتَهَا أَيْضًا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ ثَلَاثُ حِيَضٍ كَوَامِلَ. (وَ) كَذَا (مَوْطُوءَةٌ بِشُبْهَةٍ) كَمَا إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا فَوَطِئَهَا (أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ) كَالنِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ (فِي الْمَوْتِ وَالْفُرْقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ فِيهِمَا أَيْضًا ثَلَاثُ حِيَضٍ، سَوَاءٌ مَاتَ الزَّوْجُ، أَوْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ (وَفِيمَنْ) عَطْفٌ عَلَى فِي حُرَّةٍ أَيْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ حُرَّةٍ (لَمْ تَحِضْ لِصِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ أَوْ بَلَغَتْ بِسِنٍّ وَلَمْ تَحِضْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] الْآيَةَ (إنْ وُطِئَتْ) لِمَا مَرَّ أَنْ لَا عِدَّةَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (وَلِلْمَوْتِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ (أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةٌ) أَيْ عَشَرَةُ أَيَّامٍ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً وُطِئَتْ، أَوْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] الْآيَةَ. (وَفِي) حَقِّ (أَمَةٍ تَحِيضُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي حُرَّةٍ تَحِيضُ يَعْنِي أَنَّ عِدَّةَ أَمَةٍ تَحِيضُ لِلطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ (حَيْضَتَانِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ وَالْحَيْضَةُ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَمَلَتْ فَصَارَتْ حَيْضَتَيْنِ (وَفِي) حَقِّ (أَمَةٍ لَمْ تَحِضْ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا نِصْفُ مَا لِلْحُرَّةِ) أَيْ عِدَّتُهَا لِلطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ شَهْرٌ وَنِصْفُ شَهْرٍ وَلِلْمَوْتِ شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ. (وَفِي) حَقِّ (الْحَامِلِ الْحُرَّةِ، أَوْ الْأَمَةِ، وَإِنْ مَاتَ عَنْهَا صَبِيٌّ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا الْمَيِّتُ صَبِيًّا (وَضْعُ حَمْلِهَا) لِإِطْلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ) غَيْرُ شَامِلٍ لِعِدَّةِ الصَّغِيرَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُهَا التَّرَبُّصُ، وَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ عَلَى وَلِيِّهَا بِأَنْ لَا يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فَلَوْ عَرَّفَهَا بِمَا عَرَّفَهَا فِي الْبَدَائِعِ بِالْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ لِانْقِضَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ لَشَمِلَ كَذَا فِي النَّهْرِ. (قُلْتُ) : لَكِنْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِالْوُجُوبِ عَلَى الصَّغِيرَةِ فِي مَقَامِ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَوْ طَلَّقَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيَّةً لَمْ تَعْتَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُعْتَقَدِهِمْ وَقَالَا عَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقُّ الشَّرْعِ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرَةِ اهـ. وَتَرَبُّصُ الرَّجُلِ اللَّازِمُ عَلَيْهِ بِمَنْعِهِ مِنْ التَّزَوُّجِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا ذَكَرَهَا الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَتِهِ وَنَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْبَحْرِ لَا يُسَمَّى عِدَّةً اصْطِلَاحًا، وَإِنْ وُجِدَ مَعْنَى الْعِدَّةِ فِيهِ وَجَازَ إطْلَاقُ الْعِدَّةِ عَلَيْهِ شَرْعًا. اهـ. . (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِهِ الْخَلْوَةَ الصَّحِيحَةَ) فِي اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ لِشَرْحِ مَتْنِهِ قُصُورٌ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَنْ نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِنَّ نِكَاحَهَا مُتَأَكِّدٌ حُكْمًا. (قَوْلُهُ: وَمِنْ حُكْمِهَا مَنْعُ جَوَازِ تَزَوُّجِ غَيْرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ قُلْتُ: حُرْمَةُ نِكَاحِ غَيْرِهِ عَلَيْهَا مِنْ رُكْنِهَا فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ حُكْمِهَا.؟ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ فِيمَا إذَا مَلَكَتْهُ لَا فِيمَا إذَا مَلَكَهَا اهـ. وَقَالَ فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ: هَذَا - أَيْ مِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ - وَتَقْبِيلُهَا ابْنَ الزَّوْجِ رَفْعٌ وَلَيْسَ بِفَسْخٍ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا طَلَّقَ فِي الْحَيْضِ وَجَبَ تَكْمِيلُ تِلْكَ الْحَيْضَةِ بِبَعْضِ الرَّابِعَةِ لَكِنَّهَا. . . إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي " لَكِنَّهَا " رَاجِعٌ لِلْحَيْضَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَا لِلرَّابِعَةِ. (قَوْلُهُ: كَذَا أُمُّ وَلَدٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي بِهَا مَنْ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً مِنْهُ أَمَّا إذَا كَانَتْ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَلَا بِالْعِتْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ فِرَاشِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ اهـ. . وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَةَ، أَوْ الْأَمَةَ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا اهـ،. وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ كَانَ يَطَؤُهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وُطِئَتْ، أَوْ لَا مُسْلِمَةً كَانَتْ، أَوْ كِتَابِيَّةً صَغِيرَةً، أَوْ كَبِيرَةً حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا، أَوْ عَبْدًا. (قَوْلُهُ: وَفِي حَقِّ أَمَةٍ تَحِيضُ) الْمُرَادُ الَّتِي بِهَا رِقٌّ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ وَمُعْتَقَةِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَضْعُ حَمْلِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْهَارُونِيَّاتِ: لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ

قَوْله تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . (وَفِيمَنْ حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ عِدَّةُ الْمَوْتِ) لِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا وَقْتَ مَوْتِ الصَّبِيِّ تَعَيَّنَ عِدَّةُ الْمَوْتِ (وَلَا نَسَبَ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا حَبِلَتْ قَبْلَ مَوْتِ الصَّبِيِّ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا مَاءَ لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْعُلُوقُ وَالنِّكَاحُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي مَوْضِعِ التَّصَوُّرِ. (وَفِي) حَقِّ (امْرَأَةِ الْفَارِّ لِلْبَائِنٍ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ) مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَهِيَ ثَلَاثُ حِيَضٍ مَثَلًا وَلَمْ يَنْقَضِ عِدَّةُ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَتَرَبَّصَ انْقِضَاءَ عِدَّةِ الْمَوْتِ، وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّةُ الْمَوْتِ دُونَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ تَتَرَبَّصُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ (وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ) لِأَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْوَفَاةِ؛ إذْ لَا إرْثَ لَهَا إلَّا بِهِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ الشَّكِّ دُونَ الْإِرْثِ فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا. (وَفِيمَنْ) أَيْ الْعِدَّةُ فِي حَقِّ أَمَةٍ (أُعْتِقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ كَعِدَّةِ حُرَّةٍ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَاقٍ فِي الرَّجْعِيِّ فَوَجَبَ انْتِقَالُ عِدَّتِهَا إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ. (وَ) الْعِدَّةُ فِي حَقِّ أَمَةٍ أُعْتِقَتْ (فِي عِدَّةِ بَائِنٌ، أَوْ مَوْتٍ كَأَمَةٍ) أَيْ كَعِدَّةِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْمِلْكِ النَّاقِصِ لَا يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ فَلَا تَنْتَقِلُ عِدَّتُهَا. (آيِسَةٌ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ عِدَّةِ الْأَشْهُرِ تَسْتَأْنِفُ بِالْحَيْضِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلَفًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلَفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْفَانِي فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَقَبْلَ انْقِضَائِهَا بِهَا كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا بِهَا (كَمَا تَسْتَأْنِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا لَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ أَيْضًا احْتِيَاطًا، وَفِي قَاضِي خَانْ: فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا أَكْثَرُ الْوَلَدِ قَالُوا: إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا يَنْقَطِعُ حَقُّ الرَّجْعَةِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ احْتِيَاطًا اهـ. وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَلَدَتْ بِلَا بَيِّنَةٍ فَلَوْ طَلَبَ يَمِينَهَا بِاَللَّهِ لَقَدْ أَسْقَطْتُ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ حُلِّفَتْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا نَسَبَ فِيهِمَا. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ غَيْرُ الْمُرَاهِقِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَاهِقًا وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ مِنْهُ كَمَا فِي النَّهْرِ وَيُعْلَمُ وَقْتُ الْحَمْلِ بِالْوَضْعِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَإِلَّا فَبَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلْبَائِنِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِامْرَأَةِ الْفَارِّ وَلَا يَصِحُّ هُنَا إطْلَاقُ الْفَارِّ عَلَى الْمُطَلِّقِ رَجْعِيًّا وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ صَحِيحًا حُكْمًا لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهَا إذَا طَلُقَتْ رَجْعِيًّا - وَزَوْجُهَا مَرِيضٌ - فَانْقَضَى لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ وَهُوَ حَيٌّ لَا تَرِثُهُ مَعَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ حَيْضِهَا وَهَذَا خَطَأٌ بَاطِلٌ لِبَقَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَقَدْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ لَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَيَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهَا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهُوَ حَيٌّ وَلَمْ تَمْضِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ تَرِثُ مِنْهُ وَقَدْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً وَهُوَ غَيْرُ فَارٍّ وَهَذَا خَطَأٌ أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا مَاتَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا بِالْحَيْضِ شَيْءٌ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ يَمُوتُ زَوْجُهَا الْفَارُّ فِي عِدَّتِهَا، وَالْمُطَلَّقَةُ رَجْعِيًّا لَيْسَ زَوْجُهَا فَارًّا وَعِدَّتُهَا بِحَسَبِ حَالِهَا إنْ كَانَتْ تَحِيضُ فَبِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَإِلَّا فَبِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَلِلْحَامِلِ وَضْعُهُ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِيهَامُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْكَافِي وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْأَكْمَلِ فَاجْتَنِبْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدْنَا طَلَاقَهَا بِالْبَيْنُونَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَجْعِيًّا فَعَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ اتِّفَاقًا اهـ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مُحَقِّقٌ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا فَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا مَاتَ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زَوْجَةٌ وَعَلَى الزَّوْجَةِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُنْقَضِيَةً فَلَمْ تَكُنْ زَوْجَةً فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِمَوْتِهِ شَيْءٌ وَلَا تَرِثُ اهـ فَاغْتَنِمْهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا. . . إلَخْ) لَيْسَ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ وَلِلرَّجْعِيِّ مَا لِلْمَوْتِ بَلْ لِقَوْلِهِ لِلْبَائِنِ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُعَدَّدُ يَعْنِي مَنْ أَبَانَهَا عِدَّةَ الطَّلَاقِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَذَكَرَ وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمَّا وَرِثَتْ جُعِلَ النِّكَاحُ قَائِمًا حُكْمًا إلَى الْمَوْتِ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي الرَّجْعِيِّ قَائِمٌ حَقِيقَةً إلَيْهِ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ: فَصَارَتْ كَالْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا حَيْثُ شَبَّهَ الْمُبَانَةَ بِهَا فَتَنْتَقِلُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ انْقِضَاءُ مَا بَقِيَ مِنْ حَيْضِهَا فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا انْقِضَاءَ لِعِدَّتِهَا حَتَّى تَحِيضَ مَا بَقِيَ بَعْدَ مُضِيِّ عِدَّةِ الْوَفَاةِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ فَلَوْ كَانَ أَصْفَرَ، أَوْ أَخْضَرَ، أَوْ تُرَابِيَّةً لَا يَكُونُ حَيْضًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ) وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْقَوْلُ بِالِانْتِقَاضِ مُطْلَقًا أَيْ فِيمَا مَضَى، وَفِيمَا يُسْتَقْبَلُ وَصَحَّحَ فِي النَّوَازِلِ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ فِيمَا مَضَى فَلَا تَفِدُ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشَرَةُ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ قَضَى الْقَاضِي بِهَا، أَوْ لَمْ يَقْضِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ فِيهَا مُصَحَّحَةً فَلْتُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: فَعُلِمَ مِنْ التَّقْرِيرِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ قَوْلِهِ فَقَبْلَ انْقِضَائِهَا بِهَا كَأَنَّهُ سَهْوٌ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهَا إذَا رَأَتْ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ

بِالشُّهُورِ مَنْ حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمَّ أَيِسَتْ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَاضَتْ حَيْضَةً، أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ أَيِسَتْ أَيْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَهِيَ فِي سِنِّ الْإِيَاسِ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ احْتِرَازًا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّ الْعِدَّةَ بِالشُّهُورِ بَدَلٌ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ فَلَوْ جَعَلَ الْحَيْضَةَ الَّتِي رَأَتْ قَبْلَ الْإِيَاسِ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْوَقْتِ لِيَكُونَ مَحْسُوبًا مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَقْتٌ لَزِمَ الْجَمْعُ الْمَمْنُوعُ وَالْعَجَبُ مِنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ بَعْدَمَا وَقَعَتْ كَمَا نَقَلْنَا كَيْفَ قَالَ أَقُولُ الِاسْتِئْنَافُ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَنَّ عِدَّتَهَا بِالْأَشْهُرِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ فَالْحَيْضَةُ الَّتِي رَأَتْ قَبْلَ الْإِيَاسِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْوَقْتِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْسُوبًا مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَقْتٌ. (مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهَا وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (عَلَيْهَا عِدَّةٌ أُخْرَى) لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ (وَتَدَاخَلَتَا) أَيْ الْعِدَّتَانِ (فَمَا تَرَاهُ) أَيْ إذَا تَدَاخَلَتَا يَكُونُ مَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ بَعْدَ الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (مِنْهُمَا) أَيْ الْعِدَّتَيْنِ (وَإِذَا تَمَّتْ) الْعِدَّةُ (الْأُولَى) وَلَمْ تَكْمُلْ الثَّانِيَةُ (انْقَضَى بَعْضُ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهَا إتْمَامُهَا) إذَا وَجَبَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ عِدَّتَانِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، أَوْ طَلَّقَهَا بِأَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ تَدَاخَلَتَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَكَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَمَا سَيَأْتِي، أَوْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْمُطَلَّقَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَوَطِئَهَا الثَّانِي وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا تَدَاخَلَتَا عِنْدَنَا وَيَكُونُ مَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحَيْضِ مُحْتَسَبًا مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَلَمْ تَكْمُلْ الثَّانِيَةُ فَعَلَيْهَا إتْمَامُ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ وَصُورَتُهُ أَنَّ الْوَطْءَ الثَّانِيَ إنْ كَانَ بَعْدَمَا رَأَتْ حَيْضَةً يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْوَطْءِ الثَّانِي ثَلَاثُ حِيَضٍ أَيْضًا، فَالْحَيْضَةُ الْأُولَى مِنْ الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَحَيْضَتَانِ بَعْدَهَا مِنْ الْعِدَّتَيْنِ فَتَتِمُّ الْعِدَّةُ الْأُولَى وَتَجِبُ حَيْضَةٌ رَابِعَةٌ لِتَتِمَّ الْعِدَّةُ الثَّانِيَةُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ مَا رَأَتْ حَيْضَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهِيَ تَنُوبُ عَنْ سِتِّ حِيَضٍ. (وَمُعْتَدَّةُ وَفَاةٍ وُطِئَتْ بِهَا) أَيْ بِشُبْهَةٍ تَعْتَدُّ بِالشُّهُورِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا تَرَاهُ مِنْ الْحَيْضِ (فِيهَا) أَيْ فِي الشُّهُورِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَدَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهَا بَقِيَّةُ عِدَّتِهَا مِنْ الْأَوَّلِ تَمَامُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَعَلَيْهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ لِلْآخَرِ وَتَحْتَسِبُ بِمَا حَاضَتْ بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَيْضًا تَحْقِيقًا لِلتَّدَاخُلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا الشِّقُّ مِنْ الْعِدَّةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ. (وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ تَنْقَضِي، وَإِنْ جَهِلَتْ الْمَرْأَةُ بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ حَتَّى إنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهَا وَبَلَغَهَا خَبَرُ تَطْلِيقِهِ إيَّاهَا - بَعْدَمَا رَأَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ -، أَوْ مَوْتِهِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ كَانَتْ عِدَّتُهَا مُنْقَضِيَةً (وَابْتِدَاؤُهَا) أَيْ ابْتِدَاءُ عِدَّتِهَا (عَقِيبَهُمَا) أَيْ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ لَا عَقِيبَ عِلْمِهَا بِهِمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهُمَا يَتَّصِفَانِ بِهَا عَقِيبَهُمَا. (وَ) ابْتِدَاؤُهَا (فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ عَقِيبَ تَفْرِيقِهِ) أَيْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي (أَوْ عَزْمِهِ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ) بِأَنْ يَقُولَ تَرَكْتُكِ، أَوْ خَلَّيْت سَبِيلَكِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَالَتْ: مَضَتْ عِدَّتِي وَكَذَّبَهَا) الزَّوْجُ (حَلَفَتْ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهَا مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِيمَا تُخْبِرُ وَقَدْ مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ (نَكَحَ مُعْتَدَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَيْضَ تَسْتَأْنِفُهَا كَمَا تَسْتَأْنِفُ بِالشُّهُورِ مَنْ حَاضَتْ حَيْضَةً، ثُمَّ أَيِسَتْ غَايَتُهُ لُزُومُ السُّكُوتِ عَنْ الْحُكْمِ فِيمَا إذَا رَأَتْهُ بَعْدَ تَمَامِ الِاعْتِدَادِ وَلَا يَضُرُّ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَالنَّسَبُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا بِالْوَطْءِ - وَلَوْ ادَّعَى ظَنَّ الْحِلِّ -، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ كَذَا فِي النَّهْرِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: كُلُّ مَنْ حَبِلَتْ فِي عِدَّتِهَا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا إذَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ فَعِدَّتُهَا بِالشُّهُورِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَهُمَا أَيْ عَقِيبَ الطَّلَاقِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ بَيَّنَ طَلَاقَهَا فَإِنَّ عِدَّتَهَا مِنْ وَقْتِ الْبَيَانِ لَا مِنْ وَقْتِ قَوْلِهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ تَسْتَكْمِلُ فِيهَا ثَلَاثَ حِيَضٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ، وَلَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مُنْذُ سِنِينَ فَكَذَّبَتْهُ، أَوْ قَالَتْ لَا: أَدْرِي تَعْتَدُّ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ اعْتَدَّتْ مِنْ حِينِ الطَّلَاقِ وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِهَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بِلَا نَفَقَةٍ كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: أَيْ تَفْرِيقِ الْقَاضِي) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ: تَرَكْتُكِ. . . إلَخْ) هَذَا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا لِمَا فِي السِّرَاجِ أَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيَكْفِي تَفَرُّقُ الْأَبْدَانِ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهَا عَلَى قَصْدِ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا. (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ الرَّجْعَةِ) هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ مَشَى فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ التَّحْلِيفِ وَأَحَالَ عَلَى كِتَابِ الدَّعْوَى

[فصل في الإحداد]

مِنْ بَائِنٌ) أَيْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ (وَطَلَّقَ قَبْلَ الْوَطْءِ وَجَبَ) عَلَيْهِ (مَهْرٌ تَامٌّ وَ) عَلَيْهَا (عِدَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ) لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ فِي يَدِهِ بالوطءة الْأُولَى وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَهُوَ الْعِدَّةُ فَإِذَا جَدَّدَ النِّكَاحَ وَهِيَ مَقْبُوضَةٌ نَابَ ذَلِكَ الْقَبْضُ عَنْ الْقَبْضِ الْوَاجِبِ فِي هَذَا النِّكَاحِ كَالْغَاصِبِ يَشْتَرِي مَغْصُوبًا فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ. (لَا عِدَّةَ عَلَى مَسْبِيَّةٍ افْتَرَقَتْ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ) لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَيْثُ وَجَبَتْ إنَّمَا وَجَبَتْ حَقًّا لِلْعَبْدِ وَالْحَرْبِيُّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ حَتَّى صَارَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فَلَا حُرْمَةَ لِفِرَاشِهِ (إلَّا الْحَامِلَ) لِأَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ (وَلَا) عَلَى (ذِمِّيَّةٍ طَلَّقَهَا ذِمِّيٌّ إذَا اعْتَقَدُوا عَدَمَهَا) لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ وَلَا لِحَقِّ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُعْتَقَدِهِ وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ (وَلَا) عَلَى (حَرْبِيَّةٍ خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، أَوْ ذِمِّيَّةٍ أَوْ مُسْتَأْمَنَةٍ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، أَوْ صَارَتْ ذِمِّيَّةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: 10] مُطْلَقًا بِلَا قَيْدٍ وَلِمَا عَرَفْت أَنَّ الْحَرْبِيَّ مُلْحَقٌ بِالْجَمَادِ وَالْبَهَائِمِ فَلَا حُرْمَةَ لِفِرَاشِهِ (إلَّا الْحَامِلَ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا ثَابِتَ النَّسَبِ. (فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ) وَهُوَ تَرْكُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، وَالْحَدُّ الْمَنْعُ (تُحِدُّ مُعْتَدَّةُ الْبَائِنِ وَالْمَوْتِ) إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةِ مُؤْنَتِهَا وَلِهَذَا لَا تُحِدُّ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةَ لِأَنَّ نِعْمَةَ النِّكَاحِ لَمْ تَفُتْهَا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الزَّوْجَاتِ حَالَ كَوْنِهَا (كَبِيرَةً مُسْلِمَةً) فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْكَافِرَةَ غَيْرُ مُخَاطَبَتَيْنِ بِالْفُرُوعِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْكَبِيرَةُ الْمُسْلِمَةُ (أَمَةً) لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْلَى، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ (بِتَرْكِ الزِّينَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تُحِدُّ. (وَ) تَرْكِ (لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ) أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ (وَالْمُعَصْفَرِ) أَيْ الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ إذْ يَفُوحُ مِنْهُمَا رَائِحَةُ الطِّيبِ (وَالْحِنَّاءِ وَالطِّيبِ وَالدُّهْنِ وَالْكُحْلِ إلَّا بِعُذْرٍ) فَإِنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ (لَا) أَيْ لَا تُحِدُّ (مُعْتَدَّةُ عِتْقٍ) وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا (وَ) مُعْتَدَّةُ (نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِأَنَّ الْحِدَادَ لِإِظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَفُتْهُمَا ذَلِكَ. (لَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ إلَّا تَعْرِيضًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] إلَى أَنْ قَالَ {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] قَالُوا التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إنَّك لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّك لَصَالِحَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ الدُّخُولِ) لَا يُقَالُ عَلَى هَذَا يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ، لِأَنَّا نَقُولُ: تَكْمِيلُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ اسْتِئْنَافِ الْعِدَّةِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي انْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى ذِمِّيَّةٍ طَلَّقَهَا ذِمِّيٌّ) كَذَا لَوْ مَاتَ عَنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى حَرْبِيَّةٍ خَرَجَتْ إلَيْنَا مُسْلِمَةً إلَى آخِرِ الْبَابِ) تَقَدَّمَ فِي آخِرِ نِكَاحِ الْكَافِرِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. [فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ] (فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ) (قَوْلُهُ: تُحِدُّ) يَعْنِي وُجُوبًا هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ وَمِنْ الثَّانِي يُقَالُ: أَحَدَّتْ تُحِدُّ إحْدَادًا فَهِيَ مُحِدٌّ كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيُرْوَى بِالْجِيمِ مِنْ جَدَدْت الشَّيْءَ قَطَعْته. (قَوْلُهُ: إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُحِدَّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ كَالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهَا مِنْ الزَّوْجِ لِفَقْدِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ: لَا يَحِلُّ الْإِحْدَادُ إنْ مَاتَ أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا، أَوْ عَمُّهَا، أَوْ أَخُوهَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الزَّوْجِ خَاصَّةً قِيلَ أَرَادَ بِذَلِكَ فِيمَا إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ اهـ. وَالْحَدِيثُ نَصُّهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ» . (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً) كَذَا أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَمُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ مُبَوَّأَةً لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا الْمَوْلَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ لِعَدَمِ وُجُوبِ حَقِّ الشَّرْعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: بِتَرْكِ الزِّينَةِ) يَخْرُجُ بِهِ الثَّوْبُ الْحَرِيرُ الْخَلَقُ الَّذِي لَا يَقَعُ بِهِ الزِّينَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلُبْسِ الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ) قَالَ قَاضِي خَانْ: إلَّا إذَا كَانَ غَسِيلًا لَا يُنْقَضُ اهـ، وَإِلَّا إذَا لَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سِوَاهُ فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحْدِثُ ثَوْبًا غَيْرَهُ إمَّا بِبَيْعِهِ وَالِاسْتِحْدَاثِ بِثَمَنِهِ، أَوْ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَالٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَالطِّيبِ) أَيْ لَا تَتَطَيَّبُ وَلَا تَحْضُرُ عَمَلَهُ وَلَا تَتَّجِرُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ إلَّا فِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ مِنْ مَنْعِهَا مِنْ التِّجَارَةِ فِيهِ إذَا تَعَاطَتْهَا بِنَفْسِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: وَالدُّهْنِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ دَهَنَ اسْمُ مَعْنًى، وَبِالضَّمِّ اسْمُ عَيْنٍ يَعْنِي تَتْرُكُ اسْتِعْمَالَ الدُّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ مُطَيَّبًا، أَوْ بَحْتًا وَكَذَا تَتْرُكُ الِامْتِشَاطَ بِالْأَسْنَانِ الضَّيِّقَةِ لَا الْوَاسِعَةِ الْمُتَبَايِنَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِعُذْرٍ) يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ. (قَوْلُهُ: لَا تُخْطَبُ مُعْتَدَّةٌ إلَّا تَعْرِيضًا) هَذَا إذَا كَانَتْ عَنْ وَفَاةٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ عَنْ طَلَاقٍ

عَلَى إرَادَةِ التَّزَوُّجِ بِهَا وَالْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ إنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ) رَجْعِيًّا كَانَ، أَوْ بَائِنًا (مِنْ بَيْتِهَا) لَيْلًا وَلَا نَهَارًا. (وَتَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ وَتَبِيتُ فِيهِ) أَيْ فِي بَيْتِهَا فَإِنَّ نَفَقَةَ مُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ عَلَيْهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِلْكَسْبِ وَقَدْ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَهْجُمَ اللَّيْلُ وَالْمُطَلَّقَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِدَوْرِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا (وَتَعْتَدَّانِ) أَيْ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ وَمُعْتَدَّةُ الْمَوْتِ (فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ) أَيْ الْعِدَّةُ (فِيهِ) أَيْ فِي بَيْتٍ يُضَافُ إلَيْهَا السُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ بُيُوتِ السُّكْنَى (إلَّا أَنْ يَظْهَرَ عُذْرٌ) بِأَنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا وَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ، أَوْ خَافَتْ تَلَفَ مَالِهَا، أَوْ الِانْهِدَامَ أَوْ لَمْ تَجِدْ كِرَاءَ الْبَيْتِ (لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا فِي) الطَّلَاقِ (الْبَائِنِ) حَتَّى لَا تَقَعَ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَبَعْدَهَا لَا بَأْسَ فِي أَنْ يَكُونَا فِي مَنْزِلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْحُرْمَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهَا لَا يُبَاشِرُ الْحَرَامَ (وَإِنْ ضَاقَ الْمَنْزِلُ عَلَيْهِمَا، أَوْ كَانَ) الزَّوْجُ (فَاسِقًا فَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ) ، وَإِنْ جَازَ خُرُوجُهَا (وَنُدِبَ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا) امْرَأَةٌ ثِقَةٌ (قَادِرَةٌ عَلَى الْحَيْلُولَةِ) احْتِيَاطًا. (بَانَتْ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِي سَفَرٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ) إلَى مِصْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ بَلْ هُوَ بِنَاءٌ (وَلَوْ) بَيْنَهُمَا (ثَلَاثَةٌ خُيِّرَتْ) بَيْنَ الْمُضِيِّ وَالرُّجُوعِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلِيٌّ، أَوْ لَا (وَنُدِبَ الرُّجُوعُ) لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ هَذَا إذَا كَانَ إلَى الْمَقْصِدِ أَيْضًا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مَضَتْ إلَى مَقْصِدِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشِّقَّ اعْتِمَادًا عَلَى انْفِهَامِهِ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي الْخِيَارُ، وَفِي صُورَةِ أَقَلِّيَّةِ أَحَدِهِمَا التَّعْيِينُ (وَلَوْ فِي مِصْرٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي سَفَرٍ أَيْ لَوْ بَانَتْ أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِي مِصْرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ لَا تَخْرُجُ بَلْ (تَعْتَدُّ فِيهِ فَتَخْرُجُ بِمَحْرَمٍ) إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ (مَنْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ) تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ كَذَا مَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَانْقَطَعَ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْأُولَى (وَاعْتِبَارُ الشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ لَا الْأَهِلَّةِ) كَذَا فِي الصَّغِيرِيِّ. (طَلَّقَهَا فَصَالَحَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ لَوْ بِالشُّهُورِ جَازَ) الصُّلْحُ لِتَعَيُّنِ الشُّهُورِ (وَلَوْ بِالْحَيْضِ لَا) لِكَوْنِهَا مَجْهُولَةً. (أَخْبَرَتْ) الْمَرْأَةُ (بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ) أَيْ عِدَّةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ. (وَ) عِدَّةِ (الْمُحَلِّلِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ ظَنِّ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ (صِدْقُهَا وَالْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ) مَا أَخْبَرَتْ بِهِ (نَكَحَهَا) أَيْ جَازَ أَنْ يَنْكِحَهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ (بِمُضِيِّهَا) أَيْ الْعِدَّةِ (لَوْ) كَانَتْ (تَحِيضُ، فَأَقَلُّ مَا) أَيْ مُدَّةٍ (تُصَدَّقُ) الْمَرْأَةُ (فِيهِ شَهْرَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ وَلَوْ كَانَ بَائِنًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تَخْرُجُ مُعْتَدَّةُ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا كَانَ أَوْ بَائِنًا) يَعْنِي إذَا كَانَتْ بَالِغَةً أَمَّا الصَّغِيرَةُ فَتَخْرُجُ فِي الْبَائِنِ وَكَذَا تَخْرُجُ الْكِتَابِيَّةُ وَالْمَعْتُوهَةُ فِي الْبَائِنِ إلَّا أَنَّهُ لَهُ مَنْعُهُمَا مِنْ الْخُرُوجِ صِيَانَةً لِمَائِهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَمُعْتَدَّةُ الْفُرْقَةِ بِفَسْخٍ كَالْبَائِنِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَبَعْضَ اللَّيْلِ) الْمُرَادُ بِهِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُطَلَّقَةُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ لِدَوْرِ النَّفَقَةِ) حَتَّى لَوْ اُخْتُلِعَتْ عَلَى أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا تَخْرُجُ نَهَارًا لِمَعَاشِهَا وَقِيلَ لَا تَخْرُجُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَسْقَطَتْ حَقَّهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَقَالَ الْكَمَالُ: وَالْحَقُّ أَنَّ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَنْظُرَ فِي خُصُوصِ الْوَقَائِعِ فَإِنْ عَلِمَ فِي وَاقِعَةٍ عَجْزَ هَذِهِ الْمُخْتَلِعَةِ عَنْ الْمَعِيشَةِ إنْ لَمْ تَخْرُجْ أَفْتَاهَا بِالْحِلِّ، وَإِنْ عَلِمَ قُدْرَتَهَا أَفْتَاهَا بِالْحُرْمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَعْتَدَّانِ فِي بَيْتٍ وَجَبَتْ فِيهِ) شَامِلٌ لِبُيُوتِ الْأَخْبِيَةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَظْهَرَ عُذْرٌ) مِنْهُ الْفَزَعُ الشَّدِيدُ مِنْ أَمْرِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَنْتَقِلْ يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْ ذَهَابِ الْعَقْلِ، أَوْ نَحْوِهِ بِخِلَافِ قَلِيلِ الْخَوْفِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ ضَاقَ الْمَنْزِلُ عَلَيْهِمَا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت مَا نَصُّهُ: وَإِنْ كَانَ مَاجِنًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيَسْكُنُ مَنْزِلًا آخَرَ تَحَرُّزًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ أَنْ يُجْعَلَ بَيْنَهُمَا امْرَأَةٌ ثِقَةٌ. . . إلَخْ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ فَحَسَنٌ اهـ. وَنَفَقَتُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ. (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ تَحِضْ قَطُّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ. . . إلَخْ) مُكَرَّرٌ بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ مِنْ قَوْلِهِ، أَوْ بَلَغَتْ بِسِنٍّ وَلَمْ تَحِضْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ كَذَا مَنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا فَانْقَطَعَ حَتَّى مَضَتْ سَنَةٌ يَعْنِي ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ السَّنَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. وَلَمْ أَرَ تَوْجِيهَ الْمَسْأَلَةِ، وَهَلْ السَّنَةُ شَرْط أَوْ وَقَعَ اتِّفَاقًا؟ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: وَاعْتِبَارُ الشُّهُورِ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَيَّامِ لَا الْأَهِلَّةِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا فِي قَاضِي خَانْ وَاَلَّتِي لَمْ تَحِضْ قَطُّ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرَةِ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي غُرَّةِ الشَّهْرِ تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِالْأَهِلَّةِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي خِلَالِ الشَّهْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَعْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ بِالْأَيَّامِ، كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَقَالَ صَاحِبَاهُ: تَعْتَدُّ بَعْدَمَا مَضَى بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ شَهْرَيْنِ بِأَهِلَّةٍ وَلَا تُكْمِلُ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِالشَّهْرِ الْأَخِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: طَلَّقَهَا فَصَالَحَتْهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي قَاضِي خَانْ، وَفِيهِ لَوْ صَالَحَتْهُ مِنْ السُّكْنَى عَلَى دَرَاهِمَ لَا تَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَخْبَرَتْ بِمُضِيِّ عِدَّتِهِ. . . إلَخْ) مُكَرَّرٌ بِمَا قَدَّمَهُ آخِرَ بَابِ الرَّجْعَةِ. (قَوْلُهُ: بِمُضِيِّهَا لَوْ بِحَيْضٍ. . . إلَخْ) هَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ.

[باب ثبوت النسب]

وَعِنْدَهُمَا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ أَوَّلِ حَيْضَةٍ فَتَكُونُ مُدَّتُهَا ثَلَاثَةً وَتَطْهُرُ بَعْدَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةً وَتُكْمِلُ الْعِدَّةَ، وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِلِاغْتِسَالِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ زَمَنِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ وَلَهُ أَنَّ رُؤْيَتَهَا هَكَذَا نَادِرَةٌ فَلَا يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ بَلْ الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ فَتُعْتَبَرُ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَقَلُّ مُدَّةِ الطُّهْرِ لِيَعْتَدِلَا فَيَكُونُ ثَلَاثُ حِيَضٍ شَهْرًا وَالطُّهْرَانِ بَيْنَهَا شَهْرًا. (بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ) (أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - الْوَلَدُ لَا يَنْبَغِي فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ (وَأَقَلُّهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14] فَبَقِيَ لِلْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ الرَّجْعِيِّ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مَا لَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ) لِاحْتِمَالِ الْعُلُوقِ حَالَ الْعِدَّةِ لِجَوَازِ كَوْنِهَا مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ (وَبَانَتْ فِي الْأَقَلِّ) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بَانَتْ مِنْ زَوْجِهَا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَثَبَتَ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعُلُوقَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَيَحْتَمِلُ بَعْدَهُ فَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالشَّكِّ (وَكَانَ مُرَاجِعًا فِي الْأَكْثَرِ) يَعْنِي إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ كَانَ مُرَاجِعًا لِأَنَّ الْعُلُوقَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا فَيَكُونُ مُرَاجِعًا (كَذَا مَبْتُوتَةٌ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مَبْتُوتَةٍ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِلَا دَعْوَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْوَلَدِ قَائِمًا وَقْتَ الطَّلَاقِ فَلَا يُتَيَقَّنُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ احْتِيَاطًا (وَلَوْ لِتَمَامِهِمَا لَا) أَيْ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفُرْقَةِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِأَنَّ الْحَمْلَ حَادِثٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ (إلَّا بِدَعْوَةٍ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ وَأَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَطَأَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ] [أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ] (بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ) (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِظِلِّ مِغْزَلٍ) ظِلُّ الْمِغْزَلِ مَثَلٌ لِقِلَّتِهِ لِأَنَّ ظِلَّهُ حَالَةَ الدَّوَرَانِ أَسْرَعُ زَوَالًا مِنْ سَائِرِ الظِّلَالِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ وَلَوْ بِقَدْرِ مِغْزَلٍ وَيُرْوَى وَلَوْ بِفَلْكَةِ مِغْزَلٍ أَيْ وَلَوْ بِقَدْرِ دَوَرَانِ فَلْكَةِ مِغْزَلٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي النِّكَاحِ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ) فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ يُوطَأُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْحَوَادِثَ تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَفِيهِ إثْبَاتُ الرَّجْعَةِ أَيْضًا احْتِيَاطًا فَكَانَ أَوْلَى. قُلْنَا: الْحَوَادِثُ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُقْتَضِي بِخِلَافِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا وُجِدَ فَلَا وَهُنَا وُجِدَ الْمُقْتَضِي لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْقَوْلُ بِثُبُوتِ الرَّجْعَةِ إبْطَالٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ وَهُوَ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ وَهُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهَا) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ حَمْلُ حَالِهِ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ وَهُوَ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ وَتَقَدَّمَ صَوْنُ الْمُسْلِمِ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالْفِعْلِ بَلْ بِالْقَوْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ نَلْتَزِمَ كَوْنَهَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الزِّنَا. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِتَمَامِهَا لَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْلِ سَنَتَانِ وَأَلْحَقُوا السَّنَتَيْنِ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا حَتَّى إنَّهُمْ أَثْبَتُوا النَّسَبَ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ، وَجَوَابُهُ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَبْتُوتَةِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَوْ أَثْبَتْنَا النَّسَبَ مِنْهُ لِلُزُومِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ سَابِقًا عَلَى الطَّلَاقِ حَتَّى يَحِلَّ الْوَطْءُ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ كَوْنُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَبْتُوتَةِ لِحِلِّ الْوَطْءِ بَعْدَ الطَّلَاقِ. اهـ. . وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى تَقْرِيرِ قَاضِي خَانْ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ يُجْعَلُ الْعُلُوقُ فِي حَالِ الطَّلَاقِ بِأَنْ طَلَّقَهَا حَالَ جِمَاعِهَا وَصَادَفَ الْإِنْزَالُ الطَّلَاقَ فَإِذَا أَتَتْ بِهِ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ ثَبَتَ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ الْإِمْكَانُ مَعَ الِاحْتِيَاطِ اهـ. وَانْتِفَاءُ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالْوِلَادَةِ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ تَوْأَمًا أَمَّا إذَا كَانَ بِأَنْ وَلَدَتْ الثَّانِيَ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْأَوَّلَ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِدَعْوَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ: وَفِي اشْتِرَاطِ تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ رِوَايَتَانِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اهـ. وَاسْتَشْكَلَ الزَّيْلَعِيُّ ثُبُوتَ النَّسَبِ هُنَا بِأَنَّ وَطْءَ الْمَبْتُوتَةِ بِالثَّلَاثِ مِنْ قَبِيلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ، وَفِيهَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ ادَّعَاهُ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ مُسَلَّمٌ لَوْ تَمَحَّضَتْ الشُّبْهَةُ لِلْفِعْلِ وَهُنَا لَمْ تَتَمَحَّضْ بَلْ هِيَ شُبْهَةُ عَقْدٍ أَيْضًا، وَأَلْزَمَ عَلَى الْجَوَابِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ إبْطَالَ إطْلَاقِ عَامَّةِ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِي شُبْهَةِ الْفِعْلِ وَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْصِلُوا فِيهَا بَيْنَ الْمَحْضَةِ وَمَا فِيهِ شُبْهَةُ عَقْدٍ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْصِلُوا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذِكْرُ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ أَغْنَاهُمْ عَنْ التَّفْصِيلِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَطَأَهَا بِشُبْهَةٍ فِي الْعِدَّةِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَطْءُ الْمُبَانَةِ فِي الْعِدَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ اهـ فَهَذَا لَيْسَ وَجْهًا لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ إلَّا بِالدَّعْوَةِ فَلَمْ يُفِدْ مُجَرَّدًا عَنْهَا فَلَا فَائِدَةَ بِذِكْرِهِ

(وَ) وَكَذَا (مُرَاهِقَةٌ) أَيْ صَبِيَّةٌ سِنُّهَا تِسْعٌ فَصَاعِدًا لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا أَمَارَاتُ الْبُلُوغِ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا. (إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ) مُنْذُ طَلَّقَهَا بَائِنًا كَانَ، أَوْ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْعِدَّةِ (وَلِتِسْعَةٍ لَا) أَيْ لَوْ وَلَدَتْ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ يَكُونُ خَارِجَ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ بِيَقِينٍ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ وَالصِّغَرُ مُنَافٍ لِلْحَمْلِ فَإِذَا بَقِيَ فِيهَا صِفَةُ الصِّغَرِ حُكِمَ بِمُضِيِّ عِدَّتِهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَحُمِلَ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ لِوُجُودِ دَلِيلِ الِانْقِضَاءِ وَهُوَ إقْرَارُهَا فَكَذَا هُنَا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ إقْرَارَهَا يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ وَحُكْمُ الشَّرْعِ بِالِانْقِضَاءِ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ. (وَكَذَا مُعْتَدَّةٌ) أَيْ مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ (أَقَرَّتْ بِالْمُضِيِّ) أَيْ مُضِيِّ عِدَّتِهَا (وَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ) مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِلتَّعْلِيلِ وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الطَّلَاقُ مَكَانَ الْإِقْرَارِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْعِدَّةِ لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ حَيْثُ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ وَرَحِمُهَا مَشْغُولٌ بِالْمَاءِ (وَلِنِصْفِهَا لَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ يَكُونُ خَارِجَهَا) (أَوْ ظَهَرَ) عَطْفٌ عَلَى أَقَرَّتْ أَيْ كَذَا مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ ظَهَرَ (حَبَلُهَا، أَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِهِ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةٍ ادَّعَتْ وِلَادَتَهُ وَأَنْكَرَهَا الزَّوْجُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ حَبَلٌ ظَاهِرٌ، أَوْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَبَلُهَا وَلَمْ يُقِرَّ الزَّوْجُ بِهِ (فَيَثْبُتُ) أَيْ النَّسَبُ (إذَا ثَبَتَتْ وِلَادَتُهَا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ) أَيْ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِأَنْ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ بَيْتًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ وَلَا فِي الْبَيْتِ، وَالرَّجُلَانِ عَلَى الْبَابِ حَتَّى وَلَدَتْ فَعَلِمَا الْوِلَادَةَ بِرُؤْيَةِ الْوَلَدِ، أَوْ سَمَاعِ صَوْتِهِ قَيَّدَ الْحُجَّةَ بِالتَّامَّةِ؛ إذْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ خِلَافًا لَهُمَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِوِلَادَتِهَا رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا أَمَارَاتُ الْبُلُوغِ) أَيْ وَلَمْ تَدَّعِ حَبَلًا وَلَمْ تُقِرَّ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَإِنَّهَا إنْ أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ، ثُمَّ وَلَدَتْ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُقِرَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالِانْقِضَاءِ وَادَّعَتْ حَبَلًا فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا يَثْبُتُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَى سَبْعٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، وَإِنْ لَمْ تَدَّعِ الْحَبَلَ وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هَذَا وَمَا لَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هَذَا وَمَا لَوْ ادَّعَتْ الْحَبَلَ سَوَاءٌ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعُلُوقَ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْعِدَّةِ) فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهَا مَدْخُولٌ بِهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِهِ، إذْ لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونٍ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مُعْتَدَّةٌ) أَيْ مُعْتَدَّةُ طَلَاقٍ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إبْقَاءُ مَتْنِهِ عَلَى عُمُومِهِ بِتَرْكِ هَذَا الْقَيْدِ لِأَنَّ مُعْتَدَّةَ الْوَفَاةِ مِثْلُ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: أَقَرَّتْ) شَامِلٌ لِإِقْرَارِ الْمُرَاهِقَةِ وَالْبَالِغَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ) أَيْ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ أَيْضًا مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ، أَوْ الطَّلَاقِ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ كَذِبِهَا بِيَقِينٍ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي السَّاعَةَ، ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِلَّا فَلَا يُعْلَمُ الْيَقِينُ لَوْ قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَلَمْ تَقُلْ السَّاعَةَ، ثُمَّ جَاءَتْ بِهِ لَأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ، إذْ يُمْكِنُ صِدْقُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ظَهَرَ حَبَلُهَا) يَعْنِي وَقَدْ جَحَدَتْ وِلَادَتَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَنْزِ، وَظُهُورُ الْحَبَلِ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: الْمُرَادُ بِظُهُورِ الْحَبَلِ أَنْ تَكُونَ أَمَارَاتُ حَمْلِهَا بَالِغَةً مَبْلَغًا يُوجِبُ غَلَبَةَ ظَنِّ كَوْنِهَا حَامِلًا لِكُلِّ مَنْ شَاهَدَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيَثْبُتُ إذَا ثَبَتَتْ وِلَادَتُهَا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ) شَامِلٌ لِلْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، وَفِيهِ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَيْسَ بِمُنْقَضٍ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مُرَاجَعَةً لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ وَلَدِهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَنْكُوحَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ: وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ وَفَاةٍ وَطَلَاقٍ بَائِنٍ، أَوْ رَجْعِيٍّ فَيُوَافِقُ تَصْرِيحَ قَاضِي خَانْ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الرَّجْعِيِّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ قَيَّدَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ بِالْبَائِنِ، وَنَحْوَهُ فَعَلَ صَاحِبُ الْمُخْتَلِفِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ الرَّجْعِيِّ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُتَّجَهُ تَقْيِيدُ الْخِلَافِ بِالْبَائِنِ كَمَا نَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَيَكُونُ الرَّجْعِيُّ كَالْعِصْمَةِ الْقَائِمَةِ حَتَّى حَلَّ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ الْبَائِنِ اهـ فَاتَّضَحَ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. . . إلَخْ) يَعْنِي فِي صُورَةِ جُحُودِ الْوِلَادَةِ، وَالْحَاصِلُ الْمَذْكُورُ نَاقِصٌ صُورَةَ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ الَّتِي سَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ عَقِبَ هَذَا فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا فِي هَذَا الْحَاصِلِ.

يَكُونَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ، أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَيَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَهَادَةٍ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ فِي الْجَمِيعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ عَدْلَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي. . (وَ) كَذَا (مُعْتَدَّةُ وَفَاةٍ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. . . إلَخْ أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ يَكُونُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَوِلَادَتِهِ أَقَلُّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ: إذَا جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالشُّهُورِ لِتَعَيُّنِ الْجِهَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ كَمَا بَيَّنَ فِي الصَّغِيرَةِ وَلَنَا أَنَّ لِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا جِهَةً أُخْرَى وَهُوَ وَضْعُ الْحَمْلِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عَدَمُ الْحَمْلِ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ، وَفِي الْبُلُوغِ شَكٌّ وَالصِّغَرُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ (أَوْ وَلَدَتْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْهُمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي الْهِدَايَةِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ وَصَدَّقَهَا. . . إلَخْ أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَلَدَتْ (فِي الْعِدَّةِ وَأَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِالْوِلَادَةِ) وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى الْوِلَادَةِ أَحَدٌ فَهُوَ ابْنُهُ اتِّفَاقًا وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِرْثِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ تَصْدِيقُهُمْ أَمَّا فِي حَقِّ النَّسَبِ فَهَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُصَدَّقْ قَالُوا: إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ صَدَّقَهَا رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ يَثْبُتُ بِقِيَامِ الْحُجَّةِ وَلِذَا قِيلَ يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَمَا ثَبَتَ تَبَعًا لَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْأَصْلِ كَالْعَبْدِ مَعَ الْمَوْلَى وَالْجُنْدِيِّ مَعَ السُّلْطَانِ فِي حَقِّ الْإِقَامَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَافِي. . (وَ) كَذَا (مَنْكُوحَةٌ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، سَوَاءٌ (أَقَرَّ بِهِ الزَّوْجُ، أَوْ سَكَتَ) لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ وَالْمُدَّةَ تَامَّةٌ (وَإِنْ أَنْكَرَ) الزَّوْجُ (وِلَادَتَهَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ) وَاحِدَةٍ (فَإِنْ نَفَاهُ تَلَاعَنَا) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَاللِّعَانَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْقَذْفِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ مِنِّي قَذْفٌ لَهَا بِالزِّنَا وَالْقَذْفُ لَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْوَلَدِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْوَلَدُ الثَّابِتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ لِيَلْزَمَ كَوْنُ اللِّعَانِ ثَابِتًا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بَلْ أُضِيفَ اللِّعَانُ إلَى الْقَذْفِ مُجَرَّدًا عَنْهُ. أَقُولُ: يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَذْفَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْوَلَدِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَذْفَ بِالْوَلَدِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَهُ، وَالْكَلَامُ فِيهِ وَدَفْعُهُ أَنَّ مُرَادَ الْقَوْمِ بِالْوُجُودِ الْوُجُودُ الْخَارِجِيُّ وَالْقَذْفُ بِالْوَلَدِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ فِي الْعِبَارَةِ دُونَ الْخَارِجِ مَثَلًا إذَا سَمِعَ الزَّوْجُ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ وَلَدًا فَقَالَ ذَلِكَ الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي كَانَ قَذْفًا لَهَا بِالزِّنَا؛ إذْ كَأَنَّهُ قَالَ زَنَيْتِ فَحَصَلَ الْوَلَدُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ. . (وَ) إنْ وَلَدَتْهُ (لِأَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (لَا يَثْبُتُ) نَسَبُهُ لِسَبْقِ الْعُلُوقِ عَلَى النِّكَاحِ (فَإِنْ وَلَدَتْ، ثُمَّ اخْتَلَفَا وَادَّعَتْ نِكَاحَهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَادَّعَى الزَّوْجُ الْأَقَلَّ صُدِّقَتْ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَهُ) خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي. (قَالَ: إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ، ثُمَّ نَكَحَهَا فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ) أَيْ الزَّوْجَ (نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا. . . إلَخْ) تَمَامُ قَوْلِ الْهِدَايَةِ مَا بَيْنَ الْوَفَاةِ وَبَيْنَ السَّنَتَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ. . . إلَخْ وَسَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْهِدَايَةِ ثَانِيًا. . . إلَخْ) نَعَمْ ذُكِرَتْ ثَانِيًا فِيهَا لَكِنْ لَا عَلَى هَذَا الْوَضْعِ الْمُوهِمِ عَدَمَ فَائِدَةِ ذِكْرِ الثَّانِيَةِ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ بَلْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ذُكِرَتْ لِبَيَانِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا نَسَبُ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ذُكِرَتْ لِبَيَانِ شَرْطِ ثُبُوتِ نَسَبِ ذَلِكَ الْوَلَدِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ الْمَوْتِ بِشَرْطِ ظُهُورِ حَبَلِهَا، أَوْ اعْتِرَافِ الزَّوْجِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ، أَوْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَرَّبَ الْهِدَايَةَ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجُ وِلَادَتَهَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ) وَكَذَا بِرَجُلٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا أَيْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ. . . إلَخْ) أَيْ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ مِنْ الزِّنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَلَدَتْ إلَى قَوْلِهِ صُدِّقَتْ) قَالَ الْكَمَالُ: ثُمَّ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهَذَا النَّفْيِ. (قُلْتُ) : وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا بَيِّنَةُ وَرَثَتِهِ عَلَى تَارِيخِ نِكَاحِهَا بِمَا يُطَابِقُ قَوْلَهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ، وَالنَّسَبُ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ هُنَا بِسَبْقِ التَّزَوُّجِ بِهَا سِرًّا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَجَهْرًا بِأَكْثَرَ سُمْعَةً وَيَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهَذَا جَوَابِي لِحَادِثَةٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَيَأْتِي أَيْ فِي الدَّعْوَى) فِي الْمَسَائِلِ السِّتِّ. (قَوْلُهُ: فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ أَيْ الزَّوْجَ نَسَبُهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَشَرْطُهُ - أَيْ ثُبُوتِ النَّسَبِ - أَنْ تَلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَلَا زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بَعْدَهُ، لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ وَقَعَ

(وَمَهْرُهَا) لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ. (عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا) أَيْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ) وَاحِدَةٌ (بِهَا) أَيْ بِالْوِلَادَةِ (لَمْ يَقَعْ) أَيْ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ، ثُمَّ يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِالتَّبَعِيَّةِ وَلَهُ أَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ ضَرُورَةً فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الطَّلَاقِ وَهُوَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لَهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجَدُ بِدُونِ الْآخَرِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالْوِلَادَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهِ، وَالْوِلَادَةُ تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ. أَقُولُ: قَوْلُهُ وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُتَصَوَّرُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمَلْزُومِ كَمَا فِي اللُّزُومِ الْعَقْلِيِّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ يَنْفَكُّ عَنْهَا وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الِاقْتِضَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ يَقْتَضِي الْبَيْعَ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ وَكُنْ وَكِيلِي بِالْإِعْتَاقِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ إلَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَصْلًا. (وَإِنْ) كَانَ الزَّوْجُ (أَقَرَّ بِالْحَبَلِ ثُمَّ عَلَّقَ) طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ (يَقَعُ) الطَّلَاقُ (بِلَا شَهَادَةٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حِنْثَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ وَلَهُ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ. (نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَشَرَاهَا فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ شَرَاهَا لَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ؛ إذْ الْعُلُوقُ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ وَفِي الثَّانِي وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ؛ إذْ الْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى. (قَالَ لِأَمَتِهِ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ الدَّعْوَى قَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنِّي، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا قَالَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُدَّعِيًا هَذَا الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْقَوْلِ فَصَحَّتْ الدَّعْوَى (أَوْ لِطِفْلٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ أَيْ لَوْ قَالَ لِطِفْلٍ (هُوَ ابْنِي وَمَاتَ) الْمُقِرُّ (فَقَالَتْ أُمُّهُ) أَيْ أُمُّ الطِّفْلِ (هُوَ ابْنُهُ وَأَنَا زَوْجَتُهُ يَرِثَانِهِ) أَيْ يَرِثُ الطِّفْلُ وَأُمُّهُ مِنْ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الطِّفْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَى بُنُوَّةِ الطِّفْلِ لَهُ إلَّا بِنِكَاحِ أُمِّهِ نِكَاحًا صَحِيحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّلَاقُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ. . . إلَخْ يَعْنِي فِي صُورَةِ وِلَادَتِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا غَيْرُ فَالْعِدَّةُ عَلَيْهَا لِحَمْلِهَا بِثَابِتِ النَّسَبِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: وَقَدْ عَيَّنُوا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ أَنْ لَا تَكُونَ أَيْ وِلَادَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَا أَقَلَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَهُوَ سَنَتَانِ وَلَا مُوجِبَ لِلصَّرْفِ عَنْهُ يُنَافِي الِاحْتِيَاطَ فِي إثْبَاتِهِ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ حَدَثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا وِلَادَةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ، وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ؟ ،. اهـ. . وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى: إنَّهُ - أَيْ الزَّوْجَ - لَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: إنَّهُ مُشْكِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ الْمَذْهَبِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَهْرُهَا) أَيْ مَهْرٌ وَاحِدٌ كَامِلًا لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِمَّنْ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْخَلْوَةِ تَأَكَّدَ بِهِ الْمَهْرُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ؛ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ بِالدُّخُولِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْعُلُوقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا حَصَلَ حَالَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ لَا حَالَ زَوَالِهِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُعَلَّلَ لُزُومُ الْمَهْرِ بِتَحَقُّقِ الْوَطْءِ مِنْهُ حُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَثُبُوتُ النَّسَبِ مُلْزِمٌ لِلْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَتَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي صُورَةِ وِلَادَتِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ، ثُمَّ عَلَّقَ. . . إلَخْ) عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا. . . إلَخْ) يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ طَلْقَةً بَائِنَةً، أَوْ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ فَارَقَهَا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، أَوْ بَعْدَهُ وَالطَّلَاقُ ثِنْتَانِ ثَبَتَ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً يَلْزَمُهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِعَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَكْثَرَ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ، وَإِنْ وَاحِدًا بَائِنًا ثَبَتَ إلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ، أَوْ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ

[باب الحضانة]

لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لِلْحَلِّ. (وَإِنْ قَالَ وَارِثُهُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدِهِ وَجُهِلَتْ حُرِّيَّتِهَا لَا تَرِثُ) لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي رَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ. (زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ) لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ يَقْتَضِي فَسْخَ النِّكَاحِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَمَا صَحَّ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا بَاعَ أَمَتَهُ وَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ (وَعَتَقَ) أَيْ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَقَدْ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ فَلَزِمَ حُرِّيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِبُنُوَّةِ عَبْدِهِ الْمَعْرُوفِ النَّسَبِ (وَتَصِيرُ) أَيْ الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدِهِ) لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ. (وَلَدَتْ أَمَتُهُ الْمَوْطُوءَةُ لَهُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ حَتَّى يَدَّعِيَهُ) فَإِنَّ الْفِرَاشَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: قَوِيٍّ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ وَلَا يَنْتَفِيَ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ بَلْ يَنْتَفِيَ بِاللِّعَانِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ؛ إذْ لَا لِعَانَ فِي الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ، وَضَعِيفٍ وَهُوَ فِرَاشُ الْأَمَةِ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ إلَّا بِدَعْوَةٍ لِضَعْفِهِ، وَمُتَوَسِّطٍ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِيَ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ لَكِنَّ ثُبُوتَهُ بِلَا دَعْوَةٍ إنَّمَا يَكُونُ إذَا حَلَّ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَا يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ كَأُمِّ وَلَدٍ كَاتَبَهَا مَوْلَاهَا وَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَوْلَدَاهَا، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِدُونِهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. (بَابُ الْحَضَانَةِ) هِيَ مِنْ حَضَنَ الطَّائِرُ بَيْضَهُ يَحْضُنُهُ إذَا ضَمَّهُ إلَى نَفْسِهِ تَحْتَ جَنَاحِهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا حَضَنَتْ وَلَدَهَا (هِيَ لِلْأُمِّ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) يَعْنِي بِزَوْجٍ آخَرَ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِلطِّفْلِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهَا لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ مِنْ غَيْرِهَا (إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً) فَإِنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لِلْحَضَانَةِ (أَوْ فَاجِرَةً) كَذَا فِي الْكَافِي (بِلَا جَبْرِهَا) عَلَى أَخْذِ الْوَلَدِ إذَا أَبَتْ، أَوْ لَمْ تَطْلُبْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَعْجِزَ عَنْ الْحَضَانَةِ (إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ) بِأَنْ لَا يَأْخُذَ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا، أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ سِوَى الْأُمِّ فَتُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ؛ إذْ الْأَجْنَبِيَّةُ لَا شَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ (ثُمَّ أُمِّهَا) أَيْ أُمِّ الْأُمِّ (وَإِنْ عَلَتْ) لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ (ثُمَّ أُمِّ أَبِيهِ) أَيْ أَبِ الْوَلَدِ (كَذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ عَلَتْ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا تُحْرِزُ مِيرَاثَ الْأُمَّهَاتِ السُّدُسَ وَلِأَنَّهَا أَوْفَرُ شَفَقَةً لِأَجْلِ الْوِلَادِ (ثُمَّ أُخْتِهِ لِأَبٍ وَأُمٍّ) لِأَنَّهَا أَشْفَقُ (ثُمَّ أُخْتِهِ لِأُمٍّ) لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ لِمَا قَبْلَهَا فِي هَذَا الْأَمْرِ (ثُمَّ) أُخْتِهِ (لِأَبٍ) ؛ لِأَنَّ بَنَاتَ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ (ثُمَّ خَالَتِهِ) لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ فِي هَذَا الْأَمْرِ (كَذَلِكَ) أَيْ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى، ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ وَتِلْكَ بِالْأَخِ (ثُمَّ عَمَّتِهِ كَذَلِكَ) فِي التَّرْتِيبِ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْرَمٍ (بِشَرْطِ حُرِّيَّتِهِنَّ) لِعَجْزِ الرَّقِيقِ عَنْ الْحَضَانَةِ لِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَلِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِلرَّقِيقِ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ الْوِلَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ (فَلَا حَقَّ لِأَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ قَبْلَ عِتْقِهِمَا) بَلْ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ الصَّغِيرُ رَقِيقًا وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشِّرَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَجُهِلَتْ حُرِّيَّتُهَا لَا تَرِثُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَكِنْ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ مَا صَحَّ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ) يَعْنِي بِهَذِهِ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ: وَلَدَتْ أَمَتُهُ الْمَوْطُوءَةُ) مَذْكُورٌ فِي بَابِ الِاسْتِيلَاءِ أَيْضًا. [بَابُ الْحَضَانَةِ] (بَابُ الْحَضَانَةِ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً. . . إلَخْ) كَذَا إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ كُلَّ وَقْتٍ وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ) هُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ: لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الضَّيَاعِ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ سَبَبُ تَمَرُّضِهِ وَمَوْتِهِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَأْخُذَ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا) كَذَا لَوْ أَعْسَرَ الْأَبُ وَلَا مَالَ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ عَنْ الضَّيَاعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَنَاتَ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ) كَذَا بَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْأَخِ كَمَا يَأْتِي فَتُقَدَّمُ بِنْتُ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ، ثُمَّ الْأُمُّ عَلَى الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَاخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ فِي بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْهُنَّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ وَقَالَ فِي السِّرَاجِ: ثُمَّ بَعْدَ بَنَاتِ الْأُخْتِ يَكُونُ لِبَنَاتِ الْأَخِ. (قَوْلُهُ: وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالسِّرَاجِ وَنَصُّهُ بَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ خَالَتِهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ عَمَّتِهِ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَبَعْدَهُنَّ خَالَةُ الْأُمِّ كَذَلِكَ ثُمَّ عَمَّاتُهَا كَذَلِكَ اهـ، وَفِي الْفَتْحِ: خَالَةُ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ خَالَةِ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: فَلَا حَقَّ لِأَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ) كَذَا مُدَبَّرَةٌ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهَا وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِدُخُولِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَوْلُودَةِ قَبْلَهَا (تَنْبِيهٌ) : يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ الْمَذْكُورَاتِ الْعَصَبَةُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَّا أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ تُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى ابْنِهِ، ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ، ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ لِأُمٍّ

أُمِّهِ إنْ كَانَا فِي مِلْكِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ، وَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا وَأَوْلَادَهُمَا أَحْرَارٌ حَالَ ثُبُوتِ الْحَقِّ. (الذِّمِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ) يَعْنِي أَنَّهَا أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ (حَتَّى يَعْقِلَ) أَيْ الْوَلَدُ (دِينًا) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تُبْتَنَى عَلَى الشَّفَقَةِ وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا فَإِذَا عَقَلَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ (أَوْ يُخَافَ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ) فَإِنَّ تَأَلُّفَ الْكُفْرِ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ تَعَقُّلِ الدِّينِ فَإِذَا خِيفَ هَذَا يُنْزَعُ أَيْضًا مِنْهَا. (يَسْقُطُ حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الْحَضَانَةِ أُمًّا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا كَالْجَدَّةِ (بِنِكَاحِ غَيْرِ مَحْرَمٍ) أَيْ مَحْرَمِ الْوَلَدِ لِانْتِقَاصِ الشَّفَقَةِ حَتَّى إذَا نَكَحَتْ مَحْرَمَهُ لَا تَسْقُطُ كَأُمٍّ نَكَحَتْ عَمَّهُ وَجَدَّةٍ جَدَّهُ (وَيَعُودُ) أَيْ حَقُّهَا (بِالْفُرْقَةِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ عَادَ الْمَمْنُوعُ. (طَلَبَتْ) الْأُمُّ (أَجْرًا فَلَوْ) طَلَبَتْ (فِي النِّكَاحِ، أَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَمْ تَسْتَحِقَّ) الْأَجْرَ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا دَيْنًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] الْآيَةَ لَكِنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ ظَهَرَ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ (وَلَوْ) طَلَبَتْ (بَعْدَ عِدَّةٍ، أَوْ فِيهَا) لَكِنْ (لِابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَسْتَحِقُّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا. اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهِ فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233] أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا وَلَا يُضَارَّ هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تُرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ، أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ هُنَا أَوْلَى لِمَا قُلْنَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (وَفِي الْمَبْتُوتَةِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَالشَّهَادَةُ لَهَا. (قَالَ الْأَبُ: أَجِدُ مُرْضِعَةً بِلَا أَجْرٍ) حِينَ قَالَتْ الْأُمُّ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِأَجْرٍ (أَوْ بِالْأَقَلِّ) حِينَ قَالَتْ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِكَذَا (لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ وَلَكِنْ تُرْضِعُ الظِّئْرُ) الطِّفْلَ (فِي بَيْتِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) رِعَايَةً لِلطَّرَفَيْنِ. (لَا تُدْفَعُ صَبِيَّةٌ إلَى عَصَبَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنِ الْعَمِّ) لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ (مَعَ وُجُودِ مَحْرَمٍ غَيْرِ عَصَبَةٍ كَالْخَالِ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ (وَلَا) تُدْفَعُ أَيْضًا (إلَى فَاسِقٍ مَاجِنٍ) وَهُوَ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا يَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَاشَى عَنْ الْفَسَادِ (لَا يُخَيَّرُ طِفْلٌ) بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ إذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ وَيُسَلَّمُ إلَى مَنْ يَخْتَارُهُ. (الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالصَّبِيِّ مِنْ أَبِيهِ (حَتَّى يَسْتَغْنِيَ) عَنْ الْغَيْرِ بِأَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَلْبَسَ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ. (وَقُدِّرَ) الِاسْتِغْنَاءُ (بِسَبْعِ سِنِينَ) قَدَّرَهُ الْخَصَّافُ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْكَافِي. (وَ) الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ (بِهَا) أَيْ بِالصَّبِيَّةِ مِنْ الْأَبِ (حَتَّى تَحِيضَ) لِأَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَبَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي دَرَجَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: يَسْقُطُ حَقُّهَا) أَيْ حَقُّ الْحَضَانَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَقُّ الْحَاضِنَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أُمًّا كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا. (قَوْلُهُ: وَيَعُودُ بِالْفُرْقَةِ) هَذَا مِنْ قَبِيلِ زَوَالِ الْمَانِعِ لَا عَوْدِ السَّاقِطِ وَقَوْلُهُمْ سَقَطَ حَقُّهَا مَعْنَاهُ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْهُ كَالنَّاشِزَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا، ثُمَّ يَعُودُ بِعَوْدِهَا لِمَنْزِلِ الزَّوْجِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا لَا حَقَّ لَهَا مَا دَامَتْ عِدَّتُهَا قَائِمَةً. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ عِدَّةٍ تَسْتَحِقُّ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ غَيْرُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِلْعَطْفِ وَهُوَ لِلْمُغَايَرَةِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ؛ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ، وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْمَبْتُوتَةِ رِوَايَتَانِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (قَوْلُهُ: لَكِنْ تُرْضِعُ الظِّئْرُ الطِّفْلَ فِي بَيْتِهَا) أَيْ بَيْتِ الْأُمِّ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ فِيمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ شَرْحًا وَكَانَ يُغْنِيهِ هَذَا عَنْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَا يُخَيَّرُ طِفْلٌ) كَذَا مَعْتُوهٌ وَيَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَقُدِّرَ بِسَبْعِ سِنِينَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ: ابْنُ سَبْعٍ وَقَالَتْ: ابْنُ سِتٍّ لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا وَلَكِنْ يَنْظُرُ إنْ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ دُفِعَ لِلْأَبِ، وَإِلَّا فَلَا

[باب النفقة]

الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ وَالْأَبُ فِيهِ أَقْدَرُ (وَرُوِيَ) عَنْ مُحَمَّدٍ (حَتَّى تُشْتَهَى) يَعْنِي أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ (وَهُوَ الْأَحْوَطُ) لِفَسَادِ الزَّمَانِ (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ حَضَانَةُ غَيْرِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ (أَحَقُّ بِهَا) أَيْ بِالْبِنْتِ مِنْهُمَا (حَتَّى تُشْتَهَى) لِأَنَّ التَّرْكَ عِنْدَ مَنْ تَحْضُنُهَا نَوْعُ اسْتِخْدَامٍ وَغَيْرُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّسْلِيمُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ شَرْعًا. (لَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا) أَيْ بِدُونِ إذْنِ أَبِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ (إلَّا إلَى وَطَنِهَا الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ فِي بَلَدٍ وَلَيْسَ بِوَطَنٍ لَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهِ وَلَا إلَى وَطَنِهَا لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَفَاوُتٌ، وَإِنْ تَقَارَبَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَعَةِ وَلَدِهِ فِي يَوْمٍ وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ قَبْلَ اللَّيْلِ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ التَّزَوُّجِ وَلَا الْوَطَنُ إلَّا إلَى قَرْيَةٍ مِنْ مِصْرٍ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرَى فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَطَنَهَا وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا (وَخُصَّ هَذَا) السَّفَرُ (بِالْأُمِّ) وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ يَنْقُلَهُ بِلَا إذْنِ الْأَبِ حَتَّى الْجَدَّةِ. (لِلصَّغِيرَةِ عَمَّةٌ مُوسِرَةٌ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ أَرَادَتْ الْعَمَّةُ إمْسَاكَ الْوَلَدِ مَجَّانًا وَلَا تَمْنَعُهُ) أَيْ الْعَمَّةُ الْوَلَدَ (عَنْ الْأُمِّ وَهِيَ) أَيْ الْأُمُّ (تَأْبَى) أَيْ تَمْتَنِعُ مِنْ الْحَضَانَةِ (وَتُطَالِبُهُ بِالْأُجْرَةِ وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ لَهَا: إمَّا أَنْ تُمْسِكِي الْوَلَدَ مَجَّانًا، أَوْ تَدْفَعِي إلَى الْعَمَّةِ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (بَابُ النَّفَقَةِ) هِيَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْإِنْفَاقِ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ النَّفَقَةِ فَقَالَ: هِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (هِيَ تَجِبُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الزَّوْجِيَّةُ، وَ) مِنْهَا (النَّسَبُ، وَ) مِنْهَا (الْمِلْكُ) قَدَّمَ الزَّوْجِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ النَّسَبِ، وَالنَّسَبُ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ (فَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ صَغِيرًا) لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ (أَوْ فَقِيرًا) لَيْسَ عِنْدَهُ قَدْرُ النَّفَقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى تُشْتَهَى وَهُوَ الْأَحْوَطُ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ الْكَمَالُ: وَفِي غِيَاثِ الْمُفْتِي الِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: لَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْبِيرِ بِالسَّفَرِ، وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ السَّفَرَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَنْعِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ اللُّغَوِيُّ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تُمْنَعُ فِيمَا إذَا تَقَارَبَ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ وَكَذَا التَّعْبِيرُ بِمُطْلَقِ الْخُرُوجِ لَا يَصِحُّ وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِالْوَلَدِ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى أُخْرَى بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ إلَّا إذَا انْتَقَلَتْ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ اهـ. وَكَذَا لَا يَخْرُجُ الْأَبُ بِهِ مِنْ مَحَلِّ إقَامَتِهِ قَبْلَ اسْتِغْنَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ بِزَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ،. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لِلْمُطَلِّقِ السَّفَرُ بِوَلَدِهِ لِزَوْجِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ حَقُّهَا اهـ. . وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُبْصِرَ وَلَدَهَا كُلَّ يَوْمٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَقَارَبَا. . . إلَخْ) أَيْ وَنَقَلَتْهُ إلَى مِصْرٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَسَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ. . . إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَقَارَبَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا شَمِلَ النَّقْلَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: لِلصَّغِيرَةِ عَمَّةٌ. . . إلَخْ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُغَايِرَةٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّغِيرَةَ تُدْفَعُ لِلْعَمَّةِ هُنَا، وَفِي السَّابِقَةِ قَالَ تَرْضَعُ فِي بَيْتِ الْأُمِّ فَتُحْمَلُ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَهَذَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ كَالْعَمَّةِ وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ تُدْفَعُ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ مُتَبَرِّعَةً، وَالْأُمُّ تُرِيدُ الْأَجْرَ عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَنَّهَا حَاضِنَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَكُلُّ حَاضِنَةٍ لَهُ هِيَ كَذَلِكَ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَتَقْيِيدُ الدَّفْعِ لِلْعَمَّةِ بِيَسَارِهَا، وَإِعْسَارِ الْأَبِ مُفِيدٌ أَنَّ الْأَبَ الْمُوسِرَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْأُجْرَةِ لِلْأُمِّ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَمَعَ إعْسَارِهِ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمَّةِ مُتَبَرِّعًا بِمِثْلِ الْعَمَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا تَكُونَ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ اسْمُهَا كَشْفُ الْقِنَاعِ الرَّفِيعِ عَنْ مَسْأَلَةِ التَّبَرُّعِ بِمَا يَسْتَحِقُّ الرَّضِيعُ. [بَابُ النَّفَقَةِ] [أَسْبَاب النَّفَقَة] (بَابُ النَّفَقَةِ) (قَوْلُهُ: تَجِبُ بِأَسْبَابٍ. . . إلَخْ) وَمِنْهَا حَبْسُ النَّفْسِ لِمَصَالِحِ الْغَيْرِ، أَوْ الْعَامَّةِ كَالْمُفْتِي وَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْوَصِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرًا) قَالَ قَاضِي خَانْ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيِسَ. (أَقُولُ) هَذَا إذَا كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِ قَاصِرٍ وَمُرْضِعٍ بَالِغَةً حَدَّ الشَّهْوَةِ وَطَاقَةِ الْوَطْءِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ، وَلُزُومِ نَفَقَةٍ يُقَرِّرُهَا الْقَاضِي تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ إنْ كَانَ، أَوْ يَصِيرُ ذَا دَيْنٍ كَثِيرٍ، وَنَصُّ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْأَبُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً، أَوْ فِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ.

(لِزَوْجَتِهِ) سَوَاءٌ كَانَتْ (مُسْلِمَةً، أَوْ كَافِرَةً كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً تُوطَأُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُوطَأَ حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَمْ يُوجَدْ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُطِيقَانِ الْجِمَاعَ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مَعْنًى جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا فَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهَا قَائِمٌ وَمَعَ قِيَامِ الْمَنْعِ مِنْ قِبَلِهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَقِيرَةً، أَوْ غَنِيَّةً) فَإِنَّ غِنَاهَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا (مَوْطُوءَةً، أَوْ لَا) كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ (بِقَدْرِ حَالِهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَتَجِبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (فِي الْمُوسِرَيْنِ نَفَقَةُ الْيَسَارِ، وَفِي الْمُعْسِرَيْنِ نَفَقَةُ الْعِسَارِ وَالْمُخْتَلِفِينَ) بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَهُوَ يَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْسِرَةً وَالزَّوْجُ مُوسِرًا، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْعَكْسِ (بَيْنَ الْحَالَيْنِ) أَيْ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ: الْمُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَلَوْ) هِيَ (فِي بَيْتِ أَبِيهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي: لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا لَمْ تُزَفَّ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ، وَإِنْ لَمْ تُزَفَّ (أَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ) فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالْقِيَاسُ عَدَمُهَا إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ، وَالْمَانِعُ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَصِحُّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ. (لَا) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ (لِنَاشِزَةٍ) وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرَةً تُوطَأُ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ فَقِيلَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ أَقَلُّهَا سَبْعُ سِنِينَ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ اخْتَارَ مَشَايِخُنَا تِسْعَ سِنِينَ، وَالْحَقُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ. (قَوْلُهُ: مَوْطُوءَةً، أَوْ لَا) أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَا وَلَا يُفَسَّرُ بِمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبِيرَةً، أَوْ صَغِيرَةً تُوطَأُ. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ حَالِهِمَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ الْمَأْكَلُ وَالْمَلْبَسُ وَالْمَسْكَنُ أَمَّا الْمَأْكَلُ فَكَالدَّقِيقِ وَالْمَاءِ وَالْحَطَبِ وَالْمِلْحِ وَالدُّهْنِ وَلَا تُجْبَرُ قَضَاءً عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَيَأْتِيهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ أَوْ بِمَنْ يَكْفِيهَا الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ، وَأَمَّا دِيَانَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا الطَّبْخُ وَالْخَبْزُ وَكَنْسُ الْبَيْتِ وَغَسْلُ الثِّيَابِ كَإِرْضَاعِ وَلَدِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ إنَّمَا يَأْتِيهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ إذَا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ لَا تَخْدُمُ بِنَفْسِهَا فِي أَهْلِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ لَكِنْ بِهَا عِلَّةٌ تَمْنَعُهَا أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ وَهَذَا بِخِلَافِ خَادِمَتِهَا إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْخِدْمَةِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ قَدْرَ الْكِسْوَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ: وَأَمَّا الْمَلْبُوسُ فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَقَدْرُ الْكِسْوَةِ بِدِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ وَمِلْحَفَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمِلْحَفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الْمِلَاءَةُ تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ غِطَاءُ اللَّيْلِ يُلْبَسُ فِي النَّهَارِ وَذِكْرُ دِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ أَرَادَ بِهِ صَيْفًا وَشِتَاءً رَقِيقًا لِزَمَانِ الْحَرِّ وَثَخِينًا لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَاوِيلَ فِي الصَّيْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا يَجِبُ السَّرَاوِيلُ وَثِيَابٌ أُخْرَى كَالْجُبَّةِ وَالْفُرُشِ الَّذِي تَنَامُ عَلَيْهِ وَاللِّحَافِ وَمَا يُدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعُ خَزٍّ وَجُبَّةُ قَزٍّ وَخِمَارُ إبْرَيْسَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَهْيِئَةُ أَسْبَابِهِ اهـ. وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الْمَسْكَنَ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي: لَا تَسْتَحِقُّ. . . إلَخْ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَقَوْلُ الْأَقْطَعِ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ فِي شَرْحِهِ " إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ " مَنْظُورٌ فِيهِ، ثُمَّ قَرَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا وَمَا بَعْدَهُ وَمَا فَصَّلَهُ قَاضِي خَانْ رَدَّهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ، وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِنَوْعِ انْتِفَاعٍ لَا تَسْقُطُ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ) عِبَارَتُهَا قَالُوا: هَذَا حَسَنٌ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ

[نفقة الناشز]

(خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ) أَيْ بَيْتِ الزَّوْجِ (بِلَا حَقٍّ) حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَإِذَا عَادَتْ جَاءَ الِاحْتِبَاسُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ وَالزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْوَطْءِ جَبْرًا، وَقَوْلُهُ " بِلَا حَقٍّ " احْتِرَازٌ عَنْ خُرُوجِهَا بِحَقٍّ كَمَا إذَا لَمْ يُعْطِهَا الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ (وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا بِالْمُمَاطَلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ (وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا (وَمَغْصُوبَةٍ) يَعْنِي أَخَذَهَا رَجُلٌ كُرْهًا فَذَهَبَ بِهَا فَإِنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فِي بَيْتِهِ وَقَدْ فَاتَ (وَحَاجَّةٍ بِدُونِهِ) أَيْ بِلَا زَوْجٍ وَلَوْ مَعَ مَحْرَمٍ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا (وَلَوْ) سَافَرَتْ (بِهِ) أَيْ بِالزَّوْجِ (فَنَفَقَةُ الْحَضَرِ) أَيْ الْوَاجِبُ هِيَ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ لِقِيَامِهِ عَلَيْهَا (لَا غَيْرُ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ وَلَا الْكِرَاءِ (وَلِخَادِمِهَا الْوَاحِدِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لِزَوْجَتِهِ (لَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُوسِرًا) لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا (لَا مُعْسِرًا) فِي الْأَصَحِّ. (لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (بِعَجْزِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (عَنْهَا) أَيْ النَّفَقَةِ (وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ) أَيْ الزَّوْجِ حَالَ كَوْنِهِ (غَائِبًا عَنْهَا حَقَّهَا) مَفْعُولُ " إيفَائِهِ " (وَلَوْ) كَانَ الزَّوْجُ (مُوسِرًا) اعْلَمْ أَنَّ مُجَوِّزَ الْفَسْخِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إعْسَارُ الزَّوْجِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُثْبِتَ إعْسَارَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُمْهِلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُمَكِّنَهَا مِنْهُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ كَذَا فِي غَايَةِ الْقُصْوَى. وَثَانِيهِمَا عَدَمُ إيفَاءِ الزَّوْجِ الْغَائِبِ حَقَّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَلَوْ مُوسِرًا قَالَ فِي شَرْحِ غَايَةِ الْقُصْوَى: وَلَوْ غَابَ الزَّوْجُ حَالَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ النَّفَقَةِ وَلَكِنْ لَا يُوَفِّي حَقَّهَا فَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهَا وَلَكِنْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُطَالِبَهُ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا، وَالثَّانِي ثُبُوتُ الْفَسْخِ، وَإِلَيْهِ مَالَ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْحَاوِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَنْ الرُّويَانِيِّ وَابْنِ أَخِيهِ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْفَتْوَى بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ بِعَجْزِهِ عَنْهَا، وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ. . . إلَخْ. أَقُولُ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا نَقَلَ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَاضِرِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَائِبِ فَبِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ، وَكُلٌّ مِنْ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَلَا يُعْرَفُ الْعَجْزُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونَ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِذَا رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَجَازَ قَضَاءَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ، نَعَمْ يَرُدُّ هَذَا عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ مَذْهَبُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُشِيرُ إلَيْهِ اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الْأَصَحُّ تَعْلِيقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسِنُونَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ [نَفَقَة النَّاشِز] (قَوْلُهُ: حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَا سَافَرَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ) سَوَاءٌ حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ، أَوْ بَعْدَهَا قَدَرَتْ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ، أَوْ لَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ الزَّوْجِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا لِمَا فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِ لَوْ حَبَسَهَا هُوَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَمَّا قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَذَا أَيْ عَدَمُ النَّفَقَةِ بِحَبْسِ غَيْرِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي الْحَبْسِ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ فَلَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ هِيَ فِي بَيْتِ أَبِيهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: وَحَاجَّةٍ بِدُونِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: وَلِخَادِمِهَا الْوَاحِدِ) يَعْنِي الْمَمْلُوكَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخُلَاصَةِ بِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: لَوْ مُوسِرًا) الْيَسَارُ مُقَدَّمٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا نِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ) وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا لَكِنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَأَعْمَالِ الْبَيْتِ لَمْ تَسْتَحِقَّهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ. . . إلَخْ) فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَقَالَتْ: إنَّهُ يُطِيلُ الْغَيْبَةَ عَنِّي فَطَلَبَتْ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخَذَ كَفِيلًا بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ

[مسقطات النفقة]

وَيَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا عَلَى الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَى مَنْ يَعْمَلُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَتُؤْمَرُ) أَيْ الْمَرْأَةُ (بِالِاسْتِدَانَةِ) أَيْ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي: اسْتَدِينِي عَلَى زَوْجِكِ أَيْ اشْتَرِي الطَّعَامَ نَسِيئَةً عَلَى أَنْ تَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ (فَرَضَ نَفَقَةَ الْعِسَارِ) لِكَوْنِهِمَا مُعْسِرَيْنِ (فَأَيْسَرَ) الزَّوْجُ (تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ يَسَارِهِ إنْ طَلَبَتْ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْعِسَارِ وَمَا قُضِيَ بِهِ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا، وَهُوَ مَا دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ (وَتَسْقُطُ مَا مَضَتْ) مِنْ النَّفَقَةِ (إلَّا إذَا فُرِضَتْ، أَوْ رَضِيَا بِشَيْءٍ) أَيْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ فَلَا تَتَأَيَّدُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ كَالْقَضَاءِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ. (وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، أَوْ طَلَاقِهَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ) يَعْنِي إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَكِنْ لَمْ تُؤْمَرْ الْمَرْأَةُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَمَضَتْ شُهُورٌ وَلَمْ تَأْخُذْهَا سَقَطَتْ الْمَفْرُوضَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ (إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَأَكَّدُ كَمَا مَرَّ (وَلَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) يَعْنِي إنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ. (يُبَاعُ الْقِنُّ الْمَأْذُونُ بِالنِّكَاحِ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ كَانَ بِإِذْنِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ (مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى) مَثَلًا عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ - وَهِيَ قِيمَتُهُ، وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ النَّفَقَةِ - يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى. (وَتَسْقُطُ) أَيْ النَّفَقَةُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (وَقَتْلِهِ) وَلَا يُؤَاخَذُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ. (وَ) يُبَاعُ (فِي دَيْنٍ غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ (مَرَّةً) فَإِنْ أَوْفَى الْغُرَمَاءَ فَبِهَا، وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ دَيْنًا آخَرَ حَادِثًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا، أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ لَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ لَكِنَّ الْمُكَاتَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخَذَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْكَفِيلَ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخٌ، أَوْ ابْنٌ مُوسِرٌ، أَوْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ لِمَا فِي التَّبْيِينِ عَنْ شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ نَفَقَتَهَا حِينَئِذٍ عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي. . . إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرُ الْخَصَّافِ الِاسْتِدَانَةَ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً، وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهَا الِاسْتِقْرَاضُ وَفَائِدَةُ أَمْرِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ رُجُوعُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ وَبِدُونِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى الزَّوْجِ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: فَأَيْسَرَ الزَّوْجُ تَمَّمَ) كَذَا عَكْسُهُ لَوْ أَعْسَرَ يَسَّرَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ مَا مَضَتْ) لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ زَمَنِهِ وَذَلِكَ شَهْرٌ كَمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنْ غَابَ عَنْهَا شَهْرًا، أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَقَدْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ اهـ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) سُقُوطُهَا بِالْمَوْتِ قَوْلٌ وَاحِدٌ عَنْ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقِهَا) ضَعِيفٌ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ بَائِنًا أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِمَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُسْقِطُهَا اهـ. وَلِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ اهـ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلِمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا تَرَى وَلِمَا قَالَ فِي الْفَيْضِ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ اهـ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وُجُوهًا لِتَضْعِيفِ الْقَوْلِ بِالسُّقُوطِ بَحْثًا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا. . . إلَخْ) قَاصِرٌ لِعَدَمِ شَرْحِهِ حُكْمَ السُّقُوطِ بِالطَّلَاقِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُرَدُّ الْقَائِمَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا، ثُمَّ مَاتَ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ طَلَّقَهَا لَا يُسْتَرَدُّ مَا عُجِّلَ لَهَا سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا عَبْدٌ. . . إلَخْ) تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ وَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَلْفِ وَلَيْسَ بَلْ فِيمَا يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ مَنْقُولُ الْمُذْهَبِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي قَرِيبًا فِي الْفَرْقِ [مُسْقِطَات النَّفَقَة] (قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ بِمَوْتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ وَقَتْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ أَنْ لَوْ فَاتَ الْمَحَلُّ لَا إلَى خَلَفٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قُتِلَ بِالْجِنَايَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ اهـ.

[نفقة الأمة]

إذَا عَجَزَ بِيعَ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْهُ بَعْدَ الْعَجْزِ. (نَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إذَا بَوَّأَهَا سَيِّدُهَا أَيْ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا وَعَدَمِ اسْتِخْدَامِهَا فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا النَّفَقَةَ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ (وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الْمَوْلَى بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ التَّبْوِئَةِ (تَسْقُطُ) أَيْ النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانًا بِلَا اسْتِخْدَامِهَا لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَرِدًّا وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا، أَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ التَّبْوِئَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ (كَذَا) أَيْ كَالْقِنَّةِ (الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) حَتَّى لَا تَجِبَ نَفَقَتُهُمَا إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ (بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ) إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ كَالْحُرَّةِ؛ إذْ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا. (وَيَجِبُ) عَلَى الزَّوْجِ (السُّكْنَى) لِزَوْجَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6] (فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ) لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِالسُّكْنَى مَعَ النَّاسِ؛ إذْ لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا وَيَمْنَعُهُمَا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ (إلَّا أَنْ يَخْتَارَا) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَسْكُنَا مَعَهُ وَيَتَّفِقَا عَلَيْهِ (وَلِأَهْلِهَا) يَعْنِي مَحْرَمَهَا (النَّظَرُ) إلَيْهَا (وَالْكَلَامُ مَعَهَا مَتَى شَاءُوا) وَلَا يَمْنَعُهُمْ الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ (لَا الدُّخُولُ عَلَيْهَا بِلَا إذْنِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَيْتَ مِلْكُهُ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ (وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا مَنْعَ مِنْ خُرُوجِهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ وَ) لَا مِنْ (دُخُولِهِمَا عَلَيْهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَدُخُولِ مَحْرَمٍ غَيْرِهِمَا كُلَّ سَنَةٍ) قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يَمْنَعُ الْمَحَارِمَ مِنْ الزِّيَارَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ. (تُفْرَضُ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالِ لَهُ) أَيْ لِلْغَائِبِ (مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ) أَيْ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ طَعَامًا، أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ لِلْإِنْفَاقِ بِالْوِفَاقِ (إنْ أَقَرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ) يَعْنِي الْمُضَارِبَ، أَوْ الْمُودَعَ، أَوْ الْمَدْيُونَ (بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ (وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ، أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ) أَيْ الْمَالَ وَالزَّوْجِيَّةَ وَالْوِلَادَ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [نَفَقَةُ الْأَمَةِ] قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حُرًّا، أَوْ عَبْدًا) يَعْنِي لِغَيْرِ سَيِّدِ الْأَمَةِ، إذْ لَوْ كَانَ عَبْدَهُ فَنَفَقَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بَوَّأَهَا، أَوْ لَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ اهـ. وَيُنْظَرُ مَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَلَعَلَّهَا عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فِي بَيْتٍ) أَيْ كَامِلِ الْمَرَافِقِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ مِنْ دَارٍ يُغْلَقُ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ عِبَارَتَهَا تُفِيدُ أَنَّ بَيْتَ الْخَلَاءِ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فِي دَارٍ وَلَهُ غَلْقٌ عَلَى حِدَةٍ فَأَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ يَكْفِيهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْبَيْتَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمَرَافِقِ وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْخَلَاءِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ ضَرَرُهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: خَالٍ عَنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ) شَامِلٌ لِوَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ فَلَهُ إسْكَانُهُ مَعَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ أَمَتَهُ مَعَهَا فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي النَّهْرِ: لَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ خَالِيًا عَنْ الْجِيرَانِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سَعَتِهِ اهـ. (قُلْتُ) فِي بَحْثِهِ نَظَرٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِامْرَأَةٍ تُؤْنِسُهَا فِي الْبَيْتِ إذَا خَرَجَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ كَمَا فِي فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ غَيْرُ مَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا مَنْعَ مِنْ خُرُوجِهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إتْيَانِهَا وَهُوَ حَسَنٌ وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا الشَّابَّةَ وَالزَّوْجَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَدُخُولِ مَحْرَمٍ غَيْرِهِمَا فِي كُلِّ سَنَةٍ) لَمْ يَذْكُرْ خُرُوجَهَا لِلْمَحْرَمِ وَلَا تُمْنَعُ مِنْ زِيَارَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَحَارِمِ فَزِيَارَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ وَالْوَلِيمَةُ لَا يَأْذَنُ لَهَا لِذَلِكَ وَلَا تَخْرُجُ وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَفِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ جَزْمِهِ بِهِ وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ: دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ اهـ كَلَامُ الْفَتْحِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَا تُنَافِي الْمَنْعَ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا اهـ. وَإِنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ

الْمَالُ (وَيُحَلِّفُهَا) أَيْ الْقَاضِي الزَّوْجَةَ (عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْغَائِبَ (لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَكْفُلُهَا) لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْطِي الْكَفِيلَ وَلَا يُحَلِّفُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْكِسُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا نَظَرًا لِلْغَائِبِ (لَا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تُفْرَضُ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ أَيْ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ بِإِقَامَةِ الزَّوْجَةِ بَيِّنَةً (عَلَى النِّكَاحِ وَلَا) تُفْرَضُ أَيْضًا (إنْ لَمْ يَتْرُكْ) أَيْ الْغَائِبُ (مَالًا فَإِقَامَتُهَا) أَيْ إقَامَةُ الزَّوْجَةِ الْبَيِّنَةَ (لِيَفْرِضَهَا) أَيْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ (عَلَيْهِ) أَيْ الْغَائِبِ (وَيَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ) لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ (وَلَا يَقْضِي بِهِ) أَيْ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ أَيْضًا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ (وَقَالَ زُفَرُ: يَقْضِي بِهَا لَا بِهِ) أَيْ بِالنَّفَقَةِ لَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهَا وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَصَدَّقَهَا فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا، وَإِنْ جَحَدَ يُحَلَّفُ فَإِنْ نَكَلَ فَقَدْ صَدَّقَهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّهَا فَإِنْ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَوْ الْمَرْأَةُ (وَبِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِ زُفَرَ (يُعْمَلُ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا دُونَهُ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ فَنَفَقَةُ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِدُونِ رِضَاهُ، فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ. (وَ) تَجِبُ (لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ) رَجْعِيًّا كَانَ، أَوْ بَائِنًا (وَ) مُعْتَدَّةِ (التَّفْرِيقِ إلَّا بِمَعْصِيَةٍ) كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ (أَوْ) التَّفْرِيقِ (لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى) أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَهُ قَائِمٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَنَا؛ إذْ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ كَمَا ذُكِرَ وَالِاحْتِبَاسُ قَائِمٌ فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْوَلَدُ؛ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ (لَا الْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ وَالتَّفْرِيقِ بِمَعْصِيَةٍ كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مَالِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا مَالَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مَالِ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ. (وَتَسْقُطُ) أَيْ النَّفَقَةُ (بِارْتِدَادِ مُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ لَا بِتَمْكِينِهَا ابْنَهُ) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ وَلَا عَمَلَ فِيهَا لِلرِّدَّةِ وَالتَّمْكِينِ إلَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ، وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَلَهَا النَّفَقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَيُحَلِّفُهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَكْفُلُهَا) كَذَلِكَ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ مِنْ الْقَرِيبِ وِلَادًا وَيُحَلِّفُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ، وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْغَائِبِ اهـ أَيْ وَكَذَلِكَ فِي التَّحْلِيفِ وَلَكِنَّهُ لَوْ كَانَ صَغِيرًا كَيْفَ يُحَلَّفُ، فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: لَا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى النِّكَاحِ) يَعْنِي لَوْ لَمْ يُقِرَّ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا أَيْ بِقَوْلِ زُفَرَ يُعْمَلُ لِلْحَاجَةِ) كَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْأَصَحُّ قَبُولُهَا اهـ. وَقَالَ الْخَصَّافُ وَهَذَا أَوْفَقُ بِالنَّاسِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ، وَفِي غَيْرِهِ وَبِهِ يُفْتَى. (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ اهـ. وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَنَحْوُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالصِّغَارِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ اهـ كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَيُنْظَرُ مَاذَا يُرَادُ بِنَحْوِهِمْ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ نَحْوُ الْعَمِّ وَالْأَخِ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ) هَذَا مِثَالٌ لِغَيْرِ الْمَنْفِيِّ اهـ. وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِاللِّعَانِ أَوْ الْعُنَّةِ، أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ لَا عَكْسُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَالتَّفْرِيقُ لِشُمُولِهِ هَذَا. (قَوْلُهُ: النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى) كَذَا الْكِسْوَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْغَايَةِ وَالْمُجْتَبَى قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَطُولُ غَالِبًا فَيُسْتَغْنَى عَنْهَا حَتَّى لَوْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا تُفْرَضُ لَهَا كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ. (قَوْلُهُ: لَا الْمَوْتِ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَالْمَعْصِيَةِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَالتَّفْرِيقِ لَا بِمَعْصِيَةٍ ". (قَوْلُهُ: وَتَسْقُطُ بِارْتِدَادِ مُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ بِمَا دُونَهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ) يُشِيرُ إلَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ لَوْ أَسْلَمَتْ الْمُرْتَدَّةُ أَيْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ اهـ كَذَا لَوْ عَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ مُرْتَدَّةً كَمَا فِي الْفَتْحِ كَالنَّاشِزَةِ إذَا رَجَعَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَيْفَمَا كَانَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ، أَوْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَسْقُطُ بِاللِّحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ اهـ. وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِلِحَاقِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ (النَّسَبُ فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً) لَا يَشْرِكُهُ أَحَدٌ فِيهَا (كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ) أَيْ كَمَا لَا يَشْرِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَتِهِمْ (وَلَوْ كَانَ) الْأَبُ (فَقِيرًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ (لِوَلَدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَجِبُ (الْفَقِيرِ) حَالَ كَوْنِهِ (صَغِيرًا) حَتَّى لَوْ كَانَ الصَّغِيرُ غَنِيًّا فَهِيَ فِي مَالِهِ (أَوْ كَبِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ،. وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ، وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ النَّاسُ فَهُوَ عَاجِزٌ وَكَذَا طَلَبَةُ الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَهْتَدُوا إلَى الْكَسْبِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ (وَعَلَى الْمُوسِرِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى الْأَبِ أَيْ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا كَانَ عَاجِزًا وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْعَاجِزِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَقْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْيَسَارِ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِتَمَلُّكِ نِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ أَعْنِي (يَسَارَ الْفِطْرَةِ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ (لِأُصُولِهِ) أَيْ أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا فَأَفَادَتْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ بِعِبَارَتِهَا، وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا فِي الْجَامِعِ مِنْ عَدَمِ عَوْدِ النَّفَقَةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ وَعَادَتْ وَمَحْمَلُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا عَلَى إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِلِحَاقِهَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِوَلَدِهِ الْفَقِيرِ صَغِيرًا) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِذَا بَلَغَ - أَيْ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ - حَدَّ الْكَسْبِ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤْجِرَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا يَدْفَعُ كَسْبَ الِابْنِ إلَى أَمِينٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَبِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ) قَالَ الْخَصَّافُ: وَإِذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا أَيْضًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ وَقِيلَ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ حُبِسَ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ، وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَبِيرًا عَاجِزًا) يَعْنِي بِهِ الذَّكَرَ أَمَّا الْأُنْثَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَجْزُ بَلْ عَدَمُ الزَّوْجِ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَكَذَا طَلَبَةُ الْعِلْمِ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ رَأَيْت فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ هَذَا إذَا كَانَ بِهِمْ رُشْدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ) أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى. (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمُوسِرِ) كَذَا قَيَّدَ بِالْيَسَارِ الْكَمَالُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ: وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أُصُولِهِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا إلَّا أَنَّهُ أَيْ الْأَبَ صَحِيحُ الْبَدَنِ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ، وَأَمَّا الْأُمُّ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الِابْنَ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ غَيْرُ زَمِنَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالْيَسَارِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا - أَيْ الْأَبِ وَالِابْنِ - كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى الْأَبِ اهـ فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْيَسَارَ هُنَا وَشَرَطَهُ ثَمَّةَ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِلْكِ نِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ) هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ،. وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا أَوْجَهُ وَقَالُوا الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ وَمَالَ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ، ثُمَّ قَالَ، وَإِذَا كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى اهـ. (قَوْلُهُ: لِأُصُولِهِ) شَامِلٌ لِلْجَدِّ وَالْجَدَّةِ الْفَاسِدَيْنِ، وَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَإِنْ احْتَاجَ الْأَبُ إلَى زَوْجَةٍ وَالِابْنُ مُوسِرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الِابْنَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ يُوَزِّعُهَا الْأَبُ عَلَيْهِنَّ اهـ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِي نَفَقَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَفَقَاتِ الْحَلْوَانِيِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا قُلْنَا وَقَيَّدَ فِي أُخْرَى وُجُوبَ نَفَقَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ بِكَوْنِهِ مَرِيضًا، أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا) هُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] . (قَوْلُهُ: فَأَفَادَتْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ) يَعْنِي الذِّمِّيِّينَ لَا الْحَرْبِيِّينَ وَلَوْ مُسْتَأْمَنِينَ كَمَا سَيَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ) قَالَ الْكَمَالُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي اللَّفْظِ أَعْنِي لَفْظَ الْأَبَوَيْنِ الَّذِي هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي وَصَاحِبْهُمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَانِ فِي آمِنُونَا عَلَى آبَائِنَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَجْدَادِ لِعَدَمِ انْتِظَامِ اللَّفْظِ، وَإِنْ أَرَادَ إلْحَاقَهُمْ بِالْقِيَاسِ فَلَا حَاجَةَ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ دُخُولُهُمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ بَلْ يُعَلَّلُ اسْتِحْقَاقُ الْأَبَوَيْنِ النَّفَقَةَ بِتَسَبُّبِهِمْ فِي وُجُودِهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْأَجْدَادُ وَيَعْتَبِرُهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ هَذَا وَلَوْ قَالَ إنَّهُمْ مِنْ الْوَالِدِينَ وَالْوَالِدَاتِ كَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّ ضَمِيرَ

وَلِذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ (الْفُقَرَاءِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَنَفَقَتُهُمْ فِي مَالِهِمْ (وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ) لِأَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ عَنْهُمْ (بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَبَوَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِحَقِّ الْمِلْكِ فِي مَالِ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْتَمِلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمَا هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ، وَإِنْ انْعَدَمَ التَّوَارُثُ (يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ لَا الْإِرْثُ) لِمَا ذُكِرَ. (فَفِيمَنْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ) النَّفَقَةُ (عَلَى الْبِنْتِ) مَعَ أَنَّ الْإِرْثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. (وَفِي وَلَدِ بِنْتٍ وَأَخٍ) النَّفَقَةُ (عَلَى وَلَدِهَا) مَعَ أَنَّ الْإِرْثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ (وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) عَطْفٌ عَلَى لِأُصُولِهِ، الْفَرْقُ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ وَبَيْنَ الْمَحْرَمِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِهِمَا عَلَى الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَصِدْقِ الْأَوَّلِ عَلَى بِنْتِ الْعَمِّ دُونَ الثَّانِي لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى أُخْتِ الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا دُونَ الْأَوَّلِ (صَغِيرٍ، أَوْ أُنْثَى بَالِغَةٍ، أَوْ ذَكَرٍ عَاجِزٍ) بِأَنْ كَانَ زَمِنًا، أَوْ أَعْمَى أَوْ مَجْنُونًا (فُقَرَاءَ) حَالٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ حَتَّى لَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ، وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ وَقِرَاءَتُهُ مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَجَازَ تَقْيِيدُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ بِهِ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ، وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ كَمَا سَبَقَ (بِقَدْرِ الْإِرْثِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ الْمُقَدَّرِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَدْرُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهِ وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ مِنْ الْبَالِغِ عَلَى أَبَوَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة: 233] وَفِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَنَفَقَةُ مَنْ) أَيْ فَقِيرٍ (لَهُ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ) مُوسِرَاتٌ (عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا كَإِرْثِهِ) ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُمُسُهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمُسُهَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاحِبْهُمَا الْوَالِدَانِ لَا الْأَبَوَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ فِي الْوِرَاثَةِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: الْفُقَرَاءِ. . . إلَخْ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ: الْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقِيرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي إيكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] وَيُخَالِفُ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ إنَّهُ لَا يُجْبَرُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ ثُمَّ نَقَلَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ لَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَالِدِ خَاصَّةً، أَوْ فِي الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنَّهُ أُجْبِرَ الْوَلَدُ عَلَى نَفَقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اهـ. وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يَشِيدُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بِخِلَافِ الْحَلْوَانِيِّ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْحَقُّ الِاسْتِوَاءُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ اهـ. وَقِيلَ تَجِبُ بِقَدْرِ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» ) أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى. (قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) صَوَابُهُ لِمَا نَذْكُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَسَيَذْكُرُ أَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْبِنْتِ) أَيْ لِقُرْبِهَا. (قَوْلُهُ: عَلَى وَلَدِهَا) أَيْ لِلْجُزْئِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى أُخْتِ الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا دُونَ الْأَوَّلِ) يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَالْخَامِسَةُ لِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَنَحْوُهُ مَحْرَمًا وَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى نَحْوِ الْأُخْتِ رَضَاعًا. (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْإِرْثِ مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ الْمُقَدَّرِ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ الْبَالِغِ عَلَى أَبَوَيْهِمَا أَثْلَاثًا) رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَالْحَسَنِ. (قَوْلٌ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبِنْتِ فَرْعٌ وَلَا عَدَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا اهـ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَيْنَ نَفَقَةِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الزَّمِنِ أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمُؤْنَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتُصَّ بِلُزُومِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ فَاعْتُبِرَ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ بِالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا كَإِرْثِهِ) يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالرَّدِّ.

الْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِنَّ (وَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ (أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مَحْرُومًا (لَا حَقِيقَتُهُ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِزًا لِلْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَنَفَقَةُ مَنْ) أَيْ فَقِيرٍ (لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ) مُوسِرَانِ (عَلَى الْخَالِ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ ابْنُ الْعَمِّ، وَيَكُونُ الْإِرْثُ لِلْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَالْخَالُ مَحْرَمٌ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ. (لَا نَفَقَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاسْمِ الْوَارِثِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ فَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ (إلَّا لِلزَّوْجَةِ) لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ لَا اتِّحَادَ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ (وَالْأُصُولِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى إنْفَاقِ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَلَا الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ (وَالْفُرُوعِ) لِأَنَّ الْفَرْعَ جُزْؤُهُ، وَنَفَقَةَ الْجُزْءِ لَا تُمْنَعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ (الذِّمِّيِّينَ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْعَرَضِيَّةُ أَنْ يُلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ. (يَبِيعُ الْأَبُ عَرَضَ ابْنِهِ لَا عَقَارَهُ لِنَفَقَتِهِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِنَفَقَتِهِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ؛ إذْ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَلِلْأَبِ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ؛ إذْ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِنَفْسِهَا وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَ الصِّغَرِ لِيَبْقَى أَثَرُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ بِخِلَافِ الْأَبِ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ. (لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ عَرَضَ ابْنِهِ (لِدَيْنٍ لَهُ) أَيْ الْأَبِ (عَلَيْهِ) أَيْ الِابْنِ (غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَالَ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ سِوَى النَّفَقَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ لِلْأَبِ حَالَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةُ الْحِفْظِ إجْمَاعًا فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا، أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ. أَقُولُ: لَا إشْكَالَ أَصْلًا لِأَنَّ هَاهُنَا مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ لِلْأَبِ حَالَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأُولَى إجْمَاعِيَّةً كَوْنُ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ فَالْمَانِعُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا كَوْنُهُ مُنَافِيًا لِلْحِفْظِ، وَأَمَّا الْمَانِعُ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ كَمَا سَبَقَ وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ كَمَالِهِ فِي الظُّهُورِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى مَنْ هُوَ بِالْفَضْلِ مَشْهُورٌ،. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: قَالُوا إنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ الِابْنِ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولَاتِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لَا بَيْعُ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا بَاعَ الْمَنْقُولَ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ قُلْت: الْكَلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَقُولُ لَا إشْكَالَ أَصْلًا. . . إلَخْ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأُولَى إجْمَاعِيَّةً كَوْنُ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ هُوَ رَدُّ الْإِشْكَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْحَثَ الزَّيْلَعِيِّ، إذْ بَحْثُهُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ لِلنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا، أَوْ لِلدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ لِكَوْنِ أَنَّ مُجَوِّزَ الْبَيْعِ إنَّمَا جَوَّزَهُ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ، ثُمَّ إذَا صَارَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صَرَفَهُ لِنَفَقَتِهِ وَهُمَا يُوَافِقَانِ عَلَى بَيْعِهِ تَحْصِينًا كَالْوَصِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ وَحَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى بَيْعِهِ تَحْصِينًا فَأَيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُ الْأَبَ مِنْ صَرْفِهِ بَعْدَهُ لِنَفَقَتِهِ وَقَدْ صَارَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا اهـ. عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي عَرَضِ الِابْنِ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِلْأَبِ بَيْعُ عَرَضِهِ لِلنَّفَقَةِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ اهـ. وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالزَّيْلَعِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ فَتَوْجِيهُهُ أَنَّ مِنْ الْمُسَلَّمِ بَيْعَ الْأَبِ لِأَجْلِ التَّحْصِينِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِذَا صَارَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ لَا مَانِعَ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِيمَنْ ظَفِرَ بِجِنْسِ مَالِهِ عَلَى غَرِيمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ رِضًى وَلَا قَضَاءٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا عَدَمُ صِحَّةِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ بُطْلَانِ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ بَيْعُ الْعُرُوضِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ لَا فِي الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ ثُمَّ الْإِنْفَاقِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ هَذَا لَجَازَ الْبَيْعُ لِدَيْنٍ سِوَى النَّفَقَةِ بِعَيْنِ هَذَا الدَّلِيلِ. أَقُولُ: الْقَوْمُ إنَّمَا يَذْكُرُونَ جَوَازَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ لِإِثْبَاتِ جَوَازِ الْبَيْعِ لِلنَّفَقَةِ فَإِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِمْ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولَاتِ يَجُوزُ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلْوَصِيِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ الْأَبِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ لِلْمُحَافَظَةِ وَبَاعَ حَصَلَ مَالٌ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ فَجَازَ صَرْفُ الْأَبِ إيَّاهُ فِي نَفَقَتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ هَذَا. . . إلَخْ فَبَاطِلٌ مَحْضٌ لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ هُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْأَوَّلِ جَوَازُ الثَّانِي. (وَلَا تَبِيعُ الْأُمُّ مَالَهُ) أَيْ مَالَ ابْنِهَا (لَهَا) أَيْ لِنَفَقَتِهَا؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي التَّصَرُّفِ حَالَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ لِلْأُمِّ أَيْضًا حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي مَالِ الِابْنِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَبِيعَ مَالَ وَلَدِهَا لِلنَّفَقَةِ قُلْنَا: إنَّ مَدَارَ جَوَازِ الْبَيْعِ لَيْسَ حَقَّ التَّمَلُّكِ بَلْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْوَلَدِ فَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ وَمَنْ لَا فَلَا. (ضَمِنَ مُودَعُ الِابْنِ لَوْ أَنْفَقَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ) لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إنَابَةٍ وَوِلَايَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ (لَا الْأَبَوَانِ) أَيْ لَا يَضْمَنَانِ (وَلَوْ أَنْفَقَا مَالَهُ) أَيْ مَالَ الِابْنِ الْغَائِبِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَاسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا. (قُضِيَ بِنَفَقَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ) يَعْنِي الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالْقَرَائِبَ (وَمَضَتْ مُدَّةٌ) لَمْ تَصِلْ إلَيْهِمْ فِيهَا (سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ، وَإِنَّمَا قَالَ: غَيْرِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِنَفَقَتِهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ لَا لِلْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى (إلَّا إذَا اسْتَدَانُوا) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَالْقَرَائِبُ (بِإِذْنِ الْقَاضِي) أَيْ أَذِنَ لَهُمْ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَاسْتَدَانُوا عَلَى الْغَائِبِ فَحِينَئِذٍ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ أَيْضًا كَمَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بِمُجَرَّدِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي، وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ. (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ (الْمِلْكُ فَتَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى) النَّفَقَةُ (لِمَمْلُوكِهِ فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ (كَسَبَ) أَيْ الْمَمْلُوكُ (إنْ قَدَرَ) عَلَى الْكَسْبِ (وَأَنْفَقَ) عَلَى نَفْسِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (أُمِرَ) أَيْ الْمَوْلَى يَعْنِي أَمَرَهُ الْقَاضِي (بِبَيْعِهِ) لَوْ رَقِيقًا. (وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ أُجْبِرَ) الْمَوْلَى (عَلَى الْإِنْفَاقِ) لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ فِيهِمَا (وَالْمُكَاتَبُ عَلَى الْمَالِ يَكْسِبُ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا رَقَبَةً وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ كَالرَّقِيقِ؛ إذْ لَا يَدَ لَهُ أَصْلًا. (رَجُلٌ لَا يُنْفِقُ عَلَى عَبْدِهِ: إنْ قَدَرَ) أَيْ الْعَبْدُ (عَلَى الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ أَكْلُ مَالِ مَوْلَاهُ بِلَا رِضَاهُ، وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ (جَازَ) أَكْلُهُ بِلَا رِضَاهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ (كَذَا) أَيْ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا رِضَاهُ أَيْضًا (إنْ مَنَعَ) مَوْلَاهُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَسْبِ. (غَصَبَ) أَيْ شَخْصٌ (عَبْدًا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (إلَى أَنْ يَرُدَّ) الْمَغْصُوبَ إلَى مَالِكِهِ (فَإِنْ طَلَبَ) الْغَاصِبُ (مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ) أَيْ بِأَنْ يُنْفِقَ الْغَاصِبُ عَلَى الْعَبْدِ (أَوْ الْبَيْعِ) أَيْ بِأَنْ يَبِيعَ الْغَاصِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا تَبِيعُ الْأُمُّ مَالَهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ بَعْدَ شَرْحِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ مَعْنَى الْوِلَادِ يَجْمَعُهُمَا وَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا أَمَّا نَفْسُهَا فَبَعِيدٌ اهـ. وَلَا يَخْفَى عَدَمُ اطِّرَادِ التَّأْوِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ. . . إلَخْ) قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي فِي اسْتِحْقَاقِهَا مَالَ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّبُوتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ مُودَعُ الِابْنِ. . . إلَخْ) هَذَا قَضَاءً وَكَذَا مَنْ عِنْدَهُ مَالُهُ كَالْمُضَارِبِ وَالْمَدْيُونِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُودَعِ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي وَهَذَا - أَيْ الضَّمَانُ - إذَا كَانَ يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِطْلَاعُهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَعَلَى هَذَا بَيْعُ بَعْضِ الرُّفْقَةِ مَتَاعَ بَعْضِهِمْ لِتَجْهِيزِهِ وَكَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالضَّمَانِ قَضَاءً لِنَفْيِ ضَمَانِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ مَاتَ الِابْنُ الْغَائِبُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَمَضَتْ مُدَّةٌ) يَعْنِي طَوِيلَةً كَشَهْرٍ لَا مَا دُونَهُ وَاسْتَثْنَى فِي التَّبْيِينِ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ الْمَفْرُوضَةَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرٍ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ زَمِنًا، أَوْ أَعْمَى، أَوْ أَمَةً لَا يُؤْجَرُ مِثْلُهَا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ اهـ. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأُنُوثَةَ هُنَا لَيْسَتْ أَمَارَةَ الْعَجْزِ بِخِلَافِهَا فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ

الْعَبْدَ (لَا يُجِيبُهُ) أَيْ الْقَاضِي وَلَا يَقْبَلُ كَلَامَهُ (إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَضِيعَ فَيَبِيعَهُ الْقَاضِي) لَا الْغَاصِبُ (وَيُمْسِكَ ثَمَنَهُ) لِمَالِكِهِ. (أَوْدَعَ) شَخْصٌ (عَبْدًا) عِنْدَ زَيْدٍ فَغَابَ الشَّخْصُ الْمُودِعُ (فَطَلَبَ) زَيْدٌ (الْمُودَعُ مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ فَالْقَاضِي لَا يَأْمُرُ بِهَا) لِتَضَرُّرِ الْمَوْلَى بِهِ لِاحْتِمَالِ اسْتِيعَابِ قِيمَتِهِ بِالنَّفَقَةِ (بَلْ يُؤْجِرُهُ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَجْرِهِ (أَوْ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفُ لِنَفَقَةِ الْبَهَائِمِ وَهِيَ لَازِمَةٌ دِيَانَةً عَلَى مَالِكِهَا وَيَكُونُ آثِمًا مُعَاقَبًا فِي جَهَنَّمَ بِحَبْسِهَا عَنْ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا عِنْدَنَا وَقِيلَ يُوجِبُهَا أَبُو يُوسُفَ كَمَا تَجِبُ فِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ، وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ وَمَنْ وَافَقَهُ،. وَفِي التَّبْيِينِ: فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

[كتاب العتاق]

(كِتَابُ الْعَتَاقِ) الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ لُغَةً: الْقُوَّةُ مُطْلَقًا. وَشَرْعًا: قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْأَغْيَارِ عَنْهُ (وَالْإِعْتَاقُ) لُغَةً: إثْبَاتُ الْقُوَّةِ مُطْلَقًا، وَشَرْعًا: (إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْمُعْتَقُ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَغْيَارِ وَعَلَى دَفْعِ تَصَرُّفِ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ لَا مُطْلَقًا بَلْ (بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ) الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ كَالْقُوَّةِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْبَدَنِ بِزَوَالِ ضَعْفٍ حَقِيقِيٍّ وَهُوَ الْمَرَضُ (وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مَلَّكَهُ وَحَاصِلُهُ: جَعْلُهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَيَخْرُجُ بِهِ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ إذْ فِيهِمَا جَعْلُ مَمْلُوكِهِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَصِحُّ) أَيْ الْإِعْتَاقُ (مِنْ حُرٍّ) لِيَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مُلِّكَ وَلَا عِتْقَ إلَّا فِي الْمِلْكِ (مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ: أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لِإِسْنَادِهِ التَّصَرُّفَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَيْ الْإِعْتَاقَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلضَّارِّ الْمَحْضِ بِخِلَافِ النَّافِعِ الْمَحْضِ وَالْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَكُونُ أَهْلًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَلِلثَّانِي بَعْدَهُ (فِي مِلْكِهِ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَصِحُّ وَإِنَّمَا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» (وَلَوْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ) أَيْ وَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ وَلَوْ كَانَ بِإِضَافَتِهِ إلَى الْمِلْكِ كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ: إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ يُعْتَقُ إذَا مَلَكَهُ وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ (بِصَرِيحِهِ) أَيْ بِصَرِيحِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَضْعًا وَشَرْعًا مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ (بِلَا نِيَّةٍ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ إذَا اشْتَبَهَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ وَإِذْ لَا اشْتِبَاهَ فَلَا نِيَّةَ وَذَلِكَ (كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ آكَدُ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ، ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْعَتَاق] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (كِتَابُ الْعَتَاقِ) (قَوْلُهُ، وَالْإِعْتَاقُ شَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْمُفْضِي إلَى حُصُولِ الْعِتْقِ، فَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَشَرْحِ الْعَيْنِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِيمَا يَأْتِي فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ (قَوْلُهُ: لَا مُطْلَقًا) تَعَلُّقُهُ بِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ خُرُوجُ فَرْدٍ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحُرُّ فَلَا يُتَّجَهُ نَفْيُ الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلُهُ: بَلْ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لَا وَجْهَ لِلْإِضْرَابِ عَلَى مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الْحُكْمِيَّ إنَّمَا هُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي عِتْقِ الْبَعْضِ بِقَوْلِهِ وَإِثْبَاتُهَا أَيْ الْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ. (قَوْلُهُ: وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ) ذَكَرَهُ شَرْحًا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مَلَّكَهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهُ) أَيْ يَلْزَمُ إزَالَةَ الْمِلْكِ مُطْلَقًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَكُونُ أَهْلًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِذْنِ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ النَّافِعُ الْمَحْضُ كَالْهِبَةِ وَبِالثَّانِي الْمُتَرَدِّدُ كَالْبَيْعِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقْتُكَ) كَذَا أَعْتَقَك اللَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْعَتَاقُ عَلَيْك وَعِتْقُك عَلَيَّ وَلَوْ زَادَ وَاجِبٌ لَمْ يَعْتِقْ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ بِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا اهـ

وَبِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ بِالْحُرِّيَّةِ يَعْتِقُ فَإِذَا أَكَّدَهُ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَعْتِقَ (أَوْ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ) فَإِنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ أَحَدُ مَعَانِيه الْمُعْتَقُ وَفِي الْعَبْدِ لَا يَلِيقُ إلَّا هَذَا الْمَعْنَى فَيَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ (أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) فَإِنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَاجِبٌ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا بِتَقْدِيمِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ مِنْهُ هَذَا الْإِخْبَارُ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْكَذِبَ أَوْ حُرِّيَّتَهُ مِنْ الْعَمَلِ صَدَقَ دِيَانَةً لِلِاحْتِمَالِ لَا قَضَاءً، وَالنِّدَاءُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى فَإِذَا نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَانَ تَحْقِيقًا لِذَلِكَ الْوَصْفِ (إلَّا إذَا سَمَّاهُ بِهِ) أَيْ سَمَّى عَبْدَهُ بِالْحُرِّ أَوْ الْعَتِيقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا سَمَّاهُ بِهِ (إذَا نَادَى بِالْعَجَمِيَّةِ) وَقَالَ يَا آزَادَ وَقَدْ سَمَّاهُ بِالْحُرِّ (أَوْ عَكَسَ) بِأَنْ سَمَّاهُ بَازَادَ وَنَادَى بِيَا حُرُّ (عَتَقَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ (كَذَا رَأْسُك حُرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ) أَيْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ: فَرْجُك فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِمَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَا وَرَاءَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا. (وَبِقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ بِعْت مِنْك نَفْسَك عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) الْعَبْدُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ (وَلَمْ يَنْوِ) الْمَوْلَى الْإِعْتَاقَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ (وَلَوْ زَادَ بِكَذَا لَمْ يَعْتِقْ مَا لَمْ يَقْبَلْ) ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ (وَبِكِنَايَةٍ) عَطْفٌ عَلَى بِصَرِيحِهِ (إنْ نَوَى) إزَالَةَ الِاشْتِبَاهِ وَالِاحْتِمَالِ (كَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا رِقَّ أَوْ لَا سَبِيلَ وَخَرَجْتَ مِنْ مِلْكِي وَخَلَّيْتُ سَبِيلَك) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْتَمِلُهُ بِالْعِتْقِ وَإِذَا نَوَاهُ تَعَيَّنَ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ أَنَّى شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْيَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَكَقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ قَدْ أَطْلَقْتُك) بِنِيَّةِ الْإِعْتَاقِ تَعْتِقُ إذْ يُقَالُ أَطْلَقَهُ مِنْ السِّجْنِ إذَا خَلَّى سَبِيلَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ (لَا بِطَلْقَتِك وَأَنْتِ طَالِقٌ) لِمَا سَبَقَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ بِلَا عَكْسٍ فَإِنَّ إزَالَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ يَسْتَلْزِمُ إزَالَةَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بِلَا عَكْسٍ (وَلَا بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ نَوَى) لِهَذَا الْوَجْهِ (كَذَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ (يَا ابْنِي وَيَا ابْنُ) بِضَمِّ النُّونِ وَإِنْ نَوَى (وَيَا بِنْتِي وَيَا بُنَيَّةُ وَيَا أَخِي وَيَا سَيِّدِي وَيَا مَالِكِي) ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ كَمَا عَرَفْت لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى فَإِنْ نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَالْحُرِّيَّةِ كَانَ تَحْقِيقًا لِذَلِكَ الْوَصْفِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إنْشَاءَهُ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ لَا لِتَحْقِيقِ الْوَصْفِ لِتَعَذُّرِهِ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. (وَ) لَا (بِقَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك) وَإِنْ نَوَى؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ الْحُجَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] أَيْ بِحُجَّةٍ وَيَذْكُرُ وَيُرَادُ بِهِ الْيَدُ وَالِاسْتِيلَاءُ سُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَاسْتِيلَائِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك وَلَوْ نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ نَوَى فَكَذَا هَذَا. (وَ) لَا (بِقَوْلِهِ: أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ) ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ (بِخِلَافِ) مَا إذَا قَالَ: (هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ) لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ بَلْ مُلْحَقٌ بِهِ أَيْ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: أَمَّا النِّدَاءُ فَالتَّحْرِيرُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ وَضْعًا بَلْ اقْتِضَاءً (قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ كَأَنْتَ حُرٌّ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِيبَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَيَنْبَغِي قَطْعُهُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ وَلِأَنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ. (قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِهِ وَهَبْتُ لَك نَفْسَك أَوْ بِعْتُ) مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ (قَوْلُهُ: وَلَا بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ نَوَى) شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ، وَالزَّيْلَعِيُّ وَقَاضِي خَانْ حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَنَوَى الْعِتْقَ لَا تَعْتِقُ اهـ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ اهـ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ لَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ اهـ. وَفِيهَا قَالَ لَهَا أَمْرُ عِتْقِك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي الْعِتْقَ أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك أَوْ فِي الْعِتْقِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْعِتْقِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا يَا ابْنِي) قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ: هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: لَوْ قَالَ ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ إلَى آخِرِ مَا عَلَّلَ بِهِ هُنَا ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيَعْتِقُ (قَوْلُهُ: وَلَا بِقَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَإِنْ نَوَى) كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ: يَعْتِقُ إنْ نَوَاهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِتَعْيِينِ النِّيَّةِ نَفْيَ السُّلْطَانِ لِلْعِتْقِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ مِنْ الْكِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: وَأَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ وَإِنْ نَوَى عَتَقَ لِمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْبُرْهَانِ

الْأَصْغَرِ ثَابِتِ النَّسَبِ) فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِلَا نِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرِيَّةَ فِي الْأَوَّلِ وَثُبُوتَ النَّسَبِ فِي الثَّانِي يَمْنَعَانِ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْبُنُوَّةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ، وَيُرَادُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ اللَّازِمُ لِلْبُنُوَّةِ وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ. (وَأَمَّا غَيْرُ ثَابِتِهِ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ يَعْنِي مَجْهُولَ النَّسَبِ (فِي مَوْلِدِهِ) أَيْ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ مَجْهُولِ النَّسَبِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَمُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ بِدَلِيلِ الْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمَسْبِيَّةَ وَلَدُهَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْحَمْلِ الْخَارِجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مِنْ النِّكَاحِ لَا مِنْ السِّفَاحِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ الشَّخْصِ الْخَارِجِ مِنْهَا أَوْلَى فَالْجَلِيبُ إنَّمَا يَكُونُ مَجْهُولَ النَّسَبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ وَوَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ (فَيَعْتِقُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ جَلِيبًا) أَيْ مَجْلُوبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ (أَوْ مُتَوَلِّدًا) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَلِيبًا أَوْ مُتَوَلِّدًا؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَحَاجَةِ الْمَمْلُوكِ إلَى النَّسَبِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: قَوْلُهُ جَلِيبًا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ جَلِيبًا غَيْرَ ثَابِتِ النَّسَبِ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ فِي مَوْلِدِهِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَلِهَذَا قُلْت هَاهُنَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي مَوْلِدِهِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا بِنْتِي أَوْ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ ابْنِي قِيلَ هُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى (كَذَا) أَيْ كَمَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي عَلَى الْخِلَافِ يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ (هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي) بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كَمَا ذُكِرَ (لَا هَذَا أَخِي) حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي إذَا وُجِدَتْ الْأُبُوَّةُ أَوْ الْأُمُومَةُ فِي الْمِلْكِ كَانَتَا مُوجِبَتَيْنِ لِلْعِتْقِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَتَكُونُ الْحُرِّيَّةُ لَازِمَةً لَهُمَا فَيَصِحُّ الْمَجَازُ بِلَا ذِكْرِ وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ وَهَذِهِ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ وَلَا مُوجِبَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْمِلْكِ بِدُونِ هَذِهِ الْوَاسِطَةِ فَإِذَا لَمْ تُذْكَرْ لَغَا الْكَلَامُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَجَازِ (إلَّا إذَا قَالَ مِنْ النَّسَبِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: إنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَخِ إنَّمَا كَانَ إذَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا أَخِي فَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُقَيَّدًا بِأَنْ قَالَ: هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي فَيَعْتِقُ بِلَا تَرَدُّدٍ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْأُخُوَّةِ مُشْتَرَكٌ، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وَالْمُشْتَرَكُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَأَمَّا إذَا قَيَّدَ بِمَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمُرَادُ، فَإِنْ قِيلَ الْبُنُوَّةُ أَيْضًا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي قُلْنَا مِثْلُ هَذَا الْمَجَازِ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ فَإِذَا امْتَنَعَتْ يُصَارُ إلَى مَجَازٍ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَاقَةٌ وَهُوَ هَذَا حُرٌّ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فَيَكُونُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ (كَذَا) أَيْ كَقَوْلِهِ هَذَا أَخِي (هَذَا جَدِّي) حَيْثُ لَا يَعْتِقُ (إلَّا إذَا قَالَ أَبُو أَبِي) فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُفِيدُ الْعِتْقَ إلَّا بِوَاسِطَةٍ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِهِ كَمَا سَبَقَ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ الْحَاصِلَ بِالْإِعْتَاقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ الْعِتْقِ الْحَاصِلِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَقَالَ (مَنْ مَلَكَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي عَتَقَ عَلَيْهِ (ذَا رَحِمٍ) الرَّحِمُ فِي الْأَصْلِ وِعَاءُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَسُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْوِلَادِ رَحِمًا وَمِنْهُ ذُو الرَّحِمِ (مَحْرَمٍ) الْمَحْرَمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ) الْخِلَافُ فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا لَا فِي الْأَصْغَرِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَعْتِقُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ أَوْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّغِيرِ وَأَمَّا الْكَبِيرُ إذَا ادَّعَى سَيِّدُهُ بُنُوَّتَهُ وَكَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لَهُ أَوْ أُبُوَّتَهُ أَوْ أُمُومَتَهُ وَكَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لَهُمَا وَلَا نَسَبَ لِلْمُقِرِّ مَعْرُوفٌ فَقِيلَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَدْ عَلِمْتَهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا بِنْتِي) ذَكَرَ فِي الْبُرْهَانِ اسْمَ الْإِشَارَةِ مُؤَنَّثًا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ) هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلْمُسَمَّى كَمَا لَوْ بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ كَانَ بَاطِلًا، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ فِي الْمَعْدُومِ إيجَابًا أَوْ إقْرَارًا فَيَلْغُو كَذَا فِي الْبُرْهَانِ إلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا إذَا قَالَ هَذِهِ بِنْتِي لِعَبْدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَكْسَهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ أَبُو أَبِي) يَنْبَغِي أَنْ لَا حَصْرَ فِي هَذَا إذْ أَبُ الْأُمِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ مِثْلُهُ. (قَوْلُهُ: ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ) يَعْنِي وَمَحْرَمِيَّتُهُ بِالْقَرَابَةِ لَا الرَّضَاعِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ ابْنَةَ عَمِّهِ وَهِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا لَا تَعْتِقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ

شَخْصَانِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى وَهُوَ صِفَةُ ذَا وَجَرَّهُ لِلْجِوَارِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» ، وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَكَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَلَدًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ، وَاللُّزُومُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ (وَلَوْ) وَصَلْيَةٌ كَانَ الْمَالِكُ (صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) حَتَّى يَعْتِقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ إذْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهُ النَّفَقَةَ (أَوْ أَعْتَقَ) عَطْفٌ عَلَى مَلَكَ (لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَعْتِقُ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَوَصْفُ الْقُرْبَةِ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ فَلَا يَخْتَلُّ الْعِتْقُ فِي الْأَخِيرَيْنِ بِعَدَمِهِ بَلْ يَكُونُ الْمُعْتِقُ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْكَفَرَةِ وَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ. (أَوْ) أَعْتَقَ (مُكْرَهًا أَوْ سَكْرَانَ) فَإِنَّ إعْتَاقَهُمَا صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الرِّضَا وَبِالْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي انْعِدَامِ الْحُكْمِ أَلَا يُرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ» ، وَالْهَازِلُ لَا يَرْضَى بِالْحُكْمِ. (أَوْ أَضَافَ) عَطْفٌ عَلَى أَعْتَقَ (عِتْقَهُ إلَى شَرْطٍ وَوُجِدَ) أَيْ الشَّرْطُ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ عَتِيقٌ فَدَخَلَ (عَتَقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ مَلَكَ، وَالْمَذْكُورُ بَعْدَهُ (كَعَبْدٍ حَرْبِيٍّ خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا) فَإِنَّهُ يَعْتِقُ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِين خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً. (وَالْحَمْلُ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ) تَبَعًا لَهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ، وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَمْلِ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِعْتَاقِ ثُمَّ قِيَامُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إنَّمَا يُعْرَفُ (إذَا) (وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا مَرَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا مُطْلَقًا فَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ بِأَنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ الْحَمْلُ وَلَا يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الْحَمْلِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِلْأَكْثَرِ يَعْتِقُ تَبَعًا لِأُمِّهِ لَكِنْ يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ كَمَا مَرَّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ لَا بِطَرِيقِ التَّبِيعَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَسَامُحًا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا مُخَالِفٌ لِعِبَارَةِ الْقَوْمِ حَيْثُ قَالُوا: إنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا وَأَيْضًا قَوْلُهُ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَيْدٌ، لِقَوْلِهِ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَمُتَمِّمٌ لَهُ، وَقَدْ فَصَلَهُ عَنْهُ بَلْ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا اعْلَمْ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَهِيَ حَامِلٌ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى لَا يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِك مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) قَيَّدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ مَلَكَ قَرِيبًا مَحْرَمًا حَرْبِيًّا بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ الذِّمِّيَّ أَوْ الْمُسْلِمَ بِدَارِ الْحَرْبِ عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ:، وَالْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَاتَبُ) يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ؛ لِأَنَّهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا لَهُ التَّكَسُّبُ خَاصَّةً وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ يَجِبُ مُوَاسَاتُهَا بِالتَّكَسُّبِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَكَذَا التَّكَاتُبُ اهـ. وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا يَتَكَاتَبُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَعْتَقَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: لَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ الْحَاصِلَ إلَخْ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارِيٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ مِمَّا لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهَا الِاعْتِرَاضُ. (قَوْلُهُ: أَوْ) مُكْرَهًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَكْرَانَ) يَعْنِي مِنْ مُحَرَّمٍ لَا مِمَّا طَرِيقُهُ مُبَاحٌ كَالْمُضْطَرِّ وَاَلَّذِي لَمْ يَقْصِدْ السُّكْرَ مِنْ مُثَلَّثٍ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ بِغَدَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ) هُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ سَهْوٌ. (قَوْلُهُ:، وَالْحَمْلُ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ تَبَعًا لَهَا. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: تَبَعًا لَهَا مَتْنًا لِيَتَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ: بَعْدَهُ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ يَكُونَ شَرْحًا فَإِنْ كَانَ مَتْنًا يُعَارِضُ تَقْيِيدُهُ التَّبَعِيَّةَ بِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَا سَيَذْكُرُهُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَكُونُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ شَرْحًا لَا يَصِحُّ الْمَتْنُ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْحَمْلُ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ إلَّا أَنْ تَلِدَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنَّهُ يَعْتِقُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ تَسَامُحًا) غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْحَقُّ مَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِمَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الْحَمْلِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِلْأَكْثَرِ يَعْتِقُ تَبَعًا اهـ. فَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ مَقْصُودًا فِيمَا إذَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فِي مَسْأَلَةِ جَرِّ الْوَلَاءِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ) هُوَ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ مِنْ ذِكْرِ الْأُمِّ مَكَانَ الْأَبِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) صَوَابُهُ كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَلْ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ

[باب عتق البعض]

فَإِنْ وَقَعَ الْعِتْقُ عَلَيْهِ قَصْدًا بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ وَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ أَبَدًا إلَى مَوَالِي أَبِيهِ، وَإِنْ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ تَبَعِيَّةِ أُمِّهِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِلْأَكْثَرِ يَعْتِقُ أَيْضًا لَكِنْ إذَا أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ فَقَدْ يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْوَلَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (بِلَا عَكْسٍ) يَعْنِي أَنَّ الْأُمَّ لَا تَعْتِقُ بِعِتْقِ الْحَمْلِ بَلْ يَعْتِقُ الْحَمْلُ فَقَطْ إذْ لَا وَجْهَ لِإِعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا تَبَعًا لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ (الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ) ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعْرِيفِ، وَالْأُمُّ لَا تَشْتَهِرُ. (وَ) يَتْبَعُ (الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ) حَتَّى إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مِلْكَ زَيْدٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا كَانَ الْوَلَدُ أَيْضًا مِلْكًا لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَانَ الْوَلَدُ كَذَلِكَ (وَالرِّقِّ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّقَّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَعْضِ عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ، وَالْمِلْكُ هُوَ تَمَكُّنُ الشَّخْصِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَهُوَ حَقُّهُ وَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ لَا الْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لَا الرِّقُّ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ لَا الرِّقُّ وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَتَبَيَّنَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الرِّقَّ وَالْمِلْكَ كَامِلَانِ فِي الرَّقِيقِ الْقِنِّ وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (وَالْعِتْقِ وَفُرُوعِهِ) كَالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ، وَالْكِتَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَتَرَجَّحَ جَانِبُهَا وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جَانِبِهَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثَهُ وَيَرِثَهَا وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَعُضْوٍ مِنْهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْتَقِلَ بِانْتِقَالِهَا وَيَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَالَدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَيَتْبَعُ) الْوَلَدُ (خَيْرَهُمَا فِي الدِّينِ) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَلَدِ (فَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ زَوْجِهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ تَابِعًا لِلْأُمِّ فِي الْمِلْكِ (وَلَوْ كَانَ) الْوَلَدُ (مِنْ سَيِّدِهَا فَحُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَاءُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَعَارَضَا فَرُجِّحَ جَانِبُهَا بِمَا ذَكَرْنَا، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِهِ لِعِلْمِهِ (وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ) الْمَغْرُورُ رَجُلٌ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَدًا فَظَهَرَ أَنَّ الْأُولَى مِلْكٌ لِغَيْرِ الْبَائِعِ، وَالثَّانِيَةَ أَمَةٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْوَلَدَيْنِ حُرًّا بِالْقِيمَةِ أَمَّا حُرِّيَّتُهُ فَلِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْحُرِّ وَلَمْ يَرْضَ الْوَالِدُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا رَضِيَ فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَتْبَعُهَا وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلِرِعَايَةِ جَانِبِ التَّبَعِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ (بَابُ عِتْقِ الْبَعْضِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بَلْ يَعْتِقُ الْحَمْلُ فَقَطْ) أَهْمَلَهُ عَنْ الْقَيْدِ وَهُوَ وَاجِبُ الذِّكْرِ إذْ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ الْوَلَدِ إلَّا أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ زَادَ عَنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ أَوْ جَاءَتْ بِتَوْأَمَيْنِ الْأَوَّلُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَالثَّانِي لِأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: وَرِقُ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ) قَالَ الْكَمَالُ: وَمَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فَكَيْفَ يَقْبَلُ النُّقْصَانَ يَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنُقْصَانِ الرِّقِّ نُقْصَانُ حَالِهِ لَا نُقْصَانُ ذَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْعِتْقِ وَفُرُوعِهِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ، وَالْحَمْلُ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَكَذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ وَلَعَلَّ إعَادَتَهُ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَفُرُوعِهِ (قَوْلُهُ: فَوَلَدُ الْأَمَةِ. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّعَ عَلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا فَيَقُولُ: فَوَلَدُ الْعَامِّيِّ مِنْ الشَّرِيفَةِ لَيْسَ بِشَرِيفٍ مَثَلًا. . . إلَخْ وَلَمْ يُفَرِّعْ لِقَوْلِهِ: وَالرِّقِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَوَلَدُ الْمَسْبِيَّةِ بِأَنْ سَبَاهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ) أَيْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ كَمَا سَيَأْتِي. [بَابُ عِتْقِ الْبَعْضِ]

أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ) خِلَافًا لَهُمَا وَلِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُونَ: يَعْتِقُ كُلُّهُ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَعْضِ هَلْ يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْ الْمَحَلِّ كُلِّهِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُ لَا يُوجِبُ بَلْ يَبْقَى الْمَحَلُّ رَقِيقًا وَلَكِنْ زَوَالُ الْمِلْكِ بِقَدْرِهِ وَعِنْدَهُمْ يُوجِبُهُ، لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ أَوْ تَجْزِيءُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَجَزَّأَ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ إعْتَاقُ الْكُلِّ أَوْ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ أَوْ يَثْبُتُ بَعْضُهُ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْأَخِيرِ يَلْزَمُ تَجْزِيءُ الْعِتْقِ فَصَارَ الْإِعْتَاقُ كَالطَّلَاقِ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَالِاسْتِيلَادِ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ، وَلَهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إمَّا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ إزَالَةُ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً لَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَلَا إزَالَةُ الرِّقِّ لِيَلْزَمَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ وَكُلُّ مَا هُوَ تَصَرُّفٌ لَا يَتَعَدَّى وِلَايَةَ الْمُتَصَرِّفِ وَوِلَايَةُ الْمُتَصَرِّفِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّ الْمَالِكِ وَوِلَايَتُهُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْمِلْكِ مُتَجَزِّئٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ وَهُوَ الْعِتْقُ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِيهِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ تَعَلَّقَ بِمُتَجَزِّئٍ وَهُوَ الْأَرْكَانُ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْجَوَابَ عَنْ دَلِيلِهِمْ إلَّا بِتَحْقِيقِ مَرَامِ الْإِمَامِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى الْإِمَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِأَنَّ الْعِتْقَ مُطَاوِعٌ لِلْإِعْتَاقِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَجْزِيءُ الْفِعْلِ وَعَدَمُ تَجْزِيءِ مُطَاوِعِهِ وَإِنْ أَرَدْت الْعُثُورَ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَرَامِ فَاسْتَمِعْ لِمَا أُلْقِيَ عَلَيْك مِنْ الْكَلَامِ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَبِيَدِهِ مَقَالِيدُ التَّحْقِيقِ: إنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا قَالُوا وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ إثْبَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مَقْدُورُ خَالِقِ الْقُوَى وَالْقَدَرِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَجَبَ أَنْ يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ، وَأَقْرَبُ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ إلَى الْحَقِيقَةِ هُنَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ بِأَنْ يَكُونَ الصَّادِرُ مِنْ الْعَبْدِ إزَالَةَ الْمِلْكِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَظِيرُهُ الْكَسْبُ وَالْخَلْقُ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْدُورُ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي إزَالَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِهَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ صُدُورَهُ عَنْ الْعَبْدِ مُحَالٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَيْهِ حَقِيقَةً فَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بَطَلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يُقَالَ إنْ أَرَدْتُمْ بِكَوْنِ الْعِتْقِ مُطَاوِعًا لِلْإِعْتَاقِ كَوْنَهُ كَذَلِكَ بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ سَلَّمْنَا لَكِنْ الْمُرَادُ هَاهُنَا لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا عَرَفْت بَلْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مُطَاوِعِ الْفِعْلِ عَنْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، كَمَا فِي كَسْرَته فَلَمْ يَنْكَسِرْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَرَدْت كَسْرَهُ فَلَمْ يَنْكَسِرْ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ كَوْنَهُ مُطَاوِعًا لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ هَاهُنَا فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إمَّا إزَالَةُ الْمِلْكِ أَوْ مَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ تَجْزِيءَ إزَالَةِ الْمِلْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِيءَ الْعِتْقِ بَلْ تَجْزِيءَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْبَعْضَ زَالَ بَعْضُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَبَقِيَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا عَقَّبَهَا بِالْمَسْأَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْدُورُ اللَّهِ تَعَالَى) يُوهِمُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ مُقَارَنَةِ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِنَا بِمُقَارَنَتِهَا لَهُ

الَّتِي تَلِيهَا، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ الْفَائِضِ عَلَيَّ مِنْ أَنْوَارِ التَّوْفِيقِ اضْمَحَلَّ مَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إنَّ أَكْثَرَ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَجَزِّئَ عِنْدَهُ الْإِعْتَاقُ لَا الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا كَانَ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا قَوْلٌ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إذْ يُوجَدُ الْإِعْتَاقُ فِي النِّصْفِ وَيَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الضَّمَانِ أَوْ السِّعَايَةِ وَإِنَّهُ قَوْلٌ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَهُوَ تَفْسِيرُ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ. وَمَا قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي الْهِدَايَةِ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْإِعْتَاقِ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فَيَظْهَرُ قُوَّةُ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَوَجْهُ الِاضْمِحْلَالِ يَظْهَرُ مِنْ التَّأَمُّلِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ إذَا تَجَزَّأَ الْإِعْتَاقُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْمِلْكِ احْتَبَسَ مَالِيَّةَ بَعْضِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ (وَسَعَى) لِمَوْلَاهُ (فِي) قِيمَةِ (الْبَاقِي) مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ (فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ وَلَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا لَا رَقَبَةً، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ (بِلَا رَدٍّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ) يَعْنِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ لَا يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ، وَالْقِصَاصِ حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَفِي الْقِنَّةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ. (أَعْتَقَ رَجُلٌ حِصَّتَهُ) مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهُمَا الْمُعْتِقَانِ (أَوْ تَضْمِينُهُ) أَيْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَضْمَنَهُ (لَوْ) كَانَ الْمُعْتِقُ (مُوسِرًا) بِأَنْ يَمْلِكَ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ فَقَطْ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، كَمَا فِي الْأَوَّلِ (وَيَرْجِعُ) الْمُعْتِقُ الضَّامِنُ (بِهِ) أَيْ بِمَا ضَمِنَ (عَلَى الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ (وَالْوَلَاءُ لَهُ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ (شَهِدَ كُلٌّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ) (سَعَى) الْعَبْدُ (لَهُمَا) مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا سَعَى لِلْمُعْسِرِ لَا الْمُوسِرِ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ: عِتْقُ نَصِيبِ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَعِتْقُ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا. (عَلَّقَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا) فَقَالَ: إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ (وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ) وَقَالَ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ حُرٌّ (فَمَضَى) الْغَدُ (وَجُهِلَ شَرْطُهُ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ دَخَلَ أَوْ لَا (عَتَقَ نِصْفُهُ وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) . وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سَعَى فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ، قَالَ الْكَمَالُ: حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ) يَعْنِي تَبَيَّنَ كَمَالُهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا كَمُلَ فِي الْقِنَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الِاسْتِيلَادِ فَصَارَ مُسْتَوْلِدًا جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَثَبَتَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ ضَرُورَةً. (قَوْلُهُ: فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ) أَيْ مُنَجَّزًا أَوْ مُضَافًا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ) وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِذَا امْتَنَعَ يُؤَجِّرُهُ جَبْرًا وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُضَمِّنُهُ) يَعْنِي إذَا أُعْتِقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: لَوْ مُوسِرًا) الْمُرَادُ بِهِ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغَنِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ يُحَكَّمُ الْحَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ، وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَمْلِكَ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ) يَعْنِي فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَلْبُوسِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسُكْنَاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ) كَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَفِيقِهِ بِإِعْتَاقِ نِصْفِهِ فَأَنْكَرَ يَسْعَى لَهُمَا (قَوْلُهُ: فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ: فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ (قَوْلُهُ: وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سَعَى فِي كُلِّهِ) هَذَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ وَلَهُمَا أَنَّ نِصْفَ السِّعَايَةِ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: إنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ هُوَ نَصِيبِي، وَالسَّاقِطَ نَصِيبُك فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا. (وَلَا عِتْقَ فِي عَبْدَيْنِ) أَيْ قَالَ رَجُلٌ: إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ غَدًا فَعَبْدِي كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي كَذَا فَمَضَى وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ دَخَلَ أَوْ لَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، وَالْمَقْضِيَّ لَهُ بِهِ مَجْهُولَانِ فَفَحُشَتْ الْجَهَالَةُ. (مَلَكَا) أَيْ رَجُلَانِ (وَلَدَ أَحَدِهِمَا) بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ (أَوْ اشْتَرَى) أَحَدُهُمَا (نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ مَوْلَاهُ) أَيْ مَوْلَى ابْنِهِ (أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ) أَيْ عِتْقَ عَبْدٍ (بِشِرَاءِ نِصْفِهِ) بِأَنْ قَالَ: زَيْدٌ لَعَبْدِ بَكْرٍ إنْ اشْتَرَيْتُ نِصْفَك فَنِصْفُك حُرٌّ (ثُمَّ اشْتَرَاهُ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدَ (هُوَ) أَيْ زَيْدٌ (وَرَجُلٌ آخَرُ) بِالِاشْتِرَاكِ (عَتَقَ حِصَّتُهُ) أَيْ حِصَّةُ الْأَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصَ قَرِيبِهِ وَشِرَاؤُهُ إعْتَاقٌ كَمَا مَرَّ وَحِصَّةُ الْحَالِفِ فِي الثَّالِثَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَمْ يَضْمَنْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي (عَلِمَ) الشَّرِيكُ (أَوْ لَا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَا (كَمَا لَوْ وَرِثَاهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْأَبُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا لَا يَضْمَنُ الْأَبُ إذَا وَرِثَ هُوَ وَشَرِيكُهُ ابْنَهُ، صُورَتُهُ امْرَأَةٌ مَاتَتْ وَلَهَا عَبْدٌ هُوَ ابْنُ زَوْجِهَا فَتَرَكَتْ الزَّوْجَ وَالْأَخَ فَوَرِثَ الْأَبُ نِصْفَ ابْنِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ أَخِيهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ ضَرُورِيٌّ لَا اخْتِيَارَ لِلْأَبِ فِي ثُبُوتِهِ (فَالْآخَرُ أَعْتَقَهُ أَوْ اسْتَسْعَى) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ وِلَايَةُ التَّضْمِينِ بَقِيَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ وَقَالَا فِي غَيْرِ الْإِرْثِ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ غَنِيًّا وَسَعَى لَهُ فَقِيرًا؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِبُ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا أَذِنَ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ حَيْثُ شَارَكَهُ فِي عِلَّةِ الْعِتْقِ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَإِنْ جُهِلَ فَالْجَهْلُ لَا يَكُونُ عُذْرًا (وَإِنْ اشْتَرَى) أَيْ أَجْنَبِيٌّ (نِصْفَهُ ثُمَّ) اشْتَرَى (الْأَبُ مُوسِرًا بَاقِيَهُ ضَمَّنَهُ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ الْأَبَ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ (أَوْ اسْتَسْعَى) الِابْنَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ وَقَالَا لَا خِيَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا (وَإِنْ اشْتَرَاهُ) أَيْ النِّصْفَ (الْأَبُ مُوسِرًا مِنْ مَالِكِ كُلِّهِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْأَبُ (لَهُ) أَيْ لِمَالِكِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ بِبَيْعِهِ مِنْ الْأَبِ. (دَبَّرَهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَأَعْتَقَهُ آخَرُ وَهُمَا مُوسِرَانِ ضَمَّنَ السَّاكِتُ مُدَبِّرَهُ فَقَطْ) لَا الْمُعْتِقَ (وَضَمَّنَ الْمُدَبِّرُ مُعْتِقَهُ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا لَا مَا ضَمِنَهُ) إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُمَا مُوسِرَانِ وَالثَّالِثُ سَاكِتٌ فَأَرَادَ السَّاكِتُ وَالْمُدَبِّرُ الضَّمَانَ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ دُونَ الْمُعْتِقِ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضُمِّنَ. تَوْضِيحُهُ: أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا مَثَلًا فَإِنَّ السَّاكِتَ يُضَمِّنُ الْمُدَبِّرَ تِسْعَةً، وَالْمُدَبِّرُ يُضَمِّنُ الْمُعْتِقَ سِتَّةً، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ لِمَا سَيَأْتِي فَبِالتَّدْبِيرِ تَلِفَتْ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَكَانَ الْإِتْلَافُ بِالْإِعْتَاقِ وَاقِعًا عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثُهَا سِتَّةٌ، فَيُضَمِّنُ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ تِلْكَ السِّتَّةَ فَقَطْ وَلَا يُضَمِّنُهُ التِّسْعَةَ الَّتِي هِيَ نَصِيبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: مَلَكَا وَلَدَ أَحَدِهِمَا) كَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: عَلِمَ الشَّرِيكُ أَوْ لَا) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ تَضْمِينَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّرِيكُ أَنَّهُ ابْنُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّضَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى سَبَبِهِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبْطَلٌ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَاهُ الْأَبُ مِنْ مَالِك كُلِّهِ) مُكَرَّرٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ مَوْلَاهُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَاهُ مِنْهُ مُوسِرًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِلْآخَرِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَأَعْتَقَهُ آخَرُ) يَعْنِي بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ السَّاكِتُ مُدَبَّرَهُ) قَالَ الْكَمَالُ: وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ شَاءَ (قَوْلُهُ: وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ) قَالَ الْكَمَالُ:؛ لِأَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ، وَالسِّعَايَةِ، وَالْبَدَلِ وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَأَبَتْ الْمَنْفَعَةَ الْمَذْكُورَةَ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذُكِرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ وَهَذَا حَسَنٌ عِنْدِي، وَقِيلَ: قِيمَتُهُ قِنًّا وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ، وَقِيلَ: نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا وَقِيلَ تُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ حَزْرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ اهـ

السَّاكِتِ مَعَ تِلْكَ السِّتَّةِ الَّتِي يُضَمِّنُهُ إيَّاهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا الْعَبْدُ لِلْمُدَبِّرِ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ، وَالْعِسَارِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ. (قَالَ هِيَ أُمُّ وَلَدِ شَرِيكِي وَأَنْكَرَ) شَرِيكُهُ (تَخْدُمُهُ) أَيْ تَخْدُمُ الْجَارِيَةُ الشَّرِيكَ الْمُنْكِرَ (يَوْمًا وَتُوقَفُ يَوْمًا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهَا فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا كَمَا كَانَتْ فَلَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي نِصْفِهَا، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَتَعْتِقُ بِالسِّعَايَةِ (لَا قِيمَةً لِأُمِّ وَلَدٍ) وَقَالَا لَهَا الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحْرَزَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا فَتَكُونُ مُقَوَّمَةً كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي هَذَا تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَاسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ دَلِيلُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ دَلِيلُ بَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ إذْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي الْآدَمِيِّ لَيْسَتْ غَيْرَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ، وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ كَالْمُدَبَّرِ وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَمُقْتَضَى الْحُرِّيَّةِ زَوَالُ التَّقَوُّمِ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ لِمُعَارِضٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ (فَلَا يَضْمَنُ غَنِيٌّ أَعْتَقَهَا) أَيْ أُمَّ وَلَدِهِ حَالَ كَوْنِهَا (مُشْتَرَكَةً) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِأَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَقَوُّمِهَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى تَقَوُّمِهَا. (رَجُلٌ لَهُ أَعْبُدٌ) ثَلَاثَةٌ (قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِاثْنَيْنِ عِنْدَهُ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (وَدَخَلَ آخَرُ فَأَعَادَهُ) هَذَا الْكَلَامَ فَإِنْ كَانَ حَيًّا أُمِرَ بِالْبَيَانِ (وَإِنْ مَاتَ مُجْهِلًا عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ وَنِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رُبْعُ مَنْ دَخَلَ وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا فَالنِّصْفُ الَّذِي أَصَابَ الثَّابِتَ شَاعَ فِيهِ وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الَّذِي عَتَقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَغَا وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الْفَارِغَ وَهُوَ الرُّبْعُ بَقِيَ فَيَعْتِقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ رُبْعُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِيجَابَ لَمَّا أَوْجَبَ عِتْقَ الرُّبْعِ مِنْ الثَّابِتِ أَوْجَبَهُ مِنْ الدَّاخِلِ أَيْضًا لِتَنَصُّفِهِ بَيْنَهُمَا، وَهُمَا يَقُولَانِ: الْمَانِعُ مِنْ عِتْقِ النِّصْفِ يَخْتَصُّ بِالثَّابِتِ وَلَا مَانِعَ فِي الدَّاخِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَا الْعَبْدُ لِلْمُدَبِّرِ) مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَجْزِيءِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُمَا. (قَوْلُهُ: فَتَعْتِقُ بِالسِّعَايَةِ) لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِنَفَقَتِهَا وَكَسْبِهَا وَجِنَايَتِهَا وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا احْتِبَاسَ وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهَا تَسْتَعِينُ بِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَهَا الْقِيمَةُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجَوَابَ عَنْ وَجْهِ قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي. (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ حَيًّا أُمِرَ بِالْبَيَانِ) كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ حُكْمِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ: وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَيْ بَيَّنَهُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَبَطَلَ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَإِنْ بَيَّنَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ الْخَارِجُ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي، وَيُعْمَلُ بِبَيَانِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي، فَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَأَيُّهُمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِيَ الثَّابِتَ عَتَقَ وَتَعَيَّنَ عِتْقُ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا يَبْطُلْ، فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنْ يُبَيِّنَ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ، ثَانِيهَا: أَنْ يَمُوتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ أَيْضًا فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ لِلْعِتْقِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ أُمِرَ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي، ثَالِثُهَا: أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ اهـ. فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا مِنْ عَدَمِ تَجْزِيءِ الْإِعْتَاقِ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ تَجَزِّيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ، وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مِنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الَّذِي عَتَقَ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَمَا أَصَابَ بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ.

فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ (وَلَوْ) كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ (فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ) قَبْلَ الْبَيَانِ وَقِيَمُ الْعَبِيدِ مُتَسَاوِيَةٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُخْرِجُ قَدَرَ الْمُعْتَقِ مِنْ الثُّلُثِ وَذَلِكَ رَقَبَةٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ رَقَبَةٍ عِنْدَهُمَا وَرَقَبَةٌ وَنِصْفُ رَقَبَةٍ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُخْرِجْ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْجَوَابُ كَمَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبِيدِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (قُسِّمَ الثُّلُثُ) بَيْنَهُمْ (عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَبَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ الْخَارِجِ فِي النِّصْفِ، وَحَقَّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَحَقَّ الدَّاخِلِ عِنْدَهُمَا فِي النِّصْفِ أَيْضًا فَيَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ لَهُ نِصْفٌ وَرُبْعٌ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَتُعَوَّلُ إلَى سَبْعَةٍ فَحَقُّ الْخَارِجِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةٍ وَحَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمَيْنِ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً فَيُجْعَلُ ثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةً؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ وَإِذَا صَارَ ثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةً صَارَ ثُلُثَا الْمَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ سِهَامُ السِّعَايَةِ وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَمَالُهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ سَبْعَةً فَيَعْتِقُ مِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ سَهْمَانِ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَ سِهَامُ الْوَصَايَا سَبْعَةً وَسِهَامُ السِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمٍ وَكَانَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ عِنْدَهُ سِتَّةً وَيُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةً، وَسِهَامُ السِّعَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَمِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ أَرْبَابَ الْفَرَائِضِ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ لَا تُعَوَّلُ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَتُعَوَّلُ إلَى سَبْعَةٍ وَدَفْعُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرَ شُرَّاحُ كَلَامِهِمْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ اجْتِمَاعُ نِصْفَيْنِ وَرُبْعٍ وَهَذَا لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْعَوْلِ فِيهَا فِيمَا سِوَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ (وَلَوْ طَلَّقَ كَذَلِكَ قَبْلَ وَطْءٍ سَقَطَ رُبْعُ مَهْرِ مَنْ خَرَجَتْ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَنْ ثَبَتَتْ وَثُمُنُ مَنْ دَخَلَتْ) يَعْنِي إنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ مَهْرُهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ فَطَلَّقَهُنَّ قَبْلَ الْوَطْءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَبِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ سَقَطَ نِصْفُ مَهْرِ الْوَاحِدَةِ مُنَصَّفًا بَيْنَ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ فَسَقَطَ رُبْعُ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُمَّ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي سَقَطَ الرُّبْعُ مُنَصَّفًا بَيْنَ الثَّابِتَةِ وَالدَّاخِلَةِ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ الثَّمَنُ فَسَقَطَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرِ الثَّابِتَةِ بِالْإِيجَابَيْنِ وَسَقَطَ ثَمَنُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ لِيَكُونَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ فَمَا أَصَابَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ لَا يَبْقَى مَحِلًّا لِلْإِيجَابِ الثَّانِي فَيَصِيرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْعِتْقِ. (الْوَطْءُ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ مَاتَتْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ هِيَ الْأُخْرَى أَمَّا الْوَطْءُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ وُضِعَ لِحِلِّ الْوَطْءِ، وَالطَّلَاقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ أَيْ لِإِزَالَةِ حِلِّ الْوَطْءِ إمَّا فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْوَطْءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ لَمْ تَكُنْ مُرَادَةً بِالطَّلَاقِ، وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلِمَا عُرِفَ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ (كَبَيْعٍ وَمَوْتٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مُسَلَّمَتَيْنِ فِي عِتْقٍ مُبْهَمٍ) أَيْ إذَا قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقِيَمُ الْعَبِيدِ مُتَسَاوِيَةٌ) لَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ لَازِمًا حُكْمًا (قَوْلُهُ: قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَاصِلَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَخْتَلِفُ اهـ. يَعْنِي بِحَسَبِ جَعْلِ سِهَامِ الْعِتْقِ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، (قَوْلُهُ: لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ اجْتِمَاعُ نِصْفَيْنِ) فِي إلْحَاقٍ قَطُّ لِلْمَنْفِيِّ بِلَا تَسَامُحٍ (قَوْلُهُ: وَثَمَنُ مَنْ دَخَلَتْ) هَذِهِ حُجَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا فَأَلْزَمَهُمَا الْمُنَاقَضَةَ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا، وَالْكَلَامُ عَلَى تَفَارِيعِهَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: مَهْرُهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ) الْكَلَامُ عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبِيدِ فِيمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ:، وَالْوَطْءُ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى لِحِلِّ وَطْءِ الْمُعَلَّقَةِ رَجْعِيًّا، ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ عَنْ قُنْيَةِ الْمُنْيَةِ اهـ. إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ إشْكَالٍ لِمَا قَالُوا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَفْعَلُ خِلَافَ السُّنَّةِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَطَأَ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا قَبْلَ رَجْعَتِهَا بِالْقَوْلِ فَمَا وَجْهُ حَمْلِهِ هَهُنَا عَلَى هَذَا مَعَ حَمْلِهِمْ إيَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى عَدَمِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ. (تَنْبِيهٌ) : لَا يَثْبُتُ الْبَيَانُ فِي الطَّلَاقِ بِالْمُقَدِّمَاتِ كَمَا فِي الزِّيَادَاتِ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَثْبُتُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: كَبَيْعٍ) شَامِلٌ لِمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَلِلْفَاسِدِ بِدُونِ قَبْضٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَالْإِيصَاءُ، وَالْإِجَارَةُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَتَدْبِيرٍ) كَذَا الْكِتَابَةُ، وَالتَّحْرِيرُ بَيَانٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّحْرِيرُ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُنَجَّزِ مَا لَا نِيَّةَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الَّذِي لَزِمَنِي بِقَوْلِي: أَحَدُكُمَا حُرٌّ صُدِّقَ قَضَاءً، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: أَعْتَقْتُك عَلَى اخْتِيَارِ الْعِتْقِ أَيْ اخْتَرْت عِتْقَك كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مُسَلَّمَتَيْنِ) هَذَا الْقَيْدُ اتِّفَاقِيٌّ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْكَافِي: ذِكْرُ التَّسْلِيمِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا يَعْنِي لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ. وَقَالَ الْكَمَالُ: قَالُوا ذِكْرُ الْإِقْبَاضِ تَوْكِيدٌ لَا لِلشَّرْطِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ تَصَرُّفٍ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ

لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَوْ وَهَبَ أَحَدَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْآخَرُ فَإِنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ، وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، وَالْهِبَةُ بِالتَّسْلِيمِ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ (لَا وَطْءَ فِيهِ) أَيْ لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا فِي عِتْقٍ مُبْهَمٍ يَعْنِي لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بَيَانٌ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمَا وَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ إذَا جُنِيَ عَلَيْهِمَا، وَالْمَهْرُ إذَا وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَهُ. (وَبِالْأَوَّلِ وَلَدٌ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ أَوَّلُ وَلَدٍ (تَلِدِينَهُ لَوْ) كَانَ (ابْنًا) إشَارَةٌ بِزِيَادَةِ لَوْ فِي الْعِبَارَةِ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَا تَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا (فَأَنْتِ حُرَّةٌ إنْ وَلَدْت ابْنًا وَبِنْتًا وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَ) نِصْفُ (الْبِنْتِ، وَالِابْنُ عَبْدٌ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ يَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، الْأُمُّ بِالشَّرْطِ وَالْبِنْتُ بِتَبَعِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا حُرَّةً حِينَ وَلَدَتْهَا، وَتُرَقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْبِنْتَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ وَأَمَّا الِابْنُ فَيُرَقُّ فِي الْحَالَيْنِ. (شَهِدَا) أَيْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى زَيْدٍ (بِعِتْقِ أَحَدِ مَمْلُوكَيْهِ) عَبْدَيْنِ كَانَا أَوْ أَمَتَيْنِ (لَغَتْ الشَّهَادَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَلَا دَعْوَى مِنْهُ هَاهُنَا لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى فَلَا تَلْغُو. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي حَقِّ الْأَمَةِ لَكِنْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ مَرْدُودَةٌ، كَمَا فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ) شَهَادَتُهُمَا (فِي وَصِيَّةٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ) أَيْ وَلَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُلْتَزَمِ بِقَوْلِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقٌ كَامِلٌ بِالْبَيَانِ، وَبِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لَمْ يَبْقَ عِتْقُهُ عِتْقًا كَامِلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لَا وَطْءَ فِيهِ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عُلُوقٌ أَمَّا لَوْ عَلِقَتْ عَتَقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا بَيَانٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عُلُوقٌ وَبِهِ يُفْتَى، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: أَشَارَ بِزِيَادَةِ لَوْ فِي الْعِبَارَةِ. . . . إلَخْ) قِيلَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جُمْلَةَ تَلِدِينَهُ ابْنًا وَقَعَتْ صِفَةً لِوَلَدٍ فَيَنْحَلُّ الْكَلَامُ إلَى قَوْلِك: أَوَّلُ وَلَدٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَانْظُرْ هَلْ لِقَوْلِك فَأَنْتِ حُرَّةٌ ارْتِبَاطٌ بِمَا قَبْلَهُ بِوَجْهٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُدِّرَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ كَإِنْ وَلَوْ فَقُلْت أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ إنْ ابْنًا لَوْ ابْنًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ يَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الْجَزَائِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِك: أَوَّلُ وَلَدٍ مَوْصُوفٍ بِالْوِلَادَةِ إنْ كَانَ ابْنًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ وَجْهُ الْفَسَادِ إنْ كَانَ عَدَمُ وُجُودِ الرَّابِطِ فِي جُمْلَةِ الْخَبَرِ فَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ تَقْدِيرُهُ كَعِنْدِ وِلَادَتِهِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ فَقَدْ يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَى قِلَّةٍ وَقَائِلَةُ خَوْلَانَ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِجُمْلَةٍ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحِلِّهِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ لِي اهـ. قَالَهُ فَاضِلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي حُكْمِهِ بِالسُّقُوطِ بِمَا ذَكَرَهُ تَأَمُّلٌ. (قَوْلُهُ: عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْأُنْثَى) هَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمَوْلُودِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ ثَانِيهَا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْغُلَامِ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ، وَالْبِنْتُ دُونَهُ، ثَالِثُهَا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْبِنْتِ فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ، رَابِعُهَا أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَوَّلِيَّةَ الْغُلَامِ وَالْبِنْتُ صَغِيرَةٌ وَيُنْكِرَ الْمَوْلَى فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا، خَامِسُهَا: أَنْ تُقِيمَ الْأَمُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَوَّلِيَّتِهِ فَتَعْتِقَا، سَادِسُهَا: أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْكُلَ عَلَى الْيَمِينِ فَتَعْتِقَا، سَابِعُهَا: أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَوَّلِيَّةَ الْغُلَامِ وَالْبِنْتُ كَبِيرَةٌ وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا، وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ خَاصَّةً، ثَامِنُهَا: أَنْ تُقِيمَ الْأُمُّ بَيِّنَةً وَالْبِنْتُ سَاكِتَةٌ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ دُونَهَا، تَاسِعُهَا: أَنْ تَدَّعِيَا أَوَّلِيَّتَهُ وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقَا. عَاشِرُهَا: أَنْ يُقِيمَا بَيِّنَةً بِأَوَّلِيَّةٍ فَتَعْتِقَا، حَادِيَ عَشَرَهَا أَنْ تُقِيمَ الْبِنْتُ بَيِّنَةً بِأَوَّلِيَّتِهِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ فَتَعْتِقُ دُونَهَا ثَانِيَ، عَشَرَهَا أَنْ تَدَّعِيَ كَذَلِكَ وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقُ دُونَ أُمِّهَا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ الْبُرْهَانِ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ) كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدَةٍ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ وَحَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ الْجَوَابَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَيْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى زَيْدٍ بِعِتْقِ أَحَدِ مَمْلُوكَيْهِ لَغَتْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ تُقْبَلُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلشُّيُوعِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ نَصَّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَلَا وَجْهَ لِمَا جَعَلَهُ شَارِحُ الْهِدَايَةِ وَجْهًا لِقَبُولِهَا حَالَ الْحَيَاةِ، وَقَدْ بَيَّنْته بِرِسَالَةٍ مُهِمَّةٍ.

[باب الحلف بالعتق]

حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ، وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَقُولُ مُرَادُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ تَلْغُوَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الْمُدَّعِي لَكِنَّهَا تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُدَّعِي تَقْرِيرًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ تَحْقِيقًا؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا وَعَنْهُ خَلَفٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمُخَاصَمَاتِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ تَحْقِيقًا فَكَأَنَّ الْمُوصِيَ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا حَقَّهُ وَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فَيَكُونُ الْمُوصِي مُدَّعِيًا مِنْ وَجْهٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْ آخَرَ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا الْحَلِّ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ فِيهِ مَا إذَا أَنْكَرَ الْمَوْلَى تَدْبِيرَ أَحَدِ عَبْدَيْهِ أَوْ الْوَارِثُ يُنْكِرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَالْعَبْدَانِ يُرِيدَانِ إثْبَاتَهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الْمُوصِي أَوْ نَائِبُهُ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مَا ذُكِرَ بَلْ إنْكَارُ الْمَوْلَى تَدْبِيرَ أَحَدِ عَبْدَيْهِ وَإِرَادَةُ الْعَبْدَيْنِ إثْبَاتَهُ لَيْسَ إلَّا فِيمَا إذَا شَهِدَا فِي صِحَّةِ الْمَوْلَى عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ كَيْفَ لَا، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَقَالَ بَعْدَهُ: أَمَّا إذَا أَشْهَدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ. . . إلَخْ وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: إنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الْمُوصِي أَوْ نَائِبُهُ بَلْ جَعَلَ الْمُوصِيَ مُدَّعِيًا وَنَائِبَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ التَّدْبِيرِ وَصِيَّةً كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَدَّعِي، وَالْعَبْدُ الَّذِي وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ مَجْهُولٌ وَأَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَالْخَصْمُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّهِ وَنَفْعُهُ يَعُودُ إلَيْهِ وَإِنْكَارُهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَصِيِّهِ أَوْ وَارِثِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ إنْكَارَ الْمَوْلَى لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ فِيمَا إذَا شَهِدَا فِي صِحَّةِ الْمَوْلَى كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَحَقُّقَ الدَّعْوَى مِنْ الْوَارِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْتَقَ مُوَرِّثِي أَحَدَ عَبْدَيْهِ كَانَ إقْرَارًا لَا دَعْوَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الشَّاهِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى إجْمَاعًا (بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ) (قَالَ: إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ حُرٌّ) أَيْ يَوْمَ أَدْخُلُهَا (عَتَقَ مَنْ لَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ أَوْ كَانَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ اهـ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ لَا أَنَّهُ يُنْشِئُ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُنَّ. [بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ] الْحَلِفُ: بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ، وَلَهُ مَصْدَرٌ آخَرُ أَعْنِي حَلْفًا بِالْإِسْكَانِ، يُقَالُ: حَلِفًا وَحَلْفًا، وَتَدْخُلُهُ التَّاءُ لِلْمَرَّةِ، كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ أَلَمْ تَرَنِي عَاهَدْت رَبِّي وَإِنَّنِي ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِمًا وَمَقَامِ عَلَى حَلْفَةٍ لَا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا ... وَلَا خَارِجًا مِنْ فِي زُورُ كَلَامِ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَلِفِ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: قَالَ إنْ دَخَلْتُ) الْمُرَادُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّنْجِيزِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ قَالَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ مَا سَأَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ عَبْدًا فَهُوَ قِنٌّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لَيْسَ أَهْلًا لِتَعْلِيقِهِ، وَحَكَمَا بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: فِي بَابِ التَّدْبِيرِ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا أُعْتِقْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَلَكَهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَعْتِقُ اهـ. فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ حُرٌّ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى لَفْظَةِ فَهُوَ (قَوْلُهُ: وَقْتَ الدُّخُولِ) عَدَلَ إلَى لَفْظَةِ وَقْتَ عَنْ لَفْظَةِ يَوْمَ لِيُفِيدَ أَنَّ لَفْظَ الْيَوْمِ مُرَادٌ بِهِ الْوَقْتَ حَتَّى لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْمِلْكِ

مِلْكِهِ فِي مَمْلُوكٍ يَوْمَ حَلِفِهِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِيهِمَا (وَبِلَا يَوْمَئِذٍ مَنْ لَهُ يَوْمَ حَلِفِهِ فَقَطْ) أَيْ إنْ لَمْ يَقُلْ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ بَلْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِلْحَالِ، وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ بِدُخُولِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الدُّخُولُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ نَحْوَ إنْ مَلَكْتُ أَوْ سَبَبِهِ نَحْوَ: إنْ اشْتَرَيْتُ (كَذَا) أَيْ إذَا قَالَ (كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ) قَالَ كُلُّ (مَا أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ) وَلَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ (أَوْ) قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ (بَعْدَ مَوْتِي) وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ حَيْثُ (يَتَنَاوَلُ) الْعِتْقُ، وَالتَّدْبِيرُ (مَنْ مَلَكَهُ مُذْ حَلَفَ فَقَطْ) وَلَا يَتَنَاوَلَانِ مَنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ وَكَذَا كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ بِلَا قَرِينَةٍ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُهُ إلَى الْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ أَوْ تَدْبِيرَهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ (لَكِنْ بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى (عَتَقَا) أَيْ مَنْ مَلَكَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَعْتِقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ كَمَا مَرَّ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ، وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَالَ الْمَوْتِ أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسْتَحْدَثَ غَيْرَهُ يَتَنَاوَلهُمَا إذَا بَقِيَا فِي مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ (الْمَمْلُوكُ) أَيْ لَفْظُ الْمَمْلُوكِ (لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ) ؛ لِأَنَّ مُتَنَاوَلَهُ الْمَمْلُوكُ الْمُطْلَقُ، وَالْحَمْلُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ لَا الْأَعْضَاءَ (فَلَا يَعْتِقُ حَمْلُ جَارِيَةِ مَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ) قَيَّدَ بِالذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ عَتَقَتْ الْأُمُّ فَيَعْتِقُ الْحَمْلُ تَبَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَذَا) أَيْ يَعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ دُونَ مَا سَيَمْلِكُهُ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً يُقَالُ أَنَا أَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا وَيُرَادُ بِهِ الْحَالُ وَلِذَا اُسْتُعْمِلَ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيَكُونُ مُطْلَقُهُ لِلْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْعِتْقُ) أَيْ فِي صُورَةِ قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ مَنْ مَلَكَهُ مُذْ حَلَفَ فَقَطْ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَالتَّدْبِيرُ) أَيْ فِي صُورَةِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي مَنْ مَلَكَهُ مُذْ حَلَفَ فَقَطْ لَا مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْحَلِفِ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي يَشْتَرِيهِ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَوْلَهُ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِلْحَالِ) قَالَ الْكَمَالُ: وَوَجْهُ كَوْنِ كُلِّ مَمْلُوكٍ حَالًّا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ لِاخْتِصَاصِ مَنْ جَرَتْ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا إلَيْهِ بِهِ أَيْ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ اخْتِصَاصُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُتَّصِفِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْحَالِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ فَيَلْزَمُ قِيَامُ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةَ اتِّصَافِهِ بِأَثَرِهَا فِي الْحَالِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَا مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْهُ فَبِهَا وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ بِقِيمَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ أَيْ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتِقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ) لَيْسَ الظَّاهِرُ عَنْهُ بَلْ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ. . . إلَخْ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عِتْقِ الْجَمِيعِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا صَارَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرًا) أَيْ فِي الْحَالِ دُونَ الْآخَرِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا) أَيْ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ لَا لَفْظَ أَمْلِكُهُ فَقَطْ، كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ إنَّمَا تَقَعُ مُعْتَبَرَةً فِي التَّعْلِيقِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْوَصَايَا الْحَالَّةُ الْمُنْتَظَرَةُ، وَالْحَالَّةُ الرَّاهِنَةُ حَتَّى تَعَلَّقَتْ بِمَا كَانَ مَوْجُودًا وَمَا سَيَكُونُ لِلْمُوصِي (قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالذَّكَرِ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ مَمْلُوكٍ إمَّا لِذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَقَيْدُ التَّذْكِيرِ لَيْسَ جُزْءًا لِمَفْهُومٍ وَإِنْ كَانَ التَّأْنِيثُ جُزْءَ مَفْهُومِ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكٌ أَعَمَّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَالتَّأْنِيثُ فِيهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْنِيثِ وَأَمَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ اهـ

[باب العتق على جعل]

(وَ) الْمَمْلُوكُ (لَا) يَتَنَاوَلُ (الْمُكَاتَبَ) أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا. (بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ) هُوَ بِالضَّمِّ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَكَذَا الْجِعَالَةُ بِالْكَسْرِ (أَعْتَقَ) عَبْدَهُ (عَلَى مَالٍ أَوْ بِهِ) بِأَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ (فَقَبِلَ) الْعَبْدُ (عَتَقَ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ وَلَوْ بِغَيْرِ الْمَالِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ، وَمُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا (وَالْمَالُ) الَّذِي شُرِطَ (دَيْنٌ) صَحِيحٌ (عَلَيْهِ) لِكَوْنِهِ دَيْنًا عَلَى حُرٍّ (حَتَّى يَكْفُلَ بِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ (بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْمَالُ يَتَنَاوَلُ النَّقْدَ وَالْعَرْضَ وَالْحَيَوَانَ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِغَيْرِهِ شَابَهَ النِّكَاحَ، وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَكَذَا الطَّعَامَ، وَالْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ إذَا عُلِمَ جِنْسُهُ وَلَا تَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ (الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ) بِأَنْ قَالَ مَوْلَاهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ (مَأْذُونٌ) أَيْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ (لَا مُكَاتَبٌ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ لَا التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةٌ (فَجَازَ بَيْعُهُ) أَيْ إذَا كَانَ عَبْدًا مَأْذُونًا مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ لَا مُكَاتَبًا جَازَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ (وَلَا يَكُونُ) الْعَبْدُ (أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ) حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى أَخْذُهَا مِنْهُ بِلَا رِضَاهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ (وَلَا يَسْرِي) أَيْ حُكْمُهُ (إلَى) الْوَلَدِ (الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ) كَمَا يَسْرِي فِي الْمُكَاتَبِ (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ (بِأَدَاءِ كُلِّهِ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ (وَلَوْ) كَانَ أَدَاؤُهُ (بِالتَّخْلِيَةِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْضَرَ الْمَالَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ قَبْضِهِ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَنَزَّلَهُ قَابِضًا وَحُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ قَبَضَ أَوْ لَا (وَبِبَعْضِهِ لَا) أَيْ بِأَدَاءِ بَعْضِ الْمَالِ لَا يَعْتِقُ لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ بِهِ (وَلَوْ أُجْبِرَ) الْمَوْلَى (عَلَى الْقَبُولِ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ (فَإِنْ كَانَ) الْمَالُ الَّذِي أَدَّاهُ (مِمَّا كَسَبَهُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا الْمُكَاتَبُ) قَالَ الْكَمَالُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَا يَدْخُلُ الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ كَالْجَنِينِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ وَلَا عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُونَ نَوَاهُمْ أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَلَوْ نَوَاهُمْ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ] (قَوْلُهُ: الْجُعْلُ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ. . . إلَخْ) كَذَا الْجَعِيلَةُ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْجِعَالَةُ بِالْكَسْرِ) ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ بِالْفَتْحِ فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: الْجَعَائِلُ جَمْعُ جَعِيلَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ بِالْحَرَكَاتِ بِمَعْنَى الْجُعْلِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ اهـ. (قَوْلُهُ: أَعْتَقَ عَلَى مَالٍ أَوْ بِهِ فَقَبِلَ الْعَبْدُ) يَعْنِي فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ أَوْ مَجْلِسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِأَدَائِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ وَلَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ الْكُلَّ فَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي بَعْضِهِ. وَقَالَا يَجُوزُ، وَيَعْتِقُ كُلُّهُ بِالْأَلْفِ بِنَاءً عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ، كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِغَيْرِهِ شَابَهَ النِّكَاحَ) أَيْ فِي أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُغْتَفَرَةٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ مَوْلَاهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ بِذَلِكَ إذْ جَمِيعُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ وَقَيَّدَ الْجَوَابَ بِالْفَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَتَنَجَّزُ عِتْقُهُ إذَا قَالَهُ بِالْوَاوِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ عَطْفٍ لِكَوْنِهِ ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا، كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: مَأْذُونٌ) لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ هُنَا أَيْ فِيمَا إذَا عُلِّقَ عِتْقُهُ بِأَدَائِهِ إذْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ. كَمَا فِي التَّبْيِينِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ. . . إلَخْ) بَقِيَ مَسَائِلُ أُخْرَى يُخَالِفُ فِيهَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا لَا يُؤَدَّى مِنْهُ عَنْهُ، وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ يُبَاعُ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً وَأَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا تَبَعًا، وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ الْمَوْلَى بَعْضَ الْبَدَلِ وَأَدَّى الْبَاقِيَ لَا يَعْتِقُ وَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ إنْ عَلَّقَ بِأَنْ فَلَوْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ وَلِلْمَوْلَى أَخْذُ مَا ظَفِرَ بِهِ مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِهِ، وَإِذَا فَضَلَ عَنْ بَدَلِهِ شَيْءٌ بَعْدَ أَدَائِهِ أَخَذَهُ الْمَوْلَى كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا إذَا قَالَ سَيِّدُهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَدَّاهَا فِي أَسْوَدَ لَا يَعْتِقُ وَإِذَا قَيَّدَ أَدَّاهُ بِشَهْرٍ وَأَدَّاهُ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَفِي الْمُكَاتَبِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْحُكْمِ أَوْ التَّرَاضِي، وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْإِيضَاحِ: وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ، وَالْأَوْجَهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَبُولِ الْكُلِّ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَعْضُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ عَنْ الْأَدَاءِ دَفْعَةً وَمَا تَحَمَّلَ مَشَقَّةَ الِاكْتِسَابِ إلَّا لِذَلِكَ الْغَرَضِ. كَذَا فِي الْفَتْحِ

مِلْكُ الْمَوْلَى (وَلَوْ) كَانَ مِمَّا كَسَبَهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ (لَا) يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ (وَعَتَقَ فِي حَالَيْهِ) أَيْ حَالَ أَدَائِهِ مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ التَّعْلِيقِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ (فَإِنْ عَلَّقَ) الْمَوْلَى (بِأَنْ) قَالَ إنْ أَدَّيْت. . . إلَخْ (تَقَيَّدَ أَدَاؤُهُ) أَيْ أَدَاءُ الْعَبْدِ أَوْ أَدَاءُ الْمَالِ (بِالْمَجْلِسِ) فَإِنْ أَدَّى فِيهِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (وَبِإِذَا لَا) يَتَقَيَّدُ بِهِ، لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ كَمَتَى كَمَا مَرَّ. (قَالَ) الْمَوْلَى (أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ إنْ قَبِلَ) الْعَبْدُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَتَقَ بِهِ) أَيْ بِالْأَلْفِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْعَبْدُ الْعِتْقَ بِالْأَلْفِ بَعْدَهُ أَوْ قَبِلَ وَلَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ (فَلَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ بِالْأَلْفِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْوَارِثُ مَجَّانًا اُعْتُبِرَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِتْقِ أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبُولِ قَبْلَ وُجُودِ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْتِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا قَبْلَ غَدٍ وَاعْتُبِرَ إعْتَاقُ الْوَارِثِ حَتَّى أَنَّ الْعَبْدَ إنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَوْتِ فَفِي مِثْلِهِ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْمَوْتِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إعْتَاقُ أَحَدٍ. (حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً فَقَبِلَ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى شَيْءٍ يَقْتَضِي وُجُودَ الْقَبُولِ لَا وُجُودَ الْمَقْبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي كَذَا سَنَةً وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ خَدَمْتنِي كَذَا مُدَّةً فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَخْدُمَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وَالْأَوَّلُ مُعَاوَضَةٌ (وَلَزِمَتْهُ) أَيْ لَزِمَتْ الْخِدْمَةُ الْعَبْدَ إذَا سَلَّمَ لَهُ الْمُبْدَلَ فَلَزِمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ (فَإِنْ مَاتَ هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (أَوْ مَوْلَاهُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الْخِدْمَةِ (تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ) وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْعَبْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ فِي الْمُدَّةِ (كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْهُ بِعَيْنٍ فَهَلَكَتْ) الْعَيْنُ (تَجِبُ قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْخِلَافِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: بِعْت نَفْسَك مِنْك بِهَذِهِ الْعَيْنِ فَهَلَكَتْ الْعَيْنُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا وَقِيمَةُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، لَهُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِقِيمَةِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَكَذَا الْمَنَافِعُ صَارَتْ مَالًا بِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِأَمَةٍ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْأَبِ لَا بِقِيمَةِ الْأَمَةِ. (قَالَ) رَجُلٌ لِمَوْلَى أَمَةٍ (اعْتِقْهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا إنْ فَعَلَ) أَيْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى (وَأَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى النِّكَاحِ (عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ لَا الْعَتَاقِ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ ضَمَّ) الْقَائِلُ (عَنِّي) وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ أَدَاءُ الْمَالِ بِالْمَجْلِسِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَفَاعِلُهُ الْعَبْدُ لِاخْتِصَاصِ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ، لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَدَاءِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ حَقِيقَةً فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ وَحُصُولُ الْبَدَلِ هُوَ الْمَقْصُودُ فِيهَا. (قَوْلُهُ: وَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ) كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتِقْ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَرَثَةُ وَزَادَ غَيْرُهُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي إنْ امْتَنَعُوا وَتَوَقَّفَ عِتْقُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ يَعْتِقُ بِلَا إعْتَاقٍ، وَالْوَارِثُ يَمْلِكُ عِتْقَهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا فَقَطْ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ وَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ لَا لِلْوَارِثِ مِنْ الْفَتْحِ، وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافَتِهِ أُخْرَى) قَالَ الْكَمَالُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَائِيٌّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا قَالَ: إنْ خَدَمْتنِي كَذَا مُدَّةً. . . إلَخْ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ تَقَيَّدَ أَدَاؤُهُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ أَدَاءَ الْمَالِ مُمْكِنٌ فِي الْمَجْلِسِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ، وَالْخِدْمَةُ سَنَةً لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا فِيهِ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ عَلَّقَهَا بِإِنْ فَلْيُنْظَرْ. (قَوْلُهُ: وَأَبَتْ) أَيْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ عَنْ النِّكَاحِ عَتَقَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَلَا يَلْزَمُهَا تَزَوُّجُهُ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْعَتَاقِ) قَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي الْخُلْعِ كَالْمَرْأَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِلْكٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ فِيهِ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ إلَّا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوَّضُ اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ: يَعْنِي فِي خُلْعِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ

[باب التدبير]

اعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا (قُسِّمَ) الْأَلْفُ (عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا فَحِصَّةُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَحِصَّةُ الْمَهْرِ تَسْقُطُ) فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبُضْعِ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَهُوَ الْبُضْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِتْقِ عَنْهُ فَيَكُونُ مُدْرَجًا فِيهِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ بَلْ شَرَائِطُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْعِتْقُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَلْفِ الْمُسَمَّى وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلَوْ لَمْ تَأْبَ الْأَمَةُ بَلْ (تَزَوَّجَتْ) مِنْ الْقَائِلِ (فَمَهْرُهَا حِصَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَلْفِ وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ (فِي صُورَتَيْ الضَّمِّ) أَيْ ضَمِّ عَنِّي (وَتَرْكِهِ) وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَنَكَحَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا قُلْنَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ أَبَى فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ. (بَابُ التَّدْبِيرِ) هُوَ لُغَةً النَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى نَظَرَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ فَأَخْرَجَ عَبْدَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ لَفْظِ التَّدْبِيرِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاكَهُ بَيْنَهُمَا مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظِيَّ يَحْتَاجُ إلَى تَعَدُّدِ الْوَضْعِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْسَ فَلَيْسَ فَلَا بُدَّ هَاهُنَا مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ أَوَّلًا ثُمَّ تَقْسِيمِهِ إلَى ذَيْنِك الْقِسْمَيْنِ وَبَيَانِ أَحْكَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا وَقَعَ هَاهُنَا حَيْثُ قُلْت (هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ) أَيْ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عِتْقَ مَمْلُوكِهِ بِالْمَوْتِ سَوَاءً كَانَ مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ ثُمَّ قَسَمْته إلَى قِسْمَيْنِ وَبَيَّنْت أَحْكَامَهُمَا. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ اشْتِرَاكِهِ مَعْنَوِيًّا قَوْلُ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ: التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قُسِّمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا) طَرِيقُ الْقِسْمَةِ أَنْ تُضَمَّ قِيمَةُ الْأَمَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمَا الْأَلْفُ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْأَجْنَبِيُّ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَى الْقِيمَةُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الَّذِي سَمَّاهُ لِلْمَوْلَى وَيَسْقُطُ عَنْهُ النِّصْفُ وَإِمَّا أَنْ يَتَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مَثَلًا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَيَجِبُ لِلْمَوْلَى ثُلُثُ الْأَلْفِ وَسَقَطَ ثُلُثَاهَا وَهَكَذَا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمَهْرُهَا أَلْفًا يَجِبُ رُبْعُ الْأَلْفِ كَمَا يُعْلَمُ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ تَأْبَ الْأَمَةُ فَمَهْرُهَا حِصَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْهُ) أَيْ وَيَجِبُ لَهَا دُونَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا وَقَدْ مَلَكَتْهُ بِالْإِعْتَاقِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ) لَا يَكُونُ لَهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ قِيمَتُهَا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا أَمَّا إذَا تَسَاوَى الْقِيمَةُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفًا وَجَبَ لَهَا رُبْعُ الْأَلْفِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ تَرْكُهُ مِمَّا يَنْبَغِي (قَوْلُهُ: فِي صُورَتَيْ الضَّمِّ أَيْ ضَمِّ عَنِّي وَتَرْكِهِ) لَكِنَّهُ فِي صُورَةِ الضَّمِّ يَسْتَحْقِقُ الْمَوْلَى مَا يَخُصُّ الْقِيمَةَ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْقَائِلِ فِي تَرْكِهِ الضَّمَّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا) شَامِلٌ لِلْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَشْمَلُ أُمَّ الْوَلَدِ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا. اهـ. [بَابُ التَّدْبِيرِ] (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ لَفْظِ التَّدْبِيرِ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ) خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ عَامَّةِ أَئِمَّتِنَا حَيْثُ قَصَرُوهُ شَرْعًا عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْمُقَيَّدِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ: التَّدْبِيرُ شَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْمَمْلُوكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى اهـ. وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ تُخَالِفُ ذَلِكَ اعْتَرَضَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَا بَعْدَ سِيَاقِهِمَا: قَوْلُ الْكَنْزِ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ أَيْ مَوْتِ الْمَالِكِ،. وَفِي الْمَبْسُوطِ: التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ بِأَنْ قَالَ: إنْ مِتّ مِنْ سَفَرِي أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مَرَضِي كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَاحْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ اهـ. فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّهُ شَرْعًا لَيْسَ إلَّا لِلْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ فِي الْمُقَيَّدِ لَمْ تُعْقَدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ سَيِّدِهِ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنَّ ذَاكَ يَصِيرُ مُدَبَّرًا وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَ غَيْرِهِ) يُعَارِضُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَحْرِ خَرَجَ بِتَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا فَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ اشْتِرَاكِهِ مَعْنَوِيًّا قَوْلُ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ) عَلِمْت اعْتِرَاضَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ عَلَيْهِ وَأَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْكَنْزِ أَحْسَنُ فَالِاعْتِرَاض عَلَى الْكَنْزِ وَشَارِحِهِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ

الْوَاقِعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ، وَقَوْلَ شَارِحِهِ الزَّيْلَعِيِّ احْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَلَفْظَ الْوِقَايَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ مُطْلَقًا وَقَوْلَ شَارِحِهِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّمَا قَالَ: مُطْلَقًا احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِك لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْغَيْرِ عَنْ الْمُقَيَّدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَمَا ذُكِرَ نَادِرُ الْوُقُوعِ. (وَهُوَ إمَّا مُطْلَقٌ كَإِذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ دَبَّرْتُك أَوْ) أَنْتَ (حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ إنْ مِتّ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ (وَغَلَبَ مَوْتُهُ قَبْلَهَا) بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُقَيَّدٌ، وَفِي الْمَعْنَى مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الْمُطْلَقِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُرْهَنُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِلْكِ) بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (إلَّا بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْكِتَابَةِ) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ انْتِقَالُهُ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ (وَيُسْتَخْدَمُ وَيُسْتَأْجَرُ) ، وَالْأَمَةُ تُوطَأُ وَتُنْكَحُ، وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَأَرْشِهِ وَمَهْرِ الْمُدَبَّرَةِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ (وَبِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى (يَعْتِقُ) الْمُدَبَّرُ (مِنْ الثُّلُثِ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ إنْ لَمْ يَتْرُكْ) الْمَوْلَى (غَيْرَهُ) مِنْ الْمَالِ (وَلَهُ وَارِثٌ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ لِلْمَوْلَى وَارِثًا (وَلَمْ يُجِزْهُ) أَيْ التَّدْبِيرَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ أَجَازَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ. (وَ) يَسْعَى (فِي كُلِّهِ) أَيْ كُلِّ قِيمَتِهِ (لَوْ) كَانَ الْمَوْلَى (مَدْيُونًا) وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ. (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا (وَإِمَّا مُقَيَّدٌ) عَطْفٌ عَلَى إمَّا مُطْلَقٌ (كَأَنْ مِتّ فِي سَفَرِي هَذَا أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا) أَيْ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا (مِمَّا يَقَعُ غَالِبًا) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ مِمَّا يُمْكِنُ غَالِبًا (فَيُبَاعُ وَيُوهَبُ وَيُرْهَنُ) فَإِنَّ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَيْسَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَإِذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (وَيَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمَّا صَارَتْ مُتَعَيَّنَةً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ أَخِذَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَوْتِ وَزَوَالِ التَّرَدُّدِ. (صَحِيحٌ قَالَ) لِعَبْدِهِ (أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ عَتَقَ مِنْ كُلِّ مَالِهِ) يَعْنِي رَجُلٌ صَحِيحٌ قَالَ لِعَبْدِهِ: هَذَا الْكَلَامَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْتِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْغَيْرِ عَنْ الْمُقَيَّدِ) الْإِيرَادُ سَاقِطٌ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِ سَيِّدِهِ لَيْسَ مُدَبَّرًا أَصْلًا. (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ) هَذَا إذْ لَمْ يَنْوِ النَّهَارَ فَقَطْ إذْ لَوْ نَوَاهُ دُونَ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ بِاللَّيْلِ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّوْقِيتِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى طُولِ الْمُدَّةِ أَوْ قِصَرِهَا كَمَا فِي التَّوْقِيتِ فِي النِّكَاحِ، وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالْمُتَنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: قَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الصُّورَةِ يُحَرِّمُهُ وَإِلَى الْمَعْنَى يُبِيحُهُ وَأَمَّا هُنَا فَنُظِرَ إلَى التَّأْبِيدِ الْمَعْنَوِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ فَلَا تَنَاقُضَ وَلِذَا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ وَإِنْ كَانَ الْوَلْوَالِجِيِّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِعِتْقِهَا بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ (قَوْلُهُ: وَيَسْعَى فِي كُلِّهِ لَوْ مَدْيُونًا) يَعْنِي مُسْتَغْرِقًا رَقَبَةَ الْمُدَبَّرِ أَمَّا لَوْ كَانَ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدَّ قِيمَتِهِ) يَعْنِي لِوُجُودِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ وَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ، وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْأَرِقَّاءِ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ لَمْ يُحَرِّرْ الْحُكْمَ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا " إيقَاظُ ذَوِي الدِّرَايَةِ لِوَصْفِ مَنْ كُلِّفَ السِّعَايَةَ ". (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ) يَعْنِي الْمُدَبَّرَةَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) يَعْنِي الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَاتَ فُلَانٌ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا أَصْلًا بَلْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ) شَامِلٌ لِتَعْلِيقِهِ عِتْقَهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ كَمَا ذَكَرَهُ وَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ، وَالسَّيِّدُ حَيٌّ كَيْفَ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ.

[باب الاستيلاد]

مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ شَهْرٍ (لَمْ يَعْتِقْ) ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ، وَالْقَيْدُ لَمْ يُوجَدْ (وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَهُ) لَا يَعْتِقُ بِالْمَوْتِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمَوْلَى لِلْإِعْتَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ (بَلْ يَعْتِقُهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَوْ الْقَاضِي) لِانْتِقَالِ الْوِلَايَةِ بَعْدَهُ إلَيْهِمْ، كَذَا فِي التُّحْفَةِ (قِيمَةُ) الْمُدَبَّرِ (الْمُطْلَقِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ) كَانَ (قِنًّا، وَالْمُقَيَّدُ يُقَوَّمُ قِنًّا) اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ قِيلَ قِيمَتُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا، وَقِيلَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَقِيلَ يُنْظَرُ بِكَمْ يُسْتَخْدَمُ مُدَّةَ عُمْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ فَيُجْعَلَ قِيمَتَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّ لِلَّقِنِ مَنْفَعَتَيْنِ: مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَمَا شَاكَلَهَا مِنْ التَّمْلِيكِ بِالدَّيْنِ وَالْأَمْهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: مَنْفَعَةُ الْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ، وَالتَّدْبِيرِ فَتَفُوتُ الْأُولَى وَتَبْقَى الثَّانِيَةُ فَتَكُونُ قِيمَتُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَلَوْ كَانَ التَّدْبِيرُ مُقَيَّدًا يُقَوَّمُ قِنًّا، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (بَابٌ الِاسْتِيلَادِ) هُوَ لُغَةً: طَلَبُ الْوَلَدِ، وَشَرْعًا: طَلَبُ الْمَوْلَى الْوَلَدَ مِنْ أَمَتِهِ بِالْوَطْءِ (أَمَةٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَمْ تُمْلَكْ (وَلَدَتْ مِنْ مَوْلَاهَا بِإِقْرَارِهِ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ (وَلَوْ) كَانَ إقْرَارُهُ حَالَ كَوْنِهَا (حَامِلًا) بِأَنْ يَقُولَ: حَمْلُ هَذِهِ الْأَمَةِ مِنِّي (أَوْ) وَلَدَتْ (مِنْ زَوْجِهَا) بِأَنْ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ (فَاشْتَرَاهَا) الزَّوْجُ (لَمْ تُمْلَكْ) أَيْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً مِلْكًا تَامًّا وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا الْمِلْكُ فِي الْجُمْلَةِ (وَحُكْمُهَا) أَيْ حُكْمُ الْمُسْتَوْلَدَةِ (كَالْمُدَبَّرَةِ) ، وَقَدْ مَرَّ (لَكِنَّهَا) أَيْ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ (تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مِنْ الْكُلِّ) ، وَالْمُدَبَّرَةَ مِنْ الثُّلُثِ (وَلَمْ تَسْعَ لِدَيْنِهِ) ، وَالْمُدَبَّرَةُ تَسْعَى (فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ) إذْ بِدَعْوَةِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِتْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ. . . إلَخْ) كَذَا عَلَّلَهُ الْكَمَالُ وَيُوَضِّحُهُ مَا قَالَهُ أَيْ الْكَمَالُ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ: التَّدْبِيرُ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَثُبُوتُ سَبَبِيَّتِهِ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ لِضَرُورَةٍ هِيَ أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّةُ كَلَامِهِ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْهَا أَيْضًا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ إذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ إذَا مَضَى شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَمْ يُذْكَرْ الْخِلَافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قُلْت) وَيُقَيَّدُ صِحَّةُ بَيْعِهِ بِأَنْ يَعِيشَ الْمَوْلَى بَعْدَ الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لِيَنْتَفِيَ الْمَحَلُّ لِلْعِتْقِ حَالَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلِيهَا مَوْتُ الْمَوْلَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَهُ) لَفْظَةُ بَعْدَهُ زَائِدَةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا (قَوْلُهُ: بَلْ يُعْتِقُهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَوْ الْقَاضِي) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيُعْتِقُهُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ. (قَوْلُهُ: قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا) هُوَ الْمُخْتَارُ، كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا. [بَابٌ الِاسْتِيلَادِ] سَبَبُهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ شَرْعًا. وَقَالَ زُفَرُ: ثُبُوتُ النَّسَبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ثَبَتَ شَرْعًا أَوْ حَقِيقَةً فَلَوْ مَلَكَ مَنْ أَقَرَّ بِأُمُومَةِ وَلَدِهَا مِنْ زِنًا بِهَا وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ عِنْدَنَا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ تَصِيرُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً طَلَبُ الْوَلَدِ) أَيْ مُطْلَقًا، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا طَلَبُ الْمَوْلَى الْوَلَدَ مِنْ أَمَتِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ كَالتَّيَمُّمِ، وَالْحَجِّ وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ أَمَتِهِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُشْتَرَكَةِ وَمَنْ وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَمَلَكَهَا كَذَلِكَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَلِحَمْلِ الْحَالِ عَلَى الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ هِيَ الَّتِي ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا. (قَوْلُهُ: بِإِقْرَارِهِ) شَامِلٌ لِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لَكِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَلَا بِهَا حَمْلٌ مِنْهُ تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ، كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: لَمْ تُمْلَكْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهَا وَهُوَ الصَّوَابُ خِلَافُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً مِلْكًا تَامًّا وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا الْمِلْكُ فِي الْجُمْلَةِ، وَيُنَاقِضُهُ مَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا كَامِلٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ أُمَّ الْوَلَدِ فَتَعْتِقُ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ اهـ. أَيْ الْمِلْكِ الْكَامِلِ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ: إنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَمِلْكُهُ كَامِلٌ لِلْمُدَبَّرِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا كَالْمُدَبَّرَةِ) مِنْهُ أَنَّهَا تَعْتِقُ بِبَيْعِهِ خِدْمَتَهَا مِنْهَا كَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مِنْ الْكُلِّ) يَعْنِي إلَّا إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ وَلَا بِهَا حَمْلٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ إذْ بِدَعْوَةِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ

فِرَاشًا كَالْمَنْكُوحَةِ وَلِهَذَا لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَ الْعِتْقِ. (وَ) لَكِنْ (انْتَفَى) بِنَفْيِهِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِنَفْيِهِ إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأْكِيدِ الْفِرَاشِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ حُكْمُ الْقَضَاءِ وَأَمَّا الدِّيَانَةُ فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِيَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أَمَةٍ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (أُمُّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَتْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ، وَإِلَّا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَعَتَقَتْ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ السِّعَايَةِ. (ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ (ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ مِنْهُ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعُلُوقُ لَا يَتَجَزَّأُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِرَاشًا) ، كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِ الْفِرَاشِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَقْصُودًا مِنْ وَطْئِهَا الْوَلَدُ ظَاهِرًا كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَهُوَ الَّذِي عَرَّفُوا بِهِ الْفِرَاشَ وَظَهَرَ أَنْ لَيْسَ الْفِرَاشُ ثَلَاثَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بَلْ فِرَاشَانِ قَوِيٌّ هُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ فَانْتَفَى وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ، وَوَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ بِاللِّعَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ: أَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا وَذَلِكَ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْفِرَاشِ عَلَيْهَا وَهُوَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُعَيَّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ أَوْ كَوْنِهَا يُقْصَدُ بِوَطْئِهَا الْوَلَدُ اهـ. وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ هُوَ مِثْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ: الْفِرَاشُ ثَلَاثَةٌ قَوِيٌّ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ حَتَّى يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ فِرَاشُ الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ، وَالْوَسَطُ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ اهـ. وَمَحَلُّ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ وَطْئِهَا كَحُرْمَتِهَا مُؤَبَّدَةً بِوَطْءِ مَوْلَاهَا أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ وَطْءِ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ لَهَا أَوْ حُرْمَتِهَا بِإِرْضَاعِهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ بِكِتَابَتِهَا أَوْ بِتَزْوِيجِهَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ انْتَفَى بِنَفْيِهِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ كَمَا إذَا مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا تَأْكِيدٌ بِالْحُرِّيَّةِ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ يَتَطَاوَلْ الزَّمَانُ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ، وَالتَّطَاوُلُ دَلِيلُ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ فِيهَا دَلِيلُ إقْرَارِهِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ بِإِقْرَارِهِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي التَّطَاوُلِ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ) أَيْ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ بِسَبَبِ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ زِنَا الْمُسْلِمَةِ يُقَابِلُهُ أَيْ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُودِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا الْعَزْلُ أَوْ عَدَمُ التَّحْصِينِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ كَوْنَهُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ ضَبْطِهِ الْعَزْلَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا قُضِيَ إلَيْهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا مَحَلُّ نَظَرٍ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ) أَيْ فِيمَا لَا مَانِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَوْ كَانَ جَارِيَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ قَالَ الْكَمَالُ: وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ حَيْثُ قَالَ: هُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ اهـ. ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ) تَتِمَّةُ: عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ اهـ. وَهَذَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ) أَيْ: وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا فَوْقَهَا إذْ لَوْ ادَّعَاهُ السَّيِّدُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ وَلَدَهُ بَلْ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ) لَمْ يُسْتَحْسَنْ هَذَا مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَزْوِيجِ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يُسْتَحْسَنُ لَوْ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أُمَّ وَلَدٍ كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَبْسُوطِ: زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَوَلَدَتْ إلَخْ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ: وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ) كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ مَتْنًا وَلَيْسَ مِنْ تَعَلُّقِ السَّابِقَةِ خَاصَّةً فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ بَلْ حُكْمٌ لِأُمِّ الْوَلَدِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ: عَتَقَتْ يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَمَالِيَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ يُعْتِقُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوِّمَةٌ وَيَتْرُكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ وَلِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ اهـ. وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِنَفْيِ مَالِيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ اهـ. وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَعَتَقَتْ بَعْدَهَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا تُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا، وَالْمُدَبَّرُ إذَا أَسْلَمَ كَأُمِّ الْوَلَدِ اهـ. وَقَالَ زُفَرُ: تَعْتِقُ لِلْحَالِ، وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا وَإِذَا مَاتَ مَوْلَاهَا عَتَقَتْ وَسَقَطَتْ عَنْهَا السِّعَايَةُ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ.

لَا يَعْلَقُ مِنْ مَاءَيْنِ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ كَالتَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ (وَضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ حِينَ اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ؛ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ ثَبَتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. (وَ) نِصْفَ (عُقْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً إذْ مِلْكُهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْوَطْءِ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَعْقُبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ (لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا) ؛ لِأَنَّهُ عَلَقُ حُرِّ الْأَصْلِ إذْ النَّسَبُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ، وَالضَّمَانُ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَحْدُثُ الْوَلَدُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يَعْلَقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ (وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَمِنْهُمَا) أَيْ الْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا، وَمَعْنَاهُ إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُقْرِ وَالْوَلَاءِ وَضَمَانِ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ لِصَاحِبِهِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا) لِصِحَّةِ دَعْوَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَلَدِهَا (وَعَلَى كُلٍّ) مِنْهُمَا (نِصْفُ عُقْرِهَا) قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ (وَيَرِثُ) الِابْنُ (مِنْ كُلٍّ) مِنْ شَرِيكَيْنِ (إرْثَ ابْنٍ) كَامِلٍ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ (وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) وَاحِدٍ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبُنُوَّةِ. (ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ) يَعْنِي إذَا وَطِئَ الْمَوْلَى جَارِيَةً مُكَاتَبَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ (وَصَدَّقَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبُ الْمَوْلَى (لَزِمَهُ عُقْرُهَا) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ، وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَكَامَلُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّكَامُلِ وَشَرْطِهِ وَهُوَ إمْكَانُ التَّكَامُلِ وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ أَيْضًا لَكِنْ فِيمَا يَحْتَمِلُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهِ وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ فَهُوَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمْلِيكِ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ لِلتَّمَلُّكِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ تَعْلِيلُ تَمَلُّكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ تَعْلِيلٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ يُقَالُ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَالْعِلْمِ وَلَوْ قِيلَ لِأَمْنِ الطَّرِيقِ عُدَّ جُنُونًا اهـ. (قَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ كَالتَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ) يَعْنِي قَبْلَ تَمَلُّكِهِ (قَوْلُهُ: وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ) كَذَا الْعُقْرُ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعُقْرِ بَيْنَ مَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا وَبَيْنَ مَا لَوْ كَانَ أَبًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِيلَادِ الْأَبِ لَهَا وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ شَرِيكًا لِابْنِهِ فِيهَا أَنَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهَا سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ نَفْيًا لَهُ عَنْ الزِّنَا فَلَا عُقْرَ وَإِذَا كَانَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ كَفَى لِذَلِكَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُقْرِ كَذَا قِيلَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَمِنْهُمَا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ فَلَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُعَارِضْهُ الْمَرْجُوحُ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ، وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ، وَالْكِتَابِيُّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ، وَالْعِبْرَةُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقْتُ الدَّعْوَةِ لَا الْعُلُوقِ، كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا اثْنَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَإِنْ كَثُرُوا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ لَا مِنْ ثَلَاثَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا غَيْرُ، وَقَالَ زُفَرُ: يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ فَقَطْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْإِمَامِ وَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ امْرَأَتَانِ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْضَى لِلْمَرْأَتَيْنِ وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُقْرِ) كَذَا يَخْتَلِفُ فِي كَوْنِهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِمَا فَلَا تَصِيرُ الْمُشْتَرَاةُ حُبْلَى أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا بِادِّعَائِهِمَا وَلَدَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقٍ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَعْتِقُ الْوَلَدُ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ دَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَضَمَانِ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ) صَوَابُهُ " قِيمَةِ الْوَلَدِ " بِإِسْقَاطِهِ لَفْظَةَ " أُمِّ " كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ حَتَّى تَفَرَّعَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ بِادِّعَاءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَقَدْ اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ الْوَلَاءُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ عَلَى مَا عُرِفَ) يَعْنِي مِنْ أَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقِ فَيَعْتِقُ مُقْتَصَرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْعُلُوقُ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوَلَدِ فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ مُشْتَرَكَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَمَّا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ كَالْمِيرَاثِ، وَالنَّفَقَةِ، وَالْحَضَانَةِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَأَحْكَامٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَصَدَقَةِ فِطْرِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ

[كتاب الكتابة]

سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ. (وَ) لَزِمَهُ (نَسَبُ الْوَلَدِ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَصَدَّقَهُ (وَقِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِكَوْنِهِ رَقِيقًا فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْمَغْرُورَ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْمِلْكُ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً (لَا الْأَمَةِ) إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً، وَمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النَّقْلِ وَتَقْدِيمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ أَمَةِ الِابْنِ إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَلَا حَقُّهُ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَاحْتَجْنَا إلَى نَقْلِهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيلَادُ (وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ الْمَوْلَى فِي دَعْوَتِهِ (فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَصَارَتْ كَجَارِيَةِ الِابْنِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي الْمُكَاتَبِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الِابْنِ، وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ ابْنِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ مُكَاتَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْحَقَهَا بِالْأَجْنَبِيِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ حَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ فَقَطْ مِنْهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ (إلَّا إذَا مَلَكَهُ) أَيْ الْوَلَدَ (يَوْمًا) فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَيْضًا إذَا مَلَكَهَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بَاقٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَزَوَالَ حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الْمَانِعُ. (وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ فَوَلَدَتْ، وَادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ) لِلشُّبْهَةِ (فَإِنْ قَالَ: أَحَلَّهَا لِي الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ) أَيْ الْمَوْلَى (فِيهِ وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ) وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ (وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَلَكَهَا يَوْمًا ثَبَتَ النَّسَبُ) لِبَقَاءِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ [كِتَابُ الْكِتَابَةِ] [أَرْكَان الْكِتَابَة] (كِتَابُ الْكِتَابَةِ) أَوْرَدَهُ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِتْقِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (هِيَ) لُغَةً: الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ لِلْجَيْشِ الْعَظِيمِ، وَالْكُتُبُ لِجَمْعِ الْحُرُوفِ فِي الْخَطِّ، وَشَرْعًا: (جَمْعُ حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ مَآلًا مَعَ حُرِّيَّةِ الْيَدِ حَالًا) فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ يَدًا وَمَمْلُوكٌ رَقَبَةً وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ) كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْبَدَلِ مَعْلُومًا مَالًا كَانَ أَوْ عَمَلًا، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُنَجَّمًا أَوْ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَجُوزَ الْكِتَابَةُ عَلَى الْمَالِ الْحَالِّ وَالْمُنَجَّمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا بِنَجْمَيْنِ، وَحُكْمُهُمَا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ انْتِفَاءُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْيَدِ لَا الرَّقَبَةِ حَتَّى يَكُونُ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكِتَابَةِ وُصُولُ الْمَوْلَى إلَى بَدَلِهَا، وَالْعَبْدِ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِأَدَائِهِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِذَلِكَ، وَفِي جَانِبِ الْمَوْلَى بَقَاءُ رَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ وَثُبُوتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاحِدَةٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (كِتَابُ الْكِتَابَةِ) (قَوْلُهُ: أَوْرَدَهُ هَا هُنَا. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ ذِكْرَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ الْعِتْقِ أَنْسَبُ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ، وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِشَخْصٍ وَمَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ الْعَرَضِيَّاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهُوَ أَظْهَرُ اهـ. . وَفِي الْبُرْهَانِ مَعْنَاهُ كَتَبْتُ لَك عَلَى نَفْسِي أَنْ تَعْتِقَ مِنِّي إذَا وَفَّيْت بِالْمَالِ وَكَتَبْت لِي عَلَى نَفْسِك أَنْ تَفِيَ بِذَلِكَ أَوْ كَتَبْتُ عَلَيْك الْوَفَاءَ بِالْمَالِ، وَكَتَبْتُ عَلَيَّ الْعِتْقَ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ يَدًا) قَالَ الْكَمَالُ: فِي أَوَّلِ بَابِ التَّدْبِيرِ لَا مَعْنَى فِي التَّحْقِيقِ لِقَوْلِهِمْ الْمُكَاتَبُ مَالِكٌ يَدًا بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ مِلْكُهُ مُتَزَلْزِلٌ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مَالِكٌ شَرْعًا لَكِنَّهُ بِعَرَضِ أَنْ يَزُولَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ) مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ بِأَنْ قَالَ مَوْلَاهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ مَأْذُونٌ لَا مُكَاتَبٌ فَجَازَ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ اهـ. فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ مِنْ صِيَغِ الْمُكَاتَبَةِ وَحُكْمُهُمَا مُتَبَايِنٌ، فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْبَدَلِ مَعْلُومًا) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ كَغَيْرِهِ وَكَوْنُ الرِّقِّ فِي الْمَحَلِّ اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسَبَبِهَا وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْبَدَلِ عَاجِلًا وَفِي الثَّوَابِ آجِلًا وَلِصِفَتِهَا، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ لِمَنْ عُلِمَ فِيهِ خَيْرٌ وَنُدِبَ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ بَدَلِهَا، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَقِيلَ خَيْرٌ أَيْ وَفَاءً وَأَمَانَةً وَصَلَاحًا، وَقِيلَ الْمَالُ، وَالْخَيْرُ يُرَادُ بِهِ الْمَالُ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] أَيْ مَالًا {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ} [البقرة: 272] أَيْ مَالٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَسُوبًا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ.

حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِهَا مَتَى شَاءَ وَاسْتِرْدَادُهُ إلَى مِلْكِهِ إذَا عَجَزَ. (إذَا كَاتَبَ قِنَّهُ وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ) الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَإِنَّهُ إذَا عَقَلَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ وَالتَّصَرُّفُ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ فَيَجُوزُ (بِمَالٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ) بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا (أَوْ مُنَجَّمٍ) أَيْ مُؤَقَّتٍ بِأَزْمِنَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أُخِذَ مِنْ التَّوْقِيتِ بِطُلُوعِ النَّجْمِ ثُمَّ شَاعَ فِي مُطْلَقِ التَّوْقِيتِ (أَوْ قَالَ جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا أَوَّلُهَا كَذَا وَآخِرُهَا كَذَا فَإِنْ أَدَّيْته فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَقِنٌّ وَقَبِلَ) أَيْ الْقِنُّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَاتَبَ شُرِطَ قَبُولُهُ إذْ يَلْزَمُهُ الْمَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ (صَحَّ) جَوَابُ إذَا كَاتِب أَيْ صَحَّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ سَوَاءٌ عَبَّرَ بِلَفْظِ الْكِتَابَةِ أَوْ بِمَا يُؤَدِّي مُؤَدَّاهُ لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ (وَعَتَقَ) الْقِنُّ (إنْ أَدَّى كُلَّهُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَقُلْ إذَا أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ هُوَ الْعِتْقُ عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ جَمْعِ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ (فَخَرَجَ) عَطْفٌ عَلَى صَحَّ وَفَرَعٌ لَهُ أَيْ إذَا صَحَّ عَقْدُ الْكِتَابَةِ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ (مِنْ يَدِهِ) أَيْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْكِتَابَةِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى مَنْعُهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى السَّفَرِ (لَا) مِنْ (مِلْكِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَأَصْلُ الْبَدَلِ يَجِبُ لِلْمَوْلَى فِي ذِمَّتِهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مَعَ الْمُنَافِي إذْ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَيَثْبُتُ لِلْعَبْدِ بِمُقَابَلَتِهِ مَالِكِيَّةٌ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا فَإِذَا تَمَّ لِلْمَوْلَى الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ تَمَّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْعَبْدِ أَيْضًا، وَتَمَامُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْحُرِّيَّةِ فَيَعْتِقُ لِضَرُورَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً (وَعَتَقَ مَجَّانًا) أَيْ بِلَا بَدَلٍ (إنْ أَعْتَقَ مَوْلَاهُ) لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ (وَغَرِمَ) الْمَوْلَى (الْعُقْرَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ) أَوْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ (إنْ جَنَى عَلَيْهَا أَوْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ) مِثْلُ الْمَالِ أَوْ قِيمَتِهِ إنْ جَنَى (عَلَى مَالِهَا) ؛ لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى فَصَارَ كَالْأَجْنَبِيِّ وَصَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَوَلَدِهَا وَمَالِهَا. (إذَا كَاتَبَ عَلَى قِيمَتِهِ) بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ قِيمَتَك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ كَاتَبْتُك عَلَى قِيمَتِك (أَوْ) عَلَى (عَيْنٍ لِغَيْرِهِ) بِأَنْ قَالَ: كَاتَبْتُك عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ لِغَيْرِهِ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تَصِحُّ حَتَّى إذَا مَلَكَهَا وَسَلَّمَهَا عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ إلَى الرِّقِّ (وَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعَيُّنِ) احْتِرَازًا عَنْ دَرَاهِمِ الْغَيْرِ وَدَنَانِيرِهِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَيْهَا جَائِزَةٌ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا (أَوْ عَلَى مِائَةٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ (لِيَرُدَّ مَوْلَاهُ) إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إذَا كَاتَبَ قِنَّهُ) جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ نَحْوَ أُمِّ وَلَدِهِ صَحَّ، وَالْوَصِيُّ وَالْأَبُ يَصِحُّ مِنْهُمَا اسْتِحْسَانًا عَنْ الصَّغِيرِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ لَا يَعْقِلُ فَلَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَبَعًا فَلَا تَصِحُّ مُكَاتَبَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي لَمْ يَعْقِلْ وَلَوْ قَبِلَ عَنْهُ رَجُلٌ وَرَضِيَ الْمَوْلَى وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فِي الصَّحِيحِ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ الْعِتْقُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ شَرْطٌ مُنْتَفٍ بِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمُكَاتَبِ لَهُ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: بِمَالٍ) لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ الْخِدْمَةِ لِمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَنْ يَخْدُمَهُ شَهْرًا الْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ، وَالِاسْتِحْسَانُ: يَجُوزُ، كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُؤَجَّلٍ) هُوَ أَفْضَلُ، كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ: جَعَلْت عَلَيْك أَلْفًا تُؤَدِّيهِ نُجُومًا. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ مُنَجَّمٍ لِيُفِيدَ ثُبُوتَ حُكْمِ الْكِتَابَةِ بِلَفْظِهَا وَبِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ، ثُمَّ الْكِتَابَةُ إمَّا عَنْ النَّفْسِ خَاصَّةً أَوْ عَنْهَا وَعَنْ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِ الْعَبْدِ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ مَا فِي يَدِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَدَلِهَا وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى إلَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا غَيْرُ، كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ الْمَوْلَى الْعُقْرَ إنْ وَطِئَ مُكَاتَبَتَهُ) الْعُقْرُ إذَا ذُكِرَ فِي الْحَرَائِرِ يُرَادُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَإِذَا ذُكِرَ فِي الْإِمَاءِ فَهُوَ عُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَنِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا، كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ وَطِئَ مِرَارًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا عُقْرٌ وَاحِدٌ وَلَوْ شَرَطَ وَطْأَهَا فَسَدَتْ الْكِتَابَةُ، كَمَا فِي الدِّرَايَةِ وَتَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ وَلَا يَثْبُتُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهَذَا حُكْمُ الْفَاسِدَةِ بِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْبَاطِلَةُ وَهِيَ الَّتِي فَاتَهَا شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الِانْعِقَادِ فَلَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا إنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ الْمَالِ فَيَعْتِقُ بِهِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ خَرَجَتْ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ وَطِئَهَا الْمَوْلَى غَرِمَ الْعُقْرَ لَهَا تَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَةٍ مَمْلُوكَةٍ لَهَا اهـ. وَقَدْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ قَبْلَ هَذَا: ثُمَّ مَالُ الْعَبْدِ مَا يَحْصُلُ بَعْدَ الْعَقْدِ بِتِجَارَةٍ أَوْ بِقَبُولِ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى فِي يَدِ الْعَبْدِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ وَإِنْ حَصَلَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَكُونُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى الْعَبْدِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَكَذَا قَالَ الْحَدَّادِيُّ: وَأَمَّا أَرْشُ الْجِرَاحَةِ، وَالْعُقْرُ فَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ وَهُوَ لِلْمَوْلَى اهـ. فَلْيُنْظَرْ فِيهِ مَعَ إلْزَامِ الْمَوْلَى الْعُقْرَ بِوَطْئِهَا، وَالْأَرْشَ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ قِيمَتَك فَأَنْتَ حُرٌّ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ يَكُونُ مَأْذُونًا لَا مُكَاتَبًا فَلْيُتَأَمَّلْ

(وَصِيفًا) أَيْ خَادِمًا عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً حَتَّى لَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَوْ أَمَةً مُعَيَّنَةً صَحَّ (أَوْ الْمُسْلِمُ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ كَاتَبَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) وَقَوْلُهُ (فَسَدَ) جَوَابٌ إذَا كَاتَبَ أَيْ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَجْهُولَةٌ قَدْرًا وَجِنْسًا وَوَصْفًا فَتَفَاحَشَتْ الْجَهَالَةُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِعَجْزِهِ عَنْ تَسْلِيمِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ اشْتَمَلَ عَلَى بَيْعٍ وَكِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْمِائَةِ بِإِزَاءِ الْوَصِيفِ الَّذِي يَرُدُّهُ الْمَوْلَى بَيْعٌ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِإِزَاءِ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةٌ فَيَكُونُ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِلنَّهْيِ عَنْهَا كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا شَرَطَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ عَبْدًا مُعَيَّنًا أَوْ أَمَةً مُعَيَّنَةً، وَالْقَوْمُ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَالصَّوَابُ مَا فِي الْكَافِي أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ الْوَصِيفِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى قِيمَتُهُ، وَالْقِيمَةُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لِجَهَالَتِهَا قَدْرًا فَكَذَا لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ بَدَلِ الْبَدَلِ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّ الْخَمْرَ أَوْ الْخِنْزِيرَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ (وَعَتَقَ فِيهِمَا) أَيْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ يَعْنِي فِي أَدَائِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَمُوجَبُهُ الْعِتْقُ عِنْدَ أَدَاءِ الْعِوَضِ الْمَشْرُوطِ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا عَتَقَ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى (سَعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُوَ الْقِيمَةُ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ رِوَايَاتِ الْكُتُبِ فَإِنَّ فِيهَا لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ (لَا يُنْقِصُ مِنْهُ وَيُزَادُ عَلَيْهِ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ لَهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِمَا قَبْلَهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِهَا يَعْنِي أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ الْمُسَمَّى لَا تَنْقُصُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً زِيدَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِالنُّقْصَانِ، وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ فَوَجَبَ ذَلِكَ. (وَلَوْ عَلَى مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا بَطَلَ) أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. . . إلَخْ) الْإِيرَادُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَافِي قَدْ صَدَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ ثَانِيًا: وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى بَيْعٍ. . . إلَخْ، وَلَيْسَ ضَارًّا فَلَا يُنْسَبُ إلَى الْخَطَأِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِي أَدَائِهِمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الْمَوْلَى عَلَى تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِأَدَائِهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) : لِلْمَوْلَى فَسْخُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (الثَّانِي) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حُكْمَ الْعِتْقِ فِي بَاقِي الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ فَنَقُولُ: إنَّهُ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهِ إذَا كَاتَبَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَتَصِيرُ مَعْلُومَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِنْدَ الْأَدَاءِ حَتَّى تَصِيرُ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ، وَالْجِنْسِ، وَالصِّفَةِ اهـ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ أَدَاءُ الْقِيمَةِ بِتَصَادُقِهِمَا أَوْ بِأَدَاءِ أَقْصَى مَا يَقَعُ بِهِ تَقْوِيمُ الْمُقَوِّمِينَ وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى عَيْنٍ لِغَيْرِهِ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ أَصْلًا اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِحُكْمِ الشَّرْطِ اهـ. فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا فَاسِدٌ وَأَمَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةٍ لِيَرُدَّ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ وَصِيفًا فَبَدَلُ الْكِتَابَةِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَلَا تَصِحُّ كَذَا عَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ يَعْنِي فَتَكُونُ بَاطِلَةً لِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْمُسَمَّى مَتَى كَانَ شَيْئًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا لِجَهَالَةِ الْقَدْرِ أَوْ لِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْمُسَمَّى وَلَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ إذْ لَا يَنْعَقِدُ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا لَا عَلَى وَجْهِ الْمُسَمَّى وَلَا عَلَى الْقِيمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلِّلًا لَهُ: لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ فَيَعْتِقُ بِأَدَائِهِ وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ مَا لَيْسَ بِبَدَلٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ، وَالذَّخِيرَةِ وَ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَفِي نُسَخِ الْهِدَايَةِ) يَعْنِي فِي بَعْضِ نُسَخِهَا مَنْسُوبًا لِزُفَرَ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ مُوَافَقَةِ الْهِدَايَةِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَالذَّخِيرَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ الْخَمْرِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ مُشْكِلٌ جِدًّا) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَلَطٌ، وَقَدْ تَبِعَ هَذَا الْغَلَطَ فِي الِاخْتِيَارِ فَلْيَكُنْ فِي عِلْمِك. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَلَى مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا بَطَلَ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ أَصْلًا وَلَا مُوجَبَ لَهَا وَلَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِأَدَائِهِمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ اهـ. (قُلْت) وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ ذَكَرَهُ قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: وَصَحَّ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ، وَنَصُّهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا فَاحِشًا لَا يُوقَفُ عَلَى مُرَادِ الْمَوْلَى فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بَاطِلَةً فَلَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ أَدَّى قِيمَتَهُ أَيْضًا لَا يَعْتِقُ إلَّا إذَا عَلَّقَهُ بِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ: إنْ أَدَّيْت إلَيَّ ثَوْبًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ صَرِيحٌ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ وَهِيَ تَنْعَقِدُ مَعَ الْجَهَالَةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الثَّوْبِ اهـ.

بِمَالٍ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ (وَصَحَّتْ) الْكِتَابَةُ عَلَى حَيَوَانٍ (ذَكَرَ جِنْسَهُ) كَالْعَبْدِ (فَقَطْ) أَيْ لَا نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ (وَيُؤَدِّي الْوَسَطَ أَوْ قِيمَتَهُ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَصْلٌ مِنْ وَجْهٍ أَمَّا الْوَسَطُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا قِيمَتُهُ فَلِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِالْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا فَدَفْعُ الْقِيمَةِ قَضَاءً فِي مَعْنَى الْأَدَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ. (وَمِنْ كَافِرٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى حَيَوَانٍ أَيْ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ مِنْ كَافِرٍ (كَاتَبَ عَبْدًا مِثْلَهُ) يَعْنِي كَافِرًا (بِخَمْرٍ مُقَدَّرَةٍ) اُعْتُبِرَ التَّقْدِيرُ لِيُعْلَمَ الْبَدَلُ وَإِنَّمَا صَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ عِنْدَنَا (وَأَيٌّ) مِنْ الْمَوْلَى وَالْعَبْدِ (أَسْلَمَ لِلْمَوْلَى قِيمَتَهَا) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ وَتَمْلِيكِهِ (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ (بِقَبْضِ الْخَمْرِ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُتَعَلِّقٌ بِقَبْضِهَا لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ (وَعَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى حَيَوَانٍ (لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْمَعْمُولِ، وَالْآجُرِّ بِمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ) لِحُصُولِ الرُّكْنِ، وَالشَّرْطِ (وَأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى غَرِيمِهِ وَأَلْفٍ وَوَصِيفٍ وَأَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ سَنَةً وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكِتَابَةِ كَوْنُ الْمَمْلُوكِ مَالِكًا يَدًا وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ لِيَكُونَ مَالِكًا مُطْلَقًا بَعْدَهُ، كَمَا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْخِدْمَةِ سَنَةً وَهَذَا يُنَافِيهِ (لَا تَفْسُدُ) الْكِتَابَة (بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ الشَّرْطُ (فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الْكِتَابَةُ تُشْبِهُ الْبَيْعَ يَعْنِي انْتِهَاءً؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ انْتِهَاءً وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ يَعْنِي ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَحَّتْ عَلَى حَيَوَانٍ ذُكِرَ جِنْسُهُ كَالْعَبْدِ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إذَا كَاتَبَهُ عَلَى حَيَوَانٍ وَبَيَّنَ جِنْسَهُ كَالْعَبْدِ وَالْفَرَسِ وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّوْعَ أَنَّهُ تُرْكِيٌّ أَوْ هِنْدِيٌّ وَلَا الْوَصْفَ أَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ جَازَتْ وَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَسَطِ وَإِنَّمَا صَحَّ الْعَقْدُ مَعَ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ وَمِثْلُهَا يُتَحَمَّلُ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُعْتَبَرُ جَهَالَةُ الْبَدَلِ بِجَهَالَةِ الْأَجَلِ فِيهِ حَتَّى لَوْ كَاتَبَهُ إلَى الْحَصَادِ صَحَّتْ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَجَازَ الْكِتَابَةَ عَلَى الْوَصْفِ جَمْعُ وَصِيفٍ وَهُوَ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ اهـ. وَلَكِنْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَالْكِتَابَةُ عَلَى الْحَيَوَانِ، وَالثَّوْبِ كَالنِّكَاحِ إنَّ عَيَّنَ النَّوْعَ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ لَا يَصِحُّ اهـ. فَلْيَتَأَمَّلْ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالنَّوْعِ الْجِنْسَ وَإِلَّا نَاقَضَهُ مَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَدِّي الْوَسَطَ) قَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ بِمَا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَقَالَا هُوَ عَلَى قَدْرِ غَلَاءِ السِّعْرِ وَرُخْصِهِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَتَقَ بِقَبْضِ الْخَمْرِ) ، كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَالَ فِي الْكَافِي هَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَالْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ والتمرتاشي لَوْ أَدَّى الْخَمْرَ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْتَقَلَتْ إلَى الْقِيمَةِ وَلَمْ يَبْقَ الْخَمْرُ بَدَلًا اهـ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فَكَانَ فِي الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ رِوَايَتَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ) اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ مُخْتَلِفَةٌ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْخِدْمَةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْهُودَةِ فَتَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْعَادَةِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِنَاءِ دَارٍ إذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْمَعْمُولِ) بَيَانُهُ: أَنْ يُسَمَّى لَهُ طُولُ الْبِئْرِ وَعُمْقُهَا وَمَكَانُهَا. وَفِي الدِّرَايَةِ آجُرُّهَا وَجِصُّهَا وَمَا يُبْنَى بِهَا فَتَصِحُّ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ مَعْلُومٍ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَالْآجُرِّ) بِالْمَدِّ وَضَمِّ الْجِيمِ اللَّبِنُ الْمُحْرَقُ (قَوْلُهُ: وَأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى غَرِيمِهِ) أَيْ صَحَّتْ عَلَيْهَا وَكَذَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ يَضْمَنُهَا لِرَجُلٍ عَنْ سَيِّدِهِ فَالْمُكَاتَبَةُ، وَالضَّمَانُ جَائِزَانِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَأَلْفٍ وَوَصِيفٍ وَأَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ سَنَةً) أَيْ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ صَفْقَةً فِي صَفْقَةٍ (قَوْلُهُ: وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا لَا) يَعْنِي إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا لَا تَصِحُّ لِمَا ذُكِرَ مِنْ مُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَإِنْ أَدَّى الْأَلْفَ عَتَقَ. وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ، وَقَدْ شَرَطَ عَلَيْهِ مَعَ الْأَلْفِ شَيْئًا آخَرَ فَكَيْفَ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ قُلْنَا اشْتِرَاطُ الْخِدْمَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ لِمَا أَوْجَبَهُ لَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ مِلْكِ نَفْسِهِ فِي الْخِدْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ قَبْلُ فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِمُوجَبِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الْبَدَلُ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَلْفُ فَإِذَا أَدَّاهُ يَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ هَذَا) يُرِيدُ بِهِ الصُّورَةَ الْأَخِيرَةَ فَقَطْ وَهِيَ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَخِدْمَتِهِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ فَشَرْحُهُ أَوْضَحَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الْكِتَابَةُ تُشْبِهُ الْبَيْعَ يَعْنِي انْتِهَاءً؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ انْتِهَاءً) أَقُولُ لَمْ يَعْنِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ شَبَهَ الْكِتَابَةِ بِالْبَيْعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْمُعَاوَضَةُ وَعَدَمُ صِحَّتِهِمَا بِلَا بَدَلٍ وَاحْتِمَالُهُمَا الْفَسْخَ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَقَدْ نَفَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ شَبَهَ الْكِتَابَةِ بِالْبَيْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ أَيْ عَقْدُ الْكِتَابَةِ عَلَى حَيَوَانٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْبَيْعَ وَلَنَا أَنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ بِمَالٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكَ فِيهِ فَأَشْبَهَتْ النِّكَاحَ، وَالْجَامِعُ أَنَّهَا تُبْنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ اهـ. وَقَدْ مَنَعَ فِي الْعِنَايَةِ شَبَهَ الْكِتَابَةِ بِالْبَيْعِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَقَالَ: وَلَنَا أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ قِيَاسَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْبَيْعِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاؤُهَا أَوْ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاءُ، وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَالْكِتَابَةَ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْحَجْرِ فِي الِابْتِدَاءِ وَكَذَلِكَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الِانْتِهَاءِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ وَهُوَ الرَّقَبَةُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ فِي الِانْتِهَاءِ وَفِي أَنَّ مَبْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَهَذَا الْمِقْدَارُ كَافٍ فِي إلْحَاقِهَا بِالنِّكَاحِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ وَهُوَ الْبُضْعُ) صَوَابُهُ

[فصل في تصرفات المكاتب]

الْبُضْعُ ابْتِدَاءً فَأَلْحَقْنَاهَا بِالْبَيْعِ فِي شَرْطِ تَمَكُّنٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَمَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَجْهُولَةً؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَدَلِ وَبِالنِّكَاحِ فِي شَرْطٍ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ. (فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ) (صَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَلَوْ بِالْمُحَابَاةِ) فَإِنَّهَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ فَإِنَّ التَّاجِرَ قَدْ يُحَابِي فِي صَفْقَةٍ لِيَرْبَحَ فِي أُخْرَى (وَسَفَرُهُ وَإِنْ شُرِطَ تَرْكُهُ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ وَلَا تَفْسُدُ الْكِتَابَةُ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ (وَتَزْوِيجُ أَمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمَالَ وَهُوَ الْمَهْرُ (لَا) تَزْوِيجُ (عَبْدِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَنْقِيصُ الْعَبْدِ وَتَعْيِيبُهُ وَشَغْلُ ذِمَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ (وَصَحَّ كِتَابَةُ رَقِيقِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ اكْتِسَابٍ لِلْمَالِ فَيَمْلِكُهُ كَتَزْوِيجِ أَمَتِهِ (وَالْوَلَاءُ) أَيْ وَلَاءُ الثَّانِي (لَهُ) أَيْ لِلْأَوَّلِ (إنْ أَدَّى) الثَّانِي (بَعْدَ عِتْقِهِ) أَيْ عِتْقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ مِنْ أَهْلِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فَيَثْبُتُ لَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بَلْ قَبْلَهُ (فَلِمَوْلَاهُ) أَيْ مَوْلَى الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَهُ فِيهِ نَوْعُ مِلْكٍ وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْإِعْتَاقِ إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى الْمُبَاشِرِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أُضِيفَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا (وَإِنْ أَدَّيَا) أَيْ الْمُكَاتَبَانِ بَدَلَهُمَا (جَمِيعًا مَعًا فَوَلَاؤُهُمَا لِلْمَوْلَى) تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ وَإِنْ (عَجَزَ الْأَوَّلُ) عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ وَرُدَّ إلَى الرِّقِّ وَلَمْ يُؤَدِّ الثَّانِي بَدَلَهُ (بَقِيَ الثَّانِي مُكَاتَبًا) فَإِنْ أَدَّى الْبَدَلَ إلَى الْمَوْلَى عَتَقَ وَإِنْ عَجَزَ رُدَّ إلَى الرِّقِّ كَالْأَوَّلِ (لَا التَّزَوُّجُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَيْعُهُ أَيْ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ الْمَوْلَى (وَلَا التَّسَرِّي) وَهُوَ اتِّخَاذُ السُّرِّيَّةِ يَعْنِي اشْتِرَاءَ جَارِيَةٍ يَسْتَمْتِعُ بِهَا وَطْئًا (وَلَوْ بِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (كَذَا الْمَأْذُونُ، وَالْمُدَبَّرُ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى التَّسَرِّي عَلَى مِلْكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمُتْعَةِ فَالرَّقِيقُ وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُدَبَّرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ مِلْكِ الْمَالِ لِكَوْنِ رَقَبَتِهِ مَمْلُوكَةً وَلَا يَنْفَعُ إذْنُ الْمَوْلَى (وَلَا الْهِبَةُ) وَلَوْ بِعِوَضٍ، وَالتَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ، وَالتَّكَفُّلُ، وَالْإِقْرَاضُ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَلَوْ بِمَالٍ وَبَيْعُ نَفْسِهِ أَيْ الْعَبْدِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ تَبَرُّعَاتٌ فَلَا يَمْلِكُهَا الْمُكَاتَبُ (الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ) أَيْ كُلُّ تَصَرُّفٍ يَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ فِي عَبْدِهِ يَمْلِكَانِهِ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ فِيهِ تَصَرُّفًا يَحْصُلُ بِهِ الْمَالُ لِلصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ يَمْلِكُ كَسْبَ الْمَالِ فَحُكْمُهُمَا حُكْمُهُ فَيَمْلِكَانِ كِتَابَةَ عَبْدِهِ لَا إعْتَاقَهُ عَلَى مَالٍ وَبَيْعَ عَبْدِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَيَمْلِكَانِ تَزْوِيجَ أَمَتِهِ لَا إعْتَاقَهَا عَلَى مَالٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ فِي الِابْتِدَاءِ إذْ الْبَدَلُ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ. [فَصْلٌ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ] (قَوْلُهُ: وَصَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ) كَذَا إجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ وَإِيدَاعُهُ وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَاسْتِيفَاؤُهُ وَقَبُولُ حَوَالَةٍ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ لَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ عَنَانًا لَا مُفَاوَضَةً لِاسْتِلْزَامِهَا الْكَفَالَةَ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ فِيهَا حُكْمَ وَصِيَّتِهِ مَبْسُوطًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِالْمُحَابَاةِ) يَعْنِي الْيَسِيرَةِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا يُحَابِي مُحَابَاةً فَاحِشَةً كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) يَعْنِي لَيْسَ مُتَمَكِّنًا فِي صُلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الشَّرْطُ الْبَاطِلُ إنَّمَا يُبْطِلُ الْكِتَابَةَ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ كَمَا إذَا قَالَ: كَاتَبْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي مُدَّةً أَوْ زَمَانًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرْطَ لَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَلَا فِيمَا يُقَابِلُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْكِتَابَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ كِتَابَةُ رَقِيقِهِ) يَعْنِي الَّذِي لَمْ يَتَكَاتَبْ عَلَيْهِ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ بَعْدَ عِتْقِهِ بَلْ قَبْلَهُ فَلِمَوْلَاهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى جُعِلَ مُعْتِقًا، وَالْوَلَاءُ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمُعْتِقِ إلَى غَيْرِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّيَا جَمِيعًا مَعًا. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَصِحُّ تَزَوُّجُهُ) بِمَعْنَى لَا يَنْفُذُ تَزَوُّجُهُ بِلَا إذْنِ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ: وَالتَّصَدُّقُ إلَّا بِيَسِيرٍ) يَعْنِي مِنْ الْمَأْكُولِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فَقِيرًا دِرْهَمًا وَلَا يَكْسُوهُ ثَوْبًا وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ إلَّا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ مِنْ الْمَأْكُولِ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَا يَهَبُ وَلَا يَتَصَدَّقُ إلَّا بِالْيَسِيرِ يَعْنِي كَالرَّغِيفِ وَنَحْوِهِ، وَالْبَصَلِ، وَالْمِلْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ إذَا وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ عَتَقَ رُدَّ إلَيْهِ حَيْثُ كَانَتْ الْهِبَةُ، وَالصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ وُقُوعِهِ فَلَا يُتَوَقَّفُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّكَفُّلُ) أَيْ لَا بِالنَّفْسِ وَلَا بِالْمَالِ لَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى وَلَا بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، وَالْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ فَلَا يَصِحُّ إذْنُهُ بِالتَّبَرُّعِ بِهِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِنْ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْكَفَالَةِ فَكَفَلَ أُخِذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ اهـ. وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ نَظْمُ الْكَنْزِ: وَلَوْ كَفَلَ عَنْ سَيِّدِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا اهـ وَيَعْنِي لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِيَلْتَقِيَ قِصَاصًا بِمَا أَدَّى عَنْ بَدَلِ كِتَابَتِهِ، (قَوْلُهُ: الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي رَقِيقِ الصَّغِيرِ كَالْمُكَاتَبِ فَيَمْلِكَانِ كِتَابَةَ عَبْدِهِ) يَعْنِي اسْتِحْسَانًا وَإِذَا أَقَرَّ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ بِقَبْضِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ يُصَدَّقُ وَيَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إقْرَارٌ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فَيَصِحُّ وَفِي الثَّانِي بِالْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ

(وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا مُضَارِبٌ وَشَرِيكٌ) شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ أَوْ عَنَانٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إلَّا التِّجَارَةَ، وَالتَّزْوِيجُ وَالْكِتَابَةُ لَيْسَا مِنْهَا (وَيَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا وِلَادٌ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَهْلٌ لَأَنْ يُكَاتِبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْعِتْقِ فَيُجْعَلُ كُلٌّ مِنْهُمْ مُكَاتَبًا مَعَهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَقْوَاهُمْ دُخُولًا الْوَلَدُ الْمَوْلُودُ فِي كِتَابَتِهِ ثُمَّ الْوَلَدُ الْمُشْتَرَى ثُمَّ الْأَبَوَانِ وَلِهَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْمَوْلُودَ فِي كِتَابَتِهِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ أَبِيهِ حَتَّى إذَا مَاتَ أَبُوهُ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً سَعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى يُؤَدِّي بَدَلَ الْكِتَابَةِ حَالًّا وَإِلَّا رُدَّ إلَى الرِّقِّ، وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ إلَى الرِّقِّ لَوْ مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ، وَالْبَعْضِيَّةُ الثَّابِتَةُ حَقِيقَةٌ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَالْوَلَدُ الْمُشْتَرَى تَبَعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْمِلْكِ وَبِالْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا فِي حَقِّ الْعَقْدِ لَا حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ إذْ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَالْوَالِدَانِ تَبَعِيَّتُهُمَا بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ لَا الْبَعْضِيَّةِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِبَعْضٍ لَهُ فَاخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ لِذَلِكَ (لَا غَيْرُ وَلَوْ مُحَرَّمًا كَالْأَخِ وَالْعَمِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الصِّلَةِ يَشْمَلُ الْقَرَابَةَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَلِهَذَا يَعْتِقُ عَلَى الْحُرِّ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَتَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ لَهُمْ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إذَا سَرَقَ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَهُ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ كَسْبًا لَا مِلْكًا حَقِيقَةً لِوُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَهُوَ الرِّقُّ وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ لَا يَفْسُدُ نِكَاحُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ كَنْزًا إلَّا أَنَّ الْكَسْبَ يَكْفِي لِلصِّلَةِ فِي الْوِلَادِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ يُخَاطَبُ بِنَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَلَا يُكَلَّفُ فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى لَا يُخَاطَبُ الْأَخُ بِنَفَقَةِ أَخِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَالدُّخُولُ فِي الْكِتَابَةِ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ فَيَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِمَحِلِّهِ (حَتَّى جَازَ لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (بَيْعُهُمْ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُمْ لِيَمْتَنِعَ بَيْعُهُمْ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (إذَا أَدَّى الْبَدَلَ عَتَقُوا) ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ فَيَتَقَرَّرَ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَعْجَزَ فَيَتَقَرَّرَ لِلْمَوْلَى وَهَاهُنَا تَقَرَّرَ لَهُ فَعَتَقُوا عَلَيْهِ (وَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ ابْتِدَاءً. (اشْتَرَى) الْمُكَاتَبُ (أُمَّ وَلَدِهِ لَوْ) كَانَتْ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ وَلَدِهَا (لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا) ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ لِمَا ذُكِرَ فَتَبِعَتْهُ أُمُّهُ فَامْتَنَعَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مَعَهَا (جَازَ) أَيْ بَيْعُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَهُ أَنَّ الْقِيَاسَ جَوَازُ بَيْعِهَا وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمُكَاتَبِ مَوْقُوفٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهَا وَلَدُهَا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهَا بِتَبَعِيَّةِ الْوَلَدِ لِلْحَدِيثِ وَبِدُونِ الْوَلَدِ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ ابْتِدَاءً، وَالْقِيَاسُ يَنْفِيهِ. . (زَوَّجَ) الْمُكَاتَبُ (أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَكَاتَبَهُمَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ) وَلَدًا (دَخَلَ) أَيْ الْوَلَدُ (فِي كِتَابَتِهَا وَكَسْبُهُ لَهَا) ؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالرِّقِّ كَمَا مَرَّ. (مُكَاتَبٌ أَوْ مَأْذُونٌ نَكَحَ بِالْإِذْنِ حُرَّةً) لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ (بِزَعْمِهَا) حَيْثُ قَالَتْ: أَنَا حُرَّةٌ (فَوَلَدَتْ الْمَنْكُوحَةُ) وَلَدًا (فَاسْتُحِقَّتْ فَوَلَدُهَا عَبْدٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حُرٌّ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ شَارَكَ الْحُرَّ فِي سَبَبِ ثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ وَهُوَ الْغُرُورُ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِي نِكَاحِهَا إلَّا لِيَنَالَ حُرِّيَّةَ الْأَوْلَادِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ وَلَدٌ بَيْنَ رَقِيقَيْنِ فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا) أَيْ التَّزْوِيجِ، وَالْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ: وَيَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا وِلَادٌ) هُمْ الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْفُرُوعُ لَهُ وَإِنْ سَفَلُوا (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَحْكَامِ) مِنْهَا أَنَّ الْمَوْلَى لَا يُطَالِبُ مَنْ دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا بَلْ مَقْصُودًا وَلَا يُطَالِبُ التَّبَعَ حَالَ قِيَامِ الْمَتْبُوعِ (قَوْلُهُ: وَالْوَالِدَانِ يُرَدَّانِ إلَى الرِّقِّ كَمَا لَوْ مَاتَ وَلَا يُؤَدِّيَانِ حَالًّا وَلَا مُؤَجَّلًا) ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْعِنَايَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ مِنْ غَيْرِ مَالٍ يُقَالُ لِلْوَلَدِ الْمُشْتَرَى أَوْ لِلْوَالِدَيْنِ إمَّا أَنْ تُؤَدُّوا الْكِتَابَةَ حَالًا وَإِلَّا رَدَدْنَاكُمْ فِي الرِّقِّ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ اهـ. لَكِنْ تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَيُحْمَلُ غَيْرُهُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَسَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَا يُكَاتَبُ عَلَيْهِ) أَيْ وَيَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ عِنْدَهُمَا، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: زَوَّجَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ) هَكَذَا فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْمُكَاتَبِ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ لَيْسَ مُفِيدًا صِحَّةَ عَقْدِهِ وَمِلْكَهُ إيَّاهُ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ عَبْدَهُ عَامٌّ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ أَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ وَدُخُولَ الْوَلَدِ فِي كِتَابَةِ أُمِّهِ فَإِنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ لِلشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَمَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ التَّسَرِّي وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا فَادَّعَى وَلَدَهَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ وَيَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ دُونَ أُمِّهِ، كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُنَا كَسْبُهُ لِأُمِّهِ لِكَوْنِهِ جُزْءًا لَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ تَزْوِيجُ الْمُكَاتَبِ عَبْدَهُ كَتَزَوُّجِهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا إذْ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ وَتَزْوِيجُهُ هُوَ لَهُ مُجِيزٌ وَهُوَ الْمَوْلَى الْحُرُّ فَصَارَ تَزْوِيجُهُ كَهِبَتِهِ الْكَثِيرَ،. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ: هِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ غَيْرُ الْيَسِيرِ لَا تَصِحُّ فَيَسْتَرِدُّهُ بَعْدَ عِتْقِهِ إذْ لَا مُجِيزَ لَهُمَا حَالَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.

رَقِيقًا، وَقَدْ مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ لَكِنْ تُرِكَ هَذَا الْأَصْلُ فِي الْمَغْرُورِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِيَلْحَقَ بِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى هُنَاكَ مَجْبُورٌ بِقِيمَةٍ نَاجِزَةٍ وَهَاهُنَا بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِ. (وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَةً اشْتَرَاهَا فَاسِدًا فَرُدَّتْ) عَلَى مَوْلَاهَا (أَوْ) اشْتَرَاهَا شِرَاءً (صَحِيحًا فَاسْتُحِقَّتْ ضَمِنَ عُقْرَهَا حَالًّا) أَيْ يُؤْخَذُ حَالَ الْكِتَابَةِ (كَالْمَأْذُونِ بِالتِّجَارَةِ) فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ هَكَذَا يَضْمَنُ عُقْرَهَا حَالًّا (نَكَحَهَا بِلَا إذْنٍ فَاسْتُحِقَّتْ ضَمِنَ) الْعُقْرَ (بَعْدَ عِتْقِهِ) ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ ظَهَرَ الدَّيْنُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْكِتَابَةِ وَهَذَا الْعُقْرُ مِنْ تَوَابِعِهَا إذْ لَوْلَا الشِّرَاءُ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَمَا لَمْ يَسْقُطْ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ الِاكْتِسَابِ فَلَا يَدْخُلُ فِي الْكِتَابَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْعُقْرَ ثَبَتَ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ، وَالْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ إذْنًا بِالْوَطْءِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ فَلَا يَكُونُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَقُولُ جَوَابُهُ: أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُقْرَ يَثْبُتُ بِالْوَطْءِ لَا بِالشِّرَاءِ ابْتِدَاءً لَكِنَّ الْوَطْءَ مُسْتَنِدٌ إلَى الشِّرَاءِ إذْ لَوْلَاهُ لَكَانَ الْوَطْءُ حَرَامًا بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْعُقْرُ فَيَجِبُ الْحَدُّ فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ إذْنًا بِالْوَطْءِ، وَالْوَطْءُ نَفْسُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التِّجَارَةِ لَكِنَّ الشِّرَاءَ مِنْهَا فَيَكُونُ ثَابِتًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى. (لِلْمَوْلَى أَنْ يُدَبِّرَهُ) أَيْ يَجُوزُ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ أَنْ يُدَبِّرَهُ (فَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا) يَعْنِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ التَّدْبِيرِ مُخَيَّرٌ إمَّا أَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ، وَيَكُونُ مُدَبَّرًا أَوْ يَمْضِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا فَمَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إمَّا أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ: مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ مُوسِرًا بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِالتَّدْبِيرِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ (وَيَسْتَوْلِدَهَا) عَطْفٌ عَلَى يُدَبِّرَهُ أَيْ لِلْمَوْلَى يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْلِدَ مُكَاتَبَتَهُ بِأَنْ وَطِئَهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى الْوَلَدَ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (وَمَضَتْ عَلَيْهَا أَوْ عَجَزَتْ وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ) أَيْ خُيِّرَتْ بَيْنَ أَنْ تَمْضِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَتُؤَدِّيَ الْبَدَلَ فَتَعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَتَأْخُذَ الْعُقْرَ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ تُعَجِّزَ نَفْسَهَا فَتَعْتِقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى (وَيُكَاتِبَ) عَطْفٌ عَلَى يُدَبِّرَهُ أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَيْ لِلْمَوْلَى أَنْ يُكَاتِبَ (أُمَّ وَلَدِهِ وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ) لِتَعَلُّقِ عِتْقِهَا بِمَوْتِهِ (مَجَّانًا) أَيْ سَقَطَ عَنْهَا بَدَلُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إيجَابِهِ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَإِذَا عَتَقَتْ قَبْلَهُ لَا يُمْكِنُ تَوْفِيرُ الْغَرَضِ عَلَيْهِ (وَمُدَبَّرَهُ) عَطْفٌ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَاتِبَ مُدَبَّرَهُ (وَسَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ كُلِّ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْلَاهُ (مُعْسِرًا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْ ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ، وَالْخِيَارُ وَعَدَمُهُ فَرْعُ التَّجْزِيءِ وَعَدَمُهُ كَمَا مَرَّ. (وَيُصَالِحُ) الْمَوْلَى (مَعَ مُكَاتَبِهِ مِنْ أَلْفَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى) أَيْ مَوْلَى الْأَمَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مُسْتَحَقَّةً (هُنَاكَ) الْإِشَارَةُ إلَى مَسْأَلَةِ الْحُرِّ الْمَغْرُورِ (قَوْلُهُ: وَهَا هُنَا بِقِيمَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ) إلْزَامٌ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا يَقُولُهُ مِنْ أَنَّ الْقِيمَةَ لَازِمَةٌ لِلْمَغْرُورِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ قِيمَةَ الْأَوْلَادِ عِنْدَهُ أَيْ مُحَمَّدٍ يَتَأَخَّرُ أَدَاؤُهَا إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَأَنَّ الْمَانِعَ عَنْ إلْحَاقِهِ بِالْحُرِّ مَوْجُودٌ وَهُوَ الضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالْمُسْتَحَقِّ بِالتَّأْخِيرِ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ (قَوْلُهُ: فَبَقِيَ) أَيْ الْوَلَدُ عَلَى الْأَصْلِ فِي تَبَعِيَّةِ الْأُمِّ فِي الرِّقِّ أَوْ فَبَقِيَ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ رِقُّ وَلَدِهِ لِرِقِّ أُمِّهِ وَلَمْ يَلْحَقْ أَيْ الْمُكَاتَبُ وَلَا الْمَأْذُونُ بِهِ أَيْ بِالْحُرِّ فَلَا يَكُونُ وَلَدُهُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ اشْتَرَاهَا شِرَاءً صَحِيحًا فَاسْتُحِقَّتْ) الِاسْتِحْقَاقُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الشِّرَاءِ فَكَيْفَ يُوصَفُ الشِّرَاءُ بِهَا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ، كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ: لَوْ وَطِئَ مُشْتَرَاتَهُ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ رُدَّتْ لِفَسَادِ الْبَيْعِ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْإِذْنُ بِالشِّرَاءِ إذْنًا بِالْوَطْءِ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُهُ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، يُوَضِّحُهُ مَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْكِتَابَةَ أَوْجَبَتْ الشِّرَاءَ وَالشِّرَاءَ أَوْجَبَ سُقُوطَ الْحَدِّ وَسُقُوطَ الْحَدِّ أَوْجَبَ الْعُقْرَ فَالْكِتَابَةُ أَوْجَبَتْ الْعُقْرَ وَلَا كَذَلِكَ النِّكَاحُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُسْتَحَقٌّ بِالتَّدْبِيرِ الْمُتَأَخِّرِ فَيَسْقُطُ بِهِ ثُلُثُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُمَا أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَيَّنَا الْأَقَلَّ مِنْهُمَا لِلسِّعَايَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَالْخِلَافُ هُنَا فِي الْخِيَارِ وَأَمَّا الْمِقْدَارُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالثُّلُثَيْنِ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ: (قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْلِدَ مُكَاتَبَتَهُ) غَيْرُ جَيِّدٍ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ، فَلَوْ قَالَ كَالْكَنْزِ وَلَدَتْ مُكَاتَبَةٌ مِنْ سَيِّدِهَا. . . إلَخْ لَتَخَلَّصَ عَنْ هَذَا (قَوْلُهُ: فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ رَقَبَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ حَالَ كِتَابَتِهَا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ لِحُرْمَةِ وَطْئِهَا عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَتْ مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ سَعَى هَذَا الْوَلَدُ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ تَبَعًا لَهَا وَلَوْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَتَقَ وَبَطَلَ عَنْهُ تَعَبُ السِّعَايَةِ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَتَأْخُذُ الْعُقْرَ مِنْهُ) ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا حَالَ كِتَابَتِهَا أَمَّا لَوْ جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُقِرَّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ لَا يَتَوَجَّهُ اسْتِحْقَاقُهَا الْعُقْرَ عَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ

مُؤَجَّلٍ عَلَى أَلْفٍ حَالٍّ) وَالْقِيَاسُ: أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ الْأَجَلِ بِالْمَالِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِمَالٍ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا. (مَاتَ مَرِيضٌ كَاتَبَ عَبْدَهُ) فِي مَرَضِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبْدِ (عَلَى ضِعْفِ قِيمَتِهِ) بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا فَكَاتَبَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ (بِأَجَلٍ وَرَدَّ وَرَثَتُهُ) هَذَا التَّصَرُّفَ (أَدَّى) أَيْ الْمُكَاتَبُ (ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَبَاقِيَهُ مُؤَجَّلًا أَوْ اُسْتُرِقَّ) يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا وَالْبَاقِيَ مُؤَجَّلًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْبَى فَيُسْتَرَقَّ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْأَلْفِ حَالًّا، وَالْبَاقِيَ إلَى أَجَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ لَهُ التَّأْجِيلُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَفِيمَا وَرَاءَهُ يَصِحُّ لَهُ التَّرْكُ فَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ وَلَهُمَا أَنَّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى بَدَلُ الرَّقَبَةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَدَلِ فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ثُلُثَيْهِ (وَلَوْ) كَاتَبَهُ الْمَرِيضُ (عَلَى نِصْفِهَا) أَيْ نِصْفِ قِيمَتِهِ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفَانِ (أَدَّى ثُلُثَيْهَا حَالًّا) وَسَقَطَ الْبَاقِي مِنْ الْقِيمَةِ (أَوْ اُسْتُرِقَّ) يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ فِي الْمِقْدَارِ وَفِي التَّأْخِيرِ فَيَنْفُذُ بِالثُّلُثِ لَا الثُّلُثَيْنِ. (حُرٌّ كَاتَبَ عَنْ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَأَدَّى الْحُرُّ عَتَقَ) الْعَبْدُ (وَلَا يَرْجِعُ) الْحُرُّ (عَلَيْهِ وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَمُكَاتَبٌ) صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ حُرٌّ لِمَوْلَى الْعَبْدِ: كَاتِبْ عَبْدَك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ وَكَاتَبَهُ الْمَوْلَى عَلَى ذَلِكَ يَعْتِقُ بِأَدَائِهِ بِحُكْمِ الشَّرْطِ وَإِذَا قَبِلَ الْعَبْدُ صَارَ مُكَاتَبًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَتِهِ، وَقَبُولُهُ إجَازَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي إنْ أَدَّيْت إلَيْك أَلْفًا فَهُوَ حُرٌّ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَعْدُومٌ، وَالْعَقْدَ مَوْقُوفٌ، وَالْمَوْقُوفُ لَا حُكْمَ لَهُ وَيَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا إذْ لَا ضَرَرَ لِلْعَبْدِ الْغَائِبِ فِي تَعْلِيقِ عِتْقِهِ بِأَدَاءِ الْقَابِلِ فَيَصِحُّ فِي حَقِّي هَذَا الْحُكْمُ وَيُتَوَقَّفُ عَلَى لُزُومِ الْأَلْفِ وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ. (كُوتِبَ عَبْدٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ) الْعَقْدَ (فَأَيٌّ) مِنْهُمَا (أَدَّى) الْبَدَلَ (قَبِلَ) الْمَوْلَى ذَلِكَ الْبَدَلَ (جَبْرًا وَعَتَقَا) صُورَتُهُ: رَجُلٌ لَهُ عَبْدَانِ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا: كَاتِبْنِي بِأَلْفٍ عَنْ نَفْسِي وَعَنْ فُلَانٍ فَفَعَلَ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَصِحَّ فِي حِصَّةِ الْحَاضِرِ وَيُتَوَقَّفَ فِي حِصَّةِ الْغَائِبِ عَلَى قَبُولِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً جَعَلَ نَفْسَهُ فِيهِ أَصِيلًا، وَالْغَائِبُ تَبَعًا كَأَمَةٍ كُوتِبَتْ دَخَلَ أَوْلَادُهَا تَبَعًا حَتَّى عَتَقُوا بِأَدَائِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَدَلِ شَيْءٌ فَإِذَا صَحَّتْ عَنْ الْحَاضِرِ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَأْخُذَهُ بِكُلِّ الْبَدَلِ لِأَصَالَتِهِ فَأَيُّهُمَا أَدَّى يُجْبَرُ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ، أَمَّا الْحَاضِرُ فَلِكَوْنِ الْبَدَلِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْغَائِبُ فَلِأَنَّهُ يَنَالُ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ عَلَيْهِ وَصَارَ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ لِحَاجَتِهِ إلَى تَخْلِيصِ دَيْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ عَلَيْهِ. (وَ) أَيُّهُمَا أَدَّى (لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي حَقِّ الْآخَرِ (وَقَبُولُ الْغَائِبِ لَغْوٌ) فَلَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ لِنَفَاذِ الْعَقْدِ عَلَى الْحَاضِرِ (فَإِنْ حَرَّرَهُ) أَيْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى الْغَائِبَ (سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ) مِنْ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا فَكَانَ الْبَدَلُ مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ثُلُثِهِ) كَذَا بِصُورَةِ إفْرَادِ الثُّلُثِ فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ فِي ثُلُثَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ، وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَى الثُّلُثَيْنِ رَاجِعٌ لِلْحَقِّ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ اللُّزُومِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالثُّلُثَيْنِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى نِصْفِهَا) أَيْ إلَى أَجَلٍ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ أَدَّى ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: فَيَنْفُذُ فِي الثُّلُثِ لَا الثُّلُثَيْنِ) أَيْ صَحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثِ قِيمَتِهِ فِي الْإِسْقَاطِ، وَالتَّأْخِيرِ لَكِنْ لَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ الثُّلُثُ لَمْ يَبْقَ التَّأْخِيرُ أَيْضًا وَلَمْ يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ فِي ثُلُثَيْ الْقِيمَةِ لَا فِي حَقِّ الْإِسْقَاطِ وَلَا فِي حَقِّ التَّأْخِيرِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَبِلَ الْعَبْدُ فَمُكَاتَبٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ لَا أَقْبَلُهُ فَأَدَّى عَنْهُ الرَّجُلُ الَّذِي كَاتَبَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَدَّ بِرَدِّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: صُورَتُهُ. . . إلَخْ) إنَّمَا صُوِّرَ بِهَذِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِيهَا الْعَبْدُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بِأَدَاءِ الْحُرِّ الْقَابِلِ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ صُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْحُرُّ فِي مُكَاتَبَتِهِ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ عَلَى أَدَائِهِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: كَاتِبْ عَبْدَك فُلَانًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَكِنَّهُ يَعْتِقُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدَّى الْحُرُّ الْبَدَلَ لَا يُرْجَعُ عَلَى الْعَبْدِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى مَوْلَاهُ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ) يَعْنِي، وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ عِتْقُ الْعَبْدِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى بَعْضَ الْبَدَلِ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى الْمَوْلَى لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ سَوَاءٌ أَدَّى بِضَمَانٍ أَوْ بِغَيْرِ ضَمَانٍ وَإِذَا أَدَّى كُلَّ الْبَدَلِ بِضَمَانٍ يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا كَمَا لَوْ ضَمِنَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَدَّى يَرْجِعُ بِمَا أَدَّاهُ فَهَاهُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّاهُ بِلَا ضَمَانٍ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِهِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَتَمَّ مُرَادُهُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: كُوتِبَ عَبْدٌ حَاضِرٌ وَغَائِبٌ وَقَبِلَ الْحَاضِرُ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَهُ صَحَّ (قَوْلُهُ: لِحَاجَتِهِ إلَى تَخْلِيصِ عَيْنِهِ) هُوَ الصَّوَابُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ دَيْنِهِ بَدَلَ عَيْنِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ (قَوْلُهُ: وَقَبُولُ الْغَائِبِ لَغْوٌ) كَذَا رَدَّهُ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَرَّرَهُ سَقَطَ عَنْ الْحَاضِرِ حِصَّتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْرَأَهُ) أَيْ الْمَوْلَى

[باب كتابة العبد المشترك]

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِهِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَمَةِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ بِعِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَقْصُودًا وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا وَكَذَا وَلَدُهَا الْمُشْتَرَى (وَإِنْ حَرَّرَ) الْمَوْلَى الْمُكَاتَبَ (الْحَاضِرَ أَوْ مَاتَ) الْحَاضِرُ (سَقَطَ) حِصَّةُ الْحَاضِرِ (وَأَدَّى الْغَائِبُ حِصَّتَهُ حَالًّا، وَإِلَّا رُدَّ قِنًّا) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْعَقْدِ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ حَيْثُ يَبْقَى عَلَى نُجُومِ، وَالِدِهِ إذَا مَاتَ. (كُوتِبَتْ أَمَةٌ وَطِفْلَانِ لَهَا وَقَبِلَتْ فَأَيٌّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ وَعَتَقُوا) لِمَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. (بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ) (أَحَدُ شَرِيكَيْ عَبْدٍ أَذِنَ لِلْآخَرِ بِكِتَابَةِ حِصَّتِهِ) أَيْ حِصَّةِ الْآخَرِ (بِأَلْفٍ وَقَبْضِهِ) أَيْ قَبْضِ أَلْفٍ (فَفَعَلَ وَقَبَضَ بَعْضَهُ فَهُوَ لَهُ) أَيْ لِلْقَابِضِ (إنْ عَجَزَ) الْمُكَاتَبُ وَقَالَا هُوَ مُكَاتَبٌ بَيْنَهُمَا وَمَا أَدَّى فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمَا غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ فَالْإِذْنُ بِكِتَابَةِ نَصِيبِهِ إذْنٌ بِكِتَابَةِ الْكُلِّ فَالْقَابِضُ أَصِيلٌ فِي الْبَعْضِ وَوَكِيلٌ فِي الْبَعْضِ، وَالْمَقْبُوضُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَبَقِيَ كَذَلِكَ بَعْدَ الْعَجْزِ، وَعِنْدَهُ مُتَجَزِّئَةٌ فَيَكُونُ الْإِذْنُ مُقْتَصِرًا عَلَى نَصِيبِهِ، وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ فَبِالْإِذْنِ لَا يَبْقَى لَهُ ذَلِكَ وَإِذْنُهُ لِشَرِيكِهِ بِالْقَبْضِ إذْنٌ لِلْعَبْدِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نَصِيبِهِ عَلَى الْقَابِضِ فَيَكُونُ لَهُ (وَلَوْ) قَبَضَ (كُلَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ) أَيْ الْقَابِضِ. (مُكَاتَبَةٌ لِرَجُلَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ وَطِئَ الْآخَرُ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَعَجَزَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمَّا ادَّعَى الْوَلَدَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فَصَارَ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لَا تَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَيَقْتَصِرُ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ عَلَى نَصِيبِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِذَا ادَّعَى الْآخَرُ وَلَدَهَا الثَّانِيَ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ أَيْضًا لِقِيَامِ مِلْكِهِ ثُمَّ إذَا عَجَزَتْ جُعِلَتْ الْكِتَابَةُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمَةَ كُلَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِانْتِقَالِ قَدْ زَالَ وَوَطْؤُهُ سَابِقٌ (وَضَمِنَ) لِلْآخَرِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ (وَنِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَضَمِنَ شَرِيكُهُ عُقْرَهَا) بِالتَّمَامِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ الْغَيْرِ حَقِيقَةً فَلَزِمَهُ كَمَالُ الْعُقْرِ وَ (قِيمَةَ الْوَلَدِ) يَعْنِي الْوَلَدَ الثَّانِيَ (وَهُوَ ابْنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْرُورِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَطِئَهَا كَانَ مِلْكُهُ قَائِمًا ظَاهِرًا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ وَحُرٌّ بِالْقِيمَةِ كَمَا عَرَفْت (وَأَيٌّ دَفَعَ إلَيْهَا الْعُقْرَ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَحَقُّ الْقَبْضِ لَهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِمَنَافِعِهَا وَأَبْدَالِهَا وَإِذَا عَجَزَتْ تُرَدُّ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ (وَإِنْ دَبَّرَ الثَّانِي وَلَمْ يَطَأْهَا فَعَجَزَتْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ الْمِلْكَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْلِدَ تَمَلَّكَهَا قَبْلَ الْعَجْزِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَائِبُ أَوْ وَهَبَهُ مَالَ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ أَبْرَأَ الْحَاضِرُ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ عَتَقَا جَمِيعًا، كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: كُوتِبَتْ أَمَةٌ وَطِفْلَانِ لَهَا) إشَارَةٌ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ ثُبُوتَ الْجَوَازِ هَا هُنَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لَهَا بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَأَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ. اهـ. [بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ] (قَوْلُهُ: وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فَلَهُ حَقُّ الْفَسْخِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِالْكِتَابَةِ فِي الْحَالِ، وَفِي ثَانِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مُكَاتَبٌ وَفِي ثَانِي الْحَالِ يَصِيرُ مُسْتَسْعًى فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ، وَالْكِتَابَةُ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَصِحُّ فَسْخُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِرِضَى الْعَبْدِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى أَدَّى الْعَبْدُ عَتَقَ نِصْفُهُ وَيَرْجِعُ الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ مَا أَخَذَ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ الَّذِي كَاتَبَ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا قَبَضَ شَرِيكُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى بَدَلٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الْبَدَلِ، وَمَا يَكُونُ مِنْ الْكَسْبِ فِي يَدِ الْعَبْدِ لَهُ نِصْفُهُ بِالْكِتَابَةِ وَنِصْفُهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ هَذَا فِي الْكَسْبِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَمَا اكْتَسَبَهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْأَدَاءِ يَصِيرُ مُسْتَسْعًى وَهُوَ أَحَقُّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ مِنْ السَّيِّدِ، وَالْقَوْلُ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ حَادِثٌ فَيُحَالُ حُدُوثُهُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَبَضَ كُلَّهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ) أَيْ الْقَابِضُ الَّذِي أَذِنَهُ شَرِيكُهُ فِي مُكَاتَبَةِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مُشَارَكَتُهُ فِيمَا قَبَضَ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بِقَبْضِ الْبَدَلِ وَإِلَّا شَارَكَهُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ لِلْأَوَّلِ نِصْفَ قِيمَتِهَا) يَعْنِي حَالَ كَوْنِهَا مُكَاتَبَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَهُ فِي حَالِ كِتَابَتِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا وَمِنْ نِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّرِيكِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ وَفِي نِصْفِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَدَاءِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَيَجِبُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَبَقِيَتْ الرَّقَبَةُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَأَيُّ دَفَعَ إلَيْهَا الْعُقْرَ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا حَالَ قِيَامِ الْكِتَابَةِ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَفْسِهَا فَإِذَا عَجَزَتْ تَرُدُّهُ إلَى الْمَوْلَى لِظُهُورِ اخْتِصَاصِهِ بِهَا

[باب موت المكاتب وعجزه]

وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ بِالْعَجْزِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَهُ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ صَادَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ، وَالتَّدْبِيرُ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ الْغُرُورَ كَمَا مَرَّ (وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِلْأَوَّلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ وَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ (وَالْوَلَدُ لَهُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ دَعْوَتَهُ صَحِيحَةٌ لِقِيَامِ الْمُصَحِّحِ (وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ عُقْرِهَا) لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً (وَنِصْفَ قِيمَتِهَا) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نِصْفَهَا بِالِاسْتِيلَادِ وَهُوَ تَمَلُّكٌ بِالْقِيمَةِ (فَإِنْ حَرَّرَهَا) يَعْنِي إنْ كَانَا كَاتَبَاهَا ثُمَّ حَرَّرَهَا (أَحَدُهُمَا غَنِيًّا فَعَجَزَتْ ضَمِنَ الْمُحَرِّرُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ وَرَجَعَ) الضَّامِنُ بِهِ (عَلَيْهَا) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّاكِتَ إذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا. (عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَحَرَّرَهُ الْآخَرُ غَنِيًّا أَوْ عَكَسَا) أَيْ حَرَّرَهُ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا ثُمَّ دَبَّرَهُ الْآخَرُ (أُعْتِقَ الْمُدَبَّرُ أَوْ اسْتَسْعَى فِيهِمَا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ (أَوْ ضَمِنَ شَرِيكُهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ) وَهِيَ مَا إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا أَوَّلًا فَإِنَّهُ إذَا دَبَّرَهُ أَوَّلًا فَلِشَرِيكِهِ تَضْمِينُهُ أَوْ إعْتَاقُ حِصَّتِهِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ مِنْ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا أَعْتَقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ التَّضْمِينِ وَالِاسْتِسْعَاءِ وَأَفْسَدَ بِهِ نَصِيبَ الْمُدَبَّرِ فَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ أَوْ يَسْتَسْعِيَ أَوْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ مُدَبَّرًا وَهِيَ نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا أَوْ ثُلُثَاهَا كَمَا مَرَّ وَبِالضَّمَانِ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ صُورَةُ الْعَكْسِ إذَا حَرَّرَ الْأَوَّلُ فَلِلْآخَرِ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ عِنْدَهُ فَإِذَا دَبَّرَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ التَّضْمِينِ بَلْ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ فَوِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِسْعَاءِ ثَابِتَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالتَّضْمِينُ يَخْتَصُّ بِالْأُولَى وَعِنْدَهُمَا إذَا دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا فَإِعْتَاقُ الْآخَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَمْلِكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالتَّدْبِيرِ وَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ قِنًّا مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْعِسَارِ وَالْيَسَارِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا فَتَدْبِيرُ الْآخَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَيَسْعَى الْعَبْدُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إعْتَاقٍ فَيَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْعِسَارِ. . [بَابُ مَوْتِ الْمُكَاتَب وَعَجْزِهِ] (بَابُ الْمَوْتِ وَالْعَجْزِ) (مُكَاتَبٌ عَجَزَ عَنْ نَجْمٍ) النَّجْمُ الطَّالِعُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا (لَوْ) كَانَ (لَهُ مَالٌ سَيَصِلُ لَمْ يُعَجِّزْهُ الْحَاكِمُ) أَيْ لَمْ يَحْكُمْ بِعَجْزِهِ (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) نَظَرًا لِلْجَانِبَيْنِ فَإِنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَإِمْهَالِ الْخَصْمِ لِلدَّفْعِ، وَالْمَدْيُونِ لِلْقَضَاءِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ سَيَصِلُ (عَجَّزَهُ) هَذَا عِنْدَهُمَا،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعَجِّزُهُ حَتَّى يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ (وَفَسَخَهَا) أَيْ فَسَخَ الْحَاكِمُ الْكِتَابَةَ بَعْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ (بِطَلَبِ مَوْلَاهُ أَوْ) فَسَخَ مَوْلَاهُ (بِرِضَاهُ) أَيْ رِضَا الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَبْدُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَاءِ، كَمَا فِي الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنْفَرِدُ الْمَوْلَى بِالْفَسْخِ وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ كَمَا إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ، كَذَا فِي الْكَافِي: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْمَوْلَى حَقُّ الْفَسْخِ وَإِعَادَتِهِ إلَى الرِّقِّ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْعَبْدِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَفْسَخَ فِي الْجَائِزَةِ وَالْفَاسِدَةِ بِغَيْرِ رِضَاءِ الْمَوْلَى، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَعَادَ رِقُّهُ) لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ (وَمَا فِي يَدِهِ) مِنْ الْأَكْسَابِ (لِمَوْلَاهُ) إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ (وَإِنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ لَمْ تُفْسَخْ) الْكِتَابَةُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُفْسَخُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَنَحْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَعَجَزَتْ ضَمِنَ الْمُحَرِّرُ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِشَرِيكِهِ) يَعْنِي إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَهُ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ أَوْ اسْتَسْعَى (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ الضَّامِنُ بِهِ عَلَيْهَا عِنْدَهُ) يَعْنِي إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا لَا يَرْجِعُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَسْتَسْعِيهَا السَّاكِتُ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا اهـ يَعْنِي أَوْ يُعْتِقُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ السَّاكِتَ إذَا ضَمَّنَ الْمُعْتِقَ يَرْجِعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا) لَمْ يُقَدِّمْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَلِكَ بَلْ سَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرْته ثَمَّةَ وَوَجْهُ عَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا عِنْدَهُمَا أَنَّهُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِإِعْتَاقِهِ وَهُوَ فِعْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهَا ضَمَانُ مَا لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا (بَابُ الْمَوْتِ وَالْعَجْزِ) (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ تَامٌّ) يَعْنِي فِي حَقِّ الْمَوْلَى أَمَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ فَغَيْرُ لَازِمٍ نَظَرًا لَهُ فَيَمْلِكُ الْفَسْخَ مِنْ غَيْرِ رِضَى مَوْلَاهُ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

نَقُولُ تَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ (وَقَضَى بَدَلَهُ مِنْهُ وَحَكَمَ بِمَوْتِهِ حُرًّا، وَالْإِرْثِ مِنْهُ وَعِتْقِ بَنِيهِ سَوَاءٌ وُلِدُوا فِي كِتَابَتِهِ أَوْ شَرَاهُمْ حَالَ كِتَابَتِهِ أَوْ كُوتِبَ هُوَ وَابْنُهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِمَرَّةٍ) أَيْ بِكِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَتْبَعُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَبِعِتْقِهِ عَتَقُوا (وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَمَنْ وُلِدَ فِي كِتَابَتِهِ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِ وَبِأَدَائِهِ حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ) أَيْ عِتْقِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ، وَكَسْبُهُ كَكَسْبِهِ فَيَخْلُفُهُ فِي الْأَدَاءِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَرَكَ وَفَاءً. (تَرَكَ وَلَدًا شَرَاهُ فِيهَا) أَيْ فِي كِتَابَتِهِ (أَدَّى) الْوَلَدُ (الْبَدَلَ حَالًّا أَوْ رُدَّ رَقِيقًا) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُؤَدِّيهِ إلَى أَجَلِهِ اعْتِبَارًا بِالْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَلَهُ أَنَّ الْأَجَلَ ثَبَتَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ، وَالْمُشْتَرَى لَمْ يَدْخُلْ إذْ لَمْ يُضَفْ إلَى الْعَقْدِ وَلَمْ يَسْرِ حُكْمُهُ إلَيْهِ لِانْفِصَالِهِ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِهِ وَقْتَهَا فَيَسْرِي الْحُكْمُ إلَيْهِ وَإِذَا دَخَلَ فِي حُكْمِهِ سَعَى عَلَى نُجُومِهِ. (تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا يَفِي بِالْبَدَلِ فَجَنَى الْوَلَدُ وَقُضِيَ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ (عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ لَمْ يَكُنْ تَعْجِيزًا لِأَبِيهِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ يُقَرَّرُ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي إلْحَاقَ الْوَلَدِ بِمَوَالِي الْأُمِّ وَإِيجَابَ الْعَقْلِ عَلَيْهِمْ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْتِقَ فَيَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَالْقَضَاءُ بِمَا يُقَرِّرُ حُكْمَهُ لَا يَكُونُ تَعْجِيزًا وَإِنَّمَا قَالَ وَدَيْنًا يَفِي؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَيْنًا لَا يَتَأَتَّى الْقَضَاءُ بِالْإِلْحَاقِ بِالْأُمِّ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ (وَإِنْ اخْتَصَمَ قَوْمُ أُمِّهِ وَأَبِيهِ فِي وَلَائِهِ فَقُضِيَ بِهِ لِقَوْمِ أُمِّهِ فَهُوَ تَعْجِيزٌ) ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَضَاءِ بِكَوْنِ وَلَاءِ الْوَلَدِ لِمَوَالِي الْأُمِّ أَنَّ الْأَبَ مَاتَ رَقِيقًا وَانْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ. (طَابَ لِمَوْلَاهُ صَدَقَةٌ أَدَّاهَا إلَيْهِ فَعَجَزَ) يَعْنِي أَنَّ مَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَصْرِفًا لِلصَّدَقَةِ زَكَاةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا، فَأَخَذَ الْمُكَاتَبُ الزَّكَاةَ مَثَلًا لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَصَارِفِ وَأَدَّاهُ إلَى الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ عَجَزَ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَوْلَى أَخَذَ الزَّكَاةَ غَنِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عِوَضًا عَنْ الْعِتْقِ زَمَانَ الْأَخْذِ، وَالْعَبْدُ قَدْ أَخَذَهُ صَدَقَةً وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ قَائِمٌ مَقَامَ تَبَدُّلِ الذَّاتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَرِيرَةَ هِيَ لَك صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ. (جَنَى) الْمُكَاتَبُ (جِنَايَةً أَوْ جِنَايَاتٍ خَطَأً كَانَ عَلَيْهِ حَالًّا) أَيْ عَلَى الْمُكَاتَبِ (فِي كَسْبِهِ) لَا عَلَى مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى رَقَبَةً وَذَاتًا حُرٌّ يَدًا وَتَصَرُّفًا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ رَقَبَةً يَكُونُ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَوْلَى وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَكَسْبًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَوْلَى فَجُعِلَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ فِي كَسْبِهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجَبُ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا حَقًّا فِي أَكْسَابِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَهِيَ حَقُّهُمَا فَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِمَا (الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَكِنْ تَعَذَّرَ دَفْعُهُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ وَلَوْ كَانَ مُمْكِنَ الدَّفْعِ يَتَخَلَّصُ الْمَوْلَى بِدَفْعِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَرْشُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِتْقِ بَنِيهِ) لَوْ قَالَ وَلَدَهُ كَالْكَنْزِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْبَنَاتَ (قَوْلُهُ: وَبِأَدَائِهِ حُكِمَ بِعِتْقِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبِعِتْقِهِ) كَذَا جَعَلَ الْعِتْقَ مُسْتَنِدًا صَاحِبُ الْكَنْزِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ وَأُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ يَسْتَنِدُ الْعِتْقُ إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ وَإِنْ مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ لَكِنْ تَرَكَ وَلَدًا وُلِدَ فِي الْكِتَابَةِ وَسَعَى عَلَى نُجُومِ أَبِيهِ وَأَدَّى لَا يَسْتَنِدُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ اهـ. وَيُنْظَرُ الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا رَضِيعًا أَوْ لَمْ يَصِلْ لِقُدْرَةِ الْكَسْبِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ. (قَوْلُهُ: تَرَكَ وَلَدًا اشْتَرَاهُ فِيهَا إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَا كَالْوَلَدِ فَيُبَاعَانِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا مُشْتَرًى أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا يَسْعَى عَلَى نُجُومِ الْمُكَاتَبِ كَالْوَلَدِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ، كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ عَيْنًا يَعْنِي يَفِي بِالْبَدَلِ لِتَعْلِيلِهِ بِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ فِي الْحَالِ. تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا يَفِي بِالْبَدَلِ فَجَنَى الْوَلَدُ وَقُضِيَ بِهِ أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى عَاقِلَةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى نُفُوذِ الْقَضَاءِ وَلُزُومِهِ وَذَلِكَ لِصِيَانَةِ الْقَضَاءِ عَنْ الْبُطْلَانِ وَفِي صِيَانَتِهِ بُطْلَانُ مَا يَجِبُ رِعَايَتُهُ وَهُوَ الْكِتَابَةُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ حَدُّ الْبُطْلَانِ أَرْجَحَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَاقَى فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ نَفَذَ بِالْإِجْمَاعِ وَصِيَانَةُ مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ صِيَانَةِ كِتَابَةٍ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي بَقَائِهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: طَابَ لِمَوْلَاهُ صَدَقَةٌ أَدَّاهَا إلَيْهِ فَعَجَزَ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَطِيبُ لِلسَّيِّدِ مَا يَجِدُهُ فِي يَدِ عَبْدِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ بَعْدَ الْعَجْزِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا طَابَ مَا أَخَذَهُ الْفَقِيرُ صَدَقَةً ثُمَّ اسْتَغْنَى أَوْ تَرَكَهُ لِوَارِثِهِ الْغَنِيِّ وَمَا أَخَذَهُ ابْنُ السَّبِيلِ ثُمَّ وَصَلَ إلَى مَالِهِ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَبَدَّلْ كَمَا إذَا أَبَاحَ الْفَقِيرُ لِلْغَنِيِّ أَوْ الْهَاشِمِيِّ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ أَوْ أَبَاهُ مَا اشْتَرَاهُ فَاسِدًا لَا يَطِيبُ بِالْإِبَاحَةِ وَلَوْ مَلَكَهُ يَطِيبُ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: الْجِنَايَةُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لِلْقِيمَةِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِيمَةُ لَا الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ، وَالْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

[كتاب الولاء]

فَإِذَا تَعَذَّرَ دَفْعُهُ يَتَخَلَّصُ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ كَمَا فِي الْمُدَبَّرِ (وَإِنْ تَكَرَّرَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَزِمَتْهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) وَلَوْ جَنَى فَقُضِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَنَى أُخْرَى يُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُكَاتَبِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الصُّلْحِ أَوْ الْيَأْسِ عَنْ الدَّفْعِ بِأَنْ يَعْتِقَ أَوْ يَمُوتَ فَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَى مَا يُوجِبُ تَوْكِيدَهَا بِأَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ. (أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ لَزِمَتْهُ فِي كَسْبِهِ) يَعْنِي لَوْ أَقَرَّ الْمُكَاتَبُ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ لَزِمَتْهُ وَحُكِمَ بِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُسْتَحَقَّةٌ فِي كَسْبِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ فَيَنْفُذُ إقْرَارُهُ كَالْحُرِّ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ، كَذَا فِي الْقَاعِدِيَّةِ. (جَنَى عَبْدُ فَكَاتَبَهُ مَوْلَاهُ جَاهِلًا) بِجِنَايَتِهِ (فَعَجَزَ أَوْ) جَنَى (مُكَاتَبٌ فَلَمْ يُقْضَ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ جِنَايَتِهِ (فَعَجَزَ دَفَعَ) الْمَوْلَى الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (أَوْ فَدَى) ؛ لِأَنَّهُ الْمُوجَبُ لِجِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ حَتَّى يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لَكِنْ الْكِتَابَةَ مَانِعَةٌ لِلدَّفْعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَادَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ (وَإِنْ قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ مُكَاتَبًا فَعَجَزَ بِيعَ فِيهِ) لِانْتِقَالِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَتِهِ إلَى قِيمَتِهِ بِالْقَضَاءِ (لَا تَنْفَسِخُ) أَيْ الْكِتَابَةُ (بِمَوْتِ مَوْلَاهُ) ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ وَسَبَبُ حَقِّ الْمَرْءِ حَقُّهُ (وَيُؤَدِّي الْبَدَلَ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْحُرِّيَّةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالسَّبَبُ انْعَقَدَ كَذَلِكَ فَيَبْقَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَكِنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ فِي الِاسْتِيفَاءِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَعْتِقُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، وَالْوِرَاثَةُ مِنْهَا (فَإِنْ أَعْتَقُوهُ عَتَقَ مَجَّانًا) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَعْتِقَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ يُجْعَلُ إبْرَاءً عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ حَقُّهُمْ، وَقَدْ جَرَى فِيهِ الْإِرْثُ فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً اقْتِضَاءً أَوْ إقْرَارًا بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ فَيَعْتِقُ كَمَا إذَا أَبْرَأَهُ الْمَوْلَى عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ كُلِّهِ وَشَرَطَ أَنْ يَعْتِقُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَعْتَقُوهُ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا لَمْ يَعْتِقْ وَقِيلَ يَعْتِقُ إذَا أَعْتَقَهُ الْبَاقُونَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ. (تَحْتَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَمَةٌ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ) فَحَصَلَتْ حُرْمَةٌ غَلِيظَةٌ (فَمَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا (حَتَّى تَنْكِحَ) تِلْكَ الْمَرْأَةُ زَوْجًا (غَيْرَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَإِنَّ النِّكَاحَ هَاهُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَاشْتِرَاطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِحَدِيثِ الْعُسَيْلَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. (كِتَابُ الْوَلَاءِ) (هُوَ) لُغَةً: مِنْ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ، وَشَرْعًا: (قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ تَكَرَّرَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَزِمَتْهُ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) فِيهِ قُصُورٌ لِحُكْمِهِ بِلُزُومِ الْقِيمَةِ، وَاللَّازِمُ الْأَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْ الْأَرْشِ وَفِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بِقَوْلِهِ سَابِقًا أَوْ جِنَايَاتٍ خَطَأً وَكَانَ يُغْنِيهِ عَنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ ثَمَّةَ أَوْ جِنَايَاتٍ خَطَأً قَبْلَ الْقَضَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ) (الْيَأْسِ عَنْ الدَّفْعِ) أَيْ دَفْعِ رَقَبَتِهِ لِرَدِّهِ إلَى الرِّقِّ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ حَتَّى عَجَزَ بَطَلَتْ، كَذَا فِي الْقَاعِدِيَّةِ) قَدْ أَوْهَمَ الْمُصَنِّفُ وَأَبْعَدَ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَمَّا الْإِيهَامُ فَلِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ أَصْلًا بَلْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِلْعَوْدِ فِي الرِّقِّ وَيُؤَاخَذُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَنَصَّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ قَتَلَ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ عَجَزَ أَوْ أَقَرَّ بِقَتْلٍ عَمْدٍ ثُمَّ صَالَحَ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى عَجَزَ فَهُوَ مُطَالَبٌ بَعْدَ الْعِتْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا مُطْلَقًا أَيْ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْحَالِ وَيُبَاعُ فِيهِ بَعْدَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُضِيَ بِهِ) أَيْ بِمُوجَبِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِهَا (قَوْلُهُ: وَيُؤَدِّي الْبَدَلَ إلَى وَرَثَتِهِ عَلَى نُجُومِهِ) هَذَا إذَا كَاتَبَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ أَيْ فَيُؤَدِّي ثُلُثَيْ الْبَدَلِ حَالًّا، وَالْبَاقِيَ عَلَى نُجُومِهِمْ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْإِعْتَاقُ مِنْهُمْ إبْرَاءً اقْتِضَاءً) يُشِيرُ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ إبْرَاءِ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ جَمِيعًا لَمْ تَثْبُتْ إلَّا اقْتِضَاءً فِي ضِمْنِ الْعِتْقِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُقْتَضِي لَا يَثْبُتْ الْمُقْتَضَى وَهُوَ إبْرَاءُ الْبَعْضِ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: فَمَلَكَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَبْقَى عَلَى الْكِتَابَةِ حَتَّى مَلَكَهَا، وَالْمَمْلُوكَةُ لَا يَنْكِحُهَا مَوْلَاهَا وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ التَّسَرِّي بِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَعْتِقَ قَبْلَ مِلْكِهَا ثُمَّ مَلَكَهَا، وَالْحُكْمُ فِي عَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا كَذَلِكَ وَتَصْحِيحُ عِبَارَةِ مَتْنِهِ أَنْ يُقَالَ: فَمَلَكَهَا يَعْنِي بِعَدَمِ عِتْقِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَيْ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ اهـ. وَلَكِنْ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى. . . إلَخْ) الِاسْتِدْلَال بِهِ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّهُ قُدِّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُقَالَ، وَالثِّنْتَانِ فِي الْأَمَةِ كَالثَّلَاثِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ. [كِتَابُ الْوَلَاءِ] (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً مِنْ الْوَلِيِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ) وَلِذَا يُقَالُ بَيْنَهُمَا وَلَاءٌ أَيْ: قَرَابَةٌ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ الْعِتْقِ

أَوْ الْمُوَالَاةِ الْأُوَلُ) أَيْ الْوَلَاءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْعِتْقِ يَكُونُ (لِمُعْتَقٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَبْدَهُ لَا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ حَتَّى إذَا خَرَجَا إلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ لَا يَرِثُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الذِّمِّيُّونَ يَتَوَارَثُونَ بِالْوَلَاءِ كَالْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِ الْإِرْثِ (وَلَوْ بِتَدْبِيرٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إيلَادٍ) أَيْ جَعْلِ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدِهِ (أَوْ مِلْكِ قَرِيبٍ) بِأَنْ يَمْلِكَ قَرِيبَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا إعْتَاقٌ يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . (وَإِنْ شَرَطَ عَدَمَهُ) يَعْنِي لَوْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَشَرَطَ أَنْ لَا يَرِثَهُ كَانَ الشَّرْطُ لَغْوًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرِثُهُ كَمَا فِي النَّسَبِ إذَا شَرَطَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ وَأُورِدَ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ إنَّمَا يَعْتِقَانِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَأُجِيبُ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَرْتَدَّ الْمَوْلَى وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُحْكَمَ بِعِتْقِ مُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا فَمَاتَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ فَالْوَلَاءُ لَهُ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ ثُبُوتِهِ لِلْمَوْلَى فَإِنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ أَوْ لَا لِصُدُورِ سَبَبِ الْعِتْقِ مِنْهُ ثُمَّ يَسْرِي مِنْهُ إلَى عَصَبَتِهِ. (أَعْتَقَ أَمَةً زَوْجُهَا قِنُّ الْغَيْرِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ زَوْجُهَا قِنٌّ (فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ الْإِعْتَاقِ فَلَهُ وَلَاءُ الْوَلَدِ بِلَا نَقْلٍ عَنْهُ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ عَبْدُ رَجُلٍ أَمَةً لِآخَرَ فَأَعْتَقَ مَوْلَى الْأَمَةِ الْأَمَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ الْعَبْدِ عَتَقَتْ وَعَتَقَ حَمْلُهَا ثُمَّ يَسْرِي مِنْهُ وَوَلَاءُ الْحَمْلِ لِمَوْلَى الْأُمِّ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ عَلَى مُعْتِقِ الْأُمِّ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا يَقْبَلُ الْإِعْتَاقَ قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ كَشَخْصٍ عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ يَجُوزُ انْفِرَادُهُ بِالْعِتْقِ فَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ عَنْهُ لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ (وَكَذَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ (وَالْآخَرُ لِأَكْثَرَ مِنْهُ وَبَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ (أَقَلُّ مِنْ الْأَقَلِّ) أَيْ أَقَلُّ مِنْ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ يَعْنِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ حَوْلٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حِينَئِذٍ أَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعِتْقِ وَتَيَقَّنَّا أَنَّهُمَا تَوْأَمَانِ حَمَلَتْ بِهِمَا جُمْلَةً لِعَدَمِ تَخَلُّلِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا تَنَاوَلَ الْإِعْتَاقُ الْأَوَّلَ تَنَاوَلَ الْآخَرَ أَيْضًا ضَرُورَةً فَصَارَ مُعْتِقًا لَهُمَا وَوَلَاؤُهُمَا لَهُ لَا يَنْتَقِلُ مِنْهُ أَبَدًا (وَلَوْ وَلَدَتْ) وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا (لِلْأَكْثَرِ) أَيْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (فَوَلَاؤُهُ) أَيْ وَلَاءُ الْوَلَدِ (لِمَوْلَاهَا) ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ تَبَعًا لِلْأُمِّ لِاتِّصَالِهِ بِهَا عِنْدَ عِتْقِهَا، وَقَدْ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ تَبَعًا لِلْأَبِ لِرِقِّيَّتِهِ (فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى قَوْمِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» ثُمَّ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ فَكَذَا الْوَلَاءُ، وَالنِّسْبَةُ إلَى مَوَالِي الْأُمِّ كَانَتْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْأَبِ ضَرُورَةً فَإِذَا صَارَ أَهْلًا عَادَ الْوَلَاءُ إلَيْهِ. (عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ نَكَحَ مُعْتَقَةً) سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهَا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (فَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَاهَا) عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حُكْمُهُ حُكْمُ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأَبِ كَمَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ عَبْدًا؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ مَعْنًى وَلَهُمَا أَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْكَفَاءَةُ فِيهِ، وَالنَّسَبُ فِي حَقِّ الْعَجَمِ ضَعِيفٌ لِتَضْيِيعِهِمْ أَنْسَابَهُمْ وَلِهَذَا لَا تُعْتَبَرُ الْكَفَاءَةُ بِالنَّسَبِ بَيْنَهُمْ، وَالضَّعِيفُ لَا يُعَارِضُ الْقَوِيَّ بِخِلَافِ مَا إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الْمُوَالَاةِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ الْعِتْقُ عَلَى الْمِلْكِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ سَبَبَهُ الْإِعْتَاقُ وَوَجْهُ الصَّحِيحِ أَنَّ الْعِتْقَ يَكُونُ بِلَا إعْتَاقٍ كَعِتْقِ الْقَرِيبِ بِالْوِرَاثَةِ وَسَبَبُ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ الْعَقْدُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ: لِمُعْتِقٍ غَيْرِ حَرْبِيٍّ. . . إلَخْ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ إعْتَاقُ الْمُسْلِمِ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِهِ بِالْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِالتَّخْلِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ مَوْلَاهُ لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِالْقَوْلِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ حَتَّى لَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ لَا وَلَاءَ لِلْمُعْتِقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إعْتَاقٌ) فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ بِمِلْكِ الْقَرِيبِ يَحْصُلُ الْعِتْقُ بِلَا إعْتَاقٍ وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ (قَوْلُهُ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِعَصَبَةِ الْمَوْلَى) يَعْنِي الْمُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَضَاءُ دُيُونِهِ وَنَحْوِهَا مِنْهُ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ يَجُوزُ انْفِرَادُهُ) الْأَوْلَى إفْرَادُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا بَعْدَ عِتْقِهَا لِلْأَكْثَرِ) أَيْ مِنْ الْأَقَلِّ فَهُوَ شَامِلٌ لِلسِّتَّةِ فَمَا فَوْقَهَا فَقَوْلُهُ: أَيْ لِلْأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ مَتْنِهِ حُكْمَ السِّتَّةِ كَمَا فَوْقَهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى قَوْمِهِ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَدَّةً فَإِنْ كَانَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ لَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ عِتْقِ الْأُمِّ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ) إنَّمَا فَرْضُهُ فِيمَنْ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ لِيَكُونَ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُهَا مِنْ الْعَرَبِ أَوْ غَيْرِهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وَضْعَ الْقُدُورِيِّ الْخِلَافَ فِي مُعْتَقَةِ الْعَرَبِ اتِّفَاقِيٌّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ.

كَانَ الْأَبُ عَرَبِيًّا؛ لِأَنَّ أَنْسَابَ الْعَرَبِ قَوِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ فِي حُكْمِ الْكَفَاءَةِ، وَالْعَقْلُ مِنْ الْعَاقِلَةِ لِكَوْنِ تَنَاصُرِهِمْ بِهَا فَأَغْنَتْ عَنْ الْوَلَاءِ. (الْأُمُّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِي أَصْلِهَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِقَوْمِ الْأَبِ وَيَرِثُهُ مُعْتِقُ الْأُمِّ وَعَصَبَتُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ حُرُّ الْأَصْلِ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَى نَفْسِهِ رِقٌّ بَلْ تَوَلَّدَ مِنْ مُعْتِقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَالْعُلُوقِ أَوْ مِمَّنْ فِي أَصْلِهَا رَقِيقٌ، وَالثَّانِي مَنْ لَا يَكُونُ فِي أَصْلِهِ رِقٌّ أَصْلًا وَأَنَّ الْوَلَاءَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ، كَمَا فِي الْعِتْقِ، وَزَوَالُهُ فَرْعُ ثُبُوتِهِ وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا يَسْرِي مِلْكُ الْأَبِ إلَى الْوَلَدِ فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ مُعْتِقِ الْأُمِّ، وَعَصَبَتُهُ فِي حُكْمِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْأُمِّ رِقٌّ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَاءٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ قَطْعِيًّا فِي مَعْنًى وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ الْمُحْتَمِلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الرِّوَايَاتِ إذَا عَرَفْت هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةً أَصْلِيَّةً فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى أُمِّهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْوَلَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَوَالِ الْمِلْكِ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِالْوَاسِطَةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فَإِذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْوَلَدِ مِلْكٌ فَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ وَوَافَقَهُ كَلَامُ الشَّيْخِ رَشِيدِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ مَسْعُودِ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمَشْهُورِ بِالْمَسْعُودِيِّ وَكَلَامُهُ فِيمَا صَنَّفَهُ فِي الْفَرَائِضِ وَسَمَّاهُ بِالْكَافِي وَأَمَّا مَا قَالَ فِي الْمُنْيَةِ الْوَلَدُ وَإِنْ عَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ بِأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً أَصْلِيَّةً أَوْ عَارِضِيَّةً يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ وَلَاءٌ إمَّا لِقَوْمِ الْأَبِ أَوْ لِقَوْمِ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأَبِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ لَا وَلَاءَ لِقَوْمِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ حُرَّ الْأَصْلِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ عِتْقٌ فَالْمُتَبَادِرُ مِنْ ظَاهِرِهِ أَنَّ الْأُمَّ إذَا كَانَتْ حُرَّةَ الْأَصْلِ مُطْلَقًا جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى وَلَدِهَا الْوَلَاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ هَاهُنَا الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِقَرِينَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْوَلَدَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ حُرَّةٍ عَارِضِيَّةٍ وَهِيَ الْمُعْتَقَةُ حُرَّ الْأَصْلِ ثُمَّ جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ مُقَابِلَةً لِلْعَارِضِيِّ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ الْحَقِّ فَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأَبِ مَا إذَا كَانَ فِي نَسَبِ الْأَبِ رَقِيقٌ وَالْوَلَدُ وُلِدَ مِنْ مُعْتِقِهِ أَوْ مِمَّنْ وَلَدَتْ مِنْ مُعْتِقِهِ، وَصُورَةُ كَوْنِ الْوَلَاءِ لِقَوْمِ الْأُمِّ مَا إذَا كَانَ الْأَبُ نِبْطِيًّا حُرَّ الْأَصْلِ تَزَوَّجَ بِمُعْتَقَةِ إنْسَانٍ أَوْ مَنْ وُلِدَتْ مِنْ مُعْتَقَةٍ فَإِنَّ وَلَاءَ الْوَلَدِ فِي الْأَوَّلِ لِقَوْمِ الْأَبِ اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِي لِقَوْمِ الْأُمِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ أَصْلِيَّيْنِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ وَإِذَا كَانَا مُعْتَقَيْنَ أَوْ فِي أَصْلِهِمَا مُعْتَقٌ فَالْوَلَاءُ لِقَوْمِ الْأَبِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا أَوْ فِي أَصْله مُعْتَقٌ وَالْأُمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْأَبُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ عَرَبِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَلَدِهِ مُطْلَقًا تَقْيِيدُهُ بِالْعَرَبِيِّ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَبُ مَوْلَى عَرَبِيٍّ لَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْعَرَبِيِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَجَمِيًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ عَجَمِيٌّ لَهُ مَوْلَى مُوَالَاةٍ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَلَاءِ) هَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَثُبُوتُهُ عَلَى الْوَلَدِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) يَعْنِي بِالْأَصَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ لِمَوَالِيهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَقَدْ حَمَلَتْ بِالْوَلَدِ بَعْدَ عِتْقِهَا ثُمَّ أُعْتِقَ الْأَبُ فَجَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيه كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ زَوَالُهُ عَنْ الْوَلَدِ إلَّا مِنْ قِبَلِ مُعْتِقِ الْأُمِّ) يَعْنِي زَوَالًا بِوَاسِطَةٍ كَمَا سَيَذْكُرُ وَإِلَّا فَالْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا مُلِكَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَالِكُهُ كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ لَا لِمَوَالِي الْأُمِّ وَلَا لِمَوَالِي الْأَبِ وَكَذَا لَوْ كَانَ حَمْلًا أَوْصَى بِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُرَادُهُ بِالْحُرِّيَّةِ. . . إلَخْ) فِيهِ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَالْمُخَالَفَةُ ثَابِتَةٌ، وَحَصَلَ التَّدَافُعُ فِي كَلَامِ الْمُنْيَةِ عَلَى هَذَا لِتَجْوِيزِهِ الْوَلَاءَ عَلَى مَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ بِالْأَصَالَةِ ثُمَّ نَفْيِهِ عَنْهُ بَعْدَهُ

حُرَّةَ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ عَرَبِيَّةً أَوْ لَا فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ لِقَوْمِ الْأَبِ، وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَلَا وَلَاءَ عَلَى الْوَلَدِ لِقَوْمِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ لِقَوْمِ الْأُمِّ عَلَيْهِ وَلَاءٌ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهَاهُنَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي رِسَالَتِنَا الْمَعْمُولَةِ فِي الْوَلَاءِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ. (ثُمَّ الْمُعْتَقُ عَصَبَةٌ) أَيْ شَخْصٌ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْ صَاحِبِ الْفَرْضِ وَكُلَّ الْمَالِ عِنْدَ عَدَمِهِ (أُخِّرَتْ عَنْ) الْعَصَبَةِ (النِّسْبِيَّةِ) وَهِيَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْفَرَائِضِ إمَّا عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ أَيْ ذَكَرٌ لَا فَرْضَ لَهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى، وَإِمَّا بِغَيْرِهِ وَهِيَ أُنْثَى يُعَصِّبُهَا ذَكَرٌ، وَإِمَّا مَعَ غَيْرِهِ كَ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ تَصِيرُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ وَكُلُّهُمْ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُعْتَقِ (وَقُدِّمَتْ) الْعَصَبَةُ (عَلَى ذِي رَحِمٍ) وَهُوَ مَنْ لَا فَرْضَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى. (فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ ثُمَّ الْمُعْتَقُ فَإِرْثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ) أَيْ إنْ مَاتَ السَّيِّدُ (ثُمَّ الْمُعْتَقُ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ النَّسَبِ فَإِرْثُهُ لِأَقْرَبِ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ) عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَعْرُوفِ (وَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ بِالْوَلَاءِ (الْعَقْلُ) وَهُوَ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ (وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ) ، وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِهِ. (ادَّعَيَا) أَيْ شَخْصَانِ (وَلَاءَ مَيِّتٍ وَبَرْهَنَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (أَنَّهُ أَعْتَقَهُ يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا) لِجَوَازِ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ كَمَا فِي الْمِلْكِ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْيَةِ. (لَا وَلَاءَ لِلنِّسَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ أَوْ دَبَّرْنَ أَوْ دَبَّرَ مَنْ دَبَّرْنَ أَوْ جَرُّ وَلَاءِ مُعْتَقِهِنَّ أَوْ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ» أَيْ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقْنَهُ أَوْ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَهُ وَأَمَّا وَلَاءُ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ عَرَفْت بَيَانَهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَعَرَفْت أَيْضًا مَسْأَلَةَ جَرِّ الْوَلَاءِ (وَالثَّانِي) أَيْ الْوَلَاءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُوَالَاةِ (إذَا وَالَى حُرٌّ مُكَلَّفٌ) أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْمُوَالَاةِ تَصَرُّفٌ دَائِرٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيجَابَ الْإِرْثِ وَالْتِزَامَ الْعَقْلِ فَلَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنٍ كَمَا سَيَأْتِي (مَجْهُولَ النَّسَبِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ نَسَبُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ (غَيْرَ عَرَبِيٍّ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبِ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْوَلَاءِ (أَوْ) ، وَالَى (صَبِيٌّ عَاقِلٌ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْقِلْ لَمْ يُعْتَبَرْ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا (بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهُ بِأَنْ مَلَكَ قَرِيبَهُ أَوْ كَاتَبَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِلصَّبِيِّ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ إذَا صَدَرَ عَنْهُ عَقْدُهَا بِالْإِذْنِ (أَوْ) ، وَالَى (الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ سَيِّدِهِ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ (آخَرَ) مَفْعُولُ، وَالَى (عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ، وَالَى بَيَانٌ لِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ أَيْ إنْ مَاتَ الْأَسْفَلُ وَرِثَهُ الْأَعْلَى (وَيَعْقِلُ عَنْهُ) أَيْ إنْ جَنَى الْأَسْفَلُ فَدِيَتُهُ عَلَى الْأَعْلَى سَوَاءٌ (أَسْلَمَ) الْأَسْفَلُ (فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْأَعْلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ مُعْتَقَةً وَالْأَبُ حُرَّ الْأَصْلِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا) صَوَابُهُ حَذْفُ إنْ مِنْ " وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا " لِكَوْنِهِ قَسِيمًا لِقَوْلِهِ " بَعْدَهُ " وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْعَرَبِيِّ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلْآبَاءِ وَإِنْ ضَعُفَ وَلَهُمَا أَنَّهُ لِلنُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَى الْعَرَبِ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالْقَبَائِلِ. (قَوْلُهُ: يُقْضَى بِالْمِيرَاثِ وَالْوَلَاءِ لَهُمَا) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الْيَدِ لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ إذْ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَهُمَا سِيَّانِ وَلَمْ يُرَجَّحْ صَاحِبُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْعِتْقُ لَا يَتَأَكَّدُ بِالْقَبْضِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ. وَهَذَا إذَا لَمْ يُؤَقِّتَا وَلَمْ يَسْبِقْ الْقَضَاءُ بِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ وَقَّتَا فَالسَّابِقُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْعِتْقَ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ كَانَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْمُوَالَاةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَالْفَسْخَ فَكَانَ عَقْدُ الثَّانِي نَقْضًا لِلْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ صَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَانَ عَقَلَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَأَشْبَهَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ فَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَيَبْطُلُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا. اهـ. (قَوْلُهُ: مَجْهُولَ النَّسَبِ) مَفْعُولُ، وَالَى لَا صِفَةٌ لِحُرٍّ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَعْلَى لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ جَهْلُ النَّسَبِ، وَلَا كَوْنُهُ غَيْرَ عَرَبِيٍّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرَ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ عَنْ مُوَالَاةِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيُّ غَيْرَهُمَا فَيَجْعَلُ الْعِبَارَةَ هَكَذَا، وَالَى حُرٌّ مُكَلَّفٌ أَوْ صَبِيٌّ عَاقِلٌ أَوْ عَبْدٌ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَسَيِّدِهِ مَجْهُولَ النَّسَبِ عَلَى أَنْ يَرِثَهُ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَغَيْرَ) عَرَبِيٍّ يُغْنِي وَلَا مَوْلَى عَرَبِيٍّ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ: وَيُغْنِي عَنْ هَذَا كَوْنُهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ أَنْسَابُهُمْ مَعْلُومَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ صَبِيٌّ بِإِذْنِ أَبِيهِ) عَطْفٌ عَلَى حُرٍّ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ إلَخْ) لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ، وَالْعَقْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ بِالِالْتِزَامِ وَهُوَ بِالشَّرْطِ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمِنْهَا أَيْ الشَّرَائِطِ أَنْ يُشْتَرَطَ الْمِيرَاثُ وَالْعَقْلُ اهـ. وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ عَلَى وُجُوبِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ لِصِحَّةِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي وَرَدَّهُ قَاضِي زَادَهْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ

(أَوْ لَا) فَإِنَّ مَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذِكْرِ الْإِسْلَامِ فِي يَدِهِ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَعَقْلُهُ عَلَيْهِ وَإِرْثُهُ لَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ) أَيْ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ، وَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَهْلٌ لِلْإِرْثِ وَالْتِزَامِ الْمَالِ (وَلِلسَّيِّدِ فِي الْأَخِيرِ) أَيْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُمَا بَلْ هُوَ وَكِيلٌ مِنْ الْأَهْلِ كَمَا مَرَّ. (وَلَوْ شُرِطَ) أَيْ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ (مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَتَوَارَثَانِ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْ صِحَّتِهِ (بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى (وَأُخِّرَ) مَوْلَى الْمُوَالَاةِ (عَنْ ذِي رَحِمٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ عَقْدُهُمَا فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمَا وَذُو الرَّحِمِ وَارِثٌ شَرْعًا فَلَا يَمْلِكَانِ إبْطَالَهُ (لِلْأَسْفَلِ النَّقْلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ يَجُوزُ لِلْأَسْفَلِ أَنْ يَنْقُلَ وَلَاءَهُ عَنْ الْأَعْلَى إلَى غَيْرِهِ (مَا لَمْ يَعْقِلْ) عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا عَقَلَ عَنْ الْأَسْفَلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ وَلَاءَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ (أَوْ عَنْ وَلَدِهِ) فَإِنَّهُمَا فِي حَقِّ الْوَلَاءِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ (وَلِلْأَعْلَى التَّبَرِّي عَنْهُ) أَيْ عَنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ (بِمَحْضَرٍ مِنْهُ) أَيْ الْأَسْفَلِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِلْأَعْلَى أَنْ يَتَبَرَّأَ عَنْ وَلَائِهِ لِعَدَمِ اللُّزُومِ إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ يَكُونَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَصْدًا بِخِلَافِ مَا إذَا عَقَدَ الْأَسْفَلُ مَعَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ حُكْمِيٌّ بِمَنْزِلَةِ الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ فِي الْوَكَالَةِ. (الْمُعْتَقُ لَا يُوَالِي أَحَدًا) ؛ لِأَنَّ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ لَازِمٌ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ (وَالَتْ امْرَأَةٌ) أَيْ عَقَدَتْ عَقْدَ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ مَعَ شَخْصٍ (فَوَلَدَتْ مَجْهُولَ النَّسَبِ) أَيْ وَلَدًا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ (وَتَبِعَهَا) وَلَدُهَا وَيَصِيرَانِ مَوْلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ (كَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ) أَيْ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ (أَوْ أَنْشَأَتْهُ وَهُوَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ وَلَدَهَا الْمَجْهُولَ النَّسَبِ (مَعَهَا) فَإِنَّهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَتَبِعَهَا وَلَدُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَتْبَعُهَا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي مَالِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَهُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ صَغِيرٍ لَا يُدْرَى لَهُ أَبٌ فَلْتَمْلِكْهُ الْأُمُّ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَالَى ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ وَهُوَ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ فَكَذَلِكَ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ حَرْبِيٍّ وَوَالَاهُ هَلْ يَصِحُّ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْحَرْبِيِّ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الذِّمِّيِّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِي عَقْدِ الْمُوَالَاةِ مَعَ الْحَرْبِيِّ تَنَاصُرَ الْحَرْبِيِّ وَمُوَالَاتَهُ وَقَدْ نُهِينَا عَنْهُ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ لَازِمٌ لِلْوَلَاءِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الدِّينَيْنِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ يَثْبُتُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ مَا دَامَا عَلَى حَالِهِمَا فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ كَمَا أَنَّ كُفْرَ الْعَصَبَةِ أَوْ صَاحِبِ الْفَرْضِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ فَإِذَا زَالَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ شُرِطَ مِنْ الْجَانِيَيْنِ يَتَوَارَثَانِ) أَيْ جَازَ أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إذْ حَقِيقَةُ التَّفَاعُلِ مُنْتَفِيَةٌ اهـ. وَذُكِرَ مِثْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ كَالْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالْخُجَنْدِيِّ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَلَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ ابْنِ الضِّيَاءِ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ كَانَ رَجُلَانِ لَيْسَ لَهُمَا وَارِثٌ مُسْلِمٌ وَهُمَا مُسْلِمَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَوَالَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ، وَالَاهُ الْآخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ الثَّانِي مَوْلَى الْأَوَّلِ وَيَبْطُلُ وَلَاءُ الْأَوَّلِ وَقَالَا كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلًى لِصَاحِبِهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوِلَايَتَيْنِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَخْصَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرِثُ مِنْ صَاحِبِهِ وَيَعْقِلُ عَنْهُ كَالْأَخَوَيْنِ وَابْنَيْ الْعَمِّ فَلَا يَتَضَمَّنُ صِحَّةُ أَحَدِهِمَا انْتِقَاضَ الْآخَرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَوْلَى الْأَسْفَلَ تَابِعٌ لِلْأَعْلَى، وَقَوْمُهُ كَالْمُعْتَقِ تَابِعٌ لِلْمُعْتِقِ وَلِذَا يَرِثُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَيَعْقِلُ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ التَّبَعُ مَتْبُوعًا، وَالْمَتْبُوعُ تَبَعًا فَلَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ وَتَضَمَّنَ صِحَّةُ الثَّانِي انْتِفَاضَ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ حَيْثُ لَا يَرِثُ إلَّا الْأَعْلَى) قَدْ يَرِثُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِاعْتِبَارِ إعْتَاقِهِ لَهُ كَمَا إذَا اشْتَرَى مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْمُسْتَأْمَنُ لِدَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ مَوْلَى صَاحِبِهِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا أَعْتَقَ ذِمِّيًّا كَانَ عَبْدًا لَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ هَرَبَ سَيِّدُهُ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَسُبِيَ وَأَسْلَمَ فَاشْتَرَاهُ عَتِيقُهُ فَأَعْتَقَهُ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَوْلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَا لَوْ ارْتَدَّتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ إعْتَاقِ عَبْدِهَا وَلَحِقَتْ ثُمَّ سُبِيَتْ فَاشْتَرَاهَا عَتِيقُهَا فَأَعْتَقَهَا وَأَسْلَمَتْ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَيْ فِي فَسْخِ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ) ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَالْكِفَايَةِ وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَيْ فِي انْتِقَالِ الْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ وَتَبْرِيءِ الْأَعْلَى عَنْ وَلَاءِ الْأَسْفَلِ (قَوْلُهُ: بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ) الْمُرَادُ مِنْ الْحَضْرَةِ الْعِلْمُ حَتَّى إذَا وُجِدَ الْعِلْمُ بِلَا حُضُورٍ كَفَى، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ: كَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ كَالشَّهَادَةِ الْمُفَسِّرَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ. . . إلَخْ) الْإِشْكَالُ مَدْفُوعٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَيَجُوزُ مُوَالَاةُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ، وَالذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ، وَالْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ بِالْمَالِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ كَذَا الْمُوَالَاةُ، وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ جَازَ لِمَا قُلْنَا اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب الأيمان]

(كِتَابُ الْأَيْمَانِ) ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْعَتَاقِ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فِيهِمَا (الْيَمِينُ) لُغَةً: الْقُوَّةُ، وَشَرْعًا: (تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا (أَوْ التَّعْلِيقُ) يَعْنِي تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ نَحْوَ إنْ فَعَلْت فَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَكَذَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ عَزْمِ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ (وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ) الْقِسْمِ (الْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ) أَيْ الْأَيْمَانُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْيَمِينِ أَكْثَرُ مِنْهَا كَالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا، وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ أَلِأَحْكَامِ عَلَيْهَا تَرَتُّبُ الْمُؤَاخَذَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الْغَمُوسِ وَعَدَمُهَا عَلَى اللَّغْوِ، وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُنْعَقِدَةِ إحْدَاهَا الْيَمِينُ (الْغَمُوسُ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّارِ فِي الْعُقْبَى (وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى كَذِبٍ يَعْلَمُ كَذِبَهُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَظَنَّ صِدْقَهُ تَكُونُ لَغْوًا كَمَا سَيَأْتِي (كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا عَالِمًا بِفِعْلِهِ وَوَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَى دَيْنٌ عَالِمًا بِخِلَافِهِ وَوَاللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ) الْمَشْهُورُ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّ الْغَمُوسَ حَلِفٌ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مَاضٍ كَاذِبًا عَمْدًا، وَقَدْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ وَالْمُضِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَإِيرَادُ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفٍ ارْتَكَبَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت إذَا قِيلَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْحَلِفُ عَلَى الْفِعْلِ قُلْت يُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ أُرِيدَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَاضِي أَوْ الِاسْتِقْبَالِ فِي هَذَا الْحَلِفِ بَاطِلٌ لِتَعَيُّنِ إرَادَةِ الْحَالِ فَتَدَبَّرْ. وَبَيَّنَ حُكْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْأَيْمَانِ] [أَنْوَاع الْيَمِين] (قَوْلُهُ: الْيَمِينُ لُغَةً الْقُوَّةُ) قَالَ الْكَمَالُ: لَفْظُ الْيَمِينِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ لُغَةً (تَنْبِيهٌ) : لِبَيَانِ مَفْهُومِهِ وَسَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ فَأَمَّا مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ وَتَرْكُ لَفْظِ أُولَى يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ: زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ، وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَجُمْلَةٌ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ، كَحَلَفْت بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ أَحْلِفُ، وَالِاسْمِيَّةِ مُقَدَّمَةِ الْخَبَرِ: كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مُؤَخَّرَتِهِ نَحْوَ: لَعَمْرُك لَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ مِثَالٌ أَيْضًا لِغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِجُزْأَيْهَا وَمِنْهُ وَاَللَّهِ وَتَاللَّهِ فَإِنَّ الْحَرْفَ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الْفِعْلِ وَأَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ، وَالْقَسَمُ، وَالْعَهْدُ، وَالْمِيثَاقُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْيَمِينُ. وَخَرَجَ بِإِنْشَائِيَّةٍ نَحْوُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا لُغَةً وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَانْفِرَادِ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَعْظُمُ وَانْفِرَادِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ ثُمَّ قِيلَ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ. وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَرُكْنُهَا: اللَّفْظُ الْخَاصُّ وَشَرْطُهَا: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ وَحُكْمُهَا الَّذِي يَلْزَمُ وُجُودَهَا وُجُوبُ الْبِرِّ فِيمَا إذَا انْعَقَدَتْ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلِ، وَالْبِرِّ، وَوُجُوبُ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى ضِدِّهِمَا، وَنَدْبُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ جَائِزًا وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْحِنْثُ أَوْ يَحْرُمُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ) الْأَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ تَقْوِيَةُ أَحَدِ طَرَفَيْ الْخَبَرِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ لِشُمُولِهِ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ وَلِكَوْنِ التَّقْوِيَةِ لِمُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ لَا ذَاتِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيقُ) عَطْفٌ عَلَى تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ يُوَضِّحُهُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَفْهُومُهُ الِاصْطِلَاحِيُّ، فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ يُؤَكَّدُ بِهَا مَضْمُونُ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا أَوْ تَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا فَدَخَلَتْ بِقَيْدِ ظَاهِرًا الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامِ مَكْرُوهٍ كَفَّرَ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيُمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ مِثْلَ: إنْ فَعَلَ فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ مَنْ دَخَلَتْ لِمَنْعِ نَفْسِهِ وَبِكَسْرِهَا لِمَنْعِهَا أَيْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ بَشَّرْتنِي فَأَنْتَ حُرٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ حَنِثَ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا. . . إلَخْ) أَنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّ الْأَيْمَانَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْمَاضِي صَادِقًا كَاللَّغْوِ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَكَانَ لَهُ حُكْمٌ فَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِهِ (قَوْلُهُ: الْغَمُوسُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: الْغَمُوسُ لَيْسَ يَمِينًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْيَمِينُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ، وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سُمِّيَتْ يَمِينًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِصُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ: إحْدَاهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) عَلَى الْوَصْفِ كَمَا فِي أَصَحِّ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فِي بَعْضِهَا يَمِينُ الْغَمُوسِ فَهِيَ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ، وَالْغَمُوسُ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

الْغَمُوسِ بِقَوْلِهِ (وَيَأْثَمُ بِهَا) أَيْ الْحَالِفُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ النَّارَ» . (وَ) ثَانِيهَا الْيَمِينُ (اللَّغْوُ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَهِيَ حَلِفُهُ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا) كَمَا إذَا حَلَفَ أَنَّ فِي هَذَا الْكُوزِ مَاءً بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ كَذَلِكَ ثُمَّ أُرِيقَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَبَيَّنَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ (وَيُرْجَى عَفْوُهُ) فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى تَعْلِيقُ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالرَّجَاءِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] قُلْنَا نَعَمْ لَا شَكَّ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي كَوْنِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَغْوًا فَإِنَّ اللَّغْوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآتِي بِأَنْ قَصَدَ التَّسْبِيحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ مَثَلًا. (وَ) الثَّالِثُ الْيَمِينُ (الْمُنْعَقِدَةُ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى شَيْءٍ آتٍ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِعْلًا كَانَ أَوْ تَرْكًا، قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت الْحَلِفُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي وَالْآتِي يَكُونُ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ مِنْ أَيِّ أَقْسَامِ الْحَلِفِ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمَعْنًى دَقِيقٍ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ الْمُتَعَلِّقَ بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِذَا تَمَّ التَّعْبِيرُ بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِزَمَانِ الْحَالِ صَارَ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا قَالَ: كَتَبْت لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ، وَإِذَا قَالَ: سَوْفَ أَكْتُبُ لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي مِنْ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ زَمَانُ الْحَالِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ مَاضٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى آنِ الْفَرَاغِ وَهُوَ آنُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ حَلِفًا عَلَى الْمَاضِي أَقُولُ حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا يُظَنُّ مِنْ كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَلِفٌ عَلَى الْمَاضِي وَلَا يُوجَدُ الْحَلِفُ عَلَى الْحَالِ حَقِيقَةً وَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ الْمُقَابِلَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ رَضِيُّ الدِّينِ وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَجْزَاءٌ مِنْ أَوَاخِرِ الْمَاضِي وَأَوَائِلِ الْمُسْتَقْبَلِ يُعْتَبَرُ امْتِدَادُهَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ حَتَّى قَالُوا إنَّ زَيْدًا إذَا صَلَّى فَهُوَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ مَا دَامَ مُصَلِّيًا وَإِذَا كَتَبَ فَهُوَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ مَا دَامَ كَاتِبًا فَإِذَا قَالَ زَيْدٌ حِينَ كِتَابَتِهِ: وَاَللَّهِ إنِّي كَاتِبٌ يَكُونُ يَمِينًا عَلَى الْحَالِ بِلَا مِرْيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مَاضِيًا فَالسُّؤَالُ بَاقٍ بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ لَا وَجْهَ لِهَذَا السُّؤَالِ بَعْدَ مَا قَالَ أَوَّلًا: إنَّ مُطْلَقَ الْيَمِينِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّلَاثِ فَتَدَبَّرْ وَبَيَّنَ حُكْمَ الْمُنْعَقِدَةِ بِقَوْلِهِ (وَكَفَّرَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْقَسَمِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ (إنْ حَنِثَ) الْحَالِفُ وَقَوْلُهُ فَقَطْ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْغَمُوسِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهَا أَيْضًا عِنْدَهُ (وَلَوْ) كَانَ الْحَالِفُ (مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) أَيْ مُخْطِئًا كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: اسْقِنِي الْمَاءَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَقِيلَ ذَاهِلًا عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَلَا تَأْتِينَا، فَقَالَ: بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ» ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا لَغْوَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَلْغُو الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ فَيَلْزَمُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُرْجَى عَفْوُهُ) كَذَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ: نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا (قَوْلُهُ: قُلْنَا. . . . إلَخْ) أَحَدُ مَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ مَعَ الْقَاطِعِ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّغْوَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعُذْرُ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ فَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ: أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْلِيقَ بَلْ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّأَدُّبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالِاخْتِيَارِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت. . . إلَخْ) كَيْفَ يَتَأَتَّى هَذَا السُّؤَالُ مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ الْيَمِينُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ فَإِمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهَا وَهِيَ الْأُولَى أَيْ الْغَمُوسُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَهِيَ الثَّانِيَةُ أَيْ اللَّغْوُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهِيَ الثَّالِثَةُ الْمُنْعَقِدَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ. . . إلَخْ) يُفِيدُ الْجَوَابُ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ وَلَا يُفِيدُ بَيَانَ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الْأَقْسَامِ وَيُعْلَمُ حُكْمُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدَ الْكَذِبِ فَهِيَ الْغَمُوسُ أَوْ لَا فَهِيَ اللَّغْوُ (قَوْلُهُ: أَيْ مُخْطِئًا) فُسِّرَ بِهِ النَّاسِي؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ نَاسِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ فَحَلَفَ وَعَلَى تَفْسِيرِهِ النِّسْيَانَ بِهَذَا هُنَا وَفِي الْحِنْثِ بِحَقِيقَتِهِ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْكَمَالُ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ بِالْيَمِينِ جِدًّا، وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ

(فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) أَيْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُنْعَقِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ النِّسْيَانُ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يُعْدِمُهُ الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ وَكَذَا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَمَا كَانَ. (وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْحَقِّ) وَجَمِيعِ أَسَامِي اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَمَا سُمِّيَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ، وَالْعَلِيمِ، وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي الْكَافِي، وَالْحَقُّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ (أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا مِنْ صِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِلْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَعْتَقِدُ الْحَالِفُ تَعْظِيمَهُ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَهُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ مُعَظَّمٌ فَصَارَتْ حُرْمَةُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ حَامِلًا لِلْحَالِفِ أَوْ مَانِعًا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِهَا مُتَعَارَفًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا. (لَا) أَيْ لَا يُقْسِمُ (بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ، وَالْقُرْآنِ، وَالْكَعْبَةِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» هَذَا إذَا قَالَ: وَالنَّبِيِّ، وَالْقُرْآنِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا كُفْرٌ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا. وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَ) لَا (بِصِفَةٍ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ) لِمَا سَبَقَ أَنَّ مَبْنَى الْيَمِينِ عَلَى الْعُرْفِ. . (وَأَمَّا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ) جَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي فَقَسَمٌ، وَجْهُ كَوْنِ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمًا أَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ وَالْبَقَاءُ صِفَةٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَاللَّامُ لِتَوْكِيدِ الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمِي، وَمَعْنَاهُ أَحْلِفُ بِبَقَاءِ اللَّهِ وَدَوَامِهِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَاَيْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ حُذِفَ نُونُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ، وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهِ (وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ) فَإِنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] ثُمَّ قَالَ: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] ، وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ (وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ فَجُعِلَ حَلِفًا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ قَالَ بِاَللَّهِ أَوْ لَا. (وَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ عَهْدٌ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَكُونُ قَسَمًا (وَإِنْ لَمْ يُضِفْ) إلَى اللَّهِ حَتَّى إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنْ نَوَى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَيَّ مُوجَبِ يَمِينٍ، وَالْعَهْدُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) فَإِنَّهُ قَسَمٌ يَسْتَوْجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَنِثَ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَ مَا كَانَ) أَيْ الْحِنْثُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ اسْمٍ إلَخْ) رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيَّنَ الْخَالِقُ مُرَادًا بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ اللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ بِصِفَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعَظَمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمَ صِفَاتِهِ. وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ صِفَاتُ الذَّاتِ مُطْلَقًا يَمِينٌ كَعِزَّةِ اللَّهِ لَا صِفَاتُ الْفِعْلِ كَالرِّضَى، وَالْغَضَبِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَصِفَاتَ الْفِعْلِ لَيْسَ كَذِكْرِ الذَّاتِ، وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَشْرُوعٌ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ) فِيهِ ضَمُّ الْعَيْنِ وَفَتْحُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ الْمَضْمُومُ فِي الْقَسَمِ وَلَا يَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ " عَمْرٍو " الْعَلَمَ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ بَيْنَ عُمَرَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ) أَيْ لِدُخُولِ اللَّامِ وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ نُصِبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ: عَمْرَ اللَّهِ مَا فَعَلْت وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، كَمَا فِي: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) إذَا قَصَدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ يُدَيَّنُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) إنَّمَا يَنْعَقِدَا إذَا ذُكِرَ مُقْسَمٌ عَلَيْهِ لَا كَمَا ظَنَّ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ أَقْسِمُ وَنَحْوَهُ يَنْعَقِدُ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ.

[حروف القسم]

كَانَ فِي الْمَاضِي لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فَهُوَ الْغَمُوسُ وَلَا يَكْفُرُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِلْمَاضِي بِالْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْيَمِينَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَحْقِيقَهُ بَلْ أَنْ يَصْدُقَ فِي مَقَالَتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: يَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ، وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ كَافِرٌ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ الْحَالِفَ (لَمْ يَكْفُرْ) فِي الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ (إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمِينٌ وَكَفَرَ إنْ) كَانَ جَاهِلًا (اعْتَقَدَ أَنَّهُ كُفْرٌ) فِي الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ (وسوكند ميخورم بخداي فَقَسَمٌ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ (لَاحِقًا) ؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ وَمَعْنَاهُ أَفْعَلُ هَذَا لَا مَحَالَةَ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا. (وَ) لَا (حَقِّ اللَّهِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إذَا أُضِيفَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ اللَّهِ. (وَ) لَا (حُرْمَتِهِ) إذْ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا (وسوكند خورم بخداي) قِيلَ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ (أَوْ) يَقُولُ سوكند خورم (بِطَلَاقِ زن) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَقَوْلُهُ أَوْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَفْظَةَ يَا الْفَارِسِيَّةَ الْوَاقِعَةَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ مَكَانَ أَوْ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَتَدَبَّرْ. (وَإِنْ فَعَلَهُ فَعَلَيْهِ غَضَبُهُ أَوْ سَخَطُهُ أَوْ لَعْنَتُهُ أَوْ فَأَنَا زَانٍ أَوْ سَارِقٌ أَوْ شَارِبٌ خَمْرًا أَوْ آكِلٌ رِبًا فَإِنَّ كُلًّا) مِنْهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ. (وَحُرُوفُهُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ (الْوَاوُ) نَحْوَ وَاَللَّهِ (وَالْبَاءُ) نَحْوَ بِاَللَّهِ (وَالتَّاءُ) نَحْوَ تَاللَّهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ. (وَ) قَدْ (تُضْمَرُ) الْحُرُوفُ فَيَكُونُ حَالِفًا (كَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُهُ) فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ لِلْإِيجَازِ ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَقِيلَ يُخْفَضُ لِيَدُلَّ عَلَى الْمَحْذُوفِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ مُوجِبِ الْيَمِينِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُوجَبِهَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لَكِنَّهَا مُوجَبُهَا عِنْدَ الِانْقِلَابِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تُشْرَعْ لِلْكَفَّارَةِ بَلْ تَنْقَلِبُ إلَيْهَا عِنْدَ الِانْتِقَاضِ بِالْحِنْثِ، فَقَالَ (وَكَفَّارَتُهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا هُمَا فِي الظِّهَارِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا ثَمَّةَ (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) بِحَيْثُ يَكُونُ (لِكُلٍّ) مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ (ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ فَلَمْ يَجُزْ السَّرَاوِيلُ) ؛ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ (هُوَ الصَّحِيحُ) الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَدْنَاهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ (وَقْتَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَقْتَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَاءً) ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ) قَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَحْلِفُ الْآنَ بِاَللَّهِ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا حَقًّا) يُشِيرُ إلَى رَدِّ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ إسْمَاعِيل الزَّاهِدِ وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمِينٌ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ، وَالْحَقُّ يَكُونُ يَمِينًا) قَدَّمَهُ مَتْنًا (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ اللَّهِ) أَيْ فَلَا يَنْعَقِدُ. [حُرُوفُ الْقَسَمِ] (قَوْلُهُ: وَحُرُوفُهُ الْوَاوُ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالُوا الْبَاءُ هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ ثُمَّ الْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا لِمُنَاسَبَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ فَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا الْمُضْمَرِ، وَالتَّاءُ بَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ يُنْصَبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ) أَيْ يُنْصَبُ الِاسْمُ، وَهُوَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَقِيلَ يُخْفَضُ وَهُوَ قَلِيلٌ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ وَحُكِيَ الرَّفْعُ أَيْضًا نَحْوَ: اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ عَلَى إضْمَارِ مُبْتَدَأٍ أَوْ خَبَرٍ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاسْمَ الْكَرِيمَ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ مُبْتَدَأً، وَالتَّقْدِيرُ اللَّهُ قَسَمِي أَوْ قَسَمِي اللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ، كَذَا فِي الْبُرْهَانِ، وَالْفَتْحِ. [كَفَّارَة الْيَمِين] (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ ثَوْبٌ يَسْتُرُ عَامَّةَ بَدَنِهِ) هُوَ اللَّازِمُ، وَالْأَفْضَلُ كِسْوَةُ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هَذَا إذَا دَفَعَ إلَى الرَّجُلِ أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ خِمَارٍ مَعَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ دُونَهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ الَّتِي عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْجَوَابِ وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلُ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا وَإِزَارًا وَخِمَارًا عَلَى رَأْسِهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةٌ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ لِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ أَوْ لَا اهـ. وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا يُغَطِّي رَأْسَ الرَّجُلِ نَصًّا (قَوْلُهُ: فَلَمْ تَجُزْ السَّرَاوِيلُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ مَا لَا يَجْزِيهِ عَنْ الْكِسْوَةِ يَجْزِيهِ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) شَرَطَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إلَّا مِمَّنْ عَجَزَ عَمَّا سِوَى الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ يَحْتَاجُ لِخِدْمَتِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقْتَ الْأَدَاءِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى عِنْدَنَا عِنْدَ إرَادَةِ التَّكْفِيرِ بِخِلَافِ الْحَدِّ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ وَقْتُ الْوُجُوبِ حَتَّى تَنَصَّفَ بِالرِّقِّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ

الْآيَةَ (وَلَمْ يُكَفَّرْ قَبْلَ حِنْثٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ يُقَالُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ، وَالْأَدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا فَأَشْبَهَ التَّكْفِيرَ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَسْتُرُ الْجِنَايَةَ وَلَا جِنَايَةَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحِنْثِ فَيَكُونُ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرْتَبَةِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْحُكْمِ، وَالْيَمِينُ غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَى الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بَعْدَ نَقْضِهَا بِالْحِنْثِ وَإِنَّمَا أُضِيفَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِحِنْثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا تُضَافُ الْكَفَّارَةُ إلَى الصَّوْمِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْمَوْتِ. (حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَعَدَمِ الْكَلَامِ مَعَ أَبِيهِ) وَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ (حَنِثَ وَكَفَّرَ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ لِيَمِينِهِ» (لَا كَفَّارَةَ فِي حِنْثِ كَافِرٍ وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْكُفْرُ يُنَافِي التَّعْظِيمَ وَلَا أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَإِنْ تَبِعَهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ. (مَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَا يَحْرُمُ) أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا يَمْلِكُهُ لَمْ يَصِرْ حَرَامًا عَلَيْهِ (وَإِنْ اسْتَبَاحَهُ) أَيْ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ (كَفَّرَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا فِي النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ، وَالْيَمِينُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ فَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظٍ هُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ كَعَكْسِهِ وَهُوَ تَحْلِيلُ الْحَرَامِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْله تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ثُمَّ قِيلَ حَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ حَرَّمَ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَالتَّمَسُّكُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ وَكَذَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ. (كُلُّ حِلٍّ) أَيْ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: كُلُّ حِلٍّ (عَلَيَّ حَرَامٌ) يُحْمَلُ (عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ عَقِيبَ فَرَاغِهِ لِمُبَاشَرَتِهِ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ أَوْ نَحْوُهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ زُفَرُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ يُصْرَفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ (وَالْفَتْوَى عَلَى بَيْنُونَةِ امْرَأَتِهِ بِلَا نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَسْتُرُ الْجِنَايَةَ وَلَا جِنَايَةَ هَا هُنَا) أَيْ فِيمَا قَبْلَ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْجِنَايَةَ تَحْصُلُ بِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحِنْثِ كَوْنُ الْحِنْثِ جِنَايَةً مُطْلَقًا لَيْسَ وَاقِعًا إذْ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا وَإِنَّمَا أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ إحْلَافِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ لَا، وَالْمُرَادُ تَوْقِيرُ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ السَّبَبَ الْحِنْثُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أُضِيفَ إلَيْهَا. . . إلَخْ) إضَافَةُ الْكَفَّارَةِ إلَى الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا، كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ وَيُكَفِّرُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ مِنْهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْحِنْثُ أَفْضَلَ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ نَحْوَ شَهْرٍ، وَالْحَلِفِ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِهِ غَدًا؛ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ، وَالْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تَيْسِيرُ الْمُطَالَبَةِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ الْبِرُّ أَوْلَى كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ أَكْلِ هَذَا الْخُبْزِ، وَلُبْسِ هَذَا الثَّوْبِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّ الْبِرَّ فِيهَا أَمْكَنَ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَبَقِيَ قِسْمٌ رَابِعٌ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْبِرُّ فِيهِ فَرْضًا كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ ظُهْرَ الْيَوْمِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ) كَذَا لَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ حَلِفِهِ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ إسْلَامِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا تَحْلِيفُ الْقَاضِي وَنَحْوُهُ فَالْمُرَادُ بِهِ صُورَةُ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ فَإِنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: مَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَا مِنْ الْأَشْيَاءِ سَوَاءٌ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ غَيْرَهُ لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا كَقَوْلِهِ: كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ وَقَوْلِهَا لِزَوْجِهَا: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُك فَجَامَعَهَا طَائِعَةً أَوْ مُكْرَهَةً حَنِثَ وَدُخُولُ مَنْزِلِك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْخَبَرَ بَلْ أَرَادَ الْيَمِينَ، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ:، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ. . . إلَخْ) قَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ: هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا وَنَقُولُ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَإِمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفُ الْمُتَقَدِّمِينَ اهـ. نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يَتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ التَّعَارُفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُكَ وَنَحْوُهُ كَأَكْلِهِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ: لَا أَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ الطَّلَاقَ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ اهـ.

(كَذَا) قَوْلُهُ (حَلَالٌ بِرَوِيِّ حَرَامٍ) لِلْغَلَبَةِ أَيْضًا (الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ كَالصَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالِاعْتِكَافِ وَمَا لَا أَصْلَ لَهُ) فِي الْفُرُوضِ (فَلَا) يَلْزَمُ النَّاذِرَ (كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءِ الْقَنْطَرَةِ، وَالرِّبَاطِ، وَالسِّعَايَةِ وَنَحْوِهَا) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْكُلِّيُّ (نَذَرَ مُطْلَقًا) نَحْوَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ (أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ) نَحْوَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا إنْ قَدِمَ غَائِبِي (فَوُجِدَ) أَيْ الشَّرْطُ (وَفَى) أَيْ: عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» (أَوْ) نَذَرَ مُعَلِّقًا (بِمَا) أَيْ بِشَرْطٍ (لَا يُرِيدُهُ كَإِنْ زَنَيْتُ) فَعَلَيَّ كَذَا (وَفَى أَوْ كَفَّرَ وَبِهِ يُفْتَى) يَعْنِي إنْ عَلَّقَ نَذْرَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ ثُبُوتَهُ كَالزِّنَا وَنَحْوِهِ فَحَنِثَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ: وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ نَذْرٌ بِظَاهِرِهِ يَمِينٌ بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمَنْعَ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ ثُبُوتَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ قَصْدُ الْمَنْعِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا جَعَلَهُ شَرْطًا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: أَقُولُ إنْ كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا كَإِنْ زَنَيْت مَثَلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَخَيَّرَ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ تَخْفِيفٌ، وَالْحَرَامُ لَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ أَقُولُ لَيْسَ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ هُوَ الْحَرَامُ بَلْ وُجُودُ دَلِيلِ التَّخْفِيفِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا كَانَ نَذْرًا مِنْ وَجْهٍ وَيَمِينًا مِنْ وَجْهٍ لَزِمَ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَى الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ إهْدَارُ أَحَدِهِمَا فَلَزِمَ التَّخْيِيرُ الْمُوجِبُ لِلتَّخْفِيفِ بِالضَّرُورَةِ فَتَدَبَّرْ وَاسْتَقِمْ. (نَذَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ يَمْلِكُهَا وَفَى بِهَا وَإِلَّا أَثِمَ وَلَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي) يَعْنِي لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَفِ يَأْثَمُ وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي (نَذَرَ لِفُقَرَاءَ مَكَّةَ جَازَ الصَّرْفُ إلَى فُقَرَاءِ غَيْرِهَا) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَلَا مَدْخَلَ فِيهِ لِخُصُوصِ الْمَكَانِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَّةَ. (نَذَرَ بِتَصَدُّقِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ خُبْزًا فَتَصَدَّقَ بِغَيْرِ الْخُبْزِ) مِمَّا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (أَوْ) تَصَدَّقَ (بِثَمَنِهِ جَازَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ خُصُوصَ الْخُبْزِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الثَّمَنَ أَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ. (قَالَ: إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَهَا) ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّذْرِ، وَالدَّالُ عَلَيْهِ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ. (نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا قَضَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَعْبَانَ مَثَلًا فَأَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا قَضَاهُ وَحْدَهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَإِنْ قَالَ فِي نَذْرِهِ مُتَتَابِعًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّتَابُعِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَتَابِعٌ لِتَتَابُعِ الْأَيَّامِ وَأَيْضًا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ. (نَذَرَ بِتَصَدُّقِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ) : إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ، وَقَدْ حَلَفَ بِالصِّيغَةِ الْعَامَّةِ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: كَذَا قَوْلُهُ: حَلَالٌ بِرَوِيِّ حَرَامٍ) مِنْ الْهِدَايَةِ وَمَعْنَاهُ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامٌ (قَوْلُهُ: الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلُ فِي الْفُرُوضِ) أَيْ أَصْلٌ مَقْصُودٌ لِيَخْرُجَ الْوُضُوءُ لِعَدَمِ لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ (قَوْلُهُ: لَزِمَ النَّاذِرَ) أَيْ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قُرْبَةٌ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ بِهِ أَوْ عَيَّنَ كَمَا سَيَذْكُرُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَجْزَأَهُ التَّصَدُّقَ بِغَيْرِهَا عَنْهَا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: أَيْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ) أَيْ بِمَا نَذَرَ وَلَا يَجْزِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الصَّوْمِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ اهـ. وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ بِفَرْضِيَّةِ الْإِيفَاءِ بِالْمَنْذُورِ لِلْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَفَى أَوْ كَفَّرَ وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ يُفْتَى بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ إيفَائِهِ بِمَا الْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ وَبِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ عَيْنُ مَا نَذَرَهُ، وَفِي الثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ إيفَائِهِ بِعَيْنِ مَا نَذَرَ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْمُحَقِّقِينَ فَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَنَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَبَيَّنَ وَجْهَ النَّظَرِ. وَقَالَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَفْسِ النَّذْرِ وَلَا يَنْفَعُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَرَدَدْتُ تَنْظِيرَهُ بِرِسَالَةٍ بَيَّنَتْ صِحَّةَ حَصْرِ الصِّحَّةِ فِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَيَتَخَيَّرُ النَّاذِرُ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِعَيْنِ الْمَنْذُورِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ فِيمَا إذَا عَلَّقَ النَّذْرَ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاسْمُ الرِّسَالَةِ تُحْفَةُ التَّحْرِيرِ وَإِسْعَافُ النَّاذِرِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ بِالتَّخْيِيرِ. (قَوْلُهُ: نَذَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ. . . إلَخْ) ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: نَذَرَ لِفُقَرَاءِ مَكَّةَ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً لَمْ يَلْزَمْهُ) كَذَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا، كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَقُولَ: فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَهَا) كَذَا يَلْزَمُهُ لَوْ قَالَ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ جَزُورًا فَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا قَضَاهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِنْ قَالَ مُتَتَابِعًا) هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ شَهْرًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ بِفِطْرِهِ يَوْمًا، كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: نَذَرَ بِتَصَدُّقِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ. . . إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ: وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ أَوْ خَادِمٌ يُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ يَبِيعُ وَيَتَصَدَّقُ وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً يَتَصَدَّقُ بِعَشَرَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَلْفَ حِجَّةٍ

[باب حلف الفعل]

إلَّا مِائَةً لَزِمَتْهُ فَقَطْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ فِيمَا لَا يَمْلِكُ لَمْ يُوجَدْ النَّذْرُ فِي الْمِلْكِ وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ لَا يَصِحُّ. (نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ يَوْمَ كَذَا عَلَى فُلَانٍ فَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ أُخْرَى قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى فَقِيرٍ آخَرَ جَازَ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ لَا تُعْتَبَرُ بَعْدَ حُصُولِ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ. (قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ فَسَكَتَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ، كَذَا فِي النَّوَازِلِ. (وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ) أَيْ حَلِفُهُ يَعْنِي إذَا حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ وَقَالَ بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحْنَثُ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْعَبَادِلَةِ الثَّلَاثَةِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى وَمَنْ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ رُجُوعٌ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْأَيْمَانِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْفَصِلَ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] أَيْ إذَا نَسِيت الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ فَاسْتَثْنِ مَفْصُولًا، قَالَ مَشَايِخُنَا فِي تَصْحِيحِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ: إخْرَاجُ الْعُقُودِ كُلِّهَا مِنْ الْبُيُوعِ، وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمُحَلِّلِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ يُسْتَثْنَى إذَا نَدِمَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] فَمَعْنَاهُ إذَا لَمْ تَذْكُرْ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فِي أَوَّلِ كَلَامِك فَاذْكُرْهُ فِي آخِرِهِ مَوْصُولًا بِهِ رُوِيَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ صَاحِبَ الْمَغَازِي كَانَ عِنْدَ الْمَنْصُورِ وَكَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ الْمَغَازِي وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ حَاضِرًا فَأَرَادَ أَنْ يَغْوِيَ الْخَلِيفَةَ عَلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ هَذَا الشَّيْخَ يُخَالِفُ جَدَّك فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ، فَقَالَ لَهُ: أَبَلَغَ مِنْ قَدْرِك إنْ تُخَالِفَ جَدِّي، فَقَالَ: إنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْك مُلْكَك؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْفَصِلُ فَالنَّاسُ يُبَايِعُونَك وَيَحْلِفُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ وَلَا يَخْشَوْنَ فَقَالَ: نِعْمَ مَا قُلْت وَغَضِبَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ (بَابٌ حَلِفُ الْفِعْلِ) الْأَصْلُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُسْتَعْمَلَةَ فِي الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا حَقِيقٌ بِأَنْ تُرَادَ دُونَ الْمَجَازِ وَعِنْدَ مَالِكٍ عَلَى مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا يَحْنَثُ بِدُخُولِ صِفَتِهِ) لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ بُنِيَ لِلْبَيْتُوتَةِ سَوَاءٌ كَانَ حِيطَانُهُ أَرْبَعَةً أَوْ ثَلَاثَةً وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الصُّفَّةِ إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهَا أَوْسَعُ فَيَتَنَاوَلُهَا اسْمُ الْبَيْتِ فَيَحْنَثُ بِسُكْنَاهَا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مَا سِوَاهَا (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّمَا يَحْنَثُ إذَا كَانَتْ الصُّفَّةُ ذَاتَ حَوَائِطَ أَرْبَعَةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ صِفَاتُ أَهْلِ الْكُوفَةِ (لَا) بِدُخُولِ (الْكَعْبَةِ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ مَعْنَاهُمَا لِأَنَّ الْبَيْتَ كَمَا عَرَفْت مَا بُنِيَ لِلْبَيْتُوتَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ (أَوْ دِهْلِيزٍ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَمْ يُبْنَ لِبَيْتُوتَةٍ فِيهِ وَقِيلَ يَحْنَثُ إذْ يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً أَقُولُ هَذَا الْقَدْرُ لَا يَكْفِي فِي كَوْنِهِ بَيْتًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ بِنَائِهِ لِلْبَيْتُوتَةِ كَمَا سَبَقَ لَا يُقَالُ إذَا بِيتَ فِيهِ عَادَةً كَانَ بِنَاؤُهُ لِلْبَيْتُوتَةِ عَادَةً لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ مَمْنُوعَةٌ (أَوْ ظُلَّةِ بَابِ دَارٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُهُ بِقَدْرِ مَا عَاشَ فِي كُلِّ سَنَةٍ حِجَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ) كَذَا نَذْرُهُ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ وَإِقْرَارُهُ عِبَادَةً أَوْ مُعَامَلَةً وَسَائِرُ الْعُقُودِ وَسَوَاءٌ وَصَلَ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَانْقِطَاعِ التَّنَفُّسِ أَوْ سُعَالٍ وَسَوَاءٌ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ عَلِمَ حُكْمَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ [بَابٌ حَلِفُ الْفِعْلِ] (بَابُ حَلِفِ الْفِعْلِ) (قَوْلُهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهُ الْعَقْدُ الْيَمِينُ بِاعْتِبَارِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَيْمَانِ الْأَلْفَاظُ دُونَ الْأَغْرَاضِ اهـ. وَلَعَلَّهُ قَضَاءً وَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ دِيَانَةً فَلَا مُخَالَفَةَ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ) يَعْنِي اللُّغَوِيَّةَ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَلَى النِّيَّةِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِ صُفَّةٍ) لَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِهَا مُسَقَّفَةً وَقَالَ الْكَمَالُ يَحْنَثُ بِالصُّفَّةِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ مُسَقَّفًا كَمَا فِي صِفَافِ دِيَارِنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا السَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ أَيْ الْبَيْتِ وَهَذَا يُفِيدُك أَنَّ ذِكْرَ السَّقْفِ فِي الدِّهْلِيزِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ اهـ فَكَذَا الصُّفَّةُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ) السَّقْفُ لَيْسَ شَرْطًا فَيَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَقَّفًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَحْنَثُ إذْ يَبَاتُ فِيهِ عَادَةً) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَذَا دَاخِلًا وَقَالَ الْكَمَالُ إذَا أَطْلَقَ الْبَيْتَ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَا يُبَاتُ فِيهِ عَادَةً فَدَخَلَ الدِّهْلِيزُ إذَا كَانَ كَبِيرًا بِحَيْثُ يَبَاتُ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُعْتَادُ بَيْتُوتَتُهُ لِلضُّيُوفِ فِي بَعْضِ الْقُرَى وَفِي الْمَدَنِ يَبِيتُ فِيهِ بَعْضُ الْأَتْبَاعِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَيَحْنَثُ اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ بِنَائِهِ لِلْبَيْتُوتَةِ) يُخَالِفُ مَا مَشَى عَلَيْهِ سَابِقًا مِنْ الْحِنْثِ بِدُخُولِ الصُّفَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْبَيْتِ وَكَذَا مَشَى الْكَمَالُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَا مُخَالِفًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ صَحَّحَ الْحِنْثَ بِدُخُولِ الصُّفَّةِ دُونَ الدِّهْلِيزِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَ وَجْهًا لِلْكَمَالِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ أَوْ ظُلَّةُ دَارٍ وَهِيَ الَّتِي. . . إلَخْ) فَسَّرَ الظُّلَّةَ بِهَذَا لِتَكُونَ سَابَاطًا لِأَنَّ الظُّلَّةَ إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مَا هُوَ دَاخِلُ الْبَيْتِ مُسَقَّفًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ لِأَنَّهُ يَبَاتُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ دَاخِلًا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الدَّارِ وَلَهُ سَعَةٌ يَصْلُحُ لِلْبَيْتُوتَةِ مِنْ

وَهِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى بَابِ الدَّارِ وَلَا يَكُونُ فَوْقَهَا بِنَاءٌ وَإِذَا كَانَ عَلَى بَابِ الدَّارِ تَكُونُ عَلَى السِّكَّةِ فَلَا تَكُونُ بَيْتًا فَلَا يَحْنَثُ. (وَفِي) الْحَلِفِ بِأَنَّهُ (لَا يَدْخُلُ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً وَفِي هَذِهِ الدَّارِ يَحْنَثُ وَإِنْ صَارَتْ صَحْرَاءَ أَوْ بُنِيَتْ بَعْدَ انْهِدَامِهَا) دَارٌ (أُخْرَى) لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ يُقَالُ دَارٌ عَامِرَةٌ وَدَارٌ غَامِرَةٌ وَقَدْ شَهِدَتْ أَشْعَارُ الْعَرَبِ بِذَلِكَ وَالْبِنَاءُ وَصْفٌ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَالِبِ مُعْتَبَرٌ هَذِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَتَحْقِيقُهَا أَنَّ مُرَادَهُ بِالْوَصْفِ مَا لَيْسَ صِفَةً عَرَضِيَّةً قَائِمَةً بِجَوْهَرٍ كَالشَّبَابِ وَالشَّيْخُوخَةِ وَنَحْوِهِمَا بَلْ مَا يَتَنَاوَلُهَا وَيَتَنَاوَلُ جَوْهَرًا قَائِمًا بِجَوْهَرٍ آخَرَ يَزِيدُ قِيَامُهُ بِهِ حُسْنًا لَهُ وَكَمَالًا وَيُورِثُ انْتِقَاصُهُ عَنْهُ قُبْحًا لَهُ وَنُقْصَانًا حَتَّى فَرَّقُوا بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْقَدْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ الْأَوَّلَ مَا يُورِثُ تَشْقِيصُهُ ضَرَرًا لِأَصْلِهِ وَالثَّانِي مَا لَا يُورِثُ ذَلِكَ وَجَعَلُوا مَا يُسَاوِي الذَّرْعَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ وَصْفًا وَمَا يُسَاوِي الْكَيْلَ فِي الْمَكِيلَاتِ قَدْرًا فَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ وَكَانَ الْبِنَاءُ وَصْفًا وَكَانَتْ الدَّارُ مُنْكَرَةً كَانَتْ غَائِبَةً فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْبِنَاءُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَحْنَثْ وَإِذَا كَانَتْ مُعَرَّفَةً كَانَتْ حَاضِرَةً فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْبِنَاءُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ يَحْنَثُ إذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هَاهُنَا أَيْضًا مِنْ الْغَرَائِبِ لِأَنَّهُ خَالَفَ جُمْهُورَ الْأَئِمَّةِ بِرَأْيٍ غَيْرِ صَائِبٍ حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا مُنْهَدِمَةً أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ يُطْلَقُ عَلَى الْخَرِبَةِ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجِبُ الْحِنْثَ فِي لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ دَارًا خَرِبَةً ثُمَّ فَرْقُهُمْ بِأَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ فَرْقٌ وَاهٍ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِصِفَةٍ مِثْلِ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالشَّابِّ صَارَ لَغْوًا وَفِي قَوْلِنَا لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا أَيْنَ الْوَصْفُ حَتَّى يَكُونَ لَغْوًا فِي إحْدَاهُمَا غَيْرَ لَغْوٍ فِي الْآخَرِ ثُمَّ هَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ الْخُبْثَ فِي لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ وَعَدَمَهُ فِي لَا يَدْخُلُ بَيْتًا إنْ دَخَلَهُ مُنْهَدِمًا صَحْرَاءَ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ وَصْفٌ فَيَلْغُو فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ فَزَوَالُ اسْمِ الْبَيْتِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ثُمَّ قَالُوا فِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلَهَا بَعْدَ مَا بُنِيَتْ حَمَّامًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ دَارًا فَإِنَّ مَا قَالَهُ فَاسِدٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ تُوجِبُ إلَى آخِرِهِ نَاشِئٌ مِنْ الْغَفْلَةِ عَنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَفِي الْغَائِبِ مُعْتَبَرٌ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ الْمُشَارُ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ نَاشِئٌ مِنْ الْغَفْلَةِ عَنْ مَعْنَى الْوَصْفِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ فِي الدَّارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ هَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ إلَى آخِرِهِ غَلَطٌ مَحْضٌ نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالدَّارِ وَأَيْضًا الْبَيْتُوتَةُ لَيْسَتْ بِوَصْفٍ لِلْبَيْتِ لِأَنَّهُ كَمَا عَرَفْت عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ قَائِمٍ بِهَا الْبَيْتُوتَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ عِلَّةٌ غَائِبَةٌ لِبِنَائِهِ بِخِلَافِ الدَّارِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ زَائِدٌ عَلَى الدَّارِ الَّتِي هِيَ الْعَرْصَةُ وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ حَاصِلَ قَوْلِهِ ثُمَّ قَالُوا فِي لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ إلَى آخِرِهِ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ الْعَرْصَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِيمَا إذَا بُنِيَتْ حَمَّامًا لِوُجُودِ الْعَرْصَةِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الدَّارَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَرْصَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَعَلَى عَرْصَةٍ مَعَ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا مِنْ بِنَاءِ الدَّارِ وَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَيْهَا بِنَاءً غَيْرَ الدَّارِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفًا يَزُولُ بِهِ اسْمُ الدَّارِ عَنْهُ عُرْفًا فَلَا يَكُونُ دَارًا كَأَنَّ هَذَا الْفَاضِلَ لَمْ يَنْظُرْ فِي أَلْفَاظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَقْفٍ يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ السَّقْفَ وَصْفٌ فَالتَّقْيِيدُ بِهِ اتِّفَاقِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي لَا يَدْخُلُ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِهَا خَرِبَةً) يَعْنِي بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بِهَا بِنَاءٌ أَصْلًا بِأَنْ صَارَتْ صَحْرَاءَ فَأَمَّا إذَا دَخَلَهَا بَعْدَ مَا زَالَ بَعْضُ حِيطَانِهَا فَهَذِهِ دَارٌ خَرِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي الْمُنْكَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنْ يُحْمَلَ جَوَابُ الْمُتَقَدِّمِينَ بِالْحِنْثِ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِلسَّطْحِ حَضِيرٌ وَجَوَابُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يَعْنِي الْعَجَمَ لَا يَحْنَثُ بِالْوُقُوفِ عَلَى السَّطْحِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَضِيرٌ اُتُّجِهَ وَهَذَا اعْتِقَادِيٌّ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي هَذِهِ الدَّارِ) قَيَّدَ بِالْإِشَارَةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أَشَارَ وَلَمْ يُسَمِّ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى الْعَيْنِ دُونَ الِاسْمِ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَهُدِمَ ثُمَّ بُنِيَ مَسْجِدًا فَدَخَلَهُ يَحْنَثُ لِعَدَمِ اعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ

الْهِدَايَةِ وَعِبَارَاتِهِ فَضْلًا عَنْ التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ فِي اعْتِبَارَاتِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (كَذَا الْوُقُوفُ عَلَى سَطْحِهَا) فَإِنَّهُ أَيْضًا يُوجِبُ الْحِنْثَ لِأَنَّ السَّطْحَ مِنْ الدَّارِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ بِالْخُرُوجِ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ (وَقِيلَ) فِي عُرْفِنَا (لَا) يَحْنَثُ (كَمَا لَوْ جُعِلَتْ الدَّارُ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا أَوْ بَيْتًا) حَيْثُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ دَارًا لِاعْتِرَاضِ اسْمٍ آخَرَ عَلَيْهِ (أَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ هَدْمِ الْحَمَّامِ وَأَشْبَاهِهِ) لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَعُودُ بِهِ (وَهَكَذَا الْبَيْتُ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْبَيْتَ وَدَخَلَهُ (مُنْهَدِمًا صَحْرَاءَ) لَمْ يَحْنَثْ لِزَوَالِ اسْمِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ لَا يُبَاتُ فِيهِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ الْحِيطَانُ وَسَقَطَ السَّقْفُ يَحْنَثُ إذْ يَبَاتُ فِيهِ وَالسَّقْفُ وَصْفٌ فِيهِ (أَوْ) دَخَلَهُ (بَعْدَمَا بُنِيَ بَيْتًا آخَرَ) لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا لِأَنَّ الِاسْمَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الِانْهِدَامِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَوَقَفَ فِي طَاقِ بَابِ دَارٍ لَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا) لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْبَابَ لِإِحْرَازِ الدَّارِ وَمَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْخَارِجُ مِنْ الدَّارِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَسْكُنُهَا) أَيْ هَذِهِ الدَّارَ (وَهُوَ سَاكِنُهَا أَوْ) حَلَفَ (لَا يَلْبَسُهُ) أَيْ هَذَا الثَّوْبَ (وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ) حَلَفَ (لَا يَرْكَبُهَا) أَيْ هَذِهِ الدَّابَّةَ (وَهُوَ رَاكِبُهَا فَأَخَذَ فِي النُّقْلَةِ) مِنْ الدَّارِ فِي الْأَوَّلِ (وَنَزَعَ) الثَّوْبَ فِي الثَّانِي (وَنَزَلَ) عَنْ الدَّابَّةِ فِي الثَّالِثِ (بِلَا مُكْثٍ) قَيَّدَ لِلثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَلَّ، وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً حَنِثَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَهَا دَوَامٌ بِتَجَدُّدِ أَمْثَالِهَا حَتَّى يَضْرِبَ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا وَلَبِسْت يَوْمًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ إذْ لَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا بِمَعْنَى الْمُدَّةِ وَالتَّوْقِيتِ وَإِنْ جَازَ بِمَعْنَى الظَّرْفِ وَلَوْ نَوَى ابْتِدَاءَ اللُّبْسِ مَثَلًا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِاللُّبْثِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَدْخُلُهَا) وَهُوَ فِيهَا (فَقَعَدَ فِيهَا) فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْقُعُودِ (إلَّا بِخُرُوجِهِ ثُمَّ دُخُولِهِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدُّخُولَ لَا دَوَامَ لَهُ لِأَنَّهُ انْفِصَالٌ مِنْ الْخَارِجِ إلَى الدَّاخِلِ. (وَفِي لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ الْبَيْتَ أَوْ الْمَحَلَّةَ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ وَجَمِيعِ مَتَاعِهِ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ وَتَدٌ حَنِثَ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ نَقْلَ الْكُلِّ قَدْ يَتَعَذَّرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا يَقُومُ بِهِ كَتَخْدَائِيَّتِه لِأَنَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى، قَالُوا هَذَا حَسَنٌ وَأَوْفَقُ بِالنَّاسِ (بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ) فَإِنَّ الْبِرَّ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا عَلَى نَقْلِ الْمَتَاعِ وَالْأَهْلِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا فِي الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ عُرْفًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (وَحَنِثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ هَدْمِ الْحَمَّامِ) كَذَا لَوْ بُنِيَتْ دَارًا بَعْدَ هَدْمِ نَحْوِ الْحَمَّامِ فَدَخَلَهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَيْرُ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ. . . إلَخْ) لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْخُرُوجِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَإِذَا زَلَقَ وَهُوَ يَشْتَدُّ فِي الْمَشْيِ فَعَثَرَ أَوْ زَلِقَ فَوَقَعَ فِي الدَّارِ أَوْ دَفَعَتْهُ الرِّيحُ وَأَوْقَعَتْهُ فِي الدَّارِ وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ لَا يَحْنَثُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَأَخَذَ فِي النُّقْلَةِ مِنْ الدَّارِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَيْثُ لَا تَفْتُرُ النَّقَلَاتُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَنْقُلُ مَتَاعَهُ فِي يَوْمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ النَّقْلُ بِأَسْرَعِ الْوُجُوهِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يُسَمَّى نَاقِلًا فِي الْعُرْفِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى حَالِهِ سَاعَةً حَنِثَ) إذَا أَمْكَنَهُ النَّقْلُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ فَإِنْ كَانَ بِعُذْرِ اللَّيْلِ وَخَوْفِ اللِّصِّ أَوْ بِمَنْعِ ذِي سُلْطَانٍ أَوْ عَدَمِ مَوْضِعٍ مُنْتَقَلٍ إلَيْهِ حِينَئِذٍ أَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَتْحَهُ أَوْ كَانَ شَرِيفًا أَوْ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ الْمَتَاعِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَنْقُلُهَا لَا يَحْنَثُ وَيَلْحَقُ ذَلِكَ الْوَقْتُ بِالْعَدَمِ لِلْعُذْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَكَذَا فَقَيَّدَ أَوْ مَنَعَ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَيْثُ يَحْنَثُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَدَمًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِيَارِ وَإِنْ فِعْلًا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَالسُّكْنَى لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارِيُّ وَيَنْعَدِمُ بِعَدَمِهِ فَيَصِيرُ مَسْكَنًا لَا سَاكِنًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَقَعَدَ) بِمَعْنَى مَكَثَ وَنَظِيرُهُ لَا يَخْرُجُ وَلَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَطَهَّرُ فَاسْتَدَامَ النِّكَاحُ وَالطَّهَارَةُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ بِأَهْلِهِ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِذَا خَرَجَ هُوَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ وَأَهْلَهُ فِيهَا وَلَمْ يُرِدْ الرُّجُوعَ حَنِثَ وَكَذَا الْحَلِفُ لَا يَسْكُنُ فِي هَذِهِ الْمَحَلَّةَ أَوْ السِّكَّةَ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ أَبَدًا حَنِثَ وَإِنْ خَرَجَ عَلَى عَزْمِ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَنْقُلُهُمْ لِأَنَّهُ يُعَدُّ الْمُتَأَهِّلُ سَاكِنًا بِمَحَلِّ سُكْنَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ عُرْفًا وَهَذَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ قَائِمًا عَلَى عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ سُكْنَاهُ تَبَعًا كَابْنٍ كَبِيرٍ سَاكِنٍ مَعَ أَبِيهِ أَوْ امْرَأَةٍ مَعَ زَوْجِهَا فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا وَمَالَهَا لَا يَحْنَثُ وَقَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَلَوْ عَقَدَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا بِسُكْنَاهُ اهـ (قَوْلُهُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَرَجَّحَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَخَذَ بِهِ لَكِنْ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَشَايِخُ مَا لَا يَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى كَقِطْعَةِ حَصِيرٍ وَوَتَدٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ) وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ. . . إلَخْ) هُوَ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ) جَعَلَ الْقَرْيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ

فِي لَا يَخْرُجُ إنْ حَمَلَ وَأَخْرَجَ بِأَمْرِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافًا إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ بِهِ (وَبِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْأَمْرِ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ (لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ (وَلَوْ) كَانَ (رَاضِيًا) بِالْخُرُوجِ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ يَكُونُ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ (وَمِثْلُهُ لَا يَدْخُلُ إقْسَامًا وَحُكْمًا) فَالْإِقْسَامُ أَنْ يَخْرُجَ بِأَمْرِهِ وَبِلَا أَمْرِهِ إمَّا مُكْرَهًا أَوْ رَاضِيًا وَالْحُكْمُ الْحِنْثُ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمُهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ (وَلَا) يَحْنَثُ (فِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ إنْ خَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى إلَى أَمْرٍ آخَرَ) لِأَنَّ خُرُوجَهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي خُرُوجَهُ إلَى غَيْرِ جِنَازَةٍ فَيَبْطُلُ الْحَصْرُ وَيَحْنَثُ وَلِذَا قُلْتُ ثُمَّ أَتَى إلَى أَمْرٍ آخَرَ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَخَرَجَ إلَيْهَا ثُمَّ أَتَى إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى (وَحَنِثَ فِي لَا يَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ لَهَا وَرَجَعَ) لِوُجُودِ الْخُرُوجِ عَلَى قَصْدِ مَكَّةَ وَهُوَ الشَّرْطُ (لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ فِي لَا (يَأْتِيهَا حَتَّى يَدْخُلَهَا) لِأَنَّ الْإِتْيَانَ إنَّمَا يَكُونُ بِالدُّخُولِ (وَذَهَابُهُ كَخُرُوجِهِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ وَقِيلَ كَالْخُرُوجِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ (وَحَنِثَ فِي لَيَأْتِيَنَّ مَكَّةَ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَيَأْتِيَنَّ مَكَّةَ فَلَمْ يَأْتِهَا حَتَّى مَاتَ حَنِثَ (فِي آخِرِ جُزْءٍ) مِنْ أَجْزَاءِ (حَيَاتِهِ) لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَرْجُوٌّ وَالْيَأْسَ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ. (وَ) حَنِثَ (فِي لَيَأْتِيَنَّهُ) هَذَا إنْ اسْتَطَاعَ إنْ لَمْ يَأْتِهِ (غَدًا بِلَا مَانِعٍ) يُعْتَبَرُ مَانِعًا (كَمَرَضٍ أَوْ سُلْطَانٍ وَدَيْنٍ بِنِيَّتِهِ الْحَقِيقَةَ) أَيْ إنْ قَالَ أَرَدْت الِاسْتِطَاعَةَ الْحَقِيقَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّهَا تُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَالْمَعْنَى الْآخَرُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يُرَادُ بِهِ نِسْبَةُ السُّكْنَى) بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّارَ لَا تُعَادَى وَلَا تُهْجَرُ لِذَاتِهَا بَلْ لِبَعْضِ سَاكِنِيهَا إلَّا أَنَّ السُّكْنَى قَدْ تَكُونُ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ تَكُونُ دَلَالَةً بِأَنْ تَكُونَ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ السُّكْنَى فِيهَا فَيَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِي دَارٍ تَكُونُ مِلْكًا لِفُلَانٍ فَلَا يَكُونُ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا فِي وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْقَرْيَةَ كَالدَّارِ فَقَالَ بِالْحِنْثِ بِبَقَاءِ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَمْلِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْخُرُوجِ بِنَفْسِهِ لَا يُعْتَبَرُ فَيَحْنَثُ بِخُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ إذَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ حَنِثَ بِأَكْلِهِ وَلَوْ أَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ فِي الشَّرْحِ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَا يَحْنَثُ وَيَحْذِفَ قَوْلَهُ بِأَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ بَعْدَهُ وَلَوْ رَاضِيًا إذْ لَا يُجَامِعُ الْإِكْرَاهُ الرِّضَا (قَوْلُهُ وَلَوْ رَاضِيًا) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَحْنَثُ ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْنَثْ هَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِإِخْرَاجِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ وَهُوَ أَرْفَقُ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا تَنْحَلُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَقَاضِي خَانْ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَالْإِقْسَامُ أَنْ يَخْرُجَ بِأَمْرِهِ) صَوَابُهُ أَنْ يَدْخُلَ لِكَوْنِهِ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُهُ فِي الْأَخِيرَيْنِ) وَمِنْ حُكْمِهِ عَدَمُ انْحِلَالِ الْيَمِينِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ فَخَرَجَ لَهَا وَرَجَعَ) هَذَا إذَا تَجَاوَزَ عُمْرَانَ مُقَامِهِ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ إلَّا إلَى جِنَازَةٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِانْفِصَالِهِ عَنْ دَارِهِ بِخُرُوجِهِ لِغَيْرِ جِنَازَةٍ وَلَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلٍ بِهَا إلَى صَحْنِ الدَّارِ ثُمَّ رَجَعَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي لَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَدْخُلَهَا) وَيَحْنَثُ بِالْوُصُولِ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عَنْ قَصْدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَذَهَابُهُ كَخُرُوجِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الرَّوَاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَهُوَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمِصْرِيِّينَ فِي أَيْمَانِهِمْ لَكِنْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّوَاحَ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ اهـ فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا فَهُوَ بِمَعْنَى لَا يَذْهَبُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ عَنْ قَصْدٍ وَصَلَ أَوْ لَا اهـ. وَالدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالذَّهَابِ لَيْلًا وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ (قَوْلُهُ قِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ) قَوْلُ نُصَيْرٍ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَهَا وَقِيلَ كَالْخُرُوجِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ بِالذَّهَابِ شَيْئًا وَلَوْ نَوَى بِهِ الْخُرُوجَ أَوْ الْإِتْيَانَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَحَنِثَ فِي لَيَأْتِيَنَّ مَكَّةَ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ اُعْتُبِرَ بِهِ فَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَفْعَلْ غَدًا كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَفْعَلْ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِتَعَلُّقِهَا بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَدِينَ نِيَّةُ الْحَقِيقَةِ) لَعَلَّهُ بِنِيَّةِ الْحَقِيقَةِ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ إذَا كَانَ اسْمُ الِاسْتِطَاعَةِ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِالدُّخُولِ فِي دَارٍ تَكُونُ مِلْكًا لِفُلَانٍ وَلَا يَكُونُ هُوَ سَاكِنًا فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ

سَاكِنًا فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَيْرُهُ سَاكِنًا فِيهَا أَوْ لَا لِقِيَامِ دَلِيلِ السُّكْنَى التَّقْدِيرِيِّ وَهُوَ الْمِلْكُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ غَيْرَهُ لَوْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا لَا يَحْنَثُ لِانْقِطَاعِ النِّسْبَةِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ حَنِثَ بِدُخُولِهَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلًا فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هَاهُنَا مَهْجُورٌ إذْ لَوْ اضْطَجَعَ وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ فِي الدَّارِ بِحَيْثُ يَكُونُ بَاقِي جَسَدِهِ خَارِجَ الدَّارِ لَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ إنَّهُ وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ فَإِذَا هَجَرَ الْحَقِيقَةَ أُرِيدَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ وَهُوَ الدُّخُولُ مُطْلَقًا بِقَرِينَةِ الْعُرْفِ (وَشُرِطَ لِلْبِرِّ فِي لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ) لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ وَمَعْنَاهُ لَا تَخْرُجْ خُرُوجًا إلَّا بِإِذْنِي وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تُفِيدُ الْعُمُومَ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا بَعْضٌ بَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ (لَا فِي) قَوْلِهِ لَا تَخْرُجْ (إلَّا أَنْ آذَنَ لَك) فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنًا إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخُرُوجِ فَحُمِلَ عَلَى الْغَايَةِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْغَايَةَ قَصْرٌ لِامْتِدَادِ الْمُغَيَّا وَبَيَانٌ لِانْتِهَائِهِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ قَصْرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيَانٌ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ وَفِي هَذَا الْمَقَامِ مَبَاحِثُ شَرِيفَةٌ أَوْرَدْنَاهَا فِي شَرْحِ الْمِرْقَاةِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيَطْلُبْ ثَمَّةَ . (وَ) شُرِطَ (لِلْحِنْثِ فِي إنْ خَرَجْت مَثَلًا لِمُرِيدِ الْخُرُوجِ فِعْلُهُ فَوْرًا) يَعْنِي لَوْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ الْخُرُوجَ مَثَلًا فَقَالَ الزَّوْجُ إنْ خَرَجْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ وَهَذِهِ تُسَمَّى يَمِينُ الْفَوْرِ تَفَرَّدَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِإِظْهَارِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ الزَّجْرُ عَنْ ذَلِكَ الْخُرُوجِ عُرْفًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ . (وَ) شُرِطَ لِلْحِنْثِ (فِي إنْ تَغَدَّيْتُ بَعْدَ) قَوْلِ الطَّالِبِ (تَعَالَى تَغَدَّ مَعِي) قَوْلُهُ (تَغَدِّيهِ مَعَهُ) قَائِمٌ مَقَامَ مَفْعُولِ شُرِطَ الْمُقَدَّرِ يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ اجْلِسْ فَتَغَدَّ مَعِي فَقَالَ بَكْرٌ إنْ تَغَدَّيْتُ فَعَبْدِي كَذَا فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَغَدَّى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى السُّؤَالِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهِ (وَإِنْ ضَمَّ الْيَوْمَ) وَقَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ (كَفَى) فِي الْحِنْثِ (مُطْلَقُ التَّغَدِّي) لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْجَوَابِ فَيُجْعَلُ مُبْتَدَأً (مَرْكَبُ الْمَأْذُونِ لَيْسَ لِمَوْلَاهُ فِي حَقِّ الْيَمِينِ إلَّا إذَا لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرُهُ سَاكِنًا فِيهَا أَوْ لَا. . . إلَخْ) عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَإِنْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ وَهُوَ لَا يَسْكُنُهَا حَنِثَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَأَجَّرَ فُلَانٌ دَارِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ قِيلَ يَحْنَثُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ قَالُوا مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا كَمَا تَبْطُلُ الْإِضَافَةُ بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَمِلْكِ الْيَدِ لِلْغَيْرِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ وَسَاكِنُهَا غَيْرُهُ حَنِثَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ دَارًا أَجَّرَهَا فُلَانٌ حَنِثَ أَيْضًا قِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَجَّرَ فُلَانٌ دَارِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ هَلْ يَحْنَثُ فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ فَهَذَا مُفِيدٌ أَنَّ الدَّارَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكُهَا سَاكِنَهَا وَلَا غَيْرَهُ فَالنِّسْبَةُ بَاقِيَةٌ فَيَحْنَثُ الْحَالِفُ وَأَمَّا إذَا سَكَنَهَا غَيْرُهُ فَقَدْ عَلِمْتَ الِاخْتِلَافَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ، فَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذُكِرَ قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ. . . إلَخْ) عَلِمْتَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ ابْنُ الضِّيَاءِ وَأَمَّا الدَّارُ الْمَمْلُوكَةُ لِفُلَانٍ إنْ كَانَ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ وَلَا سُكْنَى لِمَالِكِهَا بِوَجْهٍ فَإِنَّا نَمْنَعُ حِنْثَهُ بِدُخُولِهَا اهـ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَدَارُ غَلَّةٍ فَدَخَلَ دَارَ الْغَلَّةِ لَا يَحْنَثُ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى مَاشِيًا وَدَخَلَهَا رَاكِبًا لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ هَهُنَا مَهْجُورٌ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِيهَا لَا يَحْنَثُ عَلَى جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ وَضْعَ الْقَدَمِ هَهُنَا مَجَازٌ عَنْ الدُّخُولِ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا يَدْخُلُ بِوَضْعِ إحْدَى رِجْلَيْهِ اهـ فَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ دَارَ فُلَانٍ فَوَضَعَ إحْدَى قَدَمَيْهِ فِيهَا حَنِثَ اهـ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَشُرِطَ لِلْبِرِّ فِي لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ) كَذَا بِغَيْرِ إذْنِي أَوْ رِضَائِي أَوْ عِلْمِي أَوْ إلَّا بِقِنَاعٍ أَوْ مِلْحَفَةٍ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ لِمَنْ لَهُ الْمَنْعُ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَلَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَلَوْ أَذِنَ لَهَا إذْنًا غَيْرَ مَسْمُوعٍ لَمْ يَكُنْ إذْنًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ إذْنٌ وَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهَا بِالْإِذْنِ فِي غَيْبَتِهَا وَفَهْمِهَا الْخِطَابَ وَطَرِيقُ إسْقَاطِ هَذَا الْحَلِفِ أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا أَرَدْت الْخُرُوجَ فَقَدْ أَذِنْت لَك ثُمَّ إذَا نَهَاهَا لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ فَجَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْفَتْحِ مَا يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْت السَّاعَةَ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ (قَوْلُهُ قَائِمٌ مَقَامَ مَفْعُولِ شَرَطَ) صَوَابُهُ فَاعِلُ شَرَطَ (قَوْلُهُ مَرْكَبُ الْمَأْذُونِ لَيْسَ لِمَوْلَاهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ دُخُولُ

يَسْتَغْرِقْ دَيْنَهُ وَنَوَاهُ) يَعْنِي إنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ لِزَيْدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَإِنْ نَوَى بِدَابَّةِ زَيْدٍ دَابَّتَهُ الْخَاصَّةَ لَهُ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ نَوَى دَابَّةً هِيَ مِلْكُ زَيْدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ خَاصَّةً لَهُ أَوْ كَانَتْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا إذَا نَوَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ (يُرَادُ بِالْأَكْلِ مِنْ الشَّجَرِ ثَمَرُهُ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذَا الشَّجَرِ يُرَادُ بِهِ ثَمَرُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ مَهْجُورٌ حِسًّا. (وَ) يُرَادُ (بِهَذَا الْبُرِّ قَضْمُهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِهِ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ لَهُ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ وَمَعْنًى مَجَازِيٌّ مُتَعَارَفٌ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُرَجِّحُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَهُمَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ فَالْمُرَادُ عِنْدَهُمَا أَكْلُ بَاطِنِهِ مَجَازٌ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مُطْلَقًا عَمَلًا بِعُمُومِ الْمَجَازِ. (وَ) يُرَادُ (بِهَذَا الدَّقِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) لِأَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عَادَةً فَانْصَرَفَ إلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ خُبْزًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ بِأَكْلِ خُبْزِهِ أَقُولُ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَاءَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ تَقَيَّدَ وَإِذَا قَيَّدَ بِهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ غَيْرَهُ وَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ وَلَا يُصَحِّحُهُ قَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَيْ بِأَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ كَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِ بَلْ يَظْهَرُ فَسَادُهُ لِأَنَّهُ إذَا قَيَّدَ بِمُعَيَّنٍ يَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِطْلَاقُ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّفْسِيرُ بِهِ فَتَدَبَّرْ وَاسْتَقِمْ. . (وَ) يُرَادُ (بِالشِّوَاءِ اللَّحْمُ) لَا الْبَاذِنْجَانُ وَالْجَزَرُ (وَبِالطَّبِيخِ طَبِيخُ اللَّحْمِ وَبِالرَّأْسِ رَأْسٌ يُكْبَسُ فِي التَّنَانِيرِ وَيُبَاعُ فِي مِصْرِهِ) لِأَنَّهَا الْمُتَعَارَفَةُ (وَبِالشَّحْمِ شَحْمُ الْبَطْنِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَتَنَاوَلُ شَحْمَ الظَّهْرِ أَيْضًا (أَوْ بِالْخُبْزِ مَا اعْتَادَهُ فِي بَلَدِهِ) وَالْمُعْتَادُ فِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ خُبْزُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا خُبْزُ الْأُرْزِ وَالذُّرَةِ مُعْتَادٌ أَيْضًا (وَبِالْفَاكِهَةِ التُّفَّاحُ وَالْبِطِّيخُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَبِيدِ مَأْذُونِهِ فِي حُكْمِ حَرَّرْت عَبِيدِي (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ) سَوَاءٌ فِيهِ مَا إذَا نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ الْمُسْتَغْرِقِ. وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ رَكِبَ دَابَّةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَى الْمَوْلَى لَا ذَاتًا وَلَا يَدًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يُرَادُ بِالْأَكْلِ مِنْ الشَّجَرِ ثَمَرُهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ لِأَكْلِ عَيْنِ الشَّجَرَةِ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَمَا يُرَادُ ثَمَرُ الشَّجَرِ يُرَادُ جُمَّارُهُ وَطَلْعُهُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ الشَّجَرِ بِلَا تَغَيُّرٍ بِصُنْعٍ جَدِيدٍ فَلَا يَحْنَثُ بِالنَّبِيذِ وَالْخَلِّ وَالنَّاطِفِ وَالدِّبْسِ الْمَطْبُوخِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمَطْبُوخِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ بِنَفْسِهِ مِنْ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَحْنَثُ بِدِبْسِهِ وَالْمُرَادُ عَصِيرُهُ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ لِلشَّجَرِ ثَمَرٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ نَوَى عَيْنَهَا لَا يَحْنَثُ بِثَمَرِهَا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا ثَمَرَ لَهَا انْعَقَدَتْ عَلَى ثَمَنِهَا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بِهِ مَأْكُولًا كَذَا فِي الْفَتْحِ زَادَ فِي الْبَحْرِ وَأَكَلَهُ اهـ. وَقَدْ يُقَالُ يُرَادُ بِالْأَكْلِ الْإِنْفَاقُ فِي أَيِّ شَيْءٍ فَيَحْنَثُ بِهِ إذَا نَوَى فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ وَبِهَذَا الْبُرِّ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مِمَّا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ تَقَيَّدَ بِهِ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ بِاللَّحْمِ خَاصَّةً وَلَا يَحْنَثُ بِاللَّبَنِ وَالزُّبْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَضَمَهُ) أَيْ أَكَلَهُ لِأَنَّ الْقَضْمَ الْأَكْلُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ وَلَا يَخْتَصُّ الْحِنْثُ بِهِ وَقَضِمَ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحِنْطَةِ مُعَيَّنَةً لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُ الْإِمَامِ كَجَوَابِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالْمُنْكَرَةَ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَحْنَثُ بِقَضْمِهِ عِنْدَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا إذَا قَضَمَهَا وَصَحَّحَهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَرَجَّحَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانْ رِوَايَةَ الْجَامِعِ أَنَّهُ يَحْنَثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي الْخُبْزِ يَحْنَثُ أَيْضًا أَيْ عِنْدَهُمَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْقَضْمِ وَلَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا بَلْ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِهَذَا الدَّقِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَفَّ الدَّقِيقَ لَمْ يَحْنَثْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لَا الْبَاذِنْجَانُ وَالْجَزَرُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى مَا يُشْوَى عَمِلَ بِهِ كَالْبِيضِ وَالْفُولِ الْأَخْضَرِ الَّذِي يُسَمَّى فِي عُرْفِنَا شَوِيَّ الْعَرَبِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَبِالطَّبِيخِ طَبِيخُ اللَّحْمِ) يَعْنِي مَا لَمْ يَنْوِ الْعُمُومَ فَإِنْ نَوَى عَمِلَ بِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّ مَا يُتَّخَذُ فَلَيَّةً مِنْ اللَّحْمِ لَا يُسَمَّى طَبِيخًا وَلَا يَحْنَثُ بِهِ وَهَذَا أَيْ التَّقْيِيدُ بِطَبِيخِ اللَّحْمِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالْأُرْزِ الْمَطْبُوخِ بِلَا لَحْمٍ. وَفِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ فَإِنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا بِخِلَافِ مَا لَوْ طُبِخَ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُزْوَرَّةً قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَمَا يُطْبَخُ مِنْ الْأَدْهَانِ يُسَمَّى مُزَوَّرَةً اهـ. وَفِي الْبُرْهَانِ الْعُرْفُ الظَّاهِرُ أَصْلٌ فِي مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ اهـ وَالْعُرْفُ الْآنَ إطْلَاقُ الطَّبِيخِ عَلَى مَا يُطْبَخُ نَحْوِ الْعَدَسِ فِيهِ يَحْنَثُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا الْمُتَعَارَفَةُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لِاخْتِلَافِ الْعَصْرِ وَالزَّمَانِ وَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ كَمَا فِي الْفَتْحِ

وَالْمِشْمِشُ لَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَاكِهَةٌ. (وَ) يُرَادُ (بِالشُّرْبِ مِنْ نَهْرٍ الْكَرْعُ) وَهُوَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ مِنْ مَوْضِعِهِ بِالْفَمِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ فِيهَا كَرْعًا خِلَافًا لَهُمَا (لَا بِمِنْ مَائِهِ) أَيْ لَا يُرَادُ بِالشُّرْبِ مِنْ مَاءِ نَهْرِ الْكَرْعُ بَلْ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْهُ بِإِنَاءٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الِاغْتِرَافِ بَقِيَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ الشَّرْطُ (لَا يَحْنَثُ فِي) حَلِفِهِ (لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ بِأَكْلِ رُطَبِهِ أَوْ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ أَوْ اللَّبَنِ بِأَكْلِهِ تَمْرًا أَوْ شِيرَازًا) لِأَنَّ هَذِهِ صِفَاتٌ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ فَتَنْعَقِدُ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ أَوْ هَذَا الشَّابَّ فَأَكَلَ بَعْدَمَا صَارَ كَبْشًا أَوْ كَلَّمَ بَعْدَ مَا شَاخَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَنَا بِالتَّحَمُّلِ بِأَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمُدَارَةِ الصِّبْيَانِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنَّ الصِّفَةَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ إلَّا إذَا كَانَتْ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّطَبِ إذْ رُبَّمَا يَضُرُّهُ الرُّطَبُ لَا التَّمْرُ (وَلَا) يَحْنَثُ (فِي لَا يَأْكُلُ بُسْرًا بِأَكْلِ رُطَبٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبُسْرٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا أَنَّ صِفَةَ الْبُسْرَةِ وَصِفَةَ الرُّطَبَةِ وُجِدَتَا ثَمَّةَ فِي الْمُعَيَّنِ وَكَانَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ الصِّفَةُ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ أَنْ تَكُونَ لَغْوًا لَكِنَّهَا لَمْ تَلْغُ لِكَوْنِ الصِّفَةِ دَاعِيَةً إلَى الْيَمِينِ وَهَاهُنَا وُجِدَتْ فِي الْمُنْكِرِ وَالصِّفَةُ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ فَأَكَلَهُ رُطَبًا وَبَيْنَ قَوْلِنَا لَا يَأْكُلُ بُسْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَإِذَا صَارَ رُطَبًا صَارَ مَاهِيَّةً أُخْرَى كَمَا بَيَّنَّا فِي لَا يَدْخُلُ بَيْتًا مَعَ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى كَلَامِهِ الْمُزَيَّفِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ صِفَةَ الْبُسْرَةِ وَالرُّطَبَةِ دَاعِيَةٌ إلَى الْيَمِينِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ صِفَةِ الْبُسُورَةِ وَنَحْوِهَا يُنَافِي اعْتِبَارَ كَوْنِ الْبُسْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَإِنْ كَانَ الْبُسْرُ وَنَحْوُهُ اسْمَ جِنْسٍ فِي الْوَاقِعِ فَتَدَبَّرْ وَاسْتَقِمْ. (وَلَا) يَحْنَثُ (فِي لَا آكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِ سَمَكٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّهُ سُمِّيَ فِي الْقُرْآنِ لَحْمًا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّسْمِيَةَ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّحْمَ مُنْشَؤُهُ مِنْ الدَّمِ وَلَا دَمَ لَهُ لِكَوْنِهِ فِي الْمَاءِ (وَلَا) يَحْنَثُ (فِي لَا آكُلُ لَحْمًا أَوْ شَحْمًا بِأَكْلِ أَلْيَةٍ) لِأَنَّهَا نَوْعٌ ثَالِثٌ حَتَّى لَا تُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ (وَلَا) يَحْنَثُ (فِي لَا يَشْتَرِي رُطَبًا بِاشْتِرَاءِ كِبَاسَةِ بُسْرٍ فِيهَا رُطَبٌ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَالرُّطَبُ فَاكِهَةٌ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الْمَشَايِخُ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ يَعُدُّوهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عُدَّتْ مِنْهُمَا فَأَفْتَيَا بِهِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْعُرْفِ فَمَا يُؤْكَلُ عَلَى سَبِيلِ التَّفَكُّهِ عَادَةً وَيُعَدُّ فَاكِهَةً فِي الْعُرْفِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَمِينِ وَمَا لَا فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ وَيُرَادُ بِالشُّرْبِ مِنْ نَهْرٍ الْكَرْعُ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَى بِإِنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ عَمِلَ بِهِ وَقَيَّدَ بِالنَّهْرِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْبِئْرِ وَلَيْسَتْ مَلْآنَةً فَتَكَلَّفَ الْكَرْعَ مِنْهَا لَا يَحْنَثُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ بَلْ بِالِاغْتِرَافِ مِنْهَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذَا الْحَمَلِ أَوْ لَا يُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْحَقِيقَةَ قَيْدًا لِيَمِينِهِ فِيهِمَا وَإِنْ نَوَاهَا تَقَيَّدَتْ بِهَا لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَالظَّاهِرُ لَا يُخَالِفُهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَوْ هَذَا الشَّابَّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ الصَّبِيُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَكَذَا الْغُلَامُ فَإِذَا بَلَغَ فَهُوَ شَابٌّ وَفَتًى إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فَهُوَ كَهْلٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ شَيْخٌ إلَى خَمْسِينَ اهـ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَوْصَافَ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ) قَالَ الْكَمَالُ فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَمَلَ لَيْسَ مَحْمُودًا فِي الضَّأْنِ لِكَثْرَةِ رُطُوبَاتِهِ زِيَادَةً حَتَّى قِيلَ فِيهِ النَّحِسُ بَيْنَ الْجَيِّدَيْنِ بِخِلَافِهِ كَبْشًا فَإِنَّ لَحْمَهُ حِينَئِذٍ أَكْثَرُ قُوَّةً وَتَقْوِيَةً لِلْبَدَنِ لِقِلَّةِ رُطُوبَاتِهِ فَصَارَ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ فَأَكَلَهُ تَمْرًا لَا يَحْنَثُ وَاعْلَمْ أَنَّ إيرَادَ مِثْلِ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الصَّبِيَّ ذُهُولٌ عَنْ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَنِسْيَانُ أَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى الْعُرْفِ فَيُصْرَفُ اللَّفْظُ إلَى الْمُعْتَادِ فِي الْعَمَلِ وَالْعُرْفِ فِي الْقَوْلِ وَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَوْ أَرَادَ مَعْنًى تَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْأَمْرُ بِتَحَمُّلِ أَخْلَاقِ الْفِتْيَانِ وَمُدَارَاةِ الصِّبْيَانِ فَلَا يَنْفِي كَوْنَ حَالِفٍ مِنْ النَّاسِ عَرَفَ عَدَمَ طِيبِ الْحَمَلِ وَسَوَاءٌ أَدَبُ صَبِيٍّ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْدَعُهُ إلَّا تَرْكُ الْكَلَامِ مَعَهُ أَوْ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ مَعَهُ يَضُرُّهُ فِي عِرْضِهِ أَوْ دِينِهِ فَتُصْرَفُ يَمِينُهُ حَيْثُ صَرَفَهَا فَلَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ مَعَهُ بَعْدَ فَوَاتِ تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي أَرَادَهَا (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا آكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِ سَمَكٍ) أَيْ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا نَوَاهُ فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ غَيْرَ طَرِيٍّ حَنِثَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ) رُوِيَ شَاذًّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْأَلْيَةِ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ مِنْ الدَّمِ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهَا وَنَمْنَعُ أَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الِانْعِقَادِ مِنْ الدَّمِ بَلْ بِاعْتِبَارِ الِالْتِحَامِ فَالتَّمَسُّكُ لِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ بِالْعُرْفِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كِبَاسَةِ) بِكَسْرِ الْكَافِ عُنْقُودُ النَّخْلِ وَالْجَمْعُ كَبَائِسُ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يُصَادِفُ الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ) يُخَالِفُهُ مَا نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَلْيَةً فَاشْتَرَى شَاةً مَذْبُوحَةً كَانَ حَانِثًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي رَأْسًا اهـ

الْجُمْلَةَ وَالْمَغْلُوبُ تَابِعٌ وَلَوْ كَانَ الْيَمِينُ عَلَى الْأَكْلِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْأَكْلَ صَادَفَ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودًا وَصَارَ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي شَعِيرًا أَوْ لَا يَأْكُلُهُ فَاشْتَرَى حِنْطَةً فِيهَا حَبَّاتُ شَعِيرٍ وَأَكَلَهَا يَحْنَثُ فِي الْأَكْلِ لَا فِي الشِّرَاءِ لِمَا ذُكِرَ (وَحَنِثَ فِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا أَوْ بُسْرًا أَوْ وَلَا بُسْرًا بِأَكْلِ مُذَنِّبِ الْبُسْرِ) الْمُذَنِّبُ بِكَسْرِ النُّونِ الَّذِي أَكْثَرُهُ بُسْرٌ وَشَيْءٌ مِنْهُ رُطَبٌ الْمُذَنَّبُ عَكْسُهُ وَإِنَّمَا حَنِثَ لِأَنَّهُ أَكَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً فَيَحْنَثُ (وَ) حَنِثَ (فِي لَا يَأْكُلُ لَحْمًا بِأَكْلِ كَبِدٍ أَوْ كَرِشٍ) لِأَنَّ نُشُوءَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الدَّمِ وَالِاخْتِصَاصُ بِاسْمٍ آخَرَ لَا لِلنُّقْصَانِ كَالرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ لَحْمًا وَلَا تُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللُّحُومِ (أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ إنْسَانٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَحْمٌ حَقِيقَةً. وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي (وَالْإِدَامُ مَا يُصْبَغُ بِهِ الْخُبْزُ كَالْخَلِّ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتِ لَا اللَّحْمِ وَالْبَيْضِ وَالْجُبْنِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَكُلُّ شَيْءٍ يُصْطَبَغُ بِهِ الْخُبْزُ فَهُوَ إدَامٌ وَمَا لَا فَلَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (الْغَدَاءُ الْأَكْلُ مِنْ) طُلُوعِ (الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ) كَذَا فِي الْعُرْفِ (وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) لِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ يُسَمَّى عَشَاءً (وَالسُّحُورُ مِنْهُ إلَى الْفَجْرِ) لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّحَرِ فَأُطْلِقَ عَلَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ فَمَنْ حَلَفَ لَا أَتَغَدَّى أَوْ لَا أَتَعَشَّى أَوْ لَا أَتَسَحَّرُ يُرَادُ بِهَا هَذِهِ الْمَعَانِي (قَالَ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْتُ أَوْ لَبِسْتُ) وَلَمْ يَذْكُرْ مَفْعُولًا (وَنَوَى) مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا أَوْ مَلْبُوسًا (مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ) لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ مَاهِيَّةُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْمَفْعُولِ إلَّا اقْتِضَاءً وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا لِتَصِحَّ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ (أَصْلًا) أَيْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً (وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ ثَوْبًا دِينَ) أَيْ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ عَامٌّ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً (إمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ صِحَّةِ الْحَلِفِ) يَعْنِي أَنَّ الْيَمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَحَنِثَ فِي لَا يَأْكُلُ رُطَبًا. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الذَّنَبِ وَرَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ الْحِنْثُ وَعَدَمُهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا قِيلَ إنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ لَا يُقَيِّدُ اللَّفْظَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ حَلَفَ لَا يَأْتَدِمُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ غَالِبًا فَهُوَ إدَامٌ) عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ وَعَنْ الْمُحِيطِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ (قَوْلُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا تَعَارَفَ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ فِي كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ الْغَدَاءُ) أَيْ التَّغَدِّي لِأَنَّ الْغَدَاءَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي الْوَقْتِ الْخَاصِّ لَا الْأَكْلُ (قَوْلُهُ الْأَكْلُ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَلَا مُطْلَقَ الْمَأْكُولِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ مِمَّا يَأْكُلُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ حَتَّى لَوْ شَرِبَ اللَّبَنَ أَوْ أَكَلَ التَّمْرَ أَوْ الْأُرْزَ حَتَّى شَبِعَ لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَ حَضَرِيًّا وَإِنْ كَانَ بَدَوِيًّا حَنِثَ وَلَوْ أَكَلَ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ الشِّبَعِ لَا يَحْنَثُ حَتَّى فِي السُّحُورِ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِ نِصْفِ الشِّبَعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الظُّهْرِ كَذَا فِي الْعُرْفِ) كَذَا فِي التَّجْرِيدِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَقْتُ التَّغَدِّي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ وَكَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْعُرْفِ لِأَنَّ الْأَكْلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَا يُسَمُّونَهُ غَدَاءً اهـ. (قَوْلُهُ وَالْعَشَاءُ مِنْهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْخُجَنْدِيُّ والإسبيجابي هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالْعَشَاءُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت) كَذَا إنْ اغْتَسَلْت أَوْ نَكَحْت أَوْ سَكَنْت دَارَ فُلَانٍ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ دُونَ امْرَأَةٍ أَوْ بِأَجْرٍ وَلَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَبَى فَحَلَفَ يَنْوِي السُّكْنَى بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ لَا يَصِحُّ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الْمَفْعُولِ إلَّا اقْتِضَاءً) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ التَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَفْعُولَ فِي لَا آكُلُ وَأَلْبَسُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمَفْعُولِ اقْتِصَارًا وَتَنَاسُبًا لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقَ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِمَّا يُحْكَمُ بِكَذِبِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلُ رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ أَوْ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ شَرْعًا مِثْلُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا آكُلُ يُحْكَمُ بِكَذِبِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا مُتَضَمِّنًا حُكْمًا لَا يَصِحُّ شَرْعًا نَعَمْ الْمَفْعُولُ أَعْنِي الْمَأْكُولَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ وُجُودِ فِعْلِ الْآكِلِ وَمِثْلُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ كَذَلِكَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَدْعِيَ مَعْنَاهُ زَمَانًا وَمَكَانًا فَكَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِنَا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعَانِ وَبَيْنَ قَامَ زَيْدٌ وَجَلَسَ عَمْرٌو (قَوْلُهُ أَصْلًا) أَيْ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً وَبِهِ أَخَذَ الْخَصَّافُ وَنَحْنُ نَقُولُ نِيَّةُ غَيْرِ الْمَلْفُوظِ لَا تَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَمَّ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ ثَوْبًا دِينَ) هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصْرِيَّةً لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الْجِنْسِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إمْكَانُ الْبِرِّ) أَيْ حَقِيقَةً لَا عَادَةً

إنَّمَا تَنْعَقِدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مُمْكِنَ الْوُقُوعِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ وَمَحَلُّهُ عِنْدَهُ خُيِّرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ أَوْ لَا أَلَا يَرَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ أَوْ تَحْوِيلِ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُنْعَقِدَةٌ لِأَنَّهُ عَقَدَهَا عَلَى خَبَرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا مَحَلُّهُ خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ لِأَنَّ مَحَلَّ الشَّيْءِ مَا يَكُونُ قَابِلًا لِحُكْمِهِ وَحُكْمُ الْيَمِينِ الْبِرُّ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ فَلَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا كَيَمِينِ الْغَمُوسِ (فَفِي) قَوْلِهِ (وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَن مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ) أَوْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ الْمَاءَ الَّذِي هُوَ فِي هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا (وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ) فِيهِ مَاءٌ (فَصَبَّ) الْمَاءَ قَبْلَ اللَّيْلِ (أَوْ أَطْلَقَ) الْحَالِفُ وَلَمْ يَقُلْ الْيَوْمَ (وَلَا مَاءَ فِيهِ، لَمْ يَحْنَثْ) عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَلِفِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَهُوَ إمْكَانُ الْبِرِّ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِصِحَّةِ الْحَلِفِ عِنْدَهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَصُبَّ، حَنِثَ) لِأَنَّ الْبِرَّ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّكَلُّمِ لَكِنْ مُوَسَّعًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفُوتَهُ فِي عُمْرِهِ وَالْبِرُّ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَانْعَقَدَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ بِأَنْ صَبَّ الْمَاءَ عَقِيبَ الْيَمِينِ بِلَا تَرَاخٍ لَا تَنْعَقِدُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْيَمِينُ عَلَى مَاءٍ يُوجِدُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكُوزِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ قُلْنَا ذَلِكَ الْمَاءُ لَيْسَ الْمَاءَ الَّذِي انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ مُوجِبَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ قُلْنَا شَرْطُ انْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الْحَلِفِ احْتِمَالُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلَا احْتِمَالَ هُنَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْبِرِّ. (وَفِي لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَنِثَ لِلْحَالِ) . وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَحْنَثُ لِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ عَادَةً وَلَنَا أَنَّ الصُّعُودَ إلَى السَّمَاءِ مُمْكِنٌ حَتَّى وَقَعَ لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْجِنِّ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} [الجن: 8] الْآيَةَ وَكَذَا قَلْبُ الْحَجَرِ ذَهَبًا مُمْكِنٌ فِي نَفْسِهِ وَوَاقِعٌ لِبَعْضِ الْأَخْبَارِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْبِرُّ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ، لِعَجْزِهِ عَنْ تَحْقِيقِ الْبِرِّ، ظَاهِرٌ وَإِذًا كَافٍ لِلْحِنْثِ (كَذَا لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا بِمَوْتِهِ) إذْ يُرَادُ حِينَئِذٍ قَتْلُهُ بَعْدَ إحْيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُمْكِنٌ فَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَوْتِهِ فَالْمُرَادُ الْقَتْلُ الْمُتَعَارَفُ وَلَمَّا كَانَ مَيِّتًا كَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا حَقِيقَةً (شَهَرَ عَلَى إنْسَانٍ سَيْفًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ) قَالَ قَتَلَ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّ السَّيْفَ آلَةٌ لَهُ (وَلَوْ شَهَرَ عَصًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَعَلَى) أَيْ الْحَلِفُ يَقَعُ عَلَى (إيلَامِهِ) لَا حَقِيقَةِ الْقَتْلِ فَإِنْ آلَمَ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ لِأَنَّ الْعَصَا لَيْسَ آلَةً لِلْقَتْلِ بَلْ لِلْإِيلَامِ بِالضَّرْبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ سُلَيْمَانَ (تَحْلِيفُ الْوَالِي لَيُعْلِمَهُ كُلَّ دَاعِرٍ أَتَى مُقَيَّدٌ بِحَالِ وِلَايَتِهِ) يَعْنِي إذَا حَلَّفَ الْوَالِي رَجُلًا لَهُ شُعُورٌ عَلَى أَهْلِ الْفَسَادِ لَيُعْلِمَهُ كُلَّ مُفْسِدٍ يَجِيءُ فِي الْبَلْدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِيمَا فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ) أَيْ حَقِيقَةً لَا عَادَةً (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَصُبَّ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ صَبَّهُ الْحَالِفُ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ انْصَبَّ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) جَوَابُ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ مَا إذَا عَلِمَ الْحَالِفُ أَنَّ الْكُوزَ فِيهِ مَاءٌ وَمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي لِيَصْعَدَن السَّمَاءَ. . . إلَخْ) أَطْلَقَهُ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا قَيَّدَ الصُّعُودَ وَقَلْبَ الْحَجَرِ بِمُدَّةٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ قَبْلَ مُضِيِّهَا حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى التَّرْكِ بِأَنْ قَالَ إنْ تَرَكْتَ مَسَّ السَّمَاءِ فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ لِأَنَّ التَّرْكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ كَذَا لِيَقْتُلَنَّ فُلَانًا عَالِمًا بِمَوْتِهِ) يُخَالِفُ الْحَلِفَ عَلَى ضَرْبِهِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا الْيَوْمَ وَفُلَانٌ مَيِّتٌ إنْ عَلِمَ بِمَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ حَيًّا وَقْتَ الْحَلِفِ ثُمَّ مَاتَ لَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالِ الْمُلَاعَبَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ. اهـ. (قَوْلُهُ شَهَرَ عَلَى إنْسَانٍ سَيْفًا وَحَلَفَ لَيَقْتُلَنهُ فَهُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ) مِثْلُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ لِأَضْرِبَنك بِالسَّيْفِ حَتَّى تَمُوتَ فَهُوَ عَلَى الْمَوْتِ حَقِيقَةً اهـ. وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَاضِي خَانْ وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَأَضْرِبَنهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ إلَّا بِالضَّرْبِ حَتَّى يَمُوتَ اهـ. وَلَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ لِأَضْرِبَنك حَتَّى أَقْتُلَك فَهُوَ عَلَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَعِنْدِي أَيْضًا عَلَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ لِأَضْرِبَنك بِالسَّيْفِ حَتَّى تَمُوتَ وَلَأَضْرِبَنَّ وَلَدَك عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَنْشَقَّ نِصْفَيْنِ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْأَرْضَ وَيَرْكُلَهُ فَقَطْ وَخِلَافُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ. وَالرَّكْلُ الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ (قَوْلُهُ دَاعِرٌ) بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الْمُفْسِدُ (قَوْلُهُ تَقَيَّدَ بِحَالِ وِلَايَتِهِ) قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ بِالدَّاعِرِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلِفُ أَوْ عُزِلَ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا بِالْيَأْسِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ اهـ. وَلَوْ حَكَمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ أَيْ فَوْرُ عِلْمِهِ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ (تَنْبِيهٌ) : تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْحَالِفِ ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَإِلَّا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُحَلِّفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ

كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِحَالِ وِلَايَةِ الْوَالِي وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فَإِنْ أَعْلَمَهُ حَالَ وِلَايَتِهِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ وَبَعْدَمَا عُزِلَ لَمْ يَلْزَمْ الْإِعْلَامُ (وَالضَّرْبُ وَالْكِسْوَةُ وَالْكَلَامُ وَالدُّخُولُ عَلَيْهِ) مُقَيَّدٌ (بِالْحَيَاةِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ عَلَى ضَرْبِ فُلَانٍ أَوْ كِسْوَتِهِ أَوْ الْكَلَامِ مَعَهُ أَوْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِحَيَاتِهِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَكُونُ بَارًّا لِأَنَّ الضَّرْبَ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ يَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ وَالْإِيلَامُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ وَمَنْ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ يُوضَعُ فِيهِ قَدْرٌ مِنْ الْحَيَاةِ وَكَذَا الْكِسْوَةُ إذْ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ فِي الْمَيِّتِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ السِّتْرَ وَكَذَا الْكَلَامُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ وَكَذَا الدُّخُولُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ (لَا الْغُسْلُ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ عَلَى غُسْلِ فُلَانٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَيَاتِهِ لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَمَعْنَاهُ التَّطْهِيرُ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَيِّتِ (وَالْقَرِيبُ) مُقَيَّدٌ (بِمَا دُونَ الشَّهْرِ فِي لِيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ إلَى قَرِيبٍ فَالشَّهْرُ) وَمَا زَادَ عَلَيْهِ (بَعِيدٌ) وَلِهَذَا يُقَالُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ مَا لَقِيتُك مُنْذُ شَهْرٍ (مَدُّ شَعْرِهَا وَخَنْقُهَا وَعَضُّهَا كَضَرْبِهَا) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَمَدَّ شَعْرَهَا أَوْ خَنَقَهَا أَوْ عَضَّهَا حَنِثَ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُؤْلِمٍ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْإِيلَامُ وَقِيلَ لَا يَحْنَثُ فِي حَالِ الْمُلَاعَبَةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُمَازَحَةً لَا ضَرْبًا (قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك فَهَدْيٌ) أَيْ فَاللِّبَاسُ صَدَقَةٌ يُتَصَدَّقُ بِهَا فِي مَكَّةَ (فَاشْتَرَى) الزَّوْجُ (قُطْنًا فَغَزَلَتْهُ) الْمَرْأَةُ (وَنُسِجَ) وَخِيطَ (وَلَبِسَ) الزَّوْجُ (فَهُوَ) أَيْ اللِّبَاسُ (هَدْيٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ حَتَّى تَغْزِلَهُ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافٍ إلَى سَبَبِهِ وَلَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ اللُّبْسَ وَغَزْلَ الْمَرْأَةِ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِهِ، وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبُ مِلْكِهِ وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يُذْكَرْ حَتَّى إذَا ذُكِرَ بِأَنْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك مِنْ قُطْنِي فَهَدْيٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَيْهَا وَقَالَ إنْ لَبِسْت مِنْ غَزْلِك مِنْ قُطْنِك لَمْ يَكُنْ هَدْيًا بِالْإِجْمَاعِ (عِقْدُ لُؤْلُؤٍ لَمْ يُرَصَّعْ وَخَاتَمُ ذَهَبِ حُلِيٌّ لَا خَاتَمُ فِضَّةٍ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ عِقْدَ لُؤْلُؤٍ غَيْرُ مُرَصَّعٍ لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبَعْدَ مَا عُزِلَ لَمْ يَلْزَمْ الْإِعْلَامُ) كَذَا لَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ لَا يَعُودُ الْيَمِينُ لِسُقُوطِهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالضَّرْبُ وَالْكِسْوَةُ. . . إلَخْ) الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُلِذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيُسِرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ وَقِيلَ إنْ عَقَدَ عَلَى تَقْبِيلِ مُلْتَحٍ يَحْنَثُ أَوْ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَحْنَثُ وَهُوَ أَيْ التَّقْبِيلُ عَلَى الْوَجْهِ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ (تَنْبِيهٌ) : الْكَلَامُ مِنْ حَلِفِ الْقَوْلِ لَا الْفِعْلِ فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادًا (قَوْلُهُ وَالْقَرِيبُ مُقَيَّدٌ بِمَا دُونَ الشَّهْرِ) كَذَا الْعَاجِلُ فَلَا يَحْنَثُ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَأَمَّا إنْ نَوَى بِالْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى حَتَّى لَوْ نَوَى سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ صَحَّتْ وَكَذَا إلَى آخِرِ الدُّنْيَا لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِرَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَوَّلُ الشَّهْرِ قَبْلَ مُضِيِّ النِّصْفِ وَغُرَّةُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةُ الْأُولَى مَعَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لُغَةً وَالسَّلْخُ لُغَةً مِنْ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ إلَى الْآخَرِ وَعُرْفًا مِنْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَرَأْسُ الشَّهْرِ وَرَأْسُ الْهِلَالِ وَإِذَا أَهَّلَ الْهِلَالُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَعَلَى اللَّيْلَةِ الَّتِي تُهِلُّ وَيَوْمِهَا وَإِنْ نَوَى السَّاعَةَ الَّتِي يُهِلُّ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ، وَآخِرُ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَأَوَّلُ آخِرِهِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ فَهُوَ عَلَى نِصْفِهَا وَإِلَى صَفَرٍ لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ مِنْ غَزْلِك) أَيْ مَغْزُولِك (قَوْلُهُ فَهُوَ هَدْيٌ) أَيْ عَلَيْهِ إهْدَاؤُهُ إلَى مَكَّةَ وَقَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ نَذَرَ ثَوْبًا جَازَ التَّصَدُّقُ فِي مَكَّةَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ وَلَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ مَا لَا يُنْقَلُ كَالدَّارِ فَهُوَ نَذْرٌ بِقِيمَتِهَا وَإِنْ نَذَرَ هَدْيَ شَاةٍ أَوْ بَدَنَةٍ فَإِنَّمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ هُنَاكَ فَلَا يَجْزِيهِ إهْدَاءُ قِيمَتِهِ وَقِيلَ فِي إهْدَاءِ قِيمَتِهِ الشَّاةِ رِوَايَتَانِ فَلَوْ سُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ. وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى مُفَارَقَتِهِ الصَّدَقَةَ بِمَكَّةَ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْهَدْيِ خَاصٌّ بِمَا يَكُونُ بِمَكَّةَ وَالصَّدَقَةُ لَا تَخْتَصُّ بِهَا (قَوْلُهُ مِنْ قُطْنٍ مَلَكَهُ يَوْمَ حَلَفَ) يَعْنِي وَقْتَ حَلَفَ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ غَزْلَ الْمَرْأَةِ عَادَةً يَكُونُ مِنْ قُطْنِ الزَّوْجِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمُلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَادُ هُوَ الْمُرَادُ وَذَلِكَ سَبَبُ مِلْكِهِ. . . إلَخْ) مَعْنَى كَوْنِهِ سَبَبًا كَوْنُهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ الْحُكْمُ عَنْهُ وَكَوْنُ الْغَزْلِ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ يَسْتَلْزِمُهُ كَوْنُهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ عِنْدَهُ مِلْكُ الزَّوْجِ فِي الْمَغْزُولِ وَلِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ التَّسَرِّي حَيْثُ لَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الْحَلِفِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى التَّسَرِّي لَيْسَ إضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ التَّسَرِّي أَثَرًا لَهُ بَلْ هُوَ أَيْ الْمِلْكُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَيْ التَّسَرِّي كَذَا فِي الْفَتْحِ

حُلِيٌّ حَقِيقَةً حَتَّى سُمِّيَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُتَحَلَّى بِهِ عُرْفًا إلَّا مُرَصَّعًا وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِهِ مُنْفَرِدًا مُعْتَادٌ، وَإِنْ تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ ذَهَبٍ حَنِثَ لِأَنَّهُ حُلِيٌّ وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ وَإِنْ تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا حَتَّى أُبِيحَ اسْتِعْمَالُهُ لِلرِّجَالِ (حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَهُ أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ لَمْ يَحْنَثْ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْ الْأَوَّلِ (وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِبَاسُهُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ جُعِلَ عَلَى الْفِرَاشِ قِرَامٌ أَوْ عَلَى السَّرِيرِ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ) فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (حَنِثَ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لِبَاسَهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعَدُّ حَائِلًا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْقِرَامَ تَبَعٌ لِلْفِرَاشِ فَيُعَدُّ نَائِمًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ عَلَى حَصِيرٍ فَوْقَ السَّرِيرِ جُلُوسٌ عَلَى السَّرِيرِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ مِنْ تَنْكِيرِ سَرِيرٍ كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ إذْ عَلَى هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ فَوْقَهُ سَرِيرٌ آخَرُ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ بَلْ الصَّوَابُ مَا فِي الْكَافِي مِنْ تَعْرِيفِ السَّرِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ (لَا يَفْعَلُهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ) يَعْنِي إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَجَبَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ (وَيَفْعَلُهُ) يَقَعُ (عَلَى مَرَّةٍ) لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ (بِعَلَيَّ الْمَشْيُ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ (إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ الْكَعْبَةِ) سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا أَوْ فِي غَيْرِهَا (يَجِبُ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مَاشِيًا وَدَمٌ إنْ رَكِبَ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِالْتِزَامِهِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا مَقْصُودَةٍ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ بِالْأَثَرِ فَإِنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي الْكَافِي قَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا فَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّي بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا لَبِسَ عِقْدَ زَبَرْجَدٍ أَوْ زُمُرُّدٍ غَيْرَ مُرَصَّعٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ لَا يَحْنَثُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ إذَا صُبِغَ عَلَى هَيْئَةِ خَاتَمِ النِّسَاءِ بِأَنْ كَانَ ذَا فَصٍّ يَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَقَيَّدَ بِالْخَاتَمِ لِأَنَّهُ لَوْ لَبِسَ سِوَارًا أَوْ خَلْخَالًا أَوْ قِلَادَةً أَوْ قِرْدًا أَوْ دُمْلُوجًا حَنِثَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَلَوْ مِنْ فِضَّةٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا يَنَامُ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ فَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ فَوْقَهُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَرَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَائِمًا عَلَى فِرَاشَيْنِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ النِّسْبَةُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَيْسَ تَبَعًا لِمِثْلِهِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَضُرُّنَا نَفْيُهُ فِي الْفِرَاشَيْنِ بَلْ كُلُّ أَصْلٍ بِنَفْسِهِ وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِتَعَارُفِ قَوْلِنَا نَامَ عَلَى فِرَاشَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُمَاسَّهُ إلَّا الْأَعْلَى اهـ. (قَوْلُهُ قِرَامٌ) هُوَ السِّتْرُ الْمُنَقَّشُ وَالْقَرْمَةُ الْمَحْبِسُ وَهُوَ مَا يَبْسُطُ فَوْقَ الْمِثَالِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَبِفِعْلِهِ يَقَعُ عَلَى مَرَّةٍ) قَالَ الْكَمَالُ سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا فِيهِ أَوْ نَاسِيًا أَصِيلًا أَوْ وَكِيلًا وَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ الْفِعْلِ بِمَوْتِ الْحَالِفِ أَوْ فَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً مِثْلَ لَا أُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ سَقَطَتْ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْفِعْلِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا سَلَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ مُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ اهـ. (قَوْلُهُ بِعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ) قَالَ الْكَمَالُ أَيْ إذَا أَرَادَ بِهِ الْكَعْبَةَ وَلَوْ أَرَادَ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ أَوْ الْكَعْبَةُ) كَذَا عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ أَوْ بِمَكَّةَ بِالْبَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ مَاشِيًا) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ عَلَى الرَّاجِحِ لَا مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِذَا كَانَ النَّاذِرُ بِمَكَّةَ اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِ الْمَشْيِ حَالَ ذَهَابِهِ إلَى الْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَتَجَاوَزَ الْحَرَمِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ قَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي لُزُومَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَلْدَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَدَمٌ إنْ رَكِبَ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَإِنْ شَاءَ رَكِبَ وَأَرَاقَ دَمًا اهـ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ بِالْأَثَرِ فَإِنَّهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَالَ مُحَمَّد - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ مَاشِيًا حَجَّ وَرَكِبَ وَذَبَحَ شَاةً لِرُكُوبِهِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ وَلَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِمَا نَحْنُ فِيهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ مَاشِيًا بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَقَالَ آخَرُونَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجَابَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ عَلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً وَهَذَا مُطَابِقٌ وَقَدْ رَوَى شَيْخِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ» اهـ. (قُلْت) الْمُطَابِقُ وَمَا بَعْدَهُ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ فَالْمُدَّعَى أَعَمُّ وَيَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ التَّخْيِيرِ مَا قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ وَأَنَّهَا أَيْ أُخْتُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ أَيْ الْمَشْيَ

(لَا شَيْءَ بِعَلَيَّ الْخُرُوجُ أَوْ الذَّهَابُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَالْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) لِأَنَّ الْتِزَامَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا بِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ (قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ) الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْتِقُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ انْتِفَاءُ الْحَجِّ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ وَلَهُمَا أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ إذْ لَا مُطَالِبَ لَهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ غَايَتُهُ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ نَفْيٍ وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْفُرُوعِ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ النَّفْيَ إذَا كَانَ مَحْصُورًا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ (وَفِي لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بِنِيَّتِهِ) يَعْنِي حَلَفَ بِأَنَّهُ لَا يَصُومُ فَنَوَى الصَّوْمَ وَصَامَ سَاعَةً ثُمَّ أَفْطَرَ مِنْ يَوْمِهِ حَنِثَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ إذْ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ فِي النَّهَارِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ (وَلَوْ ضَمَّ يَوْمًا أَوْ صَوْمًا لَا) يَحْنَثُ (حَتَّى يُتِمَّ يَوْمًا) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّوْمُ التَّامُّ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَذَلِكَ بِإِتْمَامِهِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ. (وَفِي لَا يُصَلِّي) حَنِثَ (بِرَكْعَةٍ لَا بِمَا دُونَهَا) يَعْنِي لَا يَحْنَثُ بِالْقِيَامِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الرُّكُوعِ وَإِنْ سَجَدَ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ قَطَعَ حَنِثَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِالِافْتِتَاحِ اعْتِبَارًا بِالشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَرْكَانِ الْمُخْتَلِفَةِ فَمَا لَمْ يَأْتِ بِكُلِّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةً بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ وَيَتَكَرَّرُ فِي بَاقِي الْأَجْزَاءِ (وَلَوْ ضَمَّ صَلَاةً فَبِشَفْعٍ لَا أَقَلَّ) إذْ يُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ (وَبِإِنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ كَذَا) يَحْنَثُ (بِوَلَدٍ مَيِّتٍ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا مَيِّتًا طَلُقَتْ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ مَيِّتًا لِأَنَّ الْمَوْلُودَ وَلَدٌ حَقِيقَةً، وَيُسَمَّى بِهِ فِي الْعُرْفِ وَيُعْتَبَرُ وَلَدًا فِي الشَّرْعِ حَتَّى يَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَالدَّمُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ. (وَفِي إنْ وَلَدْت) وَلَدًا (فَهُوَ) أَيْ الْوَلَدُ (حُرٌّ عَتَقَ الْحَيُّ إنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا) عِنْدَهُ وَقَالَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَحَقَّقَ بِوِلَادَةِ الْمَيِّتِ كَمَا ذَكَرْنَا فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لَا إلَى جَزَاءٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحُرِّيَّةِ وَلَهُ أَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الْوَلَدِ مُقَيَّدٌ بِوَصْفِ الْحَيَاةِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ إذْ لَوْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ لَغَا لِأَنَّهُ قَصَدَ إثْبَاتَ الْحُرِّيَّةِ جَزَاءً وَهِيَ لَا تَثْبُتُ فِي الْمَيِّتِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ وَلَدْت وَلَدًا حَيًّا بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ وَحُرِّيَّةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحْ لِلتَّقْيِيدِ (وَفِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ وَقَضَاهُ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً أَوْ بَاعَهُ بِهِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ بَرَّ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا دَيْنَهُ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ ثُمَّ وَجَدَ فُلَانٌ بَعْضَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ مُسْتَحَقَّةً لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الزِّيَافَةَ عَيْبٌ وَالْعَيْبُ لَا يُعْدِمُ الْجِنْسَ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَوُجِدَ شَرْطُ الْبِرِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ الْمَشْي إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِي لَا يَصُومُ حَنِثَ بِصَوْمِ سَاعَةٍ) نَصُّ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْفَاسِدِ إلَّا إذَا كَانَتْ فِي الْمَاضِي كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفِي لَا يُصَلِّي بِرَكْعَةٍ) شَامِلٌ لِحِنْثِهِ بِالصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَلَوْ قَيَّدَ بِذَكَرِ الرَّكْعَةِ لَا يَحْنَثُ بِالْفَاسِدَةِ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَمِثْلُهُ فِي قَاضِي خَانْ وَالْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ صَلَّيْتُ رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يَعْتِقُ وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا نَهْيًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَوْ فُعِلَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى شَفْعًا اهـ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَحُجُّ فَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ضَمَّ صَلَاةً فَبِشَفْعٍ) اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ حِنْثِهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ النَّفْلِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الْخَمْسَةُ وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَحَرَّرَ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْحَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ رُكْنًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ) يَعْنِي وَكَذَا يَحْنَثُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ. . . إلَخْ وَلَيْسَتْ الْإِشَارَةُ لِلطَّلَاقِ كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ وَالْمُصَنِّفُ شَرَحَ مَتْنَهُ بِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَمَتْنُهُ أَوْلَى كَالْكَنْزِ وَشَرَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَزَاءِ الطَّلَاقِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ) الضَّمِيرُ لِلْجَزَاءِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَيْ الْجَزَاءَ وَقَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ يَعْنِي لَا يَفْتَقِرُ الْجَزَاءُ لِلتَّقْيِيدِ بِحَيَاةِ الْوَلَدِ لِاسْتِغْنَاءِ الْأُمِّ عَنْ حَيَاتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا الْوِلَادَةَ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ (قَوْلُهُ وَفِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ الْيَوْمَ. . . إلَخْ) كَذَا الْحُكْمُ لَوْ حَلَفَ رَبُّ الدَّيْنِ فَقَالَ إنْ لَمْ أَقْبِضْ مَا لِي عَلَيْك الْيَوْمَ أَوْ إنْ لَمْ اسْتَوْفِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ بَاعَهُ بِهِ شَيْئًا وَقَبَضَهُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ الْقَبْضُ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ الْقَبْضَ

[باب حلف القول]

وَكَذَا الْبَهْرَجَةُ وَقَبْضُ الْمُسْتَحَقَّةِ صَحِيحٌ وَلَا يَرْتَفِعُ بِرَدِّهِ الْبِرُّ الْمُتَحَقِّقُ وَكَذَا لَوْ بَاعَ مِنْ الدَّائِنِ عَبْدًا بِدَيْنِهِ وَقَبَضَهُ بَرَّ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقَةُ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِالْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْقَبْضَ لِيَتَقَرَّرَ الْقَضَاءُ بِهِ (وَلَوْ كَانَ) مَا قَضَاهُ (سَتُّوقَةً أَوْ رَصَاصًا أَوْ وَهَبَهُ) أَيْ الدَّائِنُ الدَّيْنَ (لَهُ) أَيْ لِلْمَدْيُونِ (لَا) أَيْ لَا يَبْرَأُ أَمَّا السَّتُّوقَةُ وَالرَّصَاصُ فَلِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ حَتَّى لَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِهِمَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ (وَفِي لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا غَيْرَ ضَرُورِيٍّ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ كُلَّهُ مُتَفَرِّقًا لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ فَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْرِيقٍ إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دَفْعَةً فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ غَيْرَ ضَرُورِيٍّ (وَلَا فِي إنْ كَانَ لِي الْأَمَانَةُ فَكَذَا وَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَكَذَا وَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عُرْفًا نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَكَذَا إذَا قَالَ غَيْرُ مِائَةٍ أَوْ سِوَى مِائَةٍ لِأَنَّ كُلَّهَا أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ (وَلَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ (فِي لَا يَشَمُّ رَيْحَانًا إنْ شَمَّ وَرْدًا أَوْ يَاسَمِينًا) لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ وَلَهُمَا سَاقٌ (وَالْبَنَفْسَجُ وَالْوَرْدُ يَقَعُ عَلَى الْوَرَقِ) حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي بَنَفْسَجًا أَوْ وَرْدًا فَاشْتَرَى وَرَقَهَا يَحْنَثُ وَلَوْ اشْتَرَى دُهْنَهُمَا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَلَى الْوَرَقِ لَا الدُّهْنِ فِي عُرْفِنَا كَذَا فِي الْكَافِي (بَابُ حَلِفِ الْقَوْلِ) (حَنِثَ فِي لَا يُكَلِّمُهُ إنْ كَلَّمَهُ نَائِمًا فَأَيْقَظَهُ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ وَأَسْمَعَهُ فَيَحْنَثُ وَلَوْ لَمْ يُوقِظْهُ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا وَأَصْغَى إلَيْهِ أُذُنَهُ يَحْنَثُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ (وَ) حَنِثَ (فِي لَا يُكَلِّمُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ أَذِنَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَكَلَّمَهُ) لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ أَوْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْإِذْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالسَّمَاعِ. (وَ) حَنِثَ فِي لَا يُكَلِّمُ (صَاحِبَ هَذَا الثَّوْبِ فَبَاعَهُ فَكَلَّمَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ تَحَقَّقَتْ بِالْبَيْعِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ تَحَقَّقَتْ الْمُقَاصَّةُ (قَوْلُهُ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ الْقَبْضَ لِتَقَرُّرِ الْقَضَاءِ بِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْقَبْضِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا وَإِنَّمَا نَصَّ مُحَمَّدٍ عَلَى الْقَبْضِ تَأْكِيدًا لِلْبَيْعِ لِيَتَقَرَّرَ الدَّيْنُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ وَجَبَ بِالْبَيْعِ لَكِنَّهُ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ لِجَوَازِ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ اشْتِرَاطُ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرَطَ الْبِرَّ اهـ. (قَوْلُهُ لَا أَيْ لَا يَبَرُّ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحِنْثِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْيَوْمِ فِي إعْطَاءِ السَّتُّوقَةِ وَالرَّصَاصِ لِكَوْنِ الْيَمِينِ مُؤَقَّتَةً بِالْيَوْمِ وَأَمَّا فِي الْهِبَةِ فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ إذَا وَهَبَهُ وَكَانَتْ الْيَمِينُ مُقَيَّدَةً وَقَبِلَ الْهِبَةَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ لَمْ يَبَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِفَاعَ النَّقِيضَيْنِ وَهُمَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ لِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ صِدْقُ أَحَدِهِمَا دَائِمًا فِي الْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ أَمَّا فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا مَا دَامَ السَّبَبُ قَائِمًا فَإِذَا فُرِضَ انْتِفَاؤُهُ انْتَفَى الْحِنْثُ وَالْبِرُّ وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بَلْ فِي الِابْتِدَاءِ وَحِينَ حَلَفَ كَانَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَكَانَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ ثَابِتًا فَانْعَقَدَتْ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَأْسِ مِنْ الْبِرِّ بِالْهِبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزْنَتَيْنِ) الْمُرَادُ تَعَدُّدُ الْوَزَنَاتِ لَا خُصُوصُ الثِّنْتَيْنِ وَالْحِيلَةُ أَنْ يُبْقِيَ عَلَى الْمَدْيُونِ دِرْهَمًا إذَا تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ (قَوْلُهُ وَلَا فِي إنْ كَانَ لِي الْأَمَانَةُ) فِي جَعْلِهِ مِنْ حَلِفِ الْفِعْلِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ لَا يَشَمُّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالشِّينِ مُضَارِعٌ شَمِمْت الطِّيبَ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمَاضِي هِيَ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ الْفَصِيحَةُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إنْ شَمَّ وَرْدًا) يَعْنِي قَصْدًا فَلَوْ وَجَدَ رِيحَهُ بِلَا قَصْدٍ وَوَصَلَتْ الرَّائِحَةُ إلَى دِمَاغِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمُغْرِبِ الرَّيْحَانُ كُلُّ مَا طَابَ رِيحُهُ مِنْ النَّبَاتِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا لِسَاقِهِ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ كَمَا لِوَرَقِهِ وَقِيلَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْعِرَاقِ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ مِنْ الْبُقُولِ مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ مُسْتَلَذَّةٌ وَقِيلَ اسْمٌ لِمَا لَيْسَ لَهُ شَجَرٌ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي دِيَارِنَا إهْدَارُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ الرَّيْحَانَ مُتَعَارَفٌ لِنَوْعٍ وَهُوَ رَيْحَانُ الْحَمَاحِمِ وَأَمَّا كَوْنُ الرَّيْحَانِ التَّرْنَجِيَّ مِنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَنَّهُمْ يُلْزِمُونَهُ التَّقْيِيدَ فَيُقَالُ رَيْحَانُ تَرْنَجَ وَعِنْدَمَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الرَّيْحَانِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحَمَاحِمُ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِعَيْنِ ذَلِكَ النَّوْعِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ هُوَ الْوَاقِعُ فِي مِصْرَ [بَابُ حَلِفِ الْقَوْلِ] (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ) هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَذَانِ) يُرِيدُ بِهِ الِاشْتِقَاقَ الْكَبِيرَ

لَا تَحْتَمِلُ إلَّا التَّعْرِيفَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَادِي لِمَعْنًى فِي الثَّوْبِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ الْمُشْتَرِيَ فَيُرَادُ بِهِ الذَّاتُ (وَ) حَنِثَ (فِي لَا يُكَلِّمُ هَذَا الشَّابَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا) لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِالذَّاتِ لِأَنَّ الصِّفَةَ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ بِدَاعِيَةٍ إلَى الْيَمِينِ لِتُعْتَبَرَ كَمَا مَرَّ . (وَ) حَنِثَ (فِي هَذَا حُرٌّ إنْ بِعْتُهُ أَوْ شَرَيْتُهُ إنْ عَقَدَ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا حُرٌّ إنْ بِعْته فَبَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَعْتِقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِيهِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْته فَهُوَ حُرٌّ فَشَرَاهُ بِالْخِيَارِ يَعْتِقُ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِالشِّرَاءِ لَا بِالْمِلْكِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُقُوعِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْخِيَارِ هُوَ حُرٌّ وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِالْخِيَارِ وَأَعْتَقَهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ سَقَطَ خِيَارُهُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ سَابِقًا عَلَيْهِ كَذَا هُنَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ مَلَكْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ بِالْخِيَارِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وَهُوَ الْمِلْكُ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ لَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يَنْزِلْ الْجَزَاءُ، وَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا بَاتًّا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَمَا تَمَّ زَالَ الْمِلْكُ وَالْجَزَاءُ لَا يَنْزِلُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ. (وَ) حَنِثَ (بِالْفَاسِدِ وَالْمَوْقُوفِ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِوُجُودِ حَدِّهِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ وَالتَّمَلُّكُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ (لَا الْبَاطِلِ) لِانْتِفَاءِ حَدِّهِ (وَ) حَنِثَ (فِي إنْ لَمْ أَبِعْهُ فَكَذَا فَأُعْتِقَ أَوْ دُبِّرَ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (وَ) حَنِثَ بِفِعْلِهِ وَ (فِعْلِ وَكِيلِهِ فِي حَلِفِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْفَرْضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ) أَقُولُ عَدُّهُمْ الِاسْتِقْرَاضَ هَاهُنَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ (وَالْإِيدَاعِ وَالِاسْتِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ وَالِاسْتِعَارَةِ وَالذَّبْحِ وَضَرْبِ الْعَبْدِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَقَبْضِهِ وَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْحَمْلِ) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فَكَذَا فَإِنْ تَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ أَوْ زَوَّجَهُ وَكِيلُهُ يَحْنَثُ وَكَذَا حَالُ سَائِرِ الصُّوَرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ حَتَّى إنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّ الْآمِرَ فَعَلَ بِنَفْسِهِ (وَ) حَنِثَ (بِفِعْلِهِ فَقَطْ) أَيْ دُونَ فِعْلِ وَكِيلِهِ (فِي حَلِفِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَازَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَالصُّلْحِ عَنْ مَالٍ وَالْخُصُومَةِ وَالْقِسْمَةِ وَضَرْبِ الْوَلَدِ) وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا يُرَادُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَارِدٌ هَاهُنَا فِي ضَرْبِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الضَّرْبَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ إلَّا إذَا صَحَّ التَّوْكِيلُ وَصِحَّتُهُ فِي الْأَمْوَالِ فَيَصِحُّ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَبْدِ وَيَبْطُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَلَدِ (وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ بَيْعًا بَاتًّا لَا يَعْتِقُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْبَيْعُ حَقِيقَةً اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ يَحْنَثُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ) قَاصِرٌ عَنْ إفَادَةِ الْمَتْنِ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ وَلِمَا إذَا حَلَفَ شَخْصٌ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي وَقَاصِرٌ عَنْ شَرْحِهِ صُورَةَ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَنَقُولُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَكَانَ الْحَالِفُ هُوَ الْبَائِعَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَد الْمُشْتَرِي مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِمِثْلِ غَصْبٍ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ كَمَا تَمَّ الْبَيْعُ يَزُولُ عَنْ مِلْكِهِ كَالْبَيْعِ الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَيَنْبَغِي أَنْ تَنْحَلَّ الْيَمِينُ لِمَا قُلْنَا فِي الصَّحِيحِ الْبَاتِّ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْبَائِعِ عَتَقَ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْحَالِفَ بِعِتْقِهِ فَاشْتَرَاهُ فَاسِدًا وَهُوَ فِي يَدِهِ مَضْمُونٌ بِمِثْلِ غَصْبٍ يَعْتِقُ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ كَمَا تَمَّ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ مَوْقُوفًا لِصُدُورِهِ عَنْ فُضُولِيٍّ فَيَحْنَثُ بِهِ لِوُجُودِ الْبَيْعِ حَقِيقَةً لِوُجُودِ رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَمَحَلِّهِ وَكَذَا حُكْمًا عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ دَبَّرَ) أَيْ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ) هُوَ عَدَمُ الْبَيْعِ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْهُ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ فَيَحْنَثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يُعْتَبَرُ تَوَهُّمُ مَنْعِ الْيَأْسِ بِارْتِدَادِ الْأَمَةِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَلُحُوقِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَحَنِثَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ وَكِيلِهِ) لَوْ قَالَ مَأْمُورُهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ رَسُولَهُ لِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِالرِّسَالَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَكَانَ يُسْتَغْنَى عَنْ إيرَادِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ (قَوْلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ فِيهَا سَفِيرٌ مَحْضٌ حَتَّى إنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْآمِرِ) أَيْ فِيمَا لَهُ حَقٌّ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُنْقَسِمَةٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ الْأَوَّلُ مَا تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْأَمْرِ الثَّانِي: مَا لَا حُقُوقَ لَهُ أَصْلًا الثَّالِثُ: مَا هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ نَوَى الْمُبَاشَرَةَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً فِيمَا كَانَ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ كَالضَّرْبِ وَالذَّبْحِ وَصُدِّقَ دِيَانَةً فَقَطْ فِيمَا كَانَ مِنْ الْحُكْمِيَّاتِ كَالتَّزَوُّجِ وَالطَّلَاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَيْ دُونَ فِعْلِ وَكِيلِهِ فِي حَلِفِ الْبَيْعِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ إلَّا إذَا نَوَى التَّوْكِيلَ أَيْضًا لِأَنَّهُ شَدَّدَ الْأَمْرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ ذَا سُلْطَانٍ لَا يُبَاشِرُ هَذِهِ الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ عَادَةً فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِالتَّفْوِيضِ فَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُ تَارَةً وَيُفَوِّضُ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْغَالِبُ اهـ. (قَوْلُهُ وَضَرْبِ الْوَلَدِ) أَيْ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْكَمَالُ مُقْتَضَى عُرْفِنَا الْحِنْثُ بِالْأَمْرِ بِضَرْبِ الْوَلَدِ يُقَالُ فُلَانٌ ضَرَبَ وَلَدَهُ بِأَمْرِ مُؤَدِّبِهِ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ فِي صَلَاتِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ الْحِنْثُ

فِي صَلَاتِهِ أَوْ خَارِجَهَا) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عُرْفًا وَشَرْعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْنَثُ وَهُوَ الْقِيَاسُ (يَوْمَ أُكَلِّمُهُ) يَقَعُ (عَلَى الْمَلَوَيْنِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أُكَلِّمُ فُلَانًا يَقَعُ عَلَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْيَوْمَ إذَا قُرِنَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ (وَصَحَّ نِيَّةُ النَّهَارِ) لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِكَوْنِهِ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ (وَلَيْلَةَ أُكَلِّمُهُ) يَقَعُ (عَلَى اللَّيْلِ خَاصَّةً) لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مُطْلَقِ الْوَقْتِ (إلَّا أَنْ) أَيْ لَفْظُ إلَّا أَنْ لِلْغَايَةِ كَحَتَّى فَفِي لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا إنْ يَقْدَمْ زَيْدٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ يَحْنَثُ إنْ كَلَّمَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ وَإِلَّا لَغَا ضَرْبُ الْمُدَّةِ (لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ) أَيْ إذَا قَالَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَ فُلَانٍ (أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامَهُ أَوْ لَا يَرْكَبُ دَابَّتَهُ إنْ أَشَارَ) إلَى الْمُضَافِ بِأَنْ قَالَ عَبْدَهُ هَذَا مَثَلًا (وَزَالَتْ إضَافَتُهُ) بِأَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ (لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ إضَافَةَ مِلْكٍ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ بَعْدَ زَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا إذَا لَمْ يُشِرْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ لَا يُقْصَدُ هِجْرَانُهَا لِذَوَاتِهَا بَلْ لِأَذَى مُلَّاكِهَا وَالْيَمِينُ تَنْعَقِدُ بِمَقْصُودِ الْحَالِفِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ مَا دَامَ لِفُلَانٍ (كَالْمُتَجَدِّدِ) يَعْنِي لَا يَحْنَثُ إنْ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إجْمَاعًا بِأَنْ اشْتَرَى فُلَانٌ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا آخَرَ أَوْ دَارًا أَوْ دَابَّةً أُخْرَى (وَإِنْ لَمْ يُشِرْ) أَيْ أَضَافَ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُشِرْ إلَى الْمُضَافِ (لَا يَحْنَثُ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ زَوَالِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ وَاقِعٍ فِي مَحَلٍّ مُضَافٍ إلَى فُلَانٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَحْنَثُ (وَيَحْنَثُ بِالْمُتَجَدِّدِ) أَيْ يَحْنَثُ بِالْفِعْلِ فِي الْمُتَجَدِّدِ مِلْكًا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ. (وَفِي الصَّدِيقِ وَالزَّوْجَةِ، يَحْنَثُ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ هَذَا أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ هَذِهِ فَكَلَّمَ بَعْدَ زَوَالِ الصَّدَاقَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ يَحْنَثُ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْحُرَّ مَقْصُودٌ بِالْهِجْرَانِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْضِ وَالدَّاعِي لِمَعْنًى فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَيْ لَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ لِأَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لِي فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ آنِفًا لِأَنَّ تِلْكَ الْأَعْيَانَ لَا تُهْجَرُ لِذَوَاتِهَا أَمَّا غَيْرُ الْعَبْدِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا الْعَبْدُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لِخَسَّتِهِ وَسُقُوطِ مَنْزِلَتِهِ أُلْحِقَ بِالْجَمَادَاتِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِهَا. (وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ صَدِيقَ فُلَانٍ أَوْ زَوْجَةَ فُلَانٍ فَزَالَتْ النِّسْبَةُ بِأَنْ عَادَى صَدِيقَهُ أَوْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ فَكَلَّمَ (لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ هِجْرَانِ الْحُرِّ لِغَيْرِهِ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا تَرَكَ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُحْتَمَلِ إذْ لَوْ كَانَ لَعَيْنه لَعَيَّنَهُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الِاحْتِمَالِ (حِينٌ وَزَمَانٌ بِلَا نِيَّةٍ نِصْفُ سَنَةٍ نَكَّرَ أَوْ عَرَّفَ) لِأَنَّ الْحِينَ يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْقَلِيلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] الْآيَةَ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] وَقَدْ يُرَادُ بِهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا وَسَطٌ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَالزَّمَانُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْحِينِ (وَبِهَا) أَيْ بِالنِّيَّةِ (مَا نَوَى) لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ خَارِجَهَا) غَيْرُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْعَتَّابِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ وَقَالَ الْكَمَالُ اخْتَارَ الْمَشَايِخُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ أَيْضًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَاخْتِيرَ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ اهـ لَكِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ أَنَّ الْمُخْتَارَ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْيَمِينَ إنْ كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ خَارِجَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى اهـ. (قُلْتُ) الْأَوْلَوِيَّةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ وَلِمَا عَلِمْت مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ اهـ. وَنَقَلَ عَنْ تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي عُرْفِنَا اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْغَائِيَّةَ كَحَتَّى) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ الشَّرْطِيَّةَ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ زَيْدٌ سَقَطَ الْحَلِفُ فِي الْغَائِيَّةِ كَقَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ وَلَا يَسْقُطُ الْحَلِفُ فِي غَيْرِهَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ إنْ قَدِمَ فُلَانٌ لَا تَطْلُقُ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ حَتَّى مَاتَ فُلَانٌ طَلَقَتْ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْقُدُومِ كَانَ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْطِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْغَايَةِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ إنْ أَشَارَ وَزَالَتْ إضَافَتُهُ) جَوَابُ الشَّرْطِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِيمَا رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَفَعَلَ لَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ عَلَى عَيْنٍ. . . إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْحِنْثِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ جَوَابِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَحْذُوفٌ مِنْ النُّسْخَةِ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِهِ أَيْ فِي غَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى فَعَلَى مَا نَوَى لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ حِينٌ وَزَمَانٌ بِلَا نِيَّةٍ نِصْفُ سَنَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ لَأَصُومَنَّ حِينًا أَوْ زَمَانًا كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ شَاءَ اهـ

كَلَامِهِ (وَدَهْرٌ لَمْ يُدْرَ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الدَّهْرُ مُنَكَّرًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ يُقَدَّرُ وَعِنْدَهُمَا نِصْفُ سَنَةٍ كَحِينٍ وَزَمَانٍ (وَالدَّهْرُ) مُعَرَّفًا يُرَادُ بِهِ (الْأَبَدُ) عُرْفًا (وَأَيَّامٌ) حَالَ كَوْنِهَا (مُنَكَّرَةً ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهُ جَمْعُ ذَكَرٍ مُنَكَّرَةٍ فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّهُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (وَأَيَّامٌ كَثِيرَةٌ وَالْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ عَشَرَةٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَيَّامِ وَقَالَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ فَعَلَى عَشَرَةٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الشُّهُورَ فَعَلَى عَشَرَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَهُ وَعَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عِنْدَهُمَا لِأَنَّ اللَّامَ لِلْمَعْهُودِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهَا وَلَهُ أَنَّهُ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى أَقْصَى مَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ عَشَرَةٌ (قَالَ أَوَّلُ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ حُرٌّ فَاشْتَرَى عَبْدًا أَعْتَقَ) إذْ لَا يَحْتَاجُ أَوَّلِيَّتُهُ إلَى شِرَاءِ عَبْدٍ آخَرَ (وَلَوْ) اشْتَرَى (عَبْدَيْنِ ثُمَّ آخَرَ فَلَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (أَصْلًا) لِأَنَّ الْأَوَّلَ فَرْدٌ لَا يَكُونُ غَيْرُهُ سَابِقًا عَلَيْهِ وَلَا مُقَارِنًا لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ (فَإِنْ ضُمَّ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) لِوُجُودِ الْأَوَّلِيَّةِ فِيهِ (وَفِي آخِرِ عَبْدٍ) أَيْ إذَا قَالَ آخِرُ عَبْدٍ اشْتَرَيْتُهُ حُرٌّ (إنْ مَاتَ) الْحَالِفُ (بَعْدَ شِرَاءِ عَبْدٍ لَا يَعْتِقُ) لِأَنَّ الْآخَرَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ شَرَى) عَبْدًا (آخَرَ ثُمَّ مَاتَ عَتَقَ) الْآخَرُ اتِّفَاقًا (يَوْمَ شَرَى مِنْ الْكُلِّ) عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ مَاتَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ تَحَقَّقَتْ بِالْمَوْتِ فَيَعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَهُ أَنَّ كَوْنَهُ آخِرًا عِنْدَ الشِّرَاءِ يَتَبَيَّنُ بِالْمَوْتِ فَيَعْتِقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (بِكُلِّ عَبْدٍ بَشَّرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ بَشَّرُوهُ مُتَفَرِّقِينَ) لِأَنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ يُغَيِّرُ بَشَرَةَ الْوَجْهِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ سَارًّا بِالْعُرْفِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَوَّلِ (وَ) عَتَقَ (الْكُلُّ إنْ بَشَّرُوهُ مَعًا) لِأَنَّهُ تَحَقَّقَتْ مِنْ الْكُلِّ (صَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ) يَعْنِي إنْ اشْتَرَى أَبَاهُ يَنْوِي عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ أَجْزَأَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَدَهْرٌ لَمْ يُدْرَ) يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْته دُهُورًا أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَكَيْفَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَدْرِي الدَّهْرُ قُلْنَا هَذَا تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُعَرِّفُ الدَّهْرَ كَمَا فَرَّعَ مَسَائِلَ الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى جَوَازَهَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَنَقَلَ التَّوَقُّفَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَقَدْ أَحْسَنَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ حَيْثُ قَالَ حَمَلَ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ دِينُهُ ... أَنْ قَالَ لَا أَدْرِي لِتِسْعَةِ أَسْئِلَهْ أَطْفَالُ أَهْلِ الشِّرْكِ أَيْنَ مَحَلُّهُمْ ... وَهَلْ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ مُفَضَّلَةٌ أَمْ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ ثُمَّ اللَّحْمُ مِنْ ... جَلَّالَةٍ أَنَّى يَطِيبُ الْأَكْلُ لَهْ وَالدَّهْرُ مَعَ وَقْتِ الْخِتَانِ وَكَلْبُهُمْ ... وَصْفُ الْمُعَلَّمِ أَيُّ وَقْتٍ حَصَّلَهْ وَالْحُكْمُ مِنْ حَنَفِيٍّ إذَا مَا بَالَ مِنْ ... فَرْجَيْهِ مَعَ سُؤْرِ الْحِمَارِ اسْتَشْكَلَهْ وَجَائِزٌ نَقْشُ الْجِدَارِ لِمَسْجِدٍ ... مِنْ وَقْفِهِ أَمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهْ انْتَهَى كَذَا نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّ أُسْتَاذِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدٍ الْمُحِبِّيِّ أَمْتَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ اهـ. (قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّهْرَ فِي كَلَامِ هَذَا النَّاظِمِ مُعَرَّفٌ وَهُوَ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِيهِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بَلْ فِي الْمُنَكَّرِ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَيَّامٌ حَالَ كَوْنِهَا مُنَكَّرَةً ثَلَاثَةٌ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ (قَوْلُهُ: وَالْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ عَشَرَةٌ) كَذَا السُّنُونَ وَالْجُمَعُ وَالدُّهُورُ وَالْأَزْمِنَةُ بِالتَّعْرِيفِ عَشَرَةٌ مِنْ تِلْكَ حَتَّى يَلْزَمُهُ فِي الْأَزْمِنَةِ خَمْسُ سِنِينَ لِأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ فِي الْأَيَّامِ يَنْصَرِفُ إلَى أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَفِي الشُّهُورِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَفِيمَا بَقِيَ إلَى جَمِيعِ الْعُمْرِ وَهُوَ الْأَبَدُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَإِنْ ضَمَّ وَحْدَهُ عَتَقَ الثَّالِثُ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَالَ وَاحِدًا فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَحْدَهُ يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الْفِعْلِ الْمَقْرُونِ بِهِ وَنَفْيِ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ إيَّاهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَوَاحِدًا يَقْتَضِي الِانْفِرَادَ فِي الذَّاتِ وَتَأْكِيدَ الْمُوجَبِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُكْمُ بِهِ فَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا إذَا نَوَى مَعْنَى التَّوَحُّدِ فِي حَالَةِ الشِّرَاءِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَإِذَا كَانَ مَجْرُورًا فَهُوَ صِفَةٌ لِلْعَبْدِ فَهُوَ كَوَحْدِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي آخِرِ عَبْدٍ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْوَسَطِ وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي وِتْرٍ لَا شَفْعٍ فَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا فَالثَّانِي وَسَطٌ فَإِذَا اشْتَرَى رَابِعًا خَرَجَ عَنْ الْوَسَطِ فَإِذَا اشْتَرَى خَامِسًا صَارَ الثَّالِثُ وَسَطًا وَهَكَذَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَيَوْمَ شَرَى مِنْ الْكُلِّ عِنْدَهُ) يَعْنِي إنْ كَانَ شِرَاؤُهُ فِي صِحَّتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ مُتَفَرِّقَيْنِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ أَيْ مُتَعَاقِبَيْنِ اهـ. وَلَوْ كَتَبَ أَحَدُهُمْ إلَيْهِ كِتَابًا بِالْبِشَارَةِ يَعْتِقُ إلَّا إذَا نَوَى الْمُشَافَهَةَ وَلَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا يَعْتِقُ فِي الْبِشَارَةِ وَالْخَبَرِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَيُشْتَرَطُ الصِّدْقُ فِي الْبِشَارَةِ وَفِيمَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ بِخِلَافِ مَنْ أَخْبَرَنِي أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكَذِبِ وَالصِّدْقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ صَحَّ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ عَنْهَا بِالْإِرْثِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ بِلَا اخْتِيَارٍ فَلَا تُتَصَوَّرُ النِّيَّةُ فِيهِ اهـ. وَيَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا نَوَاهُ عَنْهَا عِنْدَ قَبُولِهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ صَدَقَةٍ لِسَبْقِ النِّيَّةِ مُخْتَارًا فِي السَّبَبِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ

وَكَذَا ابْنُهُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (لَا) شِرَاءُ (مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ مَفْقُودٌ فَإِنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ الشِّرَاءِ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الْيَمِينِ السَّابِقَةِ وَلَمْ تُوجَدْ نِيَّةُ الْكَفَّارَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ (وَلَا) شِرَاءُ (مُسْتَوْلَدَةٍ بِنِكَاحٍ عَلَّقَ عِتْقَهَا عَنْ كَفَّارَةٍ بِشِرَائِهَا) يَعْنِي قَالَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَإِنَّهَا تَعْتِقُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تَجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالِاسْتِيلَادِ فَلَا تُضَافُ إلَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِقِنِّهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي حَيْثُ يَجْزِيهِ بِهِ عِتْقُهَا إذَا اشْتَرَاهَا لِأَنَّ حُرِّيَّتَهَا غَيْرُ مُسْتَنِدَةٍ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَقَدْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ (وَبِإِنْ تَسَرَّيْت أَمَةً فَهِيَ حُرَّةٌ تَعْتِقُ مَنْ تَسَرَّاهَا وَهِيَ مِلْكُهُ حِينَئِذٍ) لِأَنَّ الْيَمِينَ انْعَقَدَتْ فِي حَقِّهَا لِمُصَادَفَتِهَا الْمِلْكَ (لَا مَنْ شَرَاهَا فَتَسَرَّاهَا) فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ وَقَالَ زُفَرُ تَعْتِقُ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَكَانَ ذِكْرُهُ ذِكْرَ الْمِلْكِ دَلَالَةً أَوْ إضْمَارًا لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ وَلَنَا أَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَذْكُورًا ضَرُورَةَ التَّسَرِّي فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ . (وَ) يَعْتِقُ (بِكُلِّ مَمْلُوكٍ حُرٍّ أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ وَمُدَبَّرُوهُ وَعَبِيدُهُ) لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ الْمُطْلَقَةِ فِيهِمْ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِمْ رَقَبَةً وَيَدًا (لَا مُكَاتَبُوهُ إلَّا بِنِيَّتِهِمْ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ يَدًا وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ. (وَ) يَعْتِقُ (بِهَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا لِعَبِيدِهِ) الثَّلَاثَةِ (ثَالِثُهُمْ) فِي الْحَالِ (وَخُيِّرَ فِي الْأَوَّلَيْنِ) لِأَنَّ سَوْقَ كَلَامِهِ لَا يُجَابُ الْعِتْقُ فِي أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَتَشْرِيكُ الثَّالِثِ لَهُ فِيمَا سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ كَأَحَدِهِمَا حُرٌّ وَهَذَا فَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا أَحَدُ الْمَذْكُورَيْنِ بِالتَّعَيُّنِ وَهَاهُنَا مَبَاحِثُ شَرِيفَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي مِرْقَاةِ الْأُصُولِ (كَالطَّلَاقِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأَوْلَيَيْنِ (وَالْإِقْرَارِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ كَانَ لِلْأَخِيرِ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ (وَلَامُ تَعَلُّقٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي اقْتَضَى (بِفِعْلٍ يَقْبَلُ نِيَابَةَ الْغَيْرِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَخِيَاطَةٍ وَصِبَاغَةٍ وَبِنَاءٍ اقْتَضَى) أَيْ اللَّامُ (أَمْرَهُ) أَيْ أَمْرَ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِلْمُتَكَلِّمِ (لَيَخُصَّهُ) أَيْ لِتُفِيدَ اللَّامُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْفِعْلِ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْغَيْرِ لِأَنَّ وَضْعَ اللَّامِ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إلَّا بِالْأَمْرِ الْمُفِيدِ لِلتَّوْكِيلِ (فَلَمْ يَحْنَثْ فِي إنْ بِعْت لَك ثَوْبًا إنْ بَاعَهُ بِلَا أَمْرِهِ) لِانْتِفَاءِ التَّوْكِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّبْيِينِ وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا صَرِيحًا لَكِنَّهُ زَادَ فِي بَحْثِهِ مَا إذَا جَعَلَ مَهْرًا فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ سَعْيِهِ الْمَشْكُورِ خَيْرًا اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا جَعَلَ بَدَلًا عَنْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ يَكُونُ كَذَلِكَ مُجْزِيًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ قَبُولِهِ (لَهُ وَكَذَا ابْنُهُ) لَوْ قَالَ وَكَذَا كُلُّ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ قِرَانُ النِّيَّةِ بِعِلَّةِ الْعِتْقِ وَهِيَ الْيَمِينُ) أَيْ وَلَمْ يُوجَدْ حَتَّى لَوْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِي فَاشْتَرَاهُ جَازَ عَنْهَا لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الشِّرَاءُ فَشَرْطُهُ مَفْقُودٌ) لَفْظَةُ مَفْقُودٍ زَائِدَةٌ يَخْتَلُّ بِهَا فَهْمُ الْكَلَامِ (قَوْلُهُ وَبِإِنْ تَسَرَّيْتُ) التَّسَرِّي هُنَا تَفَعُّلٌ مِنْ السُّرِّيَّةِ وَهُوَ اتِّخَاذُهَا وَالسُّرِّيَّةُ بِالضَّمِّ إمَّا بِالْأَصَالَةِ إنْ كَانَتْ مِنْ السُّرُورِ أَوْ مِنْ تَغْيِيرَاتِ النَّسَبِ إنْ كَانَتْ مِنْ السِّرِّ وَمَعْنَى التَّسَرِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يُحْصِنَ الْأَمَةَ وَيَعُدَّهَا لِلْجِمَاعِ أَفْضَى إلَيْهَا بِمَائِهِ أَوْ عَزَلَ عَنْهَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَعْزِلَ مَاءَهُ عَنْهَا فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْصِينِ وَالْإِعْدَادِ لَا يَكُونُ تَسَرِّيًا وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ فِي حَلِفِهِ لَا يَتَسَرَّى كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا مَنْ شَرَاهَا فَتَسَرَّاهَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ غَيْرِهَا أَوْ الطَّلَاقَ بِالتَّسَرِّي بِهَا يَحْنَثُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ آمِرًا بِحِفْظِهِ فَإِنَّهُ غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ (قَوْلُهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهِمْ) أَيْ كُلًّا رَقَبَةً وَيَدًا وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَلَوْ نَوَى السُّودَ دُونَ غَيْرِهِمْ أَوْ النِّسَاءَ دُونَ الذُّكُورِ لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَّبَّرَيْنِ فِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا مُكَاتَبُوهُ إلَّا بِنِيَّتِهِمْ) كَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ طَلَقَتْ الْأَخِيرَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ) أَشَارَ بِأَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ خَبَرًا فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ خَبَرًا بِأَنْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ وَهَذِهِ طَالِقَانِ أَوْ هَذَا حُرٌّ وَهَذَا وَهَذَا حُرَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ وَلَا تَطْلُقُ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ عَتَقَ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَطَلَقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا وَإِنْ اخْتَارَ الْإِيجَابَ الثَّانِيَ عَتَقَ الْأَخِيرَانِ وَطَلَقَتْ الْأَخِيرَتَانِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَخَمْسُمِائَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ) يَعْنِي فَيُعَيِّنُهَا لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى خِلَافًا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ أَنَّ نِصْفَ الْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لِلْآخَرَيْنِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ وَضْعَ اللَّامِ لِلِاخْتِصَاصِ) وَأَقْوَى وُجُوهِهِ الْمِلْكُ فَإِذَا جَاوَرَتْ اللَّامُ الْفِعْلَ أَوْجَبَتْ مِلْكَهُ أَيْ الْفِعْلِ لَا مِلْكَ الْعَيْنِ وَذَا أَنْ يَفْعَلَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ لَهُ حَتَّى لَوْ دَسَّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ إنْ بِعْت بِوَكَالَتِك وَأَمْرِك وَلَمْ يُوجَدْ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ

[كتاب الحدود]

سَوَاءٌ (مَلَكَهُ) أَيْ الْمُخَاطَبُ ذَلِكَ الثَّوْبَ (أَوْ لَا) بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ثَوْبًا لَك فَإِنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مِلْكًا لَهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَإِنْ تَعَلَّقَ اللَّامُ) أَيْ قَارَنَ (بِعَيْنٍ أَوْ فِعْلٍ لَا يَقْبَلُهَا) أَيْ النِّيَابَةَ (كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَدُخُولٍ وَضَرْبِ الْوَلَدِ) احْتِرَازٌ عَنْ ضَرْبِ الْغُلَامِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ نِيَابَةَ الْغَيْرِ (اقْتَضَى مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْمُخَاطَبِ لِأَنَّهُ كَمَالُ الِاخْتِصَاصِ (فَحَنِثَ فِي إنْ بِعْتُ ثَوْبًا لَك إنْ بَاعَهُ) أَيْ ثَوْبَهُ (بِلَا أَمْرِهِ) عَلِمَ بِهِ الْبَائِعُ أَوْ لَا بِأَنْ أَخْفَى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ فِي ثِيَابِ الْحَالِفِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ هَذَا نَظِيرُ التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ وَأَمَّا نَظِيرُ التَّعْلِيقِ بِفِعْلٍ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ فَنَحْوُ إنْ أَكَلْت لَك طَعَامًا أَوْ شَرِبْتُ لَك شَرَابًا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ مِلْكَ الْمُخَاطَبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْتُ شَرَابًا لَك فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْأَكْلِ صُورَةً مُتَعَلِّقٌ بِالطَّعَامِ مَعْنًى وَأَمَّا ضَرْبُ الْوَلَدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ بَلْ يُرَادُ بِهِ الِاخْتِصَاصُ (وَقَالَتْ) امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا (نَكَحْتَ عَلَيَّ امْرَأَةً فَقَالَ) الزَّوْجُ (كُلُّ امْرَأَةٍ لِي فَكَذَا طَلُقَتْ الْقَائِلَةُ) لِدُخُولِهَا تَحْتَ كُلِّ امْرَأَةٍ (وَصَحَّ نِيَّةُ غَيْرِهَا) لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ لِإِرْضَائِهَا وَمُرَادُهُ غَيْرَهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيَصْدُقُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً. (كِتَابُ الْحُدُودِ) (الْحَدُّ) لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ) خَرَجَ بِهِ التَّعْزِيرُ إذْ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ أَيْ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ كَمَا سَيَأْتِي (تَجِبُ) أَيْ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهَا (حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ شَرْعِهِ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ خَرَجَ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَالزِّنَا) الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ (وَطْءُ مُكَلَّفٍ) خَرَجَ بِهِ وَطْءُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْوَطْءُ يَتَنَاوَلُ الْإِيلَاجَ الْمُجَرَّدَ عَنْ الْإِنْزَالِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ هَاهُنَا كَمَا فِي الْجِنَايَةِ (فِي قَبَّلَ مُشْتَهَاةً) خَرَجَ بِهِ وَطْءُ غَيْرِ الْمُشْتَهَاةِ كَصَغِيرَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا نَظِيرُ التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ) أَيْ التَّعْلِيقُ وَالْإِشَارَةُ لِقَوْلِهِ مَتْنًا فَحَنِثَ فِي إنْ بِعْت ثَوْبًا لَك (قَوْلُهُ وَأَمَّا نَظِيرُ التَّعْلِيقِ بِفِعْلٍ لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ. . . إلَخْ) تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ اللَّامِ عَلَى مَفْعُولِ الْفِعْلِ أَوْ تَقَدُّمِ مَفْعُولِ الْفِعْلِ عَلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ أَعَنَى الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالدُّخُولَ وَضَرْبَ الْوَلَدِ مِمَّا لَا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ فَوَجَبَ صَرْفُ اللَّازِمِ إلَى مَا يُمْلَكُ وَهُوَ الْعَيْنُ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُمْلَكُ فَرَجَّحْنَا بِالْقُرْبِ ثَمَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا لَوْ نَوَى بِأَحَدِهِمَا الْآخَرَ كَمَا لَوْ نَوَى بِبِعْتُ لَك ثَوْبًا بِعْت ثَوْبًا لَك أَوْ عَكْسَهُ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً فِيمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ لَا فِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ بِتَأْخِيرِ اللَّازِمِ عَنْ مَحَلِّهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَبِتَقْدِيمِهِ عَلَى مَحَلِّهِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالْكَلَامُ يَحْتَمِلُ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ نَوَى مَا فِيهِ تَخْفِيفٌ صُدِّقَ دِيَانَةً لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ لَا يَتَأَتَّى فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا مُطَالِبَ لَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَحَّ نِيَّةُ غَيْرِهَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ قَضَاءً أَيْضًا لِأَنَّ كَلَامَهُ خَرَجَ جَوَابًا لَهَا فَتَقَيَّدَ بِالْكَلَامِ السَّابِقِ وَهُوَ تَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ بِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا. وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحَكَّمَ الْحَالُ إنْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ وَخُصُومَةٌ تَدُلُّ عَلَى غَضَبِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَقَعُ كَذَا فِي الْبَحْرِ (تَنْبِيهٌ) : مِنْ حَلِفِ الْقَوْلِ لَا أَدَعُهُ يَدْخُلُ الْبَلَدَ يَبَرُّ فِيهِ بِالْمَنْعِ قَوْلًا أَطَاعَهُ أَوْ عَصَاهُ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ تَمَّ كِتَابُ الْأَيْمَانِ بِفَضْلِ الْمَلِكِ الْمَنَّانِ التَّأْلِيفُ فِي أَوَاخِرِ رَبِيعٍ الثَّانِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ خُتِمَتْ بِخَيْرٍ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ [كِتَابُ الْحُدُودِ] [حَدّ الزِّنَا] [مَا يَثْبُت بِهِ حَدّ الزِّنَا] (كِتَابُ الْحُدُودِ) (قَوْلُهُ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ. . . إلَخْ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَجِبُ أَيْ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهَا) يَعْنِي بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ ابْتَنَى عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ إذَا بَلَغَ إلَى الْإِمَامِ فَلَا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إنْ عَفَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ شَرْعِهِ الِانْزِجَارُ) يَعْنِي الِانْزِجَارَ بَعْدَهُ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْعِلْمَ بِشَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ مَانِعٌ قَبْلَ الْفِعْلِ زَاجِرٌ بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ الْحَدُّ كَفَّارَةً لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ التَّوْبَةُ هِيَ الْمُسْقِطَةُ عَنْهُ عَذَابَ الْآخِرَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ خَرَجَ بِهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ) وَكَذَا خَرَجَ بِهِ التَّعْزِيرُ أَيْضًا وَإِنْ خَرَجَ بِقَيْدِ التَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ وَالزِّنَا) مَقْصُورٌ فِي اللُّغَةِ الْفُصْحَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] وَيُمَدُّ فِي لُغَةِ نَجْدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ هَذَا التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ نَاطِقٍ بِنَاطِقَةٍ بِدَارِنَا تَحْتَ وِلَايَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَنْ لَا يَظْهَرَ بِهِ جَبٌّ أَوْ رَتْقٌ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ هَذِهِ شُرُوطٌ وَهِيَ زَائِدَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ وَطْءُ مُكَلَّفٍ) لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِإِيلَاجِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا فَأَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا لَزِمَهُمَا الْحَدُّ (قَوْلُهُ فِي قُبُلِ مُشْتَهَاةٍ. . . إلَخْ) قَدَّمَ فِي مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ قَيْدَ الْحَيَاةِ مَتْنًا وَلَمْ يَذْكُرْ قَيْدَ الِاشْتِهَاءِ هُنَاكَ وَاكْتَفَى بِهِ هُنَا لِدَلَالَةِ الِاشْتِهَاءِ عَلَى الْحَيَاةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ كَذَلِكَ ثَمَّةَ

لَا تُشْتَهَى وَالْمَيِّتَةُ وَالْبَهَائِمُ فَإِنَّ وَطْأَهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (خَالٍ عَنْ مِلْكٍ) أَعَمُّ مِنْ مِلْكِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ (وَشُبْهَتِهِ) وَيَدْخُلُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (عَنْ طَوْعٍ) خَرَجَ بِهِ زِنَا الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْحَدَّ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ هَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا زِنَا الْمَرْأَةِ فَعِبَارَةُ عَنْ تَمْكِينِهَا لِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَيَثْبُتُ) أَيْ الزِّنَا (بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ) مِنْ الرِّجَالِ (فِي مَجْلِسٍ) وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَمْ تُقْبَلْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (بِالزِّنَا) مُتَعَلِّقٌ بِالشَّهَادَةِ أَيْ بِشَهَادَةٍ مُلْتَبِسَةٍ بِلَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى الْفِعْلِ الْحَرَامِ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (لَا) مُجَرَّدُ لَفْظِ (الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ) فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ (فَيَسْأَلُهُمْ الْإِمَامُ عَنْهُ مَا هُوَ) أَيْ عَنْ مَاهِيَّتِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَنْ كُلِّ وَطْءٍ حَرَامٍ وَأَيْضًا أَطْلَقَهُ الشَّارِعُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْفِعْلِ نَحْوُ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ» (وَكَيْفَ هُوَ) فَإِنَّ الْوَطْءَ قَدْ يَقَعُ بِلَا الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ (وَأَيْنَ زَنَى) فَإِنَّ الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَمَتَى زَنَى) فَإِنَّ الْمُتَقَادِمَ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (وَبِمَنْ زَنَى) فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي وَطْئِهَا شُبْهَةٌ (فَإِنْ بَيَّنُوهُ وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمَّتَيْنِ وِعَاءُ الْكُحْلِ (وَعُدِّلُوا سِرًّا وَعَلَنًا) وَلَمْ يُكْتَفَ بِظَاهِرِ عَدَالَتِهِمْ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ (حَكَمَ) أَيْ الْإِمَامُ (بِهِ) أَيْ بِثُبُوتِ الزِّنَا وَبِإِقْرَارِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشَهَادَةِ اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ إذْ لَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ خُصُوصًا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ لَا الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ بِالزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا خِلَافًا لِزُفَرَ (أَرْبَعًا) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ (فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ) مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ لَا الْحَاكِمِ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَ الْإِقَامَةَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فَلَوْ ظَهَرَ دُونَهَا لَمَا أَخَّرَهَا لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ (رَدَّهُ كُلَّ مَرَّةٍ إلَّا) مَرَّةً (رَابِعَةً) فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ مَرَّةً رَابِعَةً قَبِلَهُ الْإِمَامُ (ثُمَّ سَأَلَهُ كَمَا مَرَّ) قِيلَ إلَّا فِي السُّؤَالِ عَنْ مَتَى لِأَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّقَادُمِ وَهُوَ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ لَا الْإِقْرَارَ وَقِيلَ يُسْأَلُ عَنْهُ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي الصِّبَا (فَإِنْ بَيَّنَهُ نُدِبَ تَلْقِينُهُ رُجُوعَهُ بِلَعَلَّكَ لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت أَوْ وَطِئْت بِشُبْهَةٍ فَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ حَدِّهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ خُلِّيَ وَإِلَّا حُدَّ وَهُوَ) أَيْ حَدُّ الزِّنَا نَوْعَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَشُبْهَتِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى وَشُبْهَةٍ بِالتَّنْكِيرِ وَهُوَ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَشْمَلَ مِنْهَا مُعَرَّفَةً بِالْإِضَافَةِ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلْمُلْكِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ لَمْ تُقْبَلْ) يَعْنِي مُتَفَرِّقِينَ حَالَ مَجِيئِهِمْ وَشَهَادَتِهِمْ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا إلَى الْقَاضِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الزِّنَا لِأَنَّهُ الدَّالُّ عَلَى فِعْلِ الْحَرَامِ) يَعْنِي الدَّلَالَةَ بِالْوَضْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ بِخِلَافِ الْوَطْءِ وَالْجِمَاعِ لِأَنَّهُمَا مُحْتَمَلَانِ (قَوْلُهُ أَوْ مَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ) عَطْفٌ عَلَى بِلَفْظِ الزِّنَا وَيُنْظَرُ هَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ لَفْظِ الزِّنَا مَعَ لَفْظٍ يُفِيدُ مَعْنَاهُ أَوْ لَا فَلْيُحَرَّرْ وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ أَيْ عَنْ مَاهِيَّتِهِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ تَعْرِيفُهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الزِّنَا وَطْءٌ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَكَيْفَ هُوَ فَإِنَّ الْوَطْءَ يَقَعُ بِلَا الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ لِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ لِتَصَوُّرِهِ بِدُونِهِمَا فِي الدُّبُرِ لَكِنَّ الْكَيْفَ هُوَ أَنْ يَكُونَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا (قَوْلُهُ فَإِنْ بَيَّنُوهُ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَبَقِيَ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَنَقَلَ إجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَيَنْفِي هَذَا يَعْنِي الِاشْتِرَاطَ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا حَلَالٌ لِي لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ لَا تَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ اهـ. (قَوْلُهُ الْمُكْحُلَةُ بِضَمَّتَيْنِ) يَعْنِي ضَمَّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعُدِّلُوا سِرًّا) هُوَ أَنْ يَبْعَثَ وَرَقَةً فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ مَحَلَّتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَيَّزُ كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَنْ يَعْرِفُهُ فَيَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ حُكِمَ بِهِ أَيْ بِثُبُوتِ الزِّنَا) وَالْمُرَادُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَعَلَنًا) هُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ فَيَقُولُ هَذَا هُوَ الَّذِي عَدَّلْته كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سَأَلَ عَنْهُ أَيْضًا) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ الْمَعْلُومَةِ

أَحَدُهُمَا (لِلْمُحْصَنِ) وَثَانِيهِمَا لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ وَالْإِحْصَانُ أَيْضًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إحْصَانُ الزِّنَا وَثَانِيهِمَا إحْصَانُ الْقَذْفِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ لِلْمُحْصَنِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي رَجْمُهُ وَبَيَّنَ الْمُحْصَنَ عَلَى وَجْهٍ يُعْلَمُ مِنْهُ إحْصَانُ الزِّنَا بِقَوْلِهِ (أَيْ الْحُرِّ) فَإِنَّ الْإِحْصَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (الْمُكَلَّفِ) أَيْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعُقُوبَاتِ (الْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» (الْوَاطِئِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِشَرْطَيْنِ النِّكَاحِ وَالْوَطْءِ بِهِ، اشْتِرَاطُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] أَيْ الْمَنْكُوحَاتُ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] أَيْ تَزَوَّجْنَ وَاشْتِرَاطُ الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ» وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِلَا دُخُولٍ وَذَا لَا يَكُونُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَصْلُ حَالِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إلَّا بِالنِّكَاحِ وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ حُصُولَ الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ شَرْطٌ لِحُصُولِ صِفَةِ الْإِحْصَانِ وَلَا يَجِبُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ زَالَ النِّكَاحُ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا وَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (وَهُمَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ (بِصِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَالْجُمْلَةُ حَالٌ عَمَّا فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهَا مِنْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ وَنَظِيرُهُ لَقِيت زَيْدًا رَاكِبَيْنِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ صِفَةِ الْإِحْصَانِ فِيهِمَا عِنْدَ الدُّخُولِ حَتَّى إنَّ الْمَمْلُوكَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَطْءٌ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَالَ الرِّقِّ ثُمَّ عَتَقَا لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَكَذَا الْكَافِرَانِ وَكَذَا الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَوَطِئَهَا وَكَذَا الْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً وَوَطِئَهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَوْصُوفًا بِإِحْدَى هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ حُرَّةٌ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ مُسْلِمَةٌ بِأَنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مَحْضَةً بِهَذَا الدُّخُولِ لِأَنَّ الدُّخُولَ إنَّمَا شُرِطَ لِكَوْنِهِ مُشْبِعًا عَنْ الْحَرَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُشْبِعًا إذَا خَلَا عَمَّا يُخِلُّ بِالرَّغْبَةِ كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالرِّقِّ وَالْكُفْرِ (رَجَمَهُ فِي قَضَاءٍ حَتَّى يَمُوتَ يَبْدَأُ بِهِ شُهُودُهُ فَإِنْ أَبَوْا أَوْ غَابُوا أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ يَرْمِي النَّاسُ وَفِي الْمُقِرِّ يَبْدَأُ الْإِمَامُ ثُمَّ يَرْمِي النَّاسُ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) وَذَكَرَ النَّوْعَ الثَّانِيَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا بِقَوْلِهِ (وَلِغَيْرِ الْمُحْصَنِ) حَالَ كَوْنِهِ (حُرًّا جَلْدُهُ مِائَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] لَكِنَّهُ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعْمُولًا بِهِ (وَسَطًا) أَيْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِإِفْضَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْهَلَاكِ وَخُلُوِّ الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ (بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ) لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ عُقْدَتَهُ (وَنَزَعَ ثِيَابَهُ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ إلَيْهِ وَمَبْنَى هَذَا الْحَدِّ عَلَى الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ (إلَّا الْإِزَارَ) لِأَنَّ فِيهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ (وَيُفَرَّقُ) الضَّرْبُ (عَلَى بَدَنِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَهَذَا الْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ (إلَّا رَأْسَهُ وَفَرْجَهُ وَوَجْهَهُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْحَدَّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» (قَائِمًا فِي كُلِّ حَدٍّ) لِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ (بِلَا مَدٍّ) قِيلَ هُوَ أَنْ يَلْقَى عَلَى الْعَرْضِ وَيُمَدُّ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ السَّوْطَ فَيَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ بَعْدَ ضَرْبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ فَلَا يُفْعَلُ (وَعَبْدًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ حُرًّا (نِصْفُهَا) وَهُوَ خَمْسُونَ سَوْطًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ (وَلَا يَحُدُّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (سَيِّدُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إخْلَاءُ الْعَالَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَوْا أَوْ غَابُوا أَوْ مَاتُوا سَقَطَ) كَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِاعْتِرَاضِ مَا يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّ أَحَدُهُمْ أَوْ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ فَسَقَ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَذَا إذَا كَانَ مُحْصَنًا كَمَا ذَكَرَ وَغَيْرُهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَسَنَذْكُرُ تَتِمَّةَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ) يَعْنِي فَيَكُونُ مُؤْلِمًا وَلَوْ كَانَ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ (قَوْلُهُ كَسَرَ عُقْدَتَهُ) يَعْنِي حَلَّهَا أَوْ لَيَّنَهَا بِالدَّقِّ إذَا كَانَ يَابِسًا (قَوْلُهُ إلَّا رَأْسَهُ وَفَرْجَهُ وَوَجْهَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) الدَّلِيلُ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى دُونَ الْبَعْضِ وَهُوَ ضَرْبُ الرَّأْسِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ بَعْدَ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ وَرَأْسُهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَكَذَا الْوَجْهُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ وَذَلِكَ إهْلَاكٌ مَعْنًى اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَقْلَ فِي الرَّأْسِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ. . . إلَخْ) التَّشْهِيرُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ غَيْرَ أَنَّهُ يُزَادُ فِي شُهْرَتِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَيُكْتَفَى فِي الْمَرْأَةِ بِالْإِخْرَاجِ وَالْإِتْيَانِ بِهَا إلَى مُجْتَمَعِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ خُصُوصًا فِي الرَّجْمِ وَأَمَّا الْجَلْدُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَيْ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ طَائِفَةً أَيْ جَمَاعَةً أَنْ يَحْضُرُوا إقَامَةَ الْحَدِّ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ عَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ اثْنَانِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَشَرَةٌ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَرْبَعَةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ فَيَرْجِعُ إلَى دَلَالَةِ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَحُدُّهُ سَيِّدُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) شَامِلٌ كُلَّ مَالِكٍ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ امْرَأَةً اهـ. وَيَنْظُرُ هَلْ يَعْتَدُّ بِالْحَدِّ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ لَا اهـ. وَقَيَّدَ بِالْحَدِّ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لِلسَّيِّدِ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا فِي الْبَحْرِ

[باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه]

عَنْ الْفَسَادِ وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ النَّائِبُ عَنْ الشَّرْعِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ وَحَقُّ الشَّرْعِ سَاقِطٌ عَنْهُ (وَلَا يُنْزَعُ ثِيَابُهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْمَضْرُوبِ (وَتُحَدُّ جَالِسَةً) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَجَازَ الْحَفْرُ لَهَا) لِلرَّجْمِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِشُرَاحَةَ وَإِنْ تَرَكَ لَا بَأْسَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَهِيَ مَسْتُورَةٌ بِثِيَابِهَا (لَا لَهُ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ (وَلَا يَجْمَعُ) فِي الْمُحْصَنِ (بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْمَعْ (وَلَا) فِي الْبِكْرِ بَيْنَ (جَلْدٍ وَنَفْيٍ) وَالشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَيَجْلِدُ مِائَةً وَيُغَرِّبُ سَنَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوا} [النور: 2] حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ التَّغْرِيبَ وَالسُّكُوتُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ تَمَامُ الْبَيَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ (إلَّا سِيَاسَةً) فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً غَرَّبَ بِقَدْرِ مَا يَرَى لِأَنَّهُ يُفِيدُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ (وَيُرْجَمُ مَرِيضٌ) مُحْصَنٌ (زَنَى) لِأَنَّهُ شُرِعَ إتْلَافًا فَلَا يُمْنَعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَلَا يُجْلَدُ) مَرِيضٌ حَدُّهُ الْجَلْدُ (حَتَّى يَبْرَأَ) لِأَنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَالْجَلْدُ فِي الْمَرَضِ رُبَّمَا يَكُونُ مُتْلِفًا (وَحَامِلٌ زَنَتْ) لَا تُحَدُّ حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْوَلَدِ الَّذِي لَمْ يَجْنِ وَالْمَخْلُوقُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا مُحْتَرَمٌ كَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ (تُرْجَمُ حِينَ وَضَعْت) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَقَدْ خَرَجَ وَالْمَرَضُ لَا يُنَافِي إقَامَةَ الرَّجْمِ. (وَ) إنْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ (تُجْلَدُ بَعْدَ النِّفَاسِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ فَيُنْتَظَرُ الْبُرْءُ مِنْهُ (بَابٌ وَطْءٌ يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ لَا) (الشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» هَذَا حَدِيثٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ وَحَدِّهَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِهَا وَتَنْوِيعِهَا فَنَقُولُ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا شُبْهَةٌ فِي الْفِعْلِ وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ (وَهِيَ) شُبْهَةٌ تَثْبُتُ (فِي الْفِعْلِ بِظَنِّ غَيْرِ الدَّلِيلِ) أَيْ غَيْرِ دَلِيلِ الْحِلِّ (دَلِيلًا) وَهِيَ تَحَقُّقٌ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ لَا مَنْ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ لِيَتَحَقَّقَ الِاشْتِبَاهُ كَقَوْمٍ سُقُوا خَمْرًا يُحَدُّ مَنْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَمْرٌ لَا مَنْ لَا يَعْلَمُ (فَلَمْ يُحَدَّ مَنْ ظَنَّ الْحِلَّ) فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (فِي وَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) فَإِنَّ اتِّصَالَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ يُفِيدُ ظَنَّ أَنَّ لِلِابْنِ وِلَايَةُ وَطْءِ جَارِيَةِ الْأَبِ كَمَا فِي الْعَكْسِ. (وَ) أَمَةِ (امْرَأَتِهِ) فَإِنَّ غِنَى الزَّوْجِ بِمَالِ زَوْجَتِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَدْ يُورِثُ شُبْهَةَ أَنَّ مَالَ الزَّوْجَةِ مِلْكُ الزَّوْجِ. (وَ) أَمَةِ (سَيِّدِهِ) فَإِنَّ احْتِيَاجَ الْعَبِيدِ إلَى أَمْوَالِ الْمَوَالِي إذْ لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ يَنْتَفِعُونَ بِهِ مَعَ كَمَالِ الِانْبِسَاطِ بَيْنَ مَمَالِيكِ مَوْلًى وَاحِدٍ وَمَعَ أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ بِالْجَهْلِ مَظِنَّةً لِاعْتِقَادِهِمْ حِلَّ وَطْءِ إمَاءِ الْمَوْلَى (وَ) وَطْءِ (الْمُرْتَهِنِ) الْأَمَةَ (الْمَرْهُونَةَ) فَإِنَّ مَالِكِيَّةَ الْمُرْتَهِنِ الْمَرْهُونَةَ مِلْكُ يَدٍ يُفِيدُ ظَنَّ حِلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ) أَيْ إلَى ثُنْدُوَتِهَا وَالثَّنْدُوَةُ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً ثَدْيُ الرَّجُلِ أَوْ لَحْمُ الثَّدْيَيْنِ وَالدَّالُ مَضْمُومَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِشُرَاحَةَ) أَيْ الْهَمْدَانِيَّةِ بِسُكُونِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ بِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ هُوَ الْإِيجَابُ وَقَالَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ أَمْرٍ وَإِلَّا كَانَتْ مُنَاقَضَةٌ غَرِيبَةٌ فَإِنَّ مِثْلَهَا إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ أَمَّا مَعَهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ فَغَرِيبٌ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَمَّا جَلْدُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شُرَاحَةَ ثُمَّ رَجْمُهَا فَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إحْصَانُهَا إلَّا بَعْدَ جَلْدِهَا أَوْ هُوَ رَأْيٌ لَا يُقَاوِمُ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَلَا مَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ حَدُّهَا الرَّجْمَ تُرْجَمُ حِينَ وَضَعَتْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَتَأْخِيرُهُ أَيْ الرَّجْمِ إلَى اسْتِغْنَاءِ الْوَلَدِ لِعَدَمِ الْمُرَبِّي لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْوَطْءُ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدّ وَاَلَّذِي لَا يُوجِبُهُ] (بَابٌ وَطْءٌ يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ لَا) (قَوْلُهُ فَلَمْ يُحَدَّ مَنْ ظَنَّ الْحِلَّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ) الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا حَاصِلَةٌ بِالنَّظَرِ لِتَعَدُّدِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ فِي وَطْءِ أَمَةِ أَبَوَيْهِ) لَوْ قَالَ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ الْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ (قَوْلُهُ وَأَمَةِ امْرَأَتِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَكَذَا لَا تُحَدُّ الْمَوْطُوءَةُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَمَّا تَحَقَّقَتْ فِي الْفِعْلِ نَفَتْ الْحَدَّ عَنْ طَرَفَيْهِ اهـ. وَمَتَى ادَّعَى شُبْهَةً بِغَيْرِ إكْرَاهٍ سَقَطَ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَا يَسْقُطُ بِدَعْوَى الْإِكْرَاهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ الْمُرْتَهِنِ الْأَمَةَ الْمَرْهُونَةَ) جَعَلَهَا مِنْ قَبِيلِ شُبْهَةِ الْفِعْلِ هُوَ الْأَصَحُّ وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْحُدُودِ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَعِيرُ لِلرَّهْنِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَهِنِ

وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ (وَبَقَاءُ أَثَرِ النِّكَاحِ) وَهُوَ الْعِدَّةُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا لَأَنْ يُشْتَبَهَ عَلَيْهِ حِلُّ وَطْءِ (الْمُعْتَدَّةِ) أَيْ مُعْتَدَّتِهِ (بِثَلَاثٍ وَ) الْمُعْتَدَّةِ (بِطَلَاقٍ عَلَى مَالٍ، وَ) الْمُعْتَدَّةِ (بِإِعْتَاقٍ وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا حَدَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّمَانِيَةِ إنْ قَالَ الْجَانِي ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَإِنْ قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ وَجَبَ الْحَدُّ وَثَانِي أَنْوَاعِ الشُّبْهَةِ شُبْهَةٌ فِي الْمَحَلِّ وَتُسَمَّى شُبْهَةً حُكْمِيَّةً. (وَ) هِيَ تَثْبُتُ (فِي الْمَحَلِّ بِقِيَامِ دَلِيلٍ مُنَافٍ لِلْحُرْمَةِ ذَاتًا) أَيْ إذَا نَظَرْنَا إلَى الدَّلِيلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَانِعِ يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْحُرْمَةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ (فَلَمْ يُحَدَّ) الْجَانِي بِهَذِهِ الشُّبْهَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ قَالَ عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (بِوَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ) فَإِنَّ الدَّلِيلَ النَّافِيَ لِلْحُرْمَةِ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . (وَ) بِوَطْءِ (مُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) فَإِنَّ الدَّلِيلَ فِيهِ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إنَّ الْكِنَايَاتِ رَوَاجِعُ. (وَ) وَطْءِ (الْبَائِعُ) الْأَمَةَ (الْمَبِيعَةَ، وَ) وَطْءِ (الزَّوْجِ) الْأَمَةَ (الْمَهْمُورَةَ) أَيْ الَّتِي جَعَلَهَا صَدَاقًا لِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا (قَبْلَ تَسْلِيمِهَا) أَيْ تَسْلِيمِ الْأُولَى إلَى الْمُشْتَرِي وَالثَّانِيَةُ إلَى الزَّوْجَةِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَبِيعَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَتْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الْأُولَى وَكَوْنَ الْمَهْرِ صِلَةً أَيْ غَيْرَ مُقَابَلٍ بِمَالٍ دَلِيلُ عَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ فِي الثَّانِيَةِ. . (وَ) وَطْءِ (الشَّرِيكِ) أَيْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ (الْمُشْتَرَكَةَ) فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ دَلِيلُ جَوَازِ الْوَطْءِ (وَإِذَا ادَّعَى النَّسَبَ ثَبَتَ) أَيْ النَّسَبُ (هُنَا) فِي شُبْهَةِ الْمَحَلِّ (لَا الْأُولَى) أَيْ شُبْهَةِ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي الْأُولَى تَمَحَّضَ زِنًا وَإِنْ سَقَطَ الْحَدُّ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَيْهِ وَهُوَ اشْتِبَاهُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَثَالِثُ أَنْوَاعِ الشُّبْهَةِ شُبْهَةُ الْعَقْدِ. (وَ) هِيَ تَثْبُتُ (بِالْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ النِّكَاحِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي وَطْءٍ مُحَرَّمٍ نِكَاحُهَا) وَإِنْ كَانَ حُرْمَتُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ حَيْثُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَعِنْدَ غَيْرِهِ إنْ عَلِمَ يُحَدُّ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَحُدَّ بِوَطْءِ أَمَةِ أَخِيهِ) أَوْ أُخْتِهِ (أَوْ عَمّه) أَوْ عَمَّتِهِ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ سِوَى الْأَوْلَادِ إذْ لَا بُسُوطَةَ لَهُ فِي مَالِ هَؤُلَاءِ فَلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةِ بِثَلَاثٍ) هَذَا إذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا صَرِيحًا أَمَّا لَوْ نَوَاهَا بِالْكِنَايَةِ فَوَقَعْنَ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَهَذِهِ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا وَطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا وَلَا يُحَدُّ وَهِيَ مَا وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَيْهَا بِالْكِنَايَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُحَدَّ مُطْلَقًا بِوَطْءِ أَمَةِ ابْنِهِ) لَوْ قَالَ وَلَدِهِ أَوْ فَرْعِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ أَمَةَ بِنْتِهِ وَلِيَتِمَّ بِهِ الْعَدَدُ السِّتَّةُ وَإِلَّا فَهِيَ فِي كَلَامِهِ خَمْسَةٌ وَقَالَ إنَّهَا سِتَّةٌ وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي أَمَةِ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ مَالِهِ حَالَ قِيَامِ ابْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ) ظَاهِرُهُ الْحَصْرُ لِمَقَامِ الْبَيَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَمَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ الْمُسْتَغْرَقِ وَالْغَنِيمَةِ بَعْدَ الْإِحْرَازِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ جَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالزَّوْجَةُ الَّتِي حَرُمَتْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَطْءِ مُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ) هَذَا بِخِلَافِ وَطْءِ الْمُخْتَلِعَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَأَخْطَأَ مَنْ بَحَثَ وَقَالَ يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَوَطْءِ الْبَائِعِ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ. . . إلَخْ) قَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهَذَا فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَمَّا الْفَاسِدُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَعْدُ وَكَذَا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ سَوَاءٌ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لَا الْأُولَى) أَيْ شُبْهَةُ الْفِعْلِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لِدُونِ سَنَتَيْنِ بِلَا دَعْوَةٍ وَلِأَكْثَرَ بِدَعْوَةٍ فَكَانَ مُخَصَّصًا لِهَذَا وَيَثْبُتُ أَيْضًا نَسَبُ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ هِيَ زَوْجَتُهُ بِدَعْوَتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ) يَعْنِي وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُعْتَقِدٌ لِحُرْمَةِ الزِّنَا كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَوْ اعْتَقَدَ الْحِلَّ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ يُوجَعُ عُقُوبَةً إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ) قَالَ الْكَمَالُ وَهِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنْ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ إنْ عَلِمَ يُحَدُّ) الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ صَاحِبَاهُ وَبِقَوْلِهِمَا أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَرَجَّحَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ) لَمْ يُبَيِّنْهُ فِيمَا سَيَأْتِي جَمِيعًا بَلْ لَمْ يَذْكُرْ هُنَاكَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا وَأَحَالَ هُنَاكَ عَلَى مَا هُنَا وَبَيَانُهُ أَنَّ الْعَقْدَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مَنْ وَافَقَهُمَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ يَعْنِي بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعَاقِدِ فَيَلْغُو كَمَا إذَا أُضِيفَ إلَى الذُّكُورِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَقْدَ صَادَفَ مَحَلَّهُ يَعْنِي مَحَلِّيَّتَهَا لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ الْعَاقِدِ لِأَنَّ مَحَلَّ التَّصَرُّفِ مَا يَقْبَلُ مَقْصُودَهُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ قَابِلَةٌ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ حَقِيقَةِ الْحِلِّ لِدَلِيلٍ فَيُورِثُ شُبْهَةً اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ كَلَامُهُمَا أَوْضَحُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذِهِ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ. اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ

يَسْتَنِدْ ظَنُّهُ إلَى دَلِيلٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ . (وَ) حُدَّ بِوَطْءِ (أَجْنَبِيَّةٍ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ) وَقَالَ حَسِبْتهَا امْرَأَتِي إذْ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ لَا تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ (وَلَوْ هُوَ أَعْمَى) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّمْيِيزِ بِالْحَرَكَاتِ وَالْهَيْئَاتِ إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ وَقَالَتْ أَنَا زَوْجَتُك فَوَطِئَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ دَلِيلٌ كَذَا فِي الْكَافِي حَتَّى إذَا أَجَابَتْ بِالْفِعْلِ وَلَمْ تَقُلْ ذَلِكَ فَوَاقَعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ (وَذِمِّيَّةٌ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ حُدَّ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (زَنَى بِهَا حَرْبِيٌّ وَذِمِّيٌّ وَزَنَى بِحَرْبِيَّةٍ) لِكَوْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُخَاطَبِينَ بِالْعُقُوبَاتِ (لَا الْحَرْبِيُّ وَالْحَرْبِيَّةُ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُخَاطَبِينَ بِهَا (وَلَا مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً زُفَّتْ إلَيْهِ وَقُلْنَ هِيَ عِرْسُك وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا) قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِالْعِدَّةِ (وَلَا) مَنْ وَطِئَ (مَحْرَمًا نَكَحَهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْعَقْدَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ كَمَا سَبَقَ (وَلَا) مَنْ وَطِئَ (بَهِيمَةً) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً ثُمَّ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ تُذْبَحُ ثُمَّ تُحْرَقُ بِالنَّارِ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ وَضَمِنَ الْفَاعِلُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ إنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهَا قُتِلَتْ لِأَجْلِهِ وَالْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِئَلَّا يُعَيَّرَ الرَّجُلُ بِهَا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً فَيَنْقَطِعُ التَّحَدُّثُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ تُذْبَحُ فَتُؤْكَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُحْرَقُ (أَوْ أَتَى فِي دُبُرٍ) عَطْفٌ عَلَى وَطِئَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحَدُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجَبِهِ عَنْ الْإِحْرَاقِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ عَلَيْهِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ بِإِتْبَاعِ الْأَحْجَارِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ (أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ) دَارِ (الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا) لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ هُنَاكَ بِالْحَدِيثِ وَلَا بَعْدَ مَا خَرَجَ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ مُوجِبَةً فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً (وَلَا بِزِنَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِمُكَلَّفَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ لَا عَلَى الْفَاعِلِ وَلَا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ. (وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنْ زَنَى مُكَلَّفٌ بِغَيْرِ مُكَلَّفَةٍ (حُدَّ هُوَ فَقَطْ وَلَا بِالزِّنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ) يَعْنِي وَلَوْ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بَعْدَ طُولِ الصُّحْبَةِ) الْمَسْأَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَقْيِيدِ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ وَلَهُ امْرَأَةٌ قَدِيمَةٌ اهـ. وَيُنْظَرُ مَاذَا يَكُونُ بِهِ قِدَمُهَا (قَوْلُهُ إلَّا إذَا دَعَاهَا فَأَجَابَتْهُ أَجْنَبِيَّةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الدَّاعِي بَصِيرًا أَوْ أَعْمَى وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَنَّ الْأَعْمَى دَعَا امْرَأَتَهُ فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا فَجَامَعَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ أَجَابَتْهُ وَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ تَعْنِي امْرَأَتَهُ فَجَامَعَهَا لَا يُحَدُّ لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ اهـ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَذِمِّيَّةٍ زَنَى بِهَا حَرْبِيٌّ) يُرِيدُ بِهِ الْمُسْتَأْمَنَ (قَوْلُهُ وَذِمِّيٌّ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ) أَيْ مُسْتَأْمَنَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا مَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً زُفَّتْ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ الشُّبْهَةُ الثَّابِتَةُ فِيهَا شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ وَلَا يَثْبُتُ مِنْ الْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ نَسَبٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ شُبْهَةُ دَلِيلٍ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ شُبْهَةُ اشْتِبَاهٍ غَيْرَ أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ لِلْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ كَمَا سَبَقَ) قَدْ عَلِمْت مَا فِي حَوَالَتِهِ عَلَى هَذَا وَأَيْضًا هَذَا مُسْتَدْرَكٌ فَلِذَا قَالَ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ وَالْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ) كَذَا قَتْلُهَا لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ امْتِدَادِ التَّحَدُّثِ بِهِ كُلَّمَا رُئِيَتْ فَيَتَأَذَّى الْفَاعِلُ بِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُؤْكَلُ تُذْبَحُ فَتُؤْكَلُ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي السِّرَاجِ إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ عَدْلَانِ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ أَتَى فِي دُبُرٍ) شَامِلٌ دُبُرَ مَنْكُوحَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى اللِّوَاطَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَكْفِي عَدْلَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَالزِّنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ) قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ وَالْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا لَيْسَ حُكْمًا لَهُ اهـ. وَمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ اهـ. وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ سَوَاءٌ كَانَ بِأَجْنَبِيٍّ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً اهـ. وَلَكِنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِاسْتِحْلَالِهِ بِمَمْلُوكَتِهِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَلَوْ أَمْكَنَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ مِنْ الْعَبَثِ بِذَكَرِهِ فَأَمْنَى فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَقَالَ الْكَمَالُ الصَّحِيح أَنَّ اللِّوَاطَةَ لَيْسَتْ فِي الْجَنَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ) يَعْنِي فِي غَيْرِ مُعَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ أَوْ أَمِيرِ الْمِصْرِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ عَسْكَرٍ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحُدُودِ فَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَزَنَى ثُمَّ عَادَ أَوْ كَانَ مَعَ أَمِيرِ سَرِيَّةٍ أَوْ أَمِيرِ عَسْكَرٍ فَزَنَى ثَمَّةَ أَوْ كَانَ تَاجِرًا أَوْ أَسِيرًا أَمَّا لَوْ زَنَى وَهُوَ مَعَ عَسْكَرٍ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ إقَامَةِ الْحَدِّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِخِلَافِ أَمِيرِ الْعَسْكَرِ أَوْ السَّرِيَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّضَ لَهُمَا تَدْبِيرَ الْحَرْبِ لَا إقَامَةَ الْحُدُودِ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ ثَمَّةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا بِزِنَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِمُكَلَّفَةٍ) كَذَا لَا عُقْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ لَرَجَعَ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَيْهَا لِأَمْرِهَا لَهُ بِمُطَاوَعَتِهَا لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى الصَّبِيُّ بِصَبِيَّةٍ أَوْ بِمُكْرَهَةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ

[باب شهادة الزنا والرجوع عنها]

بِمُسْتَأْجَرَةٍ لَهُ) أَيْ لِلزِّنَا بِأَنْ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِيَزْنِيَ بِهَا فَزَنَى بِهَا لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا حُدَّا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ فَكَانَ زِنًا مَحْضًا وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَجُلًا مَالًا فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا حَتَّى تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَدَرَأَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُمَا الْحَدَّ وَقَالَ هَذَا مَهْرُهَا (وَلَا) بِالزِّنَا (بِإِكْرَاهٍ) سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ زَانِيًا أَوْ مَزْنِيَّةً (وَلَا بِإِقْرَارٍ) بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (إنْ أَنْكَرَ الْآخَرُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعًا بِالزِّنَا بِفُلَانَةَ وَقَالَتْ إنَّهُ تَزَوَّجَنِي أَوْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا بِالزِّنَا مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ تَزَوَّجْتُهَا لَمْ يُحَدَّ وِفَاقًا وَثَانِيهِمَا أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعًا أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَقَالَتْ مَا زَنَى بِي وَلَا أَعْرِفُهُ أَوْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا بِالزِّنَا مَعَ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ مَا زَنَيْت بِهَا وَلَا أَعْرِفُهَا لَا يُحَدُّ الْمُقِرُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَفِي قَتْلِ أَمَةٍ بِزِنًا يَجِبُ الْحَدُّ وَالْقِيمَةُ) لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُوجَبُهَا الْحَدُّ بِالزِّنَا وَالْقِيمَةُ بِالْقَتْلِ (وَالْخَلِيفَةُ) أَيْ الْإِمَامُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَمَامٌ (لَا يُحَدُّ) لِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِقَامَتُهُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ (وَيُقْتَصُّ وَيُؤْخَذُ بِالْمَالِ) لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ (بَابٌ شَهَادَةُ الزِّنَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا) (شَهِدَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ إمَامِهِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الشَّهَادَةِ بِلَا تَأْخِيرٍ (لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ فِي الْحُدُودِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالسِّتْرِ فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ السِّتْرَ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَهُ لِسُوءٍ فِي بَاطِنِهِ مِنْ حِقْدٍ أَوْ عَدَاوَةٍ حَرَّكَتْهُ فَيُتَّهَمُ فِيهَا وَإِلَّا صَارَ فَاسِقًا آثِمًا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ كَمَا سَيَأْتِي (إلَّا فِي قَذْفٍ) لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ (وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ) أَيْ إذَا شَهِدَ شُهُودُ السَّرِقَةِ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا يُحَدُّ السَّارِقُ وَيَضْمَنُ مَا سَرَقَ لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِّ بَعْدَ التَّقَادُمِ (يُحَدُّ) لِانْتِفَاءِ تُهْمَةِ الْحِقْدِ وَالْعَدَاوَةِ (إلَّا فِي الشُّرْبِ) كَمَا سَيَأْتِي (وَتَقَادُمُهُ) أَيْ الشُّرْبِ (بِزَوَالِ الرِّيحِ وَ) التَّقَادُمُ لِغَيْرِهِ (بِمُضِيِّ شَهْرٍ) هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ (شَهِدُوا بِزِنًا وَهِيَ غَائِبَةٌ حُدَّ وَبِسَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَا) لِأَنَّ الدَّعْوَى تَنْعَدِمُ بِالْغَيْبَةِ وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ لَا الزِّنَا كَمَا سَيَأْتِي (وَلَوْ اخْتَلَفَ أَرْبَعَةٌ فِي زَاوِيَتَيْ الْبَيْتِ أَوْ أَقَرَّ بِزِنًا وَجَهِلَهَا حُدَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَا فِي زَاوِيَةٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ وَالِانْتِهَاءُ فِي الْأُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ. وَفِي الْكَافِي هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا كَانَ كَبِيرًا فَلَا وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ جَهْلَ الْمُقِرِّ لَا يَدْفَعُ الْحَدَّ إذْ لَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ لَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَهِدُوا كَذَلِكَ) أَيْ شَهِدُوا أَنَّهُ يَزْنِي بِامْرَأَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا (أَوْ اخْتَلَفُوا فِي طَوْعِهَا) أَيْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَأَكْرَهَهَا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ (أَوْ) اخْتَلَفُوا (فِي بَلَدِ زِنَاهُ) أَيْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ (أَوْ اتَّفَقَ حُجَّتَاهُ فِي وَقْتِهِ وَاخْتَلَفَا فِي بَلَدِهِ أَوْ شَهِدُوا بِزِنًا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ هُمْ فَسَقَةٌ أَوْ شُهُودٌ عَلَى شُهُودٍ لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ) أَيْ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا وَلَا الشُّهُودُ بِسَبَبِ الْقَذْفِ (وَإِنْ شَهِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وِفَاقًا) أَيْ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَرِفَةً بِأَنْ لَا مَهْرَ لَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفِي قَتْلِ أَمَةٍ بِزِنًا. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا لَوْ أَذْهَبَ عَيْنَيْهَا بِهِ وَفِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَسَقَطَ بِهِ الْحَدُّ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْجُثَّةِ الْعَمْيَاءِ وَهِيَ عَيْنٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً كَمَا فِي الْهِدَايَةِ [بَاب شَهَادَة الزِّنَا وَالرُّجُوع عَنْهَا] (بَابٌ شَهَادَةُ الزِّنَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا) (قَوْلُهُ شَهِدَ بِحَدٍّ) أَيْ بِمُوجِبِ حَدٍّ وَقَوْلُهُ مُتَقَادِمٍ أَيْ مُوجِبُهُ فَإِسْنَادُهُ إلَى الْحَدِّ مَجَازٌ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ إمَامِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُعْدُ عُذْرًا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ وَلَوْ فِي بُعْدِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْمُسَارَعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ) وَحَكَى الْحَسَنُ أَنَّهُمْ يُحَدُّونَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ) أَيْ الْمَسْرُوقَ (قَوْلُهُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ) هُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِمَا يَرَاهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ شَهِدُوا بِزِنًا وَهِيَ غَائِبَةٌ) أَيْ وَهُمْ يَعْرِفُونَهَا (إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ) بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهَا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَهِيَ شَرْطٌ فِي السَّرِقَةِ) لَكِنَّهُ لَوْ شَهِدُوا عَلَى السَّرِقَةِ بِدُونِ الدَّعْوَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَيُحْبَسُ السَّارِقُ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ) يَعْنِي مُمْكِنٌ لِصِيَانَةِ الْبَيِّنَاتِ عَنْ التَّعْطِيلِ لَا لِإِيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لِأَمْرِنَا بِالِاحْتِيَالِ لِدَرْئِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

الْأُصُولُ بَعْدَهُمْ) أَيْ بَعْدَ الْفُرُوعِ أَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ وَأَمَّا عَدَمُهُ عَلَى الشُّهُودِ فَلِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ أَخْرَجَ كَلَامَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا وَأَمَّا عَدَمُهُ فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَشْهُودَ بِهِ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَبَعْضُهُمْ كَاذِبٌ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي بِطَوْعِهَا وَكَرْهِهَا وَإِلَّا فَلَا نِصَابَ لِلشَّهَادَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَمَّا عَدَمُهُ عَلَى الشُّهُودِ فَلِإِتْيَانِهِمْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ لِمَا ذُكِرَ وَأَمَّا فِي الرَّابِعِ فَلِمَا فِي الثَّالِثِ وَأَمَّا فِي الْخَامِسِ فَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْبَكَارَةِ فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِيَقِينٍ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ قَوْلَهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُوَ مَجْبُوبٌ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَلَا الشُّهُودُ لِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ كَمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَوُجِدَتْ رَتْقَاءَ حَيْثُ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا عَلَيْهِمْ وَأَمَّا السَّادِسُ فَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ يَنْفُذُ عِنْدَنَا فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ الزِّنَا مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ دُونَ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ الْقُصُورِ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ الثُّبُوتِ وَيَسْقُطُ عَنْ الشُّهُودِ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ وَأَمَّا السَّابِعُ فَلِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ زِيَادَةَ الشُّبْهَةِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهَا فِي مَوْضُوعَيْنِ فِي شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَشَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَلَا يُحَدُّ الْفُرُوعُ لِأَنَّهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا بَلْ حَكَّمُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ وَإِنَّمَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا إثْبَاتِهِ وَإِنْ جَاءَ الْأُصُولُ وَشَهِدُوا عَلَى مُعَايِنَةِ ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُقْبَلْ وَلَمْ يُحَدُّوا أَيْضًا لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَدْ رُدَّتْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ وَشَهَادَتُهُمْ كَشَهَادَتِهِمْ وَالشَّهَادَةُ فِي حَادِثَةٍ إذَا رُدَّتْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا أَبَدًا (فَإِنْ شَهِدُوا بِالزِّنَا) حَالَ كَوْنِهِمْ (عُمْيَانًا أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ ثَلَاثَةً) وَقَدْ وَجَبَ الْأَرْبَعَةُ (أَوْ) أَرْبَعَةً (أَحَدُهُمْ مَحْدُودٌ) فِي قَذْفٍ (أَوْ عَبْدًا أَوْ وُجِدَ كَذَا) أَيْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ عَبْدًا (بَعْدَ الْحَدِّ حُدُّوا) أَيْ الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ شَهِدُوا وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدُّ بِهِمْ لِعَدَمِ أَهْلِيهِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا وَيَجِبُ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً (وَأَرْشُ جَرْحِ جِلْدِهِ هَدَرٌ) أَيْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِزِنًا وَالزَّانِي غَيْرُ مُحْصَنٍ فَجُلِدَ فَجَرَحَهُ الْجَلْدُ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَأَرْشُ الْجِلْدِ هَدَرٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (وَدِيَةُ رَجْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ شَهِدُوا وَالزَّانِي مُحْصَنٌ فَرُجِمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ فَدِيَةُ الرَّجْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَأَيُّ رَجْعٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ رَجْمٍ حُدَّ) أَيْ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ حَدَّ الْقَذْفِ خِلَافًا لِزُفَرَ (وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَقَبْلَهُ) أَيْ أَيُّ رَجْعٍ مِنْهُمْ قَبْلَ الرَّجْمِ (حُدُّوا) أَيْ حُدَّ جَمِيعُ الشُّهُودِ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ (لَا شَيْءَ عَلَى خَامِسٍ رَجَعَ) إذْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِمْ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ حُدَّا وَغَرِمَا الرُّبْعَ) أَيْ رُبْعَ الدِّيَةِ إذَا بَقِيَ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ بِبَقَاءِ الثَّلَاثَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا) ضَمَّنَ نَسَبُوا مَعْنَى رَمَوْا لِتَعْدِيَةِ الزِّنَا بِالْبَاءِ (قَوْلُهُ وَإِنْ جَاءَ الْأُصُولُ. . . إلَخْ) إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ لِلشُّبْهَةِ الْمَذْكُورَةِ لِدَرْءِ الْحَدِّ فَرَدُّ شَهَادَةِ الْفَرْعِ رَدٌّ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ لِلشُّبْهَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ تُقْبَلُ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ لِثُبُوتِ الْمَالِ مَعَ الشُّبْهَةِ دُونَ الْحَدِّ وَلَوْ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ بَعْدَهُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إنْ كَانَ الرَّدُّ لِتُهْمَةٍ مَعَ بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ رُدَّتْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالرِّقِّ وَالْكُفْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ أَحَدُهُمْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ عَبْدٌ) كَذَا لَوْ كَانَ أَعْمَى (قَوْلُهُ أَوْ وُجِدَ كَذَا. . . إلَخْ) كَذَا إذَا وُجِدَ أَعْمَى أَوْ كَافِرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ حُدُّوا) أَيْ الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ شَهِدُوا وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا فَاتَ شَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ إمْضَاءِ الْحَدِّ أَمَّا إذَا مَضَى الْحَدُّ ثُمَّ ظَهَرَ فَوَاتُ الشَّرْطِ كَيْفَ يُنْفَى الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ حُدَّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ حُدَّ الشُّهُودُ لَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ وَبَعْدَهُ الشُّهُودُ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً) يَعْنِي فَيُقَامُ إذَا طَلَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ فَأَرْشُ الْجَلْدِ هَدَرٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ فَيَكُونُ الْأَرْشُ عِنْدَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا مَاتَ مِنْ الْجَلْدِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقَبْلَهُ حُدُّوا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا) الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْقَضَاءُ الْمَمْضِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يَمْضِ فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ حُدُّوا كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْحُدُودِ

[باب حد الشرب]

عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كَمَالَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْبَقَاءِ بَلْ يَبْقَى لِكُلِّ رَجُلٍ قِسْطُهُ فَصَارَ عَلَيْهِمَا الرُّبْعُ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاجِعَيْنِ حَدٌّ كَامِلٌ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَجَزَّأُ (ضَمِنَ الْمُزَكِّي دِيَةَ الْمَرْجُومِ إنْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا) يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَزُكُّوا فَرُجِمَ فَإِذَا الشُّهُودُ كُفَّارٌ أَوْ عَبِيدٌ فَالدِّيَةُ عَلَى الْمُزَكِّينَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ قَالُوا مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ وَقَالُوا هُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا بِالتَّزْكِيَةِ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ (كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ فَظَهَرُوا كَذَلِكَ) يَعْنِي شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَمَرَ الْقَاضِي بِرَجْمِهِ فَضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ وَلَمْ يُرْجَمْ ثُمَّ وُجِدَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَعَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَضَاءَ صَحِيحٌ ظَاهِرًا وَقْتَ الْقَتْلِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَصِرْ حُجَّةً بَعْدُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ دَمَ الْعَمْدِ. (وَ) ضَمِنَ (بَيْتُ الْمَالِ إنْ لَمْ تُزَكِّ فَرُجِمَ) لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ الْإِمَامِ فَنُقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ وَلَوْ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَذَا هَذَا (أَقَرَّ شُهُودُ الزِّنَا بِنَظَرِهِمْ عَمْدًا قُبِلَتْ) لِإِبَاحَةِ النَّظَرِ لَهُمْ ضَرُورَةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ (زَانٍ أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ) بَعْدَ وُجُودِ سَائِرِ الشَّرَائِطِ (فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ وَوَلَدَتْ زَوْجَتُهُ مِنْهُ رُجِمَ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فَإِنَّ زُفَرَ يَقُولُ إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَالشَّافِعِيُّ يَجْرِي عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ فَإِنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الزِّنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِأَنَّ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْعِلَّةِ أَنْ تَكُونَ مُفْضِيَةً إلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ فِي الْمَانِعِ غَيْرُ مَعْقُولٍ (بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ) (إذَا شَرِبَ خَمْرًا) جَوَابُ إذَا قَوْلُهُ الْآتِي حُدَّ يَعْنِي أَنَّ مُجَرَّدَ شُرْبِ الْخَمْرِ (وَلَوْ) كَانَتْ (فِطْرَةً أُخِذَ بِرِيحِهَا وَإِنْ زَالَتْ) أَيْ رِيحُهَا لِبُعْدِ الطَّرِيقِ (أَوْ سَكِرَ) عَطْفٌ عَلَى شَرِبَ (وَزَالَ عَقْلُهُ) بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِقَوْلِهِ سَكِرَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالسُّكْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ هَذَا الْمَعْنَى وَفِي حَقِّ حُرْمَةِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ يَهْذِيَ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ مُطْلَقًا (بِنَبِيذٍ) وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ضَمِنَ الْمُزَكِّي) التَّزْكِيَةُ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ أَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هُمْ عُدُولٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ قَالُوا مَعْنَاهُ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ وَقَالُوا هُمْ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ) أَيْ مَعْنَى الرُّجُوعِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ اتِّفَاقًا وَعَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ الْمُزَكُّونَ عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ قَائِلِينَ هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اتِّفَاقًا وَمَعْنَاهُ بَعْدَ ظُهُورِ كُفْرِهِمْ حُكْمُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا طَرَأَ كُفْرُهُمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي ادِّعَاءِ طَرَيَانِ الْكُفْرِ لِتَصَوُّرِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي الرِّقِّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا بِالتَّزْكِيَةِ. . . إلَخْ) فِي جَعْلِ هَذَا صُورَةً أُخْرَى لِلظُّهُورِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الصُّورَةِ الْأُولَى اهـ. وَقَدْ صَوَّرَ الْكَمَالُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِيمَا لَوْ اسْتَمَرُّوا عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ وَفِيمَا إذَا قَالُوا أَخْطَأْنَا ثُمَّ قَالَ فَلَمْ يَبْقَ لِصُورَةِ الرُّجُوعِ إلَّا أَنْ يَقُولُوا تَعَمَّدْنَا فَقُلْنَا هُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ مَعَ عِلْمِنَا بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا التَّزْكِيَةَ مَعَ عِلْمِنَا بِحَالِهِمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ فِي صُورَةِ الرُّجُوعِ الْخِلَافِيَّةِ قَوْلَيْنِ أَنْ يَرْجِعُوا بِهَذَا الْوَجْهِ أَوْ بِأَعَمَّ مِنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ فَرَجَمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُ إلَى الرَّجُلِ فِي قَوْلِهِ فَقَتَلَ مَنْ أُمِرَ بِرَجْمِهِ (قَوْلُهُ فَشَهِدَ عَلَيْهِ) أَيْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَكَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَجَاءَ مَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا وَلَوْ قَالُوا دَخَلَ بِهَا يَكْفِي عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكْفِي وَلَا يَثْبُتُ بِهِ إحْسَانُهُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالزِّفَافِ وَالْخَلْوَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ كَلَفْظِ الْقُرْبَانِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَكَلَفْظِ الْإِتْيَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَتْ زَوْجَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمَا مُقِرَّانِ بِالْوَلَدِ. اهـ. [بَابُ حَدِّ الشُّرْبِ] (بَابٌ حَدُّ الشُّرْبِ) (قَوْلُهُ وَأُخِذَ بِرِيحِهَا) قَيَّدَ بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ وَبِوِجْدَانِ الرَّائِحَةِ وَإِذَا شَهِدَا بِالشُّرْبِ فَقَطْ يَأْمَرُ الْقَاضِي بِاسْتِنْكَاهِهِ فَيَسْتَنْكِهُهُ وَيُخْبِرُهُ بِأَنَّ رِيحَهَا مَوْجُودٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَإِنْ زَالَتْ لِبُعْدِ الطَّرِيقِ لَا بُدَّ فِيهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالشُّرْبِ وَيَقُولَا أَخَذْنَاهُ وَرِيحُهَا مَوْجُودٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَالرِّيحُ مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَفِي حَقِّ حُرْمَةِ الْأَشْرِبَةِ أَنْ يَهْذِيَ) ظَاهِرٌ فِيمَا لَيْسَ مُحَرَّمًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ عِنْدَهُ وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ بِأَصْلِهَا كَيْفَ يُشْتَرَطُ الْهَذَيَانُ لِلْحُرْمَةِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُفْضِيَ إلَى السُّكْرِ قَدْ تَكُونُ حَرَامًا كَمَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ اهـ فَلَا تَتَوَقَّفُ الْحُرْمَةُ فِيهَا عَلَى الْهَذَيَانِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِ هَذَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ مُطْلَقًا) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ كَلَامُهُ جِدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ لِلْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتْحِ

[باب حد القذف]

الْخَمْرِ (وَأَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا (مَرَّةً أَوْ شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ) لَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ (وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا) فَإِنَّ الشُّرْبَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ (حُدَّ صَاحِيًا) لِيَتَأَدَّبَ بِهِ وَيَنْزَجِرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ حَالَ السُّكْرِ (ثَمَانِينَ سَوْطًا لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِلْعَبْدِ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - (يُنْزَعُ ثَوْبُهُ) يَعْنِي إلَّا الْإِزَارَ (وَيُفَرَّقُ عَلَى جِلْدِهِ كَمَا فِي الزِّنَا) لِمَا مَرَّ ثَمَّةَ (وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ) أَيْ بِشُرْبِ الْخَمْرِ (أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الرِّيحِ) قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ (أَوْ تَقَيَّأَهَا) أَيْ عُلِمَ شُرْبُهَا بِأَنْ تَقَيَّأَهَا (أَوْ وُجِدَ رِيحُهَا مِنْهُ) بِلَا إقْرَارٍ أَوْ شَهَادَةٍ (أَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَ) شَرِبَ (السَّكَرَ) بِفَتْحَتَيْنِ عَصِيرَ الرُّطَبِ إذَا اشْتَدَّ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ (أَوْ أَقَرَّ سَكْرَانُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ أَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ بَعْدَ زَوَالِ الرِّيحِ فَلِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا إجْمَاعَ إلَّا بِرَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ شَرْطُ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَأَمَّا عَدَمُهُ بِتَقَيُّئِهَا وَوُجِدَ أَنَّ رِيحَهَا فَلِأَنَّ الرَّائِحَةَ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا الشُّرْبُ قَدْ يَقَعُ عَنْ إكْرَاهٍ وَاضْطِرَارٍ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ وَشَرِبَهُ طَوْعًا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ وَكَذَا شُرْبُ الْمُكْرَهِ لَا يُوجِبُ وَأَمَّا عَدَمُهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ إقْرَارِهِ فَلِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ فِيهِ الرُّجُوعُ وَأَمَّا عَدَمُهُ فِي إقْرَارِ السَّكْرَانِ فَلِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيُحْتَالُ فِي دَرْئِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ (وَلَوْ ارْتَدَّ) السَّكْرَانُ زَائِلُ الْعَقْلِ (لَا يَحْرُمُ عِرْسُهُ) لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ زَوَالِ الْعَقْلِ (أُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَدِّ فَهَرَبَ فَشَرِبَ ثَانِيًا يُسْتَأْنَفُ الْحَدُّ كَذَا فِي الزِّنَا) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْحُدُودَ إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَلُ (بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ) (هُوَ كَحَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً) أَيْ عَدَدًا وَهُوَ ثَمَانُونَ جَلْدَةٍ لِلْحُرِّ وَنِصْفُهَا لِغَيْرِهِ (وَثُبُوتًا) حَيْثُ يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُدُودِ (وَإِذَا قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ مُحْصَنَةً) وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى الْإِحْصَانِ هَاهُنَا مُغَايِرًا لِمَعْنَى الْإِحْصَانِ فِي الزِّنَا فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (أَيْ مُكَلَّفًا) يَعْنِي عَاقِلًا بَالِغًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَقَرَّ بِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُحَدُّ بِإِشَارَتِهِ بِشُرْبِهِ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسُؤَالِ الْقَاضِي الْمُقِرَّ عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ وَكَيْفَ شَرِبَهَا وَأَيْنَ شَرِبَ وَيَنْبَغِي ذَلِكَ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَعُلِمَ شُرْبُهُ طَوْعًا إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ السُّكْرِ بِغَيْرِهَا) يَعْنِي وَرِيحُهَا لَمْ تَزُلْ كَمَا فِي الْخَمْرِ (قَوْلُهُ أَوْ شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ) لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الْقَاضِي لَهُمْ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ قَاضِي خَانْ يَسْأَلُهُمْ الْقَاضِي عَنْ الْخَمْرِ مَا هِيَ ثُمَّ سَأَلَهُمْ كَيْفَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ وَأَيْنَ شَرِبَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ شَرِبَ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ. (قَوْلُهُ حُدَّ صَاحِيًا) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا مِنْهُ ظَاهِرُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِحَدِّهِ حَالَ سُكْرِهِ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ يُنْزَعُ ثَوْبُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ) لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَهَلْ يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ يَعْنِي نَبِيذَ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ قِيلَ لَا يُحَدُّ قَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَطْبُوخِ وَالنِّيءِ وَكَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ اهـ. وَكَذَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِمَا هُنَا ثُمَّ قَالَ وَهُوَ أَيْ لُزُومُ الْحَدِّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فَقَدْ صَرَّحَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ إطْلَاقَ قَوْلِهِ هُنَا لِأَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْمُبَاحِ لَا يُوجِبُ حَدًّا غَيْرُ الْمُخْتَارِ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ أَنَّهُمَا سُئِلَا فِيمَنْ شَرِبَ الْبَنْجَ فَارْتَفَعَ إلَى رَأْسِهِ وَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ هَلْ يَقَعُ قَالَا إنْ كَانَ يَعْلَمُهُ حِينَ شَرِبَهُ مَا هُوَ يَقَعُ اهـ كَلَامُ الْكَمَالِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِذَا سَكِرَ مِنْ الْبَنْجِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَلَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا عَتَاقُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَلَا نِكَاحُهُ وَلَا إقْرَارُهُ وَلَا رِدَّتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ بِسَرِقَةٍ وَيَضْمَنُ الْمَالَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ اهـ ثُمَّ قَالَ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ إسْلَامَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ. . . إلَخْ) هَذَا قَضَاءً أَمَّا دِيَانَةً فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْفَتْحِ [بَابُ حَدِّ الْقَذْفِ] (بَابٌ حَدُّ الْقَذْفِ) الْقَذْفُ لُغَةً الرَّمْيُ بِالشَّيْءِ وَشَرْعًا الرَّمْيُ بِالزِّنَا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الشَّافِعِيَّةُ مَا كَانَ فِي خَلْوَةٍ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْعَارِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَنَاقَشَهُ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَسْأَلُهُمَا الْقَاضِي عَنْ الْقَذْفِ مَا هُوَ وَعَنْ خُصُوصِ مَا قَالَ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقَذْفُ بِهَا إذْ لَوْ اخْتَلَفُوا فِيهَا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ وَكَذَا الِاتِّفَاقُ عَلَى زَمَانِ الْقَذْفِ اهـ. (قَوْلُهُ إذَا قَذَفَ) أَيْ وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِ فَإِنْ أَقَامَهَا لَمْ يُحَدَّ أَيْ الْقَاذِفُ وَكَذَا الْمَقْذُوفُ إنْ تَقَادَمَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ مُكَلَّفًا. . . إلَخْ) أَسْقَطَ مِنْهُ قَيْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْبُوبًا وَلَا أَخْرَسَ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَلَا خَرْسَاءَ

لَا يَلْحَقُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهُمَا (مُسْلِمًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» (عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) فَإِنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ وَأَيْضًا الْقَاذِفُ صَادِقٌ فِيهِ وَعِفَّتُهُ أَعَمُّ مِنْ إنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا وَبِهَذَا التَّعْمِيمِ يَمْتَازُ عَنْ إحْصَانِ الزِّنَا (بِصَرِيحِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَذَفَ أَيْ بِصَرِيحِ الزِّنَا بِأَنْ يَقُولَ زَنَيْت أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ أَنْتِ زَانِيَةٌ وَنَحْوَهَا (أَوْ بِزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ) مَعْنَاهُ زَنَيْتِ فَإِنَّهُ يَجِيءُ مَهْمُوزًا أَيْضًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ هُوَ الصُّعُودُ أَوْ مُشْتَرَكٌ أَوْ الشُّبْهَةُ دَارِئَةٌ قُلْنَا حَالَةُ الْغَضَبِ تُرَجِّحُ ذَلِكَ (أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ أَبِيهِ) أَيْ قَالَ لَسْتَ بِابْنِ زَيْدٍ الَّذِي هُوَ أَبُو الْمَقْذُوفِ فَقَوْلُهُ أَبِيهِ لَفْظُ الْمُصَنِّفِ (فِي غَصْبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِزَنَأْتِ وَالْمَعْطُوفَيْنِ بَعْدَهُ وَنَفْيُ الْبُنُوَّةِ فِي غَيْرِ الْغَضَبِ يَحْتَمِلُ الْمُعَاتَبَةَ (حُدَّ) الْقَاذِفُ (بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ) الْمُحْصَنِ وَاشْتُرِطَ طَلَبُهُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ دَفْعُ الْعَارِ عَنْهُ (وَلَوْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ (غَائِبًا) عَنْ مَجْلِسِ الْقَاذِفِ (حَالَةَ الْقَذْفِ) ذَكَرَ هَذَا التَّعْمِيمَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ (يَنْزِعُ الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ فَقَطْ) مُتَعَلِّقٌ بِحُدَّ يَعْنِي لَا يُجَرَّدُ كَمَا يُجَرَّدُ فِي حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْقَاذِفِ صَادِقًا لَكِنْ يُنْزَعُ عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ إلَيْهِ (لَا بِلَسْتَ) أَيْ لَا يُحَدُّ بِقَوْلِهِ لَسْت (بِابْنِ فُلَانٍ جَدِّهِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ فُلَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي نَفْيِهِ (وَنِسْبَتِهِ) أَيْ وَلَا يُحَدُّ أَيْضًا بِنِسْبَتِهِ (إلَيْهِ) أَيْ جَدِّهِ (أَوْ وَإِلَى خَالِهِ وَعَمِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ الْمَجْبُوبُ وَالرَّتْقَاءُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا لِأَنَّهُمَا وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِمَا تَعْرِيفُ الْمُحْصَنِ هُنَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ وَالْأَخْرَسُ طَلَبُهُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْمَبْسُوطِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الزِّنَا مِنْهُمَا) يَعْنِي الزِّنَا الْمُؤْثِمَ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَذَفَ مُرَاهِقًا فَادَّعَى الْبُلُوغَ بِالسِّنِّ أَوْ الِاحْتِلَامِ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ بِقَوْلِهِ اهـ فَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا لَوْ رَاهَقَا وَقَالَا بَلَغْنَا صُدِّقَا وَأَحْكَامُهُمَا أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ (قَوْلُهُ عَفِيفًا عَنْ الزِّنَا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِكَفِّ نَفْسِهِ عَنْ الزِّنَا (قَوْلُهُ وَعِفَّتُهُ أَعَمُّ مِنْ إنْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ لَا) يَعْنِي أَوْ لَا وَطِئَ أَصْلًا لَا صَحِيحًا وَلَا غَيْرَهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحِ الْفَاسِدِ فِي عُمْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنْ وَطِئَ مَمْلُوكَتَهُ وَحُرْمَتُهَا مُؤَقَّتَةٌ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهُ كَأَمَتِهِ وَهِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا اهـ. وَيُسْتَفَادُ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ اهـ. وَلَمْ يُصَوِّرْ الْكَمَالُ بِوَطْءِ الْمَوْلَى الْأَمَةَ الَّتِي زَوَّجَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مِلْكَ مُتْعَتِهَا لَيْسَ إلَّا لِزَوْجِهَا بِخِلَافِ الْمَجُوسِيَّةِ إذْ حُرْمَتُهَا لِعَارِضٍ فَتَمْثِيلُ الزَّيْلَعِيِّ بِوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَنْكُوحَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُتْعَةِ فِيهِنَّ ثَابِتٌ بِنَفْيِ ذَلِكَ التَّصْوِيرِ إذْ لَا مِلْكَ لِلْمَوْلَى فِي مُتْعَةِ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ فَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا وَدَخَلَ بِهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ لِتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَلَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا وَإِنَّمَا قَالَ بِحُرْمَتِهَا احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِزِنَا الْأَبِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ (قَوْلُهُ بِصَرِيحِهِ) أَيْ مِنْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِي فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ صَدَقْت حُدَّ الْمُبْتَدِئُ دُونَ الْمُصَدِّقِ وَلَوْ قَالَ لَهُ صَدَقْتَ هُوَ كَمَا قُلْتَ فَهُوَ قَاذِفٌ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ زَنَيْتَ بِبَعِيرٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ لِإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَجِبُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقَرِينَةٍ وَيَجِبُ فِي بَعْضِهَا مَعَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ صَدَقْت هُوَ كَمَا قُلْت فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ لِضَبْطِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَنَحْوَهَا) يَعْنِي كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ زَنَيْتِ بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ وَلَوْ قَالَ زَنَيْتُ بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ. . . إلَخْ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ بِزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ) وَكَذَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ عَلَى الْجَبَلِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَقِيلَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ لَفْظَةَ عَلَى تَعْيِينِ كَوْنِ الْمُرَادِ الصُّعُودَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ لَسْتَ لِأَبِيك. . . إلَخْ) يَعْنِي وَأُمُّ الْمَقْذُوفِ مُحْصَنَةٌ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لَهَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَفَاهُ عَنْ أُمِّهِ أَوْ قَالَ لَسْتَ لِأَبِيك وَأُمِّك أَوْ لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ وَهُمَا أَبَوَاهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ فِي غَضَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِزَنَأْتِ وَالْمَعْطُوفَيْنِ بَعْدَهُ) اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فِي غَضَبٍ وَاضِحٌ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَةً عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْغَضَبِ وَقَدْ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ كَاَلَّتِي تَلِيهَا وَجَزَمَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْكَمَالُ وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا وَلَدَ الزِّنَا أَوْ يَا ابْنَ الزِّنَا أَوْ لَسْت لِأَبِيك وَأُمُّهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ اهـ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي قَاضِي خَانْ قَالَ لِرَجُلٍ لَسْتَ لِأَبِيك عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَذَفَ كَانَ ذَلِكَ فِي غَضَبٍ أَوْ رِضَا اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَاشْتَرَطَ طَلَبَهُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقِّ اللَّهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

أَوْ رَابِّهِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى أَبًا وَلَيْسَ بِأَبٍ حَقِيقَةً فَلَا حَدَّ فِي نَفْيِهِ. (وَ) لَا (بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) فَإِنَّ فِي ظَاهِرِهِ نَفْيَ كَوْنِهِ ابْنًا لِأَبِيهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بَلْ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ. (وَ) لَا (بِقَوْلِهِ يَا نَبَطِيُّ لِعَرَبِيٍّ) فَإِنَّهُمْ جِيلٌ مِنْ النَّاسِ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ قَذْفٌ فَيُحَدُّ فِيهِ لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ يَا نَبَطِيُّ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. (وَبِطَلَبِ) عَطْفٌ عَلَى بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ (مَنْ يَقَعُ الْقَدَحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ) يَعْنِي لَا يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ (كَالْوَالِدِ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ) لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُ بِهِمْ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَتَنَاوَلُهُمْ الْقَذْفُ مَعْنًى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَارِثٍ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ (وَلَوْ) كَانَ الطَّالِبُ (مَحْرُومًا) عَنْ الْمِيرَاثِ بِالْقَتْلِ أَوْ الْكُفْرِ أَوْ الرِّقِّ فَإِنَّ الْمَقْذُوفَ إذَا كَانَ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ لِعَبْدٍ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْوَلَدِ حَالَ قِيَامِ الْوَلَدِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِيهِمَا (أَوْ وَلَدِ بِنْتٍ) فَإِنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ لِتَحَقُّقِ الْجُزْئِيَّةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُطَالَبُ إلَّا مَنْ يَرِثُ بِالْعُصُوبَةِ (قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ وَقَدْ مَاتَ أَبَوَاهُ فَعَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْحُدُودِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَتَدَاخَلُ حَتَّى لَوْ قَذَفَ رَجُلًا مِرَارًا أَوْ جَمَاعَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ كَمَا سَيَأْتِي حُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى كَانَ قَاضِيًا بِالْكُوفَةِ فَسَمِعَ يَوْمًا رَجُلًا يَقُولُ عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ فَأَمَرَ بِأَخْذِهِ فَأُدْخِلَ الْمَسْجِدَ فَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ لِقَذْفِهِ الْوَالِدَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَا لَلْعَجَبِ مِنْ قَاضِي بَلَدِنَا قَدْ أَخْطَأَ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ حَدَّهُ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةِ الْمَقْذُوفِ، وَضَرَبَهُ حَدَّيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وَلَوْ قَذَفَ أَلْفًا، وَوَالَى بَيْنَ الْحَدَّيْنِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَحَدَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَنِّبُوا صِبْيَانَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ» وَالْخَامِسُ يَنْبَغِي أَنْ يَكْشِفَ أَنَّ الْمَقْذُوفَيْنِ حَيَّانِ أَوْ مَيِّتَانِ لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى وَلَدِهِمَا، وَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَى وَاحِدٍ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ بِأَنْ قَذَفَ وَزَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْكُلُّ وَلَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا خِيفَةَ الْهَلَاكِ بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ فَيَبْدَأُ بِحَدِّ الْقَذْفِ أَوَّلًا لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ ثُمَّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِحَدِّ الزِّنَا وَإِنْ شَاءَ بِالْقَطْعِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ لِثُبُوتِهِمَا بِالْكِتَابِ وَيُؤَخِّرُ حَدَّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَا يُطَالِبُ أَحَدٌ) مِنْ الْعَبِيدِ (سَيِّدَهُ وَلَا) أَحَدًا مِنْ الْأَوْلَادِ (أَبَاهُ بِقَذْفِ أُمِّهِ) الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ عَبْدِهِ وَلَا الْأَبُ بِسَبَبِ ابْنِهِ، فَلَوْ كَانَ لَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ لَهُ الطَّلَبُ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ (وَلَيْسَ فِيهِ إرْثٌ) أَيْ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا خِلَافًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ رَابِّهِ) هُوَ زَوْجُ أُمِّهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى أَبًا. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ نَسَبَهُ إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ فَقَالَ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ حُدَّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ فَلَا حَدَّ فِي نَفْيِهِ) يَعْنِي النَّفْيَ الصَّرِيحَ فِي قَوْلِهِ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ جَدِّهِ وَالنَّفْيُ الضِّمْنِيُّ فِي نِسْبَتِهِ لِنَحْوِ خَالِهِ (قَوْلُهُ وَبِطَلَبِ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِ الْمَيِّتِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ إقَامَتُهُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) يُخَالِفُهُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ مُحْصَنًا جَازَ لِابْنِهِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَأَجَزْنَا طَلَبَ الِابْنِ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ بِقَذْفِ الْأَبِ اهـ فَلَمْ يَجْعَلَا الْخِلَافَ مَعَ مُحَمَّدٍ بَلْ مَعَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَوْ وَلَدَ الْبِنْتِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُطَالِبُ إلَّا مَنْ يَرِثُ بِالْعُصُوبَةِ) كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ وَيَثْبُتُ لِوَلَدِ الْبِنْتِ كَمَا يَثْبُتُ لِوَلَدِ الِابْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ لَيْسَتْ هِيَ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت قَدْ ظَهَرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وِلَايَةِ مُطَالَبَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ بِقَذْفِ جَدِّهِ وَجَدَّتِهِ إنَّمَا خَالَفَ زُفَرَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ فَمَا وَجْهُ مَا فِي قَاضِي خَانْ إذَا قَالَ جَدُّك زَانٍ لَا حَدَّ عَلَيْهِ قُلْنَا ذَلِكَ لِلْإِبْهَامِ لِأَنَّ فِي أَجْدَادِهِ مَنْ هُوَ كَافِرٌ فَلَا يَكُونُ قَاذِفًا مَا لَمْ يُعَيِّنْ مُسْلِمًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ ابْنُ ابْنِ الزَّانِيَةِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لِجَدِّهِ الْأَدْنَى فَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَتْ مُحْصَنَةً حُدَّ (قَوْلُهُ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا) هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ يَعْنِي لَوْ لَزِمَهُ حَدَّانِ لَوَجَبَ الْفَصْلُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ هُنَا بَعْدَ الْفَصْلِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ) يَعْنِي ذَكَرَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ حَكَى. . . إلَخْ أَمَّا أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فَمَأْخُوذٌ مِمَّا حُكِيَ (قَوْلُهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ أَبَاهُ) لَوْ قَالَ أَصْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادَ وَالْجَدَّاتِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ بِالْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَوْ شَتَمَ وَلَدَهُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَفِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يُعَاقَبُ بِسَبَبِ وَلَدِهِ فَإِذَا كَانَ الْقَذْفُ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا فَالشَّتْمُ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ إرْثٌ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ طَلَبَ الْفَرْعِ بِقَذْفِ أَصْلِهِ مَيِّتًا بِالْأَصَالَةِ لَا الْمِيرَاثِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَيْ إذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ بَطَلَ الْحَدُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. . . إلَخْ) ذَهَبَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ إلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهَاهُنَا حَقُّ الشَّرْعِ غَالِبٌ عِنْدَنَا (وَلَا) فِيهِ (رُجُوعٌ) يَعْنِي مَنْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ ثُمَّ رَجَعَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ حُدُودٍ هِيَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهَا (وَلَا اعْتِيَاضَ) أَيْ أَخْذَ عِوَضٍ (عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَيْضًا يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ (قَالَ) رَجُلٌ (لِآخَرَ يَا زَانِي فَرَدَّ) الْآخَرُ كَلَامَهُ عَلَيْهِ بِلَا أَيْ بِقَوْلِهِ لَا (بَلْ أَنْتَ حُدَّا) لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا بَلْ أَنْتَ زَانٍ (وَلَوْ قَالَ لِعِرْسِهِ فَرُدَّتْ بِهِ حُدَّتْ وَلَا لِعَانَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرَ وَقَذْفُهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ وَقَذْفُهَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَيُبْدَأُ بِالْحَدِّ لِأَنَّ فِي بُدَاءَتِهِ فَائِدَةَ إبْطَالِ اللِّعَانِ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَيْسَ بِأَهْلِ اللِّعَانِ وَلَا إبْطَالَ فِي عَكْسِهِ لِأَنَّ الْمُلَاعَنَةَ تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّ إحْصَانَهُ لَا يُبْطِلُ اللِّعَانَ وَالْمَحْدُودَةُ فِي الْقَذْفِ لَا تُلَاعَنُ لِسُقُوطِ الشَّهَادَةِ فَيُحْتَالُ لِدَفْعِ اللِّعَانِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ (وَبِزَنَيْتُ بِك هَدَرٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهَا يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْتُ بِكَ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا أَرَادَتْ الزِّنَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْحَدُّ لَا اللِّعَانُ وَاحْتِمَالُ أَنَّهَا أَرَادَتْ زَنَائِي هُوَ الَّذِي كَانَ مَعَك بَعْدَ النِّكَاحِ لِأَنِّي مَا مَكَّنْت أَحَدًا غَيْرَك وَهُوَ الْمُرَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ اللِّعَانُ لِأَنَّ الْحَدَّ لِوُجُودِ الْقَذْفِ مِنْهُ لَا مِنْهَا فَجَاءَ الشَّكُّ (أَقَرَّ بِوَلَدٍ فَنَفَى لَاعَنَ وَإِنْ عَكَسَ حُدَّ) لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ بِالنَّفْيِ صَارَ قَاذِفًا فَوَجَبَ اللِّعَانُ وَإِذَا نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ فَقَدْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فَوَجَبَ الْحَدُّ (وَالْوَلَدَانِ) يَعْنِي وَلَدٌ أَقَرَّ بِهِ ثُمَّ نَفَاهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ (لَهُ) أَيْ يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِإِقْرَارِهِ (قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ وَلِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَا) كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ (لَا شَيْءَ بِلَيْسَ بِابْنِي وَلَا بِابْنِك) لِأَنَّهُ نَفْيُ الْوِلَادَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ قَاذِفًا (وَلَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ لَهَا وَلَدٌ لَا أَبَ لَهُ) لِقِيَامِ إمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا وَهِيَ وِلَادَةُ وَلَدٍ لَا أَبَ لَهُ فَفَاتَتْ الْعِفَّةُ نَظَرًا إلَيْهَا (أَوْ) بِقَذْفِ (مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ وَالْوَلَدُ حَيٌّ) أَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لِقِيَامِ إمَارَةِ الزِّنَا مِنْهَا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا نَفْيِ الْوَلَدِ حَيْثُ يُحَدُّ قَاذِفُهَا لِانْتِفَاءِ الْإِمَارَةِ (أَوْ) بِقَذْفِ (رَجُلٍ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ أَوْ بِوَجْهٍ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ) فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الصُّورَتَيْنِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ (أَوْ) وَطِئَ (فِي مِلْكِهِ الْمُحَرَّمِ أَبَدًا كَأَمَةٍ هِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا أَوْ مَنْ زَنَتْ) عَطْفٌ عَلَى رَجُلٍ وَطِئَ أَيْ لَا حَدَّ بِقَذْفِ مَنْ زَنَتْ (فِي كُفْرِهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا اعْتِيَاضَ عَنْهُ) كَذَا لَا عَفْوَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَهُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَقْذُوفِ وَعَفَوْهُ بَلْ إذَا عَادَ وَطَلَبَهُ حُدَّ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الشَّامِلِ لَا يَصِحُّ عَفْوُ الْمَقْذُوفِ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَّبَ شُهُودِي اهـ كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ يَا زَانِي فَرَدَّ عَلَيْهِ بِلَا بَلْ أَنْتَ حُدَّا) يَعْنِي بِطَلَبِهِمَا وَلَا عَفْوَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا وَكَذَا لَوْ تَضَارَبَا يُعَزَّرَانِ وَلَا يَتَكَافَآنِ وَيُبْدَأُ بِالْبَادِئِ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ مِنْ السَّبِّ فَإِنَّهُمَا يَتَكَافَآنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لِأَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ بِتَشَاتُمِهِمَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِوَلَدٍ فَنَفَى. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي بَابِ اللِّعَانِ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَفَى أَوَّلَ التَّوْأَمَيْنِ وَأَقَرَّ بِالثَّانِي حُدَّ وَإِنْ عَكَسَ لَاعَنَ وَثَبَتَ نَسَبُهُمَا فِيهِمَا وَلِذَا نَبَّهَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانِي حُدَّ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ شَائِعٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ لَا) أَيْ لَا يُحَدُّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا وَكَمَا لَوْ قَالَ أَنْتَ مَحَلٌّ لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ لِمَا عُهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا شَيْءَ بِلَيْسَ بِابْنِي. . . إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهُ لِتَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ لَا أَبَ لَهُ) يَعْنِي لَا أَبَ لَهُ مَعْرُوفٌ فِي بَلَدِ الْقَذْفِ لَا فِي كُلِّ الْبِلَادِ كَذَا فِي الْبَحْرِ اهـ فَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ (قَوْلُهُ أَوْ بِقَذْفِ مَنْ لَاعَنَتْ بِوَلَدٍ) يَعْنِي وَقَدْ نَفَى الْقَاضِي نَسَبَهُ عَنْ أَبِيهِ وَاسْتَمَرَّ مُنْقَطِعَ النَّسَبِ عَنْهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ بَعْدَهُ فَحُدَّا وَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى مَاتَ أَوْ لَاعَنَ وَلَمْ يَقْطَعْ الْقَاضِي نَسَبَ الْوَلَدِ حُدَّ قَاذِفُهَا وَكَذَا يُحَدُّ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُ ادَّعَاهُ وَهُوَ يُنْكِرُ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْأَبِ وَيُحَدُّ الْأَبُ لِخُرُوجِهَا عَنْ صُورَةِ الزَّوَانِي كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا نَفْيِ الْوَلَدِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ كَمَا يُحَدُّ قَاذِفُ وَلَدِ الزِّنَا أَوْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ (قَوْلُهُ بِكُلِّ وَجْهٍ كَوَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ إحْصَانَهُ وَلَوْ مُكْرَهًا) كَذَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ وَلَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ زَنَتْ فِي كُفْرِهَا) لَوْ قَالَ مَنْ زِنَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الرَّجُلَ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ حُكْمُهُ مِنْ حُكْمِهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قُذِفَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي الْكُفْرِ بِأَنْ قَالَ زَنَيْتَ وَأَنْتَ كَافِرٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ

[فصل التعزير]

لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهَا شَرْعًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَالزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ (أَوْ) بِقَذْفِ (مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي حُرِّيَّتِهِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهِ (وَحُدَّ مُسْتَأْمَنٌ قَذَفَ مُسْلِمًا هُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَقَدْ الْتَزَمَ إيفَاءَ حُقُوقِ الْعِبَادِ. (وَ) حُدَّ (قَاذِفُ وَاطِئِ عِرْسِهِ حَائِضًا) لِكَوْنِ الْحُرْمَةِ مُؤَقَّتَةً (أَوْ) وَاطِئِ جَارِيَةٍ (مَمْلُوكَةٍ حَرُمَتْ مُؤَقَّتَةً كَأَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِ، وَ) قَاذِفُ (مَجُوسِيٍّ نَكَحَ أَمَةً فَأَسْلَمَ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ تَزَوُّجَ الْمَجُوسِيِّ بِالْمَحَارِمِ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا (إذَا أَقَرَّ) الْقَاذِفُ (بِالْقَذْفِ يُطَالَبُ) أَيْ الْقَاذِفُ (بِالْبَيِّنَةِ) عَلَى كَوْنِ الْمَقْذُوفِ زَانِيًا (فَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً عَلَى زِنَاهُ وَإِقْرَارِهِ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَا (كَمَا مَرَّ) أَيْ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ (حُدَّ الْمَقْذُوفُ وَإِنْ عَجَزَ) الْقَاذِفُ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (لِلْحَالِ وَاسْتَأْجَلَ لِإِحْضَارِ شُهُودٍ فِي الْمِصْرِ يُؤَجَّلُ إلَى قِيَامِ الْمَجْلِسِ فَإِنْ عَجَزَ حُدَّ وَلَا يُكْفَلُ لِيَذْهَبَ فَيَطْلُبَهُمْ بَلْ يُحْبَسُ وَيُقَالُ ابْعَثْ إلَيْهِمْ) مَنْ يُحْضِرُهُمْ كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ (كَفِي حَدٍّ) وَاحِدٍ (بِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ جِنْسُهَا بِخِلَافِ مَا اُخْتُلِفَ) أَيْ جِنْسُهَا وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ (فَصْلٌ) (التَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ) فِي الْكَشَّافِ الْعَزْرُ الْمَنْعُ وَمِنْهُ التَّعْزِيرُ لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ مُعَاوَدَةِ الْقَبِيحِ (دُونَ الْحَدِّ) أَيْ أَدْنَى قَدْرًا مِنْ الْحَدِّ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْحَبْسِ أَوْ الصَّفْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ إقْرَارُهُ بِهِ أَيْ بِالزِّنَا كَمَا مَرَّ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي بَدَائِع فَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى مُعَايَنَةِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ وَيُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ اهـ (قُلْت) فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبَدَائِعِ مَا يُنَاقِضُ هَذَا وَهُوَ الصَّوَابُ وَنَصُّهُ وَلَوْ أَقَرَّ أَيْ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُقِرًّا فَالشَّهَادَةُ لَغْوٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْإِقْرَارِ لَا لِلشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا فَالْإِنْكَارُ مِنْهُ رُجُوعٌ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ صَحِيحٌ اهـ فَقَدْ أَفَادَ بِهَذَا صَرِيحًا أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَا حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ بِحَمْلِ قَوْلِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ بِإِرْجَاعِ قَوْلِهِ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ عَلَى الزِّنَا وَإِرْجَاعِ قَوْلِهِ وَيُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمَقْذُوفِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ عَلَى مُعَايَنَةِ الزِّنَا مِنْ الْمَقْذُوفِ اهـ. وَلَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَلَا يُسَاعِدُهُ كَلَامُ التُّحْفَةِ وَفِي كَلَامِ الْكَمَالِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدُّ وَعَنْ الثَّلَاثَةِ أَيْ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ الْقَاذِفُ فَشَهِدُوا بِالزِّنَا لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَكَأَنَّا سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِالزِّنَا إلَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِقْرَارِ إسْقَاطُ الْحَدِّ لَا إقَامَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ وَلَوْ كَثُرَتْ الشُّهُودُ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَا لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا اهـ. (قَوْلُهُ يُؤَجَّلُ إلَى قِيَامِ الْمَجْلِسِ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَأْنَى بِهِ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْفَلُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يُكْفَلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا يَحْبِسُهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخِرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ فَلِهَذَا لَا يُحْبَسُ عِنْدَهُمَا فِي دَعْوَى حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُكْفَلُ بِنَفْسِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ مُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ فَأَمَّا إذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِهِ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ نَفْسَهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إنَّمَا يُطَالِبُ بِهَذَا الْقَدْرِ اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ يُحْبَسُ وَيُقَالُ لَهُ ابْعَثْ إلَيْهِمْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِي بِهِمْ أَطْلَقَ عَنْهُ وَبَعَثَ مَعَهُ وَاحِدًا مِنْ شُرَطِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَبْسِ حَقِيقَتُهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَقَالَ الْمُرَادُ بِالْحَبْسِ حَقِيقَتُهُ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُرَادُ بِالْحَبْسِ الْمُلَازَمَةُ أَيْ يُقَالُ لِلْمُدَّعِي لَازِمْهُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَإِنْ أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ فِيهِ وَإِلَّا خُلِّيَ سَبِيلُهُ اهـ. (قَوْلُهُ كَفَى حَدٌّ وَاحِدٌ بِجِنَايَاتٍ اتَّحَدَ سَبَبُهَا) هُوَ مِنْ التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا السَّبَبِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَمِنْ فُرُوعِ التَّدَاخُلِ لَوْ قَذَفَ آخَرَ وَقَدْ بَقِيَ سَوْطٌ مِنْ حَدِّهِ لِلْأَوَّلِ كَفَى كَذَا فِي الْفَتْحِ [فَصْلُ التَّعْزِيرُ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ التَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ) قَالَ الْكَمَالُ التَّعْزِيرُ التَّأْدِيبُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ التَّعْزِيرُ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ وَاجِبٌ وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ فَمَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْتَسِبًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ وَالشَّارِعُ وَلَّى كُلَّ أَحَدٍ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يُقِيمُهُ غَيْرُ الْحَاكِمِ إلَّا حَالَ قِيَامِ الْمَعْصِيَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَيْسَ إلَّا لِلْحَاكِمِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَمَا كَانَ حَقَّ الْعَبْدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى لَا يُقِيمُهُ إلَّا الْحَاكِمُ أَوْ مِنْ حُكْمِهِ فِيهِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَقِيلَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ إقَامَتُهُ كَالْقِصَاصِ وَقِيلَ لِلْإِمَامِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ يُسْرِفُ فِيهِ غَلَطًا اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ الْحَدِّ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَدْنَى الْحُدُودِ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ أَوْ الصَّفْعِ) كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَنَقَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ وَالسَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّعْزِيرُ

أَوْ تَعْرِيكِ الْأُذُنِ أَوْ الْكَلَامِ الْعَنِيفِ أَوْ نَظَرِ الْقَاضِي إلَيْهِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ أَوْ الضَّرْبِ فَحِينَئِذٍ (أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْلُغَ حَدَّ الْحَدِّ وَأَقَلُّ الْحَدِّ أَرْبَعُونَ وَهُوَ حَدُّ الْعَبْدِ فِي الْقَذْفِ وَالشُّرْبِ وَأَبُو يُوسُفَ اعْتَبَرَ حَدَّ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمْ الْأُصُولُ وَهُوَ ثَمَانُونَ وَتَقُصُّ عَنْهَا سَوْطًا فِي رِوَايَةٍ وَخَمْسَةً فِي أُخْرَى وَإِنَّمَا كَانَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةً لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ (وَلَا يُفَرَّقُ) الضَّرْبُ عَلَى الْأَعْضَاءِ (هُنَا) أَيْ فِي التَّعْزِيرِ كَمَا يُفَرَّقُ فِي الْحَدِّ لِمَا سَيَأْتِي وَالتَّعْزِيرُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ تَعْزِيرُ أَشْرَافٍ الْأَشْرَافُ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ كَالدَّهَاقِنَةِ وَكِبَارِ التُّجَّارِ وَتَعْزِيرُ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَتَعْزِيرُ الْخَسَائِسِ فَالْأَوَّلُ الْإِعْلَامُ لَا غَيْرُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَالثَّانِي الْإِعْلَامُ وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقِيَّةُ الْإِعْلَامُ أَوْ الْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْحَبْسُ وَتَعْزِيرُ الْخَسَائِسِ الْإِعْلَامُ وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي الْحَبْسُ وَالضَّرْبُ (وَصَحَّ حَبْسُهُ مَعَ ضَرْبِهِ) إذَا اُحْتِيجَ إلَى زِيَادَةِ تَأْدِيبٍ (وَضَرْبُهُ أَشَدُّ) مِنْ ضَرْبِ الْحَدِّ لِأَنَّ التَّخْفِيفَ جَرَى فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ فَلَا يُخَفَّفُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَوْتِ الْمَقْصُودِ وَلِذَا لَمْ يُخَفَّفْ مِنْ حَيْثُ التَّفْرِيقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَيُضْرَبُ قَائِمًا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ (ثُمَّ) الضَّرْبُ (لِلزِّنَا) أَشَدُّ مِنْ الْبَاقِي لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَحَدُّ الشُّرْبِ يَثْبُتُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَيْثُ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِينَ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - (ثُمَّ لِلشُّرْبِ ثُمَّ لِلْقَذْفِ) لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا وَجِنَايَةُ الْقَذْفِ لَا لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْقَاذِفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالصَّفْعِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى مَا يَكُونُ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ فَيُصَانُ عَنْهُ أَهْلُ الْقِبْلَةِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَالصَّفْعُ الضَّرْبُ عَلَى الْقَفَا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ الضَّرْبِ) سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ يَكُونُ بِالْقَتْلِ لِمَنْ رَآهُ يَزْنِي وَبَقِيَ التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ وَأَخْذِ الْمَالِ فَأَمَّا التَّعْزِيرُ بِالشَّتْمِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ قَذْفًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَأَمَّا بِالْمَالِ فَصِفَتُهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْ صَاحِبِهِ مُدَّةً لِيَنْزَجِرَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ اهـ. وَلَا يُفْتَى بِهَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَسْلِيطِ الظَّلَمَةِ عَلَى أَخْذِ مَالِ النَّاسِ فَيَأْكُلُونَهُ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا) سَيُقَيِّدُهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ لِذِمِّيَّةٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ يَا زَانِيَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ مَشَايِخُنَا أَنَّ أَدْنَاهُ عَلَى مَا يَرَى الْإِمَامُ يُقَدِّرُهُ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الْجُرْمِ وَصِغَرِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقَرِّبُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ بَابِهِ فَيُقَرِّبُ اللَّمْسَ وَالْقُبْلَةَ مِنْ حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفَ بِغَيْرِ الزِّنَا مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ اهـ. وَتَقْرِيبُهُ مِنْ حَدِّ الزِّنَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَكْثَرُ الْجَلَدَاتِ وَتَقْرِيبُهُ مِنْ حَدِّ الْقَذْفِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَقَلُّ الْجَلَدَاتِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ مَا دُونَهَا لَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ) أَيْ لِمَنْ يُنَاسِبُهُ لِمَا قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفَرِّقُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي حُدُودِ الْأَصْلِ يُفَرِّقُ التَّعْزِيرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَفِي أَشْرِبَةِ الْأَصْلِ يَضْرِبُ التَّعْزِيرَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَاخْتِلَافُ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَالْأَوَّلُ فِيمَا إذَا بَلَغَ بِالتَّعْزِيرِ أَقْصَاهُ وَالثَّانِي فِيمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ وَهَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى أَرْبَعَةِ مَرَاتِبَ) كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الشَّافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا) قَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ النَّظَرِ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَعَ مُلَاحَظَةِ السَّبَبِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحَدِّ كَمَا إذَا أَصَابَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي الْإِعْلَامُ وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي) يَتَمَيَّزُ عَنْ الْأَوَّلِ بِحُصُولِ الْأَوَّلِ بَعْدَ اجْتِمَاعِ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ سَبْقِ طَلَبِهِ لِمَنْ يُعَزِّرُهُ وَإِلَّا يَتَّحِدُ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ اهـ. وَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ التَّمْيِيزُ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ بِالْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي أَمِينَهُ إلَيْهِ فَيَقُولُ بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ الْإِعْلَامُ وَالْجَرُّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخِطَابُ بِالْمُوَاجِهَةِ. . . إلَخْ وَأَمَّا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فَيَتَمَيَّزُ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ زِيَادَةً عَنْ الْجَرِّ وَالْإِعْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ تَعْزِيرُ أَشْرَافِ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ وَالْعُلْوِيَّةُ بِالْإِعْلَامِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي بَلَغَنِي أَنَّك تَفْعَلُ كَذَا فَيَنْزَجِرُ بِهِ وَتَعْزِيرُ الْأَشْرَافِ وَهُمْ الْأُمَرَاءُ وَالدَّهَاقِينُ بِالْإِعْلَامِ وَالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ وَتَعْزِيرُ الْأَوْسَاطِ وَهُمْ السُّوقَةُ بِالْجَرِّ وَالْحَبْسِ وَتَعْزِيرِ الْأَخِسَّةِ بِهَذَا كُلِّهِ وَبِالضَّرْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَضَرْبُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْحَدِّ) يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا عَزَّرَ بِمَا دُونَ أَكْثَرِهِ وَإِلَّا فَتِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ أَشَدَّ فَوْقَ ثَمَانِينَ حُكْمًا فَضْلًا عَنْ الضَّرْبِ أَرْبَعِينَ مَعَ تَنْقِيصِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشَدِّيَّةِ فَيَفُوتُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَقَصَ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ قَاسِمُ بْنُ قُطُلُوبُغَا (قَوْلُهُ وَيُضْرَبُ قَائِمًا فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُضْرَبُ فِي التَّعْزِيرِ قَائِمًا عَلَيْهِ ثِيَابُهُ وَيُنْزَعُ الْحَشْوُ وَالْفَرْوُ وَلَا يُمَدُّ فِي التَّعْزِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ جِنَايَةَ الشُّرْبِ مَقْطُوعٌ بِهَا) أَيْ مُتَيَقَّنٌ بِسَبَبِهَا لِلْمُشَاهَدَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ التَّيَقُّنُ بِالسَّبَبِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ وَتَقُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّيَقُّنُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ

صَادِقًا فِي قَذْفِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ لِاحْتِمَالِ غَيْبَةِ شُهُودِهِ أَوْ آبَائِهِمْ عَنْ أَدَائِهَا وَلِأَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ الْقَذْفِ فَيَصِيرُ كُلُّ شَارِبٍ جَامِعًا بَيْنَ الشُّرْبِ وَالْقَذْفِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ جِنَايَتَانِ وَمِنْ الْقَاذِفِ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلِهَذَا كَانَ ضَرْبُهُ أَخَفَّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ وَإِنْ كَانَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْكَافِي فَاضْمَحَلَّ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ حَدُّ الْقَاذِفِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وَحَدُّ الشُّرْبِ قِيسَ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ لَمْ يَثْبُتْ بِالْقِيَاسِ بَلْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ غَايَتُهُ أَنَّ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ هُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْحُكْمَ يَسْتَنِدُ إلَى الْإِجْمَاعِ لَا بِسَنَدِهِ (وَعُزِّرَ بِقَذْفِ مَمْلُوكٍ) عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ (أَوْ كَافِرٍ بِزِنَاهُ) لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ وَقَدْ امْتَنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ وَلِهَذَا يَبْلُغُ فِي التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ وَفِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ الرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ وَصُورَتَانِ أُخْرَيَانِ يَجِبُ فِيهِمَا الْبُلُوغُ فِي التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ أَحَدُهُمَا مَا إذَا أَصَابَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ كُلَّ حَرَامٍ غَيْرَ الْجِمَاعِ وَالثَّانِيَةُ مَا إذَا أُخِذَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا جَمَعَ الْمَتَاعَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَ) عُزِّرَ بِقَذْفِ (مُسْلِمٍ بِيَا فَاسِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْفِسْقِ) فَحِينَئِذٍ لَا يُعَزَّرُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَالَ يَا فَاسِقُ فَأَرَادَ إثْبَاتَهُ لِدَفْعِ التَّعْزِيرِ لَا يُسْمَعُ) لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي فَأَرَادَ إثْبَاتَهُ حَيْثُ يُسْمَعُ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ جَرْحًا مُجَرَّدًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ . (وَ) عُزِّرَ بِيَا (كَافِرُ يَا خَبِيثُ يَا سَارِقُ يَا فَاجِرُ يَا مُخَنَّثُ يَا خَائِنُ يَا لُوطِيُّ يَا زِنْدِيقُ يَا لِصُّ) إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (يَا دَيُّوثُ) هُوَ مَنْ لَا يَغَارُ عَلَى زِنَا أَهْلِهِ (يَا قَرْطَبَانُ) هُوَ مُعَرَّبُ قَلْتَبَانَ مُرَادِفُ دَيُّوثٍ (يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ) فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْقَحْبَةُ الزَّانِيَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْقُحَابِ وَهُوَ السُّعَالُ وَكَانَتْ الزَّانِيَةُ فِي الْعَرَبِ إذَا مَرَّ بِهَا رَجُلٌ سَعَلَتْ لِيَقْضِيَ مِنْهَا حَاجَتَهُ فَسُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ لِهَذَا قَحْبَةً وَقِيلَ هِيَ مَنْ تَكُونُ هِمَّتُهَا الزِّنَا وَقِيلَ هِيَ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا وَتَأْنَفُ مِنْهُ وَالْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَعَانِي أَنْ يَكُونَ فِي الْقَحْبَةِ مَعْنَى الزِّنَا مَعَ زِيَادَةِ أَمْرٍ قَبِيحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْحَدُّ كَمَا وَجَبَ فِي يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ إذَا قَذَفَ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بِأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ اقْتِضَاءً كَمَا إذَا قَالَ لَسْتَ لِأَبِيك أَوْ لَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ أَبِيهِ فِي الْغَضَبِ كَمَا مَرَّ وَلَفْظُ الْقَحْبَةِ لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنَى الزَّانِيَةِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ بَعْدَ وَضْعِهِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا مَرَّ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اقْتِضَاءً أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرٌ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يُقَالُ يَجِبُ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ لَسْت لِأَبِيك وَهُوَ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّا نَقُولُ فِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا اقْتِضَاءً وَالْمُقْتَضَى إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ فَيَجِبُ الْحَدُّ إذْ الثَّابِتُ اقْتِضَاءً كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَكِنَّهُ بَعْدُ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ (يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ) فَإِنَّهَا مَنْ تُبَاشِرُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الزَّانِيَةِ وَلَا فِي حُكْمِهِ فَلَا حَدَّ بِهِ (إنَّكَ مَأْوَى اللُّصُوصِ أَنْتَ مَأْوَى الزَّوَانِي يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا حرام زاده) مَعْنَاهُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الزِّنَا وَغَيْرِهِ كَالْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ وَفِي الْعُرْفِ لَا يُرَادُ إلَّا وَلَدُ الزِّنَا وَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ فَأَرَادَ إثْبَاتَهُ) يَعْنِي بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ فَاسِقٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا يُقْبَلُ أَمَّا لَوْ أَرَادَ إثْبَاتَ فِسْقِهِ ضِمْنًا لِمَا تَصِحُّ فِيهِ الْخُصُومَةُ كَجَرْحِ الشُّهُودِ إذَا قَالَ رَشَوْتهمْ بِكَذَا فَعَلَيْهِمْ رَدُّهُ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ كَذَا هَذَا اهـ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ فَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ بَعْضَ مَا فِيهَا مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِ بَاقِيهِ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِذَا قَالَ يَا فَاسِقُ فَلَمَّا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّهُ رَآهُ يُقَبِّلُ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ خَلَا بِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ رَجُلَيْنِ شَهِدَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْ الْقَائِلِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاتِمَ عَنْ سَبَبِ فِسْقِ مَنْ نَسَبَهُ فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا طَلَبَ مِنْهُ إثْبَاتَهُ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ أَنَّ سَبَبَهُ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَلَا يَسْأَلَهُ بَيِّنَةً بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ تَارِكَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِي) مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ الْقُنْيَةِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ (قَوْلُهُ وَعُزِّرَ بِقَذْفِ مُسْلِمٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ شَتَمَ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ (قَوْلُهُ وَعُزِّرَ بِيَا كَافِرُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُضْمَرَاتِ قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ قَالَ لِآخَرَ يَا كَافِرُ لَا يَجِبُ التَّعْزِيرُ مَا لَمْ يَقُلْ يَا كَافِرُ بِاَللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْمُؤْمِنَ كَافِرًا بِالطَّاغُوتِ فَيَكُونُ مُحْتَمِلًا اهـ كَذَا فِي النَّهْرِ (قُلْتُ) يُرَجَّحُ خِلَافُهُ حَالَةَ السَّبِّ وَالْأَذِيَّةِ فَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا) كَذَا لَوْ كَانَ بِهِ مَا وَصَفَهُ بِهِ كَأَكْلِ الرَّبَّا وَشُرْبِ الْخَمْرِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ فِيهِ الْحَدُّ) نَقَلَ التَّصْرِيحَ بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ اهـ

[كتاب السرقة]

الْخَبِيثُ اللَّئِيمُ فَلَا يُحَدُّ بِهِ وَإِنَّمَا عُزِّرَ فِيهَا لِأَنَّهُ آذَى مُسْلِمًا وَأَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ (وَلَا) أَيْ لَا يُعَزَّرُ (بِيَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا كَلْبُ يَا تَيْسُ يَا قِرْدُ يَا حَجَّامُ يَا ابْنَهُ) أَيْ ابْنَ الْحَجَّامِ (وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَا مُؤَاجِرٌ) فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ الْمُتَعَارَفَ بَلْ بِمَعْنَى الْمُؤَجَّرِ فَلَا تَعْزِيرَ فِيهِ (يَا بَغَّاءُ) فَإِنَّهُ مِنْ شَتْمِ الْعَوَامّ وَلَا يَقْصِدُونَ بِهِ مَعْنًى مُعَيَّنًا (يَا ضُحْكَةُ) بِوَزْنِ نُقْطَةٍ مَنْ يَضْحَكُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَبِوَزْنِ الْهُمَزَةِ مَنْ يَضْحَكُ عَلَى النَّاسِ (يَا سُخْرَةُ) هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِي يَا كَلْبُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ يَا بَقَرَةُ إذْ يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ وَيَتَأَذَّى بِهِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الْمَسْبُوبُ مِنْ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعُلْوِيَّةِ يُعَزَّرُ لِأَنَّ الْوَحْشَةَ تَلْحَقُهُمْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ لِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِهِ وَهَذَا حَسَنٌ كَذَا فِي الْكَافِي (ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا لَا يُعَزَّرُ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعِي تَحْصِيلُ مَالِهِ لَا السَّبُّ وَالشَّتْمُ (بِخِلَافِ دَعْوَى الزِّنَا) فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُثْبِتْ يُحَدُّ لِمَا مَرَّ (وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ) أَيْ حَقُّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فِيهِ (فَيَجُوزُ الْإِبْرَاءُ فِيهِ وَالْعَفْوُ وَالْيَمِينُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) بِخِلَافِ الْحَدِّ الَّذِي هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (يُعَزِّرُ الْمَوْلَى عَبْدَهُ وَالزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى تَرْكِهَا الزِّينَةَ، وَ) تَرْكِهَا (غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَعَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى الْفِرَاشِ) (لَا) أَيْ لَا يُعَزِّرُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ (عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَالْأَبُ يُعَزِّرُ الِابْنَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ إنَّهُ إنَّمَا يَضْرِبُهَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهَا أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ وَنَحْوِهِ (مَنْ حُدَّ أَوْ عُزِّرَ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ مَنْسُوبًا إلَى الْآمِرِ فَكَأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ (إلَّا امْرَأَةً عَزَّرَهَا زَوْجُهَا) بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا (فَمَاتَتْ) فَإِنَّ دَمَهَا لَا يَكُونُ هَدَرًا لِأَنَّ تَأْدِيبَهُ مُبَاحٌ فَيَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ (ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا ضَرْبًا فَاحِشًا وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ يُعَزَّرُ) وَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا ضَرَبَ الصَّبِيَّ ضَرْبًا فَاحِشًا يُعَزَّرُ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ وَهُمَا مُطَاوِعَتَانِ قَتَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ جَمِيعًا كَذَا فِي الْمُنْيَةِ (كِتَابُ السَّرِقَةِ) (هِيَ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ خُفْيَةً أَيَّ شَيْءٍ كَانَ وَشَرْعًا (أَخْذُ مُكَلَّفٍ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ (خُفْيَةً قَدْرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ جَيِّدًا مُحْرَزًا) صِفَةُ قَدْرَ أَوْ حَالٌ مِنْهُ (بِمَكَانٍ أَوْ حَافِظٍ) فَقَدْ زِيدَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْصَافٌ شَرْعًا مِنْهَا فِي السَّارِقِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُكَلَّفًا وَمِنْهَا فِي الْمَسْرُوقِ هُوَ كَوْنُهُ مَالًا مُتَقَوِّمًا مُقَدَّرًا وَمِنْهَا فِي الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَهُوَ كَوْنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنَّمَا عُزِّرَ فِيهَا لِأَنَّهُ آذَى مُسْلِمًا وَأَلْحَقَ بِهِ الشَّيْنَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ارْتَكَبَ مُنْكَرًا أَوْ آذَى مُسْلِمًا يَعْنِي أَوْ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ حَقٍّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عُزِّرَ قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ وَلَوْ بِغَمْزِ الْعَيْنِ وَكَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ فِي عُرْفِنَا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا حَسَنٌ كَذَا فِي الْكَافِي) مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ فَتَحَصَّلَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يُعَزَّرُ مُطْلَقًا وَمُخْتَارُ الْهِنْدُوَانِيِّ يُعَزَّرُ مُطْلَقًا وَالْمُفَصَّلُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ مِنْ الْأَشْرَافِ فَيُعَزَّرُ قَائِلُهُ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ إذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِدَعْوَى تُوجِبُ تَكْفِيرَهُ وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إذَا صَدَرَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ الدَّعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ) كَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْفَتْحِ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ حَقُّ الْعَبْدِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَحَقُّ الْعَبْدِ يَجْرِي فِيهِ مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ نَحْوِ الْإِبْرَاءِ وَأَمَّا مَا وَجَبَ مِنْهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ إلَّا فِيمَا عُلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ الْفَاعِلُ قَبْلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالدُّيُونِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت تَقْسِيمَهُ (قَوْلُهُ لَا يُعَزِّرُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَقَوْلُهُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ إذَا عَزَّرَ زَوْجَتَهُ. . . إلَخْ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَعْنِي تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالزِّينَةِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَرْكَ الْإِجَابَةِ إذَا دَعَاهَا إلَى فِرَاشِهِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْبَيْتِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ رَأَى رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ قَبْلَهُ سَأَلَ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِهِ أَيَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزَجِرُ بِالصِّيَاحِ وَالضَّرْبِ بِمَا دُونَ السِّلَاحِ لَا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِالْقَتْلِ حَلَّ لَهُ الْقَتْلُ. اهـ. [كِتَابُ السَّرِقَةِ] (كِتَابُ السَّرِقَةِ) (قَوْلُهُ فَقَدْ زِيدَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْصَافٌ شَرْعًا) قَالَ الْكَمَالُ وَزِيَادَةُ الْأَوْصَافِ لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِهَا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ أَقَلِّ مِنْ النِّصَابِ خِفْيَةً سَرِقَةٌ شَرْعًا لَكِنْ لَمْ يُعَلِّقْ الشَّرْعُ بِهِ حُكْمَ الْقَطْعِ اهـ

مُحْرِزًا أَوْ سَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا إمَّا ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً كَمَا إذَا بَاشَرَ سَبَبَ الْأَخْذِ خُفْيَةً وَأَخَذَ خُفْيَةً أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَمَا إذَا نَقَبَ الْجِدَارَ خُفْيَةً وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمَالِكِ مُكَابَرَةً عَلَى الْجِهَارِ ثُمَّ إنَّهَا إمَّا صُغْرَى وَهِيَ السَّرِقَةُ الْمَشْهُورَةُ وَفِيهَا مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَإِمَّا كُبْرَى وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ وَفِيهَا مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ الْمُتَصَدِّي لِحِفْظِ الطَّرِيقِ بِأَعْوَانِهِ وَشَرْطُهُ كَوْنُ السَّارِقِ مُكَلَّفًا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْقَطْعُ جَزَاءُ الْجِنَايَةِ وَشَرْطُهُ كَوْنُ الْمَأْخُوذِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ جَيِّدَةٍ فَصَاعِدًا أَوْ قَدْرَهَا قِيمَةً فَإِنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي حَقِّ السَّرِقَةِ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي بَيَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْطَعُ السَّارِقُ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ» وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمِجَنُّ الَّذِي قُطِعَتْ الْيَدُ فِيهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَشَرْطُ كَوْنِهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي وَزْنِ الدَّرَاهِمِ فِي غَالِبِ الْبُلْدَانِ وَكَوْنُهَا مَضْرُوبَةً لِأَنَّهَا الْمُتَنَاوِلَةُ عُرْفًا لِاسْمِ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً تِبْرًا لَا تُسَاوِي عَشَرَةً مَضْرُوبَةً لَا يَجِبُ الْقَطْعُ لِأَنَّ شُرُوطَ الْعُقُوبَاتِ تُرَاعَى فِي وُجُودِهَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَالتِّبْرُ أَنْقَصُ مِنْ الْمَضْرُوبِ قِيمَةً وَلِهَذَا شَرَطُوا الْجَوْدَةَ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً رَدِيئَةً لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَشَرْطُ كَوْنِ الْأَخْذِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ لَا يُسْتَوْفَى بِشُبْهَةٍ وَالْحِرْزُ قَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَيُقْطَعُ السَّارِقُ) أَيْ يَمِينُهُ (إنْ أَقَرَّ مَرَّةً) كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُ الْقَطْعِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ (أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ) كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ (وَسَأَلَهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (الْإِمَامُ كَيْفَ هِيَ وَمَا هِيَ وَمَتَى هِيَ وَأَيْنَ هِيَ وَكَمْ هِيَ وَمِمَّنْ سَرَقَ وَبَيَانُهَا) لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُدُودِ وَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِالْقَطْعِ (وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمْعٌ) فِي السَّرِقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ مُرَاعًى فِيهَا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً) يَعْنِي إذَا كَانَ بِالنَّهَارِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ) أَيْ إذَا كَانَ بِاللَّيْلِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ فَلَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِالْخِفْيَةِ فِيهِ ابْتِدَاءً لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي النَّهَارِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فِيهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا مُسَارَقَةُ عَيْنِ الْمَالِكِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ فِي الْحِفْظِ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ خِفْيَةً عَلَى زَعْمِ السَّارِقِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَسَرَقَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الدَّارِ وَصَاحِبُ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَالسَّارِقُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْلَمُ قُطِعَ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ يَعْلَمُ بِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ جَهَرَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ جَيِّدَةٍ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ حَتَّى لَوْ كَانَتْ زُيُوفًا لَا يُقْطَعُ بِهَا وَلَوْ تَجُوزُ بِهَا لِأَنَّ نُقْصَانَ الْوَصْفِ بِنُقْصَانِ الذَّاتِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْرِجَ مَا سَرَقَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ لَا يُقْطَعُ وَلَا يُنْتَظَرُ تَغَوُّطُهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِلْحَالِ وَأَنْ يُخْرِجَ النِّصَابَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ لَا يُقْطَعُ اهـ. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ وَاحِدًا فَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِعَشَرَةٍ مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا كَوْنُهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ) قَالَ الْكَمَالُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَلِفَةً صِنْفٌ عَشَرَةٌ وَزْنُ خَمْسَةٍ وَصِنْفٌ وَزْنُ سِتَّةٍ وَصِنْفٌ وَزْنُ عَشَرَةٍ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْقَطْعِ وَزْنُ عَشَرَةٍ لِمُقْتَضَى أَصْلِهِمْ فِي تَرْجِيحِ تَقْدِيرِ الْمِجَنِّ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ أَدْرَأُ لِلْحَدِّ وَمَا كَانَ دَارِئًا كَانَ أَوْلَى ثُمَّ قَالَ ثُمَّ هَذَا الْبَحْثُ إلْزَامٌ عَلَى قَوْلِهِمْ إنَّ وَزْنَ سَبْعَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّا إنْ قِيلَ كَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا اهـ. وَيَلُوحُ أَنَّهُ يَرِدُ كَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّة لِوُجُودِ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ وَسَأَلَهُمَا. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ السَّارِقِ إذَا أَقَرَّ بِهَا وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ الزَّمَانِ وَلَا عَنْ الْمَكَانِ وَيَسْأَلُهُ عَنْ بَاقِي الشُّرُوطِ كَذَا فِي الْفَتْحِ اهـ. وَتَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ الْمَكَانِ مُشْكِلٌ لِاحْتِمَالِهِ أَنَّهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَذَا بَحَثَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ اهـ. (قَوْلُهُ كَيْفَ هِيَ) أَيْ كَيْفَ السَّرِقَةُ لِاحْتِمَالِ كَيْفِيَّةٍ لَا يُقْطَعُ مَعَهَا كَإِدْخَالِ يَدِهِ فِي النَّقْبِ (قَوْلُهُ وَمَا هِيَ) أَيْ مَاهِيَّتُهَا فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ (قَوْلُهُ وَمَتَى هِيَ) أَيْ فِي أَيِّ زَمَنٍ لِأَنَّهُ عِنْدَ التَّقَادُمِ يَضْمَنُ الْمَالَ وَلَا يُقْطَعُ (قَوْلُهُ وَأَيْنَ هِيَ) أَيْ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ سَرَقَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَيَحْبِسهُ إلَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ لِلتُّهْمَةِ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَ الْكَمَالُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ عَرَفَ الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ قَطَعَهُ اهـ. وَلَعَلَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمُخْتَارِ الْآنَ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِالْقَطْعِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَقْطَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَالشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ غَابَا أَوْ مَاتَا لَمْ يَقْطَعْ اهـ. وَكَذَا لَوْ غَابَ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي النَّهْرِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا أَيْ اشْتِرَاطُ الْحُضُورِ فِي كُلِّ الْحُدُودِ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا هَكَذَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ اهـ. (قُلْت) اسْتِثْنَاءُ الرَّجْمِ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي حَدِّ الزِّنَا بِالرَّجْمِ أَنَّهُ إذَا غَابَ الشُّهُودُ أَوْ مَاتُوا سَقَطَ الْحَدُّ فَلَا يُتَّجَهُ إلَّا اسْتِثْنَاءُ الْجَلْدِ فَيُقَامُ حَالَ الْغَيْبَةِ وَالْمَوْتِ بِخِلَافِ

(وَأَصَابَ كُلٌّ قَدْرَ نِصَابٍ) وَهُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (قُطِعُوا أَوْ إنْ أَخَذَ الْمَالَ) كُلَّهُ مِنْ الْحِرْزِ (بَعْضُهُمْ) لِأَنَّ الْمُعْتَادَ بَيْنَ السَّارِقِ أَنْ يَتَوَلَّى بَعْضُهُمْ الْأَخْذَ وَيَسْتَعِدَّ الْبَاقُونَ لِلدَّفْعِ فَلَوْ امْتَنَعَ الْحَدُّ بِمِثْلِهِ لَامْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي أَكْثَرِ السُّرَّاقِ فَيُؤَدِّي إلَى فَتْحِ بَابِ الْفَسَادِ (يُقْطَعُ بِالسَّاجِ) خَشَبٌ مُقَوَّمٌ يُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدِ (وَالْقَنَا) الرُّمْحُ (وَالْأَبَنُوسِ) خَشَبٌ صُلْبٌ وَفِي الصِّحَاحِ شَجَرٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ (وَالْعُودِ وَالْمِسْكِ وَالْأَدْهَانِ وَالْوَرْسِ) نَبَاتٌ كَالسِّمْسِمِ لَيْسَ إلَّا بِالْيَمَنِ يُزْرَعُ فَيَبْقَى عِشْرِينَ سَنَةً كَذَا فِي الْقَامُوسِ (وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ وَالْفُصُوصِ الْخُضْرِ) كَأَنَّهَا الزُّمُرُّدُ (وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ وَاللَّعْلِ وَالْفَيْرُوزَجِ) بِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا هُوَ مِنْ أَعَزِّ الْأَمْوَالِ وَأَنْفَسِهَا وَلَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مُبَاحَةِ الْأَصْلِ غَيْرِ مَرْغُوبٍ فِيهَا (وَإِنَاءٍ وَبَابٍ مِنْ خَشَبٍ) فَإِنَّ الصَّنْعَةَ فِيهِمَا غَلَبَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَالْتَحَقَا بِالْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ فِي الْبَابِ إذَا كَانَ مُحْرَزًا غَيْرَ مَنْصُوبٍ عَلَى الْجِدَارِ خَارِجَ الْبَيْتِ وَكَانَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدَةِ حَمْلُهُ (لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ (بِتَافِهٍ) أَيْ حَقِيرٍ (يُوجَدُ مُبَاحًا فِي دَارِنَا كَخَشَبٍ وَحَشِيشٍ وَقَصَبٍ وَسَمَكٍ وَصَيْدٍ وَزِرْنِيخٍ وَمَغْرَةٍ) وَهِيَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ (وَنَوْرَةٍ وَلَا بِمَا يَفْسُدُ سَرِيعًا كَلَبَنٍ وَلَحْمٍ وَفَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ وَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ (وَبِطِّيخٍ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ) لِعَدَمِهِ فِيهِمَا أَيْضًا. (وَ) لَا (فِي أَشْرِبَةٍ مُطْرِبَةٍ وَآلَاتِ لَهْوٍ وَصَلِيبٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّجْمِ لِاشْتِرَاطِ بُدَاءَةِ الشُّهُودِ بِهِ اهـ. وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فِي الْكَافِي قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْحُدُودِ وَإِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا وَالْإِحْصَانِ ثُمَّ مَاتُوا أَوْ غَابُوا أَوْ عَصَوْا أَوْ ارْتَدُّوا قَبْلَ أَنْ يُقْضَى بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يُرْجَمْ وَلَمْ يُحَدَّ الشُّهُودُ وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَ أَحَدُ الشُّهُودِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْمَوْتِ وَالْغَيْبَةِ وَيَبْطُلُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَكَذَلِكَ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ. وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ وَإِذَا كَانَ أَيْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَا وَقَالَ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ وَحَقٍّ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْكَمَالُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ ثَمَّةَ فَهَذَا تَصْرِيحُ الْحَاكِمِ فِي الْحُدُودِ وَالسَّرِقَةِ بِمَا قُلْنَاهُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ وَالْأَبَنُوسِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ فِيمَا سُمِعَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ مُعَرَّبٌ (قَوْلُهُ وَفِي الصِّحَاحِ شَجَرٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ) يَعْنِي بِوَضْعِهِ عَلَى النَّارِ لِمَا قَالَ فِيمَا لَا يَسَعُ الطَّبِيبَ جَهْلُهُ وَهُوَ أَيْ الْأَبَنُوسُ مِنْ دُونِ الْأَخْشَابِ إذَا وُضِعَ عَلَى النَّارِ بَخَّرَ بَخُورًا طَيِّبًا مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُغَشُّ بِهِ مِنْ الْخَشَبِ هَذَا إذَا كَانَ يَابِسًا وَإِنْ كَانَ رَطْبًا الْتَهَبَ بِالنَّارِ اهـ (قَوْلُهُ غَيْرِ مَرْغُوبٍ فِيهَا) لَفْظَةُ غَيْرِ زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ وَكَانَ خَفِيفًا لَا يَثْقُلُ عَلَى الْوَاحِدِ حَمْلُهُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الثَّقِيلَ مِنْهُ لَا يُرْغَبُ فِي سَرِقَتِهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ ثِقَلَهُ لَا يُنَافِي مَالِيَّتَهُ وَلَا يَنْقُصُهَا وَإِنَّمَا يَقِلُّ فِيهِ رَغْبَةُ الْوَاحِدِ لَا الْجَمَاعَةِ وَلَوْ صَحَّ هَذَا امْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي فَرْدَةٍ حَمْلٍ مِنْ قُمَاشٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي الْقَطْعَ اهـ. (قَوْلُهُ لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ بِتَافِهٍ أَيْ حَقِيرٍ (قَوْلُهُ كَخَشَبٍ) أَيْ لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ تَغْلِبُ عَلَيْهِ كَالْحُصْرِ الْخَسِيسَةِ وَالْقَصَبِ الْمَصْنُوعِ بَوَارِي حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ فِي الْحُصْرِ قُطِعَ فِيهَا كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ وَالْعَبْدَانِيَّةِ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة وَهِيَ الْعَبْدَانِيَّةُ بِخِلَافِ الْحُصْرِ الْخَسِيسَةِ لِنُقْصَانِ إحْرَازِهَا حَيْثُ كَانَتْ تُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ وَلِأَنَّ شُبْهَةَ التَّفَاهَةِ فِيهَا كَمَا قَالُوا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْمِلْحِ كَذَلِكَ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْآجُرِّ وَالْفَخَّارِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهَا عَلَى قِيمَتِهَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي الزُّجَاجِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ فَكَانَ نَاقِصَ الْمَالِيَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَسَمَكٍ) شَامِلٌ لِلْمَمْلُوحِ (قَوْلُهُ وَصَيْدٍ) شَامِلٌ لِلطَّيْرِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْبَطِّ وَالدَّجَاجِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَزِرْنِيخٍ) هُوَ بِالْكَسْرِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَنَظَّرَ بَعْضُهُمْ فِي الزِّرْنِيخِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِهِ لِكَوْنِهِ مَرْغُوبًا فِيهِ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ وَيُصَانُ فِي دَكَاكِينِ الْعَطَّارِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمَغْرَةٍ) هُوَ بِفَتَحَاتِ الثَّلَاثِ وَتَسْكِينِ الْغَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَلَحْمٍ) شَامِلٌ لِلْقَدِيدِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْخُبْزِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ) أَيْ الْإِحْرَازِ الْكَامِلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ مُحْرَزًا بِحَائِطٍ (قَوْلُهُ وَزَرْعٍ لَمْ يُحْصَدْ) يُشِيرُ إلَى الْقَطْعِ بِمَا حُصِدَ وَوُضِعَ فِي الْحَظِيرَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْقَطْعُ فِي الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا إجْمَاعًا إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ سَنَةِ الْقَحْطِ أَمَّا فِيهَا فَلَا سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ عَنْ ضَرُورَةٍ ظَاهِرًا وَهِيَ تُبِيحُ التَّنَاوُلَ وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةِ مُضْطَرٍّ» وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا قَطْعَ فِي عَامِ سَنَةٍ (قَوْلُهُ وَلَا فِي أَشْرِبَةٍ مُطْرِبَةٍ) يُشِيرُ إلَى الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ الْخَلِّ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ قَالَ وَفِي سَرِقَةِ الْأَصْلِ يُقْطَعُ بِالْخَلِّ وَنَقَلَ النَّاطِفِيُّ فِي كِتَابِ الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَطْعَ فِي الْخَلِّ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ خَمْرًا مَرَّةً. وَفِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ بِرِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ لَا قَطْعَ فِي الرُّبِّ وَالْجَلَّابِ (قَوْلُهُ وَآلَاتِ لَهْوٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتُلِفَ فِي طَبْلِ الْغُزَاةِ فَقِيلَ لَا يُقْطَعُ بِهِ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلَّهْوِ وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ لِغَيْرِهِ وَقِيلَ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلَّهْوِ فَلَيْسَ آلَةً لِلَّهْوِ

وَشِطْرَنْجٍ وَنَرْدٍ) لِأَنَّ مَنْ أَخَذَهَا يَتَأَوَّلُ الْكَسْرَ أَوْ الْإِرَاقَةَ بِخِلَافِ دَرَاهِمَ عَلَيْهَا التَّمَاثِيلُ لِأَنَّهَا مَا أُعِدَّتْ لِلْعِبَادَةِ بَلْ لِلتَّمَوُّلِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا تَأْوِيلُ الْكَسْرِ (وَبَابِ مَسْجِدٍ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ (وَمُصْحَفٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحْرَزٍ لِلتَّمَوُّلِ وَآخِذُهُ يَتَأَوَّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ (وَصَبِيٍّ حُرٍّ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ (وَلَوْ) كَانَ الْمُصْحَفُ وَالصَّبِيُّ (مُحَلَّيَيْنِ) لِأَنَّ مَا فِيهِمَا تَابِعٌ لَهُمَا فَلَا يُعْتَبَرُ (وَعَبْدٍ كَبِيرٍ) لِأَنَّ أَخْذَهُ غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ لَا سَرِقَةٌ (وَدَفَاتِرِ غَيْرِ الْحِسَابِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِيهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ شَرْعِيَّةً كَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ فَهِيَ كَالْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَتْ أَشْيَاءَ مَكْرُوهَةً فَهِيَ كَالطُّيُورِ وَأَمَّا دَفَاتِرُ الْحِسَابِ فَالْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي أَنَّ الْمُرَادَ دَفَاتِرُ أَمْضَى حِسَابَهَا لِأَنَّ مَا فِيهَا لَا يُقْصَدُ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْكَوَاغِدُ فَيُقْطَعُ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا. وَفِي الْمُحِيطِ سَرَقَ دَفَاتِرَ حِسَابِ إنْسَانٍ وَاسْتَهْلَكَهَا يَضْمَنُ لِمَالِكِهَا قِيمَتَهَا وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ بِكَمْ يُشْتَرَى ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ حَرَقَ صَكَّ إنْسَانٍ ضَمِنَ قِيمَةَ الصَّكِّ مَكْتُوبًا عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْمَالِ (وَكَلْبٍ وَفَهْدٍ) لِأَنَّهُمَا يُوجَدَانِ مُبَاحَيْ الْأَصْلِ (وَخِيَانَةٍ) كَأَنْ يَخُونَ الْمُودَعُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الشَّيْءِ الْمَأْمُونِ (وَخَلْسٍ) وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْيَدِ بِسُرْعَةٍ جَهْرًا (وَنَهْبٍ) وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى وَجْهِ الْعَلَانِيَةِ قَهْرًا مِنْ ظَاهِرِ بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى (وَنَبْشٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (وَمَالِ عَامَّةٍ) كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ (وَمَا لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ وَمِثْلُ حَقِّهِ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا) بِأَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ حَالَّةٌ أَوْ مُؤَجَّلَةٌ فَسَرَقَ مِنْهُ مِثْلَهَا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ لِحَقِّهِ وَالْحَالُّ وَالْمُؤَجَّلُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ (وَلَوْ) أَخَذَ (بِزَائِدٍ) عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ وَهُوَ شَائِعٌ وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا يُقْطَعُ إذَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْهُ إلَّا بَيْعًا بِالتَّرَاضِي (وَمَا قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) يَعْنِي مَنْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ فَرَدَّهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا وَهِيَ بِحَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ لِمَا سَيَأْتِي حَتَّى إذَا تَغَيَّرَ فَسَرَقَهَا قُطِعَ ثَانِيًا كَغَزْلٍ قُطِعَ فِيهِ فَنُسِجَ فَسَرَقَهُ (وَلَا) يُقْطَعُ (بِسَرِقَةٍ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَلَوْ) كَانَ الْمَسْرُوقُ (مَالَ غَيْرِهِ) يَعْنِي أَنَّ السَّرِقَةَ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْرُوقُ مَالَ ذِي الرَّحِمِ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ لِلشُّبْهَةِ فِي الْحِرْزِ (بِخِلَافِ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْمَحْرَمِ إذَا سَرَقَ (مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ) حَيْثُ يُقْطَعُ لِتَحَقُّقِ الْحِرْزِ (وَ) بِخِلَافِ (مَالِ مُرْضِعَتِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ بَيْتِهَا أَوْ بَيْتِ غَيْرِهَا حَيْثُ يُقْطَعُ لِتَحَقُّقِ الْحِرْزِ. (وَ) لَا بِسَرِقَةٍ (مِنْ زَوْجٍ وَعِرْسٍ وَلَوْ) كَانَ سَرِقَةُ الْعِرْسِ (مِنْ حِرْزٍ خَاصٍّ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ فَإِنَّ بُسُوطَةَ الْيَدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الْآخَرِ مَانِعٌ مِنْ الْقَطْعِ. (وَ) لَا بِسَرِقَةِ (عَبْدٍ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ عِرْسِهِ) أَيْ عِرْسِ سَيِّدِهِ (أَوْ زَوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَشِطْرَنْجٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ بِوَزْنِ قرطعب (قَوْلُهُ وَنَرْدٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَهُوَ الَّذِي يَلْعَبُهُ الْإِفْرِنْجُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ وَبَابِ مَسْجِدٍ) فِيهِ اسْتِدْرَاكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ بَابٌ مِنْ خَشَبٍ وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الدُّورِ وَلَا قَطْعَ بِمَتَاعِ الْمَسْجِدِ كَحُصْرِهِ وَقَنَادِيلِهِ لِعَدَمِ الْحِرْزِ وَكَذَا أَسْتَارُ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَنَبْشٍ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ مَالًا غَيْرَ الْكَفَنِ أَوْ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ اعْتَادَ لِصٌّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ قَطْعُهُ سِيَاسَةً لِإِحْدَاكُمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُ حَقِّهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ مِثْلَهُ حُكْمًا فِي الصَّحِيحِ بِأَنْ أَخَذَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ وَدَيْنُهُ النَّقْدُ الثَّانِي لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ يَكُونُ شَرِيكًا فِيهِ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الشَّرِيكِ فِي الْمَسْرُوقِ بِقَدْرِ حَقِّهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ عُرُوضًا يُقْطَعُ) كَذَا لَوْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ فِضَّةٍ وَدَيْنُهُ دَرَاهِمُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَخَذْته رَهْنًا بِدَيْنِي فَلَا يُقْطَعُ وَعَنْ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدَعْ الرَّهْنَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نُقِلَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَضَاءً لِحَقِّهِ أَوْ رَهْنًا بِهِ قُلْنَا هَذَا لَا يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ ظَاهِرٍ فَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً دَارِئَةً إلَّا إنْ ادَّعَى ذَلِكَ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمَا قُطِعَ فِيهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) كَذَا لَا يُقْطَعُ لَوْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَقُطِعَ بِهِ وَرُدَّ فَجَعَلَهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ آنِيَةً أَوْ كَانَتْ آنِيَةً فَضَرَبَهَا دَرَاهِمَ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهُ لَا يُقْطَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي فِي الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) يَعْنِي وَالْمَحْرَمِيَّةُ لَا بِرَضَاعٍ كَبِنْتِ الْعَمِّ إذَا كَانَتْ أُخْتًا مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ وَلَا بِسَرِقَةٍ مِنْ زَوْجٍ وَعِرْسٍ) وَلَوْ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ وَكَذَا لَا قَطْعَ لَوْ سَرَقَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا سَوَاءٌ كَانَ التَّزَوُّجُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ أَوْ قَبْلَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَكَذَا لَوْ سَرَقَتْ مِنْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْهُ يَكُونُ عَلَى هَذَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حِرْزٍ خَاصٍّ لَهُ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ خَارِجَ مَسْكَنِهِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَا بِسَرِقَةِ عَبْدٍ) شَامِلٌ لِلْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ وَلَعَلَّهُ كَالْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ وَلَا بِسَرِقَةٍ مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ عِرْسِهِ) كَذَا أَقَارِبُ سَيِّدِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا مُلْحَقٌ بِمَوْلَاهُ حَتَّى لَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةٍ لَا يُقْطَعُ فِيهَا الْمَوْلَى كَالسَّرِقَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ بِالدُّخُولِ عَادَةً فِي بَيْتِ هَؤُلَاءِ لِإِقَامَةِ الْمَصَالِحِ

سَيِّدَتِهِ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ عَادَةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (وَ) لَا بِسَرِقَةِ الْمَوْلَى (مِنْ مُكَاتَبِهِ) لِأَنَّ لَهُ فِي أَكْسَابِهِ حَقًّا. (وَ) لَا بِسَرِقَةِ الضَّيْفِ (مِنْ مَضِيفِهِ) لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِي دُخُولِهِ (وَ) لَا بِسَرِقَةٍ (مِنْ مَغْنَمٍ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا (وَحَمَّامٍ وَبَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ نَهَارًا) لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً فِي الْأَوَّلِ وَحَقِيقَةً فِي الثَّانِي فَاخْتَلَّ الْحِرْزُ وَكَذَا حَوَانِيتُ التُّجَّارِ وَالْخَانَاتُ إلَّا إذَا سَرَقَ مِنْهَا لَيْلًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ وَالْإِذْنُ مُخْتَصٌّ بِالنَّهَارِ (أَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ) لَا يُقْطَعُ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّارَ كُلَّهَا حِرْزٌ وَاحِدٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا (أَوْ دَخَلَ بَيْتًا وَنَاوَلَ مَنْ هُوَ خَارِجٌ) حَيْثُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَخْرُجْ لِاعْتِرَاضِ يَدٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْمَالِ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَالثَّانِي لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ فَلَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ (أَوْ نَقَبَ بَيْتًا فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَأَخَذَ نِصَابًا) حَيْثُ لَا يُقْطَعُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ اللِّصُّ إذَا كَانَ ظَرِيفًا لَا يُقْطَعُ وَفَسَّرُوهُ بِهَذَا (أَوْ طَرَّ صُرَّةً خَارِجَةً مِنْ كُمِّ غَيْرِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الصُّرَّةُ وِعَاءُ الدَّرَاهِمِ وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا نَفْسُ الْكُمِّ وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا لِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ خَارِجٍ فَبِالطُّرِّ يَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ مِنْ الظَّاهِرِ فَلَمْ يُوجَدْ هَتْكُ الْحِرْزِ وَإِنْ كَانَتْ الصُّرَّةُ دَاخِلَةً فَطَرَّهَا وَأَخَذَهَا قُطِعَ لِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ دَاخِلٍ فَبِالطَّرِّ تَبْقَى الصُّرَّةُ دَاخِلَ الْكُمِّ فَيُوجَدُ الْأَخْذُ مِنْ الدَّاخِلِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الطَّرِّ حَلُّ الرِّبَاطِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ لِانْعِكَاسِ عِلَّتِهِ (أَوْ سَرَقَ جَمَلًا مِنْ قِطَارٍ أَوْ حِمْلًا) حَيْثُ لَمْ يُقْطَعْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ يَسُوقُهُ أَوْ قَائِدٌ يَقُودُهُ أَوْ لَا لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ السَّوْقُ وَالْقَوْدُ وَقَطْعُ الْمَسَافَةِ لَا الْحِفْظُ (وَقُطِعَ) سَارِقُ الْجَمَلِ وَالْحِمْلِ (إنْ حَفِظَ صَاحِبُهُ أَوْ نَامَ عَلَيْهِ) فَإِنَّ النَّوْمَ عَلَى الْحِمْلِ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْهُ حِفْظٌ لَهُ (أَوْ شَقَّ الْحِمْلَ وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا) يَبْلُغُ النِّصَابَ فَإِنَّ الْجُوَالِقَ حِرْزٌ (أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي صُنْدُوقِ غَيْرِهِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ جَيْبِهِ) لِلْأَخْذِ وَأَخَذَ قَدْرَ النِّصَابِ (أَوْ أَخْرَجَ مِنْ مَقْصُورَةِ دَارٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ إلَى صَحْنِهَا لَوْ سَرَقَ مَقْصُورَةً مِنْ) مَقْصُورَةٍ (أُخْرَى) يَعْنِي دَارًا فِيهَا حُجُرَاتٌ يَسْكُنُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَنْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحُجَرِ الَّتِي يَسْكُنُ فِيهَا غَيْرُهُ لَا دَارَ لِوَاحِدٍ بُيُوتُهَا مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِهِ وَخُدَّامِهِ وَبَيْنَهُمْ انْبِسَاطٌ (أَوْ أَلْقَى شَيْئًا مِنْ حِرْزٍ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ أَخَذَ) لِأَنَّ الرَّمْيَ حِيلَةٌ يَعْتَادُهَا السُّرَّاقُ لِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ فِيهِ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاعْتُبِرَ الْكُلُّ فِعْلًا وَاحِدًا فَقُطِعَ وَإِذَا أَخْرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ فَهُوَ مُضَيِّعٌ لَا سَارِقٌ فَلَا يُقْطَعُ (أَوْ حَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ فَسَاقَهُ فَأَخْرَجَهُ) لِأَنَّ سَيْرَهُ مُضَافٌ إلَيْهِ لِسَوْقِهِ فِي الْمُنْيَةِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَ السَّارِقَ سِيَاسَةً لِسَعْيِهِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا مِنْ مُكَاتَبِهِ) يَنْبَغِي عَلَى هَذَا مُكَاتَبُ الْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ وَلَا بِسَرِقَةِ الضَّيْفِ. . . إلَخْ) . أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي أَضَافَهُ فِيهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهَا وَهُوَ مُقْفَلٌ أَوْ فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا بِسَرِقَةٍ مِنْ مَغْنَمٍ) مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَرْءًا وَتَعْلِيلًا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَحَمَّامٍ وَبَيْتٍ أُذِنَ لَهُ فِي دُخُولِهِ نَهَارًا) الْمُرَادُ وَقْتَ إذْنٍ بِالدُّخُولِ فِيهِ حَتَّى لَوْ أَذِنَ بِالدُّخُولِ لَيْلًا لَا يُقْطَعُ وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الْمَتَاعِ حَافِظٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَا يُقْطَعُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْحَمَّامَ صَالِحٌ لِصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَّ الْحِرْزُ بِالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَلِذَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ إذَا سَرَقَ مِنْهُ مَا عِنْدَهُ حَافِظٌ لِأَنَّهُ مَا وُضِعَ لِإِحْرَازِ الْأَمْوَالِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الْإِذْنِ عَادَةً فِي الْأَوَّلِ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ قَطْعِ السَّارِقِ مِنْ حَمَّامٍ نَهَارًا وَقَوْلُهُ حَقِيقَةٌ فِي الثَّانِي تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَبَيْتٍ أُذِنَ فِي دُخُولِهِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ أَوْ سَرَقَ شَيْئًا وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ الدَّارِ لَا يُقْطَعُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ صَغِيرَةً لَا يَسْتَغْنِي أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِصَحْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَسَرَقَ مِنْهَا وَأَخْرَجَهُ إلَى صَحْنِهَا يُقْطَعُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهَا) شَرَطَهُ أَيْ الْإِخْرَاجَ لِيَتَحَقَّقَ هَتْكُ الْحِرْزِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُحْرَزِ بِالْحَافِظِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا أَخَذَهُ لِزَوَالِ يَدِ الْمَالِكِ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ فَيَتِمُّ فَيَجِبُ مُوجَبُهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ دَخَلَ بَيْتًا وَنَاوَلَ مَنْ هُوَ خَارِجٌ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ عَلَيْهِمَا) شَامِلٌ إخْرَاجَ الدَّاخِلِ يَدَهُ إلَى الْخَارِجِ وَإِدْخَالَ الْخَارِجِ يَدَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ بِهَذَا) أَيْ فَسَّرَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَذَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ طَرَّ صُرَّةً. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ الطِّرَارُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَبِمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الطَّرِّ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الطَّرَّارَ يُقْطَعُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ. . . إلَخْ) قَالَهُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ مَعَ الْأَحْمَالِ مَنْ يَتْبَعُهَا لِلْحِفْظِ قَالُوا يُقْطَعُ (قَوْلُهُ لِلْإِمَامِ. . . إلَخْ) يُجَانِسُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ التَّجْنِيسِ بِعَلَامَةِ النَّوَازِلِ لِصٌّ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ وَجَدَهُ رَجُلٌ يَذْهَبُ فِي حَاجَتِهِ غَيْرَ مَشْغُولٍ بِالسَّرِقَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَتُوبَ لِأَنَّ الْحَبْسَ زَجْرًا لِلتَّوْبَةِ مَشْرُوعٌ. اهـ.

[فصل عقوبة السارق]

(فَصْلٌ) (تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ) أَمَّا الْقَطْعُ فَبِالنَّصِّ وَأَمَّا الْيَمِينُ فَلِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ يُعْمَلُ بِهَا عِنْدَنَا (مِنْ زَنْدِهِ) لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِقَطْعِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ» وَيُحْسَمُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاقْطَعُوا وَاحْسِمُوا» (إلَّا فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ شَدِيدَيْنِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ (ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى إنْ عَادَ فَإِنْ عَادَ لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ (وَحُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ) وَعُزِّرَ أَيْضًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حِينَ حَجَّهُمْ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ إنِّي لَأَسْتَحِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي بِهَا وَلَمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى السِّيَاسَةِ أَوْ النَّسْخِ (فَإِنْ كَانَ) جَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي لَمْ يُقْطَعْ أَمَّا عَدَمُ الْقَطْعِ فِيمَا إذَا كَانَ (يَدُهُ الْيُسْرَى أَوْ إبْهَامُهَا أَوْ إصْبَعَاهَا أَوْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ) فَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْبَطْشُ وَالْمَشْيُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أُصْبُعٌ وَاحِدَةٌ سِوَى الْإِبْهَامِ مَقْطُوعَةً أَوْ شَلَّاءَ لِأَنَّ فَوْتَهَا لَا يَمْنَعُ الْقَطْعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا عَدَمُهُ فِيمَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) فَلِأَنَّ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ لَا تُمْكِنُ فَلَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ وَأَمَّا فِيمَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ) مَعَ الْقَبْضِ (أَوْ بِيعَ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ مِنْ النِّصَابِ قَبْلَ الْقَطْعِ) هَذَا قَيْدٌ لِلْمِلْكِ وَالنُّقْصَانِ مَعًا فَلِأَنَّ قِيَامَ الْخُصُومَةِ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ شَرْطُ الْقَطْعِ وَقَدْ انْتَفَى فِي الْأَوَّلِ وَقِيَامُ كَمَالِ النِّصَابِ عِنْدَ الْإِمْضَاءِ شَرْطُ الْقَطْعِ أَيْضًا وَقَدْ انْتَفَى فِي الثَّانِي وَأَمَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ سَرَقَ) وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ (فَادَّعَى) كَوْنَ الْمَسْرُوقِ (مِلْكَهُ) وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ فَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ دَارِئَةٌ لِلْحَدِّ وَتَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لِلِاحْتِمَالِ وَأَمَّا فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ أَقَرَّا) أَيْ السَّارِقَانِ بِالسَّرِقَةِ (وَادَّعَاهُ) أَيْ الْمِلْكَ (أَحَدُهُمَا) وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ حَيْثُ لَا يُقْطَعَانِ فَلِأَنَّ الرُّجُوعَ عَامِلٌ فِي حَقِّ الرَّاجِعِ وَمُورِثٌ لِلشُّبْهَةِ فِي حَقِّ الْآخَرِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ أَوْ سَرَقَ فَادَّعَى مِلْكَهُ أَوْ أَحَدُ السَّارِقَيْنِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَالْمَطْلُوبُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُ السَّارِقَيْنِ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ فَادَّعَى فَالْمَعْنَى أَوْ سَرَقَ سَارِقَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا وَهُوَ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ أَنْ يُقِرَّ السَّارِقَانِ وَادَّعَى الْمِلْكَ أَحَدُهُمَا كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ لَا إشْعَارَ فِي الْعِبَارَةِ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ عُقُوبَة السَّارِق] فَصْلٌ) (قَوْلُهُ تُقْطَعُ يَمِينُ السَّارِقِ) يَعْنِي بِحَضْرَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَأَمَّا حُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فَقَدَّمْنَا عَنْ الْحَاكِمِ مَا نَصُّهُ وَإِذَا كَانَ أَيْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا وَالشَّاهِدَانِ غَائِبَانِ لَمْ يُقْطَعْ أَيْضًا حَتَّى يَحْضُرَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ وَهَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ وَحَقٍّ سِوَى الرَّجْمِ وَيَمْضِي الْقِصَاصُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اهـ. وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنِّي رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مَعْزُوًّا لِلْحَاكِمِ مَا لَا يُفِيدُ هَذَا (قَوْلُهُ وَتُحْسَمُ) الْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ هُوَ أَنْ تُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ اهـ. وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ عَلَى السَّارِقِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَاقْطَعُوا وَاحْسِمُوا» ) يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَسْمِ وَلِأَنَّهُ عُلِّلَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ لَأَدَّى إلَى التَّلَفِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً اهـ. (قَوْلُهُ جَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي لَمْ يُقْطَعْ) لَمْ أَرَ جَوَابَ الشَّرْطِ فِيمَا رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ فَالْحَوَالَةُ غَيْرُ رَائِجَةٍ ثُمَّ رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ إصْبَعَاهَا) يَعْنِي غَيْرَ الْإِبْهَامِ (قَوْلُهُ أَوْ رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ رَدَّهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقَطْعِ يُقْطَعُ وَكَذَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ اسْتِحْسَانًا وَرَدَّهُ إلَى وَلَدِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَوْ ذَوِي رَحِمِهِ وَكَانُوا فِي عِيَالِهِ كَرَدِّهِ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَكَذَا رَدُّهُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً أَوْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ وَلَوْ رَدَّهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يُقْطَعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ مَلَكَهُ بِهِبَةٍ مَعَ الْقَبْضِ) هَكَذَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْقَبْضِ فِي الْهِدَايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَقْطَعُ الْخُصُوصِيَّةَ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَهَبُ لِيُخَاصِمَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى عَدَمُ اسْتِقَامَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِأَنْ يُقِرَّا بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ يَدَّعِي الْمِلْكَ أَحَدُهُمَا بَلْ حُكْمُ ثُبُوتِهَا بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ ادِّعَاءُ الْمِلْكِ كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ فَعِبَارَةُ الْوِقَايَةِ أَشْمَلُ

فِيمَا ذَكَرَ بِقَوْلِهِ (أَوْ لَمْ يُطَالِبْ الْمَالِكُ وَإِنْ أَقَرَّ السَّارِقُ) فَلِأَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُطَالَبَةِ (سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَبَرْهَنَ عَلَى سَرِقَتِهِمَا قُطِعَ الْحَاضِرُ) لِأَنَّ السَّرِقَةَ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَلَى الْغَائِبِ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَبِدَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ لَا تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ وَلِأَنَّ احْتِمَالَ دَعْوًى مِنْ الْغَائِبِ الشُّبْهَةِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ (وَقُطِعَ) السَّارِقُ (بِخُصُومَةِ ذِي يَدٍ حَافِظَةٍ) كَأَبٍ وَوَصِيٍّ وَمُودَعٍ وَغَاصِبٍ وَصَاحِبِ رِبًا وَمُسْتَعِيرٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُضَارِبٍ وَقَابِضٍ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَبْضِعٍ (وَخُصُومَةِ الْمَالِكِ) أَيْضًا (مَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ) مَفْعُولُ خُصُومَةِ أَمَّا خُصُومَةُ ذِي يَدٍ حَافِظَةٍ فَلِأَنَّ السَّرِقَةَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ فِي نَفْسِهَا وَقَدْ ظَهَرَتْ بِنَفْسِهَا عِنْدَ الْقَاضِي بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِنَاءً عَلَى خُصُومَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فَيَسْتَوْفِي فِي الْقَطْعِ وَلَهُمْ يَدٌ صَحِيحَةٌ وَهِيَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَإِذَا أُزِيلَتْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُخَاصِمُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِاسْتِرْدَادِهَا أَصَالَةً لَا نِيَابَةً لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَمِينًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِهِ يَقُولُ سَرَقَ مِنِّي فَإِنْ كَانَ أَصِيلًا فِي الْخُصُومَةِ وَجَبَ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الثُّبُوتِ بِلَا حَضْرَةِ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَأَمَّا خُصُومَةُ الْمَالِكِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُمْ فَلِأَنَّ لَهُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ وَهِيَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ الْحَافِظَةِ فَإِذَا جَازَتْ بِالثَّانِيَةِ فَلَأَنْ تَجُوزَ بِالْأُولَى أَوْلَى (لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ (مِنْ سَارِقٍ قُطِعَ) يَعْنِي إذَا سَرَقَ رَجُلٌ شَيْئًا فَقُطِعَ بِهِ وَبَقِيَ الْمَسْرُوقُ فِي يَدِهِ وَسَرَقَهُ مِنْ السَّارِقِ آخَرُ لَا يُقْطَعُ الثَّانِي لِأَنَّ السَّرِقَةَ إنَّمَا تُوجِبُ الْقَطْعَ إذَا كَانَتْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ أَوْ الْأَمِينِ أَوْ الضَّمِينِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا هَاهُنَا إذْ السَّارِقُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا أَمِينٍ وَلَا ضَمِينٍ حَتَّى لَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ كَمَا سَيَأْتِي بِخِلَافِ مَا إذَا سَرَقَ قَبْلَ الْقَطْعِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْغَاصِبِ (وَقُطِعَ عَبْدٌ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِوَاسِطَةِ التَّكْلِيفِ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِيَّةِ فَيَصِحُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالُ آدَمِيٍّ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيهِ أَلَا يَرَى أَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ لِعَدَمِهَا (وَمَا قُطِعَ بِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْطُوعُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا (لِمَنْ بَقِيَ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ (وَإِلَّا لَا يَضْمَنُ وَإِنْ أَتْلَفَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِالِاسْتِهْلَاكِ (وَلَا مَنْ سَرَقَ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ لَا يَضْمَنُ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (مَرَّاتٍ فَقُطِعَ وَلَوْ) كَانَ الْقَطْعُ (بِبَعْضِهِمَا) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُطَالِبْ الْمَالِكُ) أَيْ لَمْ يُقْطَعْ فَهَذَا مَحَلُّ جَوَابِ الشَّرْطِ كَذَا فِي الْكَنْزِ وَشَرْحِهِ لِلزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ قَالَ. وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ قُطِعَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ وَتَصْدِيقُهُ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا يُنْتَظَرُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُنْتَظَرُ اهـ. وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَيْسَتْ هَذِهِ عِبَارَةَ الْبَدَائِعِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ شَرْطٌ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ السَّارِقُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ فُلَانٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ مَا لَمْ يَحْضُرْ وَيُخَاصِمْ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الدَّعْوَى فِي الْإِقْرَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ. . . إلَخْ اهـ. (قَوْلُهُ سَرَقَا وَغَابَ أَحَدُهُمَا. . . إلَخْ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ ثُمَّ لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ تُعَادَ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْحَاضِرُ بِسَرِقَةٍ مَعَ الْغَائِبِ يُقْطَعُ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَخُصُومَةِ الْمَالِكِ أَيْضًا) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَةِ الْمَالِكِ حَالَ غَيْبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ حَالَ قِيَامِ الرَّهْنِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ إذْ لَوْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا لَا يُقْطَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلرَّاهِنِ وِلَايَةُ الْقَطْعِ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَزْيَدَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النِّصَابِ اهـ. وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي. . . إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ سَارِقٍ) يَعْنِي لَا يَكُونُ لَهُ وَلَا لِرَبِّ السَّرِقَةِ الْقَطْعُ وَلِلْأَوَّلِ وِلَايَةُ خُصُومَةِ الِاسْتِرْدَادِ فِي رِوَايَةٍ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِي أُخْرَى اهـ. وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ هَذَا الْحَالُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَرُدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ وَلَا إلَى الثَّانِي إذَا رَدَّهُ لِظُهُورِ خِيَانَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَلْ يَرُدُّهُ مِنْ يَدِ الثَّانِي إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ حَاضِرًا وَإِلَّا حَفِظَهُ كَأَمْوَالِ الْغَائِبِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَقُطِعَ عَبْدٌ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ كَبِيرًا وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ أَصْلًا لَكِنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا يَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمَالِكِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَيَضْمَنُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى يَرُدُّ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ كَانَ هَالِكًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ (قَوْلُهُ إنْ بَقِيَ رُدَّ إلَى صَاحِبِهِ) أَيْ سَوَاءٌ بَقِيَ بِيَدِ السَّارِقِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا إذَا بَاعُوهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْقَطْعِ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ قَبْلَهُ أَنَا أَضْمَنُهُ لَمْ يُقْطَعْ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ رُجُوعَهُ عَنْ دَعْوَى السَّرِقَةِ إلَى دَعْوَى الْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

[باب قطع الطريق]

بَعْضِ السَّرِقَاتِ (شَيْئًا) مَفْعُولُ لَا يَضْمَنُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ السَّرِقَاتِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَرَقَ سَرِقَاتٍ فَحَضَرَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَابِهَا وَادَّعَى حَقَّهُ فَأَثْبَتَ فَقُطِعَ فِيهَا فَهُوَ لِجَمِيعِهَا وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ حَضَرُوا جَمِيعًا فَقُطِعَتْ يَدُهُ بِحُضُورِهِمْ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا بِالْوِفَاقِ (وَلَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا (قَاطِعُ يَسَارِ مَنْ أُمِرَ بِقَطْعِ يَمِينِهِ بِسَرِقَةٍ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ وَأَخْلَفَ مِنْ جِنْسِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ الْيُمْنَى لَمْ تَحْصُلْ بِقَطْعِ الْيُسْرَى بَلْ كَانَتْ حَاصِلَةً قَبْلَهُ قُلْنَا الْيُمْنَى كَانَتْ مُسْتَحَقَّةَ الْإِتْلَافِ فَبِقَطْعِ الْيُسْرَى سَلِمَتْ فَصَارَتْ كَالْحَاصِلَةِ لَهُ بِهِ (قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ) لِكَوْنِهِ إقْرَارٌ بِالسَّرِقَةِ (وَلَوْ) قَالَ أَنَا سَارِقٌ هَذَا الثَّوْبَ (بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الْإِضَافَةِ بَلْ بِتَنْوِينِ سَارِقٌ (لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ لِكَوْنِهِ عِدَةً لَا إقْرَارًا (وَقُطِعَ مَنْ شَقَّ مَا سَرَقَ فِي الدَّارِ فَأَخْرَجَهُ فَهُوَ) بَعْدَ الشَّقِّ (يُسَاوِي الْعَشَرَةَ) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ قَيَّدَ بِقَيْدَيْنِ أَنْ يَكُونَ الشَّقُّ فِي الدَّارِ وَأَنْ يُسَاوِيَ الْمَسْرُوقُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بَعْدَ الشَّقِّ فِي الدَّارِ لِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ شَقَّهُ وَانْتَقَصَ قِيمَتَهُ بِالشَّقِّ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِذَا شَقَّ فِي الدَّارِ وَانْتَقَصَ قِيمَتَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى النِّصَابِ الْكَامِلِ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي فَظَهَرَ أَنَّ الْقَيْدَ الثَّانِيَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ تَرَكَهُ فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ (لَا) أَيْ لَا يُقْطَعُ (مَنْ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَ فِي الْحِرْزِ فَأَخْرَجَ) لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى اللَّحْمِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ سَرِقَتَهُ لَا تُوجِبُ الْقَطْعَ (وَمَنْ جَعَلَ مَا سَرَقَ) مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ قَدْرَ النِّصَابِ (دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ قُطِعَ) السَّارِقُ (وَرُدَّتْ) الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا تُرَدُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ (وَإِنْ حَمَّرَهُ) أَيْ الثَّوْبَ الَّذِي سَرَقَهُ (فَقُطِعَ فَلَا رَدَّ وَلَا ضَمَانَ عِنْدَهُمَا) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَيُعْطَى مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ لِأَنَّ عَيْنَ مَالِهِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ أَصْلٌ وَالصَّبْغُ تَبَعٌ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى وَلَهُمَا أَنَّ الصَّبْغَ قَائِمٌ صُورَةً وَمَعْنًى وَحَقُّ صَاحِبِ الثَّوْبِ قَائِمٌ صُورَةً لَا مَعْنًى لِزَوَالِ التَّقَوُّمِ بِالْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فَكَانَ حَقُّ السَّارِقِ أَحَقَّ بِالتَّرْجِيحِ (وَإِنْ سَوَّدَ) السَّارِقُ الثَّوْبَ (رُدَّ) عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ فَلَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ (سَرَقَ وَفِي وِلَايَةِ سُلْطَانٍ لَيْسَ لِسُلْطَانٍ آخَرَ قَطْعُهُ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ تَحْتَ يَدِهِ (بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ السَّرِقَةِ الصُّغْرَى شَرَعَ فِي بَيَانِ السَّرِقَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ قَاطِعُ يَسَارِ مَنْ أُمِرَ بِقَطْعِ يَمِينِهِ) شَامِلٌ غَيْرَ الْحَدَّادِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَسَوَاءٌ قَطَعَ مُخْطِئًا فِي الِاجْتِهَادِ أَوْ فِي مَعْرِفَةِ الْيَمِينِ مِنْ الْيَسَارِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَقَيَّدَ بِالْأَمْرِ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَهُ أَحَدٌ قَبْلَ الْأَمْرِ وَالْقَضَاءِ كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ وَقُطِعَ مَنْ شَقَّ مَا سَرَقَ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الثَّوْبَ فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبَ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمَالِكِ إذْ لَيْسَ فِيهِ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ اهـ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ هَذَا الثَّوْبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لَكِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالْحَقُّ مَا ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَالنَّقْصُ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ وَارِدٍ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَرْقَ يَكُونُ يَسِيرًا وَيَكُونُ فَاحِشًا وَتَارَةً يَكُونُ إتْلَافًا وَاسْتِهْلَاكًا وَفِيهِ يَجِبُ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ وَعَلَى هَذَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَا تَمَّتْ السَّرِقَةُ إلَّا بِمَا يَمْلِكُهُ بِالضَّمَانِ وَقَدْ حَدَّهُ التُّمُرْتَاشِيُّ بِأَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَأَمَّا الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَقِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَاحِشٌ وَإِلَّا فَيَسِيرٌ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى فَصَاعِدًا مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى مَا بِهِ يَصِيرُ إتْلَافًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَرُدُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا صَنْعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ عِنْدَهُمَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ وُجُوبُ الْحَدِّ لَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَ الْقَطْعِ وَقِيلَ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ بِالصَّنْعَةِ شَيْئًا آخَرَ فَلَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ اهـ. (قَوْلُهُ سَرَقَ فِي وِلَايَةِ سُلْطَانٍ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْفَيْضِ. وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ مَعْزُوًّا إلَى الْإِمَامِ الْأَجَلِّ الشَّهِيدِ. اهـ. [بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ] (بَابُ قَطْعِ الطَّرِيقِ) إنَّمَا أَخَّرَ هَذِهِ عَنْ الصُّغْرَى لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وُجُودًا وَسُمِّيَتْ هَذِهِ سَرِقَةً أَيْضًا لِمُسَارَقَةِ عَيْنِ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَسُمِّيَتْ كُبْرَى لِأَنَّ ضَرَرَ قَطْعِ الطَّرِيقِ عَلَى أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَعَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِانْقِطَاعِ الطَّرِيقِ وَلِهَذَا غُلِّظَ الْحَدُّ فِيهَا بِخِلَافِ الصُّغْرَى

(مَنْ قَصَدَهُ) أَيْ قَطْعَ الطَّرِيقِ سَوَاءً كَانَ جَمَاعَةً مُمْتَنِعِينَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ فَقَصَدُوهُ أَوْ وَاحِدًا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فَقَصْدُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حُبِسَ (مَعْصُومًا) أَيْ حَالَ كَوْنِ الْقَاصِدِ مَعْصُومَ الدَّمِ بِأَنْ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا فَفِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ خِلَافٌ (عَلَى مَعْصُومٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْبَارِزِ فِي قَصْدِهِ أَيْ قَصْدِ الْقَطْعِ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ (فَأَخَذَ) أَيْ أَمْسَكَ (قَبْلَ أَخْذِ شَيْءٍ) مِنْ الْمَارَّةِ (وَ) قَبْلَ (قَتْلٍ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَ (حُبِسَ) بَعْدَ التَّعْزِيرِ لِمُبَاشَرَتِهِ مُنْكَرًا (حَتَّى يَتُوبَ) لَا بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ بَلْ بِأَنْ يَظْهَرَ فِيهِ سِيمَا الصُّلَحَاءِ (وَإِنْ أَخَذَ) أَيْ الْقَاصِدُ (مَالًا) وَنَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُ نِصَابٌ (قُطِعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ) إنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَطْرَافِ كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ (وَإِنْ قَتَلَ بِلَا أَخْذٍ قُتِلَ حَدًّا) لَا قِصَاصًا (فَلَا يَعْفُو عَنْهُ وَلِيٌّ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ حَدًّا وَلَوْ كَانَ قِصَاصًا لَعَفَا وَلِيُّ الْقِصَاصِ (وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ صُلِبَ) عُطِفَ عَلَى قُتِلَ (أَوْ قُتِلَ) عُطِفَ عَلَى قُطِعَ أَيْ قُتِلَ ابْتِدَاءً بِلَا قَطْعٍ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ صُلِبَ (أَوْ صُلِبَ حَيًّا وَيُبْعَجُ) أَيْ يُشَقُّ بَطْنَهُ بِرُمْحٍ (حَتَّى يَمُوتَ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] الْآيَةَ. أَيْ يُحَارِبُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يُحَارِبُ اللَّه تَعَالَى وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي الْبَرَارِيِ وَالْفَيَافِي فِي أَمَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ فَالْمُتَعَرِّضُ لَهُ كَأَنَّهُ يُحَارِبُ اللَّهَ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا. . . إلَخْ لَا التَّخْيِيرُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ مُتَشَبِّثًا بِظَاهِرِهِ إذْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ وَمَنْ قَتَلَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ صُلِبَ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَزَلَ بِهَذَا التَّقْسِيمِ فِي أَصْحَابِ أَبِي بُرْدَةَ (وَيُتْرَكُ) مَصْلُوبًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ لَا أَكْثَرُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بَعْدَهَا فَيَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ (وَمَا أَخَذَ فَتَلِفَ) أَوْ أَتْلَفَ (لَا يَضْمَنُ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ الْقَاطِعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ اعْتِبَارًا بِالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَقَدْ مَرَّ (وَبِقَتْلِ أَحَدِهِمْ حُدُّوا) لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ رَدًّا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ انْحَازُوا إلَيْهِمْ وَالشَّرْطُ هُوَ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَدْ وُجِدَ (وَحَجَرٌ وَعَصَا لَهُمْ كَالسَّيْفِ) لِأَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ بِأَيِّ آلَةٍ كَانَتْ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَخْذِ الْمَالِ أَوْ الْإِخَافَةِ (وَإِنْ جَرَحَ وَأَخَذَ) الْمَالَ (قُطِعَ) أَيْ قُطِعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ (وَهُدِرَ جُرْحُهُ) لِأَنَّ الْحَدَّ لَمَّا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ عِصْمَةُ النَّفْسِ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَمَا تَسْقُطُ عِصْمَةُ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ (وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) أَيْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا جَوَابُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي فَلَا حَدَّ (أَوْ قَتَلَ عَمْدًا) بِحَدِيدَةٍ (وَأَخَذَ الْمَالَ فَتَابَ) قَبْلَ أَنْ يُمْسَكَ (أَوْ كَانَ فِيهِمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَيْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ (أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَارَّةِ أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ عَلَى الْبَعْضِ أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ فَلَا حَدَّ) أَمَّا سُقُوطُهُ إذَا جَرَحَ فَقَطْ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَنْ قَصَدَهُ مَعْصُومًا) شَامِلٌ لِلْعَبْدِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَتْلٌ وَقَطْعٌ وَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي جَرَيَانِ كُلٍّ عَلَيْهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ مِنْهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَطَعَهُ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ لَا يَجِبُ الْحَدُّ) أَيْ وَيَضْمَنُ الْمَالَ بِثُبُوتِ عِصْمَةِ مَالِهِ حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحَدِّ بِالْقَطْعِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فِيمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْقَافِلَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقُطَّاعِ وَلَا يَصِيرُ شُبْهَةً بِخِلَافِ اخْتِلَاطِ ذِي الرَّحِمِ بِالْقَافِلَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَنَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُ نِصَابٌ) أَيْ قَدْرُ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ أَوْ صُلِبَ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ الْجَمْعُ بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَعَطْفُهُ الْقَتْلَ بِثُمَّ ظَاهِرٌ فِي إفَادَةِ تَقْدِيمِ الْقَطْعِ عَلَى الْقَتْلِ. وَفِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ أَوْ صُلِبَ حَيًّا) كَيْفِيَّةُ الصَّلْبِ أَنْ تُغْرَزَ خَشَبَةٌ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُرْبَطَ عَلَيْهَا خَشَبَةٌ أُخْرَى عَرْضًا فَيَضَعُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهَا وَيَرْبِطَ مِنْ أَعْلَاهَا خَشَبَةً أُخْرَى وَيَرْبِطَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَيَبْعَجُ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُخَضْخَضُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ (قَوْلُهُ أَيْ يُحَارِبُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ) قَالَ الْكَمَالُ أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَقْدِيرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ ثُمَّ قَوْله تَعَالَى {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] مُحَارَبَتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا بِاعْتِبَارِ عِصْيَانِ أَمْرِهِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْحَافِظُ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخُلَفَاءُ وَالْمَمْلُوكُ بَعْدَهُ نُوَّابُهُ وَإِذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَوَلَّى حِفْظَهَا بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ فَقَدْ حَارَبَهُ (قَوْلُهُ لَا أَكْثَرَ مِنْهَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى خَشَبَتِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ وَيَسْقُطَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِرْدَاعِ (قَوْلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ أَخَذَهُ) كَذَا لَا يَضْمَنُ مَا قَتَلَ وَمَا جَرَحَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَبِقَتْلِ أَحَدِهِمْ حُدُّوا) أَوْ قَالَ وَبِمُبَاشَرَةِ أَحَدِهِمْ حُدُّوا لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ غَيْرَ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ فِيهِمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) كَذَا لَوْ كَانَ أَخْرَسَ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ أَوْ مِصْرَيْنِ) أَيْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ. . . إلَخْ) لَوْ قَالَ بَعْضُ الْقَافِلَةِ لَكَانَ صَوَابًا

[كتاب الأشربة]

يَسْقُطُ حَقُّ الْعَبْدِ إذْ سُقُوطُهُ فِي ضِمْنِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَبْقَى حَقُّهُ (فَلِلْوَلِيِّ الْقِصَاصُ) إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ مِمَّا فِيهِ الْقِصَاصُ (أَوْ الْأَرْشُ) إنْ كَانَتْ مِمَّا فِيهِ الْأَرْشُ (فِي الْأُولَى) مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ مَا إذَا جَرَحَ فَقَطْ وَأَمَّا سُقُوطُهُ إذَا أُخِذَ بَعْدَمَا تَابَ وَقَدْ قَتَلَ عَمْدًا وَأَخَذَ الْمَالَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَإِذَا سَقَطَ ظَهَرَ حَقُّ الْعَبْدِ فِيهِ. (وَ) يَكُونُ (لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (الْقَوَدُ) أَيْ قَتْلُ الْقَاطِعِ (أَوْ الْعَفْوُ فِي غَيْرِهَا) مِنْ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَأَمَّا إذَا قَطَعَ بَعْضُ الْمَارَّةِ عَلَى الْبَعْضِ فَلِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْقَافِلَةُ كَدَارٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا إذَا قَطَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا بِمِصْرٍ أَوْ بَيْنَ مِصْرَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ إيصَالًا لِلْمَالِ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَيُؤَدُّونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْجِنَايَةَ وَلَوْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ لَيْلًا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ مَسِيرَةِ سَفَرٍ تَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ وَهِيَ دَفْعُ شَرِّ الْمُتَغَلِّبَةِ الْمُتَلَصِّصَةِ (وَفِي الْخَنِقِ) بِكَسْرِ النُّونِ مَصْدَرُ خَنَقَ يَعْنِي إذَا خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ (دِيَةٌ) وَسَيَأْتِي وَجْهُهُ فِي الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ اعْتَادَهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ) لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ (مَعَ الْقُطَّاعِ امْرَأَةٌ فَقَتَلَتْ وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ تُقْتَلْ) الْمَرْأَةُ (وَقُتِلَ الرِّجَالُ عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ الطَّرِيقَ وَأَخَذْنَ الْمَالَ وَقَتَلْنَ قُتِلْنَ وَضُمِّنَّ الْمَالَ) كَذَا فِي الْمُنْيَةِ. (كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ) لَا يَخْفَى وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ لِكِتَابِ الْحُدُودِ وَالْقَوْمُ أَخَّرُوهُ إلَى آخِرِ الْكِتَابِ وَهِيَ جَمْعُ شَرَابٍ (وَالشَّرَابُ) لُغَةً كُلُّ مَا يُشْرَبُ مُسْكِرًا كَانَ أَوْ لَا وَشَرْعًا (مَائِعٌ مُسْكِرٌ) اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْأَشْرِبَةُ أَرْبَعَةٌ الْعِنَبُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحُبُوبُ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ ثُمَّ لِلْمَاءِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْهَا حَالَتَانِ نِيءٌ وَمَطْبُوخٌ وَالْمَطْبُوخُ قَدْ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُهُ وَقَدْ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى ثُلُثَاهُ وَقَدْ يُطْبَخُ حَتَّى يَبْقَى نِصْفُهُ وَالْحَرَامُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ وَالْحَلَالُ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ أَمَّا الْحَرَامُ فَبَيَّنَ الْأَوَّلَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ (حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَإِنْ قَلَّتْ وَهِيَ الَّتِي مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَى وَاشْتَدَّ وَقَذِفَ بِالزَّبَدِ) خُصَّ هَذَا الِاسْمُ بِهَذَا الشَّرَابِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقِيلَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ خَمْرًا لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ وَسَائِرُ الْمُسْكِرَاتِ كَذَلِكَ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِاخْتِمَارِهَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ سُمِّيَتْ الْخَمْرُ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُرِكَتْ فَاخْتَمَرَتْ وَاخْتِمَارُهَا تَغَيُّرُ رِيحِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَلَوْ سُلَّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ رِعَايَةَ الْمَعْنَى بِسَبَبِ الْإِطْلَاقِ بَلْ بِسَبَبِ الْوَضْعِ وَتَرْجِيحُ الِاسْمِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّ الْقَارُورَةَ سُمِّيَتْ بِهَا لِقَرَارِ الْمَاءِ فِيهَا وَلَا تُطْلَقُ عَلَى الدَّنِّ وَالْكُوزِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَجْرِي فِي اللُّغَةِ ثُمَّ الْقَذْفُ بِالزَّبَدِ شَرْطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَكُونُ لَهُ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ فِي غَيْرِهَا) الْقَيْدُ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ لِأَنَّ لَهُ الْعَفْوَ فِي الْأُولَى أَيْضًا كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ مَعَ الْقُطَّاعِ امْرَأَةٌ. . . إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهَا أَيْ الْمَرْأَةُ وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَدْرَأُ عَنْهُمْ جَمِيعًا لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِمْ وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالصَّبِيِّ اهـ قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ عَجِبَ مِمَّنْ يَذْكُرُهُ مَعَ نَصِّ الْمَبْسُوطِ مَنْسُوبًا إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرِّجَالِ مَعَ مُسَاعَدَةِ الْوَجْهِ لَهُ (قَوْلُهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ. . . إلَخْ) هُوَ كَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ هَذَا مَعَ إشَارَةِ الْكَنْزِ إلَى خِلَافِهِ بِقَوْلِهِ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقُطَّاعِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ اهـ. [كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْأَشْرِبَةُ. . . إلَخْ) الْحَصْرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ الْفَوَاكِهَ نَحْوَ الْفِرْصَادِ وَالْإِجَّاصِ وَالشَّهْدِ وَالْأَلْبَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَشْرِبَةُ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَهِيَ النِّيُّ) بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ بَلْ إنَّمَا سُمِّيَتْ بِهِ لِاخْتِمَارِهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَكُلُّ وَاحِدٍ لَهُ اسْمٌ مِثْلُ الْمُثَلَّثِ وَالْبَاذِقِ وَإِطْلَاقُ الْخَمْرِ عَلَيْهِمَا مَجَازٌ (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِنَوْعٍ يُسَمَّى الْعِرْقِيُّ يُسْتَخْرَجُ بِالِاسْتِقْطَارِ مِنْ فَضَلَاتِ الْخَمْرِ وَنَجَاسَتُهُ مَعْلُومَةٌ غَلِيظَةٌ كَأَصْلِهِ لَكِنْ لَيْسَ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ إكْفَارِ مُسْتَحِلِّهِ وَعَدَمِ الْحَدِّ بِدُونِ سُكْرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَمْرًا فَلَا يُلْحَقُ بِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي حُكْمِ الْعِرْقِيِّ ثُمَّ رَأَيْت مِثْلَ هَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقُهُسْتَانِيِّ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْقَذْفُ بِالزُّبْدِ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ مُسْكِرًا قُذِفَ بِالزُّبْدِ أَوْ لَا) لَعَلَّ صَوَابَهُ صَارَ خَمْرًا كَمَا هِيَ عِبَارَةِ الْمِنَحِ وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَعَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ الْبُخَارِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا

عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا اشْتَدَّ صَارَ مُسْكِرًا قَذِفَ بِالزَّبَدِ أَوْ لَا وَبَيَّنَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (كَذَا الطِّلَاءُ وَهُوَ مَاءُ عِنَبٍ طُبِخَ فَذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الطِّلَاءُ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ الطِّلَاءِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ (وَغُلِّظَا) أَيْ الْخَمْرُ وَمَا ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ (نَجَاسَةً) أَمَّا الْخَمْرُ فَلِثُبُوتِهَا بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ حَيْثُ سَمَّاهَا اللَّهُ رِجْسًا وَهُوَ اسْمٌ لِلْحَرَامِ النَّجَسِ الْعَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي وَوَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ الْمَعْنَى فِيهِ وَأَمَّا مَا ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْخَمْرِ وَبَيَّنَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ. (وَ) حَرُمَ السُّكْرُ وَهُوَ الَّتِي مِنْ (مَاءِ الرُّطَبِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَبَيَّنَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ نِيئًا إذَا غَلَتْ) أَيْ الطِّلَاءُ وَالسُّكْرُ وَالنَّقِيعُ (وَاشْتَدَّتْ وَقَذِفَتْ بِالزَّبَدِ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ إنَّمَا تَحْرُمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا حَصَلَتْ لَهَا هَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ وَعِنْدَهُمَا يَكْفِي الِاشْتِدَادُ كَمَا فِي الْخَمْرِ (وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ أَقْوَى) مِنْ حُرْمَةِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ لِثُبُوتِهَا بِدَلَائِلَ لَا شُبْهَةَ فِيهَا أَصْلًا كَمَا مَرَّ (فَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا وَلَمْ يَضْمَنْ مُتْلِفُهَا) إلَّا أَنْ تَكُونَ لِذِمِّيٍّ (وَيُحَدُّ شَارِبُهَا وَلَوْ قَطْرَةً وَشَارِبُ غَيْرِهَا إنْ سَكِرَ) وَأَمَّا الْخَلَّالُ فَبَيَّنَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (وَحَلَّ الْمُثَلَّثُ الْعِنَبِيُّ) وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ (وَإِنْ غَلَى وَاشْتَدَّ وَسَكَنَ) مِنْ الْغَلَيَانِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ سُئِلَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ عَنْهُ فَقَالَ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ فَقِيلَ خَالَفْت أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ فَقَالَ لَا لِأَنَّهُمَا يُحِلَّانِ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ وَالنَّاسُ فِي زَمَانِنَا يَشْرَبُونَ لِلْفُجُورِ وَالتَّلَهِّي فَعُلِمَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قُصِدَ بِهِ التَّقَوِّي فَأَمَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّلَهِّيَ فَلَا يَحِلُّ اتِّفَاقًا وَاَلَّذِي يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ بِالطَّبْخِ حَتَّى يَرِقَّ ثُمَّ يُطْبَخَ طَبْخَةً حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ لِأَنَّ صَبَّ الْمَاءِ عَلَيْهِ لَا يَزِيدُهُ إلَّا ضَعْفًا بِخِلَافِ مَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ عَلَى الْعَصِيرِ ثُمَّ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْكُلِّ لِأَنَّ الْمَاءَ يَذْهَبُ أَوَّلًا لِلَطَافَتِهِ أَوْ يَذْهَبُ مِنْهُمَا فَلَا يَكُونُ الذَّاهِبُ ثُلُثَيْ مَاءِ الْعِنَبِ وَبَيَّنَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَحَلَّ نَبِيذَا التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مَطْبُوخًا أَدْنَى طَبْخَةٍ وَإِنْ غَلَى وَاشْتَدَّ وَسَكَنَ) مِنْ الْغَلَيَانِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ حَرَامٌ وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْمُثَلَّثِ الْمَذْكُورِ وَبَيَّنَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَ) حَلَّ (الْخَلِيطَانِ) وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مَاءِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مَطْبُوخًا أَدْنَى طَبْخَةٍ وَيُتْرَكَ إلَى أَنْ يَغْلِيَ وَيَشْتَدَّ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَحِلُّ إذَا شَرِبَ مَا لَمْ يُسْكِرْ بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ وَبَيَّنَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ. (وَ) حَلَّ (نَبِيذُ الْعَسَلِ وَالتِّينِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ) وَهَلْ يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ إذَا سَكِرَ مِنْهَا قِيلَ لَا يُحَدُّ قَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمَطْبُوخِ وَالنِّيءِ لِأَنَّ الْفُسَّاقَ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا فِي زَمَانِنَا كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ وَكَذَا الْمُتَّخَذُ مِنْ الْأَلْبَانِ إذَا اشْتَدَّ (إذَا شُرِبَتْ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ حَلَّ أَيْ حَلَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةُ الْأَرْبَعَةُ إذَا شُرِبَتْ (مَا لَمْ تُسْكِرْ) وَإِذَا أَسْكَرَ وَاحِدٌ مِنْهَا كَانَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ حَرَامًا لِأَنَّهُ الْمُفْسِدُ (بِلَا لَهْوٍ وَطَرَبٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ شُرِبَتْ وَهَذَا الْقَيْدُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذِهِ الْأَشْرِبَةِ بَلْ إذَا شَرِبَ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ بِلَهْوٍ وَطَرَبٍ عَلَى هَيْئَةِ الْفَسَقَةِ حَرُمَتْ اعْلَمْ أَنَّ السُّكْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَذَا الطِّلَاءُ) كَذَا سَمَّاهُ بِالطِّلَاءِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُسَمَّى الْمُنَصَّفُ عَلَى مَا فَسَّرَهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيُسَمَّى الْبَاذَقُ أَيْضًا أَوْ الْمُنَصَّفُ لِذَاهِبِ النِّصْفِ الْبَاذَقُ لِذَاهِبِ مَا دُونه كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِالطِّلَاءِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا أَشْبَهَ هَذَا بِطِلَاءِ الْبَعِيرِ وَهُوَ الْقَطْرَانُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْبَعِيرُ إذَا كَانَ بِهِ جَرَبٌ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ الطِّلَاءُ اسْمٌ لِلْمُثَلَّثِ وَهُوَ مَا طُبِخَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَصَارَ مُسْكِرًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ) لَا وَجْهَ لِتَصْوِيبِهِ لَا حُكْمًا وَلَا تَسْمِيَة أَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ بِحُرْمَتِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْكَنْزِ هُوَ الْعَصِيرُ الَّذِي ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مَا فِي الْمُحِيطِ فَإِنَّهُ الَّذِي ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَلَا خِلَافَ فِي الطَّرَفَيْنِ وَأَمَّا تَسْمِيَةً فَلِأَنَّ الطِّلَاءَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْعَصِيرُ الَّذِي ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ وَاَلَّذِي ذَهَبَ نِصْفُهُ وَاَلَّذِي ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَاَلَّذِي ذَهَبَ ثُلُثُهُ وَيُسَمَّى بِالطِّلَاءِ كُلُّ مَا طُبِخَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ مُطْلَقًا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْكَنْزِ وَلَا عَلَى الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي لَا حُكْمًا وَلَا تَسْمِيَةً (قَوْلُهُ وَغُلِّظَا) أَيْ الْخَمْرُ وَمَا ذَهَبَ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْهِ نَجَاسَةً، تَغْلِيظُ نَجَاسَةِ الطِّلَاءِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَشَرْحِ الْعَيْنِيِّ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْخَمْرِ) يَعْنِي حُرْمَةً وَنَجَاسَةً غَلِيظَةً لَا فِي الْحُكْمِ بِكُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ وَلَا الْحَدِّ بِشُرْبِ مَا دُونَ الْمُسْكِرِ مِنْهُ وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَيَصِحُّ بَيْعُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ أَقْوَى مِنْ حُرْمَةِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ (قَوْلُهُ وَحَرُمَ السُّكْرُ. . . إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ نَجَاسَةِ السُّكْرِ وَنَقِيعَ الزَّبِيبِ وَهِيَ خَفِيفَةٌ فِي رِوَايَةٍ غَلِيظَةٌ فِي أُخْرَى كَمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ مَطْبُوخًا أَدْنَى طَبْخَةٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ أَنْ يُطْبَخَ إلَى أَنْ يُنْضَحَ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ حَرَامٌ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَلْحَقَهَا مُحَمَّدٌ كُلَّهَا بِالْخَمْرِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَبِهِ يُفْتَى وَذَكَرَ أَدِلَّتَهُ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ قِيلَ لَا يُحَدُّ) قَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

[كتاب الجنايات]

حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ إلَيْهِ فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنَّ الطَّرِيقَ الْمُفْضِيَ إلَيْهِ قَدْ يَكُونُ أَيْضًا حَرَامًا كَمَا فِي الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا فِي الْأَرْبَعَةِ اللَّاحِقَةِ وَسُكْرُ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَالسُّكْرُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ فَإِنْ قِيلَ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ حَتَّى إنَّ الْحَرَامَ يَكُونُ وَاجِبَ التَّرْكِ وَالسُّكْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِفِعْلٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ اخْتِيَارِيًّا قُلْنَا مَعْنَى كَوْنِهِ حَرَامًا حُرْمَةَ الْمُبَاشَرَةِ إلَى تَحْصِيلِهِ وَاكْتِسَابِ أَسْبَابِ حُصُولِهِ كَمَا قَالُوا فِي بَيَانِ وُجُوبِ الْإِيمَانِ وَحُرْمَةُ الْكُفْرِ بِأَنَّهُمَا مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ دُونَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَتَدَبَّرْ (وَخَلُّ الْخَمْرِ) عُطِفَ عَلَى الْمُثَلَّثِ أَيْ حَلَّ خَلُّ الْخَمْرِ أَيْ الْخَلُّ الَّذِي يَتَحَوَّلُ الْخَمْرُ إلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ تَحْوِيلُهُ (بِعِلَاجٍ) كَإِلْقَاءِ الْمِلْحِ وَالْخُبْزِ مَثَلًا إلَيْهَا (وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ وَلَا يَحِلُّ الْخَلُّ الْحَاصِلُ بِهِ إنْ كَانَ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَلَهُ فِي الْحِلِّ قَوْلَانِ (وَالِانْتِبَاذُ) أَيْ حَلَّ اتِّخَاذُ النَّبِيذِ (فِي الدُّبَّاءِ) وَهُوَ الْقَرْعُ (وَالْخَتْمُ) وَهُوَ الْجُرَّةُ الْخَضْرَاءُ (وَالْمُزَفَّتُ) وَهُوَ الظَّرْفُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ (وَالنَّقِيرُ) وَهُوَ ظَرْفٌ يَكُونُ مِنْ الْخَشَبِ الْمَنْقُورِ فَإِنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْخَمْرِ فَلَمَّا حُرِّمَتْ حَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الظُّرُوفِ إمَّا لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِمَّا لِأَنَّ فِيهَا أَثَرَ الْخَمْرِ فَلَمَّا مَضَى مُدَّةٌ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِعْمَالَهَا وَأَيْضًا يُبَالِغُ فِي ابْتِدَاءِ تَحْرِيمِ شَيْءٍ وَيُشَدِّدُ لِيَتْرُكَهُ النَّاسُ مَرَّةً فَإِذَا تَرَكُوهُ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ يَزُولُ التَّشْدِيدُ (وَكُرِهَ شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ) أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ الْحُرْمَةَ لِأَنَّ فِيهِ أَجْزَاءَ الْخَمْرِ وَعَبَّرَ بِهِ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ فِيهِ كَمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ (وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ بِلَا سُكْرٍ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ فِي قَلِيلِ الْخَمْرِ لِكَوْنِهِ دَاعِيًا إلَى الْكَثِيرِ وَالدُّرْدِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَاعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الْمُسْكِرِ. [كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] [أَقْسَام الْقَتْلُ] (كِتَابُ الْجِنَايَاتِ) لَا يَخْفَى وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ لِكِتَابِ الْحُدُودِ وَالْأَشْرِبَةِ الْجِنَايَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَحْرُمُ شَرْعًا سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ خُصَّتْ بِمَا تَعَلَّقَ بِالنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَخُصَّ الْغَصْبُ وَالسَّرِقَةُ بِمَا تَعَلَّقَ بِالْأَمْوَالِ (الْقَتْل) وَهُوَ فِعْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي إزْهَاقِ الرُّوحِ وَهُوَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عَمْدٌ وَخَطَأٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ هُوَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ عَمْدٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ وَخَطَأٌ وَجَارٍ مَجْرَى الْخَطَأِ وَقَتْلٌ بِسَبَبٍ وَاخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَنْوَاعِ قَتْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ وَإِلَّا فَالْقَتْلُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ وَقَتْلِ الْحَرْبِيِّ وَالْقَتْلِ صَلْبًا فِي حَقِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ بَيَّنَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (أَمَّا عَمْدٌ وَهُوَ قَتْلُ آدَمِيٍّ قَصْدًا) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْخَطَأِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِ الْوِقَايَةِ ضَرَبَهُ قَصْدًا مِنْ التَّسَامُحِ (بِنَحْوِ سِلَاحٍ) أَيْ بِسِلَاحٍ وَنَحْوِهِ (فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ) فَإِنَّ الْقَصْدَ فِعْلُ الْقَلْبِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَأُقِيمَ اسْتِعْمَالُ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا مَقَامَهُ تَيْسِيرًا كَمَا أُقِيمَ السَّفَرُ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ (كَلِيطَةٍ وَنَارٍ وَزُجَاجٍ وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ) فَإِنَّ الْآلَةَ الْقَاتِلَةَ غَالِبًا هِيَ الْمَحْدُودَةُ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُعَدَّةُ لِلْقَتْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنَّهُمَا مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ دُونَ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ) أَقُولُ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ النَّفْسَانِيِّ لَا يَكُونُ إيمَانًا وَلَا كُفْرًا إذْ الْإِيمَانُ مَنْ لَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِهِ اعْتِقَادًا مَعَ الْقَوْلِ وَهُوَ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ وَالْكُفْرُ يُوجَدُ بِإِرَادَتِهِ لِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ وَلَا وَجْهَ لِنَفْيِهِ كَوْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لِحُصُولِهِمَا بِهَا وَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ بِمَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ مُخَالِفًا لِهَذَا وَبَسَطْنَاهُ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا مَرَاقِي الْعُلَا فِي تَحْرِيرِ مَسْأَلَةِ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَضِدِّهِ وَالطَّلَا (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ تَخْلِيلُهَا) أَيْ فَيَكُونُ مُبَاحًا وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا لِحِفْظِ الْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْخَمْرَ مَالٌ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى صَحَّ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً بِالْإِتْلَافِ لَهُ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ (قَوْلُهُ وَالِانْتِبَاذُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنْ انْتَبَذَ فِيهَا قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَمْرِ لَا إشْكَالَ فِي حِلِّهِ وَطَهَارَتِهِ وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْخَمْرُ ثُمَّ اُنْتُبِذَ فِيهَا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الْوِعَاءُ عَتِيقًا يَطْهُرُ بِغُسْلِهِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا لَا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِخِلَافِ الْعَتِيقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ كُلَّ مَرَّةٍ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ غُسْلِ مَا لَا يَنْعَصِرُ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْلَأُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى إذَا خَرَجَ الْمَاءُ صَافِيًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ. اهـ. (فَرْعٌ مُهِمٌّ مِنْ التَّبْيِينِ) ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الِاسْتِشْفَاءَ بِالْحَرَامِ جَائِزٌ إذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ آخَرُ غَيْرَهُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ [شُرْبُ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَالِامْتِشَاطُ بِهِ] (كِتَابُ الْجِنَايَاتِ) (قَوْلُهُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ خُصَّتْ) يَعْنِي فِي هَذَا الْبَابِ وَإِلَّا فَجِنَايَاتُ الْحَجِّ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِنَفْسِ الْآدَمِيِّ وَلَا أَطْرَافِهِ مَعَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهَا الْجِنَايَةَ (قَوْلُهُ وَمُحَدَّدِ خَشَبٍ وَمُحَدَّدِ حَجَرٍ) لَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا وَالْخِلَافُ فِي الْمُثْقَلِ مِنْ الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ كَالنُّحَاسِ

[شرط القتل العمد]

حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ خَشَبٍ كَبِيرٍ أَوْ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي فِي شِبْهِ الْعَمْدِ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ (كَوْنُ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا) أَيْ عَاقِلًا بَالِغًا لِمَا مَرَّ فِي أَوَّلِ الْحُدُودِ أَوْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعُقُوبَاتِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ لِلصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَمْدٌ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُمَا (وَ) كَوْنُ (الْمَقْتُولِ مَعْصُومَ الدَّمِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا (أَبَدًا) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّ عِصْمَةَ دَمِهِ مُؤَقَّتٌ إلَى رُجُوعِهِ (بِالنَّظَرِ إلَى الْقَاتِلِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا قَتَلَ زَيْدٌ بَكْرًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَتَلَ بِشْرٌ زَيْدًا فَإِنَّ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ مَعْصُومَ الدَّمِ بِالنَّظَرِ إلَى أَوْلِيَاءِ بَكْرٍ لَكِنَّهُ كَانَ مَعْصُومَ الدَّمِ بِالنَّظَرِ إلَى بِشْرٍ أَبَدًا وَلِذَا وَجَبَ عَلَى بِشْرٍ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ قَتَلَ زَيْدًا عَمْدًا وَالدِّيَةُ إنْ كَانَ خَطَأً كَمَا سَيَأْتِي (وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالْمَقْتُولِ (شُبْهَةُ وِلَادٍ، وَ) شُبْهَةُ (مِلْكٍ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ عَمْدًا حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ (وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ (وَالْقَوَدُ عَيْنًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بَلْ الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَمْدُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ. وَلِأَنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَمْدُ قَوَدٌ» أَيْ مُوجِبُهُ الْقَوَدُ فَإِنَّ نَفْسَ الْعَمْدِ لَا يَكُونُ قَوَدًا أَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ إشْكَالٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فَتَخْصِيصُ الْخَطَأِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى قَصْرِ الدِّيَةِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ أَيْضًا أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذَلِكَ وَمَنْ ادَّعَى الشُّهْرَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَأَنَّ تَخْصِيصَ عَامِّ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَبْلَ أَنْ يُخَصَّصَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ مَوْصُولٍ لَا يَجُوزُ وَلَفْظُ الْقَتْلَى فِي الْآيَةِ إمَّا مُطْلَقٌ أَوْ عَامٌّ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْآيَاتِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] يَدُلُّ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ فَقَطْ لِأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّفَاسِيرِ وَكُتُبِ الْمَعَانِي أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا لَاحَظَ أَنَّهُ إنْ قَتَلَ قُتِلَ ارْتَدَعَ بِالضَّرُورَةِ عَنْ الْقَتْلِ فَإِذَا لَمْ يَقْتُلْ لَمْ يُقْتَلْ فَيَبْقَيَانِ عَلَى الْحَيَاةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْعَمْدِ فَإِنَّ الْقَاتِلَ فِي الْخَطَأِ لَا يُقْتَلُ بَلْ يَتَخَلَّصُ بِالدِّيَةِ وَبِهِ يَظْهَرُ الرَّدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ (إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّهُ) بِلَا بَدَلٍ (أَوْ يُصَالِحَ بِبَدَلٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. (وَ) حُكْمُهُ أَيْضًا (حِرْمَانُ الْإِرْثِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ» (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَا كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَرَجُلٍ قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا عَمْدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ كَاسْمِهَا مَاحِيَةً لِلْإِثْمِ وَالْإِثْمُ فِي الْعَمْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. وَمُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ سَوَاءً كَانَ حَدِيدًا أَوْ عُودًا أَوْ حَجَرًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْجُرْحُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي نُسْخَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْجُرْحُ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَيَأْتِي فِي شِبْهِ الْعَمْدِ) لَمْ يُسْتَوْفَ ثَمَّةَ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ هُنَا إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ضَرْبَهُ بِصَنْجَةِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ [شَرْطُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ] (قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى الشُّهْرَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ) بَيَانُهُ مَا قَالَ الْغَزِّيُّ فِي شَرْحِهِ قَدْ صَرَّحَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَامَّ لَمْ يُخَصَّ أَوْ لَا بَلْ خُصَّ مِنْهُ مَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَخَصَّ مِنْهُ قَاتِلَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شُبْهَةُ وِلَادٍ أَوْ شُبْهَةِ مِلْكٍ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الْقَبُولِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُصَالِحُ) هُوَ عَفْوٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُبَدَّلُ كَالْخَطَأِ يَعْنِي وَشِبْهَ الْعَمْدِ

أَكْثَرُ فَكَأَنْ ادَّعَى إلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ فَلَا تَجِبُ إلَّا بِسَبَبٍ دَائِرٍ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كَالْخَطَأِ فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ مُبَاحٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ حَرَامٌ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّثْبِيتِ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ قَتْلُهُ قَصْدًا بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) فِي الْعَمْدِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ وَأَمَّا الضَّرْبُ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْكَبِيرَيْنِ فَمِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِغَيْرِهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْفِعْلِ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّرْبِ وَمَعْنَى الْخَطَأِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ قَصْدِهِ إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا لَيْسَتْ بِآلَةِ الْقَتْلِ وَالْعَاقِلُ إنَّمَا يَقْصِدُ إلَى كُلِّ فِعْلٍ بِآلَتِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ غَيْرَ آلَةِ الْقَتْلِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَكَانَ خَطَأً يُشْبِهُ الْعَمْدَ (وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ) لِقَصْدِهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا (وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْآيَةَ. وَبَيَّنَ الْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ (تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] الْآيَةَ. وَالْإِطْعَامُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِثْبَاتُ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ وَيُجْزِيهِ رَضِيعٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ لِتَبَعِيَّتِهِ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا وَالسَّلَامَةُ فِي أَطْرَافِهِ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا وَلَا يُجْزِيهِ مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اسْمِ الرَّقَبَةِ (وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (بِلَا قَوَدٍ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَوَدٌ لِشِبْهِهِ بِالْخَطَأِ كَمَا عَرَفْت (وَهُوَ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ (فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) مِنْ الْأَطْرَافِ (عَمْدٌ) يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا سَيَأْتِي (فَلَيْسَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (شِبْهُهُ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا خَطَأٌ وَهُوَ إمَّا فِي الْقَصْدِ كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا وَلَوْ عَبْدًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا) فَإِنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا قَصَدَ رَمْيَهُ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْآدَمِيَّ صَيْدًا وَالْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَإِنَّمَا قَالَ وَلَوْ عَبْدًا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ آدَمِيَّتُهُ لَا مَالِيَّتُهُ (أَوْ) خَطَأٌ (فِي الْفِعْلِ كَرَمْيِهِ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا) فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْفِعْلِ لَا الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ وَاحِدٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَإِنَّمَا صَارَ الْخَطَأُ نَوْعَيْنِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَيُحْتَمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْخَطَأُ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا ذُكِرَ أَوْ الِاجْتِمَاعُ بِأَنْ يَرْمِيَ آدَمِيًّا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا جَارٍ مَجْرَى الْخَطَأِ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ السَّطْحِ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ) فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ لَكِنْ لَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ (وَحُكْمُهُمَا) أَيْ حُكْمُ الْخَطَأِ وَالْجَارِي مَجْرَاهُ (الْإِثْمُ دُونَ إثْمِ الْقَتْلِ) أَمَّا الْإِثْمُ فَلِتَرْكِ التَّحَرُّزِ فَإِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ خِلَافًا لِغَيْرِهِ) أَيْ كَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ) مِنْ حُكْمِ شِبْهِ الْعَمْدِ حِرْمَانُ الْإِرْثِ أَيْضًا وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَلَكِنَّهُ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَالسَّلَامَةُ فِي أَطْرَافِهِ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ ضَمَانِ دِيَةِ أَطْرَافِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا أَنَّ الْحَاجَةَ فِي التَّكْفِيرِ لِدَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لَهُ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ لِلْغَزِّيِّ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِكَلَامِهِ هَذَا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

[باب ما يوجب القود وما لا يوجبه]

الْأَفْعَالَ الْمُبَاحَةَ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَتُهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا فَإِنْ آذَى فَقَدْ تَرَكَ التَّحَرُّزَ فَأَثِمَ وَأَمَّا كَوْنُهُ دُونَهُ فَلِعَدَمِ الْقَصْدِ (وَالْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ) أَمَّا كَوْنُهُمَا حُكْمَ الْخَطَأِ فَبِالنَّصِّ وَأَمَّا كَوْنُهُمَا حُكْمَ الْجَارِي مَجْرَاهُ فَظَاهِرٌ (وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْصِدَ اسْتِعْجَالَ الْمِيرَاثِ وَأَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الْقَصْدَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَأَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِمًا لَمْ يَكُنْ نَائِمًا قَصْدًا إلَى اسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا قَتْلٌ بِالسَّبَبِ) أَيْ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَتْلِ (كَإِتْلَافِهِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) قَيْدٌ لِلْحَفْرِ وَالْوَضْعِ (أَوْ) وَضْعِ (خَشَبَةٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ (إلَّا أَنْ يَمْشِيَ) الْهَالِكُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَفْرِ وَنَحْوِهِ) فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ عَلَى الْحَافِرِ وَنَحْوِهِ (وَحُكْمُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّ الْفَاعِلَ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَكَأَنَّهُ مُوقِعٌ فِي الْبِئْرِ وَدَافِعٌ عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَوَجَبَ الدِّيَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (بِلَا كَفَّارَةٍ وَلَا إثْمِ الْقَتْلِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَأُلْحِقَ بِهِ الْخَطَأُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ وَلَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ (وَلَا إرْثَ إلَّا هُنَا) لِأَنَّ الْحِرْمَانَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَلَا قَتْلَ هُنَا (بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ) (يَجِبُ بِقَتْلِ مَعْصُومِ الدَّمِ عَمْدًا) قَيْدٌ لِلْقَتْلِ (بِشَرَائِطَ ذُكِرَتْ) مِنْ كَوْنِ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا. . . إلَخْ (فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ) لِتَمَامِ الْمُمَاثَلَةِ (وَبِالْعَبْدِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَالتَّخْصِيصُ بِالذَّكَرِ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ لَا يُقَالُ لَوْ دَلَّ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى النُّقْصَانِ فَلَا يُمْنَعُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ دَلَّ يَجِبُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] (وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْحَرْبِيُّ لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِكَافِرٍ فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا ضَرُورَةً (لَا هُمَا) أَيْ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ (بِمُسْتَأْمَنٍ) غَيْرِ مَعْصُومِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا مَرَّ (بَلْ هُوَ بِمِثْلِهِ) أَيْ يُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ مُبِيحِ الْقَتْلِ (وَ) يُقْتَلُ (الْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنُ وَنَاقِصُ الْأَطْرَافِ وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ) لِلْعُمُومَاتِ (وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا) لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْأَصْلُ بِفَرْعِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَبَ وَالْجَدَّ وَالْجَدَّةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقَادُ الْوَلَدُ بِوَلَدِهِ» (وَلَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ الْقِصَاصَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ (وَعَبْدٍ بَعْضِهِ لَهُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ (وَلَا) أَيْ لَا يُقْتَلُ قَاتِلُ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَاقِدَاهُ (أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فَشَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ. وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا إرْثَ إلَّا هُنَا) مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ مَعَ حُكْمِهِ إلَّا شِبْهَ الْعَمْدِ كَمَا ذَكَرْنَا [بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ] (قَوْلُهُ وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَجْهِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ (قَوْلُهُ وَلَا قَاتِلَ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَاقِدَاهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنَّمَا وَجَبَ حُضُورُ الْمُرْتَهِنِ لِيَسْقُطَ حَقُّهُ بِرِضَاهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ قَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ؟ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْقَوَدِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ فِي الْقَتْلِ فَيَصِيرُ خَطَأً كَذَا فِي الْكِفَايَةِ اهـ. وَحُكْمُ مَا إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَاقْتَصَّ يُطْلَبُ مِنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى عَدَمِ الْقَوَدِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الرَّاهِنُ وَمُرْتَهِنُهُ

أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا قَاتِلُ مُكَاتَبٍ قَتَلَ عَمْدًا عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ وَقَدْ تَرَكَ مَا يَفِي بِبَدَلِهِ. (وَ) عَنْ (وَارِثٍ وَسَيِّدٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا) أَيْ الْوَارِثُ وَالسَّيِّدُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَارِثُ وَعَلَى الثَّانِي الْمَوْلَى فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَارْتَفَعَ الْقِصَاصُ (فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ أَوْ) تَرَكَ (وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ سَيِّدُهُ لِتَعَيُّنِهِ وَلَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا ظَنَّهُ مُشْرِكًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بَلْ يُكَفِّرُ وَيَدِي) أَيْ يُعْطِي الدِّيَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ خَطَأٍ (مَاتَ) شَخْصٌ (بِفِعْلِ نَفْسِهِ) بِأَنْ شَجَّ نَفْسَهُ (وَ) فِعْلِ (زَيْدٍ) بِأَنْ شَجَّهُ (وَأَسَدٍ) بِأَنْ عَقَرَهُ (وَحَيَّةٍ) بِأَنْ لَدَغَتْهُ (ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي كَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْعُقْبَى حَتَّى يَأْثَمَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّارَيْنِ فَصَارَتْ الْأَفْعَالُ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ فَتُوَزَّعُ دِيَةُ النَّفْسِ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ التَّلَفُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَهَا فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لَكِنْ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ قَتْلُهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أُحِلَّ دَمُهُ» أَيْ أَهْدَرَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ (وَلَا شَيْءَ بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ وَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يَجِبَ قَتْلُهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَيَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ وَالْمَجْنُونِ كَمَا سَيَأْتِي (كَذَا) أَيْ يَجِبُ أَيْضًا (قَتْلُ شَاهِرِ سِلَاحٍ عَلَى رَجُلٍ مُطْلَقًا) أَيْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) شَاهِرٍ (عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا) حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا مَرَّ (تَبِعَ سَارِقَهُ الْمُخْرِجَ سَرِقَتَهُ لَيْلًا وَقَتَلَهُ جَازَ) وَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَاتِلْ دُونَ مَالِكِ» (إذَا تَعَيَّنَ) أَيْ الْقَتْلُ (لِخَلَاصِ مَالِهِ) وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إذَا قَصَدَ الْأَخْذَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ بِالسِّلَاحِ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ صَاحِبِ الدَّارِ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِقَتْلِهِ حَلَّ قَتْلُهُ (شَهَرَ عَصَا نَهَارًا فِي مِصْرٍ قَتَلَ مَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا) لِأَنَّ الْعَصَا لَيْسَ كَالسِّلَاحِ وَالظَّاهِرُ لُحُوقُ الْغَوْثِ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ (شَهَرَ سِلَاحًا فَضَرَبَ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْمَضْرُوبُ يُقَادُ) الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ عَادَتْ عِصْمَتُهُ الزَّائِلَةُ بِالضَّرْبِ فَإِذَا قَتَلَهُ آخَرُ قُتِلَ مَعْصُومًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ (وَضَمِنَ قَاتِلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ شَاهِرَيْنِ السِّلَاحَ وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُمَا عَمْدًا الدِّيَةَ) مَفْعُولٌ ضَمِنَ (فِي مَالِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَضْمَنُ الْعَمْدَ. (وَ) ضَمِنَ قَاتِلٌ (جَمَلٍ صَالَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالدَّابَّةِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحَضْرَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ وَمُقْتَضَى قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ فِي الْآدَمِيِّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لَكِنَّهُ امْتَنَعَ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَيَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ وَالْقِيمَةُ فِي الدَّابَّةِ (يُقْتَصُّ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا أَوْ بِشَهَادَةِ جَعْلِهِ مَجْرُوحًا وَذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ) يَعْنِي أَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ سِوَى الْإِقْرَارِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ فَمَاتَ مِنْهَا وَالثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ مَجْرُوحًا وَذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ (وَلَوْ) كَانَ جُرْحُهُ إيَّاهُ (بِنَحْوِ مِسَلَّةٍ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ إبْرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا قَاتِلَ مُكَاتَبٍ. . . إلَخْ) كَذَا لَا قَوَدَ بِقَتْلِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِقَتْلِ ابْنِ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ أَوْ تَرَكَ وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ قَتْلُهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ (قَوْلُهُ أَوْ شَاهِرٌ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ) لَوْ أَطْلَقَهُ عَنْ قَيْدِ الْمِصْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ تَبِعَ سَارِقَهُ) يَعْنِي سَارِقَ قَدْرِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ إذَا تَعَيَّنَ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ كَأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ وَأَنْشَدَهُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَتْرُكْهُ فَقَتَلَهُ حَيْثُ يُهْدَرُ دَمُهُ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ قَاتِلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ شَاهِرَيْنِ الدِّيَةَ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يَنْفِيهَا أَيْ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُمَا عَمْدًا) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ شُمُولُ الْقَتْلِ خَطَأً بِمُقْتَضَى وَلَوْ الْوَصْلِيَّةُ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ لِمَا أَنَّ الْخَطَأَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي زِيَادَةُ الْوَاوِ مِنْ وَلَوْ فَتَكُونُ لَوْ شَرْطِيَّةً لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي مَالِ قَاتِلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ دَفْعًا لِشَرِّهِمَا عَمْدًا (قَوْلُهُ يُقْتَصُّ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا أَوْ بِشَهَادَةٍ. . . إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ

عَظِيمَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ " جوال دوز " (لَا بِنَحْوِ إبْرَةٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ (إلَّا أَنْ يَغْرِزَ الْإِبْرَةَ فِي مَقْتَلِهِ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَقْتُلُ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَذَا فِي الْكَافِي (وَبِحَدِّ مَرٍّ) عُطِفَ عَلَى نَحْوِ مِسَلَّةٍ أَيْ يُقْتَصُّ أَيْضًا بِجُرْحِ حَدِّ مَرٍّ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ " كلنك " لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ (لَا ظَهْرِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا جَرَحَ وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ (وَلَا عُودٍ أَوْ مُثْقَلٍ أَوْ خَنِقٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّون مَصْدَرُ قَوْلِك خَنَقَهُ يَخْنُقُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (أَوْ تَغْرِيقٍ أَوْ سَوْطٍ وَالَى فِي ضَرْبِهِ فَمَاتَ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ يَخْتَصُّ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَذَا بِأَنْ يُبَاشِرَ الْقَتْلَ بِآلَتِهِ وَهِيَ الْآلَةُ الْجَارِحَةُ لِأَنَّ الْجُرْحَ يَعْمَلُ فِي نَقْضِ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَغَيْرُهُ يَنْقُضُهَا بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا وَقِوَامُهَا بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (كُلُّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ كَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْآنُكِ كَالْحَدِيدِ لَوْ) كَانَ (لَهُ حِدَّةٌ تَفَرُّقُ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ (رَمَاهُ بِمِقْدَارِ حَدِيدٍ يُقْتَلُ بِهِ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ (فَجَرَحَهُ أَوْ لَا فَمَاتَ مِنْهُ قُتِلَ كَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِعَصَا رَأْسُهَا مُضَبَّبٌ بِالْحَدِيدِ وَقَدْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ فَجَرَحَهُ أَوْ لَا أَوْ ضَرَبَهُ بِقَدْرِ حَدِيدٍ أَوْ قَمْقَمَتِهِ أَوْ عَمُودِهِ فَمَاتَ مِنْهُ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا الْكَبِيرَةِ أَوْ الْحَجَرِ الْمُدَوَّرِ وَلَمْ يَجْرَحْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ (قَتَلَ مَنْ لَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْوَلِيِّ (قَتْلُ الْقَاتِلِ قِصَاصًا) قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ (بِنَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَتَلَ الْقَاتِلُ أَيْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ بِنَفْسِهِ الْقَاتِلَ (أَوْ أَمَرَ الْغَيْرَ بِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ (إذَا كَانَ الْأَمْرُ ظَاهِرًا) هَذَا قَيْدٌ لِجَمِيعِ مَا سَبَقَ يَعْنِي إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ وَكَانَ لَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ جَازَ لَهُ قَتْلُ الْقَاتِلِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنْ اتَّفَقُوا كَانُوا كَالْوَاحِدِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْقَتْلُ وَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَأْمُرَ آخَرَ بِقَتْلِهِ أَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِجَوَازِ الْقِصَاصِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِمَا مَرَّ فِي جَوَازِ الْقِصَاصِ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا وَأَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِجَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ فَلِأَنَّهُ لِمَا جَازَ لَهُ إنَابَةُ الْغَيْرِ مَنَابَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَلِأَنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ لِظُهُورِ الْأَمْرِ يُنَافِي الضَّمَانَ (وَأَمَّا إذَا قَتَلَ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ (وَقَالَ الْوَلِيُّ أَمَرْته لَمْ يُصَدَّقْ وَيُقْتَلْ) الْأَجْنَبِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا بِنَحْوِ إبْرَةٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ إلَّا أَنْ يَغْرِزَ الْإِبْرَةَ فِي مَقْتَلِهِ) هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى رِوَايَةٍ قَالَ فِي اخْتِيَارٍ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا يُشْبِهُهُ عَمْدًا فَمَاتَ لَا قَوَدَ فِيهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَيُقْصَدُ بِالْمَسْأَلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ ضَرَبَ بِإِبْرَةٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُشْبِهُ الْإِبْرَةَ مُتَعَمِّدًا فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمِسَلَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَإِنْ كَانَتْ جَارِحَةً لِأَنَّهَا آلَةُ الْخِيَاطَةِ دُونَ الْقَتْلِ فَإِذَا تَمَكَّنَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْقَصْدِ امْتَنَعَ وُجُوبُ مَا لَا يُجَامِعُ الشُّبْهَةَ وَأَمَّا الْمِسَلَّةُ فَهِيَ آلَةٌ جَارِحَةٌ يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَفَرَّقَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بَيْنَ مَا إذَا غَرَزَ بِإِبْرَةٍ فِي الْمَقْتَلِ أَوْ غَيْرِ الْمَقْتَلِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ. وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ ضَرَبَهُ بِإِبْرَةٍ وَطَعَنَ بِهَا فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ قُتِلَ اهـ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ وَجْهَ اقْتِصَارِ قَاضِي خَانْ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِإِبْرَةٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ الْإِبْرَةَ فَمَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ اهـ. وَتَعْلَمُ أَيْضًا وَجْهَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ لُزُومِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالْإِبْرَةِ عَمْدًا مُخَالِفًا لِقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَبِحَدِّ مَرٍّ) الْمَرُّ بِالْفَتْحِ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ فِي الطِّينِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ لَا ظَهْرُهُ) يَعْنِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَهَا عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا جَرَحَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ظَاهِرٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجُرْحُ بِنَحْوِ مُثْقَلِ الْحَدِيدِ وَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْحِيحِ الْقِصَاصِ فِي الْجُرْحِ بِنَحْوِ مُثْقَلِ الْحَدِيدِ (قَوْلُهُ وَلَا عُودٌ أَوْ مُثْقَلٌ) يَعْنِي مُثْقَلَ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ لَا مُثْقَلَ حَدِيدٍ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَالَهُ قَبْلَهُ وَبِحَدِّ مَرٍّ لَا ظَهْرِهِ لِأَنَّ ظَهْرَهُ مُثْقَلٌ وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا يُنَاقِضُ مَا يَذْكُرُهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهُ بِمِقْدَارِ حَدِيدٍ فَمَاتَ يُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ جَرَحَهُ أَوْ لَا وَدَفَعَ الْمُنَاقَضَةَ بِأَنَّهُ مَشَى فِي كُلٍّ عَلَى رِوَايَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ وَعَلِمْت التَّصْحِيحَ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ أَوْ خَنِقٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ مَصْدَرٌ أَيْ مَصْدَرُ خَنَقَهُ إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ. . . إلَخْ) تَقْيِيدُهُ بِالْحَدِيدِ لَيْسَ لَازِمًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اللِّيطَةَ وَمُحَدَّدَ الْخَشَبِ وَالْحَجَرِ وَكُلَّ مُفَرِّقٍ لِلْأَجْزَاءِ كَالْحَدِيدِ (قَوْلُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. . . إلَخْ) قَدَّمَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَ الْغَيْرَ بِهِ) يَعْنِي وَاقْتَصَّ الْغَيْرُ بِحُضُورِهِ لِمَا يَأْتِي

لِانْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَتْلِ وَهُوَ ظُهُورُ الْأَمْرِ (وَيَلِي الْقِصَاصَ مَنْ يَرِثُ) أَيْ كُلُّ مَنْ يَرِثُ الْمَقْتُولَ فَلَهُ وِلَايَةُ الْقِصَاصِ (وَلَوْ) كَانَ (زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً كَذَا الدِّيَةُ) أَيْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ (وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا كَانُوا كِبَارًا حَتَّى يَجْتَمِعُوا) لِاحْتِمَالِ عَفْوِ الْغَائِبِ أَوْ صُلْحِهِ (وَيَسْتَوْفِي الْكَبِيرَ قَبْلَ كِبَرِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ (وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَتِهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ (قَتْلُ) رَجُلٍ (عَمْدًا رَجُلًا لَا وَلِيَّ لَهُ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ وَالصُّلْحُ) لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (لَا الْعَفْوُ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرَ الْعَامَّةِ (وَيُقِيدُ أَبُو الْمَعْتُوهِ قَاطِعَ يَدِهِ وَقَاتِلَ قَرِيبِهِ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ رَجَلٌ يَدَ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ قَرِيبَهُ كَوَلَدِهِ فَأَبُو الْمَعْتُوهِ يُقِيدُ مِنْ جَانِبِهِ لِأَنَّ لِأَبِيهِ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِمَا كَالْإِنْكَاحِ (وَيُصَالِحُ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمَّا مَلَكَ الِاسْتِيفَاءَ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الصُّلْحَ أَوْلَى هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَا بِعَفْوٍ) لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ فَقَطْ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقِصَاصِ تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ النَّفْسِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَبِ (وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ وَالْقَاضِي كَالْأَبِ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (وَيَسْقُطُ قَوَدُ نَفْسٍ وَمَا دُونَهَا وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ) بِأَنْ قَتَلَ أَبُوهُ أُمَّهُ عَمْدًا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا عَمْدًا لَا يَسْتَوْفِيهِ ابْنُهُ بَلْ يَسْقُطُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ (وَبِمَوْتِ الْقَاتِلِ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَبِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَصُلْحِهِمْ عَلَى مَالِ وَإِنْ قَلَّ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ كَيْفَ شَاءُوا (وَيَجِبُ حَالًّا) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ كَالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ. (وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا (بِصُلْحِ أَحَدِهِمْ وَعَفْوِهِ) لِأَنَّ الْقَوَدَ إذَا ثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقَوَدِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ (وَلِلْبَاقِي حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَتِهِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِصَاصِ ثَمَّةَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَاطِئًا وَلَا حِصَّةَ لِلْعَافِي لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ (صَالَحَ بِأَلْفٍ وَكِيلٌ وَوَلِيُّ عَبْدٍ وَحُرٍّ قَتَلَا) أَيْ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ (بِالصُّلْحِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَكِيلٍ (عَنْ دَمِهِمَا) أَيْ الدَّمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا (بِهِ) أَيْ بِالْأَلْفِ (تَنَصَّفَ بَيْنَهُمَا الْأَلْفُ) يَعْنِي إنْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ رَجُلًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمَا الدَّمُ فَوَكَّلَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفَانِ (وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِفَرْدٍ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا يُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِهِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَتْلِ وَهُوَ ظُهُورُ الْأَمْرِ) يَعْنِي أَمْرَ الْوَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ لَا أَمْرَ الْقَتْلِ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ ظَاهِرٌ اهـ. وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إذَا قَتَلَهُ الْمَأْمُورُ وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ وَالْأَمْرُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَأَنْكَرَ وَلِيُّ هَذَا الْقَتِيلِ الْأَمْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْأَصْلِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إنَّمَا يَخْرُجُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ كَذَّبَهُ وَلِيُّ هَذَا الْقَتِيلِ فِي الْأَمْرِ وَتَصْدِيقُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ بَعْدَ مَا بَطَلَ حَقُّهُ عَنْ الْقِصَاصِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَمْرُ فَبَقِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي قَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوَكِّلَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ اهـ. وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ حُضُورًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ رَجَاءُ الْعَفْوِ مِنْهُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ حُلُولِ الْعَقَبَةِ بِالْقَاتِلِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] . اهـ. وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ ذَكَرْته لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْبِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ يَنْدَرِئُ لِرُجُوعِهِ لِلْقِصَاصِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَبِ) الْمُرَادُ الِاخْتِصَاصُ النِّسْبِيُّ بِالنَّظَرِ إلَى مَا بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لَا مُطْلَقًا لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِنَحْوِ الْعَصَبَةِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ حَالًّا) يَعْنِي إلَّا أَنْ يُؤَجِّلَهُ الْوَلِيُّ أَجَلًا مَعْلُومًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِفَرْدٍ) هَذَا إذَا بَاشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا قَاتَلَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَتَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ

[باب القود فيما دون النفس]

(وَبِالْعَكْسِ) يَعْنِي يُقْتَلُ وَاحِدٌ بِجَمَاعَةٍ قَتَلَهُمْ عَمْدًا (وَيُكْتَفَى بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ لِلْجَمِيعِ (وَلَا شَيْءَ) مِنْ الْمَالِ (إنْ حَضَرَ وَلِيُّهُمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمْ إنْ قَتَلَهُمْ بِالتَّعَاقُبِ وَيُقْتَضَى بِالدِّيَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي تَرِكَتِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيَقْضِي بِالْقَوَدِ لِمَنْ خَرَجَ لَهُ الْقُرْعَةُ وَبِالدِّيَةِ لِلْبَاقِينَ وَقِيلَ لَهُمْ جَمِيعًا وَتُقْسَمُ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ قِتْلَاتٌ وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ قَتْلٌ وَاحِدٌ فَلَا تَمَاثُلَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ لِلْإِجْمَاعِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ عَلَى الْكَمَالِ فَحَصَلَ التَّمَاثُلُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ جَمَاعَةً هُوَ الْقِصَاصُ وَلَوْلَا التَّمَاثُلُ لَمَا وَجَبَ (وَلَوْ) حَضَرَ وَلِيٌّ (لِوَاحِدٍ) مِنْ الْمَقْتُولِينَ (قُتِلَ) الْقَاتِلُ لَهُ (وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ) أَيْ حَقُّ أَوْلِيَاءِ بَقِيَّةِ الْمَقْتُولِينَ (كَمَوْتِ الْقَاتِلِ) أَيْ كَمَا سَقَطَ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا مَرَّ (قَوَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ الْآخَرُ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ الْبَعْضِ مُسْقِطٌ لَهُ يُقَادُ وَإِلَّا فَلَا) يَعْنِي أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَظَنَّ صَاحِبُهُ أَنَّ عَفْوَ أَخِيهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّهِ فَقَتَلَ الْقَاتِلَ فَإِنَّهُ لَا يُقَادُ مِنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مُتَأَوِّلًا وَمُجْتَهِدًا فِيهِ إذْ عِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا فَصَارَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ مَانِعًا وُجُوبَ الْقِصَاصِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (رَجُلٌ جَرَحَ رَجُلًا وَأَشْهَدَ الْمَجْرُوحُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَجْرَحْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَلَا شَيْءَ عَلَى فُلَانٍ وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ جَازَ الْعَفْوُ) اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي فَتَاوَى الْمَسْعُودِيِّ (لَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِقَتْلِ عَبِيدِ الْوَقْفِ عَمْدًا) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» أَيْ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ هَكَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَالَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا قَوَدَ إلَّا بِالسِّلَاحِ وَإِنَّمَا كَنَّى بِالسَّيْفِ عَنْ السِّلَاحِ كَذَا فِي الْكَافِي (بَابُ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) (هُوَ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ حِفْظُ الْمُمَاثَلَةِ فَيُقَادُ قَاطِعُ الْيَدِ عَمْدًا مِنْ الْمِفْصَلِ) حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ لَمْ يُقَدْ لِامْتِنَاعِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ (وَلَوْ كَانَ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْهَا كَذَا الرِّجْلُ) فَإِنَّهَا إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْمِفْصَلِ يُقَادُ وَلَوْ مِنْ نِصْفِ السَّاقِ لَا (وَالْمَارِنُ) فَإِنَّ مَارِنَ الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ عَمْدًا يُقَادُ وَلَوْ مِنْ قَصَبَتِهِ فَلَا (وَالْأُذُنُ) فَإِنَّهُ إذَا قُطِعَتْ عَمْدًا يُقَادُ أَيْضًا. (وَ) كَذَا (عَيْنٌ ضُرِبَتْ فَزَالَ ضَوْءُهَا وَبَقِيَتْ الْعَيْنُ) وَبَيَّنَ طَرِيقَ الْقَوَدِ بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ قِتْلَاتٌ) لَعَلَّ الصَّوَابَ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ قَتْلٌ وَاحِدٌ) صَوَابُ الْعِبَارَةِ وَمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ قَتْلٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ سَابِقًا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ قِتْلَاتٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْجُودِ الْمُطْلَقُ أَيْ لِأَنَّ مَطْلُوبَهُمْ قِتْلَاتٌ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ ثَانِيًا وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ قَتْلٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَمَا يَحْصُلُ بِقَتْلِهِ وَاحِدٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ الْبَعْضِ مُسْقِطٌ لَهُ يُقَادُ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّ قَتْلَهُ تَمَحَّضَ حَرَامًا (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ الظَّنُّ أَيْ الِاعْتِقَادُ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ شَرْحًا وَإِلَّا فَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ لَا يُعْتَبَرُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ فَصَارَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ) يَنْبَغِي إسْقَاطُ الْفَاءِ مِنْهُ. اهـ. وَإِذَا انْتَفَى الْقِصَاصُ بِتَأْوِيلِهِ لَزِمَهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَإِنْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ. . . إلَخْ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ الْمَجْرُوحُ حُرًّا أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ حَقًّا لِلْمَوْلَى لَا لَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِقَتْلِ عَبْدِ الْوَقْفِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ اشْتِبَاهُ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ وَلَعَلَّهُ الْقِيمَةُ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ وَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ السِّلَاحِ لَا يُمَكَّنُ وَلَوْ فَعَلَ يُعَزَّرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَيِّ طَرِيقٍ قَتَلَهُ وَلَوْ بِسَوْقِ دَابَّتِهِ عَلَيْهِ أَوْ إلْقَائِهِ فِي بِئْرٍ وَيَأْثَمُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ مَشْرُوعٍ لِمُجَاوَزَتِهِ حَدَّ الشَّرْعِ. [بَابُ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ] (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ قَصَبَتِهِ فَلَا) كَذَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا قَطَعَ بَعْضَ الْقَصَبَةِ أَوْ كُلَّهَا فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ عَظْمٌ اهـ كَذَا أَطْلَقَهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا قَطَعَ أَنْفَ الصَّبِيِّ مِنْ أَصْلِ الْعَظْمِ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَأَنْ يَجِدَ الرِّيحَ أَوْ لَمْ يَجِدْ وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْأُذُنِ) أَيْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ فِي قَوْلِهِ وَقَطْعِ يَدٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا أَيْ الْأُذُنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ كَذَا عَيْنٌ ضُرِبَتْ فَزَالَ ضَوْءُهَا) هَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ حَوْلَاءَ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا قِصَاصَ فِي عَيْنِ الْأَحْوَلِ اهـ كَذَا أَطْلَقَهُ،. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ بِعَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَوَلٌ لَا يُغَيِّرُ بَصَرَهُ وَلَا يُنْقِصُ يُقْتَصُّ مِنْ الَّذِي أَذْهَبَ ضَوْءَهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَوَلُ شَدِيدًا يُنْقِصُ الْبَصَرَ فَحُكُومَةٌ اهـ. وَلَمْ يُسْنِدْهُ لِقَائِلٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ بِصِيغَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ. . . إلَخْ

(فَيَجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ) أَيْ الضَّارِبُ (قُطْنَ رُطَبٍ وَيُقَابِلُ عَيْنَهُ بِمِرْآةٍ مُحْمَاةٍ) فَإِنَّ ضَوْءَ عَيْنِهِ أَيْضًا يَزُولُ (وَلَوْ قُلِعَتْ) أَيْ عَيْنُهُ (لَا) أَيْ لَا يُقَادُ الِامْتِنَاعُ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ قَوْلُهُ (وَكُلُّ شَجَّةٍ) عُطِفَ عَلَى الرَّجُلِ أَيْ كَذَا كُلُّ شَجَّةٍ (يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ) حَيْثُ يَثْبُتُ فِيهِ الْقَوَدُ كَالْمُوضِحَةِ وَهِيَ أَنْ يُظْهِرَ الْعَظْمَ كَمَا سَيَأْتِي (لَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ) بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ» وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ إلَّا فِي السِّنِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ (وَإِنْ تَفَاوَتَا) فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّفَاوُتَ فِي الْمَنْفَعَةِ (فَتُقْلَعُ) سِنُّ الضَّارِبِ (إنْ قُلِعَتْ) سِنُّ الْمَضْرُوبِ (وَتُبْرَدُ) أَيْ تُكْسَرُ بِالْمِبْرَدِ (إنْ كُسِرَتْ) إلَى أَنْ يَتَسَاوَيَا (وَلَا) قَوَدَ أَيْضًا (فِي طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ) لِأَنَّ الْأَطْرَافَ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ فَتَنْتِفِي الْمُمَاثَلَةُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ (وَلَا) قَوَدَ أَيْضًا (فِي قَطْعِ يَدٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ) لِمَا مَرَّ (وَجَائِفَةٍ بَرِئَتْ) لِأَنَّ الْبُرْءَ فِي الْجَائِفَةِ نَادِرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْرَحَ الثَّانِيَ عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ مِنْهُ فَيَكُونُ إهْلَاكًا فَلَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَبْرَأْ فَإِنْ سَرَتْ وَجَبَ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا يُقَادُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ مِنْ الْبُرْءِ أَوْ السِّرَايَةِ (وَلَا) قَوَدَ أَيْضًا (فِي لِسَانٍ وَذَكَرٍ) لِامْتِنَاعِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الِانْقِبَاضَ وَالِانْبِسَاطَ يَجْرِي فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْأَصْلِ يُقْتَصُّ (إلَّا إذَا قَطَعَ) مِنْ الذَّكَرِ (الْحَشَفَةَ) لِإِمْكَانِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ حِينَئِذٍ (وَطَرَفُ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءً) لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْشِ (وَخُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةً) أَيْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ (أَوْ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْثَرَ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ (بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْأَرْشِ الْكَامِلِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ خُيِّرَ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ بِخِلَافِ يَدِ الْمَقْطُوعِ فَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ مُتَعَذَّرٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكُلُّ شَجَّةٍ يُرَاعَى فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فَلَا قَوَدَ فِي مُوضِحَةِ الْأَصْلَعِ الَّذِي ذَهَبَ شَعْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاجُّ كَذَلِكَ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الشِّجَاجِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقِيلَ يَجْرِي وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ وَإِلْحَاقَ الشَّيْنِ وَقَدْ تَفَاوَتَا فِي الْمَنْفَعَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ فِي هَذَا الشِّجَاجِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ إلْحَاقُ الشَّيْنِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي إلْحَاقِ الشَّيْنِ فَإِنَّهُ يُلْحِقُ الشَّيْنَ بِهَا بِالشِّجَاجِ مِثْلَ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَتُقْلَعُ سِنُّ الضَّارِبِ إنْ قُلِعَتْ سِنُّ الْمَضْرُوبِ) أَطْلَقَهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ قِصَاصِ السِّنِّ فَفِي الْخَانِيَّةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُؤْخَذُ سِنُّهُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ لَا يَقْلَعُ سِنَّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ وَلَكِنْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ وَلَكِنْ يُبْرَدُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطَ مَا سِوَاهُ وَلَوْ نُزِعَ جَازَ وَالْبَرْدُ احْتِيَاطٌ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى فَسَادِ اللَّحْمِ اهـ. وَلَا يَنْتَظِرُ حَوْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَتُبْرَدُ إنْ كُسِرَتْ) هَذَا إنْ لَمْ يَسْوَدَّ الْبَاقِي وَإِنْ اسْوَدَّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فَإِنْ طَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ قَدْرِ الْمَكْسُورِ وَتَرَكَ مَا اسْوَدَّ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا كَسَرَ السِّنَّ لَا قِصَاصَ فِيهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَفِي كَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ إنَّمَا يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إنْ كُسِرَ عَنْ مَرَضٍ أَمَّا لَوْ عَنْ طُولٍ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ اهـ. (قَوْله وَلَا قَوَدَ فِي طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا (قَوْلُهُ وَلَا قَوَدَ فِي لِسَانٍ وَذَكَرٍ. . . إلَخْ) كَذَا لَا قَوَدَ بِقَطْعِ بَعْضِ الشَّفَةِ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ وَإِنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يُقْتَصُّ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْأَصْلِ يُقْتَصُّ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ قَالَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَيْ أَبِي يُوسُفَ مَا بَيَّنَّا اهـ لَكِنْ بِلُزُومِ الْقِصَاصِ جَزَمَ قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ قَالَ وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ مِنْ الْأَصْلِ عَمْدًا قِصَاصٌ وَإِنْ قُطِعَ مِنْ وَسَطِهِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَهَذَا فِي ذَكَرِ الْفَحْلِ فَأَمَّا فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي ذَكَرِ الْمَوْلُودِ إنْ تَحَرَّكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَالدِّيَةُ إنْ خَطَأً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ كَانَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ اهـ مِنْ غَيْرِ إسْنَادِ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَلْ جَعْلُهُ حُكْمًا مُطْلَقًا عَنْ الرِّوَايَةِ وَقَدْ نَقَلَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْإِمَامِ مِثْلَ أَبِي يُوسُفَ وَنَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ الْحَشَفَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَاوَاةِ إذْ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ فَأَشْبَهَ الْيَدَ مِنْ الْكُوعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَخُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَدُ الشَّلَّاءُ يُنْتَفَعُ بِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْقِصَاصِ فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ كَامِلَةً مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.

يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لِإِنْسَانٍ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا الرَّدِيءُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ بِأَنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ اسْتَوْعَبَتْ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَلِأَنَّ الشَّجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِهَا مُشِينَةً فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا وَفِي اسْتِيعَابِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ وَبِاسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجُّ مِنْ الشَّيْنِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ (لَا تُقْطَعُ يَدَانِ بَيْدَانِ أَمَرَّا سِكِّينًا) وَاحِدًا (عَلَيْهَا فَقَطَعَتْ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ بِأَنْ أَخَذَا سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْفَصَلَتْ لَا تُقْطَعُ يَدَاهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْطَعَانِ اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ لِأَنَّ مَا قُطِعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يُقْطَعْ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَلَا الثِّنْتَانِ بِالْوَاحِدَةِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَفِي الطَّرَفِ يُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ (وَضَمِنَا دِيَتَهَا) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعَةِ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الرُّبْعُ مِنْ مَالِهِمَا لِمَا مَرَّ مِرَارًا (وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يُمْنَى رَجُلَيْنِ) سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ بِالتَّعَاقُبِ (فَلَهُمَا) إذَا حَضَرَا (يَمِينُهُ) أَيْ قَطْعُ يَمِينِهِ (وَدِيَةُ يَدٍ) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ فَيَقْسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَمَّا ثُبُوتُ الْقَطْعِ لَهُمَا فَلِأَنَّ تَسَاوِيهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فَتَقَرَّرَ السَّبَبُ فِي حَقِّ الثَّانِي أَيْضًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ وَأَمَّا ثُبُوتُ الدِّيَةِ لَهُمَا فَلِمَا عَرَفْت أَنَّ الْأَطْرَافَ هَاهُنَا فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ وَعَرَفْت أَيْضًا أَنَّ الْقَوَدَ ثَابِتٌ لَهُمَا عَلَى الْكَمَالِ لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ اعْتِبَارُ مَالِيَّةِ الْأَطْرَافِ أَيْضًا كَيْ لَا يَبْقَى حَقُّ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يَكْتَفِي فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا بِدُونِ الدِّيَةِ قَيَّدَ بِيُمْنَى رَجُلَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَيَسَارَ آخَرَ قَطَعَ يَدَاهُ بِهِمَا وَكَذَا إذَا قَطَعَهُمَا لِوَاحِدٍ (فَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمَقْطُوعَيْنِ (وَقَطَعَ) يَدَ الْقَاطِعِ (فَلِلْآخِرِ الدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ يَدٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ لِيَحْضُرَ الْآخَرُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا فَإِذَا اسْتَوْفَى الْأَوَّلُ تَمَامَ حَقِّهِ بِالْقَوَدِ بَقِيَ حَقُّ الثَّانِي فِي تَمَامِ دِيَةِ يَدٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ لَيْسَتْ كَالنُّفُوسِ كَمَا مَرَّ (رَمَى عَمْدًا فَنَفَذَ) سَهْمُهُ (إلَى آخَرَ فَمَاتَا يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِلثَّانِي) لِأَنَّهُ خَطَأٌ (قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ) آخَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ) كَذَا جَمِيعُ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُقْتَصُّ بِهِ إذَا أَتْلَفَهُ مَا زَادَ عَنْ وَاحِدٍ عَمْدًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِرَارًا) يَعْنِي مِنْ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ (قَوْلُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي) يَعْنِي كَمَا تَقَرَّرَ الْحَقُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ لِلثَّانِي سَبْقُ السَّبَبِ لِلْأَوَّلِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْعِنَايَةِ وَيُرْشِدُ إلَيْهَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ مُسْتَظْهِرًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ) (خَطَأٌ) يَعْنِي فِي الْفِعْلِ

(ثُمَّ قَتَلَهُ أَخَذَ) أَيْ الْقَاطِعُ (بِهِمَا) أَيْ بِمُوجِبِ قَطْعِهِ وَقَتْلِهِ (فِي عَمْدَيْنِ وَمُخْتَلِفَيْنِ) بِأَنْ قَطَعَ عَمْدًا وَقَتَلَ خَطَأً أَوْ عُكِسَ (بَرِئَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَا) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَمْدَيْنِ وَالْمُخْتَلِفِينَ أَمَّا فِي الْعَمْدَيْنِ فَإِنْ بَرِئَ بَيْنَهُمَا يُقْتَصُّ بِالْقَطْعِ ثُمَّ بِالْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَكَذَا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَعِنْدَهُمَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ فَيَدْخُلُ جَزَاءُ الْقَطْعِ فِي جَزَاءِ الْقَتْلِ وَأَمَّا فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا قَطَعَ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَ خَطَأً يُقْتَصُّ لِلْقَطْعِ وَيُؤْخَذُ دِيَةُ النَّفْسِ وَفِي عَكْسِهِ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ لِلْقَطْعِ وَيُقْتَصُّ لِلْقَتْلِ لِاخْتِلَافِ الْجِنَايَتَيْنِ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرِ خَطَأً. (وَ) أَخَذَ بِهِمَا أَيْضًا (فِي خَطَأَيْنِ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ) أَيْ يَجِبُ دِيَةُ الْقَطْعِ وَدِيَةُ الْقَتْلِ. (وَ) أَخَذَ (بِدِيَةٍ) وَاحِدَةٍ (فِي خَطَأَيْنِ) أَيْ خَطَأِ الْقَطْعِ وَخَطَأِ الْقَتْلِ (لَا بُرْءَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ دِيَةَ الْقَطْعِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ عَدَمَ السِّرَايَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ عَمْدَيْنِ لَا بُرْءَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدِّيَةَ مِثْلٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِهَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ مِثْلٌ مَعْقُولٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَتْلَ إمَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ وَالْقَطْعُ كَذَلِكَ صَارَ أَرْبَعَةً ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا صَارَ ثَمَانِيَةً وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا (كَمَا فِي ضَرْبِ مِائَةِ سَوْطٍ بَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ وَمَاتَ مِنْ عَشْرَةٍ) حَيْثُ يُكْتَفَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَمَّا بَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ لَمْ تَبْقَ مُعْتَبَرَةً إلَّا فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ وَكَذَا كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَوْدِيَةِ (وَإِنْ بَقِيَ) أَيْ الْأَثَرُ (وَجَبَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي الدِّيَاتِ (وَدِيَةٌ) لِلْقَتْلِ (عَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَاطِعِ فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الدِّيَةَ) يَعْنِي رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَعَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَاطِعِ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ (وَلَوْ) عَفَا (عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ أَيْضًا أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَاتِلِ (فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ الْكُلِّ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وَقَدْ عَفَا عَنْهَا فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ فَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ وَأَمَّا الْعَمْدُ فَمُوجِبُهُ قَوَدٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ عَلَى الْكَمَالِ هَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا (كَذَا الشَّجَّةُ) يَعْنِي أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا (قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَنَكَحَهَا عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا دِيَةٌ فِي مَالِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا لَوْ خَطَأً) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ أَوْ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ فَكَذَا التَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ أَوْ الْقَطْعُ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا كَأَنْ تَزَوَّجَا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ هُوَ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ كَالْمُتَمَحِّضِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَزَوُّجُهَا عَلَيْهِ قُلْنَا الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ ثُمَّ تَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ تَضَمَّنَ مِنْ الْعَفْوِ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ وَهِيَ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَ الْأَثَرُ) يَعْنِي أَثَرَ التِّسْعِينَ سَوْطًا الَّتِي بَرِيءَ مِنْهَا وَجَبَ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِيهَا مَعَ دِيَةٍ كَامِلَةٍ لِلنَّفْسِ لِلْقَتْلِ بِالْعَشَرَةِ الْمُكَمِّلَةِ لِلْمِائَةِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ يَعْنِي قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْخَطَأُ كَالْعَمْدِ (قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ الْكُلِّ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ جِنَايَةُ الْخَطَأِ مِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَكَذَا الْخَطَأُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى

لَا تَتَحَمَّلُهُ فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الدِّيَةُ وَلَهَا الْمَهْرُ تَقَاصَّا إنْ اسْتَوَيَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَإِنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بَلْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ (وَلَوْ) نَكَحَهَا (عَلَى يَدِهِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا) يَعْنِي السِّرَايَةَ (أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَوْ عَمْدًا) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) أَيْ لَا دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ لِأَنَّ حَقَّهُ الْقِصَاصُ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مَهْرًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَسَقَطَ أَصْلًا (وَرُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا لَوْ خَطَأً) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْمَهْرِ (فَإِنْ سَاوَى) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (الدِّيَةَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى مَهْرِ الْمِثْلِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ) أَيْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُمْ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا مِنْهُ لَهَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا فَكَيْفَ يَغْرَمُونَ لَهَا. (وَفِي الْأَكْثَرِ) أَيْ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ (لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ (وَالزَّائِدُ) (فِي الْأَقَلِّ) أَيْ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالزَّائِدُ مِنْهَا (وَصِيَّةٌ لَهُمْ) أَيْ لِلْعَاقِلَةِ وَتَصِحُّ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأَجَانِبِ فَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَرْفَعُ عَنْهُمْ أَيْضًا وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الْفَضْلَ إلَى الْوَلِيِّ إذْ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ (قُطِعَتْ يَدُهُ) يَعْنِي قَطَعَ زَيْدٌ مَثَلًا يَدَ بَكْرٍ فَأَثْبَتَهُ بَكْرٌ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ (فَاقْتَصَّ) زَيْدٌ (لَهُ) أَيْ لِبَكْرٍ بِأَنْ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ (فَمَاتَ) الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ وَهُوَ بَكْرٌ (قُتِلَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ) وَهُوَ زَيْدٌ (بِهِ) أَيْ بِقَطْعِهِ سَابِقًا إذْ تَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلًا عَمْدًا وَإِنَّ حَقَّ الْمُقْتَصِّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَأَمَّا اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ مِنْ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْمُقْتَصِّ لَهُ فِي الْقَتْلِ. (وَضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ مَنْ قَطَعَ بِنَفْسِهِ يَدَ غَيْرِهِ قَوَدًا فَسَرَى) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ ضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ فَسَقَطَ حُكْمُ سِرَايَتِهِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِئَلَّا يَفْسُدَ بَابُ الْقِصَاصِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ إذَا قَطَعَ السَّارِقَ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَلَهُ أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فِي الْقَطْعِ وَالْمَوْجُودُ قَتْلٌ إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُخْطِئِ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ لَا الْقَتْلَ وَقَتْلُ الْخَطَأِ يُوجِبُ الدِّيَةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ إذْ يَجِبُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْقِصَاصِ عَلَى الْقَاضِي بِتَقَلُّدِهِ وَالْعَمَلِ عَلَى الْبَزَّاغِ وَنَحْوِهِ بِالْعَقْدِ وَإِقَامَةُ الْوَاجِبِ لَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْعَفْوِ بَلْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ فَيَتَقَيَّدُ اسْتِيفَاؤُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ هَذَا مَا قَالُوا وَيَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا أَوْرَثَ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُورِثَ حُكْمُ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي الْعَجَمِ لَكِنَّهُ أَطْلَقَهُ لِلْإِحَالَةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الْفَضْلَ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قِيلَ لَا يَسْقُطُ مِنْهُ قَدْرُ نَصِيبِ الْقَاتِلِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ نَصِيبُهُ لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ يَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا أَصَابَ الْقَاتِلَ يَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ فَيُقْسَمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَيْضًا ثُمَّ هَكَذَا وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (قَوْلُهُ فَإِذَا أَوْرَثَ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُورِثَ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ. . . إلَخْ) هَذَا حُكْمٌ عَلَى مَعْدُومٍ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ حُكْمٍ مِنْ الْقَاضِي وَمَعَهُ قِصَاصٌ عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَفْهُومًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا وَضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ مَنْ قَطَعَ بِنَفْسِهِ يَدَ غَيْرِهِ قَوَدًا فَسَرَى

[باب الشهادة في القتل واعتبار حالته]

فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَيْسَ أَدْنَى مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ أَقُولُ فِي دَفْعِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَا يُورِثُ شُبْهَةً يُدْفَعُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى مُدَّعِي الْقَطْعِ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ وَأَثْبَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَانَ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِهِ فَيَكُونُ الْمُدَّعِي فِي حُكْمِ الْمُكْرِهِ لِلْقَاضِي كَمَا يَكُونُ الْمُسْتَوْفَى بِنَفْسِهِ فِي حُكْمِ الْمُخْطِئِ بَلْ يَكُونُ مُكْرَهًا حَقِيقَةً بِمُقْتَضَى تَعْرِيفِ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلٍ بِمَا يُعْدَمُ رِضَاهُ بِهِ لَا اخْتِيَارُهُ فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ أَوْ مُكْرَهًا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ يَكُونُ آلَةً لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ (وَأَرْشُ الْيَدِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ دِيَةُ النَّفْسِ أَيْ ضَمِنَ أَرْشَ الْيَدِ (مَنْ قَطَعَ يَدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قَوَدٌ فَعَفَا عَنْهُ) أَيْ قَطَعَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ يَدَ الْقَاتِلِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقَتْلِ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَأَتْلَفَ الْبَعْضَ فَإِذَا عَفَا فَهُوَ عَمَّا سِوَى هَذَا الْبَعْضِ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لَكِنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ (بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ) أَيْ حَالَةِ الْقَتْلِ (الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ بَدْءًا لَا إرْثًا) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا طَرِيقَتَيْنِ أَحَدُهُمَا طَرِيقُ الْخِلَافَةِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِسَبَبٍ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُورِثِ كَمَا إذَا اتَّهَبَ الْعَبْدَ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْمَوْلَى بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَالثَّانِي طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُورِثِ ثُمَّ لِلْوَارِثِ بِالنَّقْلِ مِنْهُ إلَيْهِ فَذَهَبَ الْإِمَامَانِ إلَى الثَّانِي قَوْلًا بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَصِحُّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَقْضِي دُيُونَهُ مِنْهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا وَيَنْفُذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى الْأَوَّلِ قَوْلًا بِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا صَحَّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً (فَلَا يَصِيرُ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ) فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُمْ وَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ (فَلَوْ بَرْهَنَ) أَحَدُهُمْ (بِغَيْبَةِ أَخِيهِ عَلَى قَتْلِ أَبِيهِ فَحَضَرَ) الْأَخُ الْغَائِبُ (يُعِيدُهَا) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ (وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ) إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ (بِخِلَافِ الْخَطَأِ وَالدَّيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُعِيدُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَقُولُ فِي دَفْعِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَا يُورِثُ شُبْهَةً يَنْدَفِعُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى مُدَّعِي الْقَتْلِ. . . إلَخْ) بَعِيدُ الْإِسْنَادِ إلَى مَقَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُبَايِنٌ لِلْقَضَاءِ لِاسْتِنَادِهِ لِلْحُجَّةِ وَالْإِكْرَاهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُ وَإِنَّمَا هُوَ بَغْيٌ مَحْضٌ وَلَوْ قِيلَ بِمَا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضَاءِ فَائِدَةٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ وَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى حَقِيقَةِ الْإِكْرَاهِ وَكَانَ الْقَاضِي آلَةً فِي يَدِ الْمُدَّعِي صَارَ الْقَضَاءُ مُنْعَدِمًا وَصَارَ الْمُدَّعِي مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلشُّبْهَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ مَتْنًا وَفِي إثْبَاتِ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ إبْطَالٌ لِلْمَتْنِ بَلْ لِكُلِّ مَتْنٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ وَأَرْشُ الْيَدِ مِنْ قَطْعٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي سَوَاءٌ قَضَى بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يَقْضِ وَذَلِكَ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) يَعْنِي إذَا بَرِئَتْ وَلَمْ تَسْرِ إلَى النَّفْسِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُمَا يَعْنِي الصَّاحِبَيْنِ أَهْدَرَاهُ أَيْ أَرْشَ الْيَدِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى نَفْسِهِ وَكَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْأَصَابِعَ وَهِيَ لِلْكَفِّ كَالْأَطْرَافِ لِلنَّفْسِ وَكَمَا لَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَمَا سَرَى ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبَرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرِيءَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ فَلَا يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّهَا بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى (تَنْبِيهٌ) لَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ أَيَّ شَعْرٍ كَانَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ] [مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ] بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ (قَوْلُهُ اعْلَمْ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْمَالُ وَطَرِيقُ ثُبُوتِهِ الْمِيرَاثُ وَكَذَا الدَّيْنُ إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بَيِّنَةً أَنَّ لِأَبِيهِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَحَضَرَ أَخُوهُ لَا يُعِيدُهَا (بَرْهَنَ الْقَاتِلُ عَلَى عَفْوِ الْغَائِبِ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبًا وَبَعْضُهُمْ حَاضِرًا فَأَقَامَ الْقَاتِلُ بَيِّنَةً عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقَوَدِ وَانْتِقَالَهُ إلَى الْمَالِ فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ (كَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ) يَعْنِي إذَا قُتِلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الْقَاتِلُ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا عَنْهُ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ إنْ أَثْبَتَ لِمَا ذُكِرَ (أُخْبِرَ وَلِيَّانِ بِعَفْوِ شَرِيكِهِمَا فَهُوَ عَفْوٌ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمَا) يَعْنِي أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلِيَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِمَا أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَإِنَّ إخْبَارَهُمَا عَفْوٌ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ صَدَّقَهُمَا) أَيْ الْمُخْبِرَيْنِ (الْقَاتِلُ وَالشَّرِيكُ فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ الشَّرِيكِ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ أَبْطَلَ نَصِيبَهُ (وَلَهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ) لِأَنَّ نَصِيبَهُمَا صَارَ مَالًا وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَإِنْ كَذَّبَاهُمَا) أَيْ كَذَّبَ الْقَاتِلُ وَالشَّرِيكُ الْمُخْبِرَيْنِ (فَلَا شَيْءَ لِلْمُخْبِرَيْنِ) لِأَنَّهُمَا بِإِخْبَارِهِمَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا فِي الْقِصَاصِ فَانْقَلَبَ مَالًا وَلَا مَالَ لَهُمَا لِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ وَالشَّرِيكِ (وَلِشَرِيكِهِمَا ثُلُثُهَا) لِأَنَّ حَقَّ الْمُخْبِرَيْنِ لَمَّا سَقَطَ فِي الْقِصَاصِ سَقَطَ حَقُّ شَرِيكِهِمَا فِيهِ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ وَانْتَقَلَ إلَى الْمَالِ وَسَقَطَ حَقُّهُمَا فِي الْمَالِ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ فَبَقِيَ حِصَّةُ شَرِيكِهِمَا وَهِيَ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالثَّالِثُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَحْدَهُ) أَيْ وَكَذَّبَهُمَا الشَّرِيكُ (فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا) لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَلَزِمَ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الشَّرِيكِ فَلَمْ يُصَدَّقْ فَتَحَوَّلَ مَالًا وَغَرِمَ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ أَثْلَاثًا وَالرَّابِعُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ صَدَّقَهُمَا) أَعْنِي الْمُخْبِرَيْنِ (الشَّرِيكُ فَقَطْ) أَيْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ (فَلَهُ) أَيْ لَلشَّرِيكِ (ثُلُثُهَا) أَيْ يَغْرَمُ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ (وَيَصْرِفُ إلَى الْمُخْبِرَيْنِ) لِأَنَّ زَعْمَ الشَّرِيكِ أَنَّهُ عَفَا لِتَصْدِيقِهِ الْمُخْبِرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَهُمَا عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ وَمَا فِي يَدِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا الْمَالَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ يُنْكِرُ فَلَمْ يَثْبُتْ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلشَّرِيكِ قَدْ بَطَلَ بِتَكْذِيبِهِ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ الْمُخْبِرَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِإِخْبَارِهِمَا بِالْعَفْوِ كَابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ فَإِنَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَذَا هُنَا (اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ آلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصَا وَالْآخَرُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ (أَوْ قَالَ شَاهِدٌ قَتَلَهُ بِعَصَا، وَ) قَالَ (الْآخَرُ جَهِلْت آلَةَ قَتْلِهِ لَغَتْ) أَيْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ وَتَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا وَالْمُطْلَقُ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَرُدَّتْ (شَهِدَا بِقَتْلِهِ وَقَالَا جَهِلْنَا آلَتَهُ وَجَبَ الدِّيَةُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجَهِلَ الْمَشْهُودَ بِهِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَخْبَرَ وَلِيَّانِ بِعَفْوٍ. . . إلَخْ) فَسَّرَ الْإِخْبَارَ بِالشَّهَادَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِثُبُوتِ عَفْوِهِمَا بَيْنَ كَوْنِ الْإِخْبَارِ مُجَرَّدًا عَنْ الدَّعْوَى مِنْ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الثَّالِثِ وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ صَدَرَ بَعْدَ الدَّعْوَى مِنْ الْقَاتِلِ فَيَكُونُ شَهَادَةً فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَفْوِهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الشَّرِيكُ فَقَطْ فَلَهُ ثُلُثُهَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْت ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيُصْرَفُ إلَى الْمُخْبِرِينَ) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي يَدِهِ) أَيْ الشَّرِيكِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ) أَيْ الْقَاتِلُ (قَوْلُهُ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَرُدَّتْ) كَذَا لَوْ كَمَّلَ النِّصَابَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِتَيَقُّنِ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يُقْبَلُ الْكَامِلُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

[مسائل اعتبار حالة القتل]

بِمُجْمَلٍ لِيَمْتَنِعَ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدُ فَلَا تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ لِمَا مَرَّ مِرَارًا (أَقَرَّ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِقَتْلِ زَيْدٍ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ فَلَهُ قَتْلُهُمَا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ بِانْفِرَادِهِ بِكُلِّ الْقَتْلِ وَبِالْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ صَدَّقَهُ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي انْفِرَادِهِ بِالْقَتْلِ وَتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ تَفْسِيقَهُ وَفِسْقُ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ (وَلَوْ كَانَ مَكَانَ إقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ) أَيْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا وَآخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ لَغَتْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِ (شَهِدَا) عَلَى رَجُلٍ (بِقَتْلِهِ خَطَأً وَحَكَمَ بِالدِّيَةِ فَجَاءَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِقَتْلِهِ حَيًّا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ الْوَلِيُّ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الدِّيَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ (أَوْ الشُّهُودَ) لِأَنَّ الْمَالَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ (وَرَجَعُوا) أَيْ الشُّهُودُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ مَا فِي يَدِ الْوَلِيِّ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ (وَالْعَمْدُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي الرُّجُوعِ) أَيْ إذَا كَانَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَمْدِ فَقَتَلَ بِهِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا تَخَيَّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْوَلِيِّ الدِّيَةَ أَوْ الشُّهُودِ فَإِنْ ضَمَّنُوا الشُّهُودَ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْوَلِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا هُنَا لِلْوَلِيِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَرْجِعُوا بِمَالٍ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا فِي الْخَطَأِ (وَلَوْ) شَهِدَا (عَلَى إقْرَارِهِ) أَيْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْخَطَأِ أَوْ الْعَمْدِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا لَمْ يَضْمَنَا إذْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا (أَوْ) شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ (غَيْرِهِمَا فِي الْخَطَأِ) وَقُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا لَمْ يَضْمَنَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ شَهَادَةُ الْأُصُولِ عَلَى الْقَتْلِ لَا نَفْسُ الْقَتْلِ (ضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْعَاقِلَةِ إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [مَسَائِلِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ] ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ شَرَعَ فِي مَسَائِلِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ فَقَالَ (الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْحِلِّ لِأَنَّ الضَّمَانَ أَنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الشَّخْصُ جَانِيًا بِفِعْلٍ يَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِيَارِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ لَا الْوُصُولُ (فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ) الْمَرْمِيُّ عَلَيْهِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ فَمَاتَ فَعَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَإِتْلَافُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ هَدَرٌ وَلَهُ أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ وَقْتَ الرَّمْيِ مَعْصُومٌ وَالْعِبْرَةُ بِهِ (وَتَجِبُ الْقِيمَةُ لِسَيِّدِ عَبْدٍ رَمَى إلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صَارَ مَرْمِيًّا إلَيْهِ (فَأَعْتَقَهُ فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ فَمَاتَ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مَمْلُوكٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ . (وَ) يَجِبُ (الْجَزَاءُ عَلَى مُحْرِمٍ رَمَى صَيْدًا فَحَلَّ) أَيْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْرَامِ (فَوَصَلَ) السَّهْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مُحْرِمٌ (لَا عَلَى حَلَالٍ رَمَاهُ فَأَحْرَمَ فَوَصَلَ) لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ غَيْرُ مُحْرِمٍ (وَلَا يَضْمَنُ مَنْ رَمَى مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِرَجْمٍ فَرَجَعَ شَاهِدُهُ فَوَصَلَ) لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مُبَاحُ الدَّمِ [كِتَابُ الدِّيَاتِ] [مِقْدَار الدِّيَة وَأَجْنَاسهَا] [الدِّيَة فِي شَبَه الْعَمْد] (كِتَابُ الدِّيَاتِ) جَمْعُ دِيَةٍ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ ثُمَّ قِيلَ لِذَلِكَ الْمَالِ دِيَةٌ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَفَاؤُهَا مَحْذُوفَةٌ كَمَا فِي عِدَةٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَجِبُ أَيْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) يَعْنِي فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ فَلَهُ قَتْلُهُمَا) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ قَتَلْته وَحْدَك فَيَكُونُ مُقِرًّا بِعَدَمِ قَتْلِ الْآخَرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُمَا فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَيْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا وَآخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ) يَعْنِي وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ لَغَتْ الشَّهَادَتَانِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ) الْمُرَادُ بِتَكْذِيبِهِ نَفْيُ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ قَتَلَاهُ لَمْ يُثْبِتْ الْقَتْلَ لِكُلٍّ مُنْفَرِدًا فَلِهَذَا صَارَ مُكَذِّبًا لِكُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَغَتَا (قَوْلُهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ فِي قَلْبِهِ لَا تَجِبُ بِأَنْ رَمَى مُرْتَدًّا أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ. . . إلَخْ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُتَرَدِّدٌ رُوِيَ عَنْهُ إيجَابُ الْقِيمَةِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ لَا عَلَى حَلَالٍ رَمَاهُ فَأَحْرَمَ) يُشِيرُ إلَى حِلِّهِ كَمَا لَوْ رَمَاهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ (كِتَابُ الدِّيَاتِ)

[كفارة القتل]

وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ (الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ وَعَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَقَطْ) يَعْنِي أَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَا مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ (وَهَذِهِ) أَيْ الْإِبِلُ (فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعٌ) بَيَّنَ الْأَرْبَاعَ بِقَوْلِهِ (مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ (وَمِنْ بِنْتِ لَبُونٍ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ (وَمِنْ حِقَّةٍ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ (وَمِنْ جَذَعَةٍ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ (وَهِيَ) الدِّيَةُ (الْمُغَلَّظَةُ) نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا خَلِفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا (وَفِي الْخَطَأِ) عُطِفَ عَلَى فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَيْ الْإِبِلُ فِي الْخَطَأِ (أَخْمَاسٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ الْأَرْبَعِ (وَمِنْ ابْنِ مَخَاضٍ) عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذْنَا بِذَلِكَ [كَفَّارَة الْقَتْل] (وَكَفَّارَتُهَا مَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ) وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ شَهْرَيْنِ وَلَاءً (وَلَا يَصِحُّ الْإِطْعَامُ) إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ (وَالْجَنِينُ) إذْ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ (وَيَصِحُّ رَضِيعٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ «وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا» ) وَقَدْ وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ وَعَشْرَةُ آلَافٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْقَاتِلِ فِي دَفْعِ أَيُّهَا شَاءَ وَلَوْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَصَرِيحُ الْمُحِيطِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا مِقْدَارُهَا فَالدِّيَةُ نَوْعَانِ مُخَفَّفَةٌ وَمُغَلَّظَةٌ فَالْمُخَفَّفَةُ دِيَةُ الْخَطَأِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْعَيْنِ وَالْوَرِقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافٍ وَلِلْقَاتِلِ الْخِيَارُ يُؤَدِّي أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فَفِي دِيَةِ الْخَطَأِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَأَمَّا الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ فَهِيَ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَكَذَلِكَ مِنْ الْجَذَعَاتِ وَالْحِقَاقِ انْتَهَى فَهَذَا نَصٌّ عَلَى مُوجِبِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَعَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا يُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ الْوَرِقِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْإِبِلِ بَلْ اللَّازِمُ عَلَيْهِ الْإِبِلُ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى هَذَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ شِبْهِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ انْتَهَى فَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّغْلِيظِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَخَفَّ فَتَفُوتُ حِكْمَةُ التَّغْلِيظِ نَصًّا فَلْيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك لَتُحَرِّرَهُ (قَوْلُهُ وَقَالَا مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ. . . إلَخْ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُؤْخَذُ الْبَقَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَقَرِ وَالْحُلَلُ مِنْ أَهْلِهَا قِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ كَذَلِكَ وَهُوَ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَالشَّاءُ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ قِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَتَفْسِيرُ الْحُلَّةِ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ إنَّ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ) كَذَا عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا خَلِفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا) الضَّمِيرُ فِي كُلِّهَا لِلثَّنِيَّاتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَضَى فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهِ كُلُّهَا خَلِفَاتٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ أَثْلَاثًا ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً إلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَاتٌ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ [الدِّيَة فِي الْقَتْل الْخَطَأ] (قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهَا) إفْرَادُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُثَنَّى لِيَظْهَرَ كَوْنُهُ لِلْقَتْلِ خَطَأً وَشِبْهَ عَمْدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً بِالنَّظَرِ إلَى الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا بِالنَّظَرِ إلَى الضَّرْبِ أُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِاتِّحَادِ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ انْتَهَى عَلَى أَنَّ هَذَا أَيْ ذِكْرُ الْكَفَّارَةِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى إعَادَتِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ

(وَالذِّمِّيُّ فِيهَا) أَيْ الدِّيَةِ (كَالْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَبِهِ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَفِي النَّفْسِ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي دِيَةٌ (وَالْمَارِنُ وَاللِّسَانُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ أَوْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ وَالذَّكَرُ وَالْحَشَفَةُ وَالْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللِّحْيَةُ إنْ حُلِقَتْ وَلَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرُ الرَّأْسِ) أَيْضًا إنْ حُلِقَ وَلَمْ تَنْبُتْ (دِيَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ فَوَّتَ فِي الْأَطْرَافِ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ زَوَالِ مَا قَصَدَ فِي الْآدَمِيِّ مِنْ كَمَالِ الْجَمَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ أَصْلُهُ «قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ» وَقَدْ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ (كَذَا كُلُّ مَا فِي الْبَدَنِ اثْنَانِ) كَالْحَاجِبَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالِاثْنَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ. (وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا) كَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ» «وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ» وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ (وَكَذَا أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ) حَيْثُ يَجِبُ فِي كُلِّهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي الِاثْنَيْنِ مِنْهَا نِصْفُهَا (وَفِي أَحَدِهَا) أَيْ أَحَدِ الْأَشْفَارِ (رُبْعُهَا) أَيْ رُبْعُ الدِّيَةِ لِمَا ذُكِرَ (وَفِي كُلِّ إصْبَعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُهَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ» (وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ) ثَلَاثَةٌ (فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ أُصْبُعٍ) لِأَنَّهُ ثُلُثُهَا (وَنِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ أُصْبُعٍ (لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ) كَالْإِبْهَامِ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ (كَمَا فِي كُلِّ سِنٍّ) يَعْنِي يَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ فِيهَا كَالْمُسْلِمِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَيْسَ مِثْلَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ فَقَالَ وَلَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ دِيَتُهُ مِثْلَيْ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا انْتَهَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ (قَوْلُهُ وَالْمَارِنُ) كَذَا لَوْ قَطَعَهُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَاللِّسَانُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ بِلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالْوَاجِبُ فِيهِ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَمَّا لِسَانُ الْأَخْرَسِ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ (قَوْلُهُ أَوْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ قِيلَ تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَبِقَدْرِ مَا لَا يَقْدِرُ يَجِبُ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْكَلَامِ اهـ. وَفِي الْمُحِيطِ مِثْلُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى أَيْ قِسْمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ مُطْلَقًا انْتَهَى وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْأَوَّلُ أَصَحُّ أَيْ قِسْمَتُهَا عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا انْتَهَى وَلَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِ اللِّسَانِ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا انْتَهَى وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ مَنَعَ بَعْضَ الْكَلَامِ دُونَ الْبَعْضِ تُقْسَمُ دِيَةُ اللِّسَانِ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَاللِّحْيَةُ إنْ حُلِقَتْ وَلَمْ تَنْبُتْ) يَعْنِي بَعْدَ تَأْجِيلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَنَةً وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَلَمْ تَنْبُتْ لَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي وَإِنْ نَبَتَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَهَذَا أَيْ لُزُومُ الدِّيَةِ فِي الْحُرِّ غَيْرِ الْكَوْسَجِ وَفِي الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ عَلَى الظَّاهِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ كَمَالَ الْقِيمَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ فِي ذَقَنِهِ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَيْسَ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَهَذَا إذَا لَمْ تَنْبُتْ كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ فَإِنْ نَبَتَ أَبْيَضَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ وَعِنْدَهُمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَكَذَا شِفَارُ الْعَيْنَيْنِ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَشْفَارِ حُرُوفُ الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَهْدَابُ تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةً كَامِلَةً وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِذَا نَبَتَتْ الْأَهْدَابُ فَلَا شَيْءَ وَلَا قِصَاصَ إنْ لَمْ تَنْبُتْ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ وَلَعَلَّهُ كَاللِّحْيَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي كُلِّ سِنٍّ. . . إلَخْ) يَعْنِي سِنَّ الرَّجُلِ وَدِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّ الرَّجُلِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ

[فصل القود في الشجاج]

فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَمِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ» فَإِنْ قِيلَ لَوْ قُلْنَا بِذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا أَتْلَفَ كُلَّ الْأَسْنَانِ لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا وَفِي إتْلَافِ كُلِّهَا إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ لِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْهَالِكَةِ مَعْنًى وَحُكْمُ الْإِتْلَافِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قُلْنَا هَذَا ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ كَانَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَجِبُ أَنْ يُذْكَرَ لَهُ وَجْهٌ مَعْقُولٌ وَإِنْ أُرِيدَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ عَدَدَ الْأَسْنَانِ وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ أَسَاسُ الْحُلُمِ فَلَا تَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ وَقَدْ يَنْبُتُ لِبَعْضِهِمْ بَعْضُهَا وَلِلْبَعْضِ كُلُّهَا فَالْعَدَدُ الْمُتَوَسِّطُ لِلْأَسْنَانِ ثَلَاثُونَ ثُمَّ لِلْأَسْنَانِ مَنْفَعَتَانِ الزِّينَةُ وَالْمَضْغُ فَإِذَا سَقَطَ سِنٌّ بَطَلَ مَنْفَعَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَهُوَ الزِّينَةُ بَاقِيًا وَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ الْمُتَوَسِّطُ ثَلَاثِينَ فَمَنْفَعَةُ السِّنِّ الْوَاحِدَةِ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَنِصْفُ الْمَنْفَعَةِ سُدُسُ الْعُشْرِ وَمَجْمُوعُهُمَا نِصْفُ الْعُشْرِ (وَفِي عُضْوٍ زَالَ نَفْعُهُ بِضَرْبٍ دِيَتُهُ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ عَمِيَتْ وَصُلْبٍ انْقَطَعَ نَسْلُهُ) لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِلَا مَنْفَعَةٍ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (فَصْلٌ) (لَا قَوَدَ فِي الشِّجَاجِ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ عَمْدًا) وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبِينُهُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا بِأَنْ يَسِيرَ غَوْرُهَا بِالْمِسْبَارِ ثُمَّ يَتَّخِذَ حَدِيدَةً بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيَقْطَعَ بِهَا مِقْدَارَ مَا قُطِعَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ أَيْضًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمُوضِحَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَفِيهَا خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا) وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ (وَالْمُنَقِّلَةِ عُشْرُهَا وَنِصْفُ عُشْرِهَا) وَهِيَ الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ (وَالْآمَّةُ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً فَتَكُونُ قَتْلًا لَا مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامُ فِيهَا (أَوْ الْجَائِفَةُ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ (ثُلُثُهَا) كُلُّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ (وَفِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ) إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ (ثُلُثَاهَا) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَكَذَا حَكَمَ وَلِأَنَّهُمَا جَائِفَتَانِ (وَفِي الْحَارِصَةِ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا يَخْرُجُ الدَّمُ (وَالدَّامِعَةِ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسِيلُهُ بَلْ تَجَمَّعُ فِي مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ (وَالدَّامِيَةِ) وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ (وَالْبَاضِعَةِ) وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ (وَالْمُتَلَاحِمَةِ) وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ وَتَقْطَعُهُ (وَالسِّمْحَاقِ) وَهِيَ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. . . إلَخْ) هُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْجَوَابِ غَيْرَ مُطَّرِدٍ إذْ يُنْتَقَصُ بِقَطْعِ نَحْوِ الْإِبْهَامِ أَوْ الْمُسَبِّحَةِ لِعَدَمِ إيجَابِ الشَّارِعِ أَزْيَدَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ تَمَامِ دِيَةِ النَّفْسِ وَإِنْ كَانَ جَارَتُهَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا يَحْصُلُ تَمَامُ مَنْفَعَتِهَا إلَّا بِمَا يُجَاوِرُهَا (قَوْلُهُ فَانْقَطَعَ نَسْلُهُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسْلِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ لِيُدَارَ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبِهِ الظَّاهِرِ وَهُوَ نُزُولُ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ لَمْ يَذْكُرْ فَانْقَطَعَ نَسْلُهُ بَلْ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ ضُرِبَ عَلَى الظَّهْرِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ وَعَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ النَّسْلِ انْتَهَى. [فَصْل الْقَوَدَ فِي الشِّجَاجِ] (فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ) (قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَهَا) شَامِلٌ لِلسِّمْحَاقِ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لَمَّا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إنَّ مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فِيهِ الْقِصَاصُ إلَّا فِي السِّمْحَاقِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشُقَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ وَإِنَّمَا خَصَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِالْحُكْمِ احْتِرَازًا عَمَّا فَوْقَهَا كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَفِيهَا خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ) يَعْنِي فَيَجِبُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَجُلًا وَنِصْفُهَا أَيْ الْخَمْسَةِ إنْ كَانَ امْرَأَةً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَالْجَائِفَةُ مَوْضِعُهَا مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْعَانَةِ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ وَهِيَ الَّتِي تُدْمَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ. . . إلَخْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي فِي تَفْسِيرِ الشِّجَاج رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا الْحُكْمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ هِيَ الَّتِي تَدُقُّ وَلَا تَقْطَعُ

تَصِلُ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَتُسَمَّى سِمْحَاقًا (حُكُومَةُ عَدْلٍ) إذْ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَبَيَّنَ الْحُكُومَةَ بِقَوْلِهِ (فَيُقَوَّمُ عَبْدًا بِلَا هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ مَعَهُ فَقَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الدِّيَةِ هُوَ الْحُكُومَةُ) فَيُفْرَضُ أَنَّ هَذَا الْحُرَّ عَبْدٌ وَقِيمَتُهُ بِلَا هَذَا الْأَثَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَعَهُ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ الْأَلْفِ فَيُؤْخَذُ هَذَا التَّفَاوُتُ مِنْ الدِّيَةِ وَهِيَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَعُشْرُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ (وَبِهِ يُفْتَى) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَتَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اعْتَبَرَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَفِي أَصَابِعِ يَدٍ بِلَا كَفٍّ وَبِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْشَ لَا يَزِيدُ بِسَبَبِ الْكَفِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ بَلْ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسُونَ ضَرُورَةً وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ (وَمَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ نِصْفُ دِيَةٍ) لِلْأَصَابِعِ (وَالْحُكُومَةُ) السَّاعِدُ (فِي كَفٍّ فِيهَا أُصْبُعٌ عُشْرُهَا) لِأُصْبُعٍ (وَإِنْ كَانَ أُصْبُعَانِ فَخُمُسُهَا) لِلْأُصْبُعَيْنِ (وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ) لِمَا مَرَّ (وَفِي أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ) وَهُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي الْحُكُومَةُ (وَعَيْنُ صَبِيٍّ وَذَكَرُهُ وَلِسَانُهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهُ) أَيْ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ (بِمَا دَلَّ عَلَى نَظَرِهِ) فِي الْعَيْنِ (وَبِحَرَكَةِ ذَكَرِهِ) فِي الذَّكَرِ (وَكَلَامِهِ) فِي اللِّسَانِ (الْحُكُومَةُ وَإِنْ عُلِمَتْ) أَيْ صِحَّتُهُ (فَالدِّيَةُ) فَإِنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ (وَدَخَلَ أَرْشُ مُوضِحَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ أَوْ شَعْرَ رَأْسِهِ فِي الدِّيَةِ) يَعْنِي إذَا شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْبُتْ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِدُونِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ أَرْشُهَا وَالدِّيَةُ وَجَبَتْ بِفَوَاتِ الشَّعْرِ وَقَدْ تَعَلَّقَا جَمِيعًا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ بِهِ يَدُهُ (بِخِلَافِ إذْهَابِ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ النُّطْقِ) أَيْ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشٍ وَاحِدٍ مِنْهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْمَنْفَعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِأَنَّ نَفْعَهُ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ كَمَا مَرَّ (طَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَغْفُلَ ثُمَّ يُنَادِيَ إنْ أَجَابَ أَوْ الْتَفَتَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ) كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى (وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْبَصَرِ أَنْ يُرَى أَهْلَ الْبَصِيرَةِ فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي وَالْوِقَايَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَكَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْفَصْلِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَيُفْرَضُ أَنَّ هَذَا الْحُرَّ عَبْدٌ. . . إلَخْ) قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) صَحِيحٌ بِرُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى احْتِرَازٌ. . . إلَخْ فَلَيْسَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَرُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُوجِبَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ وَهُوَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرُ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ الصَّحِيحُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْوَى بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُفْتِي بِالثَّانِي أَيْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ قَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِهِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ كَمْ مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ مِثْلَ نِصْفِ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ أَوْ ثُلُثُهَا وَجَبَ نِصْفُ أَوْ ثُلُثُ أَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعًا فَرُبْعٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْقَوْلَيْنِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ إلَى آخِرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْشَ لَا يَزِيدُ بِسَبَبِ الْكَفِّ) هَذَا فِي الثَّلَاثِ فَمَا زَادَ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ إصْبَعَانِ أَوْ إصْبَعٌ فَهُوَ تَبَعٌ أَيْضًا عِنْدَهُ وَأَوْجَبَا الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَحُكُومَةَ الْكَفِّ وَأَدْخَلَا الْأَقَلَّ فِي الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ. . . إلَخْ) لَمْ يُبَيِّنْ بَعْدَهُ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالْكَلَامِ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّ فِي الْكَلَامِ يَغْرِزُ لِسَانَهُ بِإِبْرَةٍ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ أَسْوَدُ فَصَادِقٌ وَإِنْ خَرَجَ أَحْمَرُ فَلَا وَفِي الشَّمِّ بِالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ اهـ. (قُلْت) وَالذَّوْقُ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِاسْتِغْفَالِهِ بِإِطْعَامِهِ نَحْوَ حَنْظَلٍ بَعْدَ خُلُوٍّ (قَوْلُهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْبَصَرِ. . . إلَخْ) هَذَا وَقَالَ قَاضِي خَانْ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَخْبَرَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَامُ الْمَضْرُوبُ مُسْتَقْبِلَ الشَّمْسِ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ إنْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّ بَصَرَهُ قَائِمٌ وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ عُلِمَ أَنَّهُ ذَهَبَ

قَالُوا بِذَهَابِهِ وَجَبَ الدِّيَةُ وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي اُعْتُبِرَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ) بِأَنْ يَقُولَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي أَذْهَبْت بَصَرِي فَإِذَا أَنْكَرَ يُطَالِبُ الْمُدَّعِيَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِذَا عَجَزَ (فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْبَتَاتِ دُونَ الْعِلْمِ) أَيْ يَحْلِفُ بِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَمْ تَصْدُرْ عَنْهُ فَإِنْ نَكَلَ حَكَمَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الصُّغْرَى أَيْضًا (لَا قَوَدَ فِي إذْهَابِ عَيْنَيْهِ بَلْ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ وَالْعَيْنَيْنِ) يَعْنِي شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِمَا لِأَنَّ سِرَايَةَ الْفِعْلِ مَعَ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ السِّرَايَةَ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَقَدْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ مِنْ وَجْهٍ بِوَاسِطَةِ اتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ آخِرُ الْفِعْلِ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لَا يَكُونُ أَوَّلُهُ مُوجِبًا لَهُ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ خَطَأً فَصَارَ خَطَأً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لِلشُّبْهَةِ (وَلَا يُقْطَعُ أُصْبُعٌ شُلَّ جَارُهُ) لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ السِّرَايَةِ (بَلْ الدِّيَةُ فِيهِمَا) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا سَقَطَ وَجَبَ أَرْشُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكَوْنِهَا عُضْوَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ (أَوْ أُصْبُعٌ) أَيْ لَا قَوَدَ أَيْضًا فِي أُصْبُعٍ (قُطِعَ مِفْصَلُهُ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ السِّرَايَةِ (بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ) لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا (فَقَطْ) إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ (وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ) لِانْتِفَاءِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ (إنْ انْتَفَعَ بِهِ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِمَا عُضْوًا وَاحِدًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَا) قَوَدَ أَيْضًا (بِكَسْرِ نِصْفِ سِنٍّ) أَسْوَدَ بَاقِيهَا أَوْ أَحْمَرَ أَوْ أَخْضَرَ وَدَخَلَهَا عَيْبٌ بِوَجْهٍ مَا (بَلْ) يَجِبُ (كُلُّ دِيَةِ السِّنِّ) كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ فِيمَا إذَا اخْضَرَّتْ أَوْ اسْوَدَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ (إذَا فَاتَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِلَّا فَلَوْ) كَانَ السِّنُّ (مِمَّا يُرَى) حَالَ التَّكَلُّمِ (تَجِبُ) الدِّيَةُ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ) وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى كَلَامُ الْكَافِي عَلَى إطْلَاقِهِ (وَاخْتُلِفَ فِي الِاصْفِرَارِ وَالْمُخْتَارُ الدِّيَةُ) كَمَا فِي سَائِرِ الْأَلْوَانِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (أَقَادَ) يَعْنِي نَزَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَنْزُوعُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ (فَنَبَتَ سِنُّ الْأَوَّلِ أَوْ قَلَعَهَا) أَيْ قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ (فَرُدَّتْ إلَى مَكَانِهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ وَجَبَ الْأَرْشُ فِي الصُّورَتَيْنِ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَكِنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ نَبَاتَ اللَّحْمِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ لِأَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَعُودُ (وَكَذَا الْأُذُنُ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ يَجِبُ الْأَرْشُ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ (لَا) أَيْ لَا يَجِبُ (الْأَرْشُ إنْ قُلِعَتْ فَنَبَتَتْ أُخْرَى) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَصَرُهُ اهـ. (قُلْت) وَيُمْكِنُ اخْتِبَارُهُ بِإِلْقَاءِ حَيَّةٍ مَيِّتَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ غَفْلَةً وَنَحْوَهَا (قَوْلُهُ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ إنْ انْتَفَعَ بِهِ) سَهْوٌ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْحُكْمَ مُخَالِفًا لِمَنْقُولِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ صَحِيحًا فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا قَطَعَ مِنْ أُصْبُعٍ مِفْصَلًا وَاحِدًا فَشُلَّ الْبَاقِي مِنْ الْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيمَا شُلَّ مِنْهُ إنْ كَانَ إصْبَعًا فَدِيَةُ الْإِصْبَعِ وَإِنْ كَانَ كَفًّا فَدِيَةُ الْكَفِّ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مِفْصَلًا مِنْ إصْبَعٍ فَشُلَّ الْبَاقِي أَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ فَشُلَّتْ الْكَفُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْكُلِّ الْأَرْشُ وَيُجْعَلُ كُلُّهُ جِنَايَةً وَاحِدَةً اهـ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ إنْ انْتَفَعَ بِهِ لَا يَسْتَقِيمُ، وَهَذَا أَوَّلُ شَيْءٍ فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيَّ بِهِ كَتَبْته فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَلْفٍ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا بِأَنْ قَطَعَ الْإِصْبَعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ تَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ تَجِبُ دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ فَإِنْ قِيلَ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَهُوَ مَفْهُومُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي هِيَ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ (قُلْت) قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ الْمُرَادُ بِهِ أَرْشُ إصْبَعٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا كُسِرَ نِصْفُ السِّنِّ. . . إلَخْ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ لَا دِيَةُ بَاقِي الْإِصْبَعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ لِانْتِفَاءِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ إنْ انْتَفَعَ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَنَبَتَ سِنُّ الْأَوَّلِ) يَعْنِي كَمَا كَانَ أَمَّا إذَا نَبَتَ مُعْوَجًّا فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ نَبَتَ إلَى النِّصْفِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَرْشِ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَبَ الْأَرْشُ فِي الصُّورَتَيْنِ) الْمُرَادُ بِالْأَرْشِ فِي الْأُولَى دِيَتُهَا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةٍ اهـ. وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا فِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

[فصل ضرب بطن امرأة حرة فألقت جنينا ميتا]

فَنَبَتَ فِي مَكَانِهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ فَسَادِ الْمَنْبَتِ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ وَلَا الزِّينَةُ (أَوْ الْتَحَمَ شَجَّةٌ) يَعْنِي شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَنَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ لِزَوَالِ الشَّيْنِ الْمُوجِبِ لَهُ (أَوْ جَرَحَ بِضَرْبٍ) يَعْنِي إنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ مَثَلًا فَجَرَحَهُ وَبَرِئَ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ سَقَطَ الْأَرْشُ لِزَوَالِ الشَّيْنِ (وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ) قَيْدٌ لِلصُّورَتَيْنِ. (صَبِيٌّ ضَرَبَ سِنَّ صَبِيٍّ فَانْتَزَعَهَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمَضْرُوبِ إنْ بَلَغَ وَلَمْ تَنْبُتْ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَوْ مِنْ الْعَجَمِ فَفِي مَالِهِ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (لَطَمَ) رَجُلٌ (رَجُلًا فَكَسَرَ بَعْضَ أَسْنَانِهِ يَسْتَحِقُّ) الْمَضْرُوبُ (مِنْ الضَّارِبِ ذَلِكَ الْقَدْرَ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَبْرُدَ بِالْمِبْرَدِ حَتَّى يَكُونَ سِنُّهُ مِثْلَ سِنِّ الْمَضْرُوبِ فَإِنْ قُلْت هَذَا لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ شِبْهُهُ وَقَدْ مَرَّ أَنْ لَا قَوَدَ فِيمَا دُونَ الْعَمْدِ قُلْت قَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدٌ فَلَا تَغْفُلْ. (لَا يُقَادُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ بُرْءٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَسْتَأْنِي فِي الْجِرَاحَاتِ سَنَةً» أَيْ يَنْتَظِرُ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لَا حَالُهَا لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتْلٌ وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ الْأَمْرُ بِالْبُرْءِ، عَمْدُ الْمَجْنُونَةِ وَالصَّبِيِّ خَطَأٌ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ جَعَلَ عَقْلَ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَالَ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْعُذْرِ وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ (إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَجَمِ) وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ فَفِي مَالِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ (بِلَا كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهَا كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُمَا تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ (وَلَا حِرْمَانِ إرْثٍ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا (فَصْلٌ) (ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَمَةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا (فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَجَبَتْ غُرَّةٌ هِيَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ) وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ (لَوْ) كَانَ الْجَنِينُ (ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لَوْ) كَانَ الْجَنِينُ (أُنْثَى) وَهِيَ أَيْضًا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ» وَرُوِيَ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ فَيَكُونُ الْغُرَّةُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ إنَّمَا سُمِّيَ الرَّقِيقُ غُرَّةً لِأَنَّهُ غُرَّةُ مَا يَمْلِكُ أَيْ خَيْرُهُ وَأَفْضَلُهُ وَأَطْلَقَ الْغُرَّةَ وَهِيَ الْوَجْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ كَمَا قِيلَ رَقَبَةُ كَذَا فِي الْفَائِقِ (فِي سَنَةٍ) لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ» (وَتُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ سِوَى ضَارِبِهِ) إنْ كَانَ وَارِثًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) أَيْ الضَّارِبُ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهَا (وَدِيَةٌ) عُطِفَ عَلَى غُرَّةٍ أَيْ وَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ (إنْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَيًّا بِالضَّرْبِ السَّابِقِ (وَدِيَتَانِ إنْ كَانَ) الْمَضْرُوبُ (جَنِينَيْنِ فَمَاتَا) لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ (وَغُرَّةٌ وَدِيَةٌ إنْ) كَانَ الْجَنِينُ (مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ) الْغُرَّةُ لِلْجَنِينِ وَالدِّيَةُ لِلْأُمِّ (وَدِيَةُ الْأُمِّ فَقَطْ إنْ مَاتَتْ) الْأُمُّ (فَأَلْقَتْ) جَنِينًا (مَيِّتًا) لِأَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا لِأَنَّ حَيَاتَهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسَهُ بِتَنَفُّسِهَا (وَدِيَتَانِ إنْ أَلْقَتْ حَيًّا فَمَاتَ) دِيَةٌ لِلْأُمِّ وَدِيَةٌ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ فِي الذَّكَرِ وَعُشْرُ قِيمَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبَرِيءَ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرُ سُقُوطِ الْأَرْشِ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ ضَرَبَ سِنَّ صَبِيٍّ فَانْتَزَعَهَا يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الْمَضْرُوبِ) قَيَّدَ بِالصَّبِيِّ لِمَا فِي النِّهَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي سِنِّ الْبَالِغِ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّ نَبَاتَهُ نَادِرٌ وَلَا يُفِيدُ تَأْجِيلُهُ إلَى سَنَةٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ لِيَعْلَمَ عَاقِبَتَهُ وَعَزَاهُ إلَى التَّتِمَّةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ لَطَمَ رَجُلًا فَكَسَرَ بَعْضَ أَسْنَانِهِ) قَدَّمَ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَقَدَّمْنَا تَقْيِيدَ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ بِمَا إذَا كَانَ عُرْضًا وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَسْرًا مُسْتَوِيًا يُسْتَطَاعُ فِي مِثْلِهِ الْقِصَاصُ اقْتَصَّ مِنْهُ بِمِبْرَدٍ وَإِنْ كَانَ كَسْرًا مُنْثَلِمًا لَيْسَ بِمُسْتَوٍ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ) الضَّمِيرُ لِلِاسْتِثْنَاءِ. [فَصْلٌ ضَرْب بَطْنِ امْرَأَةٍ حُرَّة فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ جُعِلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ) أَيْ قُضِيَ بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغْنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ» (قَوْلُهُ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الضَّارِبِ حَالًّا وَقِيلَ يُوجِبُ أَبُو يُوسُفَ نَقْصَ قِيمَةِ الْأُمِّ إنْ تَمَكَّنَ فِيهَا نَقَصَ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَالْبَهِيمَةِ اهـ

[باب ما يحدث في الطريق وغيره]

فِي الْأُنْثَى) لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْأَمَةِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْوَاجِبِ فِي الْأُنْثَى أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الذَّكَرِ فِيمَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالْغَالِبُ أَنَّ قِيمَتَهُ تَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهَا بِكَثِيرٍ حَتَّى إنْ قُوِّمَتْ جَارِيَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُقَوَّمُ غُلَامُ مِثْلِهَا فِي الصِّفَاتِ الْمَرْغُوبَةِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَلَا تَلْزَمُ الْأَكْثَرِيَّةُ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْرُورِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ حُرٌّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (فَإِنْ ضُرِبَتْ فَأَعْتَقَ سَيِّدُهَا) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ سَيِّدُهُ كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلْحَمْلِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ مُطْلَقًا (حَمْلَهَا فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ وَجَبَ قِيمَتُهُ حَيًّا لَا دِيَتُهُ) لِأَنَّ قَتْلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَهُوَ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى لَا مُورِثِهِ (وَمَا اسْتَبَانَ بَعْضُهُ كَالتَّامِّ) أَيْ الْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَنِينِ التَّامِّ (فِيمَا ذُكِرَ) مِنْ الْأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا (امْرَأَةٌ أَسْقَطَتْ مَيِّتًا بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ) كَضَرْبِهَا بَطْنَهَا مَثَلًا (فَفِيهِ الْغُرَّةُ) تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ) فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ (وَلَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةً فَفَعَلَتْ لَا تَضْمَنُ الْمَأْمُورَةُ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (بَابُ مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ) (أَحْدَثَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا) وَهُوَ الْمُسْتَرَاحُ (أَوْ مِيزَابًا) وَهُوَ مَجْرَى الْمَاءِ (أَوْ جُرْصُنًا) وَهُوَ مَجْرَى مَاءٍ يُرَكَّبُ فِي الْحَائِطِ وَقِيلَ جِذْعٌ يُخْرَجُ مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ (أَوْ دُكَّانًا جَازَ) إحْدَاثُهُ (إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ وَلِكُلٍّ) مِنْ الْمَارَّةِ (نَقْضُهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ وَفِي طَرِيقِ الْخَاصَّةِ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ (لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْهَا (بِلَا إذْنِ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ) لِأَنَّهُ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ بِهِمْ (وَضَمِنَ دِيَةَ مَنْ مَاتَ بِسُقُوطِهَا) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ سَبَبًا لِمَوْتِهِ (كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ) فِي (غَيْرِ مِلْكِهِ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ، وَ) ضَمِنَ (قِيمَةَ بَهِيمَةٍ تَلِفَتْ) بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (إنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الْإِمَامُ) فَإِنَّ الضَّمَانَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ) يَعْنِي وَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ مُطْلَقًا) أَيْ لَفْظًا وَرُتْبَةً وَلَيْسَ مِنْ الْمُوَضَّحِ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا وَرُتْبَةً وَهَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُصَنِّفِ وَأَمَّا النُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ نُسَخِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي فِيهَا تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّهَا مِثْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَأَعْتَقَ سَيِّدُهَا (قَوْلُهُ امْرَأَةٌ أَسْقَطَتْ مَيِّتًا بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ) يَعْنِي عَمْدًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا لَا يُشْتَرَطُ قَصْدًا إسْقَاطُ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي. اهـ. وَأَقُولُ هَذَا يَتَمَشَّى عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ لَا عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي قَالَ لِغَيْرِهِ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النُّفُوسِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ نَفْسَهُ حَقُّهُ وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ. اهـ. فَكَذَا الْغُرَّةُ أَوْ دِيَةُ الْجَنِينِ حَقُّهُ غَيْرَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مَنْفِيَّةٌ فَلَا تَسْقُطُ الْغُرَّةُ عَنْ عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ زَوْجِهَا بِإِتْلَافِ الْجَنِينِ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَزِمَ عَاقِلَةً الْغُرَّةُ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ نَظَرْنَا لِكَوْنِ الْغُرَّةِ حَقَّهُ لَمْ يَجِبْ بِضَرْبِهِ شَيْءٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْآدَمِيُّ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ لَزِمَ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ بِإِتْلَافِهِ وَاسْتَحَقَّهُ غَيْرُ الْجَانِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَ عَبْدَهُ صَبِيًّا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ تَضْمَنُهُ عَاقِلَتُهُ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ وَقَدْ سُلِّطَ الصَّبِيُّ عَلَى إتْلَافِهِ بِوَضْعِهِ عِنْدَهُ وَلَمْ تُهْدَرْ آدَمِيَّتُهُ بِهِ فَلَزِمَ عَاقِلَتَهُ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْدَعَ الصَّبِيَّ طَعَامًا فَأَكَلَهُ وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَحْرِيرُهُ بِحَمْدِ اللَّهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ. . . إلَخْ) فِيهِ مَا فِي أَمْرِ الزَّوْجَةِ وَقَدْ عَلِمْته بَلْ اللُّزُومُ هُنَا أَظْهَرُ لِعَدَمِ أَمْرِ الزَّوْجِ وَبُطْلَانِ الْأَمْرِ لَوْ يَكُنْ. [بَابُ مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ] (بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ) (قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَارَّةِ نَقْضُهُ) هَذَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَلَوْ بِالْإِذْنِ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا وَكَانَ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ لَهُ بِإِحْدَاثِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ بِهِمْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ دِيَةَ مَنْ مَاتَ بِسُقُوطِهَا) يَعْنِي مَعَ عَاقِلَتِهِ لَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَهَذَا إذَا أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ لِأَنَّ بِهِ التَّعَدِّيَ لَا الدَّاخِلَ وَلَوْ أَصَابَاهُ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهُدِرَ النِّصْفُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ وَبَقِيَّةُ تَفَارِيعِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ إذْنِ الْفُعَلَاءِ بِالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَهِيمَةٍ) أَيْ فِي مَالِهِ خَاصَّةً

إذَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الْإِمَامُ (لَا إنْ أَذِنَ أَوْ مَاتَ وَاقِعٌ فِي بِئْرِ طَرِيقٍ جُوعًا أَوْ غُمًّا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْكُرْبَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا اخْتِنَاقٌ مِنْ هَوَاءِ الْبِئْرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ مَاتَ غُمًّا يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْغُمَّ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ (نَحَّى حَجَرًا وَضَعَهُ آخَرُ) فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ الْمُنَحِّي لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ انْتَسَخَ بِفِعْلِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ (كَمَنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ) شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى آخَرَ فَتَلِفَ بِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ (أَوْ أَدْخَلَ حَصِيرًا أَوْ قِنْدِيلًا أَوْ حَصَاةً فِي مَسْجِدِ غَيْرِهِ) فَسَقَطَ شَيْءٌ مِنْهَا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ قَيَّدَ بِمَسْجِدِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَسْجِدُ حَيِّهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ لَا غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ تَعَدِّيًا أَوْ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ (أَوْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ) سَوَاءٌ كَانَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ مَسْجِدَ غَيْرِهِ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ مُصَلٍّ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ) بِأَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ أَعْمَى فَتَلِفَ يَضْمَنُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُصَلٍّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُصَلِّيًا سَوَاءٌ صَلَّى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا سَوَاءٌ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ ضَمِنَ (لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ (مَنْ سَقَطَ مِنْهُ رِدَاءٌ لَبِسَهُ) عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ قَيَّدَ بِاللُّبْسِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَامِلًا لَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ أَوْ سَقَطَ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا حَرَجَ فِي التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ اللَّابِسِ فَلَوْ قُيِّدَ بِمَا ذُكِرَ لَزِمَ الْحَرَجُ فَجُعِلَ مُبَاحًا مُطْلَقًا (وَضَمِنَ ذُو حَائِطٍ مَالَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَطَلَبَ نَقْضَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ حُرٌّ أَوْ مُكَاتَبٌ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ شُرَكَاءُ وَطَرِيقُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ إنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ لِهَدْمِ حَائِطِهِ وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِشْهَادِ وَذَكَرَهُ فِي الْكُتُبِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ (مِمَّنْ) مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبَ (يَمْلِكُهُ) أَيْ النَّقْضَ (كَالرَّاهِنِ) لِلْحَائِطِ فَإِنَّهُ (يَمْلِكُهُ بِفَكِّهِ) أَيْ بِفَكِّ الرَّهْنِ وَإِرْجَاعِ الْمَرْهُونِ إلَى يَدِهِ (وَأَبُ الطِّفْلِ وَالْوَصِيُّ) فَإِنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ (وَالْمُكَاتَبُ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا فَوِلَايَةُ النَّقْضِ لَهُ (وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ) وَلَوْ مَدْيُونًا لِأَنَّ وِلَايَةَ النَّقْضِ لَهُ ثُمَّ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى لَوْ لَهُ عَاقِلَةٌ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْمَوْلَى وَضَمَانُ الْمَالِ أَلْيَقُ بِالْعَبْدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بِالْمَوْلَى (فَلَمْ يَنْقُضْ) مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا إنْ أَذِنَ) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ مَاتَ وَاقِعٌ فِي بِئْرِ طَرِيقٍ جُوعًا وَقَيَّدَ بِالْجُوعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَطَشِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ بَلْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِي الْبِئْرِ عَطَشًا (قَوْلُهُ أَوْ غُمًّا بِضَمِّ الْغَيْنِ الْكُرْبَةُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّفَسُ مَأْخُوذًا مِنْ الْحُرِّ نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ مَفْعُولٍ لَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُ يَضْمَنُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ) يَعْنِي أَوْ مَالٌ (قَوْلُهُ فَسَقَطَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى آخَرَ فَتَلِفَ بِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ) وَكَذَا لَوْ تَعَثَّرَ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ أَدْخَلَ حَصِيرًا أَوْ قِنْدِيلًا. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَّقَ الْقِنْدِيلَ لِلْإِضَاءَةِ أَمَّا لَوْ عَلَّقَهُ لِلْحِفْظِ فَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ أَوْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مُصَلٍّ. . . إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْجَالِسُ مَشْغُولًا بِعَمَلٍ لَا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ كَدَرْسِ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا أَوْ كَانَ جَالِسًا لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا عِنْدَ الْكُلِّ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ مَرَّ فِيهِ أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِشَيْءٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا. . . إلَخْ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبُرْهَانِ الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُنْتَظِرِ لِلصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَطَلَبَ نَقْضَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ. . . إلَخْ) يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الطَّلَبِ فَخَرَجَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِمَا فَكَذَا بِحَقِّ الْعَامَّةِ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُمَا فِي الْخُصُومَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ إنْ تَلِفَ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى

[باب جناية البهيمة والجناية عليها]

يَمْلِكُهُ (فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ) أَيْ نَقْضُهُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ (مَالًا) مَفْعُولُ ضَمِنَ (وَعَاقِلَتُهُ) عُطِفَ عَلَى ضَمِيرِ ضَمِنَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (نَفْسًا) مَفْعُولُ ضَمِنَ الْمُقَدَّرُ (تَلَفَا) أَيْ الْمَالُ وَالنَّفْسُ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْحَائِطِ (لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ (مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَبَاعَ دَارِهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا) كَذَا فِي الْكَافِي وَلَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ لَفْظُ أَوَّلًا (فَسَقَطَ) الْحَائِطُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَتَلِفَ بِهِ مَالٌ أَوْ نَفْسٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِتَرْكِ الْهَدْمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ وَقَدْ زَالَ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجُنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْبَيْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي إذْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لِتَرْكِهِ التَّفْرِيغَ مَعَ تَمَكُّنِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ (أَوْ طَلَبَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ) أَيْ لَا يَضْمَنُ مَنْ لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ (كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ وَالسَّاكِنِ) لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّصَرُّفِ (مَالَ) الْحَائِطُ (إلَى دَارِ رَجُلٍ فَلَهُ الطَّلَبُ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (فَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْجِنَايَةِ (لَا إنْ مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ الطَّالِبُ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إبْطَالُهُ (وَإِنْ بُنِيَ مَائِلًا بَدْءًا ضَمِنَ بِلَا طَلَبٍ كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجُنَاحِ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْجُذُوعِ مِنْ الْجِدَارِ إلَى الطَّرِيقِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ (وَنَحْوُهُ) كَالْكَنِيفِ مَثَلًا (حَائِطٌ لِخَمْسَةٍ طُلِبَ نَقْضُهُ مِنْ أَحَدِهِمْ وَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ) فَعَطِبَ بِهِ (ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ) أَيْ عَاقِلَةُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ (خُمُسَ الدِّيَةِ) لِأَنَّ الطَّلَبَ صَحَّ فِي الْخُمُسِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَإِنْ قِيلَ الْوَاحِدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ الْحَائِطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الطَّلَبُ مِنْهُ قُلْنَا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِ نَصِيبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إصْلَاحِهِ بِوَجْهٍ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحُكَّامِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْغَرَضُ فَإِنْ تَرَكَ ضَمِنَ الْعَاقِلَةُ (كَمَا ضَمِنُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ (ثُلُثَيْهَا إنْ حَفَرَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ فِي دَارِهِمْ بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا) فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لِأَنَّ الْحَافِرَ وَالْبَانِيَ فِي الثُّلُثَيْنِ مُتَعَدٍّ. [بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا] الْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَاضُ عَنْهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَا مُطْلَقًا يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَسَدِّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ (ضَمِنَ الرَّاكِبُ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ وَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ) أَيْ عَضَّتْ بِمُقَدَّمِ أَسْنَانِهَا (أَوْ خَبَطَتْ) أَيْ ضَرَبَتْ (بِيَدِهَا أَوْ صَدَمَتْ) أَيْ ضَرَبَتْ بِنَفْسِهَا شَيْئًا يُقَالُ اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ إذَا ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَقُيِّدَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهَا (فَلَوْ حَدَثَتْ) هَذِهِ الْأَشْيَاءُ (فِي السَّيْرِ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ (إلَّا فِي الْوَطْءِ) وَهُوَ رَاكِبُهَا لِأَنَّ الْإِيطَاءَ مُبَاشَرَةٌ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ حَتَّى يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَغَيْرُهُ بِسَبَبٍ وَفِيهِ يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَصَارَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ (وَلَوْ) حَدَثَتْ (فِي السَّيْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَوْ) كَانَ سَيْرُهُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْغَيْرِ (كَانَ ذَلِكَ الْمِلْكُ كَمِلْكِهِ) وَالسَّيْرُ فِيهِ كَالسَّيْرِ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ (ضَمِنَ مَا تَلِفَ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَاقِلَتَهُ عُطِفَ عَلَى ضَمِيرِ ضَمِنَ) الصَّوَابُ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى ذُو حَائِطٍ وَلَيْسَ فِيهِ ضَمِيرٌ لِكَوْنِهِ عَامِلًا فِي ظَاهِرٍ (بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا) (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ مُطْلَقًا) أَيْ إذَا كَانَ مَعَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ أَدْخَلَهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَمْ يُدْخِلْهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ

(لَا مَا نَفَحَتْ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ نَفْحُ الدَّابَّةِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ضَرْبُهَا بِحَدِّ حَافِرِهَا أَيْ لَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ (بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا سَائِرَةً) إذْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ سَيْرِهَا حَتَّى لَوْ وَافَقَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِيقَافِ (أَوْ عَطِبَ بِمَا رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ سَائِرَةً) فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ امْتِنَاعِ الِاحْتِرَازِ أَوْ أَوْقَفَهَا لَهُ فَإِنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ (فَلَوْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِيقَافِ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْإِيقَافُ (فِي مَوْضِعٍ أَذِنَ) مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ (بِإِيقَافِهَا فِيهِ) فَحِينَئِذٍ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي (وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةٌ أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبًا لَا يَضْمَنُ) لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ (وَبِالْكَبِيرِ يَضْمَنُ) لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ (ضَمِنَ السَّائِقُ) لِلدَّابَّةِ (وَالْقَائِدُ لَهَا مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا لَا بِرِجْلِهَا) أَيْ فِي كُلِّ صُورَةٍ يَضْمَنُ فِيهَا الرَّاكِبُ يَضْمَنُ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ لِأَنَّهُمَا مُسَبَّبَانِ كَالرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ فَيَجِبُ فِيهَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي كَالرَّاكِبِ وَهَذَا الْحُكْمُ مُطَّرِدٌ وَمُنْعَكِسٌ فِي الصَّحِيحِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ السَّائِقَ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ لِأَنَّهُمَا بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ السَّيْرِ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُمَا الِاحْتِرَازُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الرَّاكِبِ (الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَهِيَ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ (وَلَا يَرِثُ) إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُورِثَهُ (لِذَلِكَ أَيْضًا بِخِلَافِهِمَا) أَيْ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ حَيْثُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا وَيَرِثَانِ لِأَنَّهُمَا مُسَبَّبَانِ وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ لَيْسَا مِنْ أَحْكَامِ التَّسْبِيبِ (ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلِّ حُرٍّ فَارِسٍ أَوْ رَاجِلٍ) ذَكَرَ الرَّاجِلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ (دِيَةُ الْآخَرِ إنْ اصْطَدَمَا) وَقَدْ مَرَّ مَعْنَى الِاصْطِدَامِ (وَمَاتَا وَلَمْ يَكُونَا مِنْ الْعَجَمِ) حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْهُمْ وَجَبَ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمْ كَمَا مَرَّ مِرَارًا (أَوْ كَانَ) أَيْ الِاصْطِدَامُ (خَطَأً) لِأَنَّ مَوْتَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ إذْ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ التَّلَفِ بِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (وَلَوْ) كَانَ الِاصْطِدَامُ (عَمْدًا فَنِصْفُهَا) أَيْ الْوَاجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا إذَا جَرَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي صُورَةَ الْعَمْدِ صَرِيحًا بَلْ فِي ضِمْنِ دَلِيلِ الْخَصْمِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ وَفِي الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ خَلَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَطَأَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَالْعَمْدَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْخَصْمِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُصْطَدِمَانِ (عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ دَمُهُمَا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِمَا دَفْعًا وَفِدَاءً وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خَلْفٍ (وَلَوْ) كَانَ (أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ) الْمَقْتُولِ (قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ) فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ حُرِّ الْمَقْتُولِ إذْ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ عِنْدَهُمَا فَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالرَّاكِبُ وَالرَّدِيفُ وَالسَّائِقُ وَالْقَاعِدُ فِي الضَّمَانِ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ ضَمِنَ السَّائِقُ لِلدَّابَّةِ وَالْقَائِدُ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا لَا رِجْلِهَا) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا رِجْلِهَا النَّفْحَةُ بِهَا لَا وَطْؤُهَا بِهَا لِقَوْلِهِ كُلُّ صُورَةٍ فِيهَا الرَّاكِبُ يَضْمَنُ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ فِيهَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ) يَعْنِي مَشَايِخَ الْعِرَاقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ) قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ يُرِيدُ مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَائِدِ فِي النَّفْحَةِ اتِّفَاقًا وَخَالَفَ الْقُدُورِيُّ فِي السَّائِقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْقَائِدِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْمَوَاهِبِ وَالْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَيْ الرَّاكِبُ الْكَفَّارَةُ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمُرَادُهُ فِي الْإِيطَاءِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِلَأَنَّهُ مُبَاشِرٌ (قَوْلُهُ أَوْ رَاجِلٍ دِيَةُ الْآخَرَيْنِ اصْطَدَمَا وَمَاتَا) هَذَا إذَا وَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى قَفَاهُ وَإِنْ عَلَى وَجْهِهِمَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ أَحَدُهُمَا عَلَى قَفَاهُ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَدَمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ هَدَرٌ وَهَذَا بِخِلَافِ تَجَاذُبِ الْحَبْلِ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ دِيَةُ الْآخَرِ إذَا وَقَعَا عَلَى وُجُوهِهِمَا وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِهِ وَالْآخَرُ عَلَى قَفَاهُ فَدِيَةُ الَّذِي عَلَى قَفَاهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَدِيَةُ الْآخَرِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ دَمُهُمَا) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

أَخْلَفَ الْعَبْدُ الْجَانِي بَدَلًا بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَأْخُذُهُ وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخَلْفِ (وَنِصْفُهَا فِي الْعَمْدِ) أَيْ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ فِي الْعَمْدِ النِّصْفُ وَهَذَا الْقَدْرُ يَأْخُذُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَمَا عَلَى الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ يَسْقُطُ إلَّا قَدْرُ مَا أَخْلَفَ مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ. (وَضَمِنَهَا) أَيْ الدِّيَةَ (عَاقِلَةُ سَائِقِ دَابَّةٍ وَقَعَ بَعْضُ أَدَاتِهَا) كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِمَا (عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ) لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ سُقُوطُهُ إمَّا لِعَدَمِ شَدِّهِ عَلَيْهَا أَوْ لِعَدَمِ إحْكَامِهِ. (وَ) ضَمِنَ أَيْضًا عَاقِلَةُ (قَائِدٍ قِطَارٍ وَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهُ رَجُلًا فَمَاتَ) لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ إلَّا أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ فِي مَالِهِ كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَوْ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْقَائِدِ (سَائِقٌ فِي جَانِبِ الْإِبِلِ ضَمِنَا) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَاقِلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُمَا لِأَنَّ الْقَائِدَ الْوَاحِدَ قَائِدٌ لِلْكُلِّ وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ (وَأَمَّا إذَا) لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِبِلِ بَلْ (تَوَسَّطَهَا) أَيْ دَخَلَ بَيْنَ الْإِبِلِ (وَأَخَذَ زِمَامَ وَاحِدٍ) مِنْهَا (ضَمِنَ وَحْدَهُ) مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْقِطَاعِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا كَانَ إمَامَهُ (قَتَلَ بَعِيرٌ رُبِطَ عَلَى قِطَارٍ يَسِيرُ بِلَا عِلْمِ قَائِدِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِرُبِطَ (رَجُلًا) مَفْعُولُ قَتَلَ (ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) لِأَنَّهُ قَائِدٌ لِلْكُلِّ فَيَكُونُ قَائِدًا لِذَلِكَ الْبَعِيرِ وَالْقَوَدُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الضَّمَان وَمَعَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الضَّمَانِ مِنْهُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِجَهْلِهِ (وَرَجَعُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ (بِهَا) أَيْ بِالدِّيَةِ (عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) لِأَنَّ الرَّابِطَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذَا الضَّمَانِ حَيْثُ رَبَطَهُ بِالْقِطَارِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ هُوَ الْجَانِي (فَلَوْ رَبَطَ وَالْقِطَارُ وَاقِفٌ ضَمِنَهَا) أَيْ الدِّيَةَ (عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِلَا رُجُوعٍ) لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُونَ بِمَا لَحِقَهُمْ عَلَى أَحَدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالرَّبْطِ وَالْإِيقَافِ عَلَى الطَّرِيقِ لَكِنَّهُ زَالَ بِالْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا أَوْ حَوَّلَهُ غَيْرُهُ (كَذَا إذَا عَلِمَ الْقَائِدُ) بِالرَّبْطِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلِهِ الرَّابِطِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْقَائِدَ رَضِيَ بِهِ وَالتَّلَفُ قَدْ اتَّصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ (أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ طَيْرًا أَوْ سَاقَهُ) أَيْ مَشَى خَلْفَهُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَلْفَهُ فَمَا دَامَ فَوْرُهُ فَهُوَ سَائِقٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَيُلْحَقُ بِالسَّوْقِ وَإِنْ تَرَاخَى انْقَطَعَ السَّوْقُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ ضَمِنَ فِي الْكَلْبِ) مَا أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ فَأُضِيفَ فِعْلُهُ إلَيْهِ كَالْمُكْرَهِ يُضَافُ فِعْلُهُ إلَى الْمُكْرَهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ (لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ (فِي الطَّيْرِ) أَيْ الْبَازِي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَلْبَ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ وَالطَّيْرُ لَا يَحْتَمِلُهُ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً (وَلَا كَلْبٌ لَمْ يَسُقْهُ) لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ (وَلَا دَابَّةٌ مُنْفَلِتَةٌ أَصَابَتْ نَفْسًا أَوْ مَالًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» أَيْ هَدَرٌ وَهِيَ الْمُنْفَلِتَةُ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَالسَّوْقِ وَنَحْوِهِمَا لَهُ كَلْبٌ يَأْكُلُ عِنَبَ الْكُرُومِ وَاشْتُهِرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَمْ يَحْفَظْ حَتَّى أَكَلَ الْعِنَبَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا اُشْتُهِرَ عَلَيْهِ فِيمَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفُ بَنِي آدَمَ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَنَطْحِ الثَّوْرِ وَعَقْرِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فَيَضْمَنُ إذَا لَمْ يَحْفَظْ (ضَرَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ضَرَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ أَوْ نَخَسَهَا) يَعْنِي بِلَا أَمْرٍ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

[باب جناية الرقيق والجناية عليه]

أَوْ نَخَسَهَا) أَيْ طَعَنَهَا بِعَوْدٍ وَنَحْوِهِ (فَنَفَحَتْ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا شَخْصًا آخَرَ) غَيْرَ الطَّاعِنِ (أَوْ نَفَرَتْ) مَنْ ضَرَبَهُ أَوْ نَخَسَهُ (فَصَدَمَتْهُ وَقَتَلَتْهُ ضَمِنَ هُوَ) أَيْ الضَّارِبُ وَالنَّاخِسُ (لَا الرَّاكِبُ) لِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ وَالرَّاكِبُ فِي فِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي حَتَّى لَوْ كَانَ مُوقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ وَالنَّاخِسِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ أَيْضًا (وَإِنْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ فَأَهْلَكَتْهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا) لِأَنَّهُ كَالْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَلْقَتْ الرَّاكِبُ فَقَتَلَتْهُ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ ثُمَّ النَّاخِسُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي فَوْرِ النَّخْسِ حَتَّى يَكُونَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النَّخْسِ فَبَقِيَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَى الرَّاكِبِ . (وَ) ضَمِنَ (فِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ مَا نَقَصَهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النُّقْصَانُ إلَّا بِحَسْبِهِ (وَ) ضَمِنَ (فِي عَيْنِ بَقَرِ جَزَّارٍ وَجَزُورِهِ) أَيْ إبِلِهِ (وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ رُبْعَ الْقِيمَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا. [بَابُ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ] (جَنَى عَبْدٌ عَمْدًا فَفِي النَّفْسِ يَجِبُ الْقَوَدُ) لِمَا مَرَّ (إلَّا أَنْ يُصَالِحَ) وَلِيُّ الْقَتِيلِ مَوْلَى الْعَبْدِ أَيْ يَقَعُ الصُّلْحُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى (أَوْ يَعْفُوَ) أَيْ يَقَعَ الْعَفْوُ مِنْ الْوَلِيِّ (وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِرْقَاقُ) لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ (وَيَثْبُتُ) أَيْ الْقَوَدُ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (لَا إقْرَارِ الْمَوْلَى) لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ مِنْ الْعَبْدِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِكَوْنِهِ عَائِدًا عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ فَيُقْبَلُ وَهُوَ يَجْرِي عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الدَّمِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَإِنْ كَانَ هَذِهِ الْإِقْرَارُ يُصَادِفُ حَقَّ الْمَوْلَى لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ فَلَمْ تَجِبْ مُرَاعَاتُهُ (وَفِيمَا) عُطِفَ عَلَى فِي النَّفْسِ (دُونَهَا) أَيْ دُونَ النَّفْسِ (كَالْخَطَأِ) أَيْ يَكُونُ كَالْقَتْلِ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ وَبَيَّنَ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ (دَفَعَهُ سَيِّدُهُ بِهَا) أَيْ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ (وَيَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ دَفْعِ الْعَبْدِ وَالْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ لِتَخْلِيصِ عَبْدِهِ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ مَوْتِ الْحُرِّ الْجَانِي حَيْثُ يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى عَاقِلَتِهِ (حَالًّا) أَيْ كَائِنًا، كُلٌّ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى الْحُلُولِ أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا تَأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى (فَإِنْ فَدَاهُ فَجَنَى فَهِيَ كَالْأُولَى) فَإِنَّهُ إذَا فَدَى خَلَصَ الْجَانِي عَنْ الْأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ) (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِرْقَاقُ لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الدَّفْعِ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْقِصَاصُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْيُ الدَّفْعِ فِدَاءً عَنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِيمَا دُونَهُمَا كَالْخَطَأِ) لَمْ يَذْكُرْ مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَطَأُ. وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ تَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارُ الْمَوْلَى وَعِلْمُ الْقَاضِي وَلَا تَظْهَرُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْعَتَاقِ أَنَّهُ كَانَ جَنَى فِي حَالِ الرِّقِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَوْلُ الْبَدَائِعِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي عَلَى غَيْرِ الْمُفْتِي بِهِ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِلْمِ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ) أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَةٍ فَعَطِبَ فِيهَا أَوْ اسْتَخْدَمَهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ. وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا يَعْنِي الْقَوْلَ بِسُقُوطِ الْوَاجِبِ بِالْمَوْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ حُكْمُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ تَخْيِيرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَعَيَّنَ الْفِدَاءُ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُخَيَّرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْآخَرُ اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي حُكْمِهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْمُفْلِسِ اخْتَارَهُ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ لِلْمَوْلَى لَا لِلْأَوْلِيَاءِ وَقَالَا لَا يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ إذَا كَانَ مُفْلِسًا إلَّا بِرِضَى الْأَوْلِيَاءِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الِاخْتِيَارَيْنِ فِيهِ

فَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فَيَجِبُ بِالثَّانِيَةِ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَهُ بِهِمَا إلَى وَلِيِّهِمَا يَقْتَسِمَانِهِ بِنِسْبَةِ حَقَّيْهِمَا) أَيْ عَلَى قَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَتَيْنِ (أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهِمَا) لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ أَلَا يُرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَمْنَعْ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَحْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً يَقْتَسِمُونَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا (وَإِنْ وَهَبَهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ (أَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ (وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ (ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ وَإِنْ عَلِمَ غَرِمَ الْأَرْشَ) فَإِنَّ الْمَوْلَى قَبْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِلَا عِلْمِ الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ فَقَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَبْدِ وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَوَجَبَ الْأَقَلُّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ (كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ أَوْ رَمْيِهِ أَوْ شَجِّهِ فَفَعَلَ) أَيْ قَالَ إنْ قَتَلْت زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَتَلَ أَوْ قَالَ إنْ رَمَيْت زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَرَمَى أَوْ قَالَ إنْ شَجَجْت رَأْسَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَجَّ غَرِمَ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حَيْثُ أَعْتَقَهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْجِنَايَةِ. (قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ) بِقَضَاءٍ أَوَّلًا (فَأَعْتَقَهُ فَسَرَى) فَمَاتَ مِنْهُ (فَالْعَبْدُ صَلَحَ بِهَا) فَإِنَّهُ إذَا أُعْتِقَ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ إذْ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ صُلْحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا (وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ يُرَدُّ عَلَى سَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى ظَهَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ لَيْسَ الْمَالَ بَلْ الْقَوَدَ فَكَانَ الدَّفْعُ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ (فَيَقْتُلُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَعْفُو) أَيْ يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ كَمَا مَرَّ (جَنَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ خَطَأً فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِلَا عِلْمٍ بِهَا غَرِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دَيْنِهِ وَلِوَلِيِّهَا) أَيْ غَرِمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ (الْأَقَلَّ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقِيمَةِ (وَمِنْ الْأَرْشِ) فَإِنَّ السَّيِّدَ إذَا أَعْتَقَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ غَرِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ جِنَايَةً خَطَأً غَرِمَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ بَيْنَهُمَا إذْ لَوْلَا الْإِعْتَاقُ لَدُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ (وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدًا لَا يُدْفَعُ مَعَهَا لِجِنَايَتِهَا وَيُبَاعُ لِدَيْنِهَا) لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَالدَّفْعُ لِلْجِنَايَةِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ وَالسِّرَايَةُ تَكُونُ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الْحَقِيقِيَّةِ (عَبْدٌ لِرَجُلٍ) زَعَمَ رَجُلٌ (آخَرُ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ (وَلِيًّا لَهُ) أَيْ لِلزَّاعِمِ (خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلزَّاعِمِ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ وَلَا الْفِدَاءَ بِالْأَرْشِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَيَصْدُقُ الزَّاعِمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ وَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِحُجَّةٍ (قَالَ قَتَلْت أَخَا زَيْدٍ قَبْلَ عِتْقِي خَطَأً وَقَالَ زَيْدٌ بَلْ بَعْدَهُ صَدَقَ الْأَوَّلُ) لِأَنَّ زَيْدًا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْقَتْلَ الْخَطَأَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فَمُرَادُهُ قَتَلْته قَبْلَ عِتْقِي مَا قَتَلْته بَعْدَهُ حَذَرًا مِنْ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ الْمُتَّحِدَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ وَهَبَهُ أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْأَطْرَافِ لِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبٌ لِلدَّفْعِ فَلَا يُخْتَلَفُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ) يَعْنِي قَتْلًا يُوجِبُ الْمَالَ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْقِصَاصِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدًا) أَيْ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْإِكْسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَا كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَكْسَابًا أَوْ وَلَدَتْ الْجَانِيَةُ وَلَدًا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ لَمْ يَدْفَعْ الْوَلَدُ وَالْكَسْبَ. اهـ. إذْ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَلْيُتَأَمَّلْ

لَا مَعْنَاهُ الظَّاهِرُ لِيُفْهِمَ لُزُومَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ وَالدِّيَةِ إنْ عَلِمَ بِهَا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَوْلَى (وَإِنْ قَالَ قَطَعْت يَدَهَا قَبْلَ إعْتَاقِهَا وَقَالَتْ كَانَ بَعْدَهُ صُدِّقَتْ وَكَذَا فِي أَخْذِهِ مِنْهَا) أَيْ عَتَقَ أَمَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك أَوْ أَخَذْت مِنْك هَذَا الْمَالَ قَبْلَ مَا أَعْتَقْتُك وَقَالَتْ بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ (لَا الْجِمَاعُ وَالْغَلَّةُ) يَعْنِي إذَا قَالَ جَامَعْتهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ أَوْ أَخَذْت الْغَلَّةَ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرُ كَوْنُهُمَا حَالَ الرِّقِّ (أَمَرَ عَبْدُ مَحْجُورٍ أَوْ صَبِيٌّ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ هُوَ الصَّبِيُّ الْمَأْمُورُ فَتَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ (وَرَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الصَّبِيَّ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَيَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ (لَا) عَلَى (الصَّبِيِّ الْآمِرِ) لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ (وَلَوْ كَانَ مَأْمُورُ الْعَبْدِ) الْمَحْجُورِ عَبْدًا مَحْجُورًا (مِثْلَهُ دَفَعَ السَّيِّدُ) الْعَبْدَ (الْقَاتِلَ أَوْ فَدَاهُ فِي الْخَطَأِ بِلَا رُجُوعٍ حَالًّا) لِأَنَّ الْأَمْرَ قَوْلٌ وَقَوْلُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ (فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ) لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ لَا مُضْطَرٌّ (كَذَا) الْحُكْمُ (فِي الْعَمْدِ) أَيْ دَفَعَ السَّيِّدُ الْقَاتِلَ أَوْ فَدَاهُ ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ (إنْ كَانَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا) لِأَنَّ عَمْدَ الصَّغِيرِ كَالْخَطَأِ (وَلَوْ) كَانَ (كَبِيرًا اقْتَصَّ) لِأَنَّهُ يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ (قَتَلَ قِنٌّ عَمْدًا حُرَّيْنِ وَلِكُلٍّ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَى بِدِيَةٍ) هِيَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ بِحُكْمِ الْقَوَدِ صَارَتْ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُهُ فَإِذَا عَفَا اثْنَانِ بَطَلَ حَقُّهُمَا وَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرَيْنِ فِي النِّصْفِ فَلِذَا قِيلَ لَهُ ادْفَعْ نِصْفَهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَدْ كَانَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَإِذَا عَفَا اثْنَانِ بَطَلَ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ حَقُّ كُلٍّ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ فَلِذَا فَدَاهُ بِعَشْرَةِ آلَافٍ إنْ شَاءَ (وَإِنْ قَتَلَ) الْقِنُّ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْحُرَّيْنِ (خَطَأً وَالْآخَرَ عَمْدًا فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَدَى بِدِيَةٍ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَبِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ) الَّذِي لَمْ يَعْفُ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَقِّ بَطَلَ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ النِّصْفُ وَصَارَ مَالًا وَيَكُونُ خَمْسَةَ آلَافٍ وَلَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَكَانَ حَقُّهُمَا فِي كُلِّ الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافٍ (أَوْ دَفَعَ) أَيْ الْقِنُّ (إلَيْهِمْ) يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْفِدَاءِ وَالدَّفْعِ فَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ (أَثْلَاثًا) ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ (عَوْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَيُضْرَبُ وَلِيَّا الْخَطَأِ بِالْكُلِّ وَغَيْرُ الْعَافِي بِالنِّصْفِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي النِّصْفِ وَحَقَّهُمَا فِي الْكُلِّ فَصَارَ كُلُّ نِصْفٍ بَيْنَهُمَا فَصَارَ حَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ غَيْرِ الْعَافِي فِي سَهْمٍ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا (وَأَرْبَاعًا مُنَازَعَةً عِنْدَهُمَا) ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِأَحَدِ وَلِيِّ الْعَمْدِ لِأَنَّ النِّصْفَ سَلِمَ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصِّفُ لِهَذَا يُقْسَمُ أَرْبَاعًا (قَتَلَ عَبْدُهُمَا قَرِيبَهُمَا وَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ كُلُّهُ) لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ وَلِهَذَا يُقْتَضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَلَا يَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا الْجِمَاعُ وَالْغَلَّةُ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ إلَّا فِيمَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِيَدِهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمْلِيكَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ فَلِذَا أَمَرَ بِالرَّدِّ وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَرَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْعَتَّابِيِّ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا أَبَدًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ (قَوْلُهُ بَلْ بَعْدَ عِتْقِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا

[فصل دية العبد والأمة]

[فَصْل دِيَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ] فَصْلٌ (دِيَةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهَا فَإِنْ بَلَغَتْ) أَيْ قِيمَتُهَا (دِيَةَ حُرٍّ) وَهِيَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ (أَوْ حُرَّةٍ) وَهِيَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ (نَقَصَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشَرَةٌ) أَيْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إشْعَارًا بِانْحِطَاطِ دَرَجَةِ الرَّقِيقِ عَنْ الْحُرِّ وَتَعْيِينُ الْعَشَرَةِ بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَلَوْ) كَانَتْ الْقِيمَةُ (أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (فِي الْعَبْدِ وَمِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ فِي الْأَمَةِ) . وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. (وَفِي الْغَصْبِ) يُعْتَبَرُ (قِيمَتُهُ) أَيْ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا (بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ) فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ (وَمَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَةِ الْقِنِّ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْقِنِّ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهُ بَدَلُ الدَّمِ (فَفِي يَدِهِ) أَيْ إتْلَافِ يَدِ الْقِنِّ يَلْزَمُ (نِصْفُ قِيمَتِهِ) كَمَا فِي دِيَةِ الْحُرِّ (بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ (عَبْدٌ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَأُعْتِقَ فَسَرَى أُقِيدَ إنْ وَرِثَهُ سَيِّدُهُ فَقَطْ) أَيْ إنْ كَانَ وَارِثُ الْمُعْتَقِ سَيِّدَهُ فَقَطْ أَقَادَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا لِأَنَّ الْقَوَدَ يَجِبُ بِالْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ وَقْتُ الْجُرْحِ فَسَبَبُ الْوِلَايَةِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ وَقْتُ الْمَوْتِ فَسَبَبُهَا الْوَرَثَةُ بِالْوَلَاءِ فَجَهَالَةُ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ تَمْنَعُ الْقَوَدَ كَجَهَالَةِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَهُمَا أَنَّ جَهَالَةَ السَّبَبِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ تَيَقُّنِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ السَّيِّدَ فَقَطْ بَلْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ لَمْ يُقَدْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنْ كَانَ وَقْتَ الْجُرْحِ فَالْمُسْتَحِقُّ السَّيِّدُ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ فَذَلِكَ الْوَارِثُ أَوْ هُوَ مَعَ السَّيِّدِ فَجَهَالَةُ الْمُقْتَضِي لَهُ تَمْنَعُ الْحُكْمَ (قَالَ) الْمَوْلَى لِعَبْدَيْهِ (أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا) أَيْ صَارَا مَشْجُوجَيْنِ (فَعَيَّنَ) الْمَوْلَى (وَاحِدًا) لِلْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالَ أَرَدْت هَذَا (فَأَرْشُهُمَا لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (وَإِنْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَجَبَ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ إظْهَارٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلِهَذَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ يَشِيعُ الْعِتْقُ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّهِمَا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ قِيمَةُ عَبْدٍ وَدِيَةُ حُرٍّ (وَلَوْ) قَتَلَ (كُلًّا) مِنْهُمَا (رَجُلٌ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ) لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ حُرًّا وَكُلٌّ مِنْ الْقَاتِلَيْنِ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهُمَا وَفِي (فَقْءِ عَيْنَيْ عَبْدٍ دَفَعَهُ سَيِّدُهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ بِلَا أَخْذِ النُّقْصَانِ) يَعْنِي إذَا فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَإِنْ شَاءَ مَوْلَاهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ النُّقْصَانَ وَقَالَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ أَخْذِ النُّقْصَانِ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَمَّا كَانَ مُعْتَبَرًا وِفَاقًا أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا فَاحِشًا يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ دَفْعِهِ إلَيْهِ وَتَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ وَبَيْنَ إمْسَاكِ الثَّوْبِ وَتَضْمِينِ النُّقْصَانِ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهَا وَفِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ عَبْدٍ يُؤْمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ) تَمْثِيلُهُ بِمَنْ قِيمَتُهُ مِائَةٌ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ إذْ لَا يَظْهَرُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْغَصْبِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرُ لِتَبْلُغَ الْقِيمَةُ دِيَةَ الْحُرِّ (قَوْلُهُ فَفِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ) إنَّمَا مَثَّلَ بِالْيَدِ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ بِحَلْقِهَا غَيْرُ حُكُومَةِ عَدْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَ كَمَالِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَطَعَ أُذُنَيْ عَبْدٍ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ فَلَمْ تَنْبُتْ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى قِيمَةً تَامَّةً إنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ اهـ. وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَطْعِ يَدٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ فَالسَّيِّدُ إمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْعَبْدَ وَيُضَمِّنَ الْقَاطِعَ كُلَّ الْقِيمَةِ أَوْ يُمْسِكَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا فِي فَقْءِ عَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ) قَالَ فِي الْكَافِي عَنْ الْمَبْسُوطِ تَجِبُ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ) يَعْنِي مَعًا كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَجَبَ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قِيمَتُهُمَا وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقِيمَتَيْنِ وَالدِّيَةِ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ قِيمَتُهُمَا يَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ فَيُقْسَمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْأَوَّلِ لِمَوْلَاهُ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ كُلًّا مِنْهُمَا رَجُلٌ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ) هَذَا إذَا قَتَلَاهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلُ وَمَا يُؤْخَذُ يَكُونُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ نِصْفَيْنِ وَإِنْ قَتَلَاهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى لِتَعَيُّنِهِ لِلرِّقِّ وَعَلَى الثَّانِي دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً) إنْ وَصَلْيَةٌ لَا شَرْطِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ اقْتِرَانَهَا بِالْوَاوِ

[فصل إقرار المدبر وأم الولد بجناية خطأ]

الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَوْ كَانَ مَالًا مَحْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُبَاعَ فِيهَا ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجْزَاءِ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ تَنْقَسِمَ وَتَتَمَلَّكَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ. (فَصْلٌ) (أَقَرَّ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُكَاتَبَ إذْ عُلِمَ حُكْمُهُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِهِ (بِجِنَايَةٍ) خَطَأٍ (لَمْ يَجُزْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ) لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْخَطَأِ مِنْهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِقْرَارُهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ (وَبَعْدَ إثْبَاتِهَا) بِالنِّيَّةِ (ضَمِنَ مَوْلَاهُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ وَكَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَصَارَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَنَّهُ يَجْنِي فَصَارَ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ بِسَبَبٍ مِنْ الْمَوْلَى فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِ مِنْهُ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْقِنِّ حَيْثُ خُيِّرَ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَجِنْسُهُمَا مُخْتَلِفٌ (وَإِنْ جَنَى) الْمُدَبَّرُ (جِنَايَاتٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) بِمُقَابَلَةِ عَيْنِ وَاحِدٍ فَيُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى فِي قِيمَةٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ) أَيْ وَلِيِّ الْأُولَى (بِقَضَاءٍ) وَلَا يَطْلُبُ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ فِي الدَّفْعِ (وَيُتْبِعُ مَوْلَاهُ أَوْ وَلِيُّ الْأُولَى لَوْ) دُفِعَتْ إلَيْهِ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَجْبُورًا فِي الدَّفْعِ (جَنَى) مُدَبَّرٌ (خَطَأً فَمَاتَ لَمْ يَسْقُطْ الْقِيمَةُ عَنْ مَوْلَاهُ) لِأَنَّهَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَدْبِيرِهِ وَبِالْمَوْتِ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ (قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ خَطَأً يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ سَلِمَتْ لَهُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ وَلَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا وَهِيَ الْقِيمَةُ (وَلَوْ) قَتَلَهُ (عَمْدًا قَتَلَهُ) الْوَارِثُ (وَاسْتَوْفَى قِيمَتَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ. . . إلَخْ (غَصَبَ عَبْدًا قَطَعَ سَيِّدُهُ يَدَهُ فَسَرَى ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَهُ سَيِّدُهُ فِي يَدِ غَاصِبِهِ فَسَرَى عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا غُصِبَ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى فِي يَدِهِ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَوَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمَّا قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَ عَبْدِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ لِاسْتِيلَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ مِلْكِهِ إلَيْهِ (وَضَمِنَ) عَبْدٌ (مَحْجُورٌ غَصْبَ مِثْلِهِ فَمَاتَ بِيَدِهِ) فَإِنَّ الْمَحْجُورَ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ يُبَاعُ فِيهِ دُونَ أَقْوَالِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يُبَاعُ بَلْ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ (جَنَى مُدَبَّرٌ عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَهُمَا) يَعْنِي إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى عِنْدَهُ أُخْرَى ضَمِنَ الْمَوْلَى لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا فِي الْقِنِّ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجْزَاءِ) يَعْنِي الْأَجْزَاءَ الْفَائِتَةَ وَالْقَائِمَةَ بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتَةِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ) يَعْنِي فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْمَالِيَّةِ. [فَصْلٌ إقْرَار الْمُدَبَّر وَأُمُّ الْوَلَد بِجِنَايَةِ خَطَأ] (فَصْلٌ) (قَوْله وَجِنْسُهُمَا مُخْتَلِفٌ) الضَّمِيرُ لِلدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ (قَوْلُهُ وَيُتْبِعُ مَوْلَاهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ

مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ (وَرَجَعَ بِنِصْفِهَا) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ مَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ (عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِالْقِيمَةِ الْجِنَايَتَيْنِ، نِصْفُهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَلَا رَدٍّ (وَدَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فَيَسْتَحِقُّ كُلَّهَا وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا يَأْخُذُهُ مِنْهُ لِيَتِمَّ حَقُّهُ وَ (بِعَكْسِهِ) يَعْنِي جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى خَطَأً ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ (لَا يَرْجِعُ) الْمَوْلَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى كَانَتْ فِي يَدِهِ (وَالْقِنُّ فِي الْفَصْلَيْنِ) يَعْنِي إذَا جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوْ بِالْعَكْسِ (كَالْمُدَبَّرِ) لَكِنَّ (الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْقِنَّ) نَفْسَهُ (وَقِيمَةَ الْمُدَبَّرِ) فَإِذَا دَفَعَ الْقِنَّ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَسَلِمَ لِلْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْلَمُ لَهُ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَرْجِعُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْغَاصِبِ وَفِي الثَّانِي لَا (مُدَبَّرٌ غَصَبَ مَرَّتَيْنِ فَجَنَى فِي كُلِّ مَرَّةٍ) يَعْنِي رَجُلٌ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى (ضَمِنَ مَوْلَاهُ قِيمَتَهُ لَهُمَا) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَنَعَ عَيْنَ الْعَبْدِ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا مَرَّ (وَرَجَعَ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ (عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِهِ فَاسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ وَالنِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ (وَدَفَعَ) أَيْ الْمَوْلَى (نِصْفَهَا) أَيْ نِصْفَ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا (إلَى الْأَوَّلِ) أَيْ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ عِنْدَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقُّهُ بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ مِنْ بَعْدُ (وَرَجَعَ) أَيْ الْمَوْلَى (بِهِ) أَيْ بِالنِّصْفِ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى (عَلَى الْغَاصِبِ) لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا النِّصْفِ ثَانِيًا بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَيَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا إلَى وَلِيِّ الثَّانِيَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ (وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي كُلِّهَا) أَيْ كُلِّ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (كَالْمُدَبَّرِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ لِلْجِنَايَةِ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى (غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ عِنْدَهُ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِي الْحُرِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقٌ رَقَبَةً فَالْحُرُّ يَدًا أَوْ رَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ الْغَصْبِ بَلْ ضَمَانِ الْإِتْلَافِ بِالتَّسْبِيبِ لِنَقْلِهِ إلَى مَكَان فِيهِ الصَّوَاعِقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ بِنِصْفِهَا عَلَى الْغَاصِب وَدَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ) أَقُولُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَضْمَنْ لِمَوْلَاهُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ فِي يَدِهِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى ثَانِيًا مِنْ الْغَاصِبِ يَكُونُ لَهُ لِوُصُولِ كُلٍّ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا إلَى حَقِّهِ الْأَوَّلِ إلَى قِيمَةٍ كَامِلَةٍ وَالثَّانِي إلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ فَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَدْرَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَتَأَتَّى عَكْسُهَا الْمَذْكُورُ بَعْدَهَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا) بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفٍ ثَانِيًا مِثْلَ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفًا فَقَطْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ جَنَى عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوَّلًا فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالسَّبَبِ عِنْدَهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَاسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالْمُرَادُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَالْمِيمُ زَائِدَةٌ فِي الْمَوْلَى (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ) يَعْنِي يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْكُلِّ (قَوْلُهُ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا) يَعْنِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُعَبِّرُ يُعَارِضُهُ بِلِسَانِهِ فَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

[باب القسامة]

وَالْحَيَّاتُ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى ضَمِنَ كَذَا فِي الْكَافِي (كَمَا فِي صَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ) أَيْ إذَا أَوْدَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَبْدَهُ صَبِيًّا فَقَتَلَهُ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ قِيمَتَهُ (وَإِنْ أَتْلَفَ مَالًا بِإِيدَاعٍ لَا يَضْمَنُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا وَلَهُمَا أَنَّ غَيْرَ الْعَبْدِ مَعْصُومٌ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ فَوَّتَهُ لِدَفْعِهِ إلَى يَدِ الصَّبِيِّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَعِصْمَتُهُ لِحَقِّهِ لِبَقَائِهِ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ (وَبِدُونِهِ يَضْمَنُ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ (بَابُ الْقَسَامَةِ)) (هِيَ أَيْمَانٌ تُقْسَمُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ) قَوْلُهُ (مَيِّتٌ بِهِ جُرْحٌ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حَلَفَ لَهُ (أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنِقٍ) بِكَسْرِ النُّونِ (أَوْ خُرُوجِ دَمٍ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنَيْهِ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ أَكْثَرُهُ) عُطِفَ عَلَى ضَمِيرِ وُجِدَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ أَيْ أَكْثَرُ الْبَدَنِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ رَأْسُهُ أَوْ لَا (أَوْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَعَ رَأْسِهِ لَا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ) إذْ لَوْ عَلِمَ كَانَ هُوَ الْخَصْمَ وَسَقَطَ الْقَسَامَةُ (وَادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَلَى أَهْلِهَا) أَيْ كُلِّهِمْ (أَوْ) عَلَى (بَعْضِهِمْ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ (حَلَفَ لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ (خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَمَا الَّذِي تُخْرِجُهُ فَكَتَبُوا إلَيْهِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَعَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْرًا فَإِنْ كُنْت نَبِيًّا فَاسْأَلْ اللَّهَ تَعَالَى مِثْلَ ذَلِكَ فَكَتَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ أَرَانِي أَنْ أَخْتَارَ مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ تَغْرَمُونَ الدِّيَةَ قَالُوا لَقَدْ قَضَيْت فِينَا بِالنَّامُوسِ» أَيْ بِالْوَحْيِ (يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ) إشَارَةً إلَى أَنَّ اخْتِيَارَ تَعْيِينِ الْخَمْسِينَ إلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ وَهُوَ الْفَسَقَةُ وَالشُّبَّانُ أَوْ صَالَحُوا أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى) لَيْسَتْ قَيْدًا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ الْأَمْرَاضُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ قَوْلُهُ ضَمِنَ لَيْسَ الْمُرَادُ ضَمَانَهُ وَحْدَهُ بَلْ مَعَ عَاقِلَتِهِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي صَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ) التَّشْبِيهُ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي مَسْأَلَةِ عَبْدِ الْقِيمَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شَرْحًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ يَحْتَمِلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا آثَرَ لَفْظَ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا بِإِزَاءِ الْآدَمِيَّةِ وَالْقِيمَةُ بِإِزَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالْوَاجِبُ فِي الْعَبْدِ بِإِزَاءِ إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي التَّفْسِيرِ ثُمَّ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَطَ فِي الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا. وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي صَبِيٍّ عُمْرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ اهـ. وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ النِّحْرِيرِيُّ نَقْلًا عَنْ الشَّلَبِيِّ قَوْلُهُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ وَذَلِكَ دَلِيلٌ. . . إلَخْ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَذْهَبُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ الصَّبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ اهـ مَا عَنْ الشَّلَبِيِّ ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَهُ وَقَالَ مِسْكِينٌ وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ غَيْرُ الْعَاقِلِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَ مَالًا بِإِيدَاعٍ لَمْ يَضْمَنْ) فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَا وَبَيْنَ إتْلَافِهِ الْعَبْدَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مَالٌ أَيْضًا قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ حَقُّ مَالِكِهِ فَيَمْلِكُ اسْتِهْلَاكَهُ وَلَهُ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ وَأَمَّا الْآدَمِيُّ الْمَمْلُوكُ فَعِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِحَقِّ مَوْلَاهُ وَلِهَذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ وَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا وَهَذَا الْفَرْقُ مُؤَدَّى قَوْلِهِ وَلَهُمَا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ غَيْرَ الْعَبْدِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِنَّمَا ضَبَطْته لِأَنَّهُ يَلْتَبِسُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّنَاقُضُ بِمَا يَلِيهِ وَلِذَا أَوْضَحْته بِالْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ [بَابُ الْقَسَامَةِ] (بَابُ الْقَسَامَةِ) (قَوْلُهُ مَيِّتٌ بِهِ جُرْحٌ) يَعْنِي إذَا كَانَ حُرًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا وَأَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ إذَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلَا تَجِبُ الْغَرَامَةُ وَلَا الْقَسَامَةُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْبَهَائِمِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ لَوْ فِي غَيْرِ دَارِ مَوْلَاهُمْ وَفِيهَا لَيْسَ فِيهِمْ شَيْءٌ إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِلَّا فِي الْمَأْذُونِ إنْ كَانَ مَدْيُونًا فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ لِغُرَمَائِهِ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي وَاقِعَاتِ النَّسَفِيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (قَوْلُهُ حَلَفَ لَهُ) لَا فَرْقَ فِي تَحْلِيفِ الْخَمْسِينَ بَيْنَ دَعْوَى الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَأَمَّا الدِّيَةُ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَبِهِ اعْتَرَضَ ابْنُ الْمَلِكِ عَلَى مَتْنِ الْمَجْمَعِ بِإِلْزَامِهِ الْعَاقِلَةَ دِيَةَ الْقَتْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَيَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَسَنُبَيِّنُهُ فَلْيُحَرَّرْ

الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ (قَائِلًا) كُلٌّ مِنْهُمْ (بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لَا الْوَلِيُّ) أَيْ لَا يَحْلِفُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ بِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْأَوْلِيَاءَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ حَلَفُوا يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يَقْضِي بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا تُرِكُوا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ نَكَلُوا فَيَلِيهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَوْلٍ وَالدِّيَةُ فِي قَوْلٍ وَاللَّوْثُ الَّذِي ذَكَرَهُ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَالدَّمِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الظَّاهِرُ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبِدَايَةِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَوْلِيَاءِ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى فَإِنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي عِنْدَ قِيَامِ اللَّوْثِ وَقُرْبِ الْعَهْدِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ حُجَّةً لَهُ وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَسْقُطُ بِهَا فَلِهَذَا وَجَبَ الدِّيَةُ فِي الْجَدِيدِ وَلَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالْيَهُودِ بِالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ» لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِاسْتِحْقَاقِ فَلِسٍ فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً لِاسْتِحْقَاقِ نَفْسٍ وَالْيَمِينُ عِنْدَنَا لِيَظْهَرَ الْقَاتِلُ بِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ فَيُقِرُّوا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِذَا حَلَفُوا حَصَلَ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقِصَاصِ (ثُمَّ يَقْضِي عَلَى أَهْلهَا) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ (بِالدِّيَةِ) لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ» وَكَذَا عُمَرُ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وَإِنْ ادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ مِنْهُمْ فَلَا) أَيْ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ لَا يُبْطِلُ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَنْ أَهْلِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ يَكُون ذَلِكَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَذَا فِي الْجِنَايَةِ (وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ) أَيْ الْخَمْسُونَ (فِيهَا) أَيْ الْمَحَلَّةِ (كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ يُتِمَّ) أَيْ الْخَمْسُونَ (وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ) لِأَنَّ الْحَلِفَ فِيهِ وَاجِبٌ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْحَلِفَ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَدَلِ الْمُدَّعِي وَهُنَا لَا تَسْقُطُ بِبَدَلِ الدِّيَةِ (وَمُسْتَحْلِفٌ قَالَ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَرَفْت قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ فَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ (وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ لِمَا عَرَفْت وَالْيَمِينُ قَوْلٌ (وَامْرَأَةٌ وَعَبْدٌ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا (وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) عَلَى أَحَدٍ (فِي حَقِّ مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَتِيلًا وَهُوَ مَا ذُكِرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ يَقْضِي عَلَى أَهْلِهَا بِالدِّيَةِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَإِذَا حَلَفُوا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ عِنْدَنَا فِي دَعْوَى الْعَمْدِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِمْ فِي الْخَطَأِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (قَوْلُهُ وَإِنْ مِنْهُمْ فَلَا) يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ) هِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْعَدَدُ فَأَرَادَ الْوَلِيُّ تَكْرِيرَ الْحَلِفِ عَلَى بَعْضِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ) كَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ (قَوْله أَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ فَمِهِ) يَعْنِي وَهُوَ يَنْزِلُ مِنْ الرَّأْسِ وَإِنْ كَانَ يَعْلُو مِنْ الْجَوْفِ يَكُونُ قَتِيلًا بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهَا هُنَا يَعْنِي إذَا وَجَدَ مَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ

[القسامة على أهل الخطة]

فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَادَةً بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ (وَمَا تَمَّ خَلْقُهُ كَالْكَبِيرِ) أَيْ إذَا وُجِدَ سِقْطٌ تَامُّ الْخَلْقِ بِهِ أَثَرٌ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا (رَجُلٌ يَسُوقُ دَابَّةً عَلَيْهَا قَتِيلٌ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ) أَيْ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ (دِيَتَهُ) أَيْ دِيَةَ الْقَتِيلِ (لَا أَهْلُ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي دَارِهِ (كَذَا لَوْ قَادَهَا أَوْ رَكِبَهَا فَإِنْ اجْتَمَعُوا) أَيْ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ (ضَمِنُوا) لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَوْ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا) «لِأَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ أَنْ يُمْسَحَ بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إلَى إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ (وَإِنْ اسْتَوَتَا) أَيْ الْقَرْيَتَانِ أَوْ الْقَبِيلَتَانِ (فَعَلَيْهِمَا إنْ كَانَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي مَوْضِعٍ يُسْمَعُ مِنْهُ صَوْتٌ) لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَأَهْلُ الْقَرْيَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْلُغُ الصَّوْتُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُمْكِنُهُمْ النُّصْرَةُ وَقَدْ قَصَّرُوا وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَا يَلْزَمُهُمْ نُصْرَتُهُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فَلَا يُجْعَلُونَ قَاتِلِينَ تَقْدِيرًا (وُجِدَ) أَيْ الْقَتِيلُ (فِي دَارِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَتَدِي عَاقِلَتُهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ بِالْحُجَّةِ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ إلَى الْمَالِكِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا (إلَّا بِمُجَرَّدِ الْيَدِ) حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ لَا تَدِي عَاقِلَتُهُ وَلَا نَفْسُهُ (وَلَوْ) وُجِدَ قَتِيلٌ (فِي دَارِ نَفْسِهِ تَدِي عَاقِلَتُهُ وَرَثَتَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الدَّارَ حَالَ ظُهُورِ الْقَتِيلِ لِوَرَثَتِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَعِنْدَهُمَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا شَيْءَ فِيهِ وَبِهِ يُفْتَى لِمَا قَالُوا إنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَكَانَ هَدَرًا وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفًا لَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ [الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ] (الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ) أَيْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الْقَدِيمَةِ الَّذِينَ كَانُوا تَمَلَّكُوهَا حِينَ فَتَحَ الْإِمَامُ الْبَلْدَةَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِخَطٍّ خَطَّهُ لِيَتَمَيَّزَ أَنْصِبَاؤُهُمْ (لَا مَعَ السُّكَّانِ) أَيْ لَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ يَعْنِي الْمُسْتَأْجِرِينَ وَالْمُسْتَعِرِينَ مَعَ الْمُلَّاكِ فِي الْقَسَامَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ أَلَا يُرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ» وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ لَا السُّكَّانَ وَأَهْلُ خَيْبَرَ مُقَرُّونَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ (وَلَا الْمُشْتَرِينَ) عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّهُمْ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهِيَ بِالْمِلْكِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَهِيَ تُنْسَبُ إلَيْهِ لَا الْمُشْتَرِينَ وَقَلَّمَا يُزَاحِمُهُ الْمُشْتَرِي فِي التَّدْبِيرِ وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَحَلَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَصَّ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ لَا الْمُشْتَرِي وَقِيلَ إنَّمَا أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْخُطَّةِ فِي كُلٍّ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُشْتَرِكُونَ فِي ذَلِكَ (فَإِنْ بَاعَ كُلُّهُمْ) يَعْنِي إنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِينَ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْخُطَّةِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ يَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ دُونَ التَّبَعِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَلْ بَاعَ كُلُّهُمْ (فَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ رَجُلٌ يَسُوقُ دَابَّةً. . . إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا سِرًّا مُتَحَشِّمًا أَمَّا إذَا سَاقَهَا نَهَارًا جِهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ اجْتَمَعُوا ضَمِنُوا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ أَوْ لَا بِخِلَافِ الدَّارِ لِأَنَّ لَهُمْ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ مُطْلَقًا وَتَدْبِيرَ الدَّارِ لِمَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنُهَا وَالدَّابَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ) كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ جَازَ مَا بِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَأَهْلُ قَرْيَتَيْنِ) لَعَلَّهُ قَبِيلَتَيْنِ ثُمَّ إنَّهُ يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ فِيمَا إذَا اسْتَوَتَا لِيَجِبَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ وُجِدَ فِي دَارِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَتَدِي عَاقِلَتُهُ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَإِذَا كَانَتْ عَاقِلَتُهُ حَاضِرَةً فِي بَلَدِهِ تَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْقَسَامَةِ كَالدِّيَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ كَانُوا غُيَّبًا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ) كَذَا الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَحَلَّةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ عَلَيْهِمْ وَفِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا) ذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَكَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ

الْمُشْتَرِينَ) اتِّفَاقًا لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ عِنْدَهُمَا أَوْ يُزَاحِمُهُمْ عِنْدَهُ فَانْتَقَلَتْ عِنْدَهُمَا إلَيْهِمْ وَخَلَصَتْ عِنْدَهُ لَهُمْ (وُجِدَ) قَتِيلٌ (فِي دَارٍ) مُشْتَرَكَةٍ (بَيْنَ قَوْمٍ لِبَعْضِهِمْ أَكْثَرُ) بِأَنْ كَانَ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ مَثَلًا وَعُشْرُهَا لِرَجُلٍ وَبَاقِيهَا لِآخَرَ (فَهِيَ عَلَى الرُّءُوسِ) وَلَا يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ لِاسْتِوَاءِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ (وَإِنْ بِيعَتْ) دَارٌ (وَلَمْ تُقْبَضْ) حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ (فَعَلَى) أَيْ الدِّيَةُ عَلَى (عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ ذِي الْيَدِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فَعَلَى عَاقِلَةِ مَنْ تَصِيرُ لَهُ الدَّارُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْيَدُ وَهُمَا الْمِلْكُ (وَإِنْ) وُجِدَ الْقَتِيلُ (فِي الْفُلْكِ) فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ (عَلَى مَنْ فِيهِ) مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ وَالْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْعَجَلَةُ (وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ وَشَارِعِهَا) أَيْ شَارِعِ الْمَحَلَّةِ احْتِرَازٌ عَنْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ كَمَا سَيَأْتِي (عَلَى أَهْلِهَا) لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِ (وَفِي سُوقٍ مَمْلُوكٍ عَلَى الْمَالِكِ وَفِي غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ (وَالشَّارِعُ الْأَعْظَمُ وَالسِّجْنُ وَالْجَامِعُ لَا قَسَامَةَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا نَفْيُ تُهْمَةِ الْقَتْلِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ (وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ يَنْقَسِمُ ابْتِدَاءً إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا طَرِيقٌ خَاصٌّ وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ لَا مَخْرَجٌ كَمَا ذَكَرُوا فِي بَحْثِ الزَّائِغَةِ الْمُسْتَطِيلَةِ وَالْآخَرُ طَرِيقٌ عَامٌّ وَهُوَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ وَيُسَمَّى هَذَا بِالشَّارِعِ وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا شَارِعُ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ أَكْثَرِيًّا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا وَهَذَا مَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي شَارِعِ الْمَحَلَّةِ وَالْآخَرُ الشَّارِعُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ مَا يَكُونُ مُرُورُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ كَالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَخَارِجِ الْبُلْدَانِ وَهَذَا مَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَجَدَ فِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ حَتَّى تَنْدَفِعَ الشُّبْهَةُ وَتَضْمَحِلَّ الْأَوْهَامُ (وَفِي قَوْمٍ الْتَقَوْا بِالسَّيْفِ وَأُجْلُوا عَنْ قَتِيلٍ) أَيْ تَفَرَّقُوا فَظَهَرَ فِي مَوْضِعِ اجْتِمَاعِهِمْ قَتِيلٌ (عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ) لِأَنَّ حِفْظَ الْمَحَلَّةِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مَنْ يُبَاشِرُهُ جُعِلَ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى الْقَوْمِ أَوْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ) فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةً مِنْ الْقَسَامَةِ وَلَا عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ إذْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لَكِنْ يَسْقُطُ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ (وُجِدَ) قَتِيلٌ (فِي بَرِّيَّةٍ لَا عِمَارَةَ بِقُرْبِهَا) مَعْنَى الْقُرْبِ عَلَى مَا سِيقَ سَمَاعُ الصَّوْتِ (أَوْ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ) وَهُوَ مَا لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا مِلْكِهِ كَالْفُرَاتِ مَثَلًا بِخِلَافِ النَّهْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ فِيهِ الشُّفْعَةَ لِاخْتِصَاصِ أَهْلِهَا بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فَقَوْلُ الْوِقَايَةِ أَوْ مَاءٌ يَمُرُّ بِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ (فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَتِيلُ (مُحْتَسِبًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى) مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لِلْقُرْبِ (وَلَوْ فِي أَرْضٍ أَوْ دَارٍ مَوْقُوفَتَيْنِ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَعَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِمَا (وَلَوْ) كَانَتْ مَوْقُوفَةً (عَلَى مَسْجِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَانْتَقَلَتْ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَخَلَصَتْ عِنْدَهُ أَيْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا شَارِعُ الْمَحَلَّةِ) قَدْ اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَنَفَى انْقِسَامَ الشَّارِعِ إلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ بَلْ الشَّارِعُ وَاحِدٌ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ لُزُومَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ التَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْخُصُوصِ بِالتَّفَرُّقِ فِي الْمَحَلِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَلَا فِي شَوَارِعِ الْعَامَّةِ وَلَا فِي جُسُورِ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَلَا يَدُ الْخُصُوصِ اهـ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا مَا مَالَ فِي النَّافِعِ. . . إلَخْ الْحَمْلُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِشَارِعِ الْمَحَلَّةِ مَا لَيْسَ نَافِذًا وَأُرِيدَ فِي كَلَامِ النَّافِعِ بِالشَّارِعِ الطَّرِيقُ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا إذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْمَحَلَّةِ لِمَا قُلْنَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي لُزُومِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِالْوُجْدَانِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ عَلَى أَهْلِهَا وَعَدَمُ الْقَسَامَةِ فِي النَّافِذَةِ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَفِي قَوْمٍ الْتَقَوْا بِالسَّيْفِ) الْمُرَادُ مُطْلَقُ السِّلَاحِ وَهَذَا إذَا كَانُوا غَيْرَ مُتَأَوِّلِينَ جِهَةَ حَقٍّ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إنْ كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَأَوِّلَيْنِ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكَيْنِ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِمَّنْ أَصَابَهُ الْعَدُوُّ (قَوْلُهُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ) يَعْنِي أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ أَيْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَوْمِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ حَتَّى يُقِيمَ أَيْ الْوَلِيُّ الْبَيِّنَةَ (قَوْلُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لِلْقُرْبِ) يَعْنِي بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ

[كتاب المعاقل]

فَكَالْمَسْجِدِ) أَيْ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ مَرَّ (وَلَوْ) وُجِدَ (فِي مُعَسْكَرٍ فِي فَلَاةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَفِي الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ عَلَى سَاكِنِيهِمَا، وَ) فِي (خَارِجِهِمَا إنْ كَانُوا) أَيْ سَاكِنُوا خَارِجِهِمَا (قَبَائِلَ فَعَلَى) قَبِيلَةٍ وُجِدَ (الْقَتِيلُ) فِيهَا وَلَوْ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ كَانَ كَمَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ (وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ) وَإِنْ نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِفِينَ (فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ) كُلِّهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ مَنْسُوبَةٍ إلَيْهِمْ فَتَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ فِي خَارِجِ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ (وَلَوْ) كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْعَسْكَرُ (مَمْلُوكَةً فَعَلَى الْمَالِكِ) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَلَا يُزَاحِمُونَ الْمَالِكَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ (جُرِحَ فِي حَيٍّ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَبَقِيَ ذَا فِرَاشٍ فَمَاتَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْحَيِّ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ (رَجُلٌ مَعَهُ جُرْحٌ بِهِ رَمَقٌ فَحَمَلَهُ آخَرُ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ زَمَانًا لَمْ يَضْمَنْ الْحَامِلُ) فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا (رَجُلَانِ فِي بَيْتٍ بِلَا ثَالِثٍ وُجِدَ أَحَدُهُمَا قَتِيلًا ضَمِنَ الْآخَرُ دِيَتَهُ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ (وُجِدَ) قَتِيلٌ (فِي قَرْيَةِ امْرَأَةٍ كُرِّرَ الْحَلِفُ عَلَيْهَا وَتَدِي عَاقِلَتُهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهَا عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَخَفِّفَةٌ (بَطَلَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِقَتْلِ غَيْرِهِمْ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ غَيْرَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ مِنْ أَهْلِهَا لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِصَدَدِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَ بِدَعْوِي الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ (وَعَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ) أَيْ بَطَلَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَمَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالشَّاهِدُ يَدْفَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا [كِتَابُ الْمَعَاقِلِ] (كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى الْعَقْلِ أَيْ الدِّيَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ وَمِنْهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ (الْعَاقِلَةُ) هُمْ الَّذِينَ يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ دِيَةُ الْقَتِيلِ خَطَأً (أَهْلُ الدِّيوَانِ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ عَطِيَّاتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ) وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ. هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْعَشِيرَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ عَلَيْهِمْ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهَا صِلَةٌ فَالْأَقَارِبُ أَوْلَى بِهَا كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ، وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِي مُعَسْكَرٍ فِي فَلَاةٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ الْتَقَوْا قِتَالًا وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنْ كَانُوا لَقَوْا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلُهُمْ. اهـ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) أَيْ قَالَ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا قَسَامَةَ لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ. . . إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلُزُومِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي جُرِحَ فِيهِمْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَتَدِي عَاقِلَتُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ وَتُشَارِكُ عَاقِلَتُهَا فِي الدِّيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (كِتَابُ الْمَعَاقِلِ) (قَوْلُهُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِمَعْنَى الْعَقْلِ) أَيْ الدِّيَةِ. لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الدِّيَةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ كِتَابُ الدِّيَاتِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْكِتَابِ شَيْءٌ مِنْ بَيَانِ الدِّيَاتِ بَلْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَهِيَ الْعَاقِلَةُ وَلِذَا تَرْجَمَ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ بَابُ الْعَاقِلَةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْعَاقِلَةُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَقْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَا يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ عِقَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ النُّفُورِ وَمِنْهُ سُمِّيَ اللُّبُّ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَمَّا يَضُرُّهُ فَكَذَلِكَ عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ وَهُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ مِمَّا يَمْنَعُونَهُ عَنْ قَتْلِ مَا لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ فَالْعَقْلُ الَّذِي هُوَ آلَةُ الْإِدْرَاكِ جَمْعُهُ عُقُولٌ وَالْعَقْلُ الَّذِي هُوَ الدِّيَةُ جَمْعُهُ الْمَعَاقِلُ وَمِنْهُ الْعَاقِلَةُ وَهُمْ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْعَاقِلَةُ هُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الدِّيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِمْ لَوْ بَاشَرُوا الْقَتْلَ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي الْغَرَامَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَ الْعَاقِلَةَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ) يَعْنِي لَا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَنَظِيرُهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ قِيمَتُهُ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.

فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ تَقْرِيرُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ كَالْوَلَاءِ وَالْحِلْفِ وَالْعَدِّ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةٍ، وَفِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَارَ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ، وَإِنْ كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ، وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهَا أَخَفُّ وَمَا تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (كَذَا مَا يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ مِنْ الدِّيَةِ) يَعْنِي يُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَيَجِبُ حَالًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَسَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَإِنْ خَرَجَتْ) أَيْ الْعَطَايَا (لِأَكْثَرَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهَا (يُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ الْأَكْثَرُ أَوْ الْأَقَلُّ (وَالْحَيُّ) عَطْفٌ عَلَى أَهْلُ الدِّيوَانِ أَيْ الْعَاقِلَةُ الْقَبِيلَةُ (لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ هَكَذَا أَوْ حَيُّهُ لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ حَيِّهِ لِمَنْ وَلَا وَجْهَ لِإِرْجَاعِهِ إلَيْهِ فَالصَّوَابُ وَالْحَيُّ لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ (يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْعَاقِلَةِ (فِي) مَجْمُوعِ (ثَلَاثِ سِنِينَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ) بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (فِي كُلِّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ) لِيَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ (أَوْ مَعَ ثُلُثٍ) أَيْ ثُلُثِ دِرْهَمٍ لِيَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ (وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْحَيُّ ضُمَّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْأَحْيَاءِ نَسَبًا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ) وَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِمْ (وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ) ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. (وَ) الْعَاقِلَةُ (لِلْمُعْتَقِ حَيُّ مَوْلَاهُ) لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ» (وَلِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ) الَّذِي عَاقَدَهُ (وَحَيُّهُ) أَيْ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَتَنَاصَرُونَ فَأَشْبَهَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ (وَتَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ مَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ) الْأَصْلُ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ قُومُوا فَدُوهُ قَالَهُ حِينَ ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَرُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ وَكَذَا الْمُبَاشِرُ شِبْهَ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلْقَتْلِ، وَلِلنَّفْسِ احْتِرَامٌ لَا يَجُوزُ إهْدَارُهَا وَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ، وَفِي إيجَابِ مَالٍ عَظِيمٍ اسْتِئْصَالٌ لَهُ فَضُمَّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَّرَ بِقُوَّةٍ فِيهِ وَهِيَ بِأَنْصَارِهِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَكَانُوا مُقَصِّرِينَ فِي تَرْكِ مُرَاقَبَتِهِ فَخُصُّوا بِهِ (وَقَدْرَ أَرْشِ مُوضِحَةٍ فَصَاعِدًا) لِمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُوضِحَةِ فَصَاعِدًا الدِّيَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (لَا) أَيْ لَا يَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةَ (مَا يَجِبُ بِصُلْحٍ أَوْ إقْرَارٍ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَاقِلَةُ أَوْ عَمْدٍ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ قَتَلَهُ ابْنُهُ عَمْدًا وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ أَوْ عَمْدٍ وَمَا دُونَ أَرْشِ مُوضِحَةٍ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ» وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الِاسْتِئْصَالِ وَلَا اسْتِئْصَالَ فِي الْقَلِيلِ، وَالتَّقْدِيرُ الْفَاصِلُ عُرِفَ بِالسَّمْعِ وَمَا نَقَصَ عَنْهُ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالْوَلَاءِ) يَعْنِي وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ (قَوْلُهُ وَالْحِلْفِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحِلْفُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْعَهْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ،. وَفِي النِّهَايَةِ الْحِلْفُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْعَهْدُ يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَحَالَفُوا عَلَى التَّنَاصُرِ وَالْمُرَادُ هُنَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ (قَوْلُهُ وَالْعَدِّ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ الرَّجُلُ مِنْ قَبِيلَةٍ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ يُقَالُ فُلَانٌ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ (قَوْلُهُ كَذَا مَا يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ مِنْ الدِّيَةِ يَعْنِي يُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا) قَالَ النَّاطِفِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَفِي مَالِهِ يُؤَدِّي كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً كَمَا فِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْت وَهَذَا حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَقَدْ رَأَيْتُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَتْ أَيْ الْعَطَايَا لِأَكْثَرَ مِنْهَا. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ) ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِ آبَاءِ الْقَاتِلِ وَأَبْنَائِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فَيَبْدَأُ بِالْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنِيهِمْ ثُمَّ بِالْأَعْمَامِ كَذَلِكَ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَالْعَاقِلَةُ لِلْمُعْتَقِ حَيُّ مَوْلَاهُ) يَعْنِي مَعَ مَوْلَاهُ وَعَلَيْهِ نَصَّ الْبُرْهَانُ بِقَوْلِهِ وَيَعْقِلُ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ عِنْدَنَا كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ اهـ. وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ.

[كتاب الآبق]

(بَلْ الْجَانِي) وَلَوْ صَدَّقَ الْعَاقِلَةُ الْجَانِي لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَلَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ. (وَمَنْ لَيْسَ لَهُ دِيوَانٌ وَلَا حَيٌّ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ عِصَامٌ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ) فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَجَمِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْأَئِمَّةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا عَاقِلَةَ لِأَهْلِ الْعَجَمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ. (كِتَابُ الْآبِقِ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهُ لِكِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَتَوَابِعِهَا وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَرَّ مِنْ مَالِكِهِ قَصْدًا (نُدِبَ أَخْذُهُ لِقَادِرٍ عَلَيْهِ) لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ مَالِيَّتِهِ وَلِلْمَالِ حُرْمَةٌ كَالنَّفْسِ وَإِعَانَةً لِمَوْلَاهُ (وَاخْتُلِفَ فِي) (الضَّالِّ) قِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ إحْيَاءً لَهُ لِاحْتِمَالِ الضَّيَاعِ وَقِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فَيَلْقَاهُ مَوْلَاهُ، وَإِنْ عَرَفَ الْوَاجِدُ بَيْتَ مَوْلَاهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَيْهِ (فَيَأْتِيَ) أَيْ الْآخِذُ (بِهِ) أَيْ بِالْآبِقِ (إلَى الْقَاضِي فَيَحْبِسَهُ) تَعْزِيرًا لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْآبِقِ ثَانِيًا، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَجْعَلُهَا دَيْنًا عَلَى مَالِكِهِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ إذَا جَاءَ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا بِيعَ، وَلَا يُحْبَسُ الضَّالُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ وَلَا يَأْبَقُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ آجَرَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ (إلَى مَجِيءِ مَوْلَاهُ فَإِذَا جَاءَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ) أَنَّهُ لَهُ (قِيلَ عَلَى الْقَاضِي وَقِيلَ عَلَى مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي) لِحِفْظِ الْأَوَابِقِ وَنَحْوِهَا (يُحَلِّفُهُ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْمَوْلَى (بِاَللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ) بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ. قِيلَ) يَدْفَعُهُ (بِالْكَفِيلِ) لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ (وَقِيلَ لَا) لِكَوْنِ الدَّفْعِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ (وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا) عَطْفٌ عَلَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ (وَأَقَرَّ) أَيْ الْعَبْدُ (أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ وَصَفَ) الْمَوْلَى (عَلَامَتَهُ وَحِيلَتَهُ دَفَعَهُ) الْقَاضِي (إلَيْهِ بِالْكَفِيلِ، وَإِنْ) (أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ) مَخَافَةَ أَخْذِ الْجُعْلِ مِنْهُ (يَحْلِفُ) بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ (وَيُدْفَعُ) إلَيْهِ (فَإِنْ طَالَ مَجِيئُهُ) أَيْ مَجِيءُ الْمَوْلَى (بَاعَهُ الْقَاضِي، وَإِنْ عَلِمَ مَكَانَهُ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمَوْلَى بِكَثْرَةِ النَّفَقَةِ (وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ) أَيْ الْآبِقِ (مِنْهُ) أَيْ الثَّمَنِ (وَدَفَعَ الْبَاقِيَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَوْلَى (إنْ أَثْبَتَ) أَنَّ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ (أَوْ بَيَّنَ الْحِلْيَةَ وَالْعَلَامَةَ وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (فَسْخُهُ) أَيْ فَسْخُ بَيْعِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ كَحُكْمِهِ لَا يُنْقَضُ، وَإِنْ زَعَمَ الْمَوْلَى أَنَّهُ كَانَ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى نَقْضِ الْبَيْعِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْمَسْعُودِيِّ. (وَلِمُوَصَّلِهِ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (إلَيْهِ) أَيْ لِرَادِّ الْآبِقِ إلَى مَوْلَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْآبِقُ عَبْدًا (مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ فَيَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءُ الْمَالِيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ يَدًا كَمَا سَيَأْتِي (مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ أَوْ أَكْثَرَ) يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَصِّلِ (أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْهَا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُ (إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِلرَّدِّ) وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) لِمُوَصَّلِهِ (مِنْ أَقَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ صَدَّقَ الْعَاقِلَةُ الْجَانِيَ لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ أَوْ الْمُقِرُّ اهـ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ هُنَا (قَوْلُهُ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ دِيوَانٌ وَلَا حَيٌّ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ) ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا يَعْقِلُ مَنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْمِيرَاثِ بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا فَقَالَ: لَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ مُعْتِقُهُ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَهُ رَقِيقٌ فِي الْحَالِ وَلَوْ جَنَى هَذَا الْمُعْتَقُ فَعَقْلُ جِنَايَتِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا مَعْرُوفًا وَهُوَ الْمُعْتِقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ لِأَجَلِ الرِّقِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. [كِتَابُ الْآبِقِ] (كِتَابُ الْآبِقِ) (قَوْلُهُ فَيَأْتِي أَيْ الْآخِذُ بِهِ أَيْ بِالْآبِقِ إلَى الْقَاضِي) يَعْنِي إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ حَفِظَهُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ فَيَحْبِسُهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ حَبْسُهُ ابْتِدَاءً بَلْ إذَا رَفَعَهُ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ يَحْبِسُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلِمُوَصَّلِهِ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً يُوَلِّدُهَا فَلَهُ جُعْلٌ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مُرَاهِقًا فَيَجِبُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا (قَوْلُهُ وَلِمُوَصَّلِهِ مِنْ أَقَلَّ

[كتاب المفقود]

مِنْهَا) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ (بِقِسْطِهِ) أَيْ بِحِسَابِهِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُوَزَّعُ عَلَى الْمُعَوَّضِ ضَرُورَةَ الْمُقَابَلَةِ. (وَفِي الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ (إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَيْهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ) لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ فَتَكُونُ حُرَّةً وَلَا جُعْلَ فِي الْحُرِّ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَكَذَا عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ إذْ الْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مُكَاتَبٌ وَلَا جُعْلَ فِي الْمُكَاتَبِ كَمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ) (أَشْهَدَ) أَيْ آخِذُ الْآبِقِ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ (وَأَبَقَ مِنْهُ) (لَمْ يَضْمَنْ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَعَدَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ غَاصِبٌ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي الْوَجْهَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْإِشْهَادَ صَارَ غَاصِبًا. هَذَا عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَضْمَنُ وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إذَا رَدَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ (لَا جُعْلَ بِرَدِّ الْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ يَدًا (وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ جُعْلُ الرَّهْنِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ لِلرَّادِّ بِإِصَابَةِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ، وَمَالِيَّتُهُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إذْ مُوجَبُ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الرَّادُّ عَامِلًا لَهُ فَيَجِبُ الْجُعْلُ عَلَيْهِ. (وَإِنْ رُدَّ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ) إذْ الرَّهْنُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا إذَا (كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَفِي الْأَكْثَرِ قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ) لِأَنَّ حَقَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَصَارَ كَثَمَنِ الدَّوَاءِ وَالتَّخْلِيصِ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا فَعَلَى) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى (الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الْقَضَاءَ) أَيْ قَضَاءَ مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ (وَإِنْ أَبَى) مِنْ الْقَضَاءِ (بِيعَ) الْعَبْدُ (فَبُدِئَ بِالْجُعْلِ) أَيْ أَخَذَ صَاحِبُ الْجُعْلِ جُعْلَهُ أَوَّلًا (وَالْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لَهُ (وَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ (جَانِيًا فَعَلَى الْمَوْلَى الْفِدَاءُ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ؛ لِأَنَّهُ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّادَّ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ (وَالْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّفْعِ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَا حَقَّهُمْ (وَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ (مَوْهُوبًا فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَ الرَّدِّ فَزَوَالُهُ بِالرُّجُوعِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ بِالرَّدِّ (وَإِنْ كَانَ لِصَبِيٍّ فَفِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ (وَإِنْ رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ) لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِهِ (أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ (إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَرْجِعَ) الْآبِقُ (أَوْ رَفَعَ) الْأَمْرَ (إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ) الْعَقْدَ بِحُكْمِ عَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ التَّسْلِيمِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ. (كِتَابُ الْمَفْقُودِ) (هُوَ) لُغَةً مِنْ فَقَدْت الشَّيْءَ غَابَ عَنِّي وَأَنَا فَاقِدٌ وَهُوَ مَفْقُودٌ وَاصْطِلَاحًا (غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ أَثَرُهُ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ (وَلَمْ يُسْمَعْ خَبَرُهُ) أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ (حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) بِالِاسْتِصْحَابِ (فَلَا نِكَاحَ لِعُرْسِهِ) لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: 234] الْآيَةَ (وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ) لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ الْحَيَاةُ وَالْقِسْمَةُ بَعْدَ الْمَمَاتِ (وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ) لِأَنَّهَا لَا تُفْسَخُ قَبْلَ الْمَوْتِ. (وَيُقِيمُ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهَا بِقِسْطِهِ) أَيْ فَيُقْسَمُ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُرْضَخُ إذَا وَجَدَهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا فِي الرَّضْخِ وَإِلَّا فَالْإِمَامُ يُقَدِّرُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ) كَذَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ وَالِابْنُ إلَى أَحَدِهِمَا وَمَنْ فِي عِيَالِ سَيِّدِهِ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَمَنْ يَعُولُ الْيَتِيمَ وَمَنْ اسْتَعَانَ بِهِ الْمَالِكُ فِي رَدِّهِ إلَيْهِ وَالسُّلْطَانُ وَالشِّحْنَةُ وَالْخَفِيرُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. [كِتَابُ الْمَفْقُودِ] (كِتَابُ الْمَفْقُودِ) (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً مِنْ فَقَدْت الشَّيْءَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفَقْدِ وَالِاسْمُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ تَقُولُ فَقَدْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَضْلَلْتُهُ وَفَقَدْته أَيْ طَلَبْته وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَفْقُودِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ

مَنْ يَقْبِضُ حَقَّهُ) الْكَائِنَ فِي ذِمَمِ النَّاسِ (وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ فَسَادُهُ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَفْقُودِ كَذَلِكَ وَفِي نَصْبِ الْحَافِظِ لَهُ وَالْقَائِمِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَيُخَاصِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ بَلْ هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الْمَفْقُودِ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلُ الْقَاضِي وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ خَصْمًا، وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَيُنْفِقُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ بِالْوَلَاءِ كَوَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ وَعُرْسِهِ) لِمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ. الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ حَالَ حُضُورِهِ بِلَا قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حُضُورِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ (لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَعُرْسِهِ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيَانُ» (وَلَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ) وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ (وَمَيِّتٌ) عَطْفٌ عَلَى حَيٌّ (فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ إذَا مَاتَ الْمُوصِي) (بَلْ يُوقَفُ قِسْطُهُ مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ وَمُوصِيهِ إلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ) اُخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَ هُنَا فَإِنَّ مَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَطَرِيقُهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى مِثَالِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَهْرِ مِثْلِ النِّسَاءِ، وَبَقَاؤُهُ بَعْدَ كُلِّ أَقْرَانِهِ نَادِرٌ وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ الْغَالِبِ وَاعْتُبِرَ أَقْرَانُهُ فِي بَلَدِهِ؛ لِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ حَالِ الْأَقْرَانِ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ خَارِجٌ عَنْ الْإِمْكَانِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخْتَارُ أَنْ يُفَوَّضَ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ، وَكَذَا غَلَبَةُ الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ مَهْلَكَةً وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مُدَّتِهِ إلَّا اخْتِلَافَ آرَائِهِمْ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ لَهُ (فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ (حَيًّا) (فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْقِسْطُ الْمَوْقُوفُ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ (يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي) حَقِّ (مَالِهِ يَوْمَ تَمَّتْ الْمُدَّةُ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ أَيْ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَوْمَ تَمَامِ الْمُدَّةِ (فَتَعْتَدُّ عُرْسُهُ) لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ الْآنَ مَاتَ (لِلْمَوْتِ) يَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ مَنْ يَرِثُهُ الْآنَ) وَلَا يَرِثُهُ وَارِثٌ مَاتَ قَبْلَ الْمُدَّةِ. (وَفِي مَالِ غَيْرِهِ) عَطْفٌ عَلَى فِي مَالِهِ أَيْ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ مَالِ غَيْرِهِ (مِنْ حِينِ فُقِدَ) حَتَّى لَا يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحِينِ مَالِكًا لِمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُخَاصِمُ) يَعْنِي الْوَكِيلَ فِي كُلِّ دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ أَيْ عَقْدِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الْمَفْقُودِ حَقًّا. . . إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَقُولُ نَعَمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْكَالِ عَلَى مَا نَصَّ فِي الْمَذْهَبِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْغَرِيمُ إلَى أَنْ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ. هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَبَدًا فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ حَتَّى يُنْفِذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي وَاقِعَةٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذِ أَحَدٍ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا قَبْلَ الْحُكْمِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَيُنْفِقُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ بِالْوَلَاءِ. . . إلَخْ) يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَ هُنَا) هَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبُرْهَانُ. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ كَمَا فِي ابْنِ الضِّيَاءِ. وَفِي الْبُرْهَانِ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَالْأَرْفَقُ بِالنَّاسِ التَّقْدِيرُ بِتِسْعِينَ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ وَالْفَحْصُ عَنْ حَالِ الْأَقْرَانِ أَنَّهُمْ مَاتُوا أَوْ لَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ.

[كتاب اللقيط]

الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ مَالًا (فَيُرَدُّ مَا وُقِفَ لَهُ إلَى مَنْ يَرِثُ مُوَرِّثَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِهَذَا الْمَالِ الْمَوْقُوفِ إلَى الْآنَ، وَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُثْبِتَةٌ فَالْمَفْقُودُ قَبْلَ الْمُدَّةِ حَيٌّ فَلَا يَرِثُهُ الْوَارِثُ الَّذِي كَانَ حَيًّا وَقْتَ فَقْدِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا فَيَصْلُحُ حُجَّةً لِدَفْعِ أَنْ يَرِثَهُ الْغَيْرُ وَفِي مَالِ غَيْرِهِ مَيِّتٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلْحُجِّيَّةِ لِإِيجَابِ إرْثِهِ مِنْ الْغَيْرِ فَيُرَدُّ مَا وُقِفَ لِلْمَفْقُودِ إلَى مَنْ يَرِثُ مُوَرِّثَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ (لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَعَبْدِهِمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَيَبِيعَهُمَا) كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ. (كِتَابُ اللَّقِيطِ) وَهُوَ لُغَةً مَا يُلْقَطُ أَيْ يُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَنْبُوذِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُلْقَطُ، وَشَرْعًا مَوْلُودٌ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ (نُدِبَ رَفْعُهُ) إنْ لَمْ يُخَفْ هَلَاكُهُ بِأَنْ وُجِدَ فِي الْأَمْصَارِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ (وَوَجَبَ إنْ خِيفَ هَلَاكُهُ) بِأَنْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَهَالِكِ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ عَنْ الْوُقُوعِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ (وَهُوَ حُرٌّ إلَّا بِحُجَّةِ رِقِّهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَادَ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ ثُمَّ إنَّهُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ لَا قَاذِفَ أُمِّهِ لِوُجُودِ وَلَدٍ مِنْهَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ (وَنَفَقَتُهُ وَجِنَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِرْثُهُ لَهُ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (إنْفَاقُ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ تَبَرُّعٌ لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ) أَيْ اللَّقِيطِ (وَإِنْ أَمَرَهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطَ (الْقَاضِي بِهِ) أَيْ بِالْإِنْفَاقِ (فِي الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى اللَّقِيطِ يَرْجِعُ بِهِ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يَكْفِي فِي الرُّجُوعِ عَلَى اللَّقِيطِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنًا عَلَى شَخْصٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَصَحِّ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِمَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ (فَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ الْإِنْفَاقَ كَمَا ذَكَرَ) أَيْ بِقَوْلِ الْقَاضِي عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ (فَكَذَّبَهُ) أَيْ اللَّقِيطُ الْمُلْتَقِطَ (لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ حَيْثُ يُصَدَّقُ فِي الْإِنْفَاقِ الْمُتَعَارَفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ (أَبَى الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ) أَيْ الْقَاضِي (لَا يَقْبَلُهُ) أَيْ اللَّقِيطَ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى كَوْنِهِ لَقِيطًا) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ أَوْ بَعْضَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَاحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ لِيَدْفَعَ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِذَا أَقَامَهَا قَبِلَهَا الْقَاضِي بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ (وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ (الْأَوْلَى قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ عَجْزَهُ) أَيْ عَجْزَ الْمُلْتَقِطِ (فَإِنْ) أَيْ بَعْدَمَا قَبِلَهُ إنْ (وَضَعَهُ) أَيْ الْقَاضِي (عِنْدَ آخَرَ فَطَلَبَهُ الْأَوَّلُ) (فَهُوَ) أَيْ الْقَاضِي (مُخَيَّرٌ) بَيْنَ الدَّفْعِ وَعَدَمِهِ (وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ آخِذِهِ) لِسَبْقِهِ فِي الْأَخْذِ (وَإِنْ دَفَعَهُ) أَيْ آخِذُهُ (إلَى آخَرَ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ) لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ. (وَنَسَبُهُ) يَثْبُتُ (مِمَّنْ ادَّعَاهُ وَلَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (رَجُلَيْنِ) فَيَكُونُ وَلَدًا لَهُمَا كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (أَوْ) يَثْبُتُ (مِمَّنْ يَصِفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ اللَّقِيطِ] ِ) (قَوْلُهُ بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْأَمْصَارِ) الْمُرَادُ وُجْدَانُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ سَوَاءٌ كَانَ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً (قَوْلُهُ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَنَسَبُهُ يَثْبُتُ مِمَّنْ ادَّعَاهُ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ اسْتِحْسَانًا وَيَكُونُ أَحَقَّ بِحِفْظِهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّسَبِ دُونَ إبْطَالِ الْيَدِ لِلْمُلْتَقِطِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ مِنْ الذِّمِّيِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ إذَا كَانَ حُرًّا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْإِسْلَامِ يَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَلَا اسْتِوَاءَ، وَكَذَا الْعَبْدُ لَا يَتَرَجَّحُ بِالسَّيِّدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي رَجُلَيْنِ) أَقُولُ بِأَنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ يَدٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ ذِكْرِ عَلَامَةٍ. اهـ. أَقُولُ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ وَلَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ وَلَوْ ادَّعَى الْآخَرُ بَعْدَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ

[كتاب اللقطة]

مِنْهُمَا) أَيْ الرَّجُلَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ (عَلَامَةً بِهِ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَلَدًا لِلْوَاصِفِ دُونَ الْآخَرِ (أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ) عَطْفٌ عَلَى رَجُلَيْنِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً ذَاتَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَلَدًا لَهَا (إنْ صَدَّقَهَا) أَيْ الزَّوْجُ (أَوْ بَرْهَنَتْ) هِيَ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهَا (أَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (امْرَأَتَيْنِ فَبَرْهَنَتْ كُلٌّ) عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ وَلَدًا لَهُمَا (أَوْ عَبْدًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي عَبْدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ (فَيَكُونُ حُرًّا) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ (أَوْ ذِمِّيًّا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَقَرِّهِمْ) أَيْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ بَلْ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ أَوْ مَوْضِعٍ فِيهِ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ (وَذِمِّيًّا إنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ بِأَنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ (مَا شُدَّ عَلَيْهِ) مِنْ الْمَالِ (أَوْ عَلَى دَابَّةٍ هُوَ عَلَيْهَا لَهُ) أَيْ لِلَّقِيطِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ (صَرَفَهُ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ ذَلِكَ الْمَالَ (إلَيْهِ) أَيْ اللَّقِيطِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي) لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ (وَقِيلَ بِدُونِهِ) لِأَنَّهُ لِلَّقِيطِ ظَاهِرًا وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ (لِلْمُلْتَقِطِ قَبْضُ هِبَتِهِ) أَيْ مَا وُهِبَ لِلَّقِيطِ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ (وَنَقْلُهُ حَيْثُ شَاءَ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (وَتَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ) لِأَنَّهُ مِنْ تَأْدِيبِهِ وَحِفْظِ حَالِهِ (لَا إنْكَاحُهُ) لِانْتِفَاءِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالْحُكُومَةِ (وَلَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ) كَالْأُمِّ فَإِنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِتَثْمِيرِ الْمَالِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ وَالْمَوْجُودُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا. (وَ) لَا (إجَارَتُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَمَّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهَا كَمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ (فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ تَجُوزُ إجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَأْدِيبِهِ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَلَا أَنْ يَخْتِنَهُ، فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ بِهِ ضَمِنَ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (كِتَابُ اللُّقَطَةُ) وَهِيَ اسْمُ اللَّقِيطِ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ اللَّقِيطِ فِي الْآدَمِيِّ وَاللُّقَطَةِ فِي غَيْرِهِ (نُدِبَ رَفْعُهَا لِصَاحِبِهَا) لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا رُبَّمَا تَصِلُ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَتَكْتُمُهَا عَنْ مَالِكِهَا فَيَضِيعُ مَالُهُ فَكَانَ رَفْعُهَا وَسِيلَةً إلَى إيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ) بِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا (وَعَرَّفَ) فِي مَكَانِ وُجِدَتْ فِيهِ وَفِي الْجَامِعِ بِأَنْ يُنَادِيَ إنِّي وَجَدْت لُقَطَةً لَا أَدْرِي مَالِكَهَا فَلْيَأْتِ مَالِكُهَا وَلْيَصِفْهَا لِأَرُدَّهَا عَلَيْهِ (إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا أَوْ أَنَّهَا تَفْسُدُ) إنْ بَقِيَتْ بَعْدَ هَذَا كَالْأَطْعِمَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْأَكْلِ وَبَعْضِ الثِّمَارِ (كَانَتْ أَمَانَةً) عِنْدَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ (قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وَأُخِذَتْ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ تَعْرِيفُ لُقَطَةِ الْحَرَمِ إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا (فَيَنْتَفِعَ) أَيْ الرَّافِعُ (بِهَا) أَيْ بِاللُّقَطَةِ (لَوْ فَقِيرًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا) عَلَى فَقِيرٍ (وَلَوْ عَلَى أَصْلِهِ) مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ الْفُقَرَاءِ (وَفَرْعِهِ) مِنْ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ الْفُقَرَاءِ (وَعُرْسِهِ) الْفَقِيرَةِ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَجَازَهُ) أَيْ التَّصَدُّقَ (وَلَهُ أَجْرُهُ) أَيْ الثَّوَابِ (أَوْ أَخَذَهَا مِنْ الْفَقِيرِ لَوْ) كَانَتْ (قَائِمَةً وَإِلَّا ضَمَّنَ) صَاحِبُهَا (الْآخِذَ أَوْ الْفَقِيرَ بِلَا رُجُوعٍ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إنْ ضَمَّنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَذِمِّيًّا إنْ كَانَ فِيهِ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ لَهُ مِنْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ مُسْلِمًا وَذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّهُمَا كَانَ مُوجِبًا لِإِسْلَامِهِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَفِي رِوَايَةٍ يُحَكَّمُ زِيُّهُ اهـ. وَفِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مُسْلِمًا، وَإِنْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِاحْتِيَاجِهِ لِلنَّسَبِ أَوْ وَجَدَهُ ذِمِّيٌّ فِي مَوَاضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَانَ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً أَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَوْضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَاعْتِبَارُ الْمَكَانِ أَوْ اعْتِبَارُ الْوَاجِدِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الزِّيِّ رِوَايَاتٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَسْلَمُهَا الْإِسْلَامُ، وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. . [كِتَابُ اللُّقَطَةُ] (كِتَابُ اللُّقَطَةِ) (قَوْلُهُ نُدِبَ رَفْعُهَا) هَذَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّمَعَ فِيهَا بِأَنْ يَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ وَإِلَّا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ وَعَرَّفَ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يُعَرِّفُ الْمِائَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا حَوْلًا وَالْعَشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا شَهْرًا وَمَا دُونَهَا إلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَيَّامًا عَشَرَةً أَوْ شَهْرًا وَيُعَرِّفُ الثَّلَاثَةَ إلَى الدِّرْهَمِ جُمُعَةً أَوْ ثَلَاثًا وَالدِّرْهَمَ يَوْمًا وَالْفَلْسَ بِالنَّظَرِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، ثُمَّ يَضَعُهُ فِي كَفِّ فَقِيرٍ أَوْ يُعَرِّفُهَا حَوْلًا مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ زَادَ عَلَى السَّنَةِ وَنَقَصَ مِنْهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَأُخِذَتْ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ. . . إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَلَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْتَفِعُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا، وَإِنَّمَا يُعَرِّفُ أَبَدًا إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا (قَوْلُهُ فَيَنْتَفِعُ بِهَا لَوْ فَقِيرًا) أَقُولُ وَذَا بِإِذْنِ الْقَاضِي عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ بِدُونِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

الْآخِذَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْفَقِيرَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخِذِ (وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ أَشْهَدَ (فَإِنْ) (أَقَرَّ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ (بِأَخْذِهَا لَهُ) نَفْسِهِ (ضَمِنَ وِفَاقًا) إنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ (وَإِنْ تَصَادَقَا) أَيْ الْمُلْتَقِطُ وَالصَّاحِبُ (عَلَى أَخْذِهَا لِصَاحِبِهَا) (لَمْ يَضْمَنْ وِفَاقًا) لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا وَصَارَ كَالْبَيِّنَةِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) بِأَنْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ أَخَذْتُهَا لَك، وَقَالَ صَاحِبُهَا أَخَذْتُهَا لَك (ضَمِنَ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) بَلْ الْقَوْلُ لَهُ فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ لِلرَّدِّ (وَإِنْ) (لَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ أَوْ وَجَدَ لَكِنَّهُ تَرَكَ لِخَوْفِهِ مِنْ أَخْذِ الظَّالِمِ إيَّاهَا) (قَالُوا لَمْ يَضْمَنْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (كَذَا الْبَهِيمَةُ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ (وَمَا) (أَنْفَقَ) الْمُلْتَقِطُ (عَلَيْهَا) أَيْ الْبَهِيمَةِ (بِلَا إذْنِ الْقَاضِي) (تَبَرُّعٌ وَبِهِ) أَيْ بِإِذْنِهِ (دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا) فَإِذَا حَضَرَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الْمُلْتَقِطُ بِحُكْمِ الْقَاضِي (وَآجَرَ الْقَاضِي مَا لَهُ نَفْعٌ) أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ بِالْإِجَارَةِ كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالثَّوْرِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَالِكَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَحَضَرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ بِلَا إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فِي هَذَا الْمَقَامِ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْآبِقِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي غَيْرِهِمَا بَلْ وَجَدْتُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ حَيْثُ قَالُوا لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْآبِقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَأْبَقَ، وَلِهَذَا تَرَكْتُهُ (وَمَا لَا نَفْعَ لَهُ) مِنْ الْبَهَائِمِ كَالشَّاةِ وَنَحْوِهَا (أَذِنَ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَشَرَطَ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهَا) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ (إنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ هُوَ الْأَصْلَحُ وَإِلَّا) أَمَرَ ابْتِدَاءً (بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا) لِأَنَّ النَّفَقَةَ الدَّائِرَةَ مُسْتَأْصَلَةٌ (وَلِلْمُنْفِقِ حَبْسُهَا) أَيْ مَنْعُ الْبَهِيمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا (لِأَخْذِ نَفَقَتِهَا) لِأَنَّ إبْقَاءَهَا إلَى الْآنَ كَانَ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ (فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ سَقَطَتْ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ فَيَهْلَكُ بِمَا حَبَسَهُ بِهِ (وَقَبْلَهُ لَا) إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ حُكْمَ الرَّهْنِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْحَبْسِ (بَيَّنَ مُدَّعِيهَا عَلَامَتَهَا حَلَّ الدَّفْعُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا» وَهَذَا الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَخْذِهَا لَمْ يَضْمَنْ) أَقُولُ وَكَذَا لَمْ يَضْمَنْ لَوْ أَعَادَ اللُّقَطَةَ إلَى مَوْضِعِهَا الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ بَعْدَمَا أَخَذَهَا لِيُعَرِّفَ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهَا لَوْ هَلَكَتْ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا صَاحِبُهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالضَّمَانُ عَلَى مُسْتَهْلِكِهَا وَقِيلَ إنَّهُ يَبْرَأُ إذَا رَدَّهَا قَبْلَ تَحَوُّلِهِ مِنْ مَوْضِعِهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَبِهِ أَيْ بِإِذْنِهِ) يَعْنِي الْقَاضِي دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا أَقُولُ وَبِمُجَرَّدِ إذْنِهِ لَا يَكُونُ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُشْتَرَطَ وَيَجْعَلَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي اللَّقِيطِ، وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَيَحْتَالُ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَغْصُوبِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ فَتُقْبَلُ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً. . . إلَخْ) أَقُولُ التَّقْيِيدُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ لِيَبْقَى دَيْنًا يَسِيرًا عَلَى الْمَالِكِ لَا يَسْتَأْصِلُ اللُّقَطَةَ أَمَّا لَوْ كَانَ فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّتِهَا إحْيَاءً لِلدَّابَّةِ وَنَظَرًا لِلْمَالِكِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ دَيْنٌ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ اهـ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ نَفْعٌ آجَرَهَا الْقَاضِي وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّتِهَا أَيْ أَمَرَ الْمُلْتَقِطَ بِذَلِكَ إحْيَاءً لِلدَّابَّةِ وَنَظَرًا لِلْمَالِكِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ دَيْنٌ، وَكَذَا يَفْعَلُ بِالْآبِقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ أَذِنَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لَوْ رَآهُ مَصْلَحَةً بِأَنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ نَفِيسَةً وَالْمُدَّةُ قَرِيبَةً كَيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ مَصْلَحَةً أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَمَرَ بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقُولُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ذَا قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ أَوْ يُحْمَلُ كَلَامُهُمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ إعْلَامِ الْمُؤَجِّرِ بِحَالِهِ لِيَحْفَظَ غَايَةَ الْحِفْظِ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِهِ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ) هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ وَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَلَا يُسَاعِدُهُ الْوَجْهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ، قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَحَبَسَهَا بِالنَّفَقَةِ فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ بَدَلٍ عَنْ الْعَيْنِ وَلَا عَنْ عَمَلٍ مِنْهُ فِيهَا وَلَا تَنَاوَلَهَا عَقْدٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَبِهَذَا الْقَيْدِ الْأَخِيرِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ هُنَا. وَفِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَحَبَسَهَا لِيَأْخُذَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ قَاسِمٍ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ وَكَتَبَ بَعْدَهُ أَقُولُ إنْ خَرَجَ الْجَوَابُ بِمَا ذَكَرَ عَنْ قِيَاسِهِ بِالرَّهْنِ لَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ بِجُعْلِ الْآبِقِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَصَّ أَنَّهُ إلَيْهِ أَقْرَبُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عُلَمَائِنَا فِيهِ رِوَايَةٌ أَوْ اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَتَأَمَّلْهُ ع. اهـ. (قَوْلُهُ بَيَّنَ مُدَّعِيهَا عَلَامَتَهَا حَلَّ الدَّفْعُ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَإِنْ صَدَّقَهُ قِيلَ بِالْجَبْرِ عَلَى الدَّفْعِ وَعَدَمِهِ أَيْ عَدَمِ الْجَبْرِ وَلَوْ دَفَعَهَا بِعَلَامَةٍ أَوْ تَصْدِيقٍ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِالْبَيِّنَةِ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ وَرَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ

[كتاب الوقف]

؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيِّنَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (وَلَا يَجِبُ بِلَا حُجَّةٍ) لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ (رَجُلٌ مَاتَ بِالْبَادِيَةِ جَازَ لِرَفِيقِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَمَرْكَبِهِ وَحَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى أَهْلِهِ) كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ (حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَلُقَطَةٌ) يُرَاعَى فِيهِ حُكْمُهَا (وَإِلَّا فَحَلَالٌ لِمَنْ أَخَذَ) كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ الْأَصْلِيَّةِ. (كِتَابُ الْوَقْفِ) (هُوَ) لُغَةً بِمَعْنَى الْحَبْسِ فَإِنَّ وَقَفَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الْوَقْفُ مُتَعَدٍّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَ، وَوَقَفَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الْوُقُوفُ لَازِمٌ وَشَرْعًا (حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنَافِعِ) بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْعَبْدِ فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ. لَهُمَا «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اسْتَفَدْتُ مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ لِتُنْفِقَ ثَمَرَتَهُ» فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ وَلَهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ» أَيْ لَا مَالَ يُحْبَسُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ عَنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالْحَبْسِ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى (وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا) كَذَا فِي الْكَافِي وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنَافِعِ بِقَوْلِهِ (فَلَمْ يَصِحَّ فِي رِوَايَةٍ) يَعْنِي إذَا تَضَمَّنَ الْوَقْفُ التَّصَدُّقَ بِالْمَنَافِعِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ (وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْمَنَافِعِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا جَازَ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ وَغَلَّتِهِمَا لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ وَلِذَا قَالَ (وَلَمْ يَلْزَمْ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِاللُّزُومِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْوَاقِفِ إبْطَالُهُ فِي حَيَاتِهِ وَلِوَارِثِهِ بَعْدَهُ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَبَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا لِبَنِي السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ وَفَرَّعَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ (فَصَحَّ تَمْلِيكُهُ) فِي حَيَاتِهِ (وَإِرْثُهُ) أَيْ كَوْنُهُ مَوْرُوثًا بَعْدَ مَوْتِهِ (وَالرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ لَازِمًا إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ بِالْقَضَاءِ (مِنْ) قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ (مُوَلًّى) مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ غَيْرَ مُحَكَّمٍ بِأَنْ كَانَ قَاضِيًا بِتَحْكِيمِ الْخَصْمَيْنِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ إنْ حَكَمَ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى جَازَ لِلْمُوَلَّى أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يَرْجِعَ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَحَكَمَ بِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الْوَقْفِ لَزِمَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، فَإِذَا لَحِقَهُ حُكْمُ الْمُوَلَّى لَزِمَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ وَمَا يُذْكَرُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْقُضَاةِ قَضَى بِلُزُومِ هَذَا الْوَقْفِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الرُّجُوعِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عَلَّقَ بِهِ) بِأَنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ وَيَكُونُ مِلْكُ الْمَيِّتِ فِيهِ بَاقِيًا حُكْمًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَيَحِلُّ أَخْذُ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى مِنْ الْأَنْهَارِ، وَكَذَا مَا يَبْقَى مِنْ الثِّمَارِ الْوَاقِعَةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمُخْتَارِ كَأَخْذِ النَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ الْمَنْبُوذِ لَا الْمَجْمُوعِ وَكَأَخْذِ السَّنَابِلِ بَعْدَ رَفْعِ الزَّرْعِ. (فَرْعٌ مُهِمٌّ) أَخَذَ مُكَعَّبَهُ وَوَجَدَ غَيْرَهُ فِي مَكَانِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ كَاللُّقَطَةِ فِي الْحُكْمِ. [كِتَابُ الْوَقْفِ] (كِتَابُ الْوَقْفِ) (قَوْلُهُ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ) يَعْنِي عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ (قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ فِي رِوَايَةٍ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ فَأَخَذَ النَّاسُ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ قُلْنَا مُرَادُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ لَازِمًا فَأَمَّا أَصْلُ الْجَوَازِ فَثَابِتٌ عِنْدَهُ اهـ. وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عُلِّقَ بِهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ أُضِيفَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ لَازِمًا إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ) يَعْنِي لُزُومًا حَالِيًّا أَوْ مَآلِيًا لِمَا سَنَذْكُرُ

فَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ دَائِمًا، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ جَازَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَبَقِيَ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يُجِيزُوا قَسَّمَ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا لِلْوَقْفِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ، وَفِي قَوْلِهِ أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عَلَّقَ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمِلْكِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ لِيُفِيدَهُ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي مُؤَبَّدًا) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ هَذَا نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ تَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ وَالرَّقَبَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ لَا يُتَصَوَّرُ انْقِطَاعُ الْمُوصَى لَهُمْ فَتَتَأَبَّدُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَإِفْرَازِهِ بِطَرِيقِهِ) شَرَطَ الْإِفْرَازَ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] أَيْ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُصُ لَهُ تَعَالَى إلَّا بِهِ (وَالْإِذْنِ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ وَقِيلَ) لَا حَاجَةَ إلَى صَلَاةِ جَمَاعَةٍ (بَلْ كَفَى وَاحِدٌ) إذَا صَلَّى فِيهِ شَرَطَ الْإِذْنَ لَهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا عِنْدَ هُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَوْعٍ تَسْلِيمٌ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَهَذَا الْوَجْهُ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَعَ إفَادَتِهِمَا اللُّزُومَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاقِفِ وَوَارِثِهِ يُفِيدَانِ خُرُوجَ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفِيدُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ لُزُومَ الْوَقْفِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَخُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَيْضًا وَلُزُومَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ لَا يُفِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَلَا لُزُومَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لِجَوَازِ رُجُوعِهِ بَلْ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ أَنَّهُمَا بَعْدَمَا خَالَفَا الْإِمَامَ فِي عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَقَالَا بِزَوَالِهِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَتِمُّ بِهِ الْوَقْفُ فَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَتِمَّ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ يَعْنِي بَعْدَمَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَتِمَّ (إلَّا بِذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الْغَلَّةِ وَذَا قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ (فَلَوْ) (وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ) مَثَلًا بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ (وَانْقَرَضُوا) أَيْ الْأَوْلَادُ (عَادَ) الْوَقْفُ إلَى الْمَالِكِ (عِنْدَهُ) لِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ (وَلَوْ) (وَقَّتَ) بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُهُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا (بَطَلَ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتِمُّ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا وَأُخْرَى بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي الْفَصْلَيْنِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ (وَإِذَا) (انْقَطَعَ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَالْأَوْلَادِ مَثَلًا (صُرِفَ) الْوَقْفُ عِنْدَهُ (إلَى الْفُقَرَاءِ) فَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ ذِكْرُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْتُ أَوْ تَصَدَّقْتُ يَقْتَضِي الْإِزَالَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ كَمَا سَيَأْتِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِمَا مَرَّ. (وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (إسْقَاطٌ) أَيْ شُرِعَ لِإِسْقَاطِ مِلْكِ الْوَاقِفِ عَنْ الْعَيْنِ (كَالْإِعْتَاقِ) فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمَوْلَى (لَا تَمْلِيكٌ لِلَّهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هُوَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْخُرُوجَ وَاللُّزُومَ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا عَلَى الْمَوْتِ وَيُفِيدُ أَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا (قَوْلُهُ يَعْنِي بَعْدَ مَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتِمَّ إلَّا بِذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَقُولُ فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ شَامِلٌ لِوَقْفِ الْمَسْجِدِ وَلَا مُخَالَفَةَ لِمُحَمَّدٍ فِي لُزُومِهِ عَلَى الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِي لُزُومِهِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَيُزِيلُ أَبُو يُوسُفَ مِلْكَ الْبَانِي عَمَّا بَنَاهُ مَسْجِدًا بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا وَشَرَطَا إفْرَازَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَصَلَاةَ وَاحِدٍ فِيهِ فِي رِوَايَةٍ أَوْ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ فِيهِ بِإِذْنِهِ فِي أُخْرَى اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَانْقَرَضُوا عَادَ الْوَقْفُ) أَقُولُ لَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الصُّورَةُ بِمُحَمَّدٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ وَالثَّانِيَ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَّتَ بَطَلَ اتِّفَاقًا) أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ وَقْتًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ الْوَقْفُ وَيَكُونُ وَقْفًا أَبَدًا (قَوْلُهُ وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا وَأُخْرَى بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ وَالثَّانِيَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا فَإِذَا ذَكَرَ الْوَلَدَ صَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَبْقَى الْعُرْفُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ

لِاسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْوَاقِفِ وَالْوَقْفِ (وَلَا لِلْعَبْدِ) وَإِلَّا لَجَازَ بَيْعُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ (فَيُخْرِجُهُ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ الْوَقْفَ عَنْ الْمِلْكِ (بِنَفْسِ الْقَوْلِ) بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ (وَيُجِيزُ الشُّيُوعَ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لِلْحِيَازَةِ وَتَمَامُهَا فِيمَا يُقْسَمُ بِالْقِسْمَةِ وَأَصْلُ الْقَبْضِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الْإِعْتَاقَ فَلَا يَمْنَعُ الْوَقْفَ أَيْضًا (وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» (فَيَشْتَرِطُ) أَيْ مُحَمَّدٌ (التَّسْلِيمَ) أَيْ تَسْلِيمَ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ إلَى الْمُتَوَلِّي (وَالْقَبْضَ) أَيْ قَبْضَ الْمُتَوَلِّي الْوَقْفَ كَمَا فِي الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ دُونَ الْمُوصَى بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ بَلْ بِتَسْلِيمِهِ وَقَبْضِ الْفَقِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدًا لِمَا مَرَّ إلَّا أَنَّ مَا يَثْبُتُ لَهُ تَعَالَى مِنْ الْحَقِّ فِي الصَّدَقَةِ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَاةِ، وَلَوْ تَمَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَصَارَ يَدُهُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ (وَيَمْنَعُ الشُّيُوعَ فِيمَا قَبِلَ الْقِسْمَةَ) لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ وَتَمَامُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا يَصِحُّ مَعَ الشُّيُوعِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ نِصْفَ الْحَمَّامِ جَازَ (كَالصَّدَقَةِ) الْمُنَفَّذَةِ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْوَقْفَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ فِي مُشَاعٍ يُقْسَمُ كَمَا إذَا قَالَ تَصَدَّقْتُ بِنِصْفِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْعَشَرَةِ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ ذَلِكَ الْفَقِيرُ وَتَتِمُّ فِي مُشَاعٍ لَا يُقْسَمُ كَنِصْفِ الْحَمَّامِ (وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ بُخَارَى) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَصَدَّقَا بِهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ الَّتِي يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَدَفَعَهَا إلَى قَيِّمٍ يَقُومُ عَلَيْهَا كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَهَاهُنَا لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَدَّقَا بِالْأَرْضِ جُمْلَةً، وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَا الْأَرْضَ جُمْلَةً، وَلَوْ تَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ هَذِهِ الْأَرْضِ مُشَاعًا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً وَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَقْفِهِ مُتَوَلِّيًا عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاشَرَ عَقْدًا عَلَى حِدَةٍ، وَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَوَلِّيَيْنِ قَبَضَ نِصْفًا شَائِعًا، فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُتَوَلِّيهِ اقْبِضْ نَصِيبِي مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِي جَازَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْأَرْضِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ، ثُمَّ تَصَدَّقَ الْآخَرُ بِنِصْفِهَا كَذَلِكَ وَجَعَلَا لِذَلِكَ قَيِّمًا وَاحِدًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَبَضَ الْأَرْضَ جُمْلَةً وَهُمَا سَلَّمَا إلَيْهِ جُمْلَةً، وَكَذَا لَوْ جَعَلَا التَّوْلِيَةَ إلَى رَجُلَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَمُتَوَلٍّ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْوَقْفِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ وَاحِدًا فَجَعَلَ نِصْفَ الْأَرْضِ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ مُشَاعًا وَالنِّصْفَ الْآخَرَ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ جَازَ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الْوَقْفُ فِي كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ يَجُوزُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَغَيْرَ مَقْسُومٍ، وَبَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى. (وَإِذَا لَزِمَ) الْوَقْفُ (وَتَمَّ لَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ (وَلَا يُمَلَّكُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ فَيَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي) أَقُولُ يَعْنِي فِي وَقْفِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ تَسْلِيمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ فَيَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ وَيَمْنَعُ الشُّيُوعَ فِيمَا قَبِلَ الْقِسْمَةَ) أَقُولُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ وَقَفَتْ دَارَهَا فِي مَرَضِهَا عَلَى ثَلَاثِ بَنَاتٍ لَهَا وَآخِرَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ لَهَا مِلْكٌ غَيْرَ الدَّارِ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُنَّ قَالُوا ثُلُثُ الدَّارِ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ لَهُنَّ يَصْنَعْنَ مَا شِئْنَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى إلَى قَوْلِهِ وَغَيْرَ مَقْسُومٍ) أَقُولُ هَكَذَا هُوَ فِي الْخَانِيَّةِ.

لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِغَيْرِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ (وَلَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ) لِاقْتِضَائِهِمَا الْمِلْكَ (وَلَا يُقْسَمُ إلَّا عِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ) أَيْ الْقِسْمَةُ (بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْمَالِكِ) أَيْ إذَا قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُخْتَلِفَاتِ، فَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِسْمَةَ فَعِنْدَهُ لَا يُقْسَمُ وَيَتَهَايَئُونَ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَرْبَابِ فَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا يُقْسَمُ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (لَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ) لِمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزٌ وَإِفْرَازٌ لَا بَيْعٌ وَتَمْلِيكٌ فَتَجُوزُ وَلَهُ أَنَّهَا بَيْعٌ مَعْنًى لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ وَجِهَةُ الْمُبَادَلَةِ رَاجِحَةٌ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ (أَزَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَسْجِدَ) عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ (بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ كَالْإِعْتَاقِ (وَشَرَطَ الصَّلَاةَ كَمَا مَرَّ) أَعَادَ ذِكْرَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي تَعْدَادِ مُوجِبَاتِ اللُّزُومِ وَذَكَرَهُ هَاهُنَا لِمُخَالَفَةِ أَحْكَامِهِ سَائِرَ الْأَوْقَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَنْعِ الشُّيُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ (وَإِنْ جَعَلَ تَحْتَهُ) (سِرْدَابًا) وَهُوَ مُعَرَّبُ سِرْدَابَةَ وَهُوَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ (لِمَصَالِحِهِ جَازَ) كَمَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ (وَلَوْ جَعَلَ لِغَيْرِهَا أَوْ) جَعَلَ (فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الْمَسْجِدِ بَيْتًا (وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا) أَيْ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا وَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَجِبُ خُلُوصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَخْلُصْ هُنَا لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِأَسْفَلِهِ أَوْ بِأَعْلَاهُ فَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ لِضَرُورَةِ ضِيقِ الْمَنَازِلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ الرَّيَّ أَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلضَّرُورَةِ. (كَمَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذَّنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ) حَيْثُ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا وَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114] (وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ بَانِيهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَى مِلْكِ وَارِثِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا (وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِقُرْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ كَالْمُحْصَرِ فِي الْحَجِّ إذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ، ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَأَدْرَكَ الْحَجَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ، وَلَهُمَا أَنَّ الْقُرْبَةَ الَّتِي قَصَدَهَا لَمْ تَزُلْ بِخَرَابِ مَا حَوْلَهُ إذْ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ سَوَاءٌ فَيُصَلِّي فِيهِ الْمُسَافِرُونَ وَالْمَارَّةُ وَهَدْيُ الْإِحْصَارِ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الذَّبْحِ (وَمِثْلُهُ حُصُرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُمَا) حَيْثُ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمِلْكِ عِنْدَ هُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (وَالرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِمَا) فَإِنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (فَيُصْرَفُ وَقْفُ الْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَالْبِئْرِ إلَى أَقْرَبِ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ بِئْرٍ إلَيْهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ جَعَلَ فَوْقَهُ بَيْتًا فَلَا) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِسْعَافِ فَقَالَ إذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوْ الْعُلُوُّ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَا وَقْفًا عَلَيْهِ صَارَ مَسْجِدًا (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا) أَقُولُ لَعَلَّ هَذَا خَاصٌّ بِمَا ذَكَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي خَانٍ لِمَا قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ رَجُلٌ لَهُ خَانٌ فِيهِ مَسْجِدٌ أَفْرَزَهُ صَاحِبُ الْخَانِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالتَّأْذِينِ وَالصَّلَاةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ فَفَعَلُوا حَتَّى صَارَ مَسْجِدًا، ثُمَّ بَاعَ صَاحِبُ الْخَانِ كُلَّ حُجْرَةٍ فِي الْخَانِ مِنْ رَجُلٍ حَتَّى صَارَ دَرْبًا، ثُمَّ بِيعَ مِنْهُ حُجْرَةٌ قَالَ مُحَمَّدٌ الشُّفْعَةُ لَهُمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي طَرِيقِ الْخَانِ، وَقَدْ كَانَ الطَّرِيقُ مَمْلُوكًا اهـ فَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَسْجِدِ فِي دَاخِلِ الْخَانِ وَالْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةُ الْحَالِ كَمَا فِي مَسَاجِدِ خَانَاتِ مِصْرَ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَعَنْ كُلٍّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِجَعْلِ وَسَطِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَلَنْ يَصِيرَ مَسْجِدًا إلَّا بِالطَّرِيقِ دَخَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ بِلَا ذِكْرِهِ كَالْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لِمَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مَسْجِدٌ أَبَدًا إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ أَوْ لَا وَهُوَ الْفَتْوَى اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ هُوَ مَسْجِدٌ أَبَدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَوْ بَنَى أَهْلُ الْمَحَلَّةِ مَسْجِدًا آخَرَ فَاجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعِ الْأَوَّلِ لِيَصْرِفُوا ثَمَنَهُ إلَى الثَّانِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ حَصِيرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُمَا حَيْثُ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا) أَقُولُ فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ هَذَا الْمَسْجِدُ يُحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْبُرْهَانِ يَنْقُلُ الْحُصْرَ وَالْحَشِيشَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ يَبِيعُهَا الْقَيِّمُ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ اهـ. (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ. (قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ وَقْفُ الْمَسْجِدِ. . . إلَخْ) عَلِمْت مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ الْفَتْوَى بِخِلَافِ هَذَا. وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ مَسْجِدٍ خَرِبَ وَمَاتَ أَهْلُهُ وَمَحَلَّةٍ أُخْرَى فِيهَا مَسْجِدٌ هَلْ لِأَهْلِهَا أَنْ يَصْرِفُوا وَجْهَ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ؟ قَالَ لَا اهـ

[وقف العقار]

تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا (إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ) بِأَنْ بَنَى رَجُلٌ مَسْجِدَيْنِ وَعَيَّنَ لِمَصَالِحِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْفًا (وَقَلَّ مَرْسُومُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) بِأَنْ انْتَقَصَ مَرْسُومُ إمَامِ أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ أَوْ مُؤَذِّنِهِ مَثَلًا بِسَبَبِ كَوْنِ وَقْفِهِ خَرَابًا (جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ) الْوَقْفِ (الْآخَرِ إلَيْهِ) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ (وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ بَنَى رَجُلَانِ مَسْجِدَيْنِ أَوْ رَجُلٌ مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً وَوَقَفُوا لَهُمَا أَوْقَافًا (فَلَا) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ وَقْفِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُتَوَلِّي، ثُمَّ قَالَ لِوَصِيِّهِ أَعْطِ مِنْ غَلَّتِهَا فُلَانًا كَذَا وَفُلَانًا كَذَا أَوْ افْعَلْ مَا رَأَيْت مِنْ الصَّوَابِ فَجَعْلُهُ لَهُمْ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ التَّسْجِيلِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَقْدِرُ وَصِيُّهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ (إلَّا إذَا كَانَ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ) قَبْلَ التَّسْجِيلِ (أَنْ يَصْرِفَ) أَيْ الْوَاقِفُ (غَلَّتَهَا إلَى مَنْ شَاءَ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (جَازَ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا وَعَكْسُهُ) كَذَا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ. (وَ) جَازَ أَيْضًا (جَعْلُ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا لَا عَكْسُهُ) إذْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ لَا الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَجَازَ) أَيْضًا (أَخْذُ أَرْضٍ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ إذَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا) كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى. (وَ) جَازَ أَيْضًا (جَعْلُ) الْوَاقِفِ (الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ) لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ ضَرُورَةً لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْوَقْفِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ مِنْ يَدِهِ وَيُوَلِّيَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ (وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ جَعْلَ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ) يَعْنِي إذَا وَقَفَ وَشَرَطَ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ بَطَلَ الْوَقْفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ لِفَوَاتِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ اعْتِبَارًا لِلِابْتِدَاءِ بِالِانْتِهَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ فَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَمَشَايِخُ بَلْخِي أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا (وَأَجَازَ) أَيْضًا (شَرْطَ) الْوَاقِفِ (أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ أَوْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ) ، (فَإِذَا فَعَلَ صَارَتْ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي شَرَائِطِهَا بِلَا ذِكْرِهَا، ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا بِثَالِثَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ (وَأَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ الِاسْتِبْدَالَ (إلَّا الْقَاضِي) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (صَحَّ) (وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأَكَرَتِهِ) وَهُمْ عَبِيدُهُ (وَسَائِرِ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ) تَبِعَةٌ لِلْعَقَارِ (لَا الْمَنْقُولِ) لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ صِحَّتُهُ فِي الْمُتَعَارَفِ وَقْفِيَّتُهُ) كَالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ، إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ جَازَ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيَقْرَأُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ جَازَ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا) قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنْ يَبْقَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمَسْجِدُ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بَلْ هُوَ طَرِيقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ حَوَائِطُهُ عَادَ طَرِيقًا كَمَا كَانَ قَبْلَهُ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ عَكْسُهُ) يَعْنِي يَجُوزُ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرُ إلَّا الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا فِيهِ الدَّوَابَّ اهـ. (قَوْلُهُ وَجَازَ أَيْضًا جَعْلُ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا. . . إلَخْ) فِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بِمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ فِي اتِّخَاذِ بَعْضِ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا وَهَذَا فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ ظَاهِرٌ فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْعَامَّةِ فِي الْمُرُورِ الْمُعْتَادِ بِدَوَابِّهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَا يُقَالُ بِهِ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ بِأَنْ يُرَادَ بَعْضُ الطَّرِيقِ لَا كُلُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا وَفِيهِ نَوْعُ مُدَافَعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْبَعْضِ وَالْكُلِّ وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَالَ وَلَهُمْ جَعْلُ الرَّحْبَةِ مَسْجِدًا وَقَلْبُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى الْقَلْبِ يَقْتَضِي جَعْلَ الْمَسْجِدِ رَحْبَةً وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. فَكَيْفَ يُجْعَلُ طَرِيقًا وَفِيهِ تَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْقَاضِي) يَعْنِي بِهِ الْعَالِمَ الْعَامِلَ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. [وَقَفَ الْعَقَار] (قَوْلُهُ صَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأُكَرَتِهِ. . . إلَخْ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ صِحَّتُهُ فِي الْمُتَعَارَفِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَزَادَ مُحَمَّدٌ مَا تُعُورِفَ وَقْفُهُ كَالْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ وَالْقُدُورِ وَالْقَدُومِ وَالْفَأْسِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَوَانِي فِي غَسْلِ الْمَوْتَى وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَبِهِ يُفْتَى

وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا وَقْفُ الْكُتُبِ فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يُجِيزُهُ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يُجِيزُهُ وَوَقَفَ كُتُبَهُ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُجِيزُهُ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ وَكَيْفَ؟ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً كَالدَّرَاهِمِ فَعَلَى هَذَا الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (بَنَى عَلَى أَرْضِهِ فَوَقَفَهُ) أَيْ الْبِنَاءَ (بِدُونِهَا) أَيْ الْأَرْضِ (لَمْ يَجُزْ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا يَتْبَعُهُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ الْآثَارُ وَمَا فِيهِ التَّعَامُلُ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ (وَقِيلَ جَازَ) فِي الْكَافِي، وَلَوْ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الْقَاعِدِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ كَمَا أَجَازَ الْمَسْجِدَ، وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا رَجُلٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَصْلِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ. (وَلَوْ) بَنَى (عَلَى أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِجِهَةٍ) (فَوَقَفَهُ) أَيْ الْبِنَاءَ (لَهَا) أَيْ لِتِلْكَ الْجِهَةِ (جَازَ بِالْإِجْمَاعِ) لِاتِّحَادِ الْجِهَةِ (وَلَوْ) وَقَفَهُ (لِغَيْرِهَا اُخْتُلِفَ فِيهِ) قِيلَ جَازَ وَقِيلَ لَمْ يَجُزْ، ثُمَّ الْوَقْفُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْعِمَارَةِ (تَجِبُ عِمَارَتُهُ) سَوَاءٌ (شَرَطَ) الْوَاقِفُ الْعِمَارَةَ (أَوْ لَا) فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً نَصًّا فَهِيَ مَشْرُوطَةٌ اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ إدْرَاكُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا عَلَى الْمَصَارِفِ وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِصْلَاحِهَا وَعِمَارَتِهَا فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً وَالثَّابِتُ كَالثَّابِتِ نَصًّا (عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عِمَارَتُهُ بِمَالِ نَفْسِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ. (لَوْ) كَانَ (مُعَيَّنًا) بِأَنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى أَوْلَادِهِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ، وَلِهَذَا يَكُونُ نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا (يَبْدَأُ بِهَا) أَيْ بِالْعِمَارَةِ (مِنْ غَلَّتِهِ) أَيْ غَلَّةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُمْكِنْ مُطَالَبَتُهُمْ بِهَا لِكَثْرَتِهِمْ، وَغَلَّةُ الْوَقْفِ أَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ فَيَجِبُ مِنْهَا (وَلَمْ تَزِدْ فِي الْأَصَحِّ) يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ الْمَالِكُ عَلَيْهَا، وَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ بِصِفَتِهِ صَارَ غَلَّتُهُ مُسْتَحَقَّةَ الصَّرْفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ غَلَّةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ إلَّا بِرِضَاهُ. (وَلَوْ) (أَبَى) أَيْ الْمُعَيَّنُ (عَنْ عِمَارَةِ الْوَقْفِ أَوْ عَجَزَ) عَنْهَا (عَمَّرَهُ الْحَاكِمُ) بِأَنْ آجَرَهُ وَعَمَّرَهُ (بِأُجْرَتِهِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (وَلَا يُجْبَرُ) أَيْ الْآبِي (عَلَيْهَا) أَيْ الْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إتْلَافَ مَالِهِ وَلَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ إبَاؤُهُ رِضًى بِبُطْلَانِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ. . . إلَخْ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَنْصَارِيِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ نَقَلَهُ عَنْ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ وَعَنْ زُفَرَ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَا يُكَالُ. . . إلَخْ إذْ هُوَ مَكِيلٌ وَإِلَّا فَلَعَلَّ الْكَلَامَ لَهُ تَتِمَّةٌ حُذِفَتْ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ يُبَاعُ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً كَالدَّرَاهِمِ قَالُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ قَالَ الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقْفٌ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ فَزَرَعُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ، ثُمَّ يُقْرَضَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ هَذَا أَبَدًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَفِي الْقَاعِدِيَّةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مَعَ زِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ الْمَعْرُوفِ بِمَهْرَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ وَجَدْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ كَمَا أَجَازَ الْمَسْجِدَ، وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، خَصَّ بِنَاءَ الْقَنْطَرَةِ فِي بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ قَالُوا تَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الْقَنْطَرَةِ مِلْكَ الْبَانِي وَهُوَ الْمُعْتَادُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَّخِذُ الْقَنْطَرَةَ عَلَى النَّهْرِ الْعَامِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ اهـ. وَفِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَلَوْ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّحِيحِ اهـ. وَقَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ وَقَفَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ دُونَ الْأَرْضِ الْفَتْوَى صِحَّةُ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ الْوَاقِفُ إذَا افْتَقَرَ أَوْ احْتَاجَ إلَى الْوُقُوفِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا) أَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَفَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ مُؤَبَّدًا وَذَكَرَ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَمَا دَامَ حَيًّا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا بِأَمْرِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَ هَذَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَفَسَخَهُ لَوْ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ. . . إلَخْ مَعَ لُزُومِ الْوَقْفِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَبِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ.

[الوقف في مرض الموت]

لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْتَنِعَ لِرِضَاهُ بِهِ، وَيَمْتَنِعُ حَذَرًا مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ. (وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ بَلْ يُؤَجِّرُهُ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي (وَصَرَفَ نَقْضَهُ وَثَمَنَهُ إلَيْهَا) أَيْ الْعِمَارَةِ إنْ احْتَاجَ الْوَقْفُ إلَيْهَا يَعْنِي أَنَّ نَقْضَ الْوَقْفِ إنْ صَلَحَ لَأَنْ يُصْرَفَ إلَى عِمَارَتِهِ صُرِفَ إلَيْهَا وَإِلَّا يَبِيعَهُ الْحَاكِمُ، وَيَصْرِفُ ثَمَنَهُ إلَيْهَا صَرْفًا لِلْبَدَلِ إلَى مَصْرِفِ الْمُبْدَلِ (وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ حُفِظَ لِلْحَاجَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ مَصَارِفِهِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَحَقُّهُمْ فِي الِانْتِفَاءِ بِمَنَافِعِهِ دُونَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْوَقْفِ فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ مَا لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ. (الْوَاقِفُ إذَا افْتَقَرَ وَاحْتَاجَ إلَى الْمَوْقُوفِ يُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَفَسَخَهُ لَوْ) كَانَ (لِوَارِثِ الْوَاقِفِ كَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْقَاضِي إذَا أَطْلَقَ بَيْعَ وَقْفٍ غَيْرِ مُسَجَّلٍ إنْ أَطْلَقَ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ لِغَيْرِ وَارِثِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا بَطَلَ عَادَ إلَى مِلْكِ وَارِثِ الْوَاقِفِ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ (أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ (جَازَ) أَيْ الْوَقْفُ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِوَارِثِهِ (أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ) فِي الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. [الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ] (الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ كَالْهِبَةِ فِيهِ) فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ (فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ نَفَذَ) فِي الْكُلِّ (وَإِلَّا بَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ) وَإِذَا أَجَازَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ جَازَ بِقَدْرِ مَا أَجَازَ وَبَطَلَ فِي الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ غَيْرُهُ فَيَنْفُذُ فِي الْكُلِّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (الْوَقْفُ) إمَّا (لِلْفُقَرَاءِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ (أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ، ثُمَّ الْفُقَرَاءُ) كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ وَبَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ (أَوْ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَرِيقَانِ) أَيْ الْفُقَرَاءُ وَالْأَغْنِيَاءُ (كَالرِّبَاطَاتِ وَالْخَانَاتِ وَالْمَقَابِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ وَالْقَنَاطِرِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَصْلٌ (يُتْبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَتِهِ) حَتَّى إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهَا سَنَةً وَكَانَ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَدَرَّ عَلَى الْوَقْفِ وَأَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُخَالِفَ شَرْطَهُ وَيُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُؤَجِّرَهُ الْقَاضِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (فَلَوْ) (أَهْمَلَ) الْوَاقِفُ (مُدَّتَهَا) أَيْ لَمْ يُبَيِّنْهَا (قِيلَ تُطْلَقُ) أَيْ تَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهَا وَلَا تُقَيَّدُ بِمُدَّةٍ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَ كَيْفَ شَاءَ جَرْيًا عَلَى سَنَنِ الْوَاقِفِ (وَقِيلَ يُقَيِّدُ بِسَنَةٍ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ دَارًا أَوْ أَرْضًا لِزِيَادَةِ احْتِيَاطٍ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ (وَبِهَا) أَيْ بِالسَّنَةِ (يُفْتَى فِي الدَّارِ) لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَزْعُمُهُ مَالِكًا (وَبِثَلَاثِ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَا يُؤَجِّرُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ كَالْهِبَةِ) أَقُولُ إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ بَاقِيهِمْ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا جَعَلَ مِنْ الْغَلَّةِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ فَيُصْرَفُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَنْ الْوَاقِفِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا، ثُمَّ يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ تَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ كَوَصِيَّتِهِ لِوَارِثٍ لِيُبْطِلَ أَصْلَهُ بِالرَّدِّ نَصَّ عَلَيْهِ هِلَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ. [فَصْلٌ اتِّبَاعُ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي إجَارَتِهِ] (فَصْلٌ) : (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ إلَّا أَنَّهُ خَصَّهُ بِالدُّورِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّنَةِ بِإِذْنِ الْقَاضِي، وَنَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَاقِفُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ إجَارَةَ الْوَقْفِ فَرَأَى الْقَيِّمُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَدْفَعَهَا مُزَارِعَةً فَمَا كَانَ أَدَرَّ عَلَى الْوَقْفِ وَأَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَعَلَ إلَّا أَنَّهُ فِي الدُّورِ لَا يُؤَجِّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَمَّا فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ تُزْرَعُ كُلَّ سَنَةٍ لَا يُؤَجِّرُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ تُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً أَوْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مَرَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُدَّةً يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الزِّرَاعَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ شَرَطَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْفَصْلِ. وَذَكَرَ عَقِبَهُ قَاضِي خَانْ صُورَةً ثَالِثَةً هِيَ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ ذَكَرَ فِي صَكِّ الْوَقْفِ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إذَا رَأَى ذَلِكَ خَيْرًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ اهـ، ثُمَّ قَالَ قَاضِي خَانْ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ يُجِيزُ إجَارَةَ الْوَقْفِ ثَلَاثَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ (قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ. . . إلَخْ) . أَخْرَجَ بِهِ الْمَتْنَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَعَلِمْت أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْفَتْوَى عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ وَيُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ تُؤَجَّرَ الضِّيَاعُ ثَلَاثَ سِنِينَ؛ لِأَنَّ رَغْبَةَ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَتَوَفَّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَيُؤَجَّرُ غَيْرُ الضِّيَاعِ سَنَةً، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي جَعْفَرٍ الْكَبِيرِ اهـ

وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً أَوْ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ مَرَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الزِّرَاعَةِ (وَبِالْمِثْلِ يُؤَجِّرُ) لَا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَقْفِ (فَلَوْ رَخُصَ أَجْرُهُ) بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مِقْدَارٍ (لَا يُفْسَخُ) الْعَقْدُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ (وَلَوْ زَادَ) أَيْ أَجْرُهُ (عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ قِيلَ يَعْقِدُ بِهِ) أَيْ بِأَجْرِ مِثْلِهِ (ثَانِيًا لِلْآتِي) مِنْ الزَّمَانِ. وَأَمَّا الْمَاضِي فَلَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَجْرِ الْأَوَّلِ (وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَعْقِدُ بِهِ ثَانِيًا (كَزِيَادَةِ وَاحِدٍ تَعَنُّتًا) فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ ثَلَاثَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ أَجْرُ الْمِثْلِ حَتَّى جَازَتْ الْإِجَارَةُ فَرَخُصَتْ أُجْرَتُهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَإِذَا ازْدَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ فَعَلَى رِوَايَةِ فَتَاوَى السَّمَرْقَنْدِيِّ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ. وَعَلَى رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يُفْسَخُ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ وَإِلَى وَقْتِ الْفَسْخِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَزِيَادَةُ الْأُجْرَةِ تُعْتَبَرُ إذَا زَادَتْ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ زَادَ وَاحِدٌ تَعَنُّتًا لَا تُعْتَبَرُ وَعَلَى رِوَايَةِ الشَّرْحِ لَوْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ فَرَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ بِالزِّيَادَةِ كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ (وَلَا يُؤَجِّرُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ) كَالْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ وَالْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمْ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِمْ فِي عَيْنِهِ (إلَّا بِتَوْلِيَةِ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِفُ مُتَوَلِّيًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ (مُتَوَلٍّ آجَرَهُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ) (لَزِمَهُ تَمَامُهُ كَذَا) (أَبٌ أَجَّرَ مَنْزِلَ صَغِيرِهِ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَعْنِي لَزِمَهُ أَيْضًا تَمَامُهُ إذْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةُ الْحَطِّ وَالْإِسْقَاطِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (لَا تُفْسَخُ) أَيْ إجَارَةُ الْوَقْفِ (بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَالْأَبِ (وَالْوَقْفُ لَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا إبْطَالَ حَقِّهِ فَلَوْ سَكَنَ الْمُرْتَهِنُ فِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ (وَيُفْتَى بِالضَّمَانِ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ) يَعْنِي إذَا سَكَنَ رَجُلٌ دَارَ الْوَقْفِ أَوْ أَسْكَنَهُ الْمُتَوَلِّي بِلَا أَجْرٍ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَى السَّاكِنِ، وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ. كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَغَصْبِ عَقَارِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْفَتْوَى فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالدُّورِ الْمَوْقُوفَةِ بِالضَّمَانِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَمَتَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ فَيَشْتَرِي بِهَا ضَيْعَةً أُخْرَى فَتَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ بَدَلَ الْأُولَى كَذَا فِي الأسروشنية. (وَتُقْبَلُ فِيهِ) أَيْ الْوَقْفِ (الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ) (لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ، وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ) أَيْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ، وَقَالُوا عِنْدَ الْقَاضِي نَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ بِخِلَافِ سَائِرِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَالنَّسَبِ فَإِنَّهُمْ إذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَجْوِيزِ الْقَبُولِ بِتَصْرِيحِ التَّسَامُعِ حِفْظٌ لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (لَا) لِإِثْبَاتِ (شَرْطِهِ فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ بِالشُّهْرَةِ تَجُوزُ عَلَى الْجَوَابِ الْمُخْتَارِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى الشَّرَائِطِ فَلَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَبَيَانِ الْمَصْرِفِ مِنْ الْأَصْلِ) يَعْنِي إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَى كَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ. (مُتَوَلٍّ بَنَى فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ) (فَهُوَ) أَيْ الْبِنَاءُ (يَكُونُ لِلْوَقْفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ غُلُوِّ السِّعْرِ لِمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَا تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ إنْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ بِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ مِنْ النَّاسِ بِخِلَافِ غُلُوِّ السِّعْرِ يَعْنِي لَوْ زَادَ فِي نَفْسِهِ لَا لِرَغْبَةِ رَاغِبٍ وَلَا لِتَعَنُّتِ طَالِبٍ بَلْ لِغُلُوِّ السِّعْرِ عِنْدَ الْكُلِّ تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يُسْتَحْصَدْ لَا يُنْقَضُ الْأَوَّلُ بَلْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ مِنْ حِينِ الزِّيَادَةِ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ مُتَوَلٍّ آجَرَهُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ تَمَامُهُ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ هُوَ الَّذِي يَضْمَنُ تَمَامَهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفَ إذَا آجَرَا وَقْفًا أَوْ مَنْزِلًا لِلْيَتِيمِ بِدُونِ الْمِثْلِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا إلَّا أَنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا وَيَلْزَمهُ أَجْرُ الْمِثْلِ فَقِيلَ لَهُ أَتُفْتِي بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ وَوَجَّهَهُ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِر يَصِيرُ غَاصِبًا عِنْدَ مَنْ يَرَى غَصْبَ الْعَقَارِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِضْ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْزِلِ وَسَلِمَ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَضَهَا فِي وَصِيٍّ وَمُتَوَلٍّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ مَكَانَ الْوَصِيِّ الْأَبَ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَضْمَنُ تَمَامَ الْأَجْرِ بِإِجَارَتِهِ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ بَلْ هُوَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ وَالْوَقْفُ لَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ) أَقُولُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ وُجُوبَ الْأَجْرِ بِسُكْنَى الْمُرْتَهِنِ وَحِينَئِذٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ سُكْنَى الْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ لَا لِإِثْبَاتِ شَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ. وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ أَنْ يُقْبَلَ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ أَيْضًا (قَوْلُهُ مُتَوَلٍّ بَنَى. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ بِنَاءِ الْوَاقِفِ لِمَا قَالَ فِي الْإِسْعَافِ رَجُلٌ غَرَسَ فِيمَا وَقَفَ أَشْجَارًا أَوْ بَنَى بِنَاءً أَوْ نَصَبَ بَابًا قَالُوا إنْ غَرَسَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ غَرَسَهُ لِلْوَقْفِ يَكُونُ وَقْفًا وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَغَرَسَ مِنْ مَالِهِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ اهـ.

[فصل فيما يتعلق بوقف الأولاد]

فَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَى مَصَارِفِ الْوَقْفِ (إنْ بَنَاهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ مَالِ نَفْسِهِ وَنَوَاهُ لِلْوَقْفِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُتَوَلِّي نَفْسِهِ (وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا بَنَى وَلَمْ يَنْوِ) شَيْئًا (فَلَهُ ذَلِكَ) ، وَإِنْ نَوَى كَوْنَهُ لِلْوَقْفِ كَانَ وَقْفًا (كَذَا الْغَرْسُ) يَعْنِي أَنَّهُ كَالْبِنَاءِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا (وَالْغَرْسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسْجِدِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ (بَاعَ دَارًا، ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْتُ وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَيَّ) (لَا يَصِحُّ) لِلتَّنَاقُضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ (وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ قُبِلَتْ) كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى عِتْقِ أَمَةٍ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى (الْوِلَايَةُ) فِي أَمْرِ الْوَقْفِ (لِلْوَاقِفِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا) لِأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ (وَيُعْزَلُ لَوْ خَانَ كَالْوَصِيِّ) رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ (وَإِنْ) (شَرَطَ) الْوَاقِفُ (أَنْ لَا يُعْزَلَ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الشَّرْعِ (وَلَّاهُ) أَيْ الْوَاقِفُ الْمُتَوَلِّيَ (وَأَخْرَجَهُ) (صَحَّ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَرِيمَةٌ (وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّوْكِيلِ وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّرْطِ (طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى) كَمَا لَا يُوَلَّى طَالِبُ الْقَضَاءِ. (مَرِضَ الْمُتَوَلِّي) مَرَضَ الْمَوْتِ (وَفَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى غَيْرِهِ) (جَازَ) لِأَنَّ الْمُتَوَلِّي بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَوْ) (مَاتَ) أَيْ الْمُتَوَلِّي بِلَا تَفْوِيضِهَا إلَى غَيْرِهِ أَوْ بِهِ (فَالرَّأْيُ فِي نَصْبِ الْمُتَوَلِّي إلَى الْوَاقِفِ) لَا الْقَاضِي (ثُمَّ) إنْ مَاتَ الْوَاقِفُ فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى (وَصِيِّهِ، ثُمَّ) إنْ مَاتَ وَصِيُّهُ فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى (الْقَاضِي) وَيُجْعَلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ لَا الْأَجَانِبِ (الْبَانِي) لِلْمَسْجِدِ (أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ) (فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ) أَيْ الْبَانِي (اشْتَرَى الْمُتَوَلِّي بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لَهُ) أَيْ لِلْوَقْفِ (لَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ وَالشَّرَائِطِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْوَقْفُ لَازِمًا كَلَامًا كَثِيرًا وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (جَازَ) (لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْوَقْفِ لَا عَبْدِهِ، وَلَوْ مِنْ أَمَتِهِ وَجِنَايَةُ عَبْدِهِ فِي مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْوَقْفِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ (قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي) (كَانَتْ الْغَلَّةُ لِوَلَدِ صُلْبِهِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى) لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِلَادَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا (إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِالذُّكُورِ) بِأَنْ يَقُولَ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ وَإِذَا جَازَ هَذَا الْوَقْفُ (فَمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ) الْوَلَدِ (الصُّلْبِيِّ كَانَتْ) أَيْ الْغَلَّةُ (لَهُ) لَا لِغَيْرِهِ (وَإِذَا انْتَفَى) أَيْ الصُّلْبِيُّ (صُرِفَتْ) أَيْ الْغَلَّةُ (إلَى الْفُقَرَاءِ لَا لِوَلَدِ الْوَلَدِ) لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ حِينَ الْوَقْفِ وَلَدٌ صُلْبِيٌّ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ الْوَقْفِ صُلْبِيٌّ بَلْ وَلَدُ الِابْنِ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (كَانَتْ) الْغَلَّةُ (لَهُ خَاصَّةً) لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ وَيَكُونُ وَلَدُ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الصُّلْبِيِّ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْبِيِّ (وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبِنْتِ فِي الصَّحِيحِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ هِلَالٌ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ لَا إلَى آبَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ بِخِلَافِ وَلَدِ الِابْنِ (وَلَوْ) زَادَ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى وَ (قَالَ وَوَلَدُ وَلَدِي فَقَطْ) أَيْ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا (يَدْخُلُ فِيهِ الصُّلْبِيُّ وَأَوْلَادُ بَنِيهِ يَشْتَرِكُونَ فِي الْغَلَّةِ) وَلَا يُقَدَّمُ الصُّلْبِيُّ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ، وَهَلْ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبِنْتِ؟ قَالَ هِلَالٌ يَدْخُلُ (وَلَوْ قَيَّدَ بِالذُّكُورِ) أَيْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ قَالَ هِلَالٌ (يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ) هَذَا عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ قُبِلَتْ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الدَّعْوَى لَا تُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مَخْصُوصٌ وَلَمْ يَدَّعِ لَا يُعْطَى لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ وَيُصْرَفُ جَمِيعُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُقْبَلُ. [فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ] (فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ) (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ هِلَالٌ) أَقُولُ هَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَيَّدَ بِالذُّكُورِ يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ) هَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ وَلَدِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهُوَ لِمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ ابْنِ الْوَاقِفِ دُونَ ابْنِ بِنْتِ الْوَاقِفِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لِكُلِّهِمْ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الِابْنِ وَوَلَدُ الْبِنْتِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ هِلَالٌ. اهـ. وَلِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا فِي هَذَا رِسَالَةٌ مُفِيدَةٌ (الْبَنِينَ)

الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ) وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ كَمَا يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْبَنِينَ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ لِمَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ اسْمٌ لِمَنْ وَلَدَهُ وَلَدُهُ وَابْنَةُ وَلَدِهِ، وَمَنْ وَلَدَتْهُ ابْنَتُهُ يَكُونُ وَلَدَ وَلَدِهِ حَقِيقَةً، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ ثَمَّةَ وَلَدُ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ الصُّلْبِيُّ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا، ثُمَّ إذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ (وَلَوْ زَادَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ) وَقَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي (صُرِفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا الْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلَ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ) بِأَنْ يَقُولَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ أَوْ يَقُولَ عَلَى وَلَدِي، ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي أَوْ يَقُولَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَحِينَئِذٍ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ فَحُشَ التَّفَاوُتُ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِنَفْسِ الِانْتِسَابِ لَا غَيْرُ وَالِانْتِسَابُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ مَنْ قَرُبَ وَمَنْ بَعُدَ بِخِلَافِ الْبَطْنِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ لَهُ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (كَذَا) أَيْ صَرَفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا الْفُقَرَاءِ (إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي أَوْ قَالَ) ابْتِدَاءً (عَلَى أَوْلَادِي) يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا مَرَّ (وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى الْبَاقِي) لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ، وَإِنْ سَفَلَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ (وَلَوْ) (وَقَفَهَا عَلَى أَوْلَادِهِ وَسَمَّاهُمْ) فَقَالَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ (وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ) (صُرِفَ نَصِيبُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ، فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْوَقْفَ هُنَاكَ عَلَى الْكُلِّ لَا كُلِّ وَاحِدٍ (وَلَوْ) وَقَفَ (عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ) أَيْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ (ثُمَّ مَاتَتْ) امْرَأَتُهُ (لَا يَكُونُ نَصِيبُهَا لِابْنِهَا) الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْوَاقِفِ (خَاصَّةً إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ) أَيْ الْوَاقِفُ (رَدَّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ) أَيْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ (إلَى وَلَدِهِ) حَتَّى إذَا شَرَطَهُ كَانَ نَصِيبًا لِابْنِهَا (بَلْ) يَكُونُ (لِلْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ الْأَوْلَادِ (وَلَوْ) (قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَلَمْ يَقُلْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لَكِنْ شَرَطَ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ) وَهُوَ رَدُّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ (فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَلَوْ مَاتَ بَعْضُ وَلَدِ الْوَاقِفِ وَتَرَكَ وَلَدًا، ثُمَّ جَاءَتْ الْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَإِنْ سَفَلُوا) بِمُقْتَضَى عِبَارَةِ الْوَاقِفِ (وَعَلَى الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّصِيبَ قَبْلَ مَوْتِهِ (فَمَا أَصَابَهُ) أَيْ الْمَيِّتَ مِنْ الْغَلَّةِ (كَانَ لِوَلَدِهِ) بِالْإِرْثِ (فَيَصِيرُ لَهُ) أَيْ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ (سَهْمُهُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ) بِحُكْمِ تَعَيُّنِهِ (وَسَهْمُ وَالِدِهِ) بِالْإِرْثِ (وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ، فَإِذَا انْقَرَضَا فَعَلَى أَوْلَادِهِمَا أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ وَلَدًا صَرَفَ نِصْفَ الْغَلَّةِ إلَى الْبَاقِي وَالنِّصْفَ إلَى الْفُقَرَاءِ) كَمَا مَرَّ فِي صُورَةِ تَسْمِيَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَوْلَادِ (فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ صَرَفَ الْكُلَّ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ) يُقْسَمُ بَيْنَ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْآخَرِ عَلَى السَّوِيَّةِ (وَقَفَ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَالِدُهُ وَجَدُّهُ وَوَلَدُهُ) رَجُلٌ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَقَارِبِي أَوْ عَلَى قَرَابَتِي أَوْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِي قَالَ هِلَالٌ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَا يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ) أَقُولُ وَيَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ مَنْ وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْغَلَّةِ لَا مَنْ وُلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْهَا إلَّا إذَا وَلَدَتْ مُبَانَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ الْمُعْتَقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَالْجَوَابُ فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا هُوَ الْجَوَابُ فِي مَنْكُوحَةٍ غَيْرِ مُطَلَّقَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ يَدْخُلْ وَالِدُهُ وَجَدُّهُ وَوَلَدُهُ) أَقُولُ هَذَا بِخِلَافِ مَا فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الزِّيَادَاتِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.

[كتاب البيوع]

وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَالِدُ الْوَاقِفِ وَلَا جَدُّهُ وَلَا وَلَدُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (دَارٌ فِي يَدِهِ بَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ قَيِّمُ الْوَقْفِ أَنَّهَا لِلْمَسْجِدِ، فَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ) كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَقْفٌ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ فِي يَدِ الْحَيِّ وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْحَيُّ بَرْهَنَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَالْبَاقِيَ غَيْبٌ وَالْوَاقِفُ وَاحِدٌ يُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَوْلَادُ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ مُطْلَقٌ عَلَيْك وَعَلَيْنَا فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَقْفِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوْلَى كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. كِتَابُ الْبُيُوعِ (هُوَ) أَيْ الْبَيْعُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْبُيُوعُ لُغَةً مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ بَاعَ الشَّيْءَ إذَا شَرَاهُ أَوْ اشْتَرَاهُ وَيَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِلَا حَرْفٍ وَبِهِ يُقَالُ بَاعَهُ الشَّيْءَ وَبَاعَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا جُمِعَ لِكَوْنِهِ أَنْوَاعًا أَرْبَعَةً بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعُ سِلْعَةٍ بِمِثْلِهَا وَيُسَمَّى مُقَايَضَةً أَوْ بَيْعُهَا بِالثَّمَنِ وَيُسَمَّى بَيْعًا لِكَوْنِهِ أَشْهَرَ الْأَنْوَاعِ، أَوْ بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ كَبَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَيُسَمَّى صَرْفًا، أَوْ بَيْعُ دَيْنٍ بِمُعَيَّنٍ وَيُسَمَّى سَلَمًا وَبِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ أَيْضًا أَرْبَعَةً؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ يُسَمَّى مُسَاوَمَةً أَوْ اُعْتُبِرَ مَعَ زِيَادَةٍ يُسَمَّى مُرَابَحَةً أَوْ بِدُونِهَا يُسَمَّى تَوْلِيَةً أَوْ مَعَ النَّقْصِ يُسَمَّى وَضِيعَةً. وَشَرْعًا (مُبَادَلَةُ مَالٍ بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ) أَيْ التِّجَارَةِ خَرَجَ بِهِ مُبَادَلَةُ رَجُلَيْنِ بِمَالِهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً، لَمْ يَقُلْ عَلَى سَبِيلِ التَّرَاضِي لِيَتَنَاوَلَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ (يَنْعَقِدُ) الِانْعِقَادُ تَعَلُّقُ كَلَامِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بِالْآخَرِ شَرْعًا عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَحَلِّ (بِالْإِيجَابِ) وَهُوَ الْإِثْبَاتُ سُمِّيَ بِهِ أَوَّلُ كَلَامِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِعْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْآخَرِ خِيَارُ الْقَبُولِ (وَالْقَبُولِ) وَهُوَ ثَانِي كَلَامِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت (الْمَاضِيَيْنِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي، ثُمَّ قَالَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَالْإِنْشَاءُ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ وَالْمَوْضُوعُ لِلْإِخْبَارِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ وَأَرَادَ بِالْمَوْضُوعِ لِلْإِخْبَارِ لَفْظَ الْمَاضِي إذْ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ فَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ شَيْءٍ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَإِلَّا لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَالِكَ وَأَرَادَ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ صِيغَةَ الْأَمْرِ نَحْوَ بِعْهُ مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْت؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولُ زَوَّجْتُك فَلَا وَجْهَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْمُضَارِعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِهِ نَعَمْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ إذَا قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ (وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا) أَيْ الْمَاضِيَيْنِ نَحْوَ رَضِيت وَأَعْطَيْتُك بِكَذَا أَوْ خُذْهُ بِكَذَا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهِ أَيْضًا، فَإِذَا قَالَ بِعْتُ مِنْك هَذَا بِكَذَا فَقَالَ رَضِيتُ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْك فَقَالَ خُذْهُ يَعْنِي بِعْت بِذَلِكَ فَخُذْهُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالْأَخْذِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْته مِنْك بِهِ فَخُذْهُ فَقُدِّرَ الْبَيْعُ اقْتِضَاءً فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ لَا بِلَفْظَيْنِ أَحَدِهِمَا الْأَمْرُ لِيُنَافِيَ مَا مَرَّ فَإِنَّ الْمَعْنَى هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْبُيُوعِ] [مَا يَنْعَقِد بِهِ الْبَيْع] ِ) (قَوْلُهُ الْمَاضِيَيْنِ) قَالَ قَاضِي خَانْ الْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا بِكَذَا أَوْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذَا بِكَذَا وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت أَوْ رَضِيت أَوْ أَجَزْت، وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَيَقُولُ اشْتَرَيْت، وَكَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ سَأَبِيعُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت

الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ فِي بَعْضِهَا كَشِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُبَيِّنَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ (حَتَّى التَّعَاطِيَ) أَيْ إعْطَاءَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِهِ بِلَا وُجُودُ لَفْظٍ فَضْلًا عَنْ الْمَاضِيَيْنِ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّرَاضِي (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْخَسِيسِ فَقَطْ كَالْبَقْلِ وَنَحْوِهِ. (وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي بَيْعِ الْأَبِ مِنْ طِفْلِهِ) بِأَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا مِنْهُ بِكَذَا (وَشِرَائِهِ مِنْهُ) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْ ابْنِي فَإِنَّ عِبَارَةَ الْأَبِ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَتَيْنِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَبُولٍ وَكَانَ أَصِيلًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَنَائِبًا عَنْ طِفْلِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ طِفْلِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى أَبِيهِ، فَإِذَا لَزِمَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي صُورَةِ شِرَائِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا يَقْبِضُهُ لِلصَّغِيرِ فَيَرُدُّهُ عَلَى أَبِيهِ فَيَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ (وَيُخَيَّرُ الْقَابِلُ فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخَيَّرْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ جَبْرًا وَهُوَ مُنْتَفٍ (بَيْنَ قَبُولِ الْكُلِّ بِالْكُلِّ وَالتَّرْكِ) يَعْنِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَوْجَبَ فِي شَيْءٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ أَوْجَبَ الْمُشْتَرِي فِي شَيْءٍ فَقَبِلَ الْبَائِعُ فِي بَعْضِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَأَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ وَاحِدًا لَزِمَ ضَرَرُ الشِّرْكَةِ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَالْعَادَةُ ضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ وَنَقْصُ ثَمَنِ الْجَيِّدِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ فَلَوْ ثَبَتَ خِيَارُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ بِأَنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي الْجَيِّدِ وَتَرَكَ الرَّدِيءَ فَزَالَ الْجَيِّدُ عَنْ يَدِ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ لَهُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَخْذُ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ أَوْلَى، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الصَّفْقَةُ فَلَهُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (إلَّا إذَا كَرَّرَ) أَيْ الْبَائِعُ (لَفْظَ بِعْتُ وَفَصَّلَ الثَّمَنَ) إشَارَةً إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ صَفَقَاتٌ مَعْنًى لَا يَتِمُّ إلَّا أَنْ يُدْرَجَ تَكْرَارُ لَفْظِ الْعَقْدِ إذْ بِهِ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ لَا بِمُجَرَّدِ بَيَانِ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ، وَإِنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَ بِعْت مَعَ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِكَذَا أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِكَذَا (أَوْ رَضِيَ) أَيْ الْبَائِعُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي (اشْتَرَيْت هَذَا بِكَذَا) قَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ بِتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْنَافَ إيجَابٍ لَا قَبُولًا وَرِضَى الْبَائِعِ بِهِ قَبُولًا، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ لِلْبَعْضِ الَّذِي قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي قَفِيزَيْنِ بَاعَهُمَا بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مُنْقَسِمٌ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَتَكُونُ حِصَّةُ كُلِّ بَعْضٍ مَعْلُومَةً، فَأَمَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِقَبُولِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، أَقُولُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مُرَادِ الْقُدُورِيِّ فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ عِبَارَةَ الْمُشْتَرِي إيجَابًا وَرِضَى الْبَائِعِ قَبُولًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي عِبَارَةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ ذِكْرَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَ بِعْت وَفَصَّلَ الثَّمَنَ) أَقُولُ: هَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا لِمَا فِي الْبُرْهَانِ أَوْ يُفَصِّلُ ثَمَنًا بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِمِائَةٍ كُلَّ وَاحِدٍ بِخَمْسِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حِينَئِذٍ فِي الْمُخْتَارِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ بِعْت؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَفْصِيلِهِ وَلَئِنْ وُجِدَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ وَشَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ لِتَعَدُّدِهَا تَكْرَارَ لَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ بِعْتُك هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبِعْتُك هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ. اهـ.

بَعْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِلَا ذِكْرِ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ إيجَابًا، وَلَا قَوْلِ الْبَائِعِ رَضِيت قَبُولًا لِعَدَمِ صِدْقِ تَعْرِيفِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَظَهَرَ عَدَمُ لُزُومِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا قُلْت أَوْ رَضِيَ بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْت هَذَا بِكَذَا (وَيَمْتَدُّ) أَيْ خِيَارُ الْقَبُولِ (إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ، وَإِنْ طَالَ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، فَإِذَا عُدَّتْ الْأُمُورُ الْمُتَعَدِّدَةُ بِسَبَبِهِ وَاحِدَةٌ فَلَأَنْ تُعْتَبَرَ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً أَوْلَى دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ بَلْ تَوَقَّفَ الْإِيجَابُ فِيهِمَا عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا اشْتَمَلَا عَلَى الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْمَجْلِسِ (وَالْكِتَابُ وَالرِّسَالَةُ كَالْخِطَابِ) يَعْنِي إذَا كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْتُك عَبْدِي فُلَانًا بِكَذَا أَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ بِعْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا فَاذْهَبْ وَأَخْبِرْهُ فَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ الرَّسُولُ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْكِتَابِ أَوْ الرِّسَالَةِ اشْتَرَيْتُهُ بِهِ أَوْ قَبِلْتُهُ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ وَالرَّسُولُ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ فَكَلَامُهُ كَكَلَامِ الْمُرْسِلِ فَإِنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُبَلِّغُ تَارَةً بِالْخِطَابِ وَتَارَةً بِالْكِتَابِ. (وَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ قَبْلَ الْقَبُولِ بِالرُّجُوعِ) أَيْ بِرُجُوعِ الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ لُزُومُ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِدُونِ الْقَبُولِ، اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمِلْكِ بَلْ حَقُّ التَّمَلُّكِ أَيْضًا حَقٌّ وَفِيهِ إبْطَالُهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا لَمْ يَفْدِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ مُزِيلًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ فَحَقُّ التَّمَلُّكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْهُ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ إلَى السَّاعِي، فَإِنَّ الْمُزَكِّيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْفَقِيرِ بِالْمَدْفُوعِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ زَالَتْ مِنْ الْمُزَكِّي فَعَمِلَ حَقُّ الْفَقِيرِ لِانْتِفَاءِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. (وَ) يَبْطُلُ أَيْضًا الْإِيجَابُ قَبْلَ الْقَبُولِ (بِقِيَامِ أَيِّهِمَا) مِنْ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ (عَنْ مَجْلِسِهِ) لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ. اُعْتُرِضَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْمَلُ عَمَلَهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحٌ يُعَارِضُهَا وَهَاهُنَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت وُجِدَ الصَّرِيحُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّرِيحَ إنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ الدَّلَالَةِ وَلِذَا لَمْ يُعَارِضْهَا (وَلَزِمَ) أَيْ الْبَيْعُ (بِهِمَا) أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ (بِلَا خِيَارٍ) لِأَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَلَنَا أَنَّ فِي الْفَسْخِ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ. أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِحَقِّ الْآخَرِ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَبُولِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ بَلْ كَانَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً مَعَ كَوْنِهِ رُكْنًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَلَنَا أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ يُفِيدَانِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَأَبَاحَ الْأَكْلَ، وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ التِّجَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ التَّرَاضِي وَالْبَيْعُ تِجَارَةٌ فَدَلَّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى نَفْيِ الْخِيَارِ وَصِحَّةِ وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، وَالْقَوْلُ بِالْخِيَارِ تَقْيِيدٌ وَهُوَ نَسْخٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِ أَيِّهِمَا) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ كَانَا قَاعِدَيْنِ، وَكَذَا لَوْ كَانَا وَاقِفَيْنِ فَسَارَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ فَقَبِلَهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ فَقَبِلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ أَوْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ فَأَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فَقَبِلَ جَازَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْعَقِدُ لِتَفَرُّقِ الْمَجْلِسِ بِالْخُطُوَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ إذَا أَجَابَ الْمُخَاطَبُ مَوْصُولًا بِالْخِطَابِ. اهـ.

فَلَا يَجُوزُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ أَيْ قَبُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعَقْدَ فِي الْمَجْلِسِ، وَفَائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُوجِبَ بَعْدَمَا أَوْجَبَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِخِيَارِ الْفَسْخِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا الْقَبُولِ الْمُقَابِلِ لِلْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثٌ: حَالٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحَالٌ وُجِدَا فِيهَا وَانْقَضَيَا وَحَالٌ وُجِدَ فِيهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ مَوْقُوفٌ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَيْهِمَا فِي الْأُولَى مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَفِي الثَّالِثَةِ حَقِيقَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ أَيْ أَجْزَاءٌ مِنْ أَوَاخِرِ الْمَاضِي وَأَوَائِلِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ حَالُ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنْ يَقْبَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ، وَالْآخَرُ مُتَوَقِّفٌ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَقِيقَةً حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لَا مَا قَبْلَهَا وَلَا مَا بَعْدَهَا أَوْ يَحْتَمِلُهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ، وَالتَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى تَفَرُّقِ الْأَقْوَالِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَيَقُولَ الْآخَرُ لَا أَشْتَرِي أَوْ بِالْعَكْسِ حَيْثُ لَا يَبْقَى الْخِيَارُ بَعْدَهُ، فَإِنْ قِيلَ التَّفَرُّقُ يَكُونُ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ هَاهُنَا قُلْنَا الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ ابْتِدَاءً وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ مُقَرَّرَةٍ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْكَشَّافِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ ضَيِّقْ فَمَ الرَّكْيَةِ وَوَسِّعْ كُمَّ الثَّوْبِ وَالْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ جَعْلُ فَمِ الرَّكْيَةِ ضَيِّقًا ابْتِدَاءً وَفِي الثَّانِي جَعْلُ كُمِّ الثَّوْبِ وَاسِعًا ابْتِدَاءً فَلَا تَغْفُلْ. (وَكَفَى) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ (الْإِشَارَةُ فِي أَعْوَاضٍ) أَعَمِّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (غَيْرِ رِبَوِيَّةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَحِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا بِجِنْسِهَا فَإِنَّ الْإِشَارَةَ فِيهِ لَا تَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُسَاوَاتِهَا قَدْرًا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا كَفَتْ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ طُرُقِ التَّعْرِيفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَوَصْفِهِ وَاجِبَةٌ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي (وَشَرْطُ مَعْرِفَةِ مَبِيعٍ يُسَلَّمُ) أَيْ يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ مَتَاعًا فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يُعَرِّفَاهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى التَّسْلِيمِ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ (بِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِمَعْرِفَةِ (يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ) الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ الْمُفْضِي إلَى فَسَادِ الْبَيْعِ بِأَنْ بَاعَ غَائِبًا وَأَشَارَ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. (وَ) شُرِطَ أَيْضًا مَعْرِفَةُ (قَدْرِ ثَمَنٍ) كَعَشَرَةٍ مَثَلًا كَائِنٍ (فِي الذِّمَّةِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ كَمَا سَبَقَ وَمَا يَحْصُلُ فِيهَا هُوَ الْمَكِيلَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ وَالْمَوْزُونَاتُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَسَائِرِ مَا يُوزَنُ إذَا قُوبِلَتْ بِالْأَعْيَانِ الْقِيَمِيَّةِ (وَ) مَعْرِفَةُ (وَصْفِهِ) كَكَوْنِهِ بُخَارِيًّا أَوْ سَمَرْقَنْدِيًّا؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ الْمَقْصُودِ. (وَصَحَّ) الْبَيْعُ (بِحَالٍّ) أَيْ بِثَمَنٍ حَالٍّ (وَمُؤَجَّلٍ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ ثَوْبًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ، وَذَلِكَ يُسْلِمُ فِي بِعِيدِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْبَيْعَ مُطْلَقٌ كَمَا قَالُوا، وَاشْتِرَاطُ مَعْلُومِيَّةِ الْأَجَلِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالرَّأْيِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) يَعْنِي نَحْوَ الثَّلَاثَةِ بِجِنْسِهَا (قَوْلُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ) أَقُولُ وَلَكِنْ لَا تَسْقُطُ الْجَوْدَةُ حَتَّى لَوْ أَرَاهُ دَرَاهِمَ، وَقَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجِيَادِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَاجِبَةٌ فِيهَا) لَعَلَّهُ وَاجِبٌ فِيهِ إذْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُعَرِّفَاهُ) يَعْنِي مِقْدَارَهُ (قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى مَكَانِهِ. . . إلَخْ) بَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إلَى مَكَانِهِ وَأَعَمُّ مِنْهُ وَبَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ مُشْتَرَكٍ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ اخْتِلَاطِ الْمِثْلِيِّ وَلِي فِيهِ رِسَالَةٌ.

وَنَسْخُ الْكِتَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْأَجَلِ وَهِيَ لَمْ تُقَيَّدْ بِالْمَعْلُومِيَّةِ لِمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا إلَى أَجَلٍ أَوْ مُؤَجَّلًا صَحَّ فَيُصْرَفُ إلَى نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ وَالْمُقَيَّدُ بِالْمَعْلُومِيَّةِ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ الْأَجَلِ وَالنَّصُّ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَلِهَذَا قُلْت (مَعْلُومَ الْوَقْتِ) حَتَّى إذَا جُهِلَ وَقْتُهُ فَسَدَ الْبَيْعُ كَالْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْبَيْعَ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ هُوَ الْمُعْتَرِضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ، وَذَاتُ الْبَيْعِ وَحَقِيقَتُهُ كَمَا عَرَفْت مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَالثَّمَنُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الْبَيْعِ وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ، وَلِهَذَا يُقَالُ بَيْعٌ مُؤَجَّلٌ فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّأْجِيلِ يَكُونُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِظَنِّيٍّ، وَأَمَّا تَعْيِينُ وَقْتِ الْأَجَلِ فَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ بَلْ أَمْرٌ لَهُ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِصِفَتِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا فَيَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالرَّأْيِ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ (وَبَعْدَمَا عُلِمَ) الْأَجَلُ (إنْ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ، وَإِنْ) مَاتَ (الْمُشْتَرِي حَلَّ الْمَالُ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ، فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ (وَإِذَا مَنَعَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ سَنَةَ الْأَجَلِ فَلِلْمُشْتَرِي أَجَلُ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ فَلِلْمُشْتَرِي سَنَةٌ أُخْرَى بَعْدَ قَبْضِهِ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (وَبِمُطْلَقٍ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لَا الْقَدْرِ لِوُجُوبِ ذِكْرِهِ لِمَا عَرَفْت (فَالْعَقْدُ) أَيْ فَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ يَقَعُ (عَلَى غَالِبِ النَّقْدِ) أَيْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فِي الرَّوَاجِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ (فَإِنْ اسْتَوَى) أَيْ لَمْ يُوجَدْ الْغَالِبُ بَلْ اسْتَوَى (الرَّوَاجُ) فِي النُّقُودِ (لَا الْمَالِيَّةُ) بَلْ تَفَاوَتَتْ فِيهَا (فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ (إنْ لَمْ يُبَيَّنْ) أَيْ الثَّمَنُ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ كَمَا مَرَّ (أَوْ) اسْتَوَى (الْمَالِيَّةُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا اسْتَوَى الرَّوَاجُ (وَاخْتَلَفَ الِاسْمُ) كَالْأُحَادِيِّ وَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ (صَحَّ إنْ أَطْلَقَ اسْمَ الدِّرْهَمِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا) حَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْأَوَّلِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّانِي وَالثَّلَاثِ مِنْ الثَّالِثِ اسْمُ الدِّرْهَمِ إذْ لَا نِزَاعَ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ (وَصُرِفَ إلَى مَا قُدِّرَ بِهِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ) مَثَلًا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ أَلْفًا مِنْ الْأُحَادِيِّ أَوْ أَلْفَيْنِ مِنْ الثُّنَائِيِّ أَوْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ مِنْ الثُّلَاثِيِّ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَأَرَادَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَتِهِ نَوْعُ غُمُوضٍ (وَلَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدَانِ) النَّقْدُ مَا لَيْسَ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَسْكُوكًا أَوْ لَا (وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (فِي صَحِيحِهِ) أَيْ صَحِيحِ الْبَيْعِ (وَإِنْ عَيَّنَا) يَعْنِي إذَا عَيَّنَ الْعَاقِدَانِ دِرْهَمًا مَثَلًا، ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي تَبْدِيلَهُ بِدِرْهَمٍ آخَرَ جَازَ عِنْدَنَا وَلَا يُسْمَعُ نِزَاعُ الْبَائِعِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَبْدِيلُهُ بِآخَرَ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَنَا بَلْ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي صَحِيحِهِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَصْلِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ فِيمَا يَنْتَقِضُ بَعْدَ الصِّحَّةِ، صُورَةُ الْأَوَّلِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَظَهَرَ أَنَّهُ ثَمَنُ الْحُرِّ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً وَظَهَرَ أَنَّهَا أُمُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهِيَ لَمْ تُقَيَّدْ بِالْمَعْلُومِيَّةِ) الضَّمِيرُ فِي هِيَ يَرْجِعُ لِلْآيَةِ يَعْنِي {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (قَوْلُهُ وَإِذَا مَنَعَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ. . . إلَخْ) أَقُولُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ إلَى سَنَةٍ كَمَا ذَكَرَ أَمَّا لَوْ قَالَ إلَى رَجَبٍ وَحَبَسَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ عَلَى رَجَبٍ خَاصٍّ فَكَانَ مُنْصَرِفًا إلَى أَوَّلِ رَجَبٍ يَأْتِي عَقِيبَ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَصْلِ) يَعْنِي مِنْ أَصْلِهِ لَا طَارِئًا عَلَيْهِ

وَلَدِهِ تَتَعَيَّنُ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ لِلرَّدِّ؛ لِأَنَّ لِهَذَا الْقَبْضِ حُكْمُ الْغَصْبِ وَصُورَةُ الثَّانِي مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ. (وَصَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الطَّعَامِ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِمَا عُرْفًا وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ (وَالْحُبُوبِ) وَهِيَ غَيْرُهُمَا كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَنَحْوِهِمَا (وَلَوْ) كَانَ الْبَيْعُ (جُزَافًا) أَيْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَفَةِ مُعَرَّبُ كُزَافٍ (لَوْ) بِيعَ (بِغَيْرِ جِنْسِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا (وَصَحَّ) أَيْضًا بَيْعُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ (بِإِنَاءٍ أَوْ حَجَرٍ مُعَيَّنٍ) كُلٌّ مِنْهُمَا (جُهِلَ قَدْرُهُ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ وَهَاهُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْبَيْعِ مُتَعَجَّلٌ فَيَنْدُرُ هَلَاكُ الْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ فَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمُنَازَعَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمِكْيَالُ لَا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالْقَصْعَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَالزِّنْبِيلِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ يَتَفَتَّتُ أَوْ بَاعَهُ بِوَزْنِ شَيْءٍ إذَا جَفَّ يَخِفُّ. (وَ) صَحَّ أَيْضًا فِي (الْقَدْرِ الْمُسَمَّى) وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ (إذَا بِيعَ صُبْرَةُ كُلِّ قَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ) مَثَلًا (بِكَذَا) يَعْنِي إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِكَذَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْقَدْرِ الْمُسَمَّى فِي عَدَدِ الْقُفْزَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا الْبَاقِي لَا إذَا زَالَتْ الْجَهَالَةُ بِعِلْمِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ بِتَسْمِيَتِهَا أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَقَالَا يَجُوزُ مُطْلَقًا (لَا صُبْرَتَانِ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا بِيعَ صُبْرَتَانِ (مِنْ جِنْسَيْنِ) كَصُبْرَتَيْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ كُلُّ قَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ بِكَذَا حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عِنْدَهُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ لِتَفَاوُتِ الصُّبْرَتَيْنِ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِيهِمَا أَيْضًا وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْإِيضَاحِ أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ عَلَى قَفِيزٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَلَا) أَيْ لَا يَصِحُّ أَيْضًا الْبَيْعُ عِنْدَهُ فِي الْقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا بِيعَ (مُتَفَاوِتٌ كَالثُّلَّةِ) وَهِيَ قَطِيعُ غَنَمٍ كُلُّ شَاةٍ أَوْ شَاتَيْنِ بِكَذَا (وَالْعِدْلِ) الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَثْوَابِ الْمُتَفَاوِتَةِ كُلُّ ثَوْبٍ أَوْ ثَوْبَيْنِ بِكَذَا؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَبْعَاضِهَا يَقْتَضِي الْجَهَالَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ (وَإِنْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ) أَيْ جُمْلَتَيْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الثُّلَّةَ وَهِيَ مِائَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِعْت هَذَا الْعِدْلَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ بِمِائَةٍ (بِلَا تَفْصِيلٍ) أَيْ لَا يَقُولُ: كُلُّ شَاةٍ بِكَذَا أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ بِكَذَا (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الْكُلِّ) إجْمَاعًا (مُتَفَاوِتًا أَوْ لَا) لِمَعْلُومِيَّةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (فَإِنْ بَاعَهَا) هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ، وَإِنْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ يَعْنِي بَعْدَمَا سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْهُمَا، فَإِنْ بَاعَ الصُّبْرَةَ (عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ) أَيْ مِائَةُ قَفِيزٍ (بِمِائَةٍ) صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ هَاهُنَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ قَفِيزٍ ثَمَنًا بِأَنْ يَقُولَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُسَمِّيَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بِخِلَافِ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَهِيَ) أَيْ الصُّبْرَةُ (أَقَلُّ) مِنْ الْمِائَةِ (أَخَذَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَقَلَّ (بِحِصَّتِهِ) مِنْ الثَّمَنِ (أَوْ فَسَخَ) الْعَقْدَ يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالْمَوْجُودِ (أَوْ) هِيَ (أَكْثَرُ) مِنْ الْمِائَةِ (فَالزَّائِدُ) عَلَى الْمِائَةِ (لِلْبَائِعِ) وَالْمِائَةُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْ وُجِدَ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ كَمَا فِي الثَّوْبِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ (وَإِنْ بَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ) أَقُولُ. وَفِي الْبُرْهَانِ فَلَوْ فَسَدَ الصَّرْفُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ يَتَعَيَّنُ الْمَقْبُوضُ لِلرَّدِّ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ لِبَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فَيَجُوزُ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَازَ. . . إلَخْ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ مَعَ أَنَّهُ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ قَيَّدَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ لَا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ وَلَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقَصْعَةِ وَالْخَزَفِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَنْكَبِسُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْقُفَّةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ اسْتِحْسَانًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ فِيهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا يَجُوزُ مُطْلَقًا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَبِهِ يُفْتَى وَذَكَرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ لَا صُبْرَتَانِ) أَقُولُ الْوَجْهُ لَا صُبْرَتَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ صَحَّ فِي الْكُلِّ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ بَيَّنَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدْنَا مَوْضِعَ الْخِلَافِ بِقَيْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الثَّمَنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ بَيَّنَ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ جُمْلَةِ الذُّرْعَانِ صَارَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَبِبَيَانِ جُمْلَةِ الثَّمَنِ صَارَ جُمْلَةُ الذُّرْعَانِ مَعْلُومَةً كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ اهـ

الْمَذْرُوعَ هَكَذَا) أَيْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ: كُلُّ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ بِكَذَا صَحَّ الْبَيْعُ، فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي تَامًّا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ بِلَا خِيَارٍ، وَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ خُيِّرَ إنْ شَاءَ (أَخَذَ الْأَقَلَّ بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ الثَّمَنِ (أَوْ تَرَكَ) لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ لَا بِمَعْنَى كَوْنِهِ صِفَةً عَرَضِيَّةً لَهُ بَلْ هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَا يَكُونُ تَابِعًا لِلشَّيْءِ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ إذَا حَصَلَ فِيهِ يَزِيدُهُ حُسْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ جَوْهَرًا كَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ بِنَاءٍ مِنْ دَارٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَيْمَانِ، فَإِنْ بَاعَ ثَوْبًا هُوَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَيُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إذَا انْتَقَصَ مِنْهُ ذِرَاعٌ لَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ، فَإِنَّ بَعْضًا مِنْهَا يُسَمَّى قَدْرًا وَأَصْلًا وَلَا يُفِيدُ انْضِمَامَهُ إلَى بَعْضٍ آخَرَ كَمَالًا لِلْمَجْمُوعِ فَإِنَّ حِنْطَةً هِيَ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ إذَا سَاوَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَتْ التِّسْعَةُ مِنْهَا تُسَاوِي تِسْعَةً، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْوَصْفِ وَالْأَصْلِ، وَالْكُلُّ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْوَصْفُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ كَمَا سَيَأْتِي (وَأَخَذَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْأَكْثَرَ بِلَا خِيَارٍ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّهُ وَصْفٌ فَكَانَ كَمَا إذَا بَاعَهُ مَعِيبًا، فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ (وَإِنْ بَاعَ الْمُتَفَاوِتَ هَكَذَا) أَيْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْ (صَحَّ) الْبَيْعُ (فِي الْكُلِّ) حَتَّى إذَا تَسَاوَى الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ لَزِمَ الْبَيْعُ لِمَعْلُومِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُونَ رَأْسًا أَوْ هَذَا الْعِدْلَ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُونَ ثَوْبًا بِكَذَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ صَارَ مَعْلُومًا بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ ثَوْبًا مِنْ أَحَدٍ وَخَمْسِينَ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مُتَفَاوِتٌ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحُطَّ حِصَّةَ الثَّوْبِ النَّاقِصِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيَفْسُدُ أَيْضًا وَهَكَذَا فِي سَائِرِ مَا يَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ (وَإِنْ زَادَ) أَيْ فِي بَيْعِ الْمَذْرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجُمْلَتَيْنِ (كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الصُّبْرَةِ لِمَا ذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ هُنَاكَ بَيْنَ ذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ وَبَيْنَ تَرْكِهِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ (صَحَّ فِي الْكُلِّ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذَ الْأَقَلَّ بِالْأَقَلِّ أَوْ تَرَكَ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ، وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ صَارَ هَاهُنَا أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْوَصْفُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً، كَمَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ أَوْ حُكْمًا لِحَقِّ الْبَائِعِ كَمَا إذَا حَدَثَ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لِحَقِّ الشَّارِعِ كَمَا إذَا خَاطَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَكُونُ لِلْوَصْفِ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا صَارَ أَصْلًا وَوَجَدَهُ نَاقِصًا ثَبَتَ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ أَوْ لِفَوْتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ. (وَ) فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَخَذَ (الْأَكْثَرَ بِالْأَكْثَرِ أَوْ فَسَخَ) لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ لَزِمَهُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرَ فَكَانَ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَيَتَحَيَّرُ، فَلَوْ أَخَذَهُ بِالْأَقَلِّ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأُولَى أَوْ تَرَكَ، وَقَالَ هَاهُنَا أَوْ فَسَخَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ نَاقِصًا فِي الْأُولَى لَمْ يُوجَدْ الْمَبِيعُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ حَقِيقَةً وَكَانَ أَخْذُ الْأَقَلِّ بِالْأَقَلِّ كَالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي، وَفِي الثَّانِيَةِ وُجِدَ الْمَبِيعُ مَعَ زِيَادَةٍ هِيَ تَابِعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتَدَبَّرْ. (وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ الْمَذْرُوعَ (عَشَرَةً وَنِصْفًا أَوْ تِسْعَةً وَنِصْفًا أَخَذَهُ فِي الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) هِيَ مَا إذَا وَجَدَهُ أَقَلَّ (قَوْلُهُ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ) هِيَ مَا إذَا وَجَدَهُ أَكْثَرَ

[فصل بعض الأصول في البيع]

بِعَشَرَةٍ بِلَا خِيَارٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِتِسْعَةٍ بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِأَحَدَ عَشَرَ بِالْخِيَارِ وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ بِهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ بِالْخِيَارِ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ بِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةُ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهَا، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِبَدَلٍ نَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ، وَقَدْ انْتَقَصَ وَلَهُ أَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ، فَإِذَا عُدِمَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ وَقِيلَ فِي الْكِرْبَاسِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَوْزُونِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ فَيَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ (وَإِنْ زَادَهُ) أَيْ الْقَيْدَ الْمَذْكُورُ (فِي بَيْعِ الْمُتَفَاوِتِ صَحَّ فِي الْأَقَلِّ بِقَدْرِهِ وَخُيِّرَ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهَا ثَمَنًا كَانَ كُلٌّ مِنْهَا مَبِيعًا فَصَحَّ فِي الْعَدَدِ الْمَوْجُودِ وَلَكِنَّهُ خُيِّرَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ (وَفَسَدَ فِي الْأَكْثَرِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ زَائِدًا تَبْقَى الْجَهَالَةُ فِي الْمَرْدُودِ الْمُتَفَاوِتِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ (صَحَّ بَيْعُ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ دَارٍ) إجْمَاعًا (لَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا جَائِزٌ ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِجَوَازِ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ تَعْلِيلِهِمَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَا لِأَنَّ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ عُشْرُ الدَّارِ فَأَشْبَهَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ لَا عَلَى شَائِعٍ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِخَشَبَةِ يُذْرَعُ بِهَا وَاسْتُعِيرَ هَاهُنَا لِمَا يَحِلُّهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَا مُشَاعٌ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُذْرَعَ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ مَا يُحِلُّهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَكِنَّهُ مَجْهُولُ الْمَوْضِعِ بَطَلَ الْعَقْدُ (وَلَا ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ، فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ) بِسُكُونِ الرَّاءِ (وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْمَرْوِيِّ شَرْطَ جَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ وَاشْتِرَاطُ قَبُولِ الْمَعْدُومِ فِي الْعَقْدِ يُفْسِدُهُ (فَصْلٌ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا أُصُولًا: الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ اسْمَ الْمَبِيعِ عُرْفًا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ صَرِيحًا وَالثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ كَانَ تَابِعًا لَهُ دَاخِلًا فِي الْمَبِيعِ وَمَا لَا فَلَا قَالُوا إنَّ مَا وُضِعَ لَأَنْ يَفْصِلَهُ الْبَشَرُ بِالْآخِرَةِ لَيْسَ بِاتِّصَالِ قَرَارٍ وَمَا وُضِعَ لَا لَأَنْ يَفْصِلَهُ فَهُوَ اتِّصَالُ قَرَارٍ، وَالثَّالِثُ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ إنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَمَرَافِقِهِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِذِكْرِهَا وَإِلَّا فَلَا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ (لَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ بِشِرَاءِ بَيْتٍ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ بِمَرَافِقِهِ وَبِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ (وَلَا) يَدْخُلُ الْعُلُوُّ أَيْضًا بِشِرَاءِ (مَنْزِلٍ إلَّا بِهِ) أَيْ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ اسْمٌ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ إذْ يَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى بِنَوْعِ قُصُورٍ بِانْتِفَاءِ مَنْزِلِ الدَّوَابِّ فِيهِ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِدُونِهِ (وَيَدْخُلُ هُوَ) أَيْ الْعُلُوُّ (وَالْبِنَاءُ وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُتَّصِلٍ) بِبَابِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَهُوَ الْقُفْلُ فَإِنَّهُ وَمِفْتَاحَهُ لَا يَدْخُلَانِ بِهَذَا الْقَيْدِ (وَالْكَنِيفُ بِشِرَاءِ دَارٍ بِحُدُودِهَا بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ ذَلِكَ الْقَيْدِ أَمَّا الْعُلُوُّ فَلِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْعُلُوُّ مِنْهَا، وَكَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَهُ) يَعْنِي بِهِ الْإِمَامَ وَهُوَ دَلِيلُ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْمُتَفَاوِتِ) يَعْنِي كَمَا إذَا بَاعَ عِدْلًا. [فَصْلٌ بَعْض الْأُصُول فِي الْبَيْعِ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَمِفْتَاحُ غَلَقٍ مُتَّصِلٍ وَالْكَنِيفُ بِشِرَاءِ دَارٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا يَنْبَغِي بِشِرَاءِ بَيْتٍ وَمَنْزِلٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِيهِمَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي شِرَاءِ الْبَيْتِ وَلَمَّا كَانَتْ الدَّارُ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ فَيُتَوَهَّمُ عَدَمُ دُخُولِ الْبِنَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ فِيهَا فَدَخَلَ ذَلِكَ ضَرُورَةً، وَأَمَّا الْبَيْتُ وَالْمَنْزِلُ فَحَقِيقَتُهُمَا لَا تَكُونُ إلَّا بِالْبِنَاءِ فَلَا احْتِيَاجَ لِذِكْرِهِ وَالنَّصِّ عَلَى دُخُولِهِ

الْبِنَاءُ، وَأَمَّا الْمِفْتَاحُ فَلِأَنَّ الْغَلَقَ الْمُتَّصِلَ جُزْءٌ مِنْهَا وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْغَلَقِ بِلَا تَسْمِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِهِ، وَالْقُفْلُ وَمِفْتَاحُهُ لَا يَدْخُلَانِ وَالسُّلَّمُ الْمُتَّصِلُ بِالْبِنَاءِ يَدْخُلُ وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ لَا غَيْرُ الْمُتَّصِلِ وَالسَّرِيرُ كَالسُّلَّمِ كَذَا فِي الْكَافِي (لَا) أَيْ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ (الظُّلَّةُ وَالطَّرِيقُ وَالشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ إلَّا بِهِ) أَمَّا الظُّلَّةُ فَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ وَالْمَشْرَبُ وَالْمَسِيلُ فَلِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْحُدُودِ وَلَكِنَّهَا مِنْ الْحُقُوقِ فَتَدْخُلُ بِذِكْرِهَا وَتَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا ذِكْرِهَا؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ (وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ) وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ (لَا الزَّرْعُ) إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ (بِشِرَاءِ الْأَرْضِ) لِأَنَّ الشَّجَرَ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْقَرَارِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ، وَالزَّرْعُ مُتَّصِلٌ بِهِ لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ مَتَاعًا فِيهَا (وَلَا الثَّمَرُ بِشِرَاءِ شَجَرَةٍ) لِأَنَّ الِاتِّصَالَ، وَإِنْ كَانَ خِلْقِيًّا فَهُوَ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ (إلَّا بِكُلِّ مَا فِيهَا أَوْ مِنْهَا) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمَبِيعِ (لَا بِحُقُوقِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا (لَا يَصِحُّ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ بَقْلًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْتَفَعٍ بِهِ وَتَابِعٌ لِلْأَرْضِ فَيَكُونُ كَالْوَصْفِ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ، وَإِنْ بَاعَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا الرَّطْبَةُ وَالْبُقُولُ (وَبَعْدَهَا يَصِحُّ إنْ شَرَطَ تَخْلِيَةَ الْمُشْتَرِي) أَيْ تَخْلِيَةَ أَرْضِ الْبَقْلِ بِأَنْ يَقْطَعَهُ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ فَتَأْكُلَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا يُفْسِدُهُ (وَيَجُوزُ بَيْعُ حِصَّتِهِ مِنْ شَرِيكِهِ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ كَالْأَصْلِ لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِمَا (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً بَلَغَ أَوَانَ الْحَصَادِ أَوْ لَا (وَمِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ لَمْ يَفْسَخْ إلَى الْحَصَادِ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ كَمَا إذَا بَاعَ الْجِذْعَ فِي السَّقْفِ وَلَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ حَتَّى أَخْرَجَهُ وَسَلَّمَهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَرْضُ وَالزَّرْعُ مُشْتَرَكًا فَبَاعَ نِصْفَ الْأَرْضِ مَعَ نِصْفِ الزَّرْعِ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ رِضَا شَرِيكِهِ جَازَ وَقَامَ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ، ثُمَّ بَيْعُ نِصْفِ الزَّرْعِ بِدُونِ الْأَرْضِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ حَقُّ الْقَرَارِ فِيهِ بِأَنْ زَرَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الزِّرَاعَةِ كَالْغَاصِبِ فَجَازَ بَيْعُ النِّصْفِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (كَذَا مُنْفَرِدٌ بَاعَ كُلَّهُ) أَيْ جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَفْسَخْ إلَى الْحَصَادِ إذْ حِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ (بَاعَ سَمَكَةً فِيهَا دُرَّةٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ) يَعْنِي اصْطَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ فَمَلَكَ السَّمَكَةَ وَالدُّرَّةَ لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا فَلَوْ بَاعَ السَّمَكَةَ لَمْ تَدْخُلْ الدُّرَّةَ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَائِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فِي بَابِ الرِّكَازِ (صَحَّ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ وَالْبَاقِلَّا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْقَصْرِ وَإِذَا قُلْت الْبَاقِلَاءُ بِالْمَدِّ خَفَّفَتْ اللَّامَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (وَالْأُرْزِ وَالسِّمْسِمِ فِي قِشْرِهَا الْأَوَّلِ) ، وَكَذَا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَهُ فِي بَيْعِ السُّنْبُلَةِ قَوْلَانِ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ. لَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فَأَشْبَهَ تُرَابَ الصَّاغَةِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهَى وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ خِلَافُ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ نَهَى فَإِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ الَّتِي يَقْتَضِيهَا النَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ هِيَ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَصْلِ مَعَ عَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا غَيْرُ الْمُتَّصِلِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ السُّلَّمُ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا (قَوْلُهُ لَا أَيْ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ الظُّلَّةُ إلَى قَوْلِهِ إلَّا بِهِ) أَقُولُ وَكَذَا ظُلَّةُ الْحَانُوتِ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَرَافِقَ لَا تَدْخُلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ) أَقُولُ وَلَوْ غَيْرَ مُثْمِرٍ أَوْ صَغِيرًا فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَمَا كَانَ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ مِنْ الْكُرَّاثِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى سِنِينَ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرِ لَا مَا كَانَ ظَاهِرًا كَمَا فِي الْقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَلَا الثَّمَرُ) أَقُولُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْوَرْدُ وَوَرَقُ التُّوتِ وَالْآسُ وَنَحْوُهَا كَالثِّمَارِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا يَصِحُّ) يَعْنِي بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ بَقْلًا (قَوْلُهُ كَذَا مُنْفَرِدٌ بَاعَ كُلَّهُ أَيْ جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَفْسَخْ إلَى الْحَصَادِ. . . إلَخْ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا قَدَّمَهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ الزَّرْعِ إذَا صَارَ بَقْلًا (قَوْلُهُ صَحَّ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ حَبِّ الْقُطْنِ وَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَنَوَى تَمْرٍ بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ إطْلَاقِ اسْمِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ التَّمْرِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقُطْنِ لَا يُقَالُ هَذَا بِزْرٌ بَلْ بِطِّيخٌ، وَكَذَا الْبَاقِي فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَمَّا الْحِنْطَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي سُنْبُلِهَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ حِنْطَةٌ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُبُوبِ فِي سَنَابِلِهَا يُقَالُ هَذِهِ ذُرَةٌ وَهَذَا أَرْزٌ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ تَخْلِيصُهُ مِنْ سُنْبُلِهِ بِدِيَاسَةٍ وَتَدْرِيَةٍ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

[باب خيار الشرط والتعيين]

مَشْرُوعِيَّةِ الْوَصْفِ وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ فَالدَّلِيلُ يُفِيدُ خِلَافَ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالدَّلِيلُ يُفِيدُ فَسَادَهُ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ الْغَايَةَ عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ لَا الْمَفْهُومِ، أَوْ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ إنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) صَحَّ بَيْعُ (ثَمَرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَالًا أَوْ مَآلًا (وَلَزِمَ) عَلَى الْمُشْتَرِي (قَطْعُهَا) إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ (وَشَرْطُ إبْقَائِهَا) عَلَى الشَّجَرِ حَالَ الْبَيْعِ (يُفْسِدُهُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي (وَجَدَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (زُيُوفًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ وَحَبْسُهَا بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ يَعْنِي إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فَلَهُ حَقُّ حَبْسِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهَا، فَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ فَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ زُيُوفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ. وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ (قَبَضَ زُيُوفًا بَدَلَ الْجِيَادِ) يَعْنِي كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٍ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جِيَادٌ فَأَتْلَفَهَا (ثُمَّ عَلِمَ) أَنَّهَا زُيُوفٌ (إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً سَوَاءٌ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً (فَلَا) أَيْ لَا يَرُدُّ وَلَا يَسْتَرِدُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الرِّبَا، وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ لِعَدَمِ رِضَاهُ فَكَانَ النَّظَرُ فِيمَا عَيَّنَاهُ، وَلَهُمَا أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ حَصَلَ بِقَبْضِ جِنْسِ حَقِّهِ، وَبَعْدَ الْعِلْمِ حَقُّهُ فِي فَسْخِ ذَلِكَ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِهَلَاكِ مَا بِهِ حَصَلَ الْقَضَاءُ إنَّمَا قَالَ زُيُوفًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً تُرَدُّ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ عَلِمَ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عِنْدَ الْقَبْضِ أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ سَقَطَ حَقُّهُ (اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) يَعْنِي اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ مُفْلِسًا فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ يَقْتَسِمُونَهُ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ قَبَضَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ اتِّفَاقًا. (بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ) اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ تَارَةً يَكُونُ لَازِمًا وَأُخْرَى غَيْرَ لَازِمٍ، وَاللَّازِمُ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَغَيْرُ اللَّازِمِ مَا فِيهِ الْخِيَارُ وَلِكَوْنِ اللَّازِمِ أَقْوَى قَدَّمَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مُخَيَّرًا بَيْنَ قَبُولِ أَصْلِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ وَأَرَادَ بِالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَيًّا شَاءَ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَاقِي الْخِيَارَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ، ثُمَّ ذَكَرَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَأَخَّرَ خِيَارَ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ أَنْوَاعٌ: فَاسِدٌ وِفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَبَدًا، وَجَائِزٌ وِفَاقًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ (جَازَ) أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ (لِلْمُتَبَايِعَيْنِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (مَعًا) فَلَا يُوجَدُ الْبَيْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَأَتْلَفَهَا) لَفْظَةٌ زَائِدَةٌ بِحَذْفِهَا تَسْتَقِيمُ الْعِبَارَةُ إذْ لَا يَصِحُّ مَعَهَا قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ الْمُتْلَفِ. [بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ] (قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مُخَيَّرًا بَيْنَ قَبُولِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ) أَقُولُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْفَسْخِ عِنْدَنَا لَا الْإِجَازَةِ فَإِذَا فَاتَ الْفَسْخُ لَزِمَ الْعَقْدُ. وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْإِجَازَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَتْ الْإِجَازَةُ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَاقِي الْخِيَارَاتِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ) أَقُولُ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ فَمَنْعُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً فِيهِ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ حَدُّ مَا فِيهِ التَّعْيِينُ غَيْرُ مَمْنُوعِ الْحُكْمِ، غَايَتُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ فَمُسَلَّمٌ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ فَاسِدٌ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ أَيَّامٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَك إقَالَةُ هَذَا الْبَيْعِ اهـ ثُمَّ قَالَ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا) أَقُولُ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنْ يَصِحَّ وَيُصْرَفَ إلَيْهَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ وَصَرْفًا عَنْ إلْغَائِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ فَلَا يُوجَدُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَرْضَيَا) أَقُولُ لَوْ قَالَ فَلَمْ يَلْزَمْ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَرْضَيَا لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ.

مَا لَمْ يَرْضَيَا (وَلِأَحَدِهِمَا وَلِغَيْرِهِمَا) كَمَا سَيَأْتِي (إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أَيْ إلَى آخِرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ «إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ لَكِنَّهُ جُوِّزَ بِهَذَا النَّصِّ الدَّالِ عَلَى الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِلَفْظِ بَايَعْت عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ (لَا أَكْثَرَ) ، وَقَالَا يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً (وَإِنْ أَجَازَ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (فِيهَا) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (جَازَ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ (إنْ شَرَى) لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْفَاءِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْوِقَايَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُوَرِ خِيَارِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ بَلْ أَوْرَدَهُ عَقِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ مَعْنًى (عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ وَإِلَى أَكْثَرَ لَا إلَّا أَنْ يَنْقُدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ) قَالُوا لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ، وَدَفَعَهُ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَدَمُ جَوَازِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى مَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيهَا أَيْضًا جَوَازُ إلْحَاقِ حُكْمٍ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَبِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ. (وَلَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ) لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا يَتِمُّ مَعَ الْخِيَارِ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ نَفَذَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ (فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ) فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (ضَمِنَ قِيمَتَهُ) لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ هَلَكَ عَلَيْهِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ (وَيَخْرُجُ) الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ (بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي جَانِبِهِ بِانْتِفَاءِ الْخِيَارِ (فَإِنْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (ضَمِنَ الثَّمَنَ) فَإِنَّ الْهَلَاكَ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَإِذَا امْتَنَعَ لَزِمَ الْعَقْدُ وَتَمَّ فَيَلْزَمُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لَهُ يَهْلِكُ، وَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ كَمَا مَرَّ فَيَلْزَمُ الْقِيمَةُ (وَلَا يَمْلِكُهُ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، وَقَالَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَانَ مِلْكًا بِلَا مَالِكٍ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَلَهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ حُكْمًا بِالْمُعَاوَضَةِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ، وَرُجِّحَ هَذَا بِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ لَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَرِيبَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ (وَلَهُ) أَيْ لِعَدَمِ تَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ (فُرُوعٌ: الْأَوَّلُ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَقِيَ النِّكَاحُ) لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُزِيلِ لَهُ (الثَّانِي إنْ وَطِئَهَا) أَيْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ زَوْجَتَهُ (جَازَ لَهُ رَدُّهَا) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ أَجَازَ فِيهَا جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ابْتِدَاءً إذْ الظَّاهِرُ دَوَامُ الشَّرْطِ وَعِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَبِالْإِسْقَاطِ قِيلَ الرَّابِعُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ وَيَخْرُجُ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ أَصْلًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ جَانِبِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ اهـ

بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِيَمْتَنِعَ الرَّدُّ (إلَّا فِي الْبِكْرِ) لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُبْطِلُ الرَّدَّ (الثَّالِثُ إنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا وَالْعِتْقُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ كَذَا) أَيْ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا (مَنْ شَرَاهُ قَائِلٌ إنْ مَلَكْتُ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ) لِعَدَمِ وُقُوعِ الشَّرْطِ (الْخَامِسُ حَيْضُهَا فِي الْمُدَّةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَثْبُتْ (السَّادِسُ إنْ رُدَّتْ الْأَمَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِهِ) أَيْ بِالْخِيَارِ (عَلَى الْبَائِعِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ) إذْ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي لِيَتَجَدَّدَ الْمِلْكُ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ (السَّابِعُ مَنْ وَلَدَتْ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) يَعْنِي إنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ فَوَلَدَتْ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي فَيَمْلِكُ الرَّدَّ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي يَدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ (الثَّامِنُ أَنَّهُ) أَيْ الْمَبِيعَ بِالْخِيَارِ (يَهْلِكُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ وَأَوْدَعَهُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ (التَّاسِعُ بَقِيَ خِيَارُ مَأْذُونٍ شَرَى وَأَبْرَأَهُ بَائِعُهُ عَنْ ثَمَنِهِ فِي الْمُدَّةِ) أَيْ إنْ اشْتَرَى عَبْدٌ مَأْذُونٌ شَيْئًا بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ بَائِعُهُ عَنْ ثَمَنِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَقِيَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ رَدُّهُ فِي الْمُدَّةِ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمَلُّكِ وَلِلْمَأْذُونِ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ فَلَهُ وِلَايَةُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ (الْعَاشِرُ بَطَلَ شِرَاءُ ذِمِّيٍّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا بِالْخِيَارِ إنْ أَسْلَمَ) لِئَلَّا يَتَمَلَّكَهَا مُسْلِمًا بِإِسْقَاطِ خِيَارِهِ. (وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ) سَوَاءً كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِجَازَةَ (يُجِيزُ بِلَا عِلْمِ صَاحِبِهِ وَلَا يَنْقُضُ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ عِلْمِهِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَهُ النَّقْضُ أَيْضًا بِدُونِهِ كَالْإِجَازَةِ وَلِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ بِلَا عِلْمِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَهُمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِالرَّفْعِ وَلَا يَعْرَى عَنْ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ جَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ الْمُشْتَرِي تَمَامَ الْعَقْدِ فَيَتَصَرَّفَ فِيهِ فَيَلْزَمَهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي جَازَ أَنْ لَا يَطْلُبَ الْبَائِعُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا وَهَذَا نَوْعُ ضَرَرٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ إذْ لَا إلْزَامَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ فِيهَا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ، كَيْفَ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ لِكَوْنِ الْعَقْدِ غَيْرَ لَازِمٍ وَعُورِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ إلْزَامِ الضَّرَرِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَلَكِنْ عِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالنَّقْضِ لَرُبَّمَا اخْتَفَى مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَرَضِيٌّ بِهِ مِنْهُ حَيْثُ تَرَكَ الِاسْتِيثَاقَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ مَخَافَةَ الْغَيْبَةِ (وَإِنْ نَقَضَ الْعَقْدَ) مَنْ لَهُ الْخِيَارُ (فَلَوْ عَلِمَهُ) أَيْ عَلِمَ الْآخَرُ النَّقْضَ (فِي الْمُدَّةِ انْتَقَضَ) الْعَقْدُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فِي الْمُدَّةِ بَلْ بَعْدَهَا (تَمَّ الْعَقْدُ) لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ. (وَلَا يُورَثُ هَذَا) أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْوَارِثِ كَمَا كَانَ يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمُوَرِّثِ حَالَ حَيَاتِهِ، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَمَاتَ مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَا يُنَازِعُهُ وَارِثُ الْبَائِعِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَمَاتَ مَلَكَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي بِلَا خِيَارٍ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَمْلِكُهُ الْوَارِثُ وَالْمُوَرِّثُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا؟ قُلْت الْعَقْدُ الْمُوجِبُ لِلْمِلْكِ كَانَ مَوْجُودًا فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ الْخِيَارَ كَانَ مَانِعًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا فِي الْبِكْرِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ عَذْرَاءَ فَأَزَالَ عُذْرَتَهَا. (قَوْلُهُ وَلَا يُنْقَضُ بِدُونِهِ أَيْ بِدُونِ عِلْمِهِ) أَقُولُ هَذَا إذَا نُقِضَ بِالْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَهُ النَّقْضُ أَيْضًا بِدُونِهِ) أَقُولُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي النَّقْضِ بِالْقَوْلِ أَمَّا النَّقْضُ بِالْفِعْلِ كَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَتَوَابِعِهِ وَالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِشَهْوَةٍ ضِمْنِيٌّ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ) الْوَاوُ تَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ تَثْبُتْ وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَتَأَمَّلْ.

فَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ ظَهَرَ أَثَرُ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ فَتَدَبَّرْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْبَيْعِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ وَهُوَ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ يَبْقَى الْخِيَارُ، وَلَنَا أَنَّ الْإِرْثَ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ وَالْخِيَارُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ وَلَا إرْثَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ لِمَا سَيَأْتِي (وَلَا) يُورَثُ أَيْضًا (خِيَارُ الرُّؤْيَةِ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الرَّدُّ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ لَهُ (وَ) لَا خِيَارُ (التَّعْيِينِ) لِمَا ذَكَرَ بَلْ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَتَمَّ (وَ) لَا خِيَارُ (الْعَيْبِ) بَلْ الْمَوْرُوثُ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَالِمًا فَكَذَا الْوَارِثُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَلِهَذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَرِّثِ (شَرَطَ) أَيْ الْخِيَارَ (أَحَدُهُمَا) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ (لِغَيْرِهِمَا) جَازَ (فَأَيٌّ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَالْغَيْرِ (أَجَازَ أَوْ نَقَضَ صَحَّ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ لِلْغَيْرِ كَالثَّمَنِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْخِيَارَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ يَثْبُتُ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ فَيُقَدَّمُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ اقْتِضَاءً فَيُجْعَلُ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ. (وَفِي إجَازَةِ أَحَدِهِمَا) مِنْ الْأَصِيلِ وَالنَّائِبِ (وَنَقْضِ الْآخَرِ الْأَوَّلُ أَوْلَى) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ فِيهِ. (وَفِي الْمَعِيَّةِ) أَيْ إنْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَسْتَفِيدُ التَّصَرُّفَ مِنْهُ، وَتَصَرُّفُ النَّاقِضِ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ النَّقْضُ وَالْمَنْقُوضُ لَا يَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ (النَّقْضُ) أَوْلَى كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ مَعَ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا اجْتَمَعَا كَانَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ بِلَا عَكْسٍ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيهِ إذْ الْفَسْخُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْإِجَازَةُ تُوجِبُ الْإِبَاحَةَ وَالْمُحَرِّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ. (بَاعَ عَبْدَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا إنْ فَصَّلَ) أَيْ الثَّمَنَ (وَعَيَّنَ) أَيْ مَحَلَّ الْخِيَارِ (صَحَّ) أَيْ الْعَقْدُ (وَإِلَّا فَلَا) وَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يَفْصِلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيِّنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَبَقِيَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَثَانِيهَا أَنْ يَفْصِلَ الثَّمَنَ وَيُعَيِّنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ جَائِزٌ لِكَوْنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعْلُومَيْنِ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَفْصِلَ وَلَا يُعَيِّنَ، وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ فِيهِمَا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اشْتَرَى كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَبْدًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ صَحَّ فَصَلَ الثَّمَنَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَتَفَاوَتُ فَقِيمَتُهُ أَيْضًا لَا تَتَفَاوَتُ، فَإِذَا كَانَ ثَمَنُ الْكُلِّ مَعْلُومًا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ أَيْضًا مَعْلُومًا فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ إذْ الشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَذَا فِي الْكَافِي. (وَصَحَّ التَّعْيِينُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ) وَهَذَا خِيَارُ التَّعْيِينِ يَعْنِي اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيُّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ جَازَ، وَكَذَا الثَّلَاثَةُ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً فَسَدَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ إذْ الْجَوَازُ ثَمَّةَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّأَمُّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا خِيَارُ التَّعْيِينِ وَلَا خِيَارُ الْعَيْبِ) أَقُولُ نَفْيُ الْإِرْثِ فِي هَذَيْنِ الْخِيَارَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ كَلِمَتَهُمْ مِنْ أَنَّ الْإِرْثَ جَارٍ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ وَالْعَيْبِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَشَرَطَهُ أَحَدُهُمَا لِغَيْرِهِمَا جَازَ) أَقُولُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِأَحَدِهِمَا بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَشْرِطَهُ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ النَّقْضُ أَوْلَى) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْكَافِي) أَقُولُ وَفِي التَّبْيِينِ مَعَ زِيَادَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ يَعْنِي اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ فِي الْجَمِيعِ ابْتِدَاءً. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَيًّا شَاءَ اهـ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا صَوَّرَ بِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَالصَّوَابُ مَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبُرْهَانُ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَالْآخَرَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِقَبْضِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ اهـ. وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ.

لِيَخْتَارَ الْأَرْفَقَ وَالْأَوْفَقَ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلِذَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ فَجُوِّزَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تُوجِبُ الْفَسَادَ إذَا كَانَتْ مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ، وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَهِيَ لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فَيَخْتَارُ أَيًّا شَاءَ وَيَرُدُّ الْآخَرَ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فِي الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ النِّزَاعُ لَكِنْ لَمْ تُوجَدْ الْحَاجَةُ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمَا. (اشْتَرَيَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ) يَعْنِي اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا لَهُ الرَّدُّ (وَكَذَا خِيَارُ الْعَيْبِ) يَعْنِي اشْتَرَيَا عَبْدًا فَظَهَرَ عَيْبُهُ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ (وَالرُّؤْيَةِ) يَعْنِي اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ فَرَآهُ أَحَدُهُمَا فَرَضِيَ لَا الْآخَرُ فَإِنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَطَلَ هَذَا بِإِبْطَالِ الْآخَرِ خِيَارَهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، وَلَهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ خِيَارُهُمَا لَا خِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالرَّدِّ. أَقُولُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْخِيَارَ تَصَرُّفٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ إذَا فُوِّضَ إلَى رَجُلَيْنِ لَا يَسْتَقِلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِيهِ كَالْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا رَأْيِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ بَلْ تَعْبِيرٍ مَحْضٍ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِيهِ سَوَاءٌ. (وَيُبْطِلُهُ) أَيْ خِيَارَ الشَّرْطِ (الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دَارًا) مَفْعُولُ الْأَخْذِ (بِيعَتْ) صِفَةُ دَارٍ (بِجَنْبِ) حَالٌ مِنْ دَارٍ أَوْ صِفَةٌ لَهَا (مَا شُرِطَ) الْخِيَارُ (فِيهِ) وَهِيَ الدَّارُ الْمُشْتَرَاةُ يَعْنِي مَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ وَهُوَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ بِالِاسْتِنَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَوَازَ كَانَ ثَابِتًا، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ الْأُولَى بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَلَوْ عَرَضَ عَلَى بَيْعٍ لَا يَبْطُلُ أَيْضًا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ خِيَارَ الشَّرْطِ سَقَطَ الْخِيَارُ، وَلَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَ) يُبْطِلُهُ أَيْضًا (تَعَيُّبُهُ) أَيْ تَعَيُّبُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ (بِمَا) أَيْ بِعَيْبٍ (لَا يَرْتَفِعُ) كَقَطْعِ يَدِهِ فَإِنَّ الرَّدَّ حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ حَتَّى لَوْ مَرِضَ وَزَالَ جَازَ رَدُّهُ (وَيُبْطِلُهُ) أَيْضًا (مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ إلَّا فِيهَا كَالْمُخَيَّرَةِ فِي وَقْتٍ مُقَدَّرٍ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ مُضِيِّهِ (وَ) يُبْطِلُهُ أَيْضًا (تَصَرُّفٌ لَا يُفْسَخُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ) تَصَرُّفٌ (لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ أَوْ) تَصَرُّفٌ (لَا يَنْفُذُ إلَّا فِيهِ) أَيْ فِي الْمِلْكِ (كَالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ) قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ نَعَمْ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَصْوِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي جَامِعِهِ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ) هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ يَعْنِي الْجَامِعَ الْكَبِيرَ وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الصُّورَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا قَيْدًا وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُجَاعٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ. . . إلَخْ) أَقُولُ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ فِيهِ يُفِيدُ لُزُومَ الْعَقْدِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي خِيَارِ التَّعْيِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِدُونِ تَعَيُّنِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِشَرْطِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ. اهـ. أَقُولُ نَفْيُ الزَّيْلَعِيِّ مَعْنَى خِيَارِ التَّوْقِيتِ وَفَائِدَتَهُ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِ الْخِيَارِ مُسَلَّمٌ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرَ، أَمَّا سَلْبُ الْمَعْنَى وَالْفَائِدَةِ عَنْهُ أَصْلًا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ لَهُ مَعْنًى وَفَائِدَةٌ هُمَا دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَطْلِ الْمُشْتَرِي التَّعْيِينَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فَيَفُوتُ عَلَى الْبَائِعِ نَفْعُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ اهـ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا شَرَطَ خِيَارَ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا قَالُوا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ.

[باب خيار الرؤية]

أَوْ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا دَلِيلُ اخْتِيَارِ الْمِلْكِ وَاسْتِبْقَائِهِ (لَا اللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ مَرَّةً) وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ وَالتَّجْرِبَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ (اشْتَرَى بِالْخِيَارِ إلَى الْغَدِ دَخَلَ) أَيْ الْغَدُ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْغَدِ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَى الظُّهْرِ أَوْ اللَّيْلِ دَخَلَ الظُّهْرُ وَاللَّيْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَهُمَا لَا يَدْخُلُ؛ لِأَنَّ الْغَدَ وَنَحْوَهُ جُعِلَ غَايَةً وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا لَا تَدْخُلُ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَوْمَ سَاعَةٍ، فَإِذَا قِيلَ إلَى اللَّيْلِ مَدَّ الْحُكْمَ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ وَإِذَا كَانَتْ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا يَبْقَى مَوْضِعُ الْغَايَةِ دَاخِلًا كَمَا فِي الْمَرَافِقِ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْأَيْدِي يَنْتَظِمُ الْآبَاطُ، وَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا فَبَقِيَ مَوْضِعُ الْغَايَةِ دَاخِلًا، وَهُنَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَبَتَ الْخِيَارُ مُؤَبَّدًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فَأَسْقَطَتْ الْغَايَةُ مَا وَرَاءَهَا، بِخِلَافِ التَّأْجِيلِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا إلَى رَمَضَانَ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ، فَإِنْ أَطْلَقَ التَّأْجِيلَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك مُؤَجَّلًا وَلَمْ يُؤَقِّتْهُ لَا يَتَأَبَّدْ بَلْ يُصْرَفُ إلَى نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ وَبِالشَّهْرِ يُفْتَى فَكَانَتْ الْغَايَةُ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَلَمْ تَدْخُلْ (وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ فِي الْخِيَارِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْعَاقِدَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يُنْكِرُهُ مَعَ الْيَمِينِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ مِنْ الْعَوَارِضِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِمَنْ يَنْفِيهِ كَمَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ (وَالْمُضِيِّ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكَرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا السُّقُوطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ (وَالزِّيَادَةِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي أَخْصَرَ الْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي زِيَادَةَ شَرْطٍ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ. (اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ خَبْزِهِ أَوْ كَتْبِهِ وَوَجَدَهُ بِخِلَافِهِ أَخَذَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ تَرَكَهُ) لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخَيُّرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ دُونَهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ قَدْرَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَبَّازِ وَالْكَاتِبِ فَحِينَئِذٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَبُولِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ الرَّدِّ إذَا لَمْ يُمْنَعْ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ (كَشِرَاءِ شَاةٍ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ) وَلَمْ تُوجَدْ كَذَلِكَ (فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ) لِمَا ذَكَرَ (بِخِلَافِ شِرَائِهَا عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ كَذَا رَطْلًا) حَيْثُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ حَقِيقَةً. (اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَرَدَّ غَيْرَهَا) بَدَلَهَا قَائِلًا (بِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ) فَتَنَازَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ غُيِّرَتْ وَالْمَبِيعَةُ لَيْسَتْ هَذِهِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي التَّغْيِيرَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ (فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ. (وَ) جَازَ (لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّهَا رَضِيَ بِتَمْلِيكِهَا مِنْ الْبَائِعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ. (بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) (جَازَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِمَا لَمْ يَرَيَاهُ) أَيْ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ شَيْئًا مَلَكَهُ وَلَمْ يَرَهُ كَمَا إذَا وَرِثَهُ، وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقِيلَ لِطَلْحَةَ إنَّكَ قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ وَقِيلَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ خَبْزِهِ أَوْ كَتْبِهِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ يَفْسُدُ (قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُمْنَعْ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ) أَقُولُ وَإِذَا مُنِعَ يُقَوَّمُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ وَيُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِنِسْبَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ كَشِرَاءِ شَاةٍ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ. . . إلَخْ) . أَقُولُ عَدَمُ الْفَسَادِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَيَفْسُدُ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ [بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ] ثَبَتَ حُكْمًا لَا بِالشَّرْطِ وَهُوَ مَانِعٌ تَمَامَ الْحُكْمِ وَهُوَ لُزُومُ الْمِلْكِ وَلَا يَتَوَقَّتُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ جَازَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِمَا لَمْ يَرَيَاهُ) يَعْنِي إنْ أُشِيرَ إلَى الْمَبِيعِ مَسْتُورًا أَوْ مَكَانِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ تَسْمِيَةِ الْمَبِيعِ لِتَنْتَفِيَ الْجَهَالَةُ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ.

إنَّكَ قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (حَضَرَ) أَيْ سَوَاءٌ حَضَرَ (الْمَبِيعُ) الْغَيْرُ الْمَرْئِيِّ (فِي الْمَجْلِسِ) بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ بُرًّا فِي جُوَالِقٍ أَوْ دُرَّةً فِي حُقَّةٍ أَوْ ثَوْبًا فِي كُمٍّ أَوْ جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَرَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْهُ (أَوْ غَابَ) الْمَبِيعُ عَنْ الْمَجْلِسِ (وَأُشِيرَ إلَى مَكَانِهِ الْخَالِي عَنْ سَمِيِّهِ) أَيْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهُ (وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ. (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) إذَا لَمْ يَرَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ الْمُجَوِّزَةُ بِلَا قَيْدِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يُزَادُ قَيْدُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَالنَّسْخِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ إذَا أَفْضَتْ إلَى النِّزَاعِ كَمَا فِي شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُفْضِ إلَيْهِ فَلَا كَقَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ، وَالْجَهَالَةُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَيْهِ إذْ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايَنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ ذُرْعَانِهِ (وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا) يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت، ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا كَذَا قَالُوا. أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَهُ حَرْفُ الشَّرْطِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا بِمَعْنَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ بِالرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَزِمَ امْتِنَاعُ الْخِيَارِ عِنْدَهَا وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَمَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ كَانَ بَاطِلًا (دُونَ الْبَائِعِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَضَاءِ جُبَيْرِ ابْنِ مُطْعِمٍ (وَلَا يَتَوَقَّتُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِخِيَارٍ مُطْلَقٍ لِلْمُشْتَرِي فَالتَّوْقِيتُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مُبْطِلُهُ. (وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُعَاوَضَةٌ (وَكَفَى رُؤْيَةُ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ) فَإِنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ لَازِمٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ، فَإِنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ، اُكْتُفِيَ بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ لَزِمَ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِهِ) الْمُرَادُ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْمَبِيعِ لَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمُضَارِبِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت، ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ) إنَّمَا صَدَّرَ بِصِيغَةِ يَعْنِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا يَصْدُقُ بِالرِّضَا الْفِعْلِيِّ فَاحْتَرَزَ عَنْهُ بِالْقَوْلِيِّ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنْ أَجَازَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَزُولُ خِيَارُهُ، وَإِنْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَزُولُ، وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ فَجَائِزٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ اهـ. (قَوْلُهُ دُونَ الْبَائِعِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَمْ يَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعَرَضِ ثَبَتَ لِكُلٍّ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعَرَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ وَضْعُ الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ إذْ لَا خِيَارَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنِ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الثَّمَنُ الْعَيْنُ فَفِيهِ الْخِيَارُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَقَّتُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ وَقِيلَ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ إذَا رَآهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الشِّرَاءِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى ضَابِطٍ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مُلِكَتْ بِعَقْدٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَانِ الْخَالِصَةِ لِثُبُوتِ كُلٍّ فِي الذِّمَّةِ وَلَا فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا الْفَسْخَ. اهـ. قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَدَلُ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا) يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ لَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ أَوْعِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي وَفِيمَا رَأَى كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ) أَيْ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) قَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَهُوَ الَّذِي يُعْرَضُ بِالْأُنْمُوذَجِ أَوْ مَعْدُودًا مُتَقَارِبًا كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ تُبْطِلُ الْخِيَارَ فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الصِّفَةِ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَعَلَيْهِ التَّعَارُفُ اهـ. (تَنْبِيهٌ) : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَغِيبًا تَحْتَ الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ بَعْدَ النَّبَاتِ إنْ عُلِمَ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا بَاعَهُ، ثُمَّ قَلَعَ مِنْهُ نَمُوذَجًا وَرَضِيَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَيْلًا كَالْبَصَلِ أَوْ وَزْنًا كَالثُّومِ وَالْجَزَرِ بَطَلَ خِيَارُهُ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلْحَاجَةِ وَجَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِهِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ لَا تُسْقِطُ خِيَارَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ

مُتَقَارِبَةً، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ (كَوَجْهِ الصُّبْرَةِ) لِأَنَّهُ بِهِ يُعْرَفُ حَالُ الْبَقِيَّةِ، وَإِنْ وُجِدَتْ أَرْدَأَ مِنْهُ خُيِّرَ (وَ) وَجْهِ (الرَّقِيقِ) لِأَنَّ الْوَجْهَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْآدَمِيِّ. (وَ) وَجْهِ (الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا) لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فِي الدَّابَّةِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (وَكَضَرْعِ شَاةِ الْقِنْيَةِ) عَطْفٌ عَلَى كَوَجْهِ فَإِنَّهُ أَيْضًا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ (وَظَاهِرِ ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ غَيْرِ مُعَلَّمٍ) لِأَنَّ بِهِ أَيْضًا تُعْرَفُ الْبَقِيَّةُ. (وَ) أَمَّا إذَا كَانَ فِي بَاطِنِهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعَلَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ (مَوْضِعِ عَلَمِهِ مُعَلَّمًا) قَوْلُهُ (وَجَسُّ) عَطْفٌ عَلَى " رُؤْيَةُ " أَيْ كَفَى جَسُّ (شَاةِ اللَّحْمِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّحْمُ يُعْرَفُ بِهِ (وَذَوْقُ مَا يُطْعَمُ) لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ (لَا) أَيْ لَا يَكْفِي (خَارِجَ الدَّارِ أَوْ صَحْنِهَا) بَلْ يَجِبُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ بُيُوتِهَا، وَمَا رُوِيَ مِنْ عَدَمِ الْخِيَارِ لِمَنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ أَوْ خَارِجَهَا فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى عَادَةِ الْقُدَمَاءِ فِي الْأَبْنِيَةِ فَإِنَّ دُورَهُمْ يَوْمئِذٍ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً فَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ كَانَ يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ (أَوْ) رُؤْيَةُ (الدُّهْنِ فِي الزُّجَاجِ) فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةً لِلدُّهْنِ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ (وَكَفَى نَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَوَكِيلِهِ بِالشِّرَاءِ لَا) نَظَرُ (رَسُولِهِ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَوَكِيلًا بِالْقَبْضِ وَرَسُولًا، صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِشِرَاءِ كَذَا وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقُولَ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْتُهُ وَمَا رَأَيْتُهُ، وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ فَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ وَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا، ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا يَنْتَهِي التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا، وَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ بَعْدَمَا رَآهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ، وَقَالَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَالرَّسُولُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ قَبْضَهُمَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي. (صَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَجْهِ الرَّقِيقِ) كَذَا إذَا نَظَرَ إلَى أَكْثَرِ الْوَجْهِ فَهُوَ كَرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ، وَلَوْ نَظَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَوَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا) الْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَيُنْظَرُ حُكْمُ نَحْوِ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ) أَيْ مَعَ الْوَجْهِ وَالْكِفْلِ (قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. (قَوْلُهُ وَذَوْقُ مَا يُطْعَمُ كَذَا شَمُّ مَا يُشَمُّ) ، وَفِي دُفُوفِ الْغَازِي لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ إدْرَاكِهِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ بُيُوتِهَا) هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى بُسْتَانًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالنَّظَرِ إلَى خَارِجِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَكَفَى نَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالرُّؤْيَةِ لَا تَكُونُ رُؤْيَةً كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. (قَوْلُهُ لَا نَظَرُ رَسُولِهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَمَا رَأَيْتُهُ) الْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي مَا رَأَيْته وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ) كَذَا لَوْ قَالَ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَلَا يَخْتَصُّ صُورَةُ الْإِرْسَالِ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ. . . إلَخْ) لَفْظَةُ وَأَمَّا زَائِدَةٌ يَنْبَغِي حَذْفُهَا وَتَكُونُ الْعِبَارَةُ هَكَذَا وَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ يَعْنِي وَرَضِيَ بِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقَبْضِ وَهُوَ الْقَبْضُ التَّامُّ وَالْقَبْضُ النَّاقِصُ هُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا يَنْتَهِي التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا وَخِيَارُ الْمُوَكِّلِ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْقَبْضَ، وَالْقَبْضُ يَتَضَمَّنُ السُّقُوطَ لِكَوْنِهِ كَامِلًا ضَرُورَةً فَإِذَا انْفَصَلَ السُّقُوطُ عَنْ الْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ بَعْدَهُ قَصْدًا أَوْ قَبْلَهُ بِالرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا يَقْبِضُهُ بَعْدَمَا رَآهُ. . . إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ ظَاهِرٌ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ، وَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ اهـ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ رَآهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُرْسِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ وَرَضِيَ قَبْلَ قَبْضِ الرَّسُولِ كَيْفَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَهُ أَوْ إلَى رَسُولِهِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا عِبْرَةَ بِنَظَرِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ الَّتِي مَعَ الْقَبْضِ دُونَ الَّتِي قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَقَالَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَالرَّسُولُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ قَبْضَهُمَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَا الْخِلَافُ إلَّا فِي نَظَرِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ حَالَةَ قَبْضِهِ لَا فِي نَظَرِهِ السَّابِقِ عَلَى قَبْضِهِ وَلَا الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ (وَسَقَطَ خِيَارُهُ) إذَا اشْتَرَى (بِجَسِّهِ) فِيمَا يُدْرَكُ بِالْجَسِّ (وَشَمِّهِ) فِيمَا يُدْرَكُ بِالشَّمِّ (وَذَوْقِهِ) فِيمَا يُدْرَكُ بِالذَّوْقِ (وَوَصْفِ الْعَقَارِ) وَلَا عِبْرَةَ لِوُقُوفِهِ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَنَظَرِ وَكِيلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ كَنَظَرِهِ (رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا، ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا لَهُ فَلَهُ رَدُّهُمَا لَا غَيْرُ) أَيْ لَا رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ (شَرَى مَا رَأَى) أَيْ مَا رَآهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ (إنْ تَغَيَّرَ خُيِّرَ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ إذْ بِالتَّغَيُّرِ صَارَ شَيْئًا آخَرَ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ (فَلَا) أَيْ لَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا رَآهُ إلَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ الَّذِي رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغْيِيرِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَغَيَّرَ. وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَتَغَيَّرْ (فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ ظَاهِرٌ وَالتَّغَيُّرُ حَادِثٌ وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ قَرِيبَةً يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ بَعُدَتْ بِأَنْ رَأَى أَمَةً شَابَّةً، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (الرُّؤْيَةِ فَلِلْمُشْتَرِي) أَيْ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ أَمْرًا حَادِثًا وَهُوَ الرُّؤْيَةُ (شَرَى عِدْلَ ثَوْبٍ وَقَبَضَ فَبَاعَ ثَوْبًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ لَمْ يَرُدَّهُ) أَيْ الْعِدْلَ (بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ بَلْ بِعَيْبٍ) لِأَنَّ الرَّدَّ تَعَذَّرَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّهِ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا؛ لِأَنَّ الْخِيَارَيْنِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَإِنْ عَادَ الثَّوْبُ الَّذِي بَاعَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ بِأَنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَيْهِ بِالْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ رَجَعَ الْأَوَّلُ فِي الْهِبَةِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ، فَجَازَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ لُزُومُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ. (وَيُبْطِلُهُ) أَيْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ (مُبْطِلُ خِيَارِ الشَّرْطِ) ، وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ. . . إلَخْ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجَسُّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِوُجُودِهِ بَلْ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْجَسِّ) يَعْنِي وَلَا يَحْتَاجُ لِغَيْرِ الْجَسِّ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَرُقْعَتِهِ مَعَ الْجَسِّ وَفِي الْحِنْطَةِ لَا بُدَّ مِنْ اللَّمْسِ وَالصِّفَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا) تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْمَتْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقَةً عَنْ وِجْدَانِ الْعَيْبِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ وُجُودِ الْعَيْبِ بِمَا لَمْ يَقْبِضْهُ كَحُكْمِ مَا لَمْ يَرَهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ رَدِّ الثَّوْبَيْنِ أَوْ قَبُولِهِمَا مَعًا وَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُ مَا رَآهُ وَمَا لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ دُونَ الْآخَرِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ تَامٍّ قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ إذْ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا فَتَمَّ الْعَقْدُ وَأَفَادَ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَجَازَ رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ) ، وَكَذَا مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْقَبْضُ وَعَدَمُهُ فِي عَدَمِ التَّمَامِ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا بِالْعَقْدِ وَهُوَ الصَّفْقَةُ كَمَا لَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِالصَّفْقَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ بَعُدَتْ بِأَنْ رَأَى أَمَةً شَابَّةً، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً. . . إلَخْ) لَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرُ الْبُعْدِ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ كَتَغَيُّرِ الْأَشْجَارِ فِي سَنَةٍ وَالدَّوَابِّ بِمَا دُونَهَا لِقِلَّةِ الرَّعْيِ وَنَحْوِهِ وَلِذَا اقْتَصَرَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الشَّابَّةَ تَكُونُ عَجُوزًا بِطُولِ الْمُدَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا إنْ بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقِيلَ الْبَعِيدُ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ وَالْقَرِيبُ دُونَ الشَّهْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مِثَالُهُ لَوْ رَأَى أَمَةً أَوْ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ بَعْدَ شَهْرٍ، وَقَالَ تَغَيَّرَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي مِثْلِهِ قَلِيلٌ اهـ. (قَوْلُهُ شَرَى عِدْلَ ثَوْبٍ) لَعَلَّهُ أَثْوَابٌ أَوْ ثِيَابٌ أَوْ بَزٌّ كَمَا هِيَ فِي عِبَارَةِ الْجَوْهَرَةِ اهـ. وَالْعِدْلُ الْمِثْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْغِرَارَةُ الَّتِي هِيَ عِدْلُ غِرَارَةٍ أُخْرَى عَلَى الْجَمَلِ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ تُعَادِلُهَا وَفِيهَا أَثْوَابٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخِيَارَيْنِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا كَمَا مَرَّ) الَّذِي مَرَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا غَيْرُ وَذَكَرْت أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ بِأَنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ أَوْ رَجَعَ الْأَوَّلُ فِي الْهِبَةِ) لَا حَصْرَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ لِيَكُونَ فَسْخًا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ فَسْخًا مَحْضًا لِكَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ (قَوْلُهُ فَجَازَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ) كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ. . . إلَخْ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفٌ فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ وَلَحَظَ عَلَى

[باب خيار العيب]

مَرَّ ذِكْرُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَوْ بَعْدَهَا (وَ) يُبْطِلُهُ (مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ) كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ بِلَا تَسْلِيمٍ (بَعْدَ الرُّؤْيَةِ) لَا قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَهُوَ إنَّمَا يُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْأُوَلُ فَهِيَ أَقْوَى؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَبَعْضَهَا أَوْجَبَ حَقَّ الْغَيْرِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ (كَذَا طَلَبُ الشُّفْعَةِ بِمَا لَمْ يَرَهُ) أَيْ يُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا. (بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ) (مُشْتَرٍ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ مَا يُنْقِصُ ثَمَنَهُ عِنْدَ التُّجَّارِ) وَهُوَ الْعَيْبُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَالْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي حِينَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ رِضًا (أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ، فَإِذَا فَاتَتْ خُيِّرَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ (لَا غَيْرُ) أَيْ لَا إمْسَاكُهُ وَأَخَذَ نُقْصَانَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي (كَالْإِبَاقِ) ، وَلَوْ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ (وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ، وَكُلُّهَا تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ) فَإِنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا وُجِدَ مِنْ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَيَكُونُ عَيْبًا وَيَزُولُ بِالْبُلُوغِ، فَإِنْ عَاوَدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ عَيْبًا حَادِثًا فَيَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا، فَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي الصِّغَرِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْكِبَرِ لَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ (وَكَالْجُنُونِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا) أَيْ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ يَعْنِي إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي الصِّغَرِ وَعَادَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الْكِبَرِ يَكُونُ عَيْبًا وَاحِدًا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لِفَسَادٍ فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَسْقَطًا وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ كَذَا بِفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ. . . إلَخْ) صَوَابُهُ وَيُبْطِلُهُ بِصِيغَةِ الْإِثْبَاتِ وَلَا النَّافِيَةُ زَائِدَةٌ يَخْتَلُّ بِهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ مُبْطِلًا إذَا كَانَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ صَرِيحُ الرِّضَا وَهُوَ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي لِلْبَائِعِ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُطْلَقِ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ. (تَنْبِيهٌ) : لَا يُفْتَقَرُ إلَى التَّصَرُّفِ الْمُبْطِلِ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ فَشَابَهُ الْبَيْعُ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. [بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ] مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْعَيْبُ هُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْفِطْرَةُ الْخِلْقَةُ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ الْأَصْلِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَأَشَارَ إلَيْهَا فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي رَدِيئَةً لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تُخْلَقُ جَيِّدَةً وَرَدِيئَةً وَوَسَطًا وَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الْآفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا فَالْحِنْطَةُ الْمُصَابَةُ بِهَوَاءٍ مَنَعَهَا تَمَامَ بُلُوغِهَا الْإِدْرَاكَ حَتَّى صَارَتْ رَقِيقَةَ الْحَبِّ مَعِيبَةٌ كَالْعَفَنِ وَالْبَلَلِ وَالسُّوسِ (قَوْلُهُ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ. . . إلَخْ) يَعْنِي وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَةِ الْعَيْبِ بِلَا مَشَقَّةٍ فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَلَا يَنْقُصُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي حِينَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ رِضًا) كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ رِضًى وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ اهـ، وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ) أَيْ بِالْإِتْلَافِ بِأَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْأَخْذَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَالْإِبَاقِ، وَلَوْ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْإِبَاقُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْبَلَدِ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْبَلَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً مِثْلَ الْقَاهِرَةِ يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا وَبُيُوتُهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا اهـ. (قَوْلُهُ وَالسَّرِقَةِ) يَعْنِي سَرِقَةَ غَيْرِ نَحْوِ الْفَلْسِ وَالْفَلْسَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يَكُونُ عَيْبًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولَاتِ فَإِنَّ سَرِقَتَهَا لِأَجْلِ الْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَ عَيْبًا وَمِنْ غَيْرِهِ عَيْبٌ، وَسَرِقَتُهَا لِلْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَعَادَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) شَرْطُ مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ لِلرَّدِّ بِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ لِلْجُنُونِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا غَلَطٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُوهِمُ الرَّدَّ بَعْدَ وِلَادَتِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِامْتِنَاعِهِ بِتَعَيُّبِهَا عِنْدَهُ بِالْوِلَادَةِ ثَانِيًا مَعَ الْعَيْبِ السَّابِقِ بِهَا (قَوْلُهُ لِفَسَادٍ فِي الْبَاطِنِ) أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ. وَفِي الْمُحِيطِ تَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الْجُنُونِ قِيلَ هُوَ عَيْبٌ، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ عَيْبٌ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ

الْعَقْلَ مَعْدِنُهُ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ وَالْجُنُونُ انْقِطَاعُ ذَلِكَ الشُّعَاعِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ (وَكَالْبَخَرِ) نَتْنُ رَائِحَةِ الْفَمِ (وَالذَّفَرِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْرِيكِ الْفَاءِ نَتْنُ رَائِحَةِ الْإِبْطِ (وَالزِّنَا وَالتَّوَلُّدِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزِّنَا (فِيهَا) أَيْ فِي الْأَمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي أَنَّهَا عَيْبٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَكُونُ الِاسْتِفْرَاشُ وَهِيَ مُخِلَّةٌ بِهَا دُونَ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِيهِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاسْتِخْدَامُ وَهِيَ لَا تُخِلُّ بِهِ (إلَّا أَنْ يَفْحُشَ الْأَوَّلَانِ فِيهِ) بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ إلَّا نَادِرًا فَإِنَّهُ يَكُونُ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ وَهُوَ يُنْقِصُ الثَّمَنَ (وَيَكُونُ الزِّنَا عَادَةً لَهُ) لِأَنَّ اعْتِيَادَهُ مُخِلٌّ بِالْخِدْمَةِ (وَالْكُفْرِ) أَيْ وَكَالْكُفْرِ (فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَرْفَهُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَيَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ (وَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ) لِأَنَّهُ مَرَضٌ يُنْقِصُ الثَّمَنَ (وَالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ (وَالشَّعْرِ وَالْمَاءِ فِي الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ (وَارْتِفَاعِ حَيْضِ بِنْتِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَالِاسْتِحَاضَةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ (فَلَوْ حَدَثَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُشْتَرٍ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ. . . إلَخْ أَيْ بَعْدَمَا ظَهَرَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ لَوْ حَدَثَ عَيْبٌ (آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِنُقْصَانِهِ) أَيْ نُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ يُقَوَّمَ وَبِهِ عَيْبٌ وَيُقَوَّمَ وَلَا عَيْبَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ الْعُشْرُ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْعُشْرِ رَجَعَ بِنِصْفِ عُشْرِ الثَّمَنِ (أَوْ رَدَّهُ) عَلَى الْبَائِعِ (بِرِضَا الْبَائِعِ إلَّا لِمَانِعٍ) مِنْ رَدِّ الْمُشْتَرِي وَأَخْذِ الْبَائِعِ (كَثَوْبٍ شَرَاهُ فَقَطَعَهُ فَظَهَرَ عَيْبُهُ، وَ) جَازَ (لِبَائِعِهِ أَخْذُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مَقْطُوعًا (فَلَا يَرْجِعُ مُشْتَرِيهِ إنْ بَاعَهُ) إذْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهُ مَعِيبًا فَالْمُشْتَرِي بِبَيْعِهِ يَكُونُ حَابِسًا الْمَبِيعَ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ (وَأَمَةٍ وَطِئَهَا) عَطْفٌ عَلَى كَثَوْبٍ شَرَاهُ أَيْ كَأَمَةٍ شَرَاهَا وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا (بِكْرًا) كَانَتْ (أَوْ ثَيِّبًا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِهَا) أَيْ بِشَهْوَةٍ (فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا) حَيْثُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا بِرِضَى الْبَائِعِ إذْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا لَيْسَ بِمُطْبِقٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمِقْدَارُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا اهـ. وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ، وَقَدْ رَأَى الْجُنُونَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ بِسَاعَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ) صَوَابُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ (قَوْلُهُ وَكَالْبَخَرِ نَتْنُ رَائِحَةِ الْفَمِ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ الْعَيْبُ هُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِفَلْجٍ فِي الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِهَا (قَوْلُهُ وَالذَّفَرِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ) قَالَ الْكَمَالُ الذَّفَرُ نَتْنُ رِيحِ الْإِبْطِ يُقَالُ رَجُلٌ أَذْفَرُ وَامْرَأَةٌ ذَفْرَاءُ وَمِنْهُ السَّبُّ يُقَالُ يَا ذَفَارُ مَعْدُولٌ عَنْ دَافِرَةٍ وَيُقَالُ شَمَمْت دَفْرَ الشَّيْءِ وَدَفْرَهُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا كُلُّ ذَلِكَ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ، وَأَمَّا بِإِعْجَامِ الذَّالِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ وَهُوَ حِدَّةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتْنٍ وَرُبَّمَا خُصَّ بِهِ الطِّيبُ فَقِيلَ مِسْكٌ أَذْفَرُ ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِيهَا وَصَفَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ شَيْخًا فَقَالَتْ ذَهَبَ ذَفَرُهُ وَأَقْبَلَ بَخَرُهُ قِيلَ الرِّوَايَةُ هُنَا بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ الزِّنَا عَادَةً لَهُ) أَيْ بِأَنْ زَنَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ كَذَا فَسَّرَ الْعَادَةَ فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ) أَيْ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَافِرًا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَصُّ الْكَمَالُ زَائِلُ الْعَيْبِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ) أَيْ فِي الْبَاطِنِ (قَوْلُهُ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتُهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَتَقَدَّمُ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَوْلَى اهـ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَخْصِيصِهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَالدَّيْنُ عَيْبٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَيْنًا يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا خِيَارَ لَهُ بِرَدِّهِ كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ بِأَنْ جَنَى فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَفْدِهِ حَتَّى بَاعَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَبَعْدَ الْعِتْقِ قَدْ يَضُرُّهُ فِي نُقْصَانِ وَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الدَّيْنَ عَيْبٌ، وَلَوْ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَارْتِفَاعِ حَيْضِ بِنْتِ سَبْعَ عَشْرَةَ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا دُونَهَا وَعَنْ الْآيِسَةِ فَإِنَّ انْقِطَاعَهُ لَيْسَ عَيْبًا حِينَئِذٍ فَحَقِيقَةُ الْعَيْبِ بِالدَّاءِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبِ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَدَّعِي الِانْقِطَاعَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ بِأَحَدِ السَّبَبَيْنِ مِنْ الْحَبَلِ أَوْ الدَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ دَعْوَاهُ وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ وَتَمَامُهُ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَالِاسْتِحَاضَةِ) قَالَ الْكَمَالُ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ وَالِانْقِطَاعُ الَّذِي يُعَدُّ عَيْبًا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَدَائِعِ الِاسْتِحَاضَةُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ كَالِانْقِطَاعِ) كَذَا نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْهَا (قَوْلُهُ بِأَنْ يُقَوَّمَ وَبِهِ عَيْبٌ) يَعْنِي الْعَيْبَ الْقَدِيمَ خَاصَّةً وَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يُقَوَّمُ سَالِمًا عَنْ عَيْبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ (قَوْلُهُ أَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِرِضَى الْبَائِعِ) يَعْنِي فِيمَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ مِنْهُ وَتَمَلُّكَهُ، وَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ أَخْذَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ

أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهَا مَعَ ذَلِكَ الْعَيْبِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا مَانِعٌ مَعَ الْأَخْذِ كَمَا كَانَ فِيمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ بَيَّنَ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ بِرِضَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ خَاطَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (الْمَقْطُوعَ) أَوْ صَبَغَهُ بِغَيْرِ سَوَادٍ قَيَّدَ بِهِ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ اتِّفَاقِيًّا فَإِنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا فَإِنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَعِنْدَهُ السَّوَادُ نُقْصَانٌ (أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ) وَبِالْجُمْلَةِ خَلَطَ الْمُشْتَرِي مِلْكَهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ (فَظَهَرَ عَيْبُهُ) الْقَدِيمُ (لَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الْبَائِعُ (وَيَرْجِعُ بِهِ) أَيْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَا يَقُولُ الْبَائِعُ أَنَا آخُذُهُ مَعِيبًا لِاخْتِلَاطِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ وَهُوَ الْخَيْطُ وَالصَّبْغُ وَالسَّمْنُ،. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّهُ وَالْبَائِعَ يَقْبَلُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ لِحُصُولِ الرِّبَا (كَمَا لَوْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمِخْيَطَ وَنَحْوَهُ (بَعْدَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ (مَجَّانًا أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، أَمَّا فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَلِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ كَانَ حَابِسًا، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَامْتِنَاعَ الرَّدِّ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلْمَوْتِ لَا بِفِعْلِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، وَأَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ أَيْ إتْمَامٌ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ إلَى غَيْرِهِ لَا مِنْهُ لِلْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ، وَلِهَذَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْبَائِعُ كَالْمُسْتَبْقِي لِمِلْكِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ ثَبَتَ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ إلَى غَايَةِ الْعِتْقِ وَالشَّيْءُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَالْمُنْتَهَى مُتَقَرِّرٌ فِي نَفْسِهِ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَالْإِعْتَاقُ لَا يَكُونُ كَالْقَتْلِ بَلْ كَالْمَوْتِ، وَأَمَّا فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُمَا لَا يُزِيلَانِ الْمِلْكَ وَلَكِنَّ الْمَحَلَّ بِهِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ. (وَإِنْ أَعْتَقَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَاتَبَ أَوْ قَتَلَ أَوْ أَكَلَ كُلَّ الطَّعَامِ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَخَرَّقَ لَمْ يَرْجِعْ) أَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَلِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهَا كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا قَالُوا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ، ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبُهُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ مَا دَامَ حَيًّا؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مُحْتَمَلٌ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ، فَإِذَا رَجَعَ رَدَّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ وَمَا بَعْدَهُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ إذَا كَانَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا كَانَ مُمْسِكًا لِلْمَبِيعِ مَعْنًى وَمِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ لَا بِفِعْلٍ مِنْهُ بِأَنْ هَلَكَ أَوْ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ مِنْهُ يَرْجِعُ لِانْتِفَاءِ إمْسَاكِهِ، ثُمَّ الْقَتْلُ فِعْلٌ مَضْمُونٌ إذْ لَوْ بَاشَرَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ هُنَا بِمِلْكِهِ فِيهِ فَيُجْعَلُ سُقُوطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ لِحُصُولِ الرِّبَا) أَيْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْمَبِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِضَى الْمُشْتَرِي بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِحَقِّهِ بَلْ لِحَقِّهِ وَحَقِّ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ) لَعَلَّ صَوَابَهُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ كَانَ حَابِسًا اهـ. (تَنْبِيهٌ) : هَذَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّتِّ بِالسَّمْنِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَوْ بَاعَهُ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ مُتَّصِلَةً بِهِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءٍ بَيَاضِ الْعَيْنِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَصِيرُ بِالْبَيْعِ بَعْدَهَا حَابِسًا لِلْمَبِيعِ وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهُ وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ فَالْمُتَوَلِّدَةُ مِنْهُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَرْشِ وَالْعَقْرِ تَمْنَعُ الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْنَ رَدِّهِمَا جَمِيعًا وَالرِّضَا بِهِمَا بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَةً وَالثَّمَنُ أَلْفٌ سَقَطَ عُشْرُ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ وَأَخَذَ تِسْعَمِائَةٍ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْكَسْبِ فَهِيَ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِحَالٍ بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَيَسْلَمُ لَهُ الْكَسْبُ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ مُسْلَمًا إلَيْهِ وَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّسْلِيمِ فَصَارَ بِهِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَالْخِيَاطَةُ بَعْدَ ذَلِكَ كَعَدَمِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ اهـ

الضَّمَانِ عَنْهُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِالْمِلْكِ عِوَضًا، وَأَمَّا الْأَكْلُ وَاللُّبْسُ فَعَلَى الْخِلَافِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ صَنَعَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ وَيُشْتَرَى لِأَجْلِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ كَالْإِعْتَاقِ وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَرْجِعُ كَالْإِحْرَاقِ وَالْقَتْلِ. (شَرَى نَحْوَ بَيْضٍ وَبِطِّيخٍ فَكَسَرَهُ وَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ) فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّوَابِّ (فَلَهُ نُقْصَانُهُ) أَيْ لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَصْلًا (فَكُلُّ الثَّمَنِ) أَيْ فَلِلْمُشْتَرِي كُلُّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ. (بَاعَ مُشْتَرِيَهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رُدَّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ بِعَيْبٍ (رُدَّ عَلَى بَائِعِهِ) يَعْنِي بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِقْرَارٍ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ ادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي إقْرَارَهُ بِالْعَيْبِ وَالْبَائِعُ أَنْكَرَهُ فَأَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِإِقْرَارِهِ لَا يَكُونُ الرَّدُّ مُحْتَاجًا إلَى الْقَضَاءِ بَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ الثَّانِي كَالْمَعْدُومِ وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ قَائِمٌ فَلَهُ الْخُصُومَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ. غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ فَلَزِمَ التَّنَاقُضُ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَارْتَفَعَ التَّنَاقُضُ وَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْتَحِقُّ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي. (وَ) هُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ (بِرِضًى) مِنْ الْمُشْتَرِي (لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا، هَذَا إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا رَدَّ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَصَارَ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، ثُمَّ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ. (قَبَضَ مُشْتَرِيهِ وَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ) الْمُشْتَرِي بَعْدَ دَعْوَى الْعَيْبِ (عَلَى دَفْعِ ثَمَنِهِ) إذْ لَوْ دَفَعَهُ فَلَعَلَّ الْعَيْبَ يَظْهَرُ فَيَنْتَقِضُ الْقَضَاءُ فَلَا يَقْضِي بِهِ صَوْنًا لِقَضَائِهِ عَنْ الِانْتِقَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَكْلُ وَاللُّبْسُ فَعَلَى الْخِلَافِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ، وَكَذَا تَخَرُّقُ الثَّوْبِ مِنْ اللُّبْسِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ أَيْ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَجَازَاهُ وَبِهِ يُفْتَى وَأَكْلُ بَعْضِهِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَالرُّجُوعِ، وَقَالَا يَرْجِعُ بِنَقْصِ الْكُلِّ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَقْصِ الْمَأْكُولِ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ اهـ، وَقَالَ الْكَمَالُ. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ جَمْعِ الْبُخَارِيِّ أَكْلُ بَعْضِهِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ وَبِهِ يُفْتَى اهـ. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ. . . إلَخْ) لَعَلَّ صَوَابَهُ وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ. . . إلَخْ أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَيُنَاسِبُ قَوْلَهُ فَلَا يَرْجِعُ كَالْإِحْرَاقِ وَالْقَتْلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ كَانَ تَعْلِيلًا ثَانِيًا لِقَوْلِهِمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ لِلْحُكْمِ بِالرُّجُوعِ، ثُمَّ بِعَدَمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (قَوْلُهُ شَرَى نَحْوَ بَيْضٍ وَبِطِّيخٍ فَكَسَرَهُ وَوَجَدَهُ فَاسِدًا) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوِجْدَانِ بَعْضِهِ. وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْقَلِيلِ إنَّهُ كَالْوَاحِدَةِ وَالْمَثْنَى. وَفِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْكَثِيرِ مَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ لَا مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَجَعَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ فِي الْمِائَةِ مِنْ الْجَوْزِ عَفْوًا، وَلَوْ وَجَدَ نِصْفَ الْجَوْزِ خَاوِيًا صَحَّ فِي النِّصْفِ الَّذِي بِهِ لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. (قَوْلُهُ بَاعَ مُشْتَرَاهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ رُدَّ عَلَى بَائِعِهِ) شَامِلٌ لِمَا إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا كَمَا إذَا أَنْكَرَ الْعَيْبَ فَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ مَعَ إنْكَارِهِ الْإِقْرَارَ بِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لِكَوْنِ الْقَضَاءِ فَسْخًا فِيهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِإِقْرَارِهِ لَا يَكُونُ الرَّدُّ مُحْتَاجًا إلَى الْقَضَاءِ بَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ) أَقُولُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ وَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ مَعَ إقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ فَرَدَّهُ الْقَاضِي جَبْرًا كَانَ فَسْخًا فَيَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِإِقَالَةٍ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ فَلَزِمَ التَّنَاقُضُ) أَيْ بِثُبُوتِ مَا أَنْكَرَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ. (تَنْبِيهٌ) : لَوْ قَالَ الْبَائِعُ الثَّانِي بَعْدَ الرَّدِّ بِالْقَضَاءِ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَمَّا إذَا رَدَّ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ قَبُولَيْهِ فَلِلْبَائِعِ الثَّانِي الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ، وَقَدْ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ. . . إلَخْ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بَلْ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَمَّا فِي الْعَقَارِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بَعْدَمَا بَاعَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَجُعِلَ فَسْخًا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَمَّا فِيهِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ.

(بَلْ يُبَرْهِنُ) عَلَى ثُبُوتِ الْعَيْبِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا مَرَّ (أَوْ يُحَلِّفُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى عَدَمِ الْعَيْبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ (وَإِنْ كَانَ) لَهُ شَاهِدٌ لَكِنْ (غَابَ شُهُودُهُ دَفَعَهُ) أَيْضًا الثَّمَنَ (إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ (وَلَزِمَ عَيْبُهُ إنْ نَكَلَ) لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي إلْزَامِ الْعَيْبِ قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْهِدَايَةِ هَكَذَا إنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً، وَقَدْ تَكَلَّفُوا فِي تَوْجِيهِهَا مَا تَكَلَّفُوا وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ التَّقْدِيرِيِّ، تَقْدِيرُهُ لَمْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَفَادَهَا صَاحِبُ كَشْفِ الْكَشَّافِ فِي تَحْقِيقِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ التَّقْدِيرِيِّ وَالْمَعْنَى لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا وَلَا عَمَلُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا (ادَّعَى إبَاقًا) يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى أَنَّهُ آبِقٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ) حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي (أَنَّهُ آبِقٌ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْبَائِعِ لَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَعْرِفَتُهُ تَكُونُ بِالْبَيِّنَةِ (ثُمَّ) إذَا أَثْبَتَهُ (حَلَفَ) أَيْ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ مُطَّرِدًا فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ حَيْثُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَلِيمًا فَالِاسْتِحْلَافُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ وَيُقَالُ فِي التَّحْلِيفِ (بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ قَطُّ أَوْ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ دَعْوَاهُ هَذِهِ أَوْ لَقَدْ سَلَّمْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ لَا) بِاَللَّهِ (مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ) فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَاعَهُ، وَقَدْ كَانَ أَبَقَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ ذُهُولٌ عَنْهُ (وَلَا) بِاَللَّهِ (لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ (وَلَا) بِاَللَّهِ (لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَلْ يُبَرْهِنُ عَلَى ثُبُوتِ الْعَيْبِ) كَيْفِيَّةُ إثْبَاتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا عَلَى وِجْدَانِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ (قَوْلُهُ أَوْ يَحْلِفُ) صُورَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدَهُ وَذَلِكَ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي وَإِذَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوًى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ إبَاقِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ وَإِنْ غَابَ شُهُودُهُ دَفَعَهُ إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ) يَعْنِي، وَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ثُبُوتِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرْنَا وَغَابَ شُهُودُ قِيَامِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي إلْزَامِ الْعَيْبِ) قَيَّدَ بِإِلْزَامِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ التَّقْدِيرِيِّ. . . إلَخْ) قَالَ شَيْخُ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ " أَوْ " فِيهِ مِثْلَهَا فِي قَوْلِهِ كَسَرْت كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيمَا وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا يَلِيهَا لَا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى أَنَّهُ آبِقٌ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَادَّعَى إبَاقًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ. اهـ. لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ مُتَوَجِّهَةً بِدَعْوَى الْإِبَاقِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي لَعَلَّ صَوَابَهُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَى الظَّرْفِ لِلْبَائِعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَهِيَ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاقِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ لَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ إبَاقًا فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ، أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ وُجُودِهِ عِنْدَهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنْ أَقَامَهَا رَدَّهُ وَإِلَّا حَلَفَ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَيُقَالُ فِي التَّحْلِيفِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ قَطُّ) هَذَا فِي دَعْوَى إبَاقِ الصَّغِيرِ لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ هَذَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ كَانَ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُذْ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصَّغِيرِ يَزُولُ بِالْبُلُوغِ فَلَا يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ اهـ. وَفِي الْكَبِيرِ يَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاقِ فِي الْكَبِيرِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي الصِّغَرِ، ثُمَّ طَرَأَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَلِفَ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ أَضْرَرْنَا بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا أَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ) مِنْهُمْ الزَّيْلَعِيُّ

الْعَيْبُ) لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَهِيَ حَالَةُ التَّسْلِيمِ (وَإِذَا لَمْ يُثْبِتْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُثْبِتَ يَعْنِي إذَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ نَفْسِهِ (يَحْلِفُ) بَائِعُهُ (عِنْدَهُمَا أَنَّهُ) أَيْ الْبَائِعَ (لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَبْدَ (أَبَقَ عِنْدَهُ) لِأَنَّ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا الْيَمِينُ (وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ) وَلَهُ عَلَى مَا قَالَ الْبَعْضُ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ (وَإِذَا نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (فَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا) لِطَلَبِ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ عَلَيْهِ فَإِنَّ بِنُكُولِهِ يَثْبُتُ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ بِهَذَا الْعَيْبِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك، فَإِنْ حَلَفَ لَا يُرَدُّ، وَإِنْ نَكَلَ يُرَدُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْعِلَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْحَالَةِ شَرْطٌ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ. (اخْتَلَفَا) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (بَعْدَ التَّقَابُضِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا وَتَقَابَضَا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا وَآخَرَ مَعَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِيهِ وَحْدَهُ فَائِدَةُ دَعْوَى الْبَائِعِ جَرُّ نَفْعِ تَخْصِيصِ الثَّمَنِ عَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ، وَلِهَذَا قَالَ وَتَقَابَضَا (أَوْ الْمَقْبُوضِ) بِأَنْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَقَالَ الْبَائِعُ قَبَضْتَهُمَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا قَبَضْتُ إلَّا أَحَدَهُمَا (فَالْقَوْلُ) فِي الصُّورَتَيْنِ (لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ قَابِضٌ وَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ كَمَا فِي الْغَصْبِ (اشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً) وَاحِدَةً (وَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَوَجَدَ بِهِ أَوْ بِالْآخِرِ عَيْبًا أَخَذَهُمَا أَوْ رَدَّهُمَا، وَلَوْ قَبَضَهُمَا رَدَّ الْمَعِيبَ فَقَطْ) لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَبَعْدَ الْقَبْضِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ بَقَاءً وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ (قَبَضَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا وَجَدَ بِبَعْضِهِ عَيْبًا رَدَّ كُلَّهُ أَوْ أَخَذَ) لِأَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ إنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَانَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَا فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَا فِي وِعَاءَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدَيْنِ حَتَّى يَرُدَّ الْوِعَاءَ الَّذِي فِيهِ الْعَيْبُ لَا الْآخَرَ (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ لَمْ يُخَيَّرْ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي رَدِّ مَا بَقِيَ إذْ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِرِضَى الْعَاقِدِ لَا الْمَالِكِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ. (وَفِي الثَّوْبِ خُيِّرَ) لِأَنَّ التَّبْعِيضَ فِيهِ عَيْبٌ، وَقَدْ كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ وَظَهَرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ. (اشْتَرَى جَارِيَةً وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَرُدَّهَا مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا نَقَصَهَا الْوَطْءُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ كُلًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقُهُ عَدَمَ الْعَيْبِ بِالشَّرْطَيْنِ) أَيْ شَرْطِ سَلَامَتِهِ حَالَ الْبَيْعِ وَشَرْطِ سَلَامَتِهِ حَالَ التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ فَيَتَأَوَّلُهُ الْبَائِعُ فِي الْيَمِينِ. . . إلَخْ) أَيْ يَقْصِدُ تَعَلُّقَ عَدَمِ الْعَيْبِ بِالشَّرْطَيْنِ جَمِيعًا وَيَقْصِدُ قِيَامَهُ حَالَةَ التَّسْلِيمِ خَاصَّةً فَتَكُونُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ. . . إلَخْ صَادِقَةً إذَا كَانَ حُدُوثُ الْعَيْبِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَقَصْدُهُ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ بِرَّهُ شَرْعًا فَإِنْ تَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ لَا يُخَلِّصُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْيَمِينِ بَلْ هِيَ يَمِينٌ غَمُوسٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَهُ عَلَى مَا قَالَ الْبَعْضُ. . . إلَخْ) هُوَ الْأَصَحُّ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيفُ الْبَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ مَا قَالَا مِنْ إلْزَامِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ وَنَفْيِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْبَعْضُ اهـ. (قَوْلُهُ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ. . . إلَخْ) قَدْ صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ وَكَذَا فِي كُلِّ عَيْبٍ يُدَّعَى وَيَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَالُ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَخْتَلِفُ كَالْجُنُونِ اهـ، ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ تَرْتِيبِ الْخُصُومَةِ وَتَقْسِيمِ الْعُيُوبِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِبَعْضِهِ كَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ وَثَوْرَيْنِ أَلِفَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِحَيْثُ لَا يَعْمَلُ بِدُونِهِ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْعَيْبِ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ قَبَضَ كَيْلِيًّا. . . إلَخْ) . أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ فِي إنَاءَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ لَا الْمَالِكِ) يَعْنِي بِهِ الْمُسْتَحِقَّ. (قَوْلُهُ اشْتَرَى جَارِيَةً. . . إلَخْ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ أَوَائِلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْبَدَائِعِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَسَّ بِشَهْوَةٍ وَلَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ يَمْنَعُ الرَّدَّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ اهـ، وَلَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَوَطِئَهَا عِنْدَ الْبَائِعِ، ثُمَّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِالنَّقْصِ أَيْ وَيَرُدُّهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَطْءَ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا إلَّا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لِنُقْصَانِ الْعَيْنِ بِزَوَالِ الْعُذْرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ أَمْ لَا وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (تَنْبِيهٌ) : الْبَكَارَةُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ وَجَدَهَا ثَيِّبًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَطَ الْبَكَارَةَ فَعَدَمُهَا مِنْ بَابِ عَدَمِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ لَا مِنْ بَابِ وُجُودِ الْعَيْبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَعَلِمَ بِالْوَطْءِ عَدَمَ الْبَكَارَةِ فَلَمَّا عَلِمَ

مِنْهَا عَيْبٌ حَادِثٌ (وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ) لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ (إلَّا إذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهَا) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ كَانَ لِحَقِّهِ، فَإِذَا رَضِيَ زَالَ الِامْتِنَاعُ (الْحَادِثِ) مِنْ الْعَيْبِ (إذَا زَالَ فَالْقَدِيمُ يُوجِبُ الرَّدَّ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَحَدَثَ فِيهِ عَيْبٌ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ الْقَدِيمِ لَمْ يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ عِنْدَهُ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَإِذَا زَالَ جَازَ الرَّدُّ لِعَوْدِ الْمَمْنُوعِ بِزَوَالِ الْمَانِعِ (ظَهَرَ عَيْبُ مَبِيعِ الْغَائِبِ عِنْدَ الْقَاضِي فَوَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ فَهَلَكَ كَانَ) أَيْ الْهَلَاكُ (عَلَى الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا قَضَى بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ) يَعْنِي اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ وَغَابَ الْبَائِعُ فَاطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبِ الْجَارِيَةِ فَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَثْبَتَ عِنْدَهُ الشِّرَاءَ وَالْعَيْبَ فَأَخَذَهَا الْقَاضِي وَوَضَعَهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَمَاتَتْ فِي يَدِهِ وَحَضَرَ الْبَائِعُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَثْبُتْ لِمَكَانِ غَيْبَتِهِ فَكَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُشْتَرِي. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ بَلْ أَخَذَهَا مِنْهُ وَوَضَعَهَا عِنْدَ عَدْلٍ أَمَّا إذَا قَضَى عَلَى الْبَائِعِ بِالرَّدِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَهْلِكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ وَيَسْتَرِدَّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ وَلَكِنَّهُ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا (مُدَاوَاةُ الْمَعِيبِ وَعَرْضُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَلُبْسُهُ وَاسْتِخْدَامُهُ وَرُكُوبُهُ فِي حَاجَتِهِ رِضًا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا دَلِيلُ الِاسْتِبْقَاءِ (وَلَوْ) كَانَ رُكُوبُهُ (لِلرَّدِّ لَا) أَيْ لَا يَكُونُ رِضًا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الرَّدِّ (كَالسَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ عَنْ ضَرُورَةٍ) فَإِنَّهُمَا إذَا كَانَا عَنْ ضَرُورَةٍ بِأَنْ لَا تَنْسَاقَ وَلَا تَنْقَادَ أَوْ يَكُونُ الْعَلَفُ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونَانِ رِضًا وَإِذَا عَدِمَ الضَّرُورَةَ كَانَا رِضًا (قُطِعَ الْمَقْبُوضُ) أَيْ قُطِعَ يَدُ الْمَبِيعِ الْمَقْبُوضِ (أَوْ قُتِلَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ رَدَّ الْمَقْطُوعَ) لِبَقَاءِ عَيْنِهِ (وَأَخَذَ ثَمَنَيْهِمَا) أَيْ ثَمَنَيْ الْمَقْطُوعِ وَالْمَقْتُولِ يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ، وَقَالَا لَا يَرُدُّهُ بَلْ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَارِقًا وَغَيْرِ سَارِقٍ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا لَهُمَا أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَبَبُ الْقَطْعِ أَوْ الْقَتْلِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْمَالِيَّةَ فَيَنْفُذُ الْعَقْدُ فِيهِ لَكِنَّهُ تَعَيَّبَ فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِهِ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَالْوُجُوبُ يُفْضِي إلَى الْوُجُودِ فَيُضَافُ الْوُجُودُ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَزَعَ بِلَا لَبْثٍ مِنْ سَاعَتِهِ رَدَّ، وَإِنْ لَبِثَ بَعْدَ الْعِلْمِ لَا اهـ. (قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ) كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ جَوَّزَ الرُّجُوعَ بِالنَّقْصِ مَعَ الْمَسِّ وَالنَّظَرِ وَمَنَعَهُ مَعَ الْوَطْءِ كَالرَّدِّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عَيْبٌ حَادِثٌ) فِيهِ تَأَمُّلٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَمُسَلَّمٌ، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَعَدَمُ رَدِّهَا لِاسْتِيفَائِهِ مَاءَهَا وَهُوَ جُزْؤُهَا فَإِذَا رَدَّهَا صَارَ كَأَنَّهُ أَمْسَكَ بَعْضَهَا وَرَدَّ بَاقِيَهَا كَذَا عَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَأَمَّا الْقُبْلَةُ وَالْمَسُّ فَكَيْفَ يُعَلِّلُ بِأَنَّهُ عَيْبٌ حَادِثٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ وَلَكِنَّهُ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا) قَالَ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ عَنْ الْمُحِيطِ كَانَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِعَدَمِ النَّفَاذِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقُوا إلَى هَدْمِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا اهـ وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَاسْتِخْدَامُهُ) قَالَ الْكَمَالُ، وَلَوْ مَرَّةً بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ اهـ. وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الِاسْتِخْدَامَ بَعْدَ الْعِلْمِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ رِضًى أَيْ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ رُكُوبُهُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ رِضًى كَالسَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ عَنْ ضَرُورَةٍ) جَعْلُ الرُّكُوبِ لِلرَّدِّ غَيْرُ مَانِعٍ مَعَ الضَّرُورَةِ ضَعِيفٌ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يَكُونُ الرُّكُوبُ لِيَسْقِيَهَا الْمَاءَ أَوْ لِيَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ أَوْ لِيَشْتَرِيَ لَهَا الْعَلَفَ رِضًى بِالْعَيْبِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَقَدْ لَا تَنْقَادُ وَلَا تَنْسَاقُ فَلَا يَكُونُ دَلِيلُ الرِّضَى إلَّا إذَا رَكِبَهَا فِي حَاجَةِ نَفْسِهِ، وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ الرُّكُوبِ بِأَنْ كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا تَنْسَاقُ وَلَا تَنْقَادُ، وَقِيلَ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ لَا يَكُونُ رِضًى كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرَّدِّ وَلِغَيْرِهِ يَكُونُ رِضًى إلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُمَا إذَا كَانَا عَنْ ضَرُورَةٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَنْ ضَرُورَةٍ لِرُجُوعِ الضَّمِيرِ لِلرُّكُوبِ حَالَةَ السَّقْيِ وَشِرَاءِ الْعَلَفِ (قَوْلُهُ أَوْ يَكُونُ الْعَلَفُ فِي عِدْلٍ وَاحِدٍ) قَالَ الْكَمَالُ تَقْيِيدُهُ بِعِدْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِدْلَيْنِ فَرَكِبَهَا يَكُونُ الرُّكُوبُ رِضًى ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي رُكُوبِهَا لِلسَّقْيِ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ مَعَهَا تَجْرِي فِيمَا إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلٍ ثُمَّ رَكِبَهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ امْتِنَاعُ الرَّدِّ إذَا كَانَ الْعَلَفُ فِي عِدْلٍ اهـ. وَفِي الْمَوَاهِبِ الرُّكُوبُ لِلرَّدِّ أَوْ لِلسَّقْيِ أَوْ شِرَاءِ الْعَلَفِ لَا يَكُونُ رِضًى مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ (فَرْعٌ) وَجَدَ بِالدَّابَّةِ عَيْبًا فِي السَّفَرِ وَهُوَ يَخَافُ عَلَى حِمْلِهِ حَمَلَهُ عَلَيْهَا وَيَرُدُّ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّفَرِ وَهُوَ مَعْذُورٌ اهـ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ حِمْلًا وَاطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الطَّرِيقِ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُ حِمْلَهُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ يَتْلَفُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ وَقِيلَ يَتَمَكَّنُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا حَمَلَ عَلَيْهِ عَلَفَهُ. قُلْت الْفَرْقُ وَاضِحٌ فَإِنَّ عَلَفَهُ مِمَّا يُقَوِّمُهُ إذْ لَوْلَاهُ لَا يَبْقَى وَلَا كَذَلِكَ الْعِدْلُ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ الرَّدِّ فَذَكَرَ اللَّامِشِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعَلَفِ بِلَا حَمْلٍ فَحَمَلَ لَا يَرُدُّ اهـ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ قُتِلَ بِسَبَبٍ) أَيْ كَرِدَّةٍ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ نَفْسٍ (قَوْلُهُ وَأَخَذَ ثَمَنَيْهِمَا) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ثَمَنَهُ لِلْعَطْفِ بِأَوْ

إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُشْتَرِي يُفِيدُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ وَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِحْقَاقِ. (بَاعَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) وَلَمْ يُسَمِّ الْعُيُوبَ بِعَدَدِهَا (صَحَّ) . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَلَنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْإِسْقَاطِ لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ التَّمْلِيكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ فَلَا تَكُونُ مُفْسِدَةً (وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْإِبْرَاءِ الْعَيْبُ (الْمَوْجُودُ) حَالَ الْعَقْدِ (وَالْحَادِثُ) بَعْدَ الْعَقْدِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحَادِثُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (قَالَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ لِمَنْ سَاوَمَهُ اشْتَرِهِ فَلَا عَيْبَ بِهِ) صُورَتُهُ اشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ بَكْرٍ غُلَامًا فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ بِشْرٍ فَقَالَ لِبِشْرٍ حِينَ الْمُسَاوِمَةِ اشْتَرِهِ فَلَا عَيْبَ بِهِ (وَلَمْ يَبِعْ) الْغُلَامَ مِنْ بِشْرٍ (فَوَجَدَ) زَيْدٌ (بِهِ عَيْبًا) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِ الْعَيْبِ لَكِنَّهُ (يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ) وَلَا يُبْطِلُهُ أَيْ الرَّدَّ (الْإِقْرَارُ السَّابِقُ) بِعَدَمِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ التَّرْوِيجِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عَيْبٍ مَا فَتَيَقَّنَ الْقَاضِي بِأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُ (وَلَوْ عَيَّنَهُ) أَيْ الْعَيْبَ بِأَنْ قَالَ لَا عَوَرَ بِهِ أَوْ لَا شَلَلَ (لَا) أَيْ لَا يَرُدُّهُ لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ إلَّا أَنْ لَا يَحْدُثَ مِثْلُهُ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ بِهِ إصْبَعٌ زَائِدَةٌ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ إصْبَعًا زَائِدَةً لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ لِتَيَقُّنِنَا بِكَذِبِهِ فِي الْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك وَيَدُهُ صَحِيحَةٌ (قَالَ) بَائِعُ عَبْدٍ (لِآخَرَ عَبْدِي هَذَا آبِقٌ فَاشْتَرِهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ وَبَاعَ مِنْ آخَرَ فَوَجَدَهُ) الْمُشْتَرِي (الثَّانِي آبِقًا لَا يُرَدُّ بِمَا سَبَقَ مِنْ إقْرَارِ) الْبَائِعِ (الْأَوَّلِ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْبَائِعِ الثَّانِي السُّكُوتُ عِنْدَ إقْرَارِ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَإِقْرَارُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَهُوَ الْبَائِعُ الثَّانِي (مُشْتَرٍ) لِعَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ (قَالَ أَعْتَقَ الْبَائِعُ) الْعَبْدَ (أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَوْلَدَ) الْأَمَةَ (أَوْ هُوَ حُرُّ الْأَصْلِ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَحَلَفَ) لِعَجْزِ الْمُدَّعِي عَنْ الْإِثْبَاتِ (قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (بِالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ) لِإِقْرَارِهِ بِمَا ذَكَرَ (وَرَجَعَ بِالْعَيْبِ إنْ عَلِمَ بِهِ) لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلرُّجُوعِ إزَالَتُهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ بِإِنْشَائِهِ أَوْ إقْرَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ حَتَّى لَوْ قَالَ بَاعَهُ وَهُوَ مِلْكُ فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ وَأَخَذَهُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فِي الظَّاهِرِ بِإِقْرَارِهِ كَأَنَّهُ وَهَبَهُ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. (بَاعَ الْإِمَامُ أَوْ أَمِينُهُ غَنِيمَةً مُحْرَزَةً) حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) يَعْنِي وَقْتَ الْبَيْعِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَهُ) أَيْ فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ اُسْتُحِقَّ كُلُّهُ (قَوْلُهُ وَبِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ عِنْدَهُمَا) يَعْنِي فِي الْحُكْمِ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْبٌ عِنْدَهُمَا لَا بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ قَالَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ تَعَيَّبَ. . . إلَخْ) . أَيْ بِعَيْبِ الْعُقُوبَةِ مَعَ مَا بِهِ مِنْ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ فَيُقَوَّمُ سَارِقًا وَغَيْرَ سَارِقٍ وَحَلَالَ الدَّمِ وَحَرَامَهُ فَيَرْجِعُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ (قَوْلُهُ فَيُضَافُ الْوُجُودُ) أَيْ وُجُودُ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ إلَى السَّبَبِ السَّابِقِ أَيْ سَبَبِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ وَهُوَ سَرِقَتُهُ أَوْ قَتْلُهُ كَائِنًا فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيُضَافُ إلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قُطِعَ أَوْ قُتِلَ عِنْدَ الْبَائِعِ الَّذِي عِنْدَهُ السَّبَبُ فَانْتَقَضَ قَبْضُ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي شَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا إذْ لَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ قَائِمٍ بِهِ لَا يَدْخُلُ الْحَادِثُ فِي الْبَرَاءَةِ اتِّفَاقًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ أَنَّهُ حَادِثٌ بَعْدَ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ حَادِثٌ. وَعِنْدَ زُفَرَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ التَّرْوِيجِ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا كَمَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا زَانِيَةُ يَا مَجْنُونَةُ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالْعَيْبِ وَلَكِنَّهُ لِلشَّتِيمَةِ حَتَّى قِيلَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ أَيْ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرِهِ فَإِنَّهُ لَا عَيْبَ بِهِ يَكُونُ إقْرَارًا بِنَفْيِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ عُيُوبَ الثَّوْبِ ظَاهِرَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ لِآخَرَ عَبْدِي هَذَا آبِقٌ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِبَاقِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ إبَاقِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ يَرُدُّهُ الثَّانِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا وَصْفًا لِلْإِيجَابِ أَوْ شَرْطًا فِيهِ وَالْإِيجَابُ يَفْتَقِرُ إلَى الْجَوَابِ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي الْخِطَابِ فَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَبِلْتُ ذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْتُ عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ فَيَكُونُ اعْتِرَافًا بِكَوْنِهِ آبِقًا يَقْتَضِي الْجَوَابَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِبَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْإِبَاقَ إلَى الْعَبْدِ وَلَا وَصَفَهُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِرَافًا بِوُجُودِ الْإِبَاقِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ كَمَا يَحْتَمِلُ التَّبَرِّي عَنْ إبَاقٍ مَوْجُودٍ مِنْ الْعَبْدِ يَحْتَمِلُ التَّبَرِّي عَنْ إبَاقٍ سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَصِيرُ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ آبِقًا لِلْحَالِ بِالشَّكِّ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَلْيُنْظَرْ مَعَ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ إلَّا إبَاقَهُ بَرِئَ مِنْ إبَاقِهِ، وَلَوْ قَالَ إلَّا الْإِبَاقَ فَلَهُ الرَّدُّ بِالِاتِّفَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْبَائِعِ الثَّانِي السُّكُوتُ. . . إلَخْ) يَعْنِي وَالسُّكُوتُ لَيْسَ تَصْدِيقًا مِنْهُ لِبَائِعِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ فَأَمَّا إذَا قَالَ الْبَائِعُ الثَّانِي وَجَدْتُهُ آبِقًا الْآنَ صَارَ مُصَدِّقًا لِلْبَائِعِ فِي إقْرَارِهِ بِكَوْنِهِ آبِقًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

[باب البيع الباطل]

لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ السِّيَرِ (وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي) فِي الْمَبِيعِ (عَيْبًا لَا يَرُدُّهُ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْإِمَامُ وَأَمِينُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا (بَلْ الْإِمَامُ يُنَصِّبُ لَهُ خَصْمًا وَلَا يُحَلِّفُهُ) لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّحْلِيفِ النُّكُولُ وَلَا يَصِحُّ نُكُولُهُ وَإِقْرَارُهُ (فَإِذَا أَثْبَتَ عَلَيْهِ الْعَيْبَ وَرَدَّ يُبَاعُ وَيُدْفَعُ الثَّمَنُ إلَيْهِ وَالنَّقْصُ أَوْ الْفَضْلُ يَرْجِعُ إلَى مَحَلِّهِ) أَيْ إنْ نَقَصَ الثَّمَنُ الْآخَرُ عَنْ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ يُعْطَى مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْخُمُسِ يُعْطَى مِنْهُ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ تُوضَعُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) لُقِّبَ الْبَابُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْبَاطِلُ وَالْمَوْقُوفُ وَالْمَكْرُوهُ أَيْضًا لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ بِتَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ وَالْبَاطِلُ مَا لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَوَصْفًا وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِوَجْهٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِمَيْتَةٍ وَقَبَضَهُ وَأَعْتَقَهُ لَا يُعْتَقُ وَالْفَاسِدُ مَا يَصِحُّ أَصْلًا لَا وَصْفًا وَيُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِخَمْرٍ وَقَبَضَهُ فَأَعْتَقَهُ يُعْتَقُ وَالْمَوْقُوفُ مَا يَصِحُّ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَلَا يُفِيدُ تَمَامَهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَالْمَكْرُوهُ مَا يَصِحُّ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ لَكِنْ جَاوَرَهُ شَيْءٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَالْبَيْعِ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ (بَطَلَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَالْبَيْعُ بِهِ) أَيْ جَعْلُهُ ثَمَنًا بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَيْهِ (كَالدَّمِ وَالرِّيحِ وَالْحُرِّ وَالْمَيْتَةِ) بِسُكُونِ الْيَاءِ الْمَيِّتَةِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ الْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا، فَإِنَّ الْمَيْتَةَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِثْلَ الْمَوْقُوذَةِ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْمَعْدُومِ) وَمِنْهُ حَقُّ التَّعَلِّي فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ مَحْضٌ. . (وَ) مِنْهُ أَيْضًا (الْمَضَامِينِ) جَمْعُ مَضْمُونَةٍ وَهِيَ مَا فِي أَصْلَابِ الْفُحُولِ مِنْ الْمَاءِ (وَالْمَلَاقِيحِ جَمْعُ) مَلْقُوحَةٍ وَهِيَ مَا فِي الْبَطْنِ مِنْ الْجَنِينِ، وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ هَاهُنَا عَلَى مَا سَيَكُونُ وَإِلَّا مَا كَانَ حَمْلًا وَسَيَأْتِي أَنَّ بَيْعَ الْحَمْلِ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ (وَالنِّتَاجِ) بِكَسْرِ النُّونِ مِنْ نُتِجَتْ الدَّابَّةُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ حَبَلُ الْحَبَلَةِ. . . (وَ) بَيْعُ (أَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ) ذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِتَذْكِيرِ الْخَبَرِ (عَبْدٌ وَعَكْسُهُ) وَهُوَ بَيْعُ عَبْدٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَةٌ فَإِنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ بِعَبْدٍ وَكَذَا الْعَكْسُ فَيَكُونُ بَيْعَ مَعْدُومٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَالًا؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَوْجُودٌ يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمَالِيَّةِ لِلشَّيْءِ تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ كُلِّ النَّاسِ أَوْ بَعْضِهِمْ إيَّاهُ وَالتَّقَوُّمُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا، وَقَدْ ثَبَتَ صِفَةُ التَّقَوُّمِ بِلَا صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ حَبَّةً مِنْ الْحِنْطَةِ لَيْسَتْ بِمَالٍ حَتَّى لَا يَصْلُحُ بَيْعُهَا، وَإِنْ أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِعَدَمِ تَمَوُّلِ النَّاسِ إيَّاهَا، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَمَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا) ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ كَالْمُدَبَّرِ فَيَنْفُذُ فِيهِ الْبَيْعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي قُلْنَا: حُرْمَتُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا وَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ وَلَا يَنْفُذُ بِالْقَضَاءِ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَمَا فِي حُكْمِهِ) أَيْ حُكْمِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عَطْفٌ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ (كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ) فَإِنَّ بَيْعَ هَؤُلَاءِ أَيْضًا بَاطِلٌ لَكِنْ لَيْسَ كَبُطْلَانِ بَيْعِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً لِعَدَمِ مَحَلِّيَّتِهِ لِلْبَيْعِ أَصْلًا لِثُبُوتِ حَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَبَيْعُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ بَقَاءً لِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ لَا ابْتِدَاءً لِعَدَمِ حَقِيقَتِهَا وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الْبَيْعِ الْبَاطِل] (بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

[حكم البيع الباطل]

مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَبَطَلَ مَا قِيلَ: لَوْ بَطَلَ بَيْعُ هَؤُلَاءِ لَكَانَ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَلَزِمَ بُطْلَانُ بَيْعِ الْقِنِّ الْمَضْمُومِ إلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ كَالْمَضْمُومِ إلَى الْحُرِّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْبَيْعِ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِمْ مَحَلًّا لَهُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ فَبَقِيَ الْقِنُّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ بَقَاءً جَائِزٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ لَزِمَ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَإِنَّهُ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي. (وَبَيْعُ مَالٍ) عَطْفٌ عَلَى بَيْعِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ (غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَيْتَةٍ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) قَيَّدَهَا بِهِ لِتَكُونَ مَالًا كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَتَّى لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا لَا تَكُونُ مَالًا عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَيْضًا (بِالثَّمَنِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَبَيْعُ مَالٍ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَيْعُهَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ فِي طَرَفِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ لِتَوَقُّفِ الْبَيْعِ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ وَالْأَصْلُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ فَكَذَا الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي الذِّمَّةِ إنَّمَا يَكُونُ حُكْمًا لِتَمَلُّكِهِ بِمُقَابَلَةِ تَمَلُّكِ مَالٍ آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْمِلْكُ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمَعْدُومِ، وَإِنْ قُوبِلَتْ بِعَيْنٍ فَسَدَ الْبَيْعُ حَتَّى يَمْلِكَ مَا يُقَابِلُهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ عَيْنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كَمَا سَيَأْتِي. . (وَ) بَطَلَ أَيْضًا (بَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَى حُرٍّ وَذَكِيَّةٍ ضُمَّتْ إلَى مَيْتَةٍ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) قُيِّدَتْ بِهِ لِتَكُونَ كَالْحُرِّ، وَإِنَّمَا بَطَلَ بَيْعُ الْقِنِّ وَالذَّكِيَّةِ (وَإِنْ سُمِّيَ ثَمَنُ كُلٍّ) ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالٍ وَبِضَمِّهِ إلَى الْقِنِّ جُعِلَ شَرْطًا لِقَبُولِ الْقِنِّ وَجَعَلَ غَيْرَ الْمَالِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْمَبِيعِ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ، وَصَحَّ بَيْعُ قِنٍّ ضُمَّ إلَى مُدَبَّرٍ أَوْ قِنَّ غَيْرِهِ وَمِلْكٍ ضُمَّ إلَى وَقْفٍ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْبَيْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَبُطْلَانُهَا لَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا. (وَبَيْعُ مَا لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ الْعَقْدِ كَبَيْعِ الصَّغِيرِ أَوْ وَصِيَّةِ مَالِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْعُهُمْ وَإِجَازَاتُهُمْ يَعْنِي الْأَبَ وَالْجَدَّ وَوَصِيُّهُمَا وَالْقَاضِي بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ الْعَقْدِ. (وَبَيْعٌ نُفِيَ فِيهِ الثَّمَنُ) فَإِنَّهُ إذَا نُفِيَ فَقَدْ نُفِيَ الرُّكْنُ فَلَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَقِيلَ: يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الْعَقْدِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ نَفْيُهُ صَارَ كَأَنَّهُ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ وَسَكَتَ عَنْهُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ كَمَا سَيَأْتِي. [حُكْمُ الْبَيْعِ الْبَاطِل] (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ (أَنَّ الْمَبِيعَ بِهِ لَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ (فَإِنْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ إلَّا بِالتَّعَدِّي، وَقِيلَ يَكُونُ مَضْمُونًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ الثَّمَنَ فَيَقُولُ اذْهَبْ بِهَذَا، فَإِنْ رَضِيتَ بِهِ اشْتَرَيْته بِمَا ذُكِرَ أَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّهِ فَذَهَبَ بِهِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ نَصَّ عَلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. [الْبَيْعِ الْفَاسِد] (الْبَيْع الْفَاسِد) ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْفَاسِدِ فَقَالَ (وَفَسَدَ مَا) أَيْ بَيْعٌ (سَكَتَ) أَيْ وَقَعَ السُّكُوتُ (فِيهِ عَنْ الثَّمَنِ) فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَبْطُلُ بِهِ بَلْ يَنْعَقِدُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ، فَإِذَا سَكَتَ كَانَ غَرَضُهُ الْقِيمَةَ فَكَأَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ فَيَفْسُدُ وَلَا يَبْطُلُ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمِلْكٍ ضُمَّ إلَى وَقْفٍ. . . إلَخْ) صَرَّحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَأَحْسَنَ بِذَلِكَ وَبِجَعْلِهِ مِنْ قِسْمِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ إذْ لَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ بَيْعِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَغَلَّطَ مَنْ جَعَلَهُ فَاسِدًا وَأَفْتَى بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَرَدَّ كَلَامَهُ فِي عَصْرِهِ بِجُمْلَةِ رَسَائِلَ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ هِيَ حُسَامُ الْحُكَّامِ مُتَضَمِّنَةٌ لِبَيَانِ فَسَادِ قَوْلِهِ وَبُطْلَانِ فَتْوَاهُ. (قَوْلُهُ: فَبُطْلَانُهَا) وَاضِحٌ بِرَدِّ مَالِكِ الْقِنِّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ لَكِنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي عَبَّرَ فِيهَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ أَحْسَنُ لِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْبَيْعِ عِنْدَ الْبَعْضِ فَيَرْجِعُ إلَى الْمُدَبَّرِ وَإِلَى الْوَقْفِ وَكَانَ الْأَحْسَنُ التَّعْلِيلَ بِكَوْنِهِمَا مَالًا لِإِطْبَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ نَفَاذِ بَيْعِ الْوَقْفِ الْعَامِرِ مِنْ غَيْرِ مُسَوِّغٍ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ كَالْمُتْلِفِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ قِنِّ الْغَيْرِ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ عِنْدَ الْكُلِّ

[بيع السمك قبل صيده]

(وَ) فَسَدَ أَيْضًا (بَيْعُ عَرْضٍ بِالْخَمْرِ وَعَكْسِهِ) ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ الْعَرْضِ إنَّمَا يَقْصِدُ تَمَلُّكَ الْعَرْضِ بِالْخَمْرِ وَفِيهِ إعْزَازٌ لِلْعَرْضِ لَا الْخَمْرِ فَبَقِيَ ذِكْرُ الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي تَمَلُّكِ الْعَرْضِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِ الْخَمْرِ حَتَّى فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ وَوَجَبَتْ قِيمَةُ الْعَرْضِ لَا الْخَمْرِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ الْخَمْرَ بِالْعَرْضِ بِأَنْ أَدْخَلَ الْبَاءَ فِي الْعَرْضِ إذْ يُعْتَبَرُ شِرَاءُ الْعَرْضِ لَا الْخَمْرِ لِكَوْنِهِ مُقَايَضَةً. (وَ) فَسَدَ أَيْضًا (بَيْعُهُ) أَيْ الْعَرْضِ (بِأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ حَتَّى لَوْ تَقَابَضَا مَلَكَ مُشْتَرِي الْعَرْضِ الْعَرْضَ) لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ الْعَقْدُ فِيمَا ضُمَّ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَبِيعَ مَعَهُ، وَلَوْ كَانُوا كَالْحُرِّ لَبَطَلَ. [بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ صَيْدِهِ] . (وَ) فَسَدَ بَيْعُ (سَمَكٍ لَمْ يُصَدْ) لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ (أَوْ صِيدَ وَأُلْقِيَ فِيمَا) أَيْ حَظِيرَةٍ (لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا بِحِيلَةٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ (وَإِنْ أُخِذَ بِدُونِهَا صَحَّ) لِأَنَّهُ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ (إلَّا إذَا دَخَلَ) فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ (وَلَمْ يَسُدَّ مَدْخَلَهُ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ. . (وَ) فَسَدَ أَيْضًا بَيْعُ (طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْأَخْذِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَيَكُونُ الْفَسَادُ بِمَعْنَى الْبُطْلَانِ وَبَعْدَهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، وَإِنَّمَا قَالَ (لَا يَرْجِعُ) لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إذَا كَانَ الطَّيْرُ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَلَا يَرْجِعُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَكْرٌ عِنْدَهُ يَطِيرُ مِنْهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ وَالْحَمَامُ إذَا عُلِمَ عَوْدُهَا وَأَمْكَنَ تَسْلِيمُهَا جَازَ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ. . (وَ) فَسَدَ أَيْضًا بَيْعُ (الْحَمْلِ) جَعَلَ بَيْعَ النِّتَاجِ بَاطِلًا وَبَيْعَ الْحَمْلِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْأَوَّلِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَعَدَمَ الثَّانِي مَشْكُوكٌ فِيهِ. . (وَ) فَسَدَ أَيْضًا بَيْعُ (أَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْعَقْدِ وَالْحَمْلُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا خِلْقَةً، وَبَيْعُ الْأَصْلِ يَتَنَاوَلُهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْمُوجِبِ فَلَمْ يَصِحُّ فَيَصِيرُ شَرْطًا فَاسِدًا وَالْبَيْعُ يَفْسُدُ بِهِ. [بَيْعُ لَبَنٍ فِي ضَرْع] . (وَ) فَسَدَ أَيْضًا بَيْعُ (لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ) لِلْغَرَرِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ نِفَاخًا (وَلُؤْلُؤٍ فِي صَدَفٍ) لِلْغَرَرِ (وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْهُ (وَجِذْعٍ فِي سَقْفٍ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) إذَا بَاعَ جِذْعًا فِي سَقْفٍ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ ثَوْبٍ يَعْنِي ثَوْبًا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَالْقَمِيصِ لَا الْكِرْبَاسِ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَ الْقَطْعَ أَوْ لَا إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ لَمْ يُوجِبْهُ الْعَقْدُ، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ وَتَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ كَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ وَذِرَاعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ فَإِنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ هَذَا الضَّرَرَ مَرْضِيٌّ بِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُفْسِدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا، وَلَوْ قَطَعَ الْبَائِعُ الذِّرَاعَ أَوْ قَلَعَ الْجِذْعَ قَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي عَادَ الْبَيْعُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ التَّقَرُّرِ. (وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ (وَالْمُزَابَنَةِ) وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِالثَّلَاثِ عَلَى النَّخِيلِ بِتَمْرٍ بِالتَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِثِنْتَيْنِ مَجْذُوذٍ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِشَبَهِ الرِّبَا (وَالْمُلَامَسَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْع الْمَضَامِين] قَوْلُهُ: وَفَسَدَ بَيْعُ سَمَكٍ لَمْ يُصَدْ) أَطْلَقَهُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَبَطَلَ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ صَيْدِهِ وَفَسَدَ لَوْ بِالْعَرْضِ. اهـ. فَمَحَلُّ الْفَسَادِ لَوْ بِيعَ بِمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. (قَوْلُهُ: أَوْ صِيدَ وَأُلْقِيَ. . . إلَخْ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ، وَإِنْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي حَظِيرَةٍ كَبِيرَةٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ فَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي بَيْعِ الْآبِقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَهُ بِدُونِهَا صَحَّ) أَقُولُ وَثَبَتَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَلَا يُعْتَدُّ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ فِي الْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ فِي الْمَاءِ وَخَارِجِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: لَا إذَا دَخَلَ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَسُدَّ مَدْخَلُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ) مَفْهُومُ التَّعْلِيلِ فِيهِ تَسَامُحٌ إذْ لَا بُدَّ مِنْ قُدْرَةِ التَّسْلِيمِ مَعَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمِلْكِ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ وَأَلْقَاهُ فِي حَظِيرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهَا إلَّا بِحِيلَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا دَخَلَ حَظِيرَةً يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهَا بِلَا حِيلَةِ فَسَادِهَا. [بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاء] (قَوْلُهُ: فَسَدَ بَيْعُ طَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ) الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا فِي السَّمَكِ قَبْلَ صَيْدِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَرْجِعُ. . . إلَخْ) أَقُولُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقْيِيدِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ كَانَ يَعْنِي الطَّيْرُ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ كَالْحَمَامِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا فِي الظَّاهِرِ. [بَيْعُ الْحَمْلِ] (قَوْلُهُ: وَفَسَدَ بَيْعُ الْحَمْلِ. . . إلَخْ) أَقُولُ صَرَّحَ بِفَسَادِهِ وَفَسَادِ بَيْعِ النِّتَاجِ فِي الِاخْتِيَارِ. وَفِي الْكَنْزِ عَطَفَهُ عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَالْمَيْتَةِ. وَفِي الْبُرْهَانِ جَعَلَ بَيْعَ الْحَمْلِ وَالنِّتَاجِ مِنْ الْبَاطِلِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلُؤْلُؤٍ فِي صَدَفٍ) أَقُولُ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) أَقُولُ هُوَ مِنْ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ مَرَّةً) أَقُولُ فَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ وَرَوَى فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ نَهَى عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ وَهُوَ الْغَوَّاصُ عَلَى اللَّآلِئِ، وَكَذَا رَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ حَيْثُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ هِيَ أَنْ يَقُولَ أَغُوصُ غَوْصَةً فَمَا أَخْرَجْته فَهُوَ لَك بِكَذَا وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ اهـ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.

[بيع شعر الخنزير]

وَالْمُنَابَذَةِ وَإِلْقَاءِ الْحَجَرِ) فَإِنَّهَا بُيُوعٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ عَلَى سِلْعَةٍ، فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ فَالْأَوَّلُ الْمُلَامَسَةُ وَالثَّانِي الْمُنَابَذَةُ وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا الثَّالِثُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ. . (وَ) فَسَدَ أَيْضًا بَيْعُ (الْكَلَا) بِالْقَصْرِ وَهُوَ مَا تَحْوِيهِ الْأَرْضُ مِنْ النَّبَاتِ (كَذَا) أَيْ يَفْسُدُ أَيْضًا (إجَارَتُهُ) أَمَّا فَسَادُ بَيْعِهِ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِلْبَائِعِ إذْ بِمُجَرَّدِ نَبَاتِ الْكَلَا فِي أَرْضِهِ لَا تَنْقَطِعُ شَرِكَةُ النَّاسِ عَنْهُ وَلَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْإِحْرَازُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَا وَالنَّارِ» ، وَأَمَّا فَسَادُ إجَارَتِهِ فَلِوُرُودِهَا عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَمَحَلُّ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ دُونَ الْأَعْيَانِ وَلَا يَلْزَمُ الصَّبْغُ وَاللَّبَنُ فِي اسْتِئْجَارِ الصَّبَّاغِ وَالظِّئْرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ ثَمَّةَ آلَةٌ لِإِقَامَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْإِجَارَةِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ لِيَضْرِبَ فِيهِ فُسْطَاطًا أَوْ لِيَجْعَلَهَا حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيُبِيحُ صَاحِبُ الْمَرْعَى الِانْتِفَاعَ لَهُ بِالرَّعْيِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَالنَّحْلِ) فَإِنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَصَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ مُحْرَزًا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً وَشَرْعًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالزَّنَابِيرِ وَالِانْتِفَاعُ لَيْسَ بِهِ بَلْ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفَعًا بِهِ قَبْلَ الْخُرُوجِ (إلَّا مَعَ كُوَّارَاتٍ فِيهَا الْعَسَلُ) فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ لَا يَجُوزُ مَعَهَا أَيْضًا لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ، كَذَا فِي الْكَافِي. (وَدُودِ الْقَزِّ) وَبَيْضُهُ فَإِنَّ بَيْعَهُمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي بِيضِهِ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدُّودَ مِنْ الْهَوَامِّ وَبِيضَهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ وَبِيضَهُمَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّودَ يُنْتَفَعُ بِهِ وَكَذَا بِيضُهُ فِي الْمَآلِ فَصَارَ كَالْجَحْشِ وَالْمُهْرِ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَعَاطَوْهُ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالِاسْتِصْنَاعِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْكَافِي. (وَالْآبِقِ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ (إلَّا مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ بَيْعُ آبِقٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا غَيْرُ آبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ قَالَ هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ فَبِعْهُ مِنِّي لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ آبِقٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ وَقِيلَ يَتِمُّ. (وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ إذْ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا فَكَذَا جُزْؤُهَا قُلْنَا نَفْسُهَا مَحَلٌّ لِلرِّقِّ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَحِلِّ الْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ (فِي وِعَاءٍ) قَدَحًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ قَيَّدَ بِهِ دَفْعًا لِمَا عَسَى يُتَوَهَّمُ أَنَّ بَيْعَهُ فِي الضَّرْعِ لَا يَجُوزُ كَسَائِرِ أَلْبَانِ الْحَيَوَانَاتِ وَفِي الْوِعَاءِ يَجُوزُ. [بَيْع شعر الْخِنْزِير] (وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (وَجَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرْزِ) وَنَحْوِهِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْأَسَاكِفَةَ يَحْتَاجُونَ فِي خَرْزِ النِّعَالِ وَالْأَخْفَافِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي شِرَائِهِ لِوُجُودِهِ مُبَاحَ الْأَصْلِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْكَلَا كَذَا إجَارَتُهُ) أَقُولُ بَيْعُهُ بَاطِلٌ وَإِجَارَتُهُ بَاطِلَةٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَصَحِيحٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ. . . إلَخْ) أَقُولُ أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّبِيعَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْحُقُوقِ كَالْمَفَاتِيحِ فَالْعَسَلُ تَابِعٌ لِلنَّحْلِ فِي الْوُجُودِ وَالنَّحْلُ تَابِعٌ لَهُ فِي الْمَقْصُودِ بِالْبَيْعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتِي) أَيْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ وَشَعْرُ الْخِنْزِيرِ) أَقُولُ هُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ.

دَلِيلُ طَهَارَتِهِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا تَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَحَالَةُ الْوُقُوعِ تَغَايُرُهَا. (وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ) ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ غَيْرُ مُبْتَذَلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ مُهَانًا مُبْتَذَلًا (كَذَا) أَيْ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ (الِانْتِفَاعُ بِهِ) لِمَا ذُكِرَ. (وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَهُوَ غَيْرُ الْمَدْبُوغِ مِنْهُ (وَيُبَاعُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ طَهُرَ بِالدِّبَاغِ (كَعَظْمِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا وَقَرْنِهَا) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يُبَاعُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ لِكَوْنِهِ طَاهِرًا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لِعَدَمِ حُلُولِ الْحَيَاةِ فِيهَا كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ (وَالْفِيلُ كَالسَّبُعِ) حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ عَظْمِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِعَظْمِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجَسُ الْعَيْنِ. . (وَ) فَسَدَ أَيْضًا بَيْعُ (زَيْتٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيُطْرَحَ عَنْهُ بِكُلِّ ظَرْفٍ كَذَا رِطْلًا بِخِلَافِ شَرْطِ طَرْحِ وَزْنِ الظَّرْفِ) ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ وَزْنُ الظَّرْفِ، فَإِذَا طَرَحَ كَذَا رِطْلًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الظَّرْفِ أَوْ أَقَلَّ (إلَّا إذَا عُرِفَ أَنَّ وَزْنَهُ كَذَا رِطْلًا) فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (اخْتَلَفَا فِي الزِّقِّ) يَعْنِي اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ وَرَدَّ الظَّرْفَ فَوَزَنَ فَجَاءَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إمَّا أَنْ يُعْتَبَرَ فِي تَعْيِينِ الزِّقِّ الْمَقْبُوضِ أَوْ مِقْدَارِ السَّمْنِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْمُشْتَرِي قَابِضٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ كَالْغَاصِبِ أَوْ أَمِينًا كَالْمُودَعِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ السَّمْنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ. (وَشِرَاءُ مَا بَاعَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَبَيْعُ عَرْضٍ أَيْ فَسَدَ شِرَاءُ مَا بَاعَ (بِالْأَقَلِّ) أَيْ بِأَقَلِّ مِمَّا بَاعَ (قَبْلَ النَّقْدِ) أَيْ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ صُورَتُهُ اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفٍ حَالَّةٍ أَوْ نَسِيئَةٍ فَقَبَضَهَا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَسَدَ الْبَيْعُ الثَّانِي. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ تَمَّ فِيهَا بِالْقَبْضِ فَصَارَ الْبَيْعُ مِنْ الْبَائِعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءً وَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِالْعَرْضِ، وَلَنَا أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ وَوَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بَقِيَ لَهُ خَمْسُمِائَةٍ وَهُوَ بِلَا عِوَضٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعَرْضِ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُجَانِسَةِ (بِخِلَافِ مَا ضُمَّ إلَيْهِ) . (وَبَيْعُ الْمَجْمُوعِ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ) صُورَتُهُ اشْتَرَى جَارِيَةً بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِخَمْسِمِائَةِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْبَائِعِ وَصَحِيحٌ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي صَاحِبَتِهَا وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا فَلَوْ اُعْتُبِرَتْ فِيمَا ضُمَّتْ إلَيْهَا كَانَ اعْتِبَارًا لِشُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. (صَحَّ بَيْعُ الطَّرِيقِ حُدَّ) أَيْ بُيِّنَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ (أَوْ لَا) أَيْ لَمْ يُحَدَّ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ يُقَدَّرُ بِعَرْضِ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ عَيْنًا مَعْلُومًا فَيَصِحُّ بَيْعُهُ (وَهِبَتُهُ) . وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة الطُّرُقُ ثَلَاثَةٌ: طَرِيقٌ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ. وَطَرِيقٌ إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ. وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ. فَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ) أَقُولُ بَيْعُهُ بَاطِلٌ كَرَجِيعِهِ فِي الْأَصَحِّ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ التُّرَابُ أَوْ السِّرْقِينُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ) أَقُولُ الْأَظْهَرُ أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ: وَالْفِيلُ كَالسَّبُعِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِالْعَرَضِ) أَقُولُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ هُنَا جِنْسٌ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا وَجَازَ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ

الْإِنْسَانِ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ إمَّا نَصًّا أَوْ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ أَوْ الْمَرَافِقِ وَالطَّرِيقَانِ الْآخَرَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ (لَا بَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ إذْ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ الْمَاءِ (وَصَحَّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا) لِلْأَرْضِ (بِالْإِجْمَاعِ وَوَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ بِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَبَيْعُ الْحُقُوقِ بِالِانْفِرَادِ لَا يَجُوزُ (وَالشِّرْبُ كَذَلِكَ) أَيْ صَحَّ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَوَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي لِأَنَّهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَجُزْ فِي أُخْرَى وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ (لَا بَيْعُ حَقِّ التَّسْيِيلِ وَهِبَتُهُ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ كَانَ حَقَّ التَّعَلِّي، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ مَجْهُولًا لِجَهَالَةِ مَحَلِّهِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَحَقِّ التَّعَلِّي أَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ لَا تَبْقَى وَهِيَ الْبِنَاءُ فَأَشْبَهَ الْمَنَافِعَ وَحَقَّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنٍ تَبْقَى وَهِيَ الْأَرْضُ فَأَشْبَهَ الْأَعْيَانَ. (وَلَا) الْبَيْعُ (إلَى النَّيْرُوزِ) مُعَرَّبُ نَوْرُوزٍ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الرَّبِيعِ (وَالْمِهْرَجَانِ) وَهُوَ الْخَرِيفُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ النَّيْرُوزَ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ نَيْرُوزِ السُّلْطَانِ وَنَيْرُوزِ الدَّهَّاقِينَ وَنَيْرُوزِ الْمَجُوسِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. (وَ) إلَى (صَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إذَا لَمْ يَعْرِفَاهُ) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ خُصُوصَ الْيَوْمِ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ، فَإِذَا عَرَفَاهُ جَازَ (بِخِلَافِ فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَمَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ) ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ بِالْأَيَّامِ مَعْلُومَةٌ وَهِيَ خَمْسُونَ يَوْمًا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ (وَقُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَطْعُ الزَّرْعِ (وَالدِّيَاسِ) وَهُوَ أَنْ يُوطَأَ الطَّعَامُ بِقَوَائِمِ الدَّوَابِّ أَوْ نَحْوِهَا (وَالْقِطَافِ) قَطْعُ الْعِنَبِ (وَالْجِدَادِ) قَطْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالصُّوفِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ (وَيَكْفُلُ إلَيْهَا) أَيْ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُتَحَمَّلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةٌ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فِي أَنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ أَوْ لَا (وَصَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ (إنْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ) لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا تَأْجِيلُ الدَّيْنِ، وَالْجَهَالَةُ فِي الدُّيُونِ مُتَحَمَّلَةٌ (وَبِشَرْطِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إلَى النَّيْرُوزِ أَيْ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ (لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (وَالْمَبِيعُ يَسْتَحِقُّهُ) أَيْ النَّفْعَ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا، وَإِنَّمَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّهُمَا إذَا قَصَدَا الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فَقَطْ خَلَا الشَّرْطُ عَنْ الْعِوَضِ، وَقَدْ وَجَبَ بِالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ فِيهِ فَكَانَ زِيَادَةً مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ خَالِيَةً عَنْ الْعِوَضِ فَيَكُونُ رِبًا وَكُلُّ عَقْدٍ شُرِطَ فِيهِ الرِّبَا يَكُونُ فَاسِدًا (كَشَرْطِ أَنْ يَقْطَعَهُ) أَيْ الْمَبِيعُ وَهُوَ ثَوْبٌ (الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَبَاءً) فَإِنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا (أَوْ) كَشَرْطِ (أَنْ يَحْذُوَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ وَهُوَ صَرْمٌ (نَعْلًا) يُقَالُ حَذَا لِي نَعْلًا أَيْ عَمِلَهَا (أَوْ) كَشَرْطِ (أَنْ يُشَرِّكَهَا) أَيْ النَّعْلَ مِنْ التَّشْرِيكِ أَيْ يَضَعَ عَلَيْهَا الشِّرَاكَ وَهُوَ سَيْرُهَا الَّذِي عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَصَحَّ) الْبَيْعُ (فِي النَّعْلِ) اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ فِيهِ فَصَارَ كَصَبْغِ الثَّوْبِ (أَوْ) كَشَرْطِ (أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ) أَيْ الْمَبِيعَ وَهُوَ عَبْدٌ هَذَا نَظِيرُ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ، وَإِنَّمَا قَالَ (شَهْرًا) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالطَّرِيقَانِ الْآخَرَانِ يَدْخُلَانِ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُدَافِعُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الطَّرِيقَ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ وَلَا يَكُونُ إلَّا فِي طَرِيقِ خَاصٍّ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَانَ حَقَّ التَّعَلِّي) لَعَلَّهُ كَحَقِّ التَّعَلِّي فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَالْجِدَادِ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ خَاصٌّ بِالنَّخْلِ وَبِالْمُعْجَمَةِ عَامٌّ فِي قَطْعِ الثِّمَارِ وَالْجِزَازِ بِالزَّايِ جَزُّ الصُّوفِ (قَوْلُهُ صَحَّ بَيْعُ الطَّرِيقِ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ وَلَا بَيْعُ الطَّرِيقِ بِدُونِ الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الشِّرْبِ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي جَائِزٌ اهـ. وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ الْآتِي وَفِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ. (قَوْلُهُ:. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة. . . إلَخْ) لَيْسَ مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَصَحَّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا. (قَوْلُهُ: فَالطَّرِيقُ الْخَاصُّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَمْلِكُ الْمُرُورَ فِيهِ إلَّا بِالْإِبَاحَةِ وَلَيْسَتْ لَازِمَةً لِلتَّمْلِيكِ، فَإِنْ أُرِيدَ إحَاطَةُ مِلْكِ إنْسَانٍ بِهَا صَحَّ لَكِنْ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ. الْبَيْعُ (إلَى النَّيْرُوزِ) . (قَوْلُهُ: وَصَحَّ إنْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ) يَعْنِي إنْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَيَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّرَاضِي، وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَقَعَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

فِيهِ الِاسْتِخْدَامَ (أَوْ يُدَبِّرَهُ أَوْ يُكَاتِبَهُ أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ لَا يُخْرِجُ الْقِنَّ) عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً (عَنْ مِلْكِهِ) هَذَا مِثَالٌ لِشَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمَبِيعِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُ فَإِنَّ الْقِنَّ يُعْجِبُهُ أَنْ لَا تَتَدَاوَلَهُ الْأَيْدِي فَيُوجَدُ زِيَادَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ الْعِوَضِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ وَفَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ (فَصَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ (بِشَرْطٍ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَا يَقْتَضِيهِ) الْعَقْدُ (وَلَا نَفْعَ فِيهِ لِأَحَدٍ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَ الدَّابَّةَ الْمَبِيعَةَ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَهْلٍ لِلنَّفْعِ. (جَازَ أَمْرُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَشِرَائِهِمَا أَوْ) أَمْرُ (الْمُحْرِمِ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمُحْرِمِ (بِبَيْعِ صَيْدِهِ) وَقَالَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَلِيهِ بِنَفْسِهِ فَلَا يُوَلِّيهِ غَيْرَهُ كَتَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ مَجُوسِيًّا بِتَزْوِيجِ مَجُوسِيَّةٍ وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي هَذَا الْبَابِ أَهْلِيَّتَانِ: أَهْلِيَّةُ الْوَكِيلِ وَهِيَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَلِلنَّصْرَانِيِّ ذَلِكَ وَأَهْلِيَّةُ الْمُوَكِّلِ وَهِيَ أَهْلِيَّةُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَهُ وَلِلْمُوَكِّلِ ذَلِكَ حُكْمًا لِلْعَقْدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ انْفِكَاكُ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ، أَلَا يَرَى إلَى صِحَّةِ ثُبُوتِ مِلْكِ الْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ إرْثًا إذَا أَسْلَمَ مُوَرِّثُهُ النَّصْرَانِيُّ وَمَاتَ عَنْ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَأَيْضًا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ النَّصْرَانِيُّ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا لِمَوْلَاهُ الْمُسْلِمِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا ثَبَتَ الْأَهْلِيَّتَانِ لَمْ يَمْتَنِعْ الْعَقْدُ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ جَالِبٌ لَا سَالِبٌ ثُمَّ الْمُوَكَّلُ بِهِ إنْ كَانَ خَمْرًا خَلَّلَهُ، وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا سَيَّبَهُ، وَقَدْ قَالُوا هَذِهِ الْوَكَالَةُ مَكْرُوهَةٌ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ (وَحُكْمُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِرِضَا بَائِعِهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً) بِأَنْ قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ (مَلَكَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قَبَضَهُ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَنَالُ بِهِ نِعْمَةَ الْمِلْكِ وَلِأَنَّ النَّهْيَ نَسْخٌ لِلْمَشْرُوعِيَّةِ لِتَنَافٍ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يُفِيدُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَصَارَ كَمَا إذَا بَاعَ بِالْمَيْتَةِ أَوْ بَاعَ الْخَمْرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَنَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَوَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ وَلَا شَكَّ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ وَرُكْنُهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَهُوَ حَاصِلٌ وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذْ النَّهْيُ عَمَّا لَا يُتَصَوَّرُ لَغْوٌ، وَتَحْقِيقُهُ مَا ذَكَرْت فِي مِرْقَاةِ الْأُصُولِ أَنَّ مَدَارَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْمَقْدُورِيَّةُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يَقْتَضِي كَوْنَهَا مَقْدُورَةً حِسًّا وَعَنْ الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ يَقْتَضِي كَوْنَهَا مَقْدُورَةً عَقْلًا وَعَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يَقْتَضِي كَوْنَهَا مَقْدُورَةً شَرْعًا وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا مَحْضًا، فَإِنَّ الطَّيَرَانَ مِنْ الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، فَإِذَا قُلْت لِشَخْصٍ لَا تَطِرْ يُنْكِرُهُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعْهُ لِانْتِفَاءِ الْقُدْرَةِ، وَكَذَا إذَا قُلْت لِلْأَعْمَى لَا تُبْصِرْ وَالْبَيْعُ مِنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِذَا نُهِيَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا شَرْعًا وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِ عُلَمَائِنَا النَّهْيُ عَنْ الْفِعْلِ الشَّرْعِيِّ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ بِأَصْلِهِ وَغَيْرَ الْمَشْرُوعِيَّةِ بِوَصْفِهِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ نَاظِرٌ إلَى الْمَقْدُورِ بِهِ شَرْعًا وَالثَّانِيَ إلَى النَّهْيِ فَنَفْسُ الْبَيْعِ مَشْرُوعٌ وَبِهِ يَنَالُ نِعْمَةَ الْمِلْكِ إنَّمَا الْحُرْمَةُ لِأَمْرٍ عَارِضٍ وَعَدَمُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَذَرًا عَنْ تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الدَّفْعِ بِالِاسْتِرْدَادِ فَبِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى لِأَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَالْمَيْتَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ، وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ. (وَلَزِمَهُ) أَيْ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ (مِثْلُهُ حَقِيقَةً) وَهُوَ الَّذِي يُمَاثِلُهُ صُورَةً وَمَعْنًى إنْ كَانَ الْهَالِكُ مِثْلِيًّا (أَوْ) مِثْلُهُ (مَعْنًى) فَقَطْ وَهُوَ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ الْهَالِكُ قِيَمِيًّا لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: جَازَ أَمْرُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ. . . إلَخْ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يَجُوزُ) هُوَ الْأَظْهَرُ وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الْجَوَازِ الْبُطْلَانُ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَتَوْكِيلُ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ خَمْرٍ وَبَيْعِهَا وَمُحْرِمٍ حَلَالًا بِبَيْعِ صَيْدٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَإِبْطَالُهُ هُوَ الْأَظْهَرُ اهـ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ بِرِضَى بَائِعِهِ صَرِيحًا) الصَّرِيحُ يَشْمَلُ مَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ قَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ) قَصْرُ الدَّلَالَةِ قَاصِرٌ لِأَنَّهَا تَشْمَلُ مَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَقْبُوضًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالْمَتْنُ يَحْتَمِلُهُ. (قَوْلُهُ: مَلَكَهُ) أَقُولُ لَكِنْ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعُ بِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَرَامًا كَبَيْعٍ وَأَكْلٍ وَوَطْءٍ، وَإِذَا رُدَّ أَوْ اسْتَرَدَّ لَزِمَهُ الْعُقْرُ لِلْبَائِعِ اهـ. وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَوْ اسْتَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَلَا يَغْرَمُ الْعُقْرَ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ الشِّرْبِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي كِتَابِ الشِّرْبِ عَلَيْهِ الْعُقْرُ. اهـ. وَأَقُولُ فِي لُزُومِ الْعُقْرِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي حَاصِلٌ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْبَائِعِ سَوَاءٌ قُلْنَا بِمِلْكِهِ الْعَيْنَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ قُلْنَا بِمِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ فَقَطْ عَلَى رَأْيِ الْعِرَاقِيِّينَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْخَمْرُ مُثَمَّنًا فَقَدْ مَرَّ وَجْهُهُ) وَالْوَجْهُ أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مَبِيعًا مَقْصُودًا بِجَعْلِ ثَمَنَهَا دَرَاهِمَ وَالْخَمْرُ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ بَطَلَ بَيْعُهَا، وَإِذَا كَانَتْ مَبِيعًا مِنْ وَجْهٍ بِمُقَابِلِهَا بِعَرْضٍ فَسَدَ فِيهِ وَوَجَبَ قِيمَتُهُ لِكَوْنِهِ مَبِيعًا مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مَحَلٌّ لِلتَّمْلِيكِ

بِالْقَبْضِ كَالْغَصْبِ وَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلَا يُعْتَبَرُ كَالْمَغْصُوبِ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَمْ يَقُلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ الْفَسْخِ وَاللَّامُ تُفِيدُ الْجَوَازَ (فَسْخُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ) دَفْعًا لِلْفَسَادِ (كَذَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْقَبْضِ (مَا دَامَ) أَيْ الْمَبِيعُ (فِي يَدِ الْمُشْتَرِي) لَمْ يَقُلْ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَلِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ إنْ كَانَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ لِمَا نَقَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ عَنْ التَّجْرِيدِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَا لِحَقِّ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِنَّهُمَا رَاضِيَانِ بِالْعَقْدِ. (فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ بَاعَ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا مَا قَبَضَهُ (أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِعْتَاقُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَهُ مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِالتَّصَرُّفِ الثَّانِي وَفَسْخُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَانَ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ كَالْغَصْبِ وَالْكِتَابَةُ وَالرَّهْنُ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُمَا لَازِمَانِ فَيَثْبُتُ عَجْزُهُ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ فَيَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إلَّا أَنَّ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ يَعُودُ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ وَفَكِّ الرَّهْنِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ قَبْلَ تَحَوُّلِ الْحَقِّ إلَى الْقِيمَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ فِي فَسْخِ الْفَاسِدِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ. (وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَبِهِ يُفْتَى، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهِ زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَنْظُرْهُ ثَمَّةَ (وَلَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ) أَيْ لَا يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بَائِعُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ (حَتَّى يَرُدَّ ثَمَنَهُ) لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُقَابَلٌ بِهِ فَيَصِيرُ مَحْبُوسًا بِهِ كَالرَّهْنِ (فَإِنْ مَاتَ) أَيْ الْبَائِعُ (فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِمَا اشْتَرَاهُ (حَتَّى يَأْخُذَ ثَمَنَهُ) لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ وَغُرَمَائِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَالْمُرْتَهِنِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذْهَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً أَخَذَ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةً. (طَابَ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ لَا الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ) صُورَتُهُ اشْتَرَى جَارِيَةً شِرَاءً فَاسِدًا وَتَقَابَضَا فَبَاعَهَا وَرَبِحَ فِيهَا تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ وَيَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَارِيَةَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهَا فَيَتَمَكَّنُ الْخُبْثُ فِي الرِّبْحِ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ الْعَقْدُ الثَّانِي بِعَيْنِهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الْخُبْثُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ قَائِمَةً يَأْخُذُهَا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ فَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قُلْتُمْ مِنْ عَدَمِ تَعْيِينِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قُلْنَا: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ لِهَذَا الْعَقْدِ شَبَهَيْنِ شَبَهَ الْغَصْبِ وَشَبَهَ الْبَيْعِ، فَإِذَا كَانَتْ قَائِمَةً اُعْتُبِرَ شَبَهُ الْغَصْبِ سَعْيًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا يُعْتَبَرُ شَبَهُ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَسْرِيَ الْفَسَادُ إلَى بَدَلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ أَقُولُ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يُفِيدُ التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامَيْ الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ دَلِيلًا لِلْمَسْأَلَةِ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْهِدَايَةِ فَالْوَجْهُ مَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهِيَ مَا مَرَّ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اعْلَمْ أَنَّ الْخُبْثَ فِي الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ) فَكَذَا عَلَى وَرَثَتِهِ كَذَا يُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً فَاشْتَرَى بِهَا شَيْئًا يُعْتَبَرُ شَبَهُ الْبَيْعِ) بِشِرَائِهِ بِهَا وَهِيَ مَعْدُومَةٌ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ الْحَالِيَّةِ فَلَا اعْتِرَاضَ.

[البيع الموقوف وأحكامه]

نَوْعَانِ خُبْثٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ظَاهِرًا وَخُبْثٌ لِفَسَادٍ فِي الْمِلْكِ وَالْمَالُ أَيْضًا نَوْعَانِ مَا يَتَعَيَّنُ كَالْعُرُوضِ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ فَالْخُبْثُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ يَعْمَلُ فِي النَّوْعَيْنِ كَالْمُودِعِ وَالْغَاصِبِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْعَرْضِ أَوْ النَّقْدِ وَرِبْحٍ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِمَا لِغَيْرِهِ ظَاهِرًا فِيمَا يَتَعَيَّنُ فَيَتَمَكَّنُ حَقِيقَةُ الْخُبْثِ وَفِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ يَتَمَكَّنُ شُبْهَةُ الْخُبْثِ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَكُونُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِهِ أَوْ تَقْدِيرُ الثَّمَنِ فَصَارَ مِلْكُ الْغَيْرِ وَسِيلَةً إلَى الرِّبْحِ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخُبْثِ، وَأَمَّا الْخُبْثُ لِفَسَادِ الْمِلْكِ فَيَعْمَلُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْمِلْكِ دُونَ عَدَمِ الْمِلْكِ فَيَنْقَلِبُ حَقِيقَةُ الْخُبْثِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ ثَمَّةَ شُبْهَةً هَاهُنَا فَتُعْتَبَرُ وَشُبْهَتُهُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ ثَمَّةَ تَنْقَلِبُ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ هُنَا فَلَا تُعْتَبَرُ. (كَمَا طَابَ رِبْحُ مَالٍ ادَّعَاهُ فَقَضَى ثُمَّ ظَهَرَ عَدَمُهُ بِالتَّصَادُقِ) صُورَتُهُ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَقَضَاهُ فَرَبِحَ فِيهِ الْمُدَّعِي ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالرِّبْحُ طَيِّبٌ؛ لِأَنَّ الْخُبْثَ هُنَا لِفَسَادِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بِالتَّصَادُقِ وَبَدَلُ الْمُسْتَحَقِّ مَمْلُوكٌ فَلَا يَعْمَلُ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ. (بَنَى فِي دَارٍ شَرَاهَا فَاسِدًا أَوْ غَرَسَ) فِي أَرْضٍ شَرَاهَا فَاسِدًا (لَزِمَهُ قِيمَتُهُمَا) أَيْ قِيمَةُ الدَّارِ وَالْأَرْضِ وَقَالَا لَا يُنْقَضُ الْبِنَاءُ وَتُرَدُّ الدَّارُ وَكَذَا الْغَرْسُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ إذْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَيَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَا يُورَثُ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ وَالْأَضْعَفُ إذَا لَمْ يَبْطُلْ بِشَيْءٍ فَالْأَقْوَى أَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلُ بِهِ وَحَقُّ الشَّفِيعِ لَا يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَحَقُّ الْبَائِع كَذَلِكَ وَلَهُ أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ حَصَلَا لِلْمُشْتَرِي بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ فَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ كَالْبَيْعِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الشَّفِيعِ إذْ التَّسْلِيطُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ آخَرَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْفَاسِدِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ قَدْ انْقَطَعَ هَاهُنَا وَعَلَى هَذَا صَارَ حَقُّ الشَّفِيعِ لِعَدَمِ التَّسْلِيطِ مِنْهُ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ لِوُجُودِهِ مِنْهُ. [الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَأَحْكَامِهِ] [بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ] (الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَأَحْكَامِهِ) ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَأَحْكَامِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَأَحْكَامِهِ فَقَالَ (وَوَقْفُ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ) عَلَى إجَازَتِهِ. (وَ) بَيْعُ (الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورَيْنِ) عَلَى إجَازَةِ مَوْلَاهُ وَعَلَى إجَازَةِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ. . (وَ) بَيْعُ (مَالِهِ فَاسِدِ عَقْلٍ غَيْرِ رَشِيدٍ) عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي (وَبَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَأَرْضٍ فِي مُزَارَعَةِ الْغَيْرِ) عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُزَارِعِ وَلَوْ تَفَاسَخَا الْإِجَارَةَ لَزِمَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ الْمَالَ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَدَّ الرَّهْنَ عَلَيْهِ تَمَّ الْبَيْعُ (وَبَيْعُ شَيْءٍ بِرَقْمِهِ) وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ تَوَقَّفَ إنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ نَفَذَ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بَطَلَ. (وَبَيْعُ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي بَاعَ شَيْئًا مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ بَكْرٍ لَا يَنْعَقِدُ الثَّانِي حَتَّى لَوْ تَفَاسَخَا الْأَوَّلَ لَا يَنْفُذُ الثَّانِي لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي الْمَنْقُولِ؛ أَمَّا لَا فِي الْعَقَارِ فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي سَيَأْتِي. (وَ) بَيْعُ (الْمُرْتَدِّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ مَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَوَقْفُ بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى إجَازَتِهِ) فَإِنْ أَجَازَ نَفَذَ الْبَيْعُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِهِ بِمَا يَتَعَيَّنُ أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى بِعَرْضٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ثُمَّ أَجَازَ مَوْلَى الْعَبْدِ جَازَ بَيْعُهُ وَالْمُشْتَرَى بِالْعَبْدِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ، فَإِنَّ اشْتِرَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَا يَتَوَقَّفُ وَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ قَاضِيًا ثَمَنَهُ بِالْعَبْدِ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الْمُشْتَرَى بِالْعَبْدِ لَهُ اهـ فَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ لُزُومِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا إذَا بِيعَ بِمَا لَا يَتَعَيَّنُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْفَلُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ مَالِهِ. . . إلَخْ) هَذَا التَّرْكِيبُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ الْخَانِيَّةِ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ إذَا بَلَغَ سَفِيهًا يَتَوَقَّفُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ عَلَى إجَازَةِ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَاضِي اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا بَاعَ مَالَهُ وَهُوَ غَيْرُ رَشِيدٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ) هَذَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ إلَّا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَمْلِكُ نَقْضَ الْبَيْعِ وَيَمْلِكُ إجَازَتَهُ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَمْلِكُ الْإِجَازَةَ لَا الْفَسْخَ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إنْ فَسَخَ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْأَصَحِّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَفَاسَخَا. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْ الْمُسْتَأْجِرُ حَتَّى انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بَيْنَهُمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ السَّابِقُ وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا لَمْ يُفْسَخْ الْبَيْعُ حَتَّى فُكَّ الرَّهْنُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ. اهـ. وَاَلَّذِي فِي قَاضِي خَانْ نَفَذَ الْبَيْعُ وَلَا يَفْسُدُ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَاضِي خَانْ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ) مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ لَا الْمَوْقُوفِ (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ نَفَذَ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّافِذَ لَازِمٌ وَهَذَا فِيهِ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بَطَلَ) غَيْرَ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا فَاسِدٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ بِخِلَافِ الْبَاطِلِ. [بَيْعُ الْمَبِيعِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي] (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فِي الْمَنْقُولِ لَا فِي الْعَقَارِ) سَقَطَ مِنْهُ حَرْفُ الْوَاوِ فِي الْعَقَارِ فَاخْتَلَّ وَالْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا كَمَا ذَكَرَ هُنَا لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُتَّحِدًا سَاغَ هَذَا التَّعْبِيرُ وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْمَنْقُولِ لَا وَفِي الْعَقَارِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ اهـ

[البيع المكروه وحكمه]

فِي بَابِهِ. (وَ) الْبَيْعُ (بِمَا بَاعَ فُلَانٌ) وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَعْلَمُ إنْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ (وَالْبَيْعُ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ بِهِ أَوْ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ بِهِ فُلَانٌ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ الشَّافِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، فَإِنْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَبَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْجَهَالَةِ وَلَوْ عُيِّنَتْ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ (وَبَيْعٌ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ) ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ. (وَبَيْعُ الْغَاصِبِ) فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ إنْ أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ ثُمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ جَحَدَ وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ بَيِّنَةٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ حَتَّى هَلَكَ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ (أَنَّهُ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِجَازَةَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ قَائِمًا) الْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ قَائِمًا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِحَيْثُ يُعَدُّ شَيْئًا آخَرَ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ ثَوْبَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَصَبَغَهُ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ رَبُّ الثَّوْبِ الْبَيْعَ جَازَ وَلَوْ قَطَعَهُ وَخَاطَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ (كَذَا الثَّمَنُ لَوْ) كَانَ (عَرْضًا) أَيْ كَمَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَبِيعِ يُشْتَرَطُ قِيَامُ الثَّمَنِ أَيْضًا إذَا كَانَ عَرْضًا (وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ الْمَذْكُورَيْنِ يُشْتَرَطُ قِيَامُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ الْمَبِيعِ حَتَّى لَوْ بَاعَ مَتَاعَ غَيْرِهِ فَمَاتَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ الْبَيْعَ فَأَجَازَ وَارِثُهُ لَا يَجُوزُ. (وَ) حُكْمُهُ أَيْضًا (إنْ أَخَذَ الثَّمَنَ) أَيْ أَخَذَ الْمَالِكُ الثَّمَنَ (أَوْ طَلَبَهُ) مِنْ الْمُشْتَرِي (لَيْسَ بِإِجَازَةٍ) لِلْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ (وَاخْتُلِفَ فِي أَحْسَنْت) فَقِيلَ إجَازَةٌ وَقِيلَ لَا. (وَ) قَوْلُهُ (لَا أُجِيزُ رَدٌّ لَهُ) أَيْ لِلْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: لَا أُجِيزُ بَيْعَ الْأَجِيرِ ثُمَّ أَجَازَ جَازَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْخُلَاصَةِ. (الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ وَحُكْمِهِ) ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ وَأَحْكَامِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ وَحُكْمِهِ فَقَالَ (وَكُرِهَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِوَاجِبِ السَّعْيِ إذَا قَعَدَا أَوْ وَقَفَا يَتَبَايَعَانِ، وَأَمَّا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ فَلَا كَرَاهَةَ. . (وَ) كُرِهَ (النَّجْشُ) وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ لِيَرْغَبَ غَيْرُهُ وَلَا يَزِيدَ الشِّرَاءَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَنَاجَشُوا. . (وَ) كُرِهَ (السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ بَعْدَ رِضَاهُمَا بِثَمَنٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَسْتَامُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطِبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» فَإِنَّهُ نَهْيٌ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَهُوَ أَبْلَغُ فَأَمَّا إذَا سَاوَمَهُ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَلَا بَأْسَ لِلْغَيْرِ أَنْ يُسَاوِمَهُ وَيَشْتَرِيهِ فَإِنَّهُ بَيْعُ مَنْ يَزِيدُ وَلِذَا قَالَ (بِخِلَافِ بَيْعِ مَنْ يَزِيدُ) فَإِنَّهُ جَائِزٌ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي الْخُطْبَةِ أَيْضًا. . (وَ) كُرِهَ أَيْضًا (تَلَقِّي الْجَلَبِ) أَيْ أَنْ يَتَلَقَّى بَعْضُ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمَجْلُوبَ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ (الْمُضِرِّ لِأَهْلِ الْبَلَدِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقَ الْأَمْرِ عَلَى الْحَاضِرِينَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا إذَا لَبَّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ وَاشْتَرَى بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: أَوْ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ فُلَانٌ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَالْبَيْعُ بِمَا بَاعَ فُلَانٌ وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ لَا الْمَوْقُوفِ. (قَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ) أَيْ وَلَهُ الْخِيَارُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا بَطَلَ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَمَا تَقَدَّمَ. (قَوْلُهُ: فِي شَرْحِ الشَّافِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) يَعْنِي فَيَكُونُ فَاسِدًا، فَإِنْ عَلِمَ الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ خُيِّرَ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْجَهَالَةِ) فَمُوجَبُهُ الْفَسَادُ لَا التَّوَقُّفُ كَمَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَشَرْحُهُ خَيْرٌ مِنْ مَتْنِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عُيِّنَتْ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ) أَيْ لِارْتِفَاعِ الْفَسَادِ وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَبَيْعٌ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ) لَيْسَ مِنْ الْمَوْقُوفِ وَالْخِيَارُ الْمَشْرُوطُ الْمُقَدَّرُ بِالْمَجْلِسِ صَحِيحٌ وَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِيهِ، وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ وَلَمْ يُقَدَّرْ لَهُ أَجَلٌ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ) ذَلِكَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ الَّذِي لَمْ يُشْرَطْ فِي الْعَقْدِ لَا نَقُولُ بِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا الْمَشْرُوطُ فِيهِ فَصَحِيحٌ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: إنْ أَقَرَّ بِهِ الْغَاصِبُ ثُمَّ الْبَيْعُ. . . إلَخْ) فِيهِ تَسَامُحٌ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِجَازَةَ إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ قَائِمًا) أَقُولُ هَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قِيَامُ الْمُزَوَّجِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ. (قَوْلُهُ: كَذَا الثَّمَنُ لَوْ كَانَ عَرَضًا) أَقُولُ وَتَكُونُ الْإِجَازَةُ إجَازَةَ نَقْدٍ لَا إجَازَةَ عَقْدٍ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا وَهُوَ نَافِذٌ هُنَا عَلَى الْفُضُولِيِّ وَصَارَ مُسْتَقْرِضًا عَرَضَ الْمُجِيزِ ضِمْنًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَهُ وَقَرْضُ الْقِيَمِيِّ ضِمْنًا جَائِزٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ عَرَضٍ فَالثَّمَنُ يَكُونُ لِلْمُجِيزِ وَهِيَ إجَازَةُ عَقْدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَظَاهِرُهُ شُمُولُ بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ صَرْفًا فَيَكُونُ إجَازَةَ عَقْدٍ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ أَيْضًا إنْ أَخَذَ الثَّمَنَ أَوْ طَلَبَهُ لَيْسَ بِإِجَازَةٍ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ ثُمَّ فِي الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ إذَا أَخَذَ الثَّمَنَ أَوْ طَلَبَهُ يَكُونُ إجَازَةً وَهُوَ الصَّوَابُ. (قَوْلُهُ: كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْخُلَاصَةِ) فِيهِ التَّأَمُّلُ الَّذِي عَلِمْته وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُ قَاضِي خَانْ وَمِنْ الْبُيُوعِ الْمَوْقُوفَةِ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. [الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ وَحُكْمِهِ] [الْبَيْعُ عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ] (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ فَلَا كَرَاهَةَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا مُشْكِلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى عَنْ الْبَيْعِ مُطْلَقًا فَمَنْ أَطْلَقَهُ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ يَكُونُ تَخْصِيصًا وَهُوَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ. [بَيْع النَّجْش] (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ النَّجْشُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَرُوِيَ بِالسُّكُونِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّاغِبُ فِي السِّلْعَةِ يَطْلُبُهَا بِمِثْلِ ثَمَنِهَا، أَمَّا إذَا طَلَبَهَا بِدُونِ ثَمَنِهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَزِيدَ إلَى أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتَهَا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي الْخِطْبَةِ) يُتَأَمَّلُ فِي مَرْجِعِ ضَمِيرِهِ وَإِفَادَتِهِ حُكْمَيْنِ

[تلقي الجلب]

(وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي زَمَانَ الْقَحْطِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَهَذَا إذَا كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي قَحْطٍ وَهُوَ يَبِيعُ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ رَغْبَةً فِي الثَّمَنِ الْغَالِي فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِعَدَمِ الْإِضْرَارِ وَقِيلَ صُورَتُهُ أَنْ يَجِيءَ الْبَادِي بِالطَّعَامِ إلَى مِصْرٍ فَيَتَوَكَّلُ الْحَاضِرُ عَلَى الْبَادِي وَيَبِيعُ الطَّعَامَ وَيُغَالِي السِّعْرَ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَبَاعَ بِنَفْسِهِ وَرَخَّصَ فِي السِّعْرِ (وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ صَغِيرٍ وَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «وَوَهَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ غُلَامَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ فَقَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرِكْ أَدْرِكْ» وَيَرْوِي «اُرْدُدْ اُرْدُدْ» وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ، وَالْكَبِيرُ يُنْفِقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ بِاعْتِبَارِ الشَّفَقَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ قَرِيبِ الْقَرَابَةِ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَى الصِّغَارِ، وَقَدْ أَوْعَدَ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ) إذْ لَيْسَ هُنَا تَرْكُ الْمَرْحَمَةِ عَلَيْهِمَا (وَالزَّوْجَيْنِ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مُحَرَّمٌ غَيْرُ قُرْبٍ وَلَا قَرِيبٍ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْبَيْعِ مَكْرُوهٌ (أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ) ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْبَيْعِ لَا فِي صُلْبِهِ وَلَا فِي شَرَائِطِ صِحَّتِهِ وَمِثْلُ هَذَا النَّهْيِ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ بَلْ الْكَرَاهَةَ (وَلَا يَجِبُ فَسْخُهُ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي الْفَاسِدِ لِدَفْعِ الْحُرْمَةِ وَلَا حُرْمَةَ هَاهُنَا (وَيَمْلِكُ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ حَذَرًا عَنْ تَقْرِيرِ الْفَسَادِ الْمُجَاوِرِ وَلَا فَسَادَ هَاهُنَا (وَيَجِبُ الثَّمَنُ لَا الْقِيمَةُ) إنْ هَلَكَ الْمَقْبُوضُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لَا وُجُوبُ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ الْغَصْبِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. (بَابُ الْإِقَالَةِ) (هِيَ) لُغَةً الْإِسْقَاطُ وَالرَّفْعُ وَشَرْعًا (رَفْعُ الْبَيْعِ وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ) فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الْإِقَالَةُ تَثْبُتُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْمَاضِي وَالْآخَرُ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ أَقِلْنِي وَيَقُولُ صَاحِبُهُ أَقَلْتُكَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ كَالْبَيْعِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنْ الْمَاضِي. وَفِي الْفَتَاوَى اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَتَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْآخَرِ فِي الْمَجْلِسِ) فِي التَّجْرِيدِ يَتَوَقَّفُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجْلِسِ وَكَمَا يَصِحُّ قَبُولُهَا فِي مَجْلِسِهَا نَصًّا بِالْقَوْلِ يَصِحُّ قَبُولُهَا دَلَالَةً بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا قَطَعَهُ قَمِيصًا فَوْرَ مَقَالَةِ الْمُشْتَرِي (وَهِيَ فَسْخُ فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُمْ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فَسْخًا فِيمَا هُوَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بَلْ وَجَبَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَالْإِقَالَةُ فِيهِ تُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَيْضًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ عَيْنًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [تَلَقِّي الْجَلَبِ] قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا) كَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ وَلَهُ إعْتَاقُ أَحَدِهِمَا وَبَيْعُهُ مِمَّنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ إنْ اشْتَرَاهُ أَوْ مَلَكَهُ. [بَابُ الْإِقَالَةِ] قَالَ: الْعَيْنِيُّ هِيَ مَصْدَرٌ مِنْ أَقَالَ أَجْوَفُ يَائِيٌّ وَمَعْنَاهُ الْقَلْعُ وَالرَّفْعُ اهـ. وَقَالَ: الْكَمَالُ قِيلَ: الْإِقَالَةُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْهَمْزَةُ لِلسَّلْبِ فَأَقَالَ بِمَعْنَى أَزَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْبَيْعُ كَشَكَاهُ أَزَالَ شِكَايَتَهُ وَدَفَعَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا أَقِلْته بِالْكَسْرِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ يَاءٌ لَا وَاوٌ فَلَيْسَ مِنْ الْقَوْلِ وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْإِقَالَةَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ الْقَافِ مَعَ الْيَاءِ لَا مَعَ الْوَاوِ وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ اللُّغَةِ قَالَ الْبَيْعَ قَيْلًا وَإِقَالَةً فَسَخَهُ اهـ. وَكَذَا ذَكَرَ مِثْلَهُ الْعَيْنِيُّ مُصَرِّحًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْقَوْلِ لَقِيلَ قُلْته بِالضَّمِّ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَادَّةُ قَافْ لَامْ بَلْ لَوْ قَالَ تَرَكْتُ الْبَيْعَ وَقَالَ الْآخَرُ رَضِيتُ أَوْ أَجَزْتُ تَمَّتْ وَيَجُوزُ قَبُولُ الْإِقَالَةِ دَلَالَةً بِالْفِعْلِ كَمَا إذَا قَطَعَهُ قَمِيصًا فِي فَوْرِ قَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقَلْتُكَ وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْتُكَ. اهـ. فَقَوْلُ الْجَوْهَرَةِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي يَعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْتُ فَهُوَ بَيْعٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ اهـ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرَ جَوَازِهَا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ دُونَ الْمُتَارَكَةِ وَالدَّلَالَةِ بَلْ الِاحْتِرَازُ عَنْ عَدَمِ حُصُولِهَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: الْإِقَالَةُ تَثْبُتُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْ الْمَاضِي) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ) جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ مُقَابِلًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ مَتْنًا وَيُرَجِّحُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا كَوْنُ الْإِمَامِ مَعَهُ عَلَى مَا فِي قَاضِي خَانْ

قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ ثُمَّ تَقَايَلَا عَادَ الدَّيْنُ حَالًّا كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَكَمَا إذَا تَقَايَلَا ثُمَّ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمَبِيعَ مَلَّكَهُ وَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَاعَهُ، ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ فَسْخًا لَقُبِلَتْ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ وَادَّعَى الْمَبِيعَ رَجُلٌ وَشَهِدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذْ بِالْفَسْخِ عَادَ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَلَقِّيًا مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَسْخًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهَا فَسْخًا فُرُوعًا ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَبَطَلَتْ) أَيْ الْإِقَالَةُ (بَعْدَ وِلَادَةِ الْمَبِيعَةِ) لِامْتِنَاعِ الْفَسْخِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا مَحْضًا لَجَازَ قَالُوا هَذَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَهُ فَالْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ وَذَكَرَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَصَحَّتْ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا بَاعَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ إقَالَتُهُ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَقْفِ وَحَقِّ الصَّغِيرِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ غَيْرَ جِنْسِهِ) أَيْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (أَوْ الْأَقَلِّ) أَيْ صَحَّتْ الْإِقَالَةُ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ شَرَطَ غَيْرَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ وَالْفَسْخُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الشَّرْطَ فَاسِدٌ وَالْإِقَالَةُ لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ كَمَا سَيَأْتِي (إلَّا إذَا تَعَيَّبَ) أَيْ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ أَوْ الْأَقَلُّ فَإِنَّ الْإِقَالَةَ حِينَئِذٍ تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الْفَائِتِ بِالْعَيْبِ وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ بِهِ لِلُزُومِ الرِّبَا كَمَا مَرَّ وَلَا رِبَا فِي الْفَسْخِ وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَجَازَ لِلْبَائِعِ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ) يَعْنِي إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْهُ ثَانِيًا جَازَ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَفَسَدَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا. وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ. (وَ) جَازَ (بَيْعُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِلَا إعَادَةِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، وَقَدْ بَاعَهُ مِنْهُ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ ثُمَّ تَقَايَلَا وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيدَ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ جَازَ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ يَجُزْ. وَذَكَرَ السَّادِسَ بِقَوْلِهِ. (وَ) جَازَ (هِبَةُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَتْ الْهِبَةُ وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَبَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَسْخٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْخِلَافُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ الْفَسْخَ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَلَوْ ذَكَرَ بِلَفْظِ الْمُفَاسَخَةِ أَوْ الْمُتَارَكَةِ لَا يُجْعَلُ بَيْعًا اتِّفَاقًا إعْمَالًا لِمَوْضُوعِهِ اللُّغَوِيِّ، وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِهَا بَيْعًا فُرُوعًا ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَتَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ لَا يُنَافِي أَخْذَهَا فِي الْإِقَالَةِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَقَايَلَا يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ لِكَوْنِهِ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَلَا يَرُدُّ الْبَائِعُ الثَّانِيَ عَلَى الْأَوَّلِ بِعَيْبٍ عَلِمَهُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الْإِقَالَةِ يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّهِ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالُوا هَذَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ) صِيغَةُ قَالُوا تُذْكَرُ فِيهَا فِيهِ خِلَافٌ وَلَمْ أَرَهُ وَالْكَمَالُ قَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ جَازَ مَا بِهِ دُونَ هَذِهِ الصِّيغَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْقَبْضِ يَتَعَذَّرُ مَعَهَا الْفَسْخُ حَقًّا لِلشَّرْعِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تُمْنَعُ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسِّمَنِ لَا تُمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَاعَ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْوَصِيُّ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ) يَعْنِي أَوْ اشْتَرَيَا بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ وَنَصَّ عَلَى شِرَاءِ الْمُتَوَلِّي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَصِيِّ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَالْوَقْفِ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ حِصَّةِ مَا فَاتَ مِنْ الْعَيْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرَ مِنْهُ، كَذَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَيَّدَ بِالْعَيْبِ لَمَّا قَالَ الْكَمَالُ (فَرْعٌ) بَاعَ صَابُونًا رَطْبًا ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَمَا جَفَّ فَنَقَصَ وَزْنُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ الْمَبِيعِ بَاقٍ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا تَقَايَلَا وَلَمْ يَرُدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ. . . إلَخْ) إنَّمَا ذَكَرَ الْعِنَايَةَ لِتَقْيِيدِهِ بِبَيْعِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَقَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالْعَقَارِ جَازَ بَيْعُهُ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي أَيْضًا وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا ذُكِرَ الْفَسْخُ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ. . . إلَخْ) يُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرَةِ إنَّمَا جُعِلَتْ الْإِقَالَةُ فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَمَلًا بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهَا يُنْبِئُ عَنْ الْفَسْخِ وَالرَّفْعِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِمَعْنَى الْإِقَالَةِ لَا بِلَفْظِهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْمَعْنَى مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ بِالتَّرَاضِي وَهَذَا حَدُّ الْبَيْعِ فَاعْتَبَرْنَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَاعْتُبِرْنَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ نَعْكِسْ بِأَنْ نَعْتَبِرَ اللَّفْظَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالْعَمَلَ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّهِمَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَائِمٌ بِالْمُتَعَاقِدِينَ وَاللَّفْظُ لَفْظُ الْفَسْخِ فَاعْتَبَرْنَا جَانِبَ اللَّفْظِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِقِيَامِ اللَّفْظِ بِهِمَا، وَإِذَا اعْتَبَرْنَا لَفْظَ الْفَسْخِ فِي حَقِّهِمَا نُعَيِّنُ الْعَمَلَ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا لَا مَحَالَةَ لِلْعَمَلِ بِالشَّبَهَيْنِ

[باب المرابحة والتولية والوضيعة]

مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ إذَا بَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَوْهُوبَ مِنْ آخَرَ فَتَقَايَلَا) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَوْهُوبًا فَبَاعَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ تَقَايَلَا لَيْسَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَالْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ الْمَبِيعَ مِنْ آخَرَ قَبْلَ النَّقْدِ جَازَ لِلْبَائِعِ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِالْأَقَلِّ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ آخَرَ ثُمَّ تَقَايَلَا وَعَادَ إلَى الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ وَكَانَ فِي حَقِّ الْبَائِعِ كَالْمَمْلُوكِ بِشِرَاءٍ جَدِيدٍ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي. وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ، (وَإِذَا اشْتَرَى) بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ بَعْدَ الْحُلُولِ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ (وَاسْتَرَدَّ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ بَعْدَمَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَاسْتَرَدَّ الْعُرُوضَ فَهَلَكَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَهُوَ الْفَقِيرُ إلَّا أَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إقَالَةٌ (وَهَلَاكُ الْمَبِيعِ يَمْنَعُهَا) أَيْ الْإِقَالَةَ (لَا هَلَاكُ الثَّمَنِ) لِأَنَّهَا رَفْعُ الْبَيْعِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمَبِيعُ لَا الثَّمَنُ وَلِهَذَا إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ هَلَاكِ الثَّمَنِ (وَهَلَاكُ بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الْمَبِيعِ يَمْنَعُهَا (بِقَدْرِهِ) اعْتِبَارٌ لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَلَوْ تَقَايَضَا جَازَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا وَلَا تَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْبَيْعُ بَاقِيًا. (بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْوَضِيعَةِ) (الْأُولَى بَيْعُ مَا مَلَكَهُ) لَمْ يَقُلْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي لِيَتَنَاوَلَ مَا إذَا ضَاعَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ ثُمَّ وَجَدَهُ حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً عَلَى مَا ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرَاءٌ (بِمِثْلِ مَا قَامَ عَلَيْهِ) لَمْ يَقُلْ بِثَمَنِهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي لَيْسَ ثَمَنُهُ الْأَوَّلَ بَلْ مِثْلَهُ وَقَالَ بِمِثْلِ مَا قَامَ عَلَيْهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَضُمَّ أَجْرَ الْقَصَّارِ وَنَحْوِهِ إلَى الثَّمَنِ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا (بِزِيَادَةٍ) عَلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ (وَالثَّانِيَةُ بَيْعُهُ بِهِ) أَيْ بِمَا قَامَ عَلَيْهِ (بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ الزِّيَادَةِ (وَالثَّالِثَةُ بَيْعُهُ بِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا قَامَ عَلَيْهِ (وَشَرْطُهَا) أَيْ الْبُيُوعِ الثَّلَاثَةِ (شِرَاؤُهُ) أَيْ شِرَاءُ مَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً وَنَحْوِهَا (بِمِثْلِيٍّ) مِنْ الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ (أَوْ مَمْلُوكٍ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ) وَاللَّامُ فِي (لِلْمُشْتَرِي) مُتَعَلِّقٌ بِمَمْلُوكٍ (وَالرِّبْحُ مِثْلِيٌّ مَعْلُومٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْبُيُوعَ لَا تَصِحُّ إذَا كَانَ عِوَضُ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ سَابِقًا قِيَمِيًّا لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَتِهَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْخِيَانَةِ فِي الْقِيَمِيَّاتِ إنْ أَمْكَنَ فَقَدْ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ شُبْهَتِهَا لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَشْتَرِي الْمَبِيعَ إلَّا بِقِيمَةِ مَا دَفَعَ فِيهِ مِنْ الثَّمَنِ إذْ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ عَيْنِهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا دَفْعُ مِثْلِهِ إذْ الْغَرَضُ عَدَمُهُ فَتَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ تُعْرَفُ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ فَيَتَمَكَّنُ فِيهِ شُبْهَةُ الْخِيَانَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً مِمَّنْ مَلَكَ ذَلِكَ الْبَدَلَ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَاشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحٍ مَعْلُومٍ مِنْ دَرَاهِمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالْمُشْتَرِي إذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ. . . إلَخْ) حِيلَةٌ لِلشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْخَامِسَ. . . إلَخْ) يُزَادُ سَادِسٌ هُوَ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ صَرْفًا فَالتَّقَابُضُ مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِقَالَةِ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الشَّرْعِ كَبَيْعٍ جَدِيدٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَهَلَاكُ بَعْضِهِ بِقَدْرِهِ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ أَرْشَهَا ثُمَّ تَقَايَلَا رَدَّ الثَّمَنَ كُلَّهُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ وَيَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقَايَضَا) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ أَيْ تَبَايَعَا بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ فَهَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ جَازَتْ الْإِقَالَةُ وَعَلَى مُشْتَرِي الْهَالِكِ قِيمَتُهُ أَوْ مِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَيُسَلِّمُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ تَقَايَلَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِمَا قَائِمَانِ ثُمَّ هَلَكَ أَحَدُهُمَا صَحَّتْ وَلَوْ هَلَكَ الْآخَرُ قَبْلَ الرَّدِّ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَتَصِحُّ الْإِقَالَةُ بَعْدَ هَلَاكٍ عَرَضَ جُعِلَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ وَقَبَضَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْهَالِكِ أَوْ مِثْلَهُ كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْمُقَايَضَةِ وَهَلَاكِ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ الْإِقَالَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ رَدِّ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بَلْ يَرُدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ فَلَا تَتَعَلَّقُ الْإِقَالَةُ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْبِيَاعَاتِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ. [بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْوَضِيعَةِ] (بَابُ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْوَضْعِيَّةِ) (قَوْلُهُ: الْأُولَى بَيْعُ مَا مَلَكَهُ. . . إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ الْمِثْلِيُّ إذَا غَيَّبَهُ الْغَاصِبُ وَقَضَى عَلَيْهِ بِمِثْلِ مِلْكِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ رِبًا وَلَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بَيْعٌ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا شِرَاؤُهُ) يَرُدُّ عَلَيْهِ الْمَغْصُوبُ الْقِيَمِيَّ إذْ لَيْسَ فِيهِ شِرَاءٌ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ لَمَّا عَبَّرَ بِهِ أَنْ يَقُولَ وَشَرْطُهَا مِلْكُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا فَرَّ مِنْهُ

أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفِ لِاقْتِدَارِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِرِبْحٍ زِيَادَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبَعْضِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَصَارَ الْبَائِعُ بَائِعًا لِلْمَبِيعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الْقِيَمِيِّ كَالثَّوْبِ مَثَلًا وَبِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الثَّوْبِ وَالْجُزْءُ الْحَادِيَ عَشَرَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا يَجُوزُ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (ضَمُّ أَجْرِ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالْكَسْرِ مَا يُصْبَغُ بِهِ (وَالطِّرَازِ) عَلَمُ الثَّوْبِ (وَالْفَتْلِ وَالْحَمْلِ وَطَعَامِ الْمَبِيعِ وَكِسْوَتِهِ وَسُوقِ الْغَنَمِ وَالسِّمْسَارِ الْمَشْرُوطِ أَجْرُهُ فِي الْعَقْدِ) فَإِنَّ أُجْرَةَ السِّمْسَارِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ وَإِلَّا فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَضُمُّ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ فَإِنَّهَا لَا تَضُمُّ اتِّفَاقًا (إلَى ثَمَنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ضُمَّ، وَإِنَّمَا ضُمَّتْ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَأَخَوَاتِهِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ كَالْحَمْلِ وَالسُّوقِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَيُلْحِقُ أُجْرَتَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ فَعَلَ الْمُشْتَرِي بِيَدِهِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ مِنْ الْفَتْلِ وَنَحْوِهِ لَا يَضُمُّهُ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ قِيمَتِهِ يَضُمُّ وَمَا لَا فَلَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ (ضَمُّ أَجْرِ الطَّبِيبِ) لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ شَيْئًا فِي الْعَيْنِ وَلَا فِي الْقِيمَةِ. (وَ) أَجْرُ (الْمُعَلِّمِ) لِأَنَّ أَجْرَهُ لَمْ يُزِدْ مَالِيَّةَ الْمَبِيعِ فَإِنَّ التَّعَلُّمَ حَصَلَ فِيهِ لِذِهْنِهِ وَشَغْلِهِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُهُ شَرْطًا وَهُوَ لَا يَكْفِي فِي الضَّمِّ (وَالدَّلَّالِ وَالرَّاعِي وَنَفَقَةِ نَفْسِهِ) فَإِنَّهَا لَا تَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ شَيْئًا بِخِلَافِ أَجْرِ السِّمْسَارِ الْمَشْرُوطِ وَنَفَقَةِ الْمَبِيعِ كَمَا مَرَّ. (وَجُعْلُ الْآبِقِ وَكِرَاءُ بَيْتِ الْحِفْظِ) فَإِنَّهُمَا أَيْضًا لَا يَزِيدَانِ شَيْئًا بِخِلَافِ كِرَاءِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ لِإِفَادَتِهِ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ (وَيَقُولُ) الْبَائِعُ حِينَ الْبَيْعِ وَضَمُّ مَا يَجُوزُ ضَمُّهُ (قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا لَا اشْتَرَيْته بِكَذَا) تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ (خَانَ) أَيْ الْبَائِعُ (فِي الْمُرَابَحَةِ) أَيْ ظَهَرَ خِيَانَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِنُكُولِهِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ (أَخَذَهُ) أَيْ الْمَبِيعِ (بِثَمَنِهِ أَوْ رَدَّهُ وَفِي التَّوْلِيَةِ حَطَّ) إذْ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِي التَّوْلِيَةِ لَمْ تَبْقَ تَوْلِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ مُرَابَحَةً فَيَتَغَيَّرُ بِهِ التَّصَرُّفُ وَلَوْ لَمْ يَحُطَّ فِي الْمُرَابَحَةِ تَبْقَى مُرَابَحَةً عَلَى حَالِهَا، وَإِنْ كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ مِمَّا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الرِّضَا. (وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ) أَوْ اسْتَهْلَكَهُ فِي الْمُرَابَحَةِ (قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ حَدَثَ بِهِ مَانِعٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّدِّ (لَزِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا اشْتَرَاهُ بِرِبْحٍ ده يازده فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنَّ مَعْنَى ده يازده كُلُّ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرَ وَهَذَا فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْعَشَرَاتِ وَهُوَ بِتَقْدِيمِ الْعَبْدِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ ده يازده مَعْنَاهُ الْعَشَرَةُ أَحَدُ عَشَرَ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رِبْحُهَا وَاحِدٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَة وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ مَفْهُومِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَزِمَ ذَلِكَ رَفْعًا لِلْجَهَالَةِ وَلَا تَثْبُتُ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَابَحَةُ عَلَى الْعَبْدِ بده يازده يَقْتَضِي أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِهِ أَوْ بِمِثْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ كُلُّ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَبْدِ رِبْحُهَا جُزْءٌ آخَرُ مِنْهُ وَحِينَ عَرَفَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسِّمْسَارِ الْمَشْرُوطِ أَجْرُهُ فِي الْعَقْدِ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَيَضُمُّ أُجْرَةَ السِّمْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ لَا يَضُمُّ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعُرْفُ وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تَضُمُّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَطَعَامِ الْمَبِيعِ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا مَا كَانَ صَرْفًا أَيْ فَيَسْقُطُ الزَّائِدُ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَيُحْسَبُ مَا عَدَاهُ اهـ. وَيَضُمُّ عَلَفَ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَأَلْبَانِهَا وَبَيْضِهَا وَأَصْوَافِهَا وَسَمْنِهَا فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا نَالَ وَيَضُمُّ مَا زَادَ بِخِلَافِ أَجْرِ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ وَالدَّارِ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أُجْرَةِ الدَّلَّالِ فَإِنَّهَا لَا تُضَمُّ اتِّفَاقًا) مَبْنَاهُ عَلَى الْعَادَةِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَقِيلَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ لَا تَضُمُّ كُلَّ هَذَا مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ التُّجَّارِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلَ الْمُشْتَرِي بِيَدِهِ إلَخْ) كَذَا لَا يَضُمُّ مِنْهَا شَيْئًا تَطَوَّعَ بِهِ مُتَطَوِّعٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: وَأَجْرُ الْمُعَلِّمِ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعْلِيمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً وَكَوْنُهُ بِمُسَاعَدَةِ الْقَابِلِيَّةِ فِي الْمُتَعَلِّمِ هُوَ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ فَلَا يَمْنَعُ نِسْبَتَهُ إلَى التَّعْلِيمِ كَمَا لَا يَمْنَعُ نِسْبَتَهُ إلَى الصَّبْغِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَالتَّعْلِيمُ عِلَّةٌ عَادِيَةٌ فَكَيْفَ لَا يُضَمُّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ قَالَ وَكَذَا تَعْلِيمُ الْغِنَاءِ وَالْعَرَبِيَّةِ قَالَ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ ظَهَرَ خِيَانَتُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارُهُ أَوْ بِنُكُولِهِ) هُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ بِدَعْوَاهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَيِّنَةٌ وَلَا نُكُولٌ وَأُلْحِقَ سَمَاعُهَا كَدَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الْحَطِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ. . . إلَخْ) لُزُومُ جَمِيعِ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ عَلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

بِكُلِّ الثَّمَنِ) الْمُسَمَّى (وَسَقَطَ خِيَارُهُ) لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ اخْتِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي الْجُزْءُ الْفَائِتُ وَعِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ يَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ. (شَرَى ثَانِيًا بَعْدَ بَيْعِهِ بِرِبْحٍ فَإِنْ رَابَحَ) أَيْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً (طَرَحَ عَنْهُ مَا رَبِحَ) أَيْ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ (وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحُ الثَّمَنَ لَمْ يُرَابِحْ) صُورَتُهُ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعِشْرِينَ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِثَلَاثِينَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِعَشَرَةٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ وَبَاعَهُ بِأَرْبَعِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا لِأَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ الْأَوَّلِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالْوُقُوفِ عَلَى عَيْبٍ وَالشُّبْهَةُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ كَالْحَقِيقَةِ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مُشْتَرِي مُشْتَرِيهِ؛ لِأَنَّ التَّأَكُّدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ (يُرَابَحُ) أَيْ جَازَ أَنْ يَبِيعَ مُرَابَحَةً. (سَيِّدٌ شَرَى مِنْ مَأْذُونِهِ الْمُحِيطِ دَيْنَهُ بِرَقَبَتِهِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَبَاعَ مِنْ مَوْلَاهُ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَوْلَى شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ لَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ وَلَا مِلْكُ التَّصَرُّفِ (عَلَى مَا شَرَى الْمَأْذُونُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُرَابِحُ، صُورَتُهُ اشْتَرَى عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ (كَعَكْسِهِ) وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَوْلَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ الْمَدْيُونُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ وَمَا فِي يَدِهِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّهِ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حَقِّ الْمُرَابَحَةِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى الْأَمَانَةِ فَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلشِّرَاءِ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَيَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي، فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ فِي الْأَوَّلِ. . (وَ) يُرَابِحُ (رَبُّ الْمَالِ عَلَى مَا شَرَاهُ مُضَارِبُهُ بِالنِّصْفِ) مُتَعَلِّقُ بِ " مُضَارِبُهُ " (أَوَّلًا) مُتَعَلِّقٌ بَشَرَاهُ. (وَ) عَلَى (نِصْفِ مَا رَبِحَ بِشِرَائِهِ ثَانِيًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ مُضَارِبِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بِشِرَائِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةِ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفَ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا إذَا عُدِمَ الرِّبْحُ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا بِيعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ وَكِيلٌ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ (يُرَابِحُ بِلَا بَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ وَوَطْءِ الثَّيِّبِ) يَعْنِي اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ (وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ) يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ إذْ لَمْ يَحْتَبِسْ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا وَلِهَذَا قَالَ وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا بِكَذَا مِنْ الثَّمَنِ ثُمَّ أَصَابَهُ الْعَيْبُ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَفْسُ الْعَيْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ بِأَنْ يُبَيِّنَ الْعَيْبَ وَالثَّمَنَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ سَلِيمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ عِنْدَهُ (كَقَرْضِ الْفَأْرِ وَحَرْقِ النَّارِ لِلْمُشْتَرِي) فَإِنَّ مَا ضَاعَ بِالْقَرْضِ أَوْ الْحَرْقِ، وَإِنْ كَانَ جُزْءًا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْعُذْرَةِ لَمْ يُحَبِّسْ عِنْدَهُ. . (وَ) يُرَابَحُ (بِبَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ) بِأَنْ فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الرِّبْحُ الثَّمَنَ لَمْ يُرَابِحْ) يَعْنِي بِلَا بَيَانٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، فَإِنْ بَيَّنَ وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيَانِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِبَادِ لَا الشَّرْعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِبَيْعِهِ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: شَرَى مِنْ مَأْذُونِهِ. . . إلَخْ) كَذَا مِنْ مُكَاتَبِهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ يَعْنِي اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِهَا بِنَفْسِهَا لِأَنَّهُ هَدَرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ وَبِهِ نَأْخُذُ قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتِيَارُ هَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامٌ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةٌ. (قَوْلُهُ: وَيُرَابِحُ بِبَيَانٍ بِالتَّعَيُّبِ) كَذَا لَوْ اشْتَرَى مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَالِ صَاحِبِهِ وَلِأَنَّهُ يُحَابِيهِمْ فَصَارَ كَالشِّرَاءِ مِنْ عَبْدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ سَوَاءً عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا أَوْ مَمَالِيكُهُ اشْتَرَوْا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ

[فصل بيع العقار قبل قبضه]

أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ أَرْشَهَا لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (وَوَطْءُ الْبِكْرِ) لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَقَدْ حَبَسَهَا (كَتَكَسُّرِهِ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ (شَرَى بِنَسِيئَةٍ وَرَابَحَ بِلَا بَيَانٍ) يَعْنِي اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي (خُيِّرَ مُشْتَرِيهِ) إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ يُشْبِهُ الْمَبِيعَ حَتَّى يُزَادَ فِي الْمَبِيعِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَالشُّبْهَةُ هَاهُنَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهَا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْخِيَانَةِ (فَإِنْ أَتْلَفَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ كُلُّ ثَمَنِهِ) وَهُوَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (كَذَا التَّوْلِيَةُ) يَعْنِي إنْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ خُيِّرَ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالٍّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ (وَلِيَ) رَجُلًا شَيْئًا (بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مُشْتَرِيهِ قَدْرَهُ) أَيْ قَدْرَ مَا قَامَ عَلَيْهِ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ (وَإِنْ عَلِمَ) أَيْ الْمُشْتَرِي قَدْرَهُ (فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ (وَخُيِّرَ) الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ. (فَصْلٌ) (صَحَّ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا الْمَنْقُولِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْمَنْقُولِ وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَوَقَعَ فِي مَحِلِّهِ وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِاحْتِمَالِ الْهَلَاكِ وَهُوَ فِي الْعَقَارِ نَادِرٌ حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ هَلَاكُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ قَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَهُ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْمَنْقُولِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ هَاهُنَا كَلِمَاتُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَالْأَظْهَرُ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ الْأُصُولِ مَا ذُكِرَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لَكِنْ خَصَّ مِنْهُ الرِّبَا بِدَلِيلٍ مُسْتَقَلٍّ مُقَارِنٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» ثُمَّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُولًا بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ أَوَّلًا، فَإِنْ كَانَ يَثْبُتُ الْمَطْلُوبُ حَيْثُ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَقَارَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ فِي السُّنَنِ مُسْنَدًا إلَى الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» وَبَيَّنَهُ وَبَيَّنَ أَدِلَّةَ الْجَوَازِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّرْكَ وَجَعَلَهُ مَعْلُولًا بِذَلِكَ إعْمَالًا لِثُبُوتِ التَّوْفِيقِ حِينَئِذٍ وَالْإِعْمَالُ مُتَعَيَّنٌ لَا مَحَالَةَ فَيَكُونُ مُخْتَصًّا بِعَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ. (شَرَى الْكَيْلِيُّ كَيْلًا لَا جُزَافًا) قَدْ مَرَّ أَنَّهُ مُعَرَّبُ كزافا وَيَجُوزُ فِي الْجِيمِ الْحَرَكَاتُ الثَّلَاثُ (لَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى يَكِيلَهُ) لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ جُزَافًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ مُذَارَعَةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَهُ إذْ الذَّرْعُ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْقَدْرِ كَمَا مَرَّ ذِكْرُ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ أَخَذَ أَرْشَهَا) لَيْسَ أَخْذُ الْأَرْشِ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا بَلْ إذَا عَوَّرَهَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يُرَابَحُ بِلَا بَيَانٍ لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. [فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ] (فَصْلٌ) . (قَوْلُهُ: صَحَّ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ إجَارَتِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ كَمَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُولِ وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيُمْتَنَعُ جَوَازُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ. وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَا الْمَنْقُولُ) أَيْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَنَفْيُ الصِّحَّةِ يَحْتَمِلُ ثُبُوتَ فَسَادِ الْعَقْدِ وَبُطْلَانَهُ صَرَّحَ بِالْأَوَّلِ فِي الْمَوَاهِبِ فَقَالَ وَفَسَدَ بَيْعُ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ. وَصَرَّحَ بِالثَّانِي فِي الْجَوْهَرَةِ وَنَصُّهُ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ: إذَا اشْتَرَى مَنْقُولًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا مِنْ بَائِعِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ بَاعَهُ فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ جَائِزٌ اهـ. وَفَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْبَيْعِ لِتَكُونَ اتِّفَاقِيَّةً مَعَ مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ وَكَذَا الْإِجَارَةُ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَدْ أُلْحِقَ بِالْبَيْعِ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا التَّصَدُّقُ بِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَكَذَا إقْرَاضُهُ وَرَهْنُهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ اهـ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَإِقْرَارُهُ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ يَجُوزُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْكِتَابَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُبَادَلَةٍ كَالْبَيْعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْ الْبَيْعِ جَوَازًا، وَإِنْ زَوَّجَ جَارِيَتَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ اهـ وَيَكُونُ وَطْءُ زَوْجِهَا قَبْضًا لَا عَقْدُهُ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَ الشِّرَاءَ. . . إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوِّشُ فَيَرْجِعُ قَوْلُهُ جَازَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِقَوْلِهِ أَوْ وَصِيَّةٌ وَيَرْجِعُ قَوْلُهُ قَبْلَ الْمَكِيلِ لِقَوْلِهِ بِهِبَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْهُوبِ بِقَبْضِهِ وَفِي الْمُوصَى بِهِ بِالْقَبُولِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَصِيِّ، يُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَلَكِ قَيَّدْنَا بِالِاشْتِرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا بِهِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ قَبْلَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ اهـ

بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ جَازَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَبْلَ الْكَيْلِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَكِيلِ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَنًا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُطْلَقًا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ (إلَّا أَنْ يَكِيلَ الْبَائِعُ بَعْدَ بَيْعِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ وَاحِدٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّسْلِيمِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ اجْتِمَاعُ الصَّفْقَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي السَّلَمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَاعَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا لَوْ كَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ مِنْ بَابِ التَّسْلِيمِ إذْ بِهِ يَعْلَمُ الْمَبِيعُ وَلَا تَسْلِيمَ إلَّا بِحَضْرَتِهِ (كَذَا الْمَوْزُونُ وَالْمَعْدُودُ) أَيْ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَأْكُلُهُ حَتَّى يَزِنَهُ أَوْ يَعُدَّهُ ثَانِيًا وَيَكْفِي أَنْ وَزْنَهُ أَوْ عَدَّهُ بَعْدَ الْبَيْعِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي (لَا الْمَذْرُوعُ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَذْرُوعَاتِ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الذَّرْعِ لِمَا مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا، وَإِنْ سَمَّى فَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَذْرَعَ. (جَازَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالنُّقُودِ أَوْ يَتَعَيَّنُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ حَتَّى لَوْ بَاعَ إبِلًا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِكُرٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بَدَلَهَا شَيْئًا آخَرَ لِوُجُودِ الْمُجَوِّزِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ هُوَ الْمَبِيعُ وَبِهَلَاكِهِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ الثَّمَنِ، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ النُّقُودِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ فَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الْإِقَالَةُ فِي صُورَةِ الْمُقَايَضَةِ بِهَلَاكِ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ مَرَّ. (وَ) جَازَ (زِيَادَةُ الْمُشْتَرِي فِيهِ) أَيْ الثَّمَنِ (إنْ قَامَ الْمَبِيعُ) لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُمْ لَمْ يَبْقَ بِحَالَةٍ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْجُودٍ وَالشَّيْءُ يَثْبُتُ ثُمَّ يُسْتَنَدُ وَلَمْ تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ لِعَدَمِ مَا يُقَابِلُهُ فَلَا يُسْتَنَدُ أَيْ لَا يَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ بِالِاسْتِنَادِ. (وَ) جَازَ (حَطُّ الْبَائِعِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بِحَالٍ يُمْكِنُ إخْرَاجُ الْبَدَلِ عَمَّا يُقَابِلُهُ لِكَوْنِهِ إسْقَاطًا وَالْإِسْقَاطُ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ مَا يُقَابِلُهُ فَيَثْبُتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمَكِيلِ مَبِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ثَمَنًا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ مُطْلَقًا) قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ اشْتَرَى بِهَذَا الْبُرِّ عَلَى أَنَّهُ كُرُّهُ فَقَبَضَهُ جَازَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ مَا هُوَ تَمَامُ قَبْضِهِ اهـ. وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَذْكُرَ هُنَا مَا يُمَيِّزُ الْمَبِيعَ عَنْ الثَّمَنِ فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانٌ أَبَدًا أَيْ عَلَى حَالٍ سَوَاءٌ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَذَوَاتُ الْقِيَمِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ مَبِيعَةٌ أَبَدًا وَالْمِثْلِيَّاتُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ إذَا قُوبِلَتْ بِالنَّقْدِ مَبِيعَةً أَوْ بِالْأَعْيَانِ وَهِيَ مُعَيَّنَةُ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَمَبِيعَةٌ كَمَنْ قَالَ اشْتَرَيْتُ كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرَائِطِ السَّلَمِ وَقَبْلَ الْمِثْلِيَّاتِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً وَقُوبِلَتْ بِغَيْرِهَا ثَمَنٌ مُطْلَقًا وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا الْبَاءُ إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْأَثْمَانُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ اسْتِبْدَالًا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَاخْتُلِفَ فِي الْقَرْضِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ أَعَادَهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمِثْلِيَّاتُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ مَا نَصَّهُ، وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ أَيْ الْمِثْلِيَّاتُ، فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهِيَ ثَمَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكِيلَ الْبَائِعُ بَعْدَ بَيْعِهِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي هُوَ الصَّحِيحُ) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَحَضْرَةُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَحَضْرَتِهِ وَقِيلَ لَا يَكْتَفِي بِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ صَاعَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: جَازَ التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ بَدَلُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ مِنْ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حُكْمَ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا فِي الصَّرْفِ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْقَرْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ كَالثَّمَنِ لِعَدَمِ الْغَرَرِ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ كَالْمَهْرِ وَالْأُجْرَةِ وَضَمَانِ الْمُتْلِفَاتِ وَغَيْرِهَا كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلَ الصُّلْحِ عَنْ دَمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَجَازَ زِيَادَةُ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَيْ الثَّمَنِ) قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَضَمِنَهَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا عِوَضًا اهـ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ إنْ قَامَ الْمَبِيعُ) أَيْ شَرَطَ جَوَازَ الزِّيَادَةِ قِيَامَ الْمَبِيعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَوْ هَلَكَ حَقِيقَةً بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ الدَّابَّةُ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ أَوْ طَحَنَ أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَوْ أَسْلَمَ مُشْتَرِي الْخَمْرِ ذِمِّيًّا لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْعَقْدِ إذَا الْعَقْدُ لَمْ يُرَدَّ عَلَى الْمَطْحُونِ وَالْمَنْسُوجِ وَكَذَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ شَرْطُهُ بَقَاءُ الزَّوْجِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ الْمَبِيعَةَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ خَاطَ الثَّوْبَ أَوْ اتَّخَذَ الْحَدِيدَ سَيْفًا أَوْ قَطَعَ يَدَ الْمَبِيعِ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي أَرْشَهُ ثُمَّ زَادَ ثَبَتَتْ الزِّيَادَةُ فِي كُلِّ هَذَا، وَقَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَاهُ الْحَسَنُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الزِّيَادَةَ تَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ كَمَا يَصِحُّ الْحَطُّ بَعْدَ هَلَاكِهِ قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَحَطُّ الْبَائِعِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ

الْحَطُّ فِي الْحَالِ وَيَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ اسْتِنَادًا. (وَ) جَازَ (زِيَادَتُهُ) أَيْ الْبَائِعِ (فِي الْمَبِيعِ) لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي حَقِّهِ وَمِلْكِهِ (وَيَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (بِالْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ وَالزَّائِدِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَالزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُمَا بِالْحَطِّ وَالزِّيَادَةِ يُغَيِّرَانِ الْعَقْدَ مِنْ وَصْفٍ مَشْرُوعٍ إلَى وَصْفٍ مَشْرُوعٍ وَهُوَ كَوْنُهُ رَابِحًا أَوْ خَاسِرًا أَوْ عَدْلًا، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الرَّفْعِ فَأَوْلَى أَنْ تَكُونَ وِلَايَةُ التَّغْيِيرِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ مُسْتَحِقُّ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ فَالِاسْتِحْقَاقُ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمَزِيدِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الزَّائِدُ صِلَةً مُبْتَدَأَةً كَمَا هُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَدَارَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمُسْتَحِقُّ مُجَرَّدَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَهُ، وَإِنْ ادَّعَاهُ مَعَ الزِّيَادَةِ وَأَثْبَتَهُ أَخَذَهُ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى الزِّيَادَةَ فَقَطْ، ثُمَّ إنَّ حُكْمَ الِالْتِحَاقِ يَظْهَرُ فِي التَّوْلِيَةِ وَالْمُرَابَحَةِ (فَيُرَابِحُ وَيُوَلِّي عَلَيْهِ) أَيْ الْكُلِّ (إنْ زِيدَ وَعَلَى الْبَاقِي إنْ حَطَّ) فَإِنَّ الْبَائِعَ إذَا حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي قَالَ لِآخَرَ وَلَّيْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ وَقَعَ عَقْدُ التَّوْلِيَةِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَ الْحَطِّ فَكَانَ الْحَطُّ بَعْدَ الْعَقْدِ مُلْحِقًا بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ الثَّمَنُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ هُوَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَكَذَا إذَا زَادَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَصْلِ الثَّمَنِ أَوْ الْبَائِعُ عَلَى أَصْلِ الْمَبِيعِ. (وَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهَا بِالْأَقَلِّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ وَالْحَطِّ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْإِلْحَاقِ بِالْأَصْلِ أَنْ يَأْخُذَ بِالْكُلِّ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَفِي الزِّيَادَةِ إبْطَالٌ لَهُ وَلَيْسَ لَهُمَا إبْطَالُهُ (قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ بِعْ عَبْدَكَ مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ كَذَا مِنْ الثَّمَنِ سِوَى الْأَلْفِ أَخَذَهُ) أَيْ مَوْلَى الْعَبْدِ الْأَلْفَ (مِنْ زَيْدٍ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الضَّامِنِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ عَلَى زَيْدٍ) ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الْعَبْدِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَائِلِ أَصْلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَتَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ ابْتِدَاءً عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ وَإِنَّ أَصْلَ الثَّمَنِ لَمْ يُشْرَعْ بِغَيْرِ مَالٍ يُقَابِلُهُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إيجَابُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِإِزَائِهِ مَالًا فَأَمَّا فُضُولُ الثَّمَنِ فَيَسْتَغْنِي عَنْهُ حَتَّى تَصِحَّ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا تَصِحُّ مِنْ الْمُشْتَرِي إذْ لَا يُسَلَّمُ لَهُمَا شَيْءٌ بِمُقَابَلَةِ الزِّيَادَةِ وَصَارَتْ كَبَدَلِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى غَيْرِ الْمَرْأَةِ إذْ لَا يُسَلَّمُ لَهُمَا شَيْءٌ إذْ الْبِضْعُ عِنْدَ الْخُرُوجِ غَيْرُ مُقَوَّمٍ لَكِنْ مَنْ شَرَطَ الزِّيَادَةَ الْمُقَابِلَةَ تَسْمِيَةً وَصُورَةً حَتَّى يَجِبَ حَسَبَ وُجُوبِ الثَّمَنِ بِوَاسِطَةِ الْمُقَابِلَةِ، فَإِذَا قَالَ مِنْ الثَّمَنِ فَقَدْ جَعَلَ الْمِائَةَ بِمُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ صُورَةً فَوُجِدَ شَرْطُهَا فَتَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ تُوجَدْ الْمُقَابَلَةُ صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا فَلَا تَصِحُّ وَبَقِيَ الْتِزَامُ الْمَالِ ابْتِدَاءً بِبَيْعِ دَارِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ رِشْوَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ. (صَحَّ تَأْجِيلُ الدُّيُونِ) وَإِنْ كَانَتْ حَالَّةً فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ تَيْسِيرًا عَلَى الْمَدْيُونِ كَمَا لَهُ إبْرَاؤُهُ (إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ جَهَالَةً يَسِيرَةً) كَالتَّأْجِيلِ إلَى الْحَصَادِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فَاحِشَةً كَهُبُوبِ الرِّيحِ (سِوَى الْقَرْضِ) فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ انْتِهَاءٍ، وَإِنْ كَانَ إعَارَةً وَصِلَةً ابْتِدَاءً (إلَّا إذَا أَوْصَى بِهِ) فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى أَنْ يَقْرِضَ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فُلَانًا إلَى سَنَةٍ لَزِمَ مِنْ ثُلُثِهِ أَنْ يَقْرِضُوهُ وَلَا يُطَالِبُوهُ قَبْلَ السَّنَةِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالتَّبَرُّعِ وَالْوَصِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَزِيَادَتُهُ أَيْ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَيَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَتَسْقُطُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ قَبْضِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ: أَقُولُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَيْسَ فِيمَا قَالَ إبْطَالٌ لِكَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ بِعْ عَبْدَك. . . إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي مَسَائِلَ شَتَّى فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ. (قَوْلُهُ: وَتَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ) أَيْ الزِّيَادَةُ لَكِنْ لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَالشَّفِيعِ وَالْمُرَابَحَةِ فَلَا يُحْبَسُ الْمَبِيعُ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالْأَلْفِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَيُرَابَحُ عَلَى الْأَلْفِ وَيَسْتَرِدُّ الْأَجْنَبِيُّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ إقَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي ظَهَرَتْ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْعَقْدِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا حُصُولُهَا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِإِجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: سِوَى الْقَرْضِ فَإِنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَصِحُّ) يَعْنِي لَا يَلْزَمُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ

[باب الربا]

يُتَسَامَحُ فِيهَا نَظَرًا لِلْمُوصِي وَلِذَا جُوِّزَتْ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَلَزِمَتْ (أَوْ أَحَالَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ عَلَى آخَرَ بِدَيْنِهِ فَأَجَّلَهُ الْمُقْرِضُ مُدَّةً مَعْلُومَةً) فَإِنَّهُ يَصِحُّ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْمُقْرِضُ أَنْ يُطَالِبَ الْمُسْتَقْرِضَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةٌ بَرَاءَةَ الدَّيْنِ فِي رِوَايَةٍ وَبَرَاءَةَ الْمُطَالَبَةِ فِي أُخْرَى، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (بَابُ الرِّبَا) (هُوَ) لُغَةً الْفَضْلُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ) فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ عَلَى قَفِيزِ بُرٍّ لَا يَكُونُ رِبًا لِانْتِفَاءِ الْمُجَانَسَةِ (بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ) وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فَفَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ عَلَى خَمْسَةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ لَا يَكُونُ رِبًا لِانْتِفَاءِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ (خَالِيًا عَنْ عِوَضٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ فَإِنَّ الثَّانِيَ فَاضِلٌ عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنْ غَيْرَ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ بِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ (شَرَطَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) حَتَّى لَوْ شَرَطَ لِغَيْرِهِمَا لَا يَكُونُ رِبًا (فِي الْمُعَاوَضَةِ) حَتَّى لَمْ يَكُنْ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ رِبًا (وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» أَيْ بِيعُوا مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْخَبَرُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْبَيْعُ مُبَاحٌ صُرِفَ الْوُجُوبُ إلَى رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] حَيْثُ صُرِفَ الْإِيجَابُ إلَى الْقَبْضِ فَصَارَ شَرْطًا لِلرَّهْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى مَعًا وَالْقَدْرُ يُسَوِّي الصُّورَةَ وَالْجِنْسِيَّةُ تُسَوِّي الْمَعْنَى فَيُنْظَرُ الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ الرِّبَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» (فَإِنْ وُجِدَا) أَيْ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ (حَرُمَ الْفَضْلُ) كَقَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ (وَالنَّسَاءُ) وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي كَقَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا نَسِيئَةً (وَإِنْ عُدِمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَلَّا) أَيْ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ (وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (حَلَّ الْفَضْلُ) كَمَا إذَا بِيعَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ، فَإِنْ أَجِدْ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْكَيْلُ مَوْجُودٌ هُنَا لَا الْجُزْءُ الْآخَرُ وَهُوَ الْجِنْسُ، وَإِنْ بِيعَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ مِنْ الثَّوْبِ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ أَيْضًا لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ، وَإِنْ عُدِمَ الْقَدْرُ (لَا النَّسَاءُ) أَيْ لَا يَحِلُّ النَّسَاءُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَلَوْ بِالتَّسَاوِي فَحُرْمَةُ رِبَا الْفَضْلِ بِالْوَصْفَيْنِ وَرِبَا النَّسِيئَةِ بِأَحَدِهِمَا لِأَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ لَكِنَّهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَهِيَ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ، فَفِي النَّسِيئَةِ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ جَائِزٍ فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى مُرَجِّحًا لِتِلْكَ الشُّبْهَةِ فَلَمْ تَحِلَّ وَفِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ لَمْ يَعْتَبِرْ الشُّبْهَةَ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْحَقِيقَةِ (كَسَلَمِ ثَوْبٍ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ) فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ (وَبُرٍّ فِي شَعِيرٍ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَمْ يَجُزْ لِوُجُودِ الْقَدْرِ (وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ. ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ، فَإِنْ وُجِدَا حَرُمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ قَوْلُهُ (فَحَرُمَ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِجِنْسِهِ) أَيْ بَيْعِ الْكَيْلِيِّ بِالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ أَحَالَ الْمُسْتَقْرِضُ الْمُقْرِضَ. . . إلَخْ) حِيلَةُ لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. [بَابُ الرِّبَا] (قَوْلُهُ وَشَرْعًا فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ. . . إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ بَيْعُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ جِنْسٍ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ فَضْلٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هُوَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ بِصِفَةٍ أَيْ خَاصَّةٍ لِيَخْرُجَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ زِيَادَةٌ أَوْ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً رِبًا وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ. اهـ. وَمِنْ شَرَائِطِ الرِّبَا عِصْمَةُ الْبَدَلَيْنِ وَكَوْنُهُمَا مَضْمُونَيْنِ بِالْإِتْلَافِ فَعِصْمَةُ أَحَدِهِمَا وَعَدَمُ تَقَوُّمِهِ لَا يُمْنَعُ فَشِرَاءُ الْأَسِيرِ أَوْ التَّاجِرِ مَالَ الْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا جَائِزٌ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْبَدَلَانِ مَمْلُوكَيْنِ؛ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالسَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ وَلَا مُشْتَرَكَيْنِ فِيهِمَا بِشَرِكَةِ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: فَفَضْلُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ أَيْضًا وَفَضْلُ سِتِّ حَفَنَاتٍ عَلَى خَمْسٍ لَا يَكُونُ رِبًا لِانْتِفَاءِ الْقَدْرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ بُلُوغُ أَحَدِ الْحَفَنَاتِ نِصْفَ الصَّاعِ فَإِنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: شَرَطَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِقَوْلِهِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ لِغَيْرِهِمَا لَا يَكُونُ رِبًا إلَّا أَنَّ هَذَا يَكُونُ بَيْعًا فَاسِدًا لِشُمُولِهِ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ. (قَوْلُهُ: وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) أَيْ مَعَ الْجِنْسِ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاحِدًا وَأُضِيفَ إلَيْهِ مُخْتَلِفُ الْجِنْسِ صَارَ جِنْسَيْنِ حُكْمًا حَتَّى يَجُوزَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ مَعَ دُهْنِ الْوَرْدِ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الزَّيْتُ أَوْ الشَّيْرَجُ فَصَارَا جِنْسَيْنِ بِاخْتِلَافِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِنْ الْوَرْدِ أَوْ الْبَنَفْسَجِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ وَالْغَرَضِ وَلَمْ يُبَالِ بِاتِّحَادِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَسَلَمٍ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ) يَعْنِي أَوْ بَيْعُهُ بِهِ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا، وَكَذَا إذَا بَاعَ شَاةً بِشَاةٍ أَوْ عَبْدًا بِعَبْدٍ نَسِيئَةً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.

[بيع الكيلي بالكيلي والوزني بالوزني متفاضلا]

بِالْوَزْنِيِّ (مُتَفَاضِلًا وَلَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ كَالْجِصِّ) فَإِنَّهُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ (وَالْحَدِيدِ) فَإِنَّهُ مِنْ الْمَوْزُونَاتِ وَالطَّعْمُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا بَلْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (وَبِالنَّسَاءِ) عَطْفٌ عَلَى مُتَفَاضِلًا وَبِهِ يَتِمُّ التَّفْرِيعُ (إلَّا أَنْ لَا يَتَّفِقَا) أَيْ الْعِوَضَانِ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ فَحَرُمَ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِجِنْسِهِ (فِي صِفَةِ الْوَزْنِ) بِأَنْ يُوزَنَ بِهِ الْآخَرُ (كَالنُّقُودِ وَالزَّعْفَرَانِ) وَالْقَطْرِ وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الْوَزْنَ جَمَعَهُمَا ظَاهِرًا لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَةِ الْوَزْنِ وَمَعْنَاهُ وَحُكْمُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ يُوزَنُ بِالْأَمْنَاءِ وَالنُّقُودَ بِالصَّنَجَاتِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الزَّعْفَرَانَ مُثَمَّنٌ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَالنُّقُودَ ثَمَنٌ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالنُّقُودِ مُوَازَنَةً بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا الزَّعْفَرَانَ بِهَذَا النَّقْدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِثْلًا وَقَبَضَهُ الْبَائِعُ صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْوَزْنِ وَلَوْ بَاعَ الزَّعْفَرَانَ عَلَى أَنَّهُ مَنَوَانِ مَثَلًا وَقَبِلَهُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ حَتَّى يُعِيدَ الْوَزْنَ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْوَزْنِ وَمَعْنَاهُ وَحُكْمُهُ لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْقَدْرُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْزِلُ الشُّبْهَةُ فِيهِ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ الْمَوْزُونَيْنِ إذَا اتَّفَقَا كَانَ الْمَنْعُ لِلشُّبْهَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقَا كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةَ الْوَزْنِ وَالْوَزْنُ وَحْدَهُ شُبْهَةٌ فَكَانَ ذَلِكَ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ (وَحَلَّ) عَطْفٌ عَلَى حَرُمَ أَيْ حَلَّ الْبَيْعُ الْكَيْلِيُّ وَالْوَزْنِيُّ (مُتَسَاوِيًا) بِلَا تَفَاضُلٍ (وَ) حَلَّ أَيْضًا بَيْعُهُمَا (بِلَا قَدْرٍ كَمَا) أَيْ كَبَيْعِ (مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ) فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَدْرِ الْمَكِيلَاتِ نِصْفُ الصَّاعِ لَا مَا دُونَهُ إذْ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ (بِأَقَلَّ مِنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْعِ الْمُقَدَّرِ أَيْ كَبَيْعِ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِأَقَلَّ مِنْهُ (كَحَفْنَتَيْنِ) مِنْ بُرٍّ (بِحَفْنَةٍ مِنْهُ) فَإِنَّ بَيْعَهُمَا بِهَا جَائِزٌ، وَإِنْ وُجِدَ الْفَضْلُ لِانْتِفَاءِ الْقَدْرِ الشَّرْعِيِّ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ بِلَا قَدْرٍ أَيْ إنَّمَا يَحِلُّ بَيْعُ الْأَقَلِّ مِنْ الْقَدْرِ الشَّرْعِيِّ بِأَقَلَّ مِنْهُ إذَا كَانَ حَالًّا أَمَّا إذَا كَانَ (بِالنَّسَاءِ) فَلَا يَحِلُّ لِوُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْعِلَّةِ مُحَرِّمٌ لِلنِّسَاءِ وَهُوَ الْجِنْسُ حَتَّى إذَا انْتَفَى الْجِنْسُ أَيْضًا حَلَّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا وَلَوْ بِالتَّسَاوِي لِانْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ كَبَيْعِ حَفْنَةٍ مِنْ بُرٍّ بِحَفْنَتَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. (كَذَا حُكْمُ كُلِّ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ) ، فَإِنْ بِيعَ الْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا جَازَ إنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ لِانْعِدَامِ الْمِعْيَارِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ التَّعْيِينُ لَا التَّقَابُضُ) حَتَّى لَوْ بَاعَ بُرًّا بِبُرٍّ بِعَيْنِهِمَا وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَمَا فِي الصَّرْفِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ «يَدًا بِيَدٍ» وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ وَمَعْنَى يَدًا بِيَدٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ كَذَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ كَيْلِيٌّ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَزْنِيٌّ) فَإِنَّ كُلَّ مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ كَيْلِيٌّ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْكَيْلَ فِيهِ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيْعِ الْكَيْلِيِّ بِالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِالْوَزْنِيِّ مُتَفَاضِلًا] قَوْلُهُ: اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَحَرُمَ بَيْعُ الْوَزْنِيِّ بِجِنْسِهِ) كَانَ الْأَنْسَبُ إسْقَاطَ الْفَاءِ وَيُقَالُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَرُمَ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ وَالْوَزْنِيُّ. (قَوْلُهُ: كَالنُّقُودِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَدِيدِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَالنُّقُودِ مَعَ الزَّعْفَرَانِ أَوْ مَعَ الْقُطْنِ أَوْ مَعَ الْحَدِيدِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ جَوَازِ الْقُطْنِ بِالْحَدِيدِ لِمُقَابَلَتِهِ بِهِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَمَا إذَا سَلَّمَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الدَّنَانِيرَ فِي الزَّعْفَرَانِ أَوْ فِي الْقُطْنِ أَوْ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِانْعِدَامِ الْعِلَّةِ وَهِيَ الْقَدْرُ الْمُتَّفِقُ أَوْ الْجِنْسُ أَمَّا الْمُجَانَسَةُ فَظَاهِرُ الِانْتِفَاءِ، وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُتَّفَقُ فَلِأَنَّ وَزْنَ الثَّمَنِ يُخَالِفُ وَزْنَ الْمُثَمَّنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ تُوزَنُ بِالْمَثَاقِيلِ وَالْقُطْنُ وَالْحَدِيدُ يُوزَنَانِ بِالْقَبَّانِ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَدْرُ فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ) يَعْنِي بِهِ صِفَةَ الْوَزْنِ فِي قَوْلِهِ لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَةِ الْوَزْنِ وَمَعْنَاهُ وَحُكْمُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي) يَعْنِي بِهِ مَعْنَاهُ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ) يَعْنِي بِهِ حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ: وَحَلَّ بَيْعُهُمَا أَيْضًا بِلَا قَدْرٍ) يَعْنِي بِلَا بُلُوغٍ قَدْ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ وَهُوَ نِصْفُ الصَّاعِ وَبُلُوغُ أَحَدِهِمَا مَانِعٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَدْ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ كَبَيْعِ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَدْرِ الْمَكِيلَاتِ نِصْفُ الصَّاعِ لَا مَا دُونَهُ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ بَاحِثًا وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةُ بِالْحَفْنَتَيْنِ، أَمَّا إنْ كَانَتْ مَكَايِيلَ أَصْغَرَ أَيْ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبُعِ الْقَدَحِ وَثَمَنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ نِصْفَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ وَلَقَدْ أُعْجِبَ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ التَّمْرَةَ بِالتَّمْرَتَيْنِ وَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ فِي الْكَثِيرِ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ حَرَامٌ. اهـ. كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ) يَعْنِي مُعَيَّنَيْنِ وَلَيْسَ كِلَاهُمَا وَلَا أَحَدُهُمَا دَيْنًا وَالصُّورَةُ رَبَاعِيَةٌ وَتَوْجِيهُهَا بِفَتْحِ الْقَدِيرِ

[بيع اللحم بالحيوان]

وَكُلُّ مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيهِ وَزْنًا فَهُوَ وَزْنِيٌّ أَبَدًا، وَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ فِيهِ الْوَزْنَ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (لَا يُغَيَّرَانِ بِعُرْفٍ) لِأَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (بِخِلَافِ مَا عَدَاهَا) أَيْ مَا عَدَا الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ فَإِنَّ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَاتِ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» . (فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا كَمَا لَمْ يَجُزْ مُجَازَفَةً) وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ إلَّا أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ فِي الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا وَزْنًا لِوُجُودِ السَّلَمِ فِي مَعْلُومٍ (وَجَازَ بَيْعُ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا ثَبَتَتْ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا، وَإِذَا بَطَلَتْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِخِلَافِ النُّقُودِ؛ لِأَنَّهَا لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةً. (وَ) أَجَازَ بَيْعُ (الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَبِالتَّمْرِ، وَ) بَيْعُ (التَّمْرِ بِالْبُسْرِ، وَ) بَيْعُ (الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ، وَ) بَيْعُ (الْبُرِّ رُطَبًا أَوْ مَبْلُولًا بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ، وَ) بَيْعُ (التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ الْمُنْقَعِ بِالْمُنْقَعِ مِنْهُمَا، وَ) بَيْعُ (الدَّقِيقِ بِمِثْلِهِ) نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّ بَيْعَ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَكْبُوسَيْنِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ قَوْلُهُ (مُتَسَاوِيًا) قُيِّدَ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْعُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ بِلَا اخْتِلَافِ الصِّفَةِ جَازَ مُتَسَاوِيًا وَكَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَإِلَّا جَازَ كَيْفَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» . [بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ] . (وَ) جَازَ بَيْعُ (اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَ) بَيْعُ (اللُّحُومِ وَالْأَلْبَانِ الْمُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ بَيْعُ لَحْمِ الْغَنَمِ بِلَحْمِ الْبَقَرِ وَبِالْعَكْسِ وَكَذَا لَبَنُهُمَا (بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَ) بَيْعُ (الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ وَبِالْغَزْلِ، وَ) بَيْعُ (خَلِّ الدَّقَلِ) وَهُوَ أَرْدَأُ التَّمْرِ (بِخَلِّ الْعِنَبِ وَبَيْعُ شَحْمِ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ وَبِاللَّحْمِ، وَ) بَيْعُ (الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَالدَّقِيقِ مُتَفَاضِلًا) هَذَا قَيْدٌ لِجَوَازِ الْبَيْعِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ مِنْ اللَّحْمِ إلَى هَاهُنَا وَجْهُ جَوَازِهِ مُتَفَاضِلًا اخْتِلَافُ أَجْنَاسِهَا (وَبِالنَّسْءِ) عَطْفٌ عَلَى مُتَفَاضِلًا أَيْ وَجَازَ الْبَيْعُ بِالنَّسْءِ أَيْضًا (فِي الْأَخِيرِ) وَهُوَ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَالدَّقِيقِ (وَبِهِ يُفْتَى) لِحَاجَةِ النَّاسِ لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ وَقْتَ الْقَبْضِ حَتَّى يَقْبِضَ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي سُمِّيَ لِئَلَّا يَصِيرَ اسْتِبْدَالًا بِالْمُسَلَّمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ (لَا) بَيْعُ (الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ) فَإِنَّ بَيْعَهُ بِهَا لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا لِبَقَاءِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْبُرِّ وَالْمِعْيَارُ فِيهَا الْكَيْلُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَوٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبُرِّ لِاكْتِنَازِهَا فِي الْكَيْلِ وَتَخَلْخُلِ حَبَّاتِ الْبُرِّ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ كَيْلًا بِكَيْلٍ. (وَ) لَا بَيْعُ (الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ) مُطْلَقًا أَيْضًا إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْمَشْوِيَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ وَجْهٍ. (وَ) لَا (الزَّيْتُونُ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَا يُغَيَّرَانِ بِالْعُرْفِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ بِزِيَادَةٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ كَتَعَارُفِ أَهْلِ زَمَانِنَا إخْرَاجَ الشُّمُوعِ وَالسِّرَاجِ إلَى الْمَقَابِرِ لَيَالِيَ الْعِيدِ وَالنَّصُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَاطِلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ. . . إلَخْ) جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَقَالَ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا. اهـ. [بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَسَاوِيًا وَزْنًا وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَسَاوِيًا كَيْلًا] (قَوْلُهُ: وَبِالنَّسْءِ فِي الْأَخِيرِ وَهُوَ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْبُرِّ وَالدَّقِيقِ) يَعْنِي إذَا جَعَلَ الدَّقِيقَ أَوْ الْبُرَّ رَأْسَ مَالِ الْمُسْلِمِ فِي الْخُبْزِ لَكَانَ قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخُبْزُ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ فِي الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ. (قَوْلُهُ: لَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ) أَيْ سَوِيقَةً أَمَّا سَوِيقُ الشَّعِيرِ فَيَجُوزُ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ) أَيْ وَهُمَا مِنْ الْبُرِّ، أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ الشَّعِيرِ وَالْآخَرُ مِنْ الْبُرِّ فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ وَالشَّيْرَجُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ إذَا كَانَ الثِّقَلُ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ كَمَا فِي الزُّبْدِ بَعْدَ إخْرَاجِ السَّمْنِ مِنْهُ فَيَجُوزُ مُسَاوَاةُ الْخَارِجِ لِلسَّمْنِ الْمُفْرَزِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُجَانَسَةَ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي الضِّمْنِ فَتَمْنَعُ النَّسِيئَةَ كَمَا فِي الْمُجَانَسَةِ الْعَيْنِيَّةِ وَذَلِكَ كَالزَّيْتِ مَعَ الزَّيْتُونِ وَالشَّيْرَجِ مَعَ السِّمْسِمِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْمُتَجَانِسَيْنِ مُطَيَّبًا صَيَّرَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزِ سِمْسِمٍ مُطَيَّبٍ بِقَفِيزَيْنِ غَيْرَ مُطَيَّبٍ وَرِطْلِ لَوْزِ مُطْبَقٍ بِوَرْدٍ أَوْ بَانٍ أَوْ خِلَافٌ بِرِطْلَيْ لَوْزٍ غَيْرِ مُطْبَقٍ وَرِطْلِ دُهْنِ لَوْزٍ مُطْبَقٍ بِزَهْرِ النَّارِنْجِ بِرِطْلَيْ دُهْنِ اللَّوْزِ الْخَالِصِ، وَكَذَا الزَّيْتُ الْمُطَيَّبُ بِغَيْرِ الْمُطَيَّبِ فَجَعَلُوا الرَّائِحَةَ الَّتِي فِيهَا بِإِزَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الرِّطْلِ اهـ. وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَوْزُ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنُ بِسَمْنِهِ وَالْعِنَبُ بِعَصِيرِهِ وَالتَّمْرُ بِدِبْسِهِ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي إنْ كَانَ

[باب الاستحقاق.]

فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ) لِيَكُونَ الدُّهْنُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهِ كَالْحَقِيقَةِ. (وَيُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ بِوَزْنٍ لَا عَدَدٍ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ آحَادَهُ مُتَفَاوِتَةٌ بِالْعَدَدِ دُونَ الْوَزْنِ (وَبِهِ يُفْتَى) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَ) يُسْتَقْرَضُ (الْفُلُوسُ بِهِمَا) أَيْ بِالْوَزْنِ وَالْعَدَدِ بِالْعُرْفِ (إذْ لَا نَصَّ) فِيهَا (وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ) تُسْتَقْرَضُ (بِالْوَزْنِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ بِالنَّصِّ (كَذَا مَا ثُلُثَاهُ خَالِصٌ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ (وَمَا ثُلُثُهُ خَالِصٌ) يُسْتَقْرَضُ (بِعَدَدٍ إنْ تَعَامَلُوا بِهِ وَبِوَزْنٍ إنْ تَعَامَلُوا بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ كَمَا مَرَّ (وَلَا يُسْتَقْرَضُ الْقِيَمِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْمِثْلِيِّ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ نَحْوُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالسِّمْسِمِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي التَّجْرِيدِ وَيَجُوزُ فِي الْعَدَدِيَّاتِ الَّتِي لَا تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا فَاحِشًا كَالْبَيْضِ وَالْجَوْزِ. وَفِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةُ شَرْعٍ لِإِطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ أَعْيَانِهَا وَكَانَتْ الْمَنْفَعَةُ عَائِدَةً إلَى ذَاتِهَا فَقَامَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ مَقَامَ الْعَيْنِ كَأَنَّهُ انْتَفَعَ بِالْعَيْنِ وَرَدَّهُ وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ لِيُمْكِنَ إيجَابُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ إذْ لَا مِثْلَ لَهُمَا. (وَلَا رِبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَأْذُونًا غَيْرَ مَدْيُونٍ) لِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَا فِي يَدِهِ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِلْكَ مَوْلَاهُ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ لِيَتَحَقَّقَ الرِّبَا حَتَّى إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا لِتَحَقُّقِ الْبَيْعِ. . (وَ) لَا رِبَا (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ ثَمَّةَ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَكَذَا إذَا تَبَايَعَا فِيهَا بَيْعًا فَاسِدًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ وَبِعَقْدِ الْأَمَانِ لَمْ يَصِرْ مَعْصُومًا لَكِنَّهُ الْتَزَمَ أَنْ لَا يَغْدِرَهُمْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِمَا فِي أَيْدِيهِمْ بِلَا رِضَاهُمْ، فَإِذَا أَخَذَهُ بِرِضَاهُمْ أَخَذَ مَالًا مُبَاحًا بِلَا غَدْرٍ (أَوْ مِنْ أَمْنٍ ثَمَّةَ) فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ ثَمَّةَ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ مُسْتَأْمَنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ رِبًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَالَ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ لَا عِصْمَةَ لَهُ فَصَارَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَيَجُوزُ أَخْذُ مَالِ الْحَرْبِيِّ بِرِضَاهُ لِلْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ وَقَالَا: إنَّهُ رِبًا جَرَى بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ، كَذَا فِي الْكَافِي (بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ كَمَا ذَكَرَ فِي سَائِرِ الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ (هُوَ نَوْعَانِ) أَحَدُهُمَا (مُبْطِلٌ لِلْمِلْكِ) أَيْ مُزِيلٌ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقُّ التَّمَلُّكِ (كَالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْعِتْقِ وَفُرُوعِهِ) كَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ. (وَ) ثَانِيهِمَا (نَاقِلٌ لَهُ) أَيْ لِلْمِلْكِ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ (كَالِاسْتِحْقَاقِ بِالْمِلْكِ) بِأَنْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى بَكْرٍ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْعَبْدِ مِلْكٌ لَهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَالنَّوْعَانِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا فِي أَنَّهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّهْنُ الْمُفْرَزُ وَالسَّمْنُ وَالدِّبْسُ أَكْثَرَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّبَنِ وَالتَّمْرِ جَازَ، وَقَدْ عَلِمْت تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا كَانَ الثُّفْلُ لَهُ قِيمَةٌ وَأَظُنُّ أَنْ لَا قِيمَةَ لِثُفْلِ الْجَوْزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِيعَ بِقِشْرَةٍ فَيُوقِدُ وَكَذَا الْعِنَبُ لَا قِيمَةَ لِثُفْلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الْعَصِيرِ عَلَى مَا يَخْرُجُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ وَالزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرِ وَلَا يَلْزَمُ الرِّبَا) أَيْ لَا يَلْزَمُ حَالَ وُجُودِ كَثْرَةِ الْخَالِصِ عَلَى مَا يَخْرُجُ وَإِلَّا لَزِمَ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَيْ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُفْتَى) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ الْكَمَالُ جَعَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَأَنَا أَرَى أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ قَدْ أَهْدَرَ الْجِيرَانُ تَفَاوُتَهُ وَبَيْنَهُمْ يَكُونُ اقْتِرَاضُهُ غَالِيًا وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ فَجَازَ اقْتِرَاضُهُ وَزْنًا وَعَدَدًا اهـ. (قُلْت) بَحْثُ الْكَمَالِ نَصٌّ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ بِهِ قَالَ شَارِحُ الْمَجْمَعِ جَوَّزَ مُحَمَّدٌ اسْتِقْرَاضَهُ وَزْنًا وَعَدًّا لِتَعَارُفِ النَّاسِ عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ آحَادِهِ كَمَا أَهْدَرُوا مَا بَيْنَ الْجَوْزَتَيْنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْخُبْزِ عَدَدًا أَوْ وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ بِالْخَبْزِ وَالْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جَدِيدًا أَوْ عَتِيقًا وَالتَّقْدِيمُ فِي التَّنُّورِ وَالتَّأْخِيرُ عَنْهُ وَيَتَفَاوَتُ جُودَةُ خُبْزِهِ بِذَلِكَ (حَتَّى إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ. وَفِي الْمَبْسُوطِ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا بَيْنَهُمَا مُطْلَقًا وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ كَسْبَهُ مَشْغُولٌ بِحَقِّ غُرَمَائِهِ فَلَا يُسْلِمْ لَهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ دَيْنِهِ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ لَا بِجِهَةِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْحُرِّ يَدًا وَتَصَرَّفَا فِي كَسْبِهِ فَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا تَبَايَعَا فَاسِدًا) قَالَ الْكَمَالُ وَكَذَا إذَا بَاعَ مِنْهُمْ مَيْتَةً أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ قَامَرَهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَالَ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ لَا عِصْمَةَ لَهُ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْعِصْمَةِ التَّقَوُّمَ أَيْ لَا تَقَوُّمَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ لِمَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً فَالتَّقَوُّمُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْإِتْلَافِ وَعِنْدَهُمَا نَفْسُهُ وَمَالُهُ مَعْصُومَانِ مُتَقَوِّمَانِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ.] [أَنْوَاع الِاسْتِحْقَاق] (بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ) . (قَوْلُهُ: لَمْ يَذْكُرْ الْحُقُوقَ) أَيْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَمَا ذُكِرَتْ فِيهِ فِي سَائِرِ الْمُتُونِ لِأَنَّهُ أَيْ الْمُصَنِّفَ قَدَّمَهَا فِي أَوَائِلِ الْبُيُوعِ لِمُنَاسَبَتِهَا (قَوْلُهُ هُوَ نَوْعَانِ) ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ عَنْ الزِّيَادَاتِ

يَجْعَلَانِ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ وَمَنْ تَمَلَّكَ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنْ جِهَتِهِ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِ، حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْ ادَّعَى وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ يَخْتَلِفَانِ بِوَجْهٍ آخَرَ إذْ النَّوْعُ (الْأَوَّلُ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعُقُودِ) الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْبَاعَةِ بِلَا حَاجَةٍ فِي انْفِسَاخِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حُكْمِ الْقَاضِي بِلَا اخْتِلَافِ رِوَايَةٍ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلِكُلٍّ مِنْ الْبَاعَةِ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَعْ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ (وَيَرْجِعُ) هُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ (عَلَى الْكَفِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) فَإِنْ تَوَقَّفَ رُجُوعُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي إنَّمَا يَكُونُ إذَا بَقِيَ أَثَرُ الْعَقْدِ وَهُوَ مِلْكٌ كَمَا فِي النَّوْعِ الثَّانِي، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَأَيْضًا بَدَلُ الْحُرِّ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ فَلَا يَجْتَمِعُ ثَمَنَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْمِلْكِ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ) أَيْ كَافَّةِ النَّاسِ (حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ أَحَدٍ، كَذَا الْعِتْقُ وَفُرُوعُهُ) فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُ الْحُرِّ بِرِضَاهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ خُصُومٌ فِي إثْبَاتِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى نِيَابَةً عَنْهُ تَعَالَى لِكَوْنِهِمْ عَبِيدَهُ فَكَانَ حُضُورُ الْوَاحِدِ كَحُضُورِ الْكُلِّ بِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ خَاصَّةً فَلَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ انْتِصَابَهُ خَصْمًا إلَّا أَنَّ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ أَيْضًا لِتَعَدِّي أَثَرِ الْقَضَاءِ إلَيْهِ لِاتِّحَادِ الْمِلْكِ وَمَنْ قَضَى إلَيْهِ فِي حَادِثَةٍ لَمْ يَصِرْ مُقْتَضِيًا لَهُ فِيهَا بِتِلْكَ الْجِهَةِ (وَأَمَّا) الْحُكْمُ (فِي) الْمِلْكِ (الْمُؤَرَّخِ فَعَلَى الْكَافَّةِ مِنْ التَّارِيخِ لَا قَبْلَهُ) يَعْنِي إذَا قَالَ زَيْدٌ لِبَكْرٍ إنَّكَ عَبْدِي مَلَكْتُكَ مُنْذُ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ فَقَالَ بَكْرٌ إنِّي كُنْتُ عَبْدَ بَشَرٍ مَلَكَنِي مُنْذُ سِتَّةِ أَعْوَامٍ فَأَعْتَقَنِي فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ انْدَفَعَ دَعْوَى زَيْدٍ، ثُمَّ إذَا قَالَ عَمْرٌو لِبَكْرٍ إنَّكَ عَبْدِي مَلَكْتُك مُنْذُ سَبْعَةِ أَعْوَامٍ وَأَنْتَ مِلْكِي الْآنَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ وَيُفْسَخُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَيُجْعَلُ مِلْكًا لِعَمْرٍو، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ مِنْ شَرْحِ الزِّيَادَاتِ بَعْدَمَا حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ حَقَّ التَّحْقِيقِ فَصَارَتْ مَسَائِلُ الْبَابِ عَلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عِتْقٌ فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالْقَضَاءُ بِهِ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ، وَالثَّانِي الْقَضَاءُ بِالْعِتْقِ فِي مِلْكٍ مُؤَرَّخٍ وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ مِنْ وَقْتِ التَّارِيخِ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً قَبْلَهُ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ. . (وَ) النَّوْعُ (الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهَا) أَيْ انْفِسَاخَ الْعُقُودِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمِلْكِ (وَالْحُكْمُ) بِهِ أَيْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ (حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ) حَتَّى يُؤْخَذَ الْمُدَّعِي مِنْ يَدِهِ (وَعَلَى مَنْ تَلَقَّى) ذُو الْيَدِ (الْمِلْكَ مِنْهُ) بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ (فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْهُمْ) لِكَوْنِهِمْ مَحْكُومًا عَلَيْهِمْ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ عَلَى ذِي الْيَدِ إلَى آخِرِهِ (بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ) بِأَنْ يَقُولَ بَائِعٌ مِنْ الْبَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مُسْتَحِقًّا عَلَيْهِمْ) أَيْ الْبَاعَةِ الْمَعْلُومِينَ مِنْ الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ: حَتَّى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُ) أَيْ الْبَاعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ بَعْدَ هَذَا وَوَجْهُ عَدَمُ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَوْلُ الْكَمَالِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ كَاسْمِهَا مُبَيِّنَةً لِمَا كَانَ ثَابِتًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ فَيَظْهَرُ بِهَا مَا كَانَ قَبْلَهُ قِبْلِيَّةً لَا تَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ مُعَيَّنٍ وَلِهَذَا يَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَسْمَعُ دَعْوَى أَحَدِهِمْ أَنَّهُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارُوا مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ بِالْقَضَاءِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَخِيرِ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ فِي يَدِ الْأَخِيرِ أَنَّهَا حُرَّةُ الْأَصْلِ حَيْثُ يَرْجِعُونَ. (قَوْلُهُ: يَخْتَلِفَانِ بِوَجْهٍ آخَرَ) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ النَّاقِلَ إذَا وَرَدَ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاعَةِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يَقْضِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ بِالْحُرِّيَّةِ حُكْمٌ عَلَى الْكَافَّةِ) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَمَنْ ادَّعَى حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ أُمِّهِ وَلَا اسْمَ أَبِ الْأُمِّ وَجَدِّهَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ حُرَّ الْأَصْلِ وَتَكُونُ أُمُّهُ رَقِيقَةً بِأَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَتَهُ فَالْوَلَدُ عَلَقَ حُرَّ الْأَصْلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأُمُّ حُرِّيَّةً. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي لَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهَا) أَيْ فَيُوجِبُ تَوَقُّفَ الْعَقْدِ السَّابِقِ عَلَى إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِذَا لَمْ يُجِزْ قِيلَ يَنْفَسِخُ إذَا قَبَضَ الْمُسْتَحَقُّ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، فَإِذَا رَجَعَ الْآنَ يَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ بَعْدَمَا قَضَى لَهُ أَوْ بَعْدَمَا قَبَضَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ يَصِحُّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبِيَاعَاتِ مَا لَمْ يَرْجِعْ كُلٌّ عَلَى بَائِعِهِ بِالْقَضَاءِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَأْخُذْ الْعَيْنَ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَفْسَخْ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى الْفَسْخِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: بَلْ دَعْوَى النِّتَاجِ بِأَنْ يَقُولَ بَائِعٌ مِنْ الْبَاعَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا لَا يَصِحُّ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي بَائِعٍ لَمْ يَتَلَقَّ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ دَعْوَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ مِنْهُ، أَمَّا مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَمْتَنِعُ دَعْوَى النِّتَاجِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ النِّتَاجُ قَدْ وُجِدَ عِنْدَهُ حَقِيقَةً فَإِعْدَامُهُ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ بَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ بِبَيْعِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَيَمْتَنِعُ دَعْوَى النِّتَاجِ لِلتَّنَاقُضِ كَمَا

حِينَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ أَنَا لَا أُعْطِي الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ كَاذِبٌ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ نَتَجَ فِي مِلْكِي أَوْ مِلْكِ بَايِعِي بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ بِهَا فَيُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَبْطُلُ الْحُكْمُ إنْ أَثْبَتَ (أَوْ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّ) بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا لَا أُعْطِي الثَّمَنَ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْته مِنْ الْمُسْتَحِقِّ فَيُسْمَعُ أَيْضًا (وَلَا تُعَادُ الْبَيِّنَةُ لِلرُّجُوعِ) هَذَا أَيْضًا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحُكْمُ بِهِ إلَى آخِرِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْحُكْمُ لِلْمُسْتَحِقِّ حُكْمًا عَلَى الْبَاعَةِ، فَإِذَا أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ الْمُشْتَرِينَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. (وَ) لَكِنْ (لَا يَرْجِعُ أَحَدٌ) مِنْ الْمُشْتَرِينَ (عَلَى بَائِعِهِ فَقَبِلَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ) حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوْسَطِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي الْأَخِيرُ (وَلَا يُرْجَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا يَحْصُلُ رُجُوعُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (عَلَى الْكَفِيلِ) أَيْ الضَّامِنِ بِالدَّرْكِ (قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَمِنْهُ يَسْرِي الْحُكْمُ إلَى الْكَفِيلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ قَبْلَ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ ثَمَنَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمُسْتَحِقِّ مَمْلُوكٌ. (ثُمَّ الرُّجُوعُ) أَيْ رُجُوعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ (إنَّمَا يَكُونُ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ) لِمَا عَرَفْت أَنَّهَا حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بِإِقْرَارِ وَكِيلِ الْمُشْتَرِي بِالْخُصُومَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ فَلَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَفِي زِيَادَاتِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَامِدٍ الْبُخَارِيِّ اشْتَرَى دَارًا وَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّارَ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ لِيَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ لَا يُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، أَمَّا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ تُقْبَلُ وَيُؤْخَذُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ وَلَوْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ وَلَكِنْ طَلَبَ يَمِينَهُ بِاَللَّهِ مَا هِيَ لِلْمُدَّعِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَيَصِيرُ بِنُكُولِهِ كَالْمُقِرِّ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ الثَّمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ، وَقَدْ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَمَبِيعَةٌ وَلَدَتْ) عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِاسْتِيلَادِهِ (فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ تَبِعَهَا وَلَدُهَا) أَيْ يَأْخُذُهَا الْمُسْتَحِقُّ وَوَلَدَهَا (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا) لِرَجُلٍ (لَا) أَيْ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا بَلْ يَأْخُذُهَا الْمُقِرُّ لَهُ لَا وَلَدَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا يَوْمَئِذٍ فَيَثْبُتُ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمُخْبِرِ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْخَبَرِ وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ. (التَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَّهَمًا فِيهَا (لَا) دَعْوَى (الْحُرِّيَّةِ) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ فَلِخَفَاءِ حَالِ الْعُلُوقِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُجْلَبُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ صَغِيرًا وَلَا يَعْلَمُ بِحُرِّيَّةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيُقِرُّ بِالرِّقِّ ثُمَّ يَعْلَمُ بِحُرِّيَّةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَدَّعِي الْحُرِّيَّةَ وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا فِي طَرِيقِهِ خَفَاءٌ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، وَأَمَّا الْعَارِضِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمَوْلَى يَنْفَرِدُ بِالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ بِلَا عِلْمِ الْعَبْدِ فَيَجْرِي فِيهِ أَيْضًا الْخَفَاءُ فَيُجْعَلُ التَّنَاقُضُ فِيهِ عَفْوًا، وَإِذَا أَقَامَ الْمُكَاتَبُ بَيِّنَةً عَلَى إعْتَاقِ سَيِّدِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ تُقْبَلُ لِاسْتِقْلَالِ سَيِّدِهِ بِالتَّحْرِيرِ (وَالطَّلَاقِ) فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَلَعَتْ ثُمَّ أَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الْخُلْعِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ، وَإِنْ تَنَاقَضَتْ لِلْخَفَاءِ فِي تَطْلِيقِهِ لِاسْتِقْلَالِهِ بِهِ (وَالنَّسَبِ) كَمَا إذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا ابْنِي ثُمَّ قَالَ هَذَا ابْنِي فَيُسْمَعُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْتُ أَنَا بِوَارِثِ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُهُ وَبَيَّنَ جِهَةَ إرْثِهِ يَصِحُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا لَمْ يَحْصُلْ النِّتَاجُ عِنْدَهُ أَصْلًا لِمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ أَنَّ الِاسْتِشْرَاءَ وَالِاسْتِيهَابَ وَالِاسْتِيدَاعَ وَالِاسْتِئْجَارَ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ لِلطَّالِبِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا إقْرَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِلْكٌ لِذِي الْيَدِ فَيَكُونُ الطَّلَبُ بَعْدَهُ تَنَاقُضًا اهـ. وَالتَّنَاقُضُ حَاصِلٌ مِنْ بَائِعٍ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِهِ يَدَّعِي النِّتَاجَ عِنْدَهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَمَبِيعَةٌ وَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِاسْتِيلَادِهِ) إنَّمَا قُيِّدَ بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِيلَادِهِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ أَيْ يَأْخُذُهَا الْمُسْتَحِقُّ وَوَلَدَهَا وَإِلَّا فَاسْتِيلَادُهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ بِالْبَيِّنَةِ فَيَكُونُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ وَهُوَ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُسْتَحِقِّهِ وَيَلْزَمُ عُقْرَهَا بِالْوَطْءِ وَيَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَى بَائِعِهِ لَا بِالْعُقْرِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ لَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ دَعْوَى النَّسَبِ. (قَوْلُهُ: تَبِعَهَا وَلَدُهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَيُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ بِالْوَلَدِ بِخُصُوصِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ يَوْمَ الْقَضَاءِ لِانْفِصَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِهِ وَقِيلَ يَصِيرُ مُقْتَضِيًا بِهِ تَبَعًا كَمَا أَنَّ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِهِ يَكُونُ تَبَعًا اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِرَجُلٍ لَا يَتَّبِعُهَا وَلَدُهَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ الْوَلَدُ إنَّمَا لَا يَتَّبِعُهَا فِي الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُقِرُّ لَهُ مَا إذَا ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ. اهـ. .

وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَالَ رَجُلٌ) لِآخَرَ (اشْتَرِنِي فَإِنِّي عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ) ثُمَّ ادَّعَى الْحُرِّيَّةَ (فَأَثْبَتَ حُرِّيَّتَهُ ضَمِنَ) الْعَبْدُ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ بَائِعُهُ) لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ ضَمِنَ سَلَامَةَ نَفْسِهِ أَوْ سَلَامَةَ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنْ الْبَائِعِ فَجَعَلَ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورًا وَالتَّغْرِيرَ فِي الْمُعَاوَضَةِ سَبَبُ الضَّمَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِذَا ظَهَرَ حُرِّيَّتُهُ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلضَّمَانِ وَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ الْبَائِعِ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ (وَرَجَعَ) أَيْ الْعَبْدُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ إذَا وَجَدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا كَمُعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ لِتَخْلِيصِ الرَّهْنِ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ اشْتَرِنِي أَوْ قَالَهُ وَلَمْ يَقُلْ: إنِّي عَبْدٌ لَيْسَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ (وَإِنْ عَلِمَ) أَيْ مَكَانَ بَائِعِهِ (فَلَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْعَبْدُ (بِخِلَافِ الرَّهْنِ) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ ارْتَهِنِّي فَإِنِّي عَبْدٌ لَا يُجْعَلُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَالرَّهْنُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حَبْسٌ بِلَا عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ بِطَرِيقِ التَّفْرِيعِ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ دَفْعُ إشْكَالٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّنَاقُضُ يُفْسِدُ الدَّعْوَى. (لَا عِبْرَةَ لِتَارِيخِ الْغَيْبَةِ) بَلْ الْعِبْرَةُ لِتَارِيخِ الْمِلْكِ (فَلَوْ قَالَ الْمُسْتَحِقُّ غَابَتْ عَنِّي مُنْذُ سَنَةٍ) يَعْنِي اسْتَحَقَّ رَجُلٌ دَابَّةً مِنْ يَدِ آخَرَ وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ عِنْدَ الدَّعْوَى غَابَتْ عَنِّي هَذِهِ الدَّابَّةُ مُنْذُ سَنَةٍ فَقَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِالدَّابَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّ أَخْبَرَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْبَائِعَ عَنْ الْقِصَّةِ (فَقَالَ الْبَائِعُ لِي بَيِّنَةٌ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِي مُنْذُ سَنَتَيْنِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ) بَلْ يَقْضِي الْقَاضِي بِالدَّابَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مَا ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ بَلْ ذَكَرَ تَارِيخَ غَيْبَةِ الدَّابَّةِ فَبَقِيَتْ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ وَالْبَائِعُ ذَكَرَ تَارِيخَ الْمِلْكِ وَدَعْوَاهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ فَصَارَ كَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ ادَّعَى مِلْكَ بَائِعِهِ بِتَارِيخِ سَنَتَيْنِ، إلَّا أَنَّ التَّارِيخَ لَا يُعْتَبَرُ حَالَةُ الِانْفِرَادِ كَمَا سَيَأْتِي فَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِكْرِهِ وَبَقِيَتْ الدَّعْوَى فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَيَقْضِي بِالدَّابَّةِ (الْعِلْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ بَلْ لِغَيْرِهِ فَبَعْدَمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَأَخَذَ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَلَا يَمْنَعُ عِلْمُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ صِحَّةَ رُجُوعِهِ (فَإِذَا اسْتَوْلَدَ مَشْرِيَّةً يُعْلَمُ غَصْبُ الْبَائِعِ إيَّاهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ) يَعْنِي اشْتَرَى جَارِيَةً مَغْصُوبَةً وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَائِعَ غَاصِبٌ فَاسْتَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِانْعِدَامِ الْغُرُورِ لِعِلْمِهِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِمَلَكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (لَا يَحْكُمُ بِسِجِلِّ الِاسْتِحْقَاقِ بِشَهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُ كَذَا بَلْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى مَضْمُونِهِ) يَعْنِي إذَا اسْتَحَقَّ دَابَّةً مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِبُخَارَى وَقَبَضَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ السِّجِلَّ وَوَجَدَ بَائِعُهُ بِسَمَرْقَنْدَ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَأَظْهَرَ سِجِلَّ قَاضِي بُخَارَى وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ قَاضِي بُخَارَى لَا يَجُوزُ لِقَاضِي سَمَرْقَنْدَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَيَقْضِي لِلْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ أَنَّ قَاضِيَ بُخَارَى قَضَى بِبُخَارَى عَلَى الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالدَّابَّةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا مِنْ هَذَا الْبَائِعِ وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِ الْمُسْتَحِقِّ عَلَيْهِ هَذَا لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إنَّ الدَّعْوَى شَرْطٌ فِي حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ) يَعْنِي مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْكَمَالُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ دَعْوَى الْعَبْدِ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ وَالْعِتْقِ الْعَارِضِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَقَرَّ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِمَلَكِيَّةِ الْمَبِيعِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ) قُلْت قَدْ نَقَلَ الْعِمَادِيُّ قَبْلَ هَذَا عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا صُورَتُهُ ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمُشْتَرِي إنَّمَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْبَيِّنَةِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بِإِقْرَارِ وَكِيلِهِ بِالْخُصُومَةِ أَوْ نُكُولِهِ لَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.

نَفْسِ السِّجِلِّ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَعَلَى قَصْرِ يَدِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ كَذَا مَا سِوَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَالْوَكَالَةِ الْمُرَادُ بِمَا سِوَاهُمَا الْمَحَاضِرُ وَالسِّجِلَّاتُ وَالصُّكُوكُ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا تَجِبُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَضْمُونِ الْمَكْتُوبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِكُلٍّ مِنْهَا كَوْنُهُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ نَقْلِ الْوَكَالَةِ وَالشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا حُصُولُ الْعِلْمِ لِلْقَاضِي وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ كَوْنُ شُهُودِ الطَّرِيقِ كُفَّارًا، وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ كَافِرًا (قَبَضَ كُلَّ الْمَبِيعِ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهِ) أَيْ قَدْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ (فَإِنْ أَوْرَثَ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْبَعْضِ (الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي أَوْ كَانَ) الْمُسْتَحِقُّ (شَيْئَيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ) كَالسَّيْفِ بِالْغِمْدِ وَالْقَوْسِ بِالْوَتَرِ (خُيِّرَ) الْمُشْتَرِي (فِيهِ) أَيْ الْبَاقِي وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُورِثْ عَيْبًا فِي الْبَاقِي وَلَمْ يَكُنْ شَيْئَيْنِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ (لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ الْبَاقِي الْمُشْتَرِيَ (بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ) تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا بَطَلَ فِي قَدْرِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ يُورِثُ الْعَيْبَ فِي الْبَاقِي، كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا مِمَّا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ وَالْكَرْمِ وَالْعَبْدِ وَنَحْوِهَا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ فِي الْبَاقِي إنْ شَاءَ رَضِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئَيْنِ وَفِي الْحُكْمِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا فَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ مَا اسْتَحَقَّ لَا يُورِثُ عَيْبًا فِي الْبَاقِي، كَمَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا أَوْ صُبْرَةَ حِنْطَةٍ أَوْ حَمْلَةَ وَزْنِيٍّ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ فَلَزِمَ الْبَاقِي الْمُشْتَرِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (أَوْ بَعْضِهِ) عَطْفٌ عَلَى كُلِّ الْمَبِيعِ (فَاسْتَحَقَّ الْمَقْبُوضَ أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْمَقْبُوضِ (بَطَلَ) الْبَيْعُ (فِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْبَعْضَ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا بَطَلَ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ فِي صُورَةِ قَبْضِ الْكُلِّ (وَخُيِّرَ) الْمُشْتَرِي (فِي الْبَاقِي) سَوَاءٌ (أَوْرَثَ) اسْتِحْقَاقُ الْبَعْضِ (الْعَيْبَ فِيهِ أَوْ لَا) لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ التَّمَامِ. (ادَّعَى حَقًّا) مَجْهُولًا (فِي دَارٍ فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا (فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا) أَيْ بَعْضَ الدَّارِ (لَمْ يَرْجِعْ) صَاحِبُ الدَّارِ (بِشَيْءٍ) مِنْ الْبَدَلِ (عَلَى الْمُدَّعِي) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ، وَإِنْ قَلَّ (أَوْ) اسْتَحَقَّ (كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الدَّارِ (رَدَّ كُلَّ الْعِوَضِ) لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ أَخَذَ عِوَضَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ فَيَرُدُّ (وَإِنْ ادَّعَاهَا) أَيْ الدَّارَ كُلَّهَا (فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ) كَمِائَةٍ (فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا) أَيْ بَعْضَ الدَّارِ (رَجَعَ بِحِصَّتِهِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مِائَةٍ وَقَعَ عَنْ كُلِّ الدَّارِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ مِنْهَا شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الْقَدْرَ فَيُرَدُّ بِحِسَابِهِ مِنْ الْعِوَضِ (صَالَحَ عَنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى دَرَاهِمَ وَقَبَضَهَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ (فَاسْتُحِقَّتْ) أَيْ الدَّرَاهِمُ (بَعْدَ التَّفَرُّقِ رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ فِي مَعْنَى الصَّرْفِ، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ بَطَلَ الصُّلْحُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ. (جَازَ إعْتَاقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ) يَعْنِي لَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَأَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ جَازَ عِتْقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إذْ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَالْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ أَفَادَ يَثْبُتُ مُسْتَنَدًا وَهُوَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْمُصَحِّحُ لَهُ الْمِلْكُ الْكَامِلُ لِلْحَدِيثِ وَلَهُمَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: جَازَ إعْتَاقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ) كَذَا لَوْ أَدَّى الْغَاصِبُ الضَّمَانَ وَكَذَا وَقْفُ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَاةِ مِنْ غَاصِبِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ

[باب السلم]

الْمِلْكَ يَثْبُتُ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ وَصَارَ كَإِعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الرَّاهِنِ وَإِعْتَاقِ الْوَارِثِ عَبْدًا مِنْ تَرِكَةٍ مُسْتَغْرِقَةٍ بِالدَّيْنِ حَيْثُ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ إذَا قُضِيَ الدَّيْنُ بَعْدَهُ (لَا بَيْعُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ بَعْدَمَا أَجَازَ الْمَالِكُ بَيْعَ الْغَاصِبِ إذْ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ مِلْكُ بَاتٍّ، فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ لِغَيْرِهِ أَبْطَلَهُ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِلْكِ الْبَاتِّ وَالْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (بَاعَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ وَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ الْمَوْلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِالْبَيْعِ وَأَرَادَ رَدَّ الْمَبِيعِ لَمْ يُقْبَلْ) لِلتَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى إذْ قَدَّمَهُ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ وَنَفَاذِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ وَالْبَيِّنَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، فَإِذَا بَطَلَتْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ. (وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي بَطَلَ إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا ثُمَّ أَقَرَّ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِخِلَافِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ فَلِمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ عَلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا شَرَطَ طَلَبَ الْمُشْتَرِي. (بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ بِلَا أَمَرَهُ وَاعْتَرَفَ بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ) قَالَ فِي الْكَنْزِ مَنْ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ الدَّارَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْبَائِعِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا، فَإِذَا لَمْ يُقِمْ الْمُسْتَحِقُّ وَهُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَيِّنَةَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا إلَى عَقْدِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِدْخَالِ فِي الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا تَرَكَ تِلْكَ الْعِبَارَةَ هَاهُنَا. [بَابُ السَّلَمِ] [شَرَائِط السَّلَم] (بَابُ السَّلَمِ) (هُوَ) لُغَةً بِمَعْنَى السَّلَفِ فَإِنَّهُ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ سُمِّيَ بِهِ هَذَا الْعَقْدُ لِكَوْنِهِ مُعَجَّلًا عَلَى وَقْتِهِ فَإِنَّ وَقْتَ الْبَيْعِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَالسَّلَمُ عَادَةً يَكُونُ بِمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ مُعَجَّلًا وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة: 282] الْآيَةَ فَإِنَّهَا تَشْمَلُ السَّلَمَ وَالْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَتَأْجِيلُهُ بَعْدَ الْحُلُولِ وَالسَّنَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَالْإِجْمَاعُ وَيَأْبَاهُ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ لَكِنَّهُ تُرِكَ لِمَا ذُكِرَ وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْعِزِّ الْحَنَفِيَّ قَالَ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ هَذَا اللَّفْظُ هَكَذَا لَمْ يُرْوَ مِنْ أَحَدِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَشَرْعًا (بَيْعُ الشَّيْءِ عَلَى أَنْ يَكُونَ) ذَلِكَ الشَّيْءُ (دَيْنًا عَلَى الْبَائِعِ بِشَرَائِطَ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا (وَالْبَائِعُ) فِي الِاصْطِلَاحِ (مُسْلَمٌ إلَيْهِ وَالْمُشْتَرِي رَبُّ السَّلَمِ وَالْمَبِيعِ فِيهِ وَالثَّمَنُ رَأْسُ الْمَالِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُعْلَمُ قَدْرُهُ) أَيْ مِقْدَارُهُ أَعَمَّ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ (وَصِفَتُهُ) أَيْ جَوْدَتُهُ وَرَدَاءَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ (كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ الْمُثَمَّنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ السَّلَمِ) . (قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَسْلَمَ إلَخْ) كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» . . . إلَخْ) نَفْيُ وُرُودِهِ أَصْلًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فِيهِ تَأَمُّلٌ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَمَالِ لَفْظُ الْحَدِيثِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَثَرَ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ قِيلَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَتَقَدَّمَ وَالرُّخْصَةُ فِي السَّلَمِ رَوَاهُ السِّتَّةُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُسَلِّفُونَ فِي التَّمْرِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ «إنَّا كُنَّا لَنُسَلِّفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» . اهـ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا بَيْعُ الشَّيْءِ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى رُكْنِهِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ كَمَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالتَّبْيِينِ وَعَلَى انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ السَّلَمِ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ

احْتِرَازًا عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُثَمَّنَةٍ بَلْ أَثْمَانٌ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا السَّلَمُ (وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَالْفَلْسِ وَاللَّبِنِ وَالْآجُرِّ بِمِلْبَنٍ مُعَيَّنٍ، وَالذَّرْعِيُّ كَالثَّوْبِ مُبَيِّنًا قَدْرَهُ) أَيْ طُولَهُ وَعَرْضَهُ (وَصِفَتَهُ) أَيْ غِلَظَهُ وَرِقَّتَهُ (وَوَزْنَهُ إنْ بِيعَ بِهِ) أَيْ بِالْوَزْنِ (فَصَحَّ فِي السَّمَكِ الْمَلِيحِ) أَيْ الْقَدِيدِ بِالْمِلْحِ يُقَالُ سَمَكٌ مَلِيحٌ وَمَمْلُوحٌ وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ (وَالطَّرِيُّ حَيْثُ يُوجَدُ) غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَزْنًا ضَرْبًا) أَيْ نَوْعًا (مَعْلُومَيْنِ) قَيْدٌ لِلْمَلِيحِ وَالطَّرِيِّ. . (وَ) صَحَّ (فِي الطَّسْتِ وَالْقُمْقُمَةِ وَالْخُفَّيْنِ إذَا عَيَّنَ) كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا يَرْفَعُ النِّزَاعَ (لَا فِيمَا لَا يَعْلَمَانِ) أَيْ قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ (كَالْحَيَوَانِ وَأَطْرَافِهِ وَاللَّحْمِ وَالْجُلُودِ عَدَدًا) قَيْدٌ لِلْجُلُودِ (وَالْحَطَبِ حُزَمًا) جَمْعُ حُزْمَةٍ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ بند هيزم (وَالرَّطْبَةُ جُرُزًا) جَمْعُ جُرْزَةٍ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ دست تره. (وَالْجَوْهَرُ وَالْخَرَزُ) بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يُنَظَّمُ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا تَفَاوُتًا فَاحِشًا يَمْنَعُ السَّلَمَ حَتَّى إنَّ بَيْنَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالصِّفَةِ فِي الْجُلُودِ، وَقَدْرِ مَا يُشَدُّ بِهِ الْحُزْمَةُ جَازَ (وَالْمُنْقَطِعُ) أَيْ وَلَا فِيمَا انْقَطَعَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ (إلَى) حِينِ (الْمَحَلِّ) أَيْ الْأَجَلِ بِأَنْ اسْتَغْرَقَ الْعَدَمُ جَمِيعَ الْوَقْتِ مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْأَجَلِ. (وَ) لَا (بِكَيْلٍ أَوْ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ يَتَأَخَّرُ فِيهِ فَرُبَّمَا يَضِيعُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ. . (وَ) لَا (بُرِّ قَرْيَةٍ أَوْ تَمْرِ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ) إذْ قَدْ تَعْتَرِيهِ آفَةٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ (وَشَرْطُ صِحَّتِهِ بَيَانُ الْجِنْسِ) كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ (وَالنَّوْعِ) كَسَقْيِهِ وَبَخْسِهِ (وَالصِّفَةِ) كَجَيِّدٍ وَرَدِيءٍ (وَالْقَدْرِ) نَحْوِ كَذَا كَيْلًا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ (وَالْأَجَلِ وَأَقَلُّهُ شَهْرٌ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ (وَقَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ) أَخْرَجَ الْفُلُوسَ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا لِأَنَّهَا سِلَعٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَالسَّلَمِ فِي التِّبْرِ لَا يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ رِوَايَةِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالْمَضْرُوبِ وَعَلَى رِوَايَةِ الشَّرِكَةِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالْعُرُوضِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّهُ كَالْعُرُوضِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ) أَيْ عَدًّا وَيَجُوزُ أَيْضًا كَيْلًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ذُكِرَ فِي الْمُخْتَلَفِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا وَكَيْلًا وَوَزْنًا عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَوَزْنُهُ إنْ بِيعَ بِهِ) أَيْ بِالْوَزْنِ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ كَانَ ثَوْبَ حَرِيرٍ يُبَاعُ بِالْوَزْنِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ مَعَ ذَلِكَ أَيْ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ وَالصَّنْعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِهِ اهـ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَفِي الْإِيضَاحِ فِي الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ مِنْ الْمَذْرُوعَاتِ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الذَّرْعِ وَالصِّفَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَزْنِ لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْوَزْنِ فَإِنَّ الدِّيبَاجَ كُلَّمَا ثَقُلَ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ وَالْحَرِيرُ كُلَّمَا خَفَّ وَزْنُهُ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ مَالِحٌ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ احْتَجُّوا لَهَا بِقَوْلِ الشَّاعِرِ بَصْرِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ بَصْرِيًّا ... أَطْعَمَهَا الْمَالِحَ وَالطَّرِيَّا وَالْحُجَّةُ لِلُّغَةِ الْفَصِيحَةِ قَوْله تَعَالَى {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] أَيْ شَدِيدُ الْمُلُوحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَزْنًا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي السَّمَكِ الْمِلْحِ وَالطَّرِيِّ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ، وَأَمَّا السَّمَكُ الصِّغَارُ إذَا كَانَ يُكَالُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسَوَاءٌ فِيهِ الطَّرِيُّ وَالْمَمْلُوحُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: كَالْحَيَوَانِ) شَامِلٌ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْعَصَافِيرَ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَفْصِلْ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَاللَّحْمِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَنْزُوعَ الْعَظْمِ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَجَازَاهُ مُطْلَقًا كَالْأَلْيَةِ وَالشَّحْمِ وَالسَّمَكِ وَزْنًا وَبِهِ يُفْتِي؛ لِأَنَّ اللَّحْمَ مَوْزُونٌ مَضْبُوطٌ إذَا بَيَّنَ وَصْفَهُ وَمَوْضِعَهُ كَمَا فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ أَسْلَمَ فِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ جَازَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ فَصَارَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مُوَافِقَةً لِقَوْلِهِمَا. (قَوْلُهُ وَالْجُلُودِ عَدَدًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا كَانَا يُبَايِعَانِ وَزْنًا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِمَا بِالْوَزْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْجَوْهَرِ) هَذَا فِي الْكِبَارِ مِنْهُ وَيَجُوزُ فِي صِغَارِ اللُّؤْلُؤِ وَزْنًا لِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَقَدْرُ مَا يَشُدُّ بِهِ الْحُزْمَةُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنَّ بَيْنَ الْحَبْلِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ الْحَطَبَ وَالرَّطْبَةَ وَبَيْنَ طُولِهِ وَضُبِطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ. (قَوْلُهُ: الْمَحِلِّ) مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِكَسْرِ الْحَاءِ بِمَعْنَى الْحُلُولِ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ اسْتَغْرَقَ الْعَدَمُ جَمِيعَ الْوَقْتِ) لَيْسَ شَرْطًا حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُرِّ قَرْيَةٍ) قَيَّدَ بَقَرِيَّةٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامِ وِلَايَةٍ يَجُوزُ لِأَنَّ حُصُولَ الْآفَةِ لِطَعَامِ الْوِلَايَةِ نَادِرٌ وَهَذَا إذَا نُسِبَ إلَى قَرْيَةٍ لِيُؤَدِّيَ مِنْ طَعَامِهَا، وَأَمَّا إذَا نُسِبَ إلَيْهَا لِبَيَانِ وَصْفِ الطَّعَامِ فَالسَّلَمُ جَائِزٌ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّتِهِ. . . إلَخْ) بَيَانٌ لِلشُّرُوطِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْعَقْدِ وَمُحَصِّلُهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَقْدِ بَيَانُ ضَبْطِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَيَانُ ضَبْطِ رَأْسِ الْمَالِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ أَوْ الْمَعْدُودِ وَذَلِكَ أَيْ ضَبْطُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَرَأْسِ مَالٍ يُذْكَرُ جِنْسُهُ وَنَوْعُهُ وَصِفَتُهُ، وَقَدْرُهُ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تُذْكَرُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَرَأْسِ الْمَالِ وَيُشْتَرَطُ لِدَوَامِ صِحَّةِ الْعَقْدِ تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَنَقْدِ الدَّرَاهِمِ لِتَمْيِيزِ الْجَيِّدِ مِنْ الرَّدِيءِ وَخُلُوصِ الْبَدَلَيْنِ عَنْ أَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا وَهُوَ الْقَدْرُ أَوْ الْجِنْسُ كَإِسْلَامِ الْهَرَوِيِّ فِي الْهَرَوِيِّ وَالْحِنْطَةِ فِي الشَّعِيرِ وَالْحَدِيدِ فِي الرَّصَاصِ وَكَوْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِمَّا يُتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِتَخْرُجَ النُّقُودُ وَالْأَجَلُ

عَلَى مِقْدَارِهِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ (الْمُتَقَارِبِ) كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَقَالَا: لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْقَدْرِ بَعْدَ التَّعْيِينِ بِالْإِشَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي كُرِّ بُرٍّ وَلَمْ يَدْرِ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ أَوْ قَالَ أَسْلَمْتُ إلَيْكَ هَذَا الْبُرَّ فِي كَذَا مَنًّا مِنْ الزَّعْفَرَانِ وَلَمْ يَدْرِ قَدْرَ الْبُرِّ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ إذَا كَانَ ثَوْبًا أَوْ حَيَوَانًا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ (وَمَكَانِ إيفَاءِ مَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةً وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَيُوَفِّيهِ حَيْثُ شَاءَ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ وَلَا وُجُوبَ فِي الْحَالِ (كَذَا الثَّمَنُ) أَيْ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ بِأَنْ بَاعَ عَبْدًا حَاضِرًا بِبُرٍّ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ حَيْثُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ (وَالْقِسْمَةُ) بِأَنْ اقْتَسَمَا دَارًا وَشَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لِزِيَادَةِ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ فِي نَصِيبِهِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانَ الْإِيفَاءِ (وَالْأَجْرُ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ دَابَّةً بِمَا لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ (وَشَرْطُ بَقَائِهَا) أَيْ بَقَاءِ صِحَّةِ السَّلَمِ (قَبْضُ رَأْسِ مَالِهِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ. (فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَةً نَقْدًا وَمِائَةً عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي كُرِّ بُرٍّ بَطَلَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ) لِانْتِفَاءِ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَجَازَ فِي حِصَّةِ النَّقْدِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ طَارَ لِوُقُوعِ السَّلَمِ صَحِيحًا ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ نَقَدَ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ (لَا يَتَصَرَّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ الْقَبْضِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا مَرَّ (بِشَرِكَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَتَصَرَّفُ بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ أَعْطِنِي نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ نِصْفُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَك (أَوْ تَوْلِيَةٍ) بِأَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْت الْمُسْلَمَ إلَيْهِ لِيَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَك (أَوْ نَحْوِهِمَا) ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرَ وُقُوعًا مِنْ الْمُرَابَحَةِ وَالْوَضْعِيَّةِ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَتَصَرَّفُ إلَى آخِرِهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَشْتَرِ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ (مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ شَيْئًا بِرَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَقْبِضَهُ) كُلَّهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ قَبْضِهِ. (اشْتَرَى كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لَمْ يَصِحَّ) يَعْنِي أَسْلَمَ كُرًّا فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لَمْ يَكُنْ قَضَاءً، وَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِنَفْسِهِ فَاكْتَالَهُ لَهُ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ جَازَ لِاجْتِمَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكَيْلِ مَرَّتَيْنِ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ» (وَإِنْ أَمَرَ مُقْرِضَهُ صَحَّ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَكُنْ سَلَمًا وَكَانَ قَرْضًا فَأَمَرَ مُقْرِضَهُ بِقَبْضِ الْكُرِّ جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ الْإِعَارَةُ وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ إعَارَةٍ فَكَانَ الْمَرْدُودُ عَيْنَ الْمَأْخُوذِ مُطْلَقًا حُكْمًا فَلَا يَجْتَمِعُ الصَّفْقَتَانِ (كَذَا) أَيْ صَحَّ أَيْضًا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَلَوْ) اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ كُرًّا وَ (أَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ لَهُ) أَيْ لِأَجَلِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَفَعَلَ) أَيْ اكْتَالَهُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُمَّ اكْتَالَهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ لِاجْتِمَاعِ الْكَيْلَيْنِ (وَلَوْ أَمَرَهُ رَبُّ السَّلَمِ) أَيْ أَمَرَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ أَنْ يَكِيلَ الْمُسْلَمَ فِيهِ (فِي ظَرْفِ رَبِّ السَّلَمِ فَكَالَ فِي ظَرْفِهِ بِغَيْبَتِهِ أَوْ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فَكَالَ فِي ظَرْفِهِ) أَيْ ظَرْفِ الْبَائِعِ (لَمْ يَكُنْ قَبْضًا) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْكَيْلِ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ مُصَادَفَتِهِ مِلْكَ الْأَمْرِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا الْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوُجُودُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُدَّةَ تَأْجِيلِهِ وَمَكَانَ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَخُلُوصُ الْعَقْدِ عَنْ الْخِيَارِ شَرْطُ الْأَحَدِ اهـ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ الْفَتْحِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا. (قَوْلُهُ: فَيُوفِيهِ حَيْثُ شَاءَ وَهُوَ الْأَصَحُّ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْإِجَارَاتِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُيُوعِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُهُمَا اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِمَا. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا شَرَطَ مَكَانًا آخَرَ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ فِي رِوَايَةٍ لَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ لِمَا مَرَّ وَفِي رِوَايَةٍ يَتَعَيَّنُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا الثَّمَنُ. . . إلَخْ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَوْضِعُ الْعَقْدِ وَالْقِسْمَةِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَقَالَ قَبْلَهُ مَكَانُ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ يَتَعَيَّنُ لِلْإِيفَاءِ اتِّفَاقًا مِنْ الْمُحِيطِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ وَشَرَطَ أَحَدُهُمَا التَّوْفِيَةَ إلَى مَنْزِلِهِ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ زِيَادَةَ بَدَلٍ وَهُوَ الْحَمْلُ وَالْإِيفَاءُ اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ السَّلَمِ مِنْ النُّقُودِ فَلِأَنَّهُ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَلِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الِاسْمِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ لِيَنْقَلِبَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِيهِ فَيَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلِذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ إذَا كَانَ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَسْلَمَ مِائَةً نَقْدًا وَمِائَةً عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ. . . إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعَيْنُ وَالدَّيْنُ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ دَيْنًا أَوْ عَكْسُهُ لَا يَجُوزُ فِي الْكُلِّ، أَمَّا حِصَّةُ الدَّيْنِ فَلِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا حِصَّةُ الْعَيْنِ فَلِجَهَالَةِ مَا يَخُصُّهُ وَهَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْعَيْنِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

فَصَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مُسْتَعِيرًا لِظَرْفِ رَبِّ السَّلَمِ وَوَاضِعًا مِلْكَ نَفْسِهِ فِيهَا (بِخِلَافِ كَيْلِهِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِأَمْرِهِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى مَثَلًا حِنْطَةً مُعَيَّنَةً فَأَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ أَنْ يَكِيلَهُ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي بِغَيْبَتِهِ صَارَ قَابِضًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْحِنْطَةَ بِالشِّرَاءِ فَأَمْرُهُ مُصَادِفٌ مِلْكَهُ. (كَيْلُ الْعَيْنِ ثُمَّ كَيْلُ الدَّيْنِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَعَكْسُهُ لَا) صُورَتُهُ رَجُلٌ أَسْلَمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ كُرَّ حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَدَفَعَ رَبُّ السَّلَمِ ظَرْفًا إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِيَجْعَلَ الْكُرَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَالْكُرَّ الْمُشْتَرَى فِي ذَلِكَ الظَّرْفِ، فَإِنْ بَدَأَ بِكَيْلِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَى فِي الظَّرْفِ صَارَ قَابِضًا لِلْعَيْنِ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ وَلِلدَّيْنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَ الْمُقْرِضَ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالدَّيْنِ لَمْ يَصِرْ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا أَمَّا الدَّيْنُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبِدَايَةَ بِالْعَيْنِ وَعِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ فِي الْمَخْلُوطِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا. (أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ وَقُبِضَتْ) أَيْ قَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ بَقِيَ) أَيْ التَّقَايُلُ (أَوْ مَاتَتْ فَتَقَايَلَا صَحَّ) أَيْ التَّقَايُلُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قِيمَتُهَا) يَوْمَ قَبْضِهِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَوْتِ بَعْدَ التَّقَايُلِ وَقَبْلَهُ، يَعْنِي إذَا اشْتَرَى كُرًّا بِعَقْدِ السَّلَمِ وَجَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ أَمَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ ثُمَّ تَقَايَلَا عَقْدَ السَّلَمِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأَمَةُ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَقِيَ التَّقَايُلُ وَلَوْ مَاتَتْ وَتَقَايَلَا صَحَّ التَّقَايُلُ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ رَأْسُ الْمَالِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ وَالْمَبِيعُ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَصِحَّةُ الْإِقَالَةِ تَعْتَمِدُ قِيَامَ الْمَبِيعِ لَا الثَّمَنِ كَمَا مَرَّ فَهَلَاكُ الْأَمَةِ لَا يُغَيِّرُ حَالَ الْإِقَالَةِ مِنْ الْبَقَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَالصِّحَّةِ فِي الثَّانِيَةِ، فَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ انْفَسَخَ فِي الْجَارِيَةِ تَبَعًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ فَوَجَبَ رَدُّهَا، وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَوَجَبَ رَدُّ قِيمَتِهَا (كَذَا الْمُقَايَضَةُ) وَهِيَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ كَمَا مَرَّ (فِي وَجْهَيْهِ) يَعْنِي تَبْقَى الْإِقَالَةُ وَتَصِحُّ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ فَفِي الْبَاقِي يُعْتَبَرُ الْمَبِيعِيَّةُ وَفِي الْهَالِكِ الثَّمَنِيَّةُ (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى أَمَةً بِأَلْفٍ فَتَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِعَدَمِ مَحِلِّهَا. (الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ وَالْأَجَلِ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَ عَاقِدُ السَّلَمِ فِي شَرْطِ الرَّدَاءَةِ وَالْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِمَا أَمَّا الرَّدَاءَةُ فَبِأَنْ يَقُولُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ شَرَطْنَا الرَّدِيءَ وَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ لَمْ نَشْرِطْ شَيْئًا لِيَكُونَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَالْقَوْلُ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ مُتَعَنِّتٌ فِي إنْكَارِهِ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ زَائِدٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ عَادَةً وَلَوْ ادَّعَى رَبُّ السَّلَمِ شَرْطَ الرَّدَاءَةِ وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةَ عِنْدَهُ وَلِلْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا الْأَجَلُ فَأَيُّهُمَا ادَّعَاهُ فَالْقَوْلُ لَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَلِلْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا (الِاسْتِصْنَاعُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعٍ كَالْخِفَافِ اصْنَعْ لِي مِنْ مَالِك خُفًّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِكَذَا (بِأَجَلٍ) كَأَنْ يَقُولَ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا (سَلَمٌ) سَوَاءٌ (تَعَامَلُوا) نَحْوُ خُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمَةٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ لَا) كَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا أَمَّا كَوْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلِأَنَّهُ) أَيْ الْمَأْمُورَ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ وَهَذَا الْخَلْطُ غَيْرُ مَرَضِيٍّ بِهِ يَعْنِي لَمْ يَرْضَ بِهِ الْآمِرُ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ قَابِضًا بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا إذَا بَدَأَ بِالْعَيْنِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ وَخَلَطَ الْمَأْمُورُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الرَّدَاءَةِ وَالْأَجَلِ) أَيْ أَصْلُ الْأَجَلِ مُطْلَقًا وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَى أَدْنَى الْآجَالِ وَذَلِكَ شَهْرٌ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ أَيْ رَبُّ السَّلَمِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ زِيَادَةَ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ إبْقَاءَ الْحَقِّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالْمَطْلُوبُ يُنْكِرُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْمَطْلُوبِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ أَجَلٍ فَتَكُونُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَجَلُ فَأَيُّهُمَا ادَّعَاهُ فَالْقَوْلُ لَهُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ وَلِلْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا) أَقُولُ تَعْمِيمُ الْخِلَافِ سَهْوٌ بَلْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ الْأَجَلَ فَيُصَدَّقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِيَمِينِهِ لَا عِنْدَهُمَا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَاهُ رَبُّ السَّلَمِ فَيُصَدَّقُ اتِّفَاقًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْمُحِيطِ مُوَضَّحًا بِالتَّعْلِيلِ

[مسائل شتى في البيع]

الِاسْتِصْنَاعِ بِأَجَلٍ سَلَمًا إذَا لَمْ يَتَعَامَلُوا فَبِالْوِفَاقِ، وَأَمَّا إذَا تَعَامَلُوا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ سَلَمًا وَعِنْدَهُمَا لَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلِاسْتِصْنَاعِ فَيُحَافَظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ عَلَى التَّعْجِيلِ، بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِصْنَاعٌ فَاسِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى السَّلَمِ الصَّحِيحِ وَلَهُ أَنَّهُ دَيْنٌ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ وَجَوَازُ السَّلَمِ بِإِجْمَاعٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَفِي تَعَامُلِهِمْ الِاسْتِصْنَاعُ نَوْعُ شُبْهَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى. (وَ) الِاسْتِصْنَاعُ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْأَجَلِ (صَحَّ) اسْتِحْسَانًا لِلْإِجْمَاعِ الثَّابِتِ بِالتَّعَامُلِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِحُّ (بَيْعًا لَا عِدَّةً) كَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ بَيْعًا بِقَوْلِهِ (فَالصَّانِعُ يُجْبَرُ عَلَى عَمَلِهِ) وَلَوْ كَانَ عِدَّةً لَمْ يُجْبَرْ وَبِقَوْلِهِ (وَالْأَمْرُ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ) وَلَوْ كَانَ عِدَّةً لَجَازَ رُجُوعُهُ (الْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ قَوْلًا بِأَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ الْعَيْنَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ جَاءَ) أَيْ الصَّانِعُ (بِمَا صَنَعَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ غَيْرَهُ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ صَنَعَهُ وَجَازَ لِلْفَصْلِ (صَحَّ) وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَمَلَهُ لَمَا صَحَّ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) أَيْ الْمَبِيعُ (لَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (بِلَا رِضَاهُ فَصَحَّ بَيْعُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْآمِرِ) وَلَوْ تَعَيَّنَ لَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَهُ) أَيْ لِلْآمِرِ (الْخِيَارُ) بَعْدَ رُؤْيَتِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ (وَلَمْ يَصِحَّ) أَيْ السَّلَمُ (فِي غَيْرِ الْمُتَعَامَلِ كَالثَّوْبِ إلَّا بِأَجَلٍ) يَعْنِي لَوْ أَمَرَ حَائِكًا أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثِيَابًا بِغَزْلٍ مِنْ عِنْدِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ لَمْ يَجُزْ إذْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّعَامُلُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْأَجَلَ وَبَيَّنَ شَرَائِطَ السَّلَمِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِطَرِيقِ السَّلَمِ. (مَسَائِلُ شَتَّى) جَمْعُ شَتِيتٍ بِمَعْنَى الْمُتَفَرِّقِ (صَحَّ بَيْعُ كُلِّ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ) كَالْكَلْبِ وَالْفَهْدِ وَالسِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَالْجَوَارِحِ عُلِّمَتْ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ آلَةُ الِاصْطِيَادِ (إلَّا الْخِنْزِيرَ) لِأَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ (وَالذِّمِّيَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ (كَالْمُسْلِمِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ» وَلِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مُحْتَاجُونَ كَالْمُسْلِمِينَ (إلَّا فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) فَإِنَّ عَقْدَهُمْ فِيهَا كَعَقْدِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْعَصِيرِ وَالشَّاةِ (وَمَيْتَةً لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا) فَإِنَّهَا كَالْخِنْزِيرِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ كَذَلِكَ بَطَلَ بَيْعُهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمُسْلِمُ فِيهِ كَالذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ (فَإِذَا اشْتَرَى) أَيْ الذِّمِّيُّ (عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا يَصِحُّ) لِدُخُولِهِ تَحْتَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ (وَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَائِهِ فِي يَدِهِ إذْلَالًا لَهُ (وَطْءُ زَوْجِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْضٌ لَا نِكَاحُهَا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَزَوَّجَهَا قَبْلَ قَبْضِهَا صَحَّ، فَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فَقَدْ قُبِضَتْ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ تَزْوِيجِهَا قَابِضًا لَهَا (اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ) وَعَدَمُ قَبْضِ ثَمَنِهِ (إنْ عُلِمَ مَكَانُهُ لَمْ يَبِعْ لِدَيْنِهِ) أَيْ دَيْنِ الْبَائِعِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَصِلَ الْبَائِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ) قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَيْ لِلْأَمْرِ الْخِيَارُ) أَيْ دُونَ الصَّانِعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّانِعَ لَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِحَّ أَيْ السَّلَمُ فِي غَيْرِ الْمُتَعَامَلِ كَالثَّوْبِ إلَّا بِأَجَلٍ) لَعَلَّ صَوَابَهُ وَلَمْ يَصِحَّ أَيْ الِاسْتِصْنَاعُ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ شَرْحُهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي لَوْ أَمَرَ حَائِكًا أَنْ يَنْسِجَ. . . إلَخْ عَلَى أَنَّ هَذَا مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ الِاسْتِصْنَاعُ بِأَجَلٍ سَلَمٌ تَعَامَلُوا أَوْ لَا. [مَسَائِلُ شَتَّى فِي الْبَيْع] [بَيْعُ كُلِّ ذِي نَابٍ أَوْ مِخْلَبٍ] (قَوْلُهُ: كَالْكَلْبِ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ وَشَرَطَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْكَلْبِ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا أَوْ قَابِلًا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْمُحِيطِ يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ مَذْبُوحًا لِطَهَارَةِ جِلْدِهِ وَلَحْمِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالسِّبَاعِ) شَامِلٌ لِلْقِرْدِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ لُحُومِهَا وَلُحُومُ الْحُمْرِ الْمَذْبُوحَةِ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ إيكَالِ الْكِلَابِ وَالسَّنَاوِيرِ بِخِلَافِ لَحْمِ الْخَنَازِيرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْعَمَ الْكِلَابَ وَالسَّنَاوِيرَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. (قُلْت) وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى تَصْحِيحِ طَهَارَةِ اللَّحْمِ بِالذَّكَاةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَأَمَّا عَلَى أَصَحِّ التَّصْحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ إلَّا الْجِلْدَ دُونَ اللَّحْمِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ اللَّحْمِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَآلَةُ الِاصْطِيَادِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَوَامِّ الْأَرْضِ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْوَزَغِ وَالْعَطَّافَةِ وَالْقَنَافِذِ وَنَحْوِهَا، وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَلَقِ فِي الصَّحِيحِ لِتَمَوُّلِ النَّاسِ وَاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ مَصِّ الدَّمِ مِنْ الْجَسَدِ بِوَضْعِهَا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَطْءُ زَوْجِ الْمُشْتَرَاةِ قَبْضٌ) كَذَا الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَلِفَ بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ حَقِيقَةً أَوْ حَقُّهُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ يَصِيرُ قَابِضًا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ اشْتَرَى شَيْئًا فَغَابَ) يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا غَابَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ لَا يُجِيبُ الْحَاكِمُ الْبَائِعَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْمَبِيعِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ) فِيهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ بَلْ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ وَانْكِشَافِ الْحَالِ فَبَعْدَ انْكِشَافِهِ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجِبِ إقْرَارِ الْبَائِعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمِ الْحَاضِرِ

إلَى حَقِّهِ بِدُونِ الْبَيْعِ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ (بِيعَ الْعَبْدُ) وَأَدَّى الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي ظَهَرَ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ فَيَظْهَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ مَشْغُولًا بِحَقِّهِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ يَبِيعُهُ الْقَاضِي كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا يَبِيعُ الْقَاضِي الرَّهْنَ وَيَقْضِي الدَّيْنَ. (وَإِنْ اشْتَرَيَا) أَيْ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي اثْنَيْنِ (وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَلِلْحَاضِرِ دَفْعُ كُلِّ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ (وَحَبْسُهُ حَتَّى يَنْقُدَ شَرِيكُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ فِي الدَّفْعِ إذْ لَا يُمْكِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ وَالْمُضْطَرِبُ يَرْجِعُ كَمُعِيرِ الرَّهْنِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا قَضَى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (بَاعَ) شَيْئًا (بِأَلْفِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ تَنَصَّفَا) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (بِهِ) أَيْ بِالْمِثْقَالِ بِأَنْ يَجِبَ خَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ مِنْ الذَّهَبِ وَخَمْسُمِائَةِ مِثْقَالٍ مِنْ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمِثْقَالَ إلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ. (وَ) بَاعَ شَيْئًا (بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَنَصَّفَا) أَيْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (بِمِثْقَالٍ وَدِرْهَمٍ وَزْنَ سَبْعَةٍ) أَيْ يَجِبُ مِنْ الذَّهَبِ مَثَاقِيلُ وَمِنْ الْفِضَّةِ دَرَاهِمُ وَزْنُ سَبْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَلْفَ إلَيْهِمَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (قَبَضَ زَيْفًا عَنْ جَيِّدٍ بِلَا عِلْمٍ وَتَلِفَ أَوْ أُتْلِفَ كَانَ قَضَاءً) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ فَقَضَاهُ زُيُوفًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَنْفَقَهَا أَوْ هَلَكَتْ فَهُوَ قَضَاءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِجِيَادِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْوَصْفِ مَرْعِيٌّ كَحَقِّهِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُمْكِنُ رِعَايَتُهُ بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْوَصْفِ إذْ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قُلْنَا وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ حَتَّى لَوْ تَجُوزُ بِهِ فِيمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ جَازَ فَيَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَلَا يَبْقَى حَقُّهُ إلَّا فِي الْجُودَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا بِإِيجَابِ ضَمَانِهَا لِمَا مَرَّ وَلَا بِإِيجَابِ ضَمَانِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ، كَذَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي الشَّرْعِ كَثِيرٌ فَإِنَّ جَمِيعَ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهَا إيجَابُ ضَرَرٍ قَلِيلٍ لِأَجْلِ نَفْعٍ كَثِيرٍ أَقُولُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ تَكَالِيفِ الشَّرْعِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّ الضَّرَرَ فِيهَا دُنْيَوِيٌّ وَالنَّفْعَ أُخْرَوِيٌّ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ تَرْكُ النَّفْعِ الْأُخْرَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الضَّرَرَ وَالنَّفْعَ فِيهِ دُنْيَوِيَّانِ وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ تَرْكُ النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلِهَذَا جَازَ التَّجَوُّزُ بِهِ كَمَا مَرَّ وَبِالْعُثُورِ عَلَى صُدُورِ أَمْثَالِ هَذَا عَنْ هَذَا الْفَاضِلِ يَتَبَادَرُ إلَى الظَّنِّ أَنَّهُ كَثِيرٌ مَا يَغْفُلُ عَنْ دَقَائِقِ هَذَا الْفَنِّ. (أَفْرَخَ طَيْرٌ أَوْ بَاضَ أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِهِ) قَيْدٌ لِلْجَمِيعِ (كَانَ) كُلٌّ مِنْ الْفَرْخِ وَالْبِيضِ وَوَلَدِ الظَّبْيَةِ (لِلْآخِذِ) لَا لِرَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ (كَصَيْدٍ تَشَبَّثَ بِشَبَكَةٍ نُصِبَتْ لِلْجَفَافِ وَدِرْهَمٍ أَوْ سُكَّرٍ نُثِرَ فَوَقَعَ عَلَى ثَوْبٍ لَمْ يُعَدَّ لَهُ) أَيْ سَابِقًا (وَلَمْ يَكْفِ) أَيْ لَاحِقًا حَتَّى إذَا عُدَّ الثَّوْبُ لِذَلِكَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ وَكَذَا إذَا لَمْ يُعَدْ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ فِيهِ كَفُّهُ صَارَ بِهَذَا الْفِعْلِ لَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ لِأَنَّهُ عُدَّ مِنْ إنْزَالِهِ بِتَمَلُّكِهِ تَبَعًا لِأَرْضِهِ كَالشَّجَرِ النَّابِتِ فِيهَا وَالتُّرَابِ الْمُجْتَمَعِ فِيهَا بِجَرَيَانِ الْمَاءِ. (مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) هَاهُنَا أَصْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُبَادَلَةَ مَالٍ بِمَالٍ يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَالرَّاهِنِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا) كَذَا لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا قَبْلَ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُضْطَرَبُ يَرْجِعُ) يُشِيرُ إلَى مَا لَوْ كَانَا مُسْتَأْجِرَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَنَقَدَ الْآخَرُ كُلَّ الْأُجْرَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فِي نَقْدِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ إذْ لَيْسَ لِلْأَجِيرِ حَبْسُ الدَّارِ لِاسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ، كَذَا عَنْ الْعِنَايَةِ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَجِّرُ تَعْجِيلَ الْأُجْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: أَوْ بَاعَ شَيْئًا بِأَلْفٍ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَنَصَّفَا. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسِمْسِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثُلُثُهُ أَيْ الْكُرِّ وَهَذَا قَاعِدَتُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ كُلِّهَا كَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ وَالْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوْزُونِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَنْصَرِفُ إلَى الْوَزْنِ الْمَعْهُودِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) أَقُولُ هَذَا بِاعْتِبَارِ زَمَانِهِمْ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَأَمَّا الْآنَ فَالْقِصَّةُ لَيْسَ فِيهَا دَرَاهِمُ وَزْنُ سَبْعَةٍ وَهِيَ قِطَعٌ صِغَارٌ كُلُّ أَرْبَعَةٍ وَزْنَ دِرْهَمٍ تُسَمَّى أَنْصَافًا وَنَوْعٌ يُسَمَّى قِرْشًا كُلِّيًّا يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ نِصْفًا فِضَّةً وَآخَرَ يُسَمَّى رِيَالًا وَآخَرُ بُنْدُقِيًّا وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ وَزْنًا وَمَالِيَّةً وَأَيْضًا الذَّهَبُ مُخْتَلِفٌ مَالِيَّةً بِالدِّينَارِ وَبِالْبُنْدُقِيِّ وَالشَّرِيفِيِّ وَالْإِبْرَاهِيمِيّ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِإِطْلَاقِ الشِّرَاءِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِهَذَا (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ زُيُوفِهِ وَيَرْجِعُ بِجِيَادِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ اهـ. وَقَالَ فِي الْحَقَائِقِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ حَسَنٌ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَاخْتَرْنَاهُ لِلْفَتْوَى، كَذَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ أَفْرَخَ طَيْرًا أَوْ بَاضَ أَوْ تَكَنَّسَ ظَبْيٌ فِي أَرْضِهِ. . . إلَخْ) يَعْنِي وَهِيَ غَيْرُ مُعَدَّةٍ لِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ مُهَيَّأَةً لَهُ فَهُوَ لِصَاحِبِهَا. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَلَ النَّحْلُ فِي أَرْضِهِ. . . إلَخْ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مُعَدَّةً لِذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ) . (قَوْلُهُ: هَهُنَا أَصْلَانِ. . . إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ

؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ مِنْ بَابِ الرِّبَا وَهُوَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا غَيْرِهَا مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ؛ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ وَحَقِيقَةُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا مَرَّ هِيَ زِيَادَةُ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ فَيَكُونُ فِيهَا فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَهُوَ الرِّبَا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْغَيْرِ الْمَالِيَّةِ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهَا وَلَا فِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ بَلْ يَفْسُدُ الشَّرْطُ وَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ وَثَانِيهِمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ لَا يَجُوزُ فِي التَّمْلِيكَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ وَمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ الَّذِي يَحْلِفُ بِهِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ مُطْلَقًا وَذَلِكَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْوِلَايَاتِ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ وَكَذَا التَّحْرِيضَاتُ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (الْبَيْعُ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَ (إجَازَتُهُ) فَإِنَّ إجَازَةَ الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ زَادَ فُلَانٌ فِي الثَّمَنِ فَقَدْ أَجَزْت الْبَيْعَ بَطَلَتْ الْإِجَازَةُ (وَالْقِسْمَةُ وَالْإِجَازَةُ) فَإِنَّ فِي الْأُولَى مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ مَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ وَالْأُجْرَةِ (وَالرَّجْعَةُ) فَإِنَّهَا اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِابْتِدَائِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ (وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ) بِمَالٍ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ بَيْعًا (وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالتَّمْلِيكَاتِ (إلَّا إذَا عُلِّقَ بِكَائِنٍ) أَيْ بِشَرْطٍ وَاقِعٍ حَتَّى لَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ: مَال بِمِنْ ده فَقَالَ بشريك توداده ام فَقَالَ الْمُدَّعِي: اكر داده بيزام شدم ازتو وداده ات صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِشَرْطٍ كَائِنٍ، كَذَا فِي الأسروشنية (وَعَزْلُ الْوَكِيلِ وَالِاعْتِكَافُ) فَإِنَّهُمَا لَيْسَا مِمَّا يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا بِالشَّرْطِ (وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ) فَإِنَّهُمَا إجَارَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ يُجِيزُهَا لَمْ يُجِزْهُمَا إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْإِجَارَةِ فَيَكُونَانِ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَيَفْسُدَانِ بِالشَّرْطِ (وَالْإِقْرَارُ) فَإِنَّهُ إخْبَارٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، فَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) زِدْت عَلَيْهِ مَسَائِلَ إجَازَةِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ عِنْدَ أَبِيهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي حَجْرَ رَجُلٍ بِسَفَهِهِ، فَإِذَا قَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ حَجَرْت عَلَيْك إذَا سَفِهْتَ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا بِحَجْرِهِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْأَجَلُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ قَالَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِبْطَالُ الْأَجَلِ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا حَلَّ نَجْمٌ وَلَمْ تُؤَدِّ فَالْمَالُ حَالٌّ صَحَّ وَالْمَالُ يَصِيرُ حَالًّا فِي حِيَلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ اهـ. وَالصُّلْحُ عَنْ الْقَتْلِ خَطَأٌ وَالْجِرَاحَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْمَالِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَالْإِقَالَةُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تُزَادُ عَلَى الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. (قَوْلُهُ: الْبَيْعُ) صُورَةُ الْبَيْعِ بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ بِعْته بِشَرْطِ اسْتِخْدَامِهِ شَهْرًا وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ بِعْته إنْ كَانَ زَيْدٌ حَاضِرًا وَفِي إطْلَاقِ الْبُطْلَانِ عَلَى الْبَيْعِ بِشَرْطٍ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ لَا الْبَاطِلِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (قَوْلُهُ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) لَكِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ فِيهِ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ بِكَلِمَةِ عَلَى، وَقَدْ فَصَّلَهُ الْعِمَادِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَيْعِ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةِ إنْ بِأَنْ قَالَ: بِعْت مِنْك إنْ كَانَ كَذَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ نَافِعًا أَوْ ضَارًّا زَادَ الْعِمَادِيُّ أَوْ كَيْفَمَا كَانَ اهـ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك إنْ رَضِيَ فُلَانٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إذَا وَقَعَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ جَائِزٌ كَذَا أَطْلَقَ الْجَوَازَ الزَّيْلَعِيُّ وَنَسَبَهُ الْعِمَادِيُّ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو الْفَضْلِ يَجُوزُ إذَا وَقَّتَ. . . إلَخْ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بِكَلِمَةِ عَلَى، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ يُلَائِمُهُ أَوْ فِيهِ أَثَرٌ أَوْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهِ كَمَا إذَا شَرَطَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ التَّأْجِيلِ أَوْ الْخِيَارِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَجُوزُ الشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُلَائِمُهُ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ فَسَدَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَإِجَارَتُهُ) ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكَنْزِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْعِمَادِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالرَّجْعَةُ. . . إلَخْ) أَمَّا كَوْنُهَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّكَاحِ. وَقَالَ الْعِمَادِيُّ النِّكَاحُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا إضَافَتُهُ وَلَكِنْ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. اهـ. وَأَمَّا بُطْلَانُهَا بِالشَّرْطِ فَلَمْ يَتَّضِحُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا فَرْقَ بِهِ بَيْنَهُمَا فِي النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِشَرْطٍ كَائِنٍ) قَالَ الْعِمَادِيُّ وَالتَّعْلِيقُ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَحْقِيقٌ قُلْت فَعَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ زَوَّجْتُهَا مِنْ فُلَانٍ فَقَدْ زَوَّجْتُهَا مِنْكَ فَقَبِلَ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ زَوَّجَهَا يَنْعَقِدُ هَذَا النِّكَاحُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ عَلَى مِثْلِ هَذَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا كَانَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ كَمَا إذَا قَالَ لِمَدْيُونِهِ إنْ مِتَّ بِنَصْبِ تَاءِ الْخِطَابِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِخَطَرٍ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ بَرِيءٌ وَلَوْ قَالَ إنْ مِتُّ بِضَمِّ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فَأَنْتَ بَرِيءٌ أَوْ أَنْتَ فِي حِلٍّ جَازَ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَاضِي خان وَالتَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النَّوَازِلِ وَغَيْرِهَا فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (قَوْلُهُ: وَالِاعْتِكَافُ) هَذَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ الِاعْتِكَافِ قُبَيْلَ بَابِ الِاعْتِكَافِ، قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى رِوَايَةٍ فِي الِاعْتِكَافِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِقْرَارُ. . . إلَخْ)

كَذِبًا لَا يَكُونُ صِدْقًا لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَلَا بِالْعَكْسِ، وَإِنَّمَا التَّعْلِيقُ فِي الْإِيجَابِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ (وَالْوَقْفُ) فَإِنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ (وَالتَّحْكِيمُ) فَإِنَّهُ تَوْلِيَةٌ صُورَةً وَصُلْحٌ مَعْنًى إذْ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا فَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صُلْحٌ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَلَا إضَافَتُهُ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ يَصِحُّ فَلَا يَصِحُّ بِالشَّكِّ. (وَمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ) أَيْ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ (الْقَرْضُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ وَالرَّهْنُ وَالْإِيصَاءُ وَالْوَصِيَّةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْوَكَالَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالْكِتَابَةُ - إلَّا إذَا كَانَ الْفَاسِدُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) صُلْبُ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَقِيَامُ الْبَيْعِ بِالْعِوَضَيْنِ فَكُلُّ فَسَادٍ يَكُونُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ يَكُونُ فَسَادًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْكِتَابَةُ إنَّمَا لَا تَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْمُفْسِدِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُعَامِلَ فُلَانًا فَإِنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الشَّرْطُ دَاخِلًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بِأَنْ كَاتَبَهُ الْمُسْلِمُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَفْسُدُ إذَا كَانَ الْمُفْسِدُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الزَّائِدِ أَقُولُ بِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا قَالَ فِي الأسروشنية وَالْعِمَادِيَّةِ أَوَّلًا أَنَّ تَعْلِيقَ الْكِتَابَةِ بِالشَّرْطِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْفَاسِدِ فِي صُلْبِ الْعَقْدُ، وَمَا قَالَا ثَانِيًا أَنَّ الْكِتَابَةَ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ وَغَيْرَ مُتَعَارَفٍ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الشَّرْطِ زَائِدًا لَيْسَ مَعَهُ فَسَادٌ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا قَيَّدَ الشَّرْطَ فِي الْأَوَّلِ بِالْفَاسِدِ دُونَ الثَّانِي فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَصَلِّفِينَ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَتِمُّ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمَدِينَةِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْكِتَابَةُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ (وَإِذْنُ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ) بِأَنْ يَأْذَنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِشَرْطِ أَنْ يُوَقِّتَ بِشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى إنْ كَانَ لِهَذِهِ الْأَمَةِ حَمْلٌ فَهُوَ مِنِّي (وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ) وَكَذَا الْإِبْرَاءُ عَنْهُ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ اكْتِفَاءً بِالصُّلْحِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا كَثِيرُ فَرْقٍ فَإِنَّ الْوَلِيَّ إذَا قَالَ لِلْقَاتِلِ عَمْدًا أَبْرَأْت ذِمَّتَك عَلَى أَنْ لَا تُقِيمَ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ مَثَلًا أَوْ صَالَحَ مَعَهُ عَلَيْهِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَالصُّلْحُ وَلَا يُعْتَبَرُ الشَّرْطُ (وَعَنْ الْجِرَاحَةِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ) فَإِنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَنْ الْقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ الْجِرَاحَةِ الَّتِي فِيهَا الْأَرْشُ كَانَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. (وَ) الصُّلْحُ (عَنْ جِنَايَةِ الْغَصْبِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ. (وَ) جِنَايَةِ (الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إذَا ضَمِنَهَا) أَيْ مُوجِبَاتِ الصُّلْحِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (رَجُلٌ وَشَرَطَ فِيهَا كَفَالَةً أَوْ حَوَالَةً) فَإِنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ (وَعَقْدُ الذِّمَّةِ) فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَشَرَطُوا مَعَ الْإِمَامِ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنْ لَا يُعْطُوا الْجِزْيَةَ بِطَرِيقِ الْإِهَانَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. (وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: إنْ لَمْ أَرُدَّ هَذَا الثَّوْبَ الْمَعِيبَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَقَدْ رَضِيتُ بِالْعَيْبِ وَكَذَا الرَّدُّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ كَأَنْ يَقُولَ أَبْطَلْتُ خِيَارِي غَدًا وَلَهُ الْخِيَارُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ الشَّرْطُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ الْإِقْرَارَ بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْجُحُودِ أَوْ دَعْوَى الْأَجَلِ فَيَلْزَمُهُ لِلْحَالِ. (قَوْلُهُ: وَالْوَقْفُ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْوَقْفُ فِي رِوَايَةٍ اهـ. وَقَالَ الْعِمَادِيُّ وَفِي تَعْلِيقِ الْوَقْفِ بِالشَّرْطِ رِوَايَتَانِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّحْكِيمُ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إطْلَاقَ الْوِلَايَةِ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (وَمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ) (قَوْلُهُ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ) أَيْ بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَدَعْوَةُ الْوَلَدِ بِأَنْ يَقُولَ الْمَوْلَى. . . إلَخْ) لَيْسَ هَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ صَحِيحًا تَصْوِيرًا لَهَا فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّمَ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْوَلَدِ مُعَلَّقًا بِكَوْنِهِ فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ فَالْوَجْهُ إنْ تَصَوَّرَ بِمَا قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي إنْ رَضِيَتْ زَوْجَتِي بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَالصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةِ الْغَصْبِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ كَذَا ذَاتُ الْغَصْبِ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ جِنَايَةَ الْغَصْبِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: أَيْ مُوجِبَاتُ الصُّلْحِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ) جَعَلَهَا صُورَةً وَاحِدَةً لِكَوْنِهَا مِنْ مَدْخُولِ الصُّلْحِ لِيَصْلُحَ الْعَدَدُ سِتٌّ وَعِشْرُونَ وَهَكَذَا عَدُّهَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.

[باب الصرف]

وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ (وَعَزْلُ الْقَاضِي) بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِلْقَاضِي: إذَا وَصَلَ كِتَابِي إلَيْكَ فَأَنْتَ مَعْزُولٌ قِيلَ يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ مَعْزُولًا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشَّرْطُ وَلَا يَكُونُ مَعْزُولًا وَبِهِ يُفْتِي، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مِنْ مُعَاوَضَاتٍ غَيْرِ مَالِيَّةٍ أَوْ مِنْ تَبَرُّعَاتٍ أَوْ مِنْ إسْقَاطَاتٍ (وَمَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ) أَرْبَعَةَ عَشَرَ (الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا) أَمَّا الْإِجَارَةُ فَلِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَوُجُودُهَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحَالِ فَتَكُونُ مُضَافَةً ضَرُورَةً وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا الْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا، وَأَمَّا فَسْخُهَا فَمُعْتَبَرٌ بِهَا فَيَجُوزُ مُضَافًا كَمَا أَنَّ فَسْخَ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ مُعْتَبَرٌ بِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَلَا إضَافَتُهُ إلَى الزَّمَانِ كَالْبَيْعِ أَقُولُ هَكَذَا وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ مُنْضَمًّا فَسْخُ الْإِجَارَةِ إلَى الْإِجَارَةِ فِي الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَوَجْهُهُ مَا ذُكِرَ وَبَعْدَ ذَلِكَ نَقَلَ فِي الْفُصُولَيْنِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ ذُكِرَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ لَوْ قَالَ آجَرْتُك دَارِي هَذِهِ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ بِكَذَا جَازَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ فَاسَخْتُك لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعًا كَذَا ذُكِرَ فِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ فَاسَخْتُك غَدًا هَلْ يَصِحُّ الْفَسْخُ الْمُضَافُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَاخْتَارَ ظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ ظَاهِرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ) فَإِنَّهُمَا إجَارَةٌ حَتَّى أَنَّ مَنْ يُجِيزُهُمَا لَا يُجِيزُهُمَا إلَّا بِطَرِيقِهَا وَيُرَاعَى فِيهِمَا شَرَائِطُهَا (وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ) فَإِنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْإِسْقَاطَاتِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْمُضَارِبِ وَالْوَكِيلِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَالتَّوْكِيلِ فِي مَالِ الْمَالِكِ وَالْمُوَكِّلِ كَانَ مَوْقُوفًا حَقًّا لِلْمَالِكِ فَهُوَ بِالْعَقْدِ، وَالتَّوْكِيلُ أَسْقَطَهُ فَيَكُونُ إسْقَاطًا فَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ. (وَالْكَفَالَةُ) فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ الِالْتِزَامَاتِ فَيَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُلَائِمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا لِمَا ذُكِرَ (وَالْإِيصَاءُ) أَيْ جَعْلُ الشَّخْصِ وَصِيًّا (وَالْوَصِيَّةُ) بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُفِيدَانِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُمَا وَإِضَافَتُهُمَا (وَالْقَضَاءُ وَالْإِمَارَةُ) فَإِنَّهُمَا تَوْلِيَةٌ وَتَفْوِيضٌ مَحْضٌ فَجَازَ إضَافَتُهُمَا (وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ) فَإِنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقَاتِ وَالْإِسْقَاطَاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَالْوَقْفُ) فَإِنَّ تَعْلِيقَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ جَائِزٌ (وَمَا لَا تَصِحُّ) إضَافَتُهُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ عَشَرَةٌ (الْبَيْعُ وَإِجَازَتُهُ وَفَسْخُهُ وَالْقِسْمَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْهِبَةُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَمْلِيكَاتٌ فَلَا يَجُوزُ إضَافَتُهَا إلَى الزَّمَانِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقِمَارِ. [بَابُ الصَّرْفِ] عَنْوَنَهُ الْأَكْثَرُونَ بِالْكِتَابِ وَهُوَ لَا يُنَاسِبُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ كَالرِّبَا وَالسَّلَمِ فَالْأَحْسَنُ مَا اُخْتِيرَ هَاهُنَا (هُوَ) لُغَةً بِمَعْنَى الْفَضْلِ فَسُمِّيَ بِهِ هَذَا الْعَقْدُ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ وَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةُ وَبِمَعْنَى النَّقْلِ فَسُمِّيَ بِهِ لِاحْتِيَاجِهِ فِي بَدَلَيْهِ إلَى النَّقْلِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ) عِبَارَةُ الْعِمَادِيَّةِ لَوْ كَتَبَ الْخَلِيفَةُ إذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَوَصَلَ إلَيْهِ يَصِيرُ مَعْزُولًا قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَنَحْنُ لَا نُفْتِي بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ وَهُوَ فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ. اهـ. وَقَدْ مَشَى فِي الْكَنْزِ عَلَى أَنَّ عَزْلَ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ. اهـ. قُلْت وَيُزَادُ الْغَصْبُ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَالْحَجْرُ عَلَى الْمَأْذُونِ لَا يَبْطُلُ بِهِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَتَعْلِيقُ تَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرْطِ يَصِحُّ بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتَ أَنْتَ فَقَدْ سَلَّمْتُ الشُّفْعَةَ، فَإِنْ اشْتَرَى غَيْرُهُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ (قَوْلُهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ نُقِلَ فِي الْفُصُولَيْنِ) حَقُّ الْعِبَارَةِ وَقِيلَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْعِمَادِيَّةِ. (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) أَرَادَ لَفْظَ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ. . . إلَخْ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْعِمَادِيِّ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي ظَهِيرٍ لَوْ قَالَ أَجَرْتُك دَارِي هَذِهِ. . . إلَخْ. (قَوْلُهُ: جَازَ فِي قَوْلِهِمْ) يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ إضَافَةٌ لَا تَعْلِيقٌ وَلَا تَصِحُّ إلَّا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْإِجَارَةِ وَتَفْسُدُ فِي الْبَاقِي إلَّا أَنْ يُسَمَّى الْكُلُّ مِنْ الشُّهُورِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ فَاسَخْتُك لَمْ يَصِحَّ إجْمَاعًا) لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا لِلْفَسْخِ وَلَيْسَ إضَافَةً لَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ فَاسَخْتُك غَدًا. . . إلَخْ) أَقُولُ كَيْفَ يُقَالُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُ وَعِبَارَتُهُ وَمَا لَا تَصِحُّ مُضَافًا الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا. . . إلَخْ وَ، كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ: فَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ) أَقُولُ نَعَمْ الْمُنَافَاةُ ظَاهِرَةٌ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي صِحَّةِ إضَافَةِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي وَاخْتِيَارُ ظَهِيرِ الدِّينِ كَمَا عَلِمْته وَعَادَتُهُمْ حِكَايَةُ الْخِلَافِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّنَافِي لِلْعِلْمِ بِهِ (بَابُ الصَّرْفِ) . (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً بِمَعْنَى الْفَضْلِ) قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَ التَّطَوُّعُ فِي الْعِبَادَاتِ صَرْفًا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَبِمَعْنَى النَّقْلِ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ وَالرَّدُّ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ الشَّيْءِ وَدَفْعِهِ يُقَالُ صَرَفْتُ فُلَانًا عَنْ كَذَا فَانْصَرَفَ أَيْ رَدَدْتُهُ فَارْتَدَّ وَيَذْكُرُ وَيُرَادُ بِهِ الزِّيَادَةُ مَجَازًا يُقَالُ لِهَذَا النَّقْدِ صَرْفٌ عَلَى هَذَا النَّقْدِ أَيْ فَضْلٌ وَفِي الْحَدِيثِ وَلَا عَدْلَ أَيْ نَافِلَةَ سُمِّيَ زِيَادَةً مِنْ حَيْثُ إنَّ رَدَّ الشَّيْءِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ فِي الْمُعَاوَضَةِ سَبَبٌ لِلزِّيَادَةِ

يَدٍ إلَى يَدٍ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَشَرْعًا (بَيْعُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ) أَيْ مَا خُلِقَ لِلثَّمَنِيَّةِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ سَوَاءٌ كَانَ (جِنْسًا بِجِنْسٍ أَوْ بِغَيْرِهِ) كَبَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فَإِنْ تَجَانَسَا) أَيْ الثَّمَنَانِ بِأَنْ يَكُونَا ذَهَبَيْنِ أَوْ فِضَّتَيْنِ (لَزِمَ التَّسَاوِي وَالتَّقَابُضُ) لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» (قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) بِالْأَبْدَانِ حَتَّى لَوْ ذَهَبَا يَمْشِيَانِ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَامَا أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيِّرَةِ إذْ التَّخْيِيرُ تَمْلِيكٌ فَيَبْطُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّدِّ وَالْقِيَامُ دَلِيلُهُ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَجَانِسَانِ (جَوْدَةً وَصِنَاعَةً) إذْ لَا عِبْرَةَ لَهُمَا لِمَا مَرَّ فِي الرِّبَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسَا (فَالتَّقَابُضُ) لِمَا مَرَّ أَنَّ أَحَدَ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ (فَلَوْ بَاعَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ) أَيْ أَحَدَ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَعْنِي الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (جُزَافًا أَوْ بِفَضْلٍ وَتَقَابَضَا فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ (صَحَّ) لَمْ يَذْكُرْ التَّسَاوِيَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ الِاشْتِبَاهِ (وَلَا يَتَعَيَّنَانِ) أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ الْعِوَضَانِ فِي الصَّرْفِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْعَاقِدَيْنِ شَيْءٌ فَاسْتَقْرَضَا فَأَدَّيَا قَبْلَ افْتِرَاقِهِمَا أَوْ اسْتَحَقَّ كُلٌّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فَأَعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بَدَلَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ أَمْسَكَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعَقْدِ وَأَعْطَيَا مِثْلَهُمَا جَازَ. (وَيَفْسُدُ) أَيْ الصَّرْفُ (بِخِيَارِ الشَّرْطِ) إذْ يَمْتَنِعُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ مَا بَقِيَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْخِيَارُ يَمْنَعُهُ (وَالْأَجَلُ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْقَبْضَ الْوَاجِبَ (وَيَصِحُّ) الصَّرْفُ (إنْ أُسْقِطَا) أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ (فِي الْمَجْلِسِ) لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ (ظَهَرَ بَعْضُ الْبَدَلِ زَيْفًا فَرُدَّ انْتَقَضَ فِيهِ فَقَطْ) أَيْ انْفَسَخَ الصَّرْفُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ فِيهِ فَقَطْ (لَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتُهُ (فَلَوْ شَرَى بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الصَّرْفِ (ثَوْبًا فَسَدَ) بِأَنْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ (اشْتَرَى أَمَةً مَعَ طَوْقِ ذَهَبٍ قِيمَةُ كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً فَسَدَ فِي الْكُلِّ) أَمَّا فِي الصَّرْفِ فَلِفَوَاتِ التَّقَابُضِ، وَأَمَّا فِي الْأَمَةِ فَلِأَنَّ الْمُفْسِدَ مُقَارِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِنْ تَجَانَسَا لَزِمَ التَّقَابُضُ) هَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ عِنْدَ بَعْضٍ وَلِبَقَائِهِ عِنْدَ آخَرِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ لِأَنَّ حَالَهُمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جُعِلَتْ كَحَالَةِ الْعَقْدِ تَيْسِيرًا، فَإِذَا وُجِدَ الْقَبْضُ فِيهِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ وَعَلَى الثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَسَدَ وَلَمْ يَبْطُلْ وَتَعَيَّنَ الْمَقْبُوضُ لِلرَّدِّ فِي رِوَايَةٍ كَالْمُودَعِ وَالْمَغْصُوبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْأَبْدَانِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُهُ يُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ دُونَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، فَإِنْ قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْتُ هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَزِنَ الْعَشَرَ فَهُوَ بَاطِلٌ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الْأَبَ هُوَ الْعَاقِدُ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ فَيُعْتَبَرُ الْمَجْلِسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُنْتَقَى. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ شَيْءٌ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَذَا لَوْ تَصَارَفَا بِهِمَا فَهَلَكَتْ فَتَقَابَضَا غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِ مَا سُمِّيَا جَازَ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دِينَارًا مِنْ رَجُلٍ وَتَصَارَفَا وَتَقَابَضَا فَأَجَازَ الْمَالِكُ صَحَّ وَلَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا بَدَلَ مَا غَصَبَهُ وَمَلَكَ مَا اشْتَرَاهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ فِي الْبَدَلَيْنِ لِوَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى مِثْلِ النَّقْدَيْنِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَوَقَعَ عَلَى مَالَيْنِ لِعَاقِدَيْنِ فَنَفَذَ إلَّا أَنَّهُمَا نَقَدَا بِمَا غَصَبَا بَدَلًا مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا فَلَزِمَ الْإِجَازَةُ مِنْ الْمَالِكِ، وَإِذَا أَجَازَ لَا يَمْلِكُ اسْتِرْدَادَ الْمَنْقُولِ لِكَوْنِهِ صَارَ قَرْضًا، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ وَنَقَدَ مِثْلَ مَا عَقَدَا عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَدَلَانِ عَبْدًا وَجَارِيَةً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَجَازَ الْمَالِكُ لَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ الْعَقْدِ بِالْعَيْنِ لِوَاحِدٍ، وَإِذَا غَصَبَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ عَبْدًا مِنْهُ صَحَّتْ الْإِجَازَةُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ، وَإِنْ تَعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ فَالدَّرَاهِمُ لَمْ تَتَعَيَّنْ فَلَمْ يَقَعْ بِمَالَيْنِ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ بَلْ فِي مِلْكِ اثْنَيْنِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَيَفْسُدُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ) أَيْ فَسَادًا مِنْ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ فَسَادٌ مُقْتَرِنٌ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقُيِّدَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ صَحِيحَانِ فِيهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إلَّا أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْعَيْنِ أَيْ فِيمَا يَتَعَيَّنُ كَالتِّبْرِ وَالْحُلِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالرَّدِّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ لَا فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي رَدِّهِ بِالْخِيَارِ إذْ الْعَقْدُ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمِثْلِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِثْلَ الْمَرْدُودِ أَوْ دُونَهُ فَلَا يُفِيدُ الرَّدَّ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ شَرَى بِهِ) أَيْ بِثَمَنِ الصَّرْفِ ثَوْبًا فَسَدَ يَعْنِي شِرَاءَ الثَّوْبِ وَبَقِيَ الصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَى أَمَةً إلَى قَوْلِهِ فَسَدَ فِي الْكُلِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا فَسَدَ فِي الطَّوْقِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَلَهُ أَنَّ الْفَسَادَ مُقَارَنٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

لِلْعَقْدِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْكُلِّ مَعْنًى مِنْ حَيْثُ إنَّ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ شَرْطٌ لِقَبُولِهِ فِي الْبَاقِي (وَلَوْ نَقَدَ أَلْفًا) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ (أَوْ اشْتَرَاهُمَا) أَيْ الْأَمَةَ وَالطَّوْقَ (بِأَلْفَيْنِ أَحَدُهُمَا نَقْدٌ وَالْآخَرُ نَسِيئَةٌ فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الطَّوْقِ فِي الْمَجْلِسِ وَاجِبٌ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْأَجَلَ بَاطِلٌ فِي الصَّرْفِ جَائِزٌ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ وَالْمُبَاشَرَةُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ ثَمَنُ الطَّوْقِ (أَوْ قَالَ) خُذْ هَذَا (مِنْ ثَمَنِهِمَا) أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ قَصَدَ الصِّحَّةَ وَلَا صِحَّةَ إلَّا بِأَنْ يَجْعَلَ الْمَقْبُوضَ فِي مُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهَا فَلِأَنَّ مَعْنَاهُ خُذْ هَذَا عَلَى أَنَّهُ بَعْضُ ثَمَنِ مَجْمُوعِهِمَا لِظُهُورِ أَنَّ الْأَلْفَ لَيْسَ ثَمَنَ الْمَجْمُوعِ وَثَمَنُ الْفِضَّةِ بَعْضُ ثَمَنِ الْمَجْمُوعِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ (كَذَا إذَا بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ فَهُوَ حِصَّتُهَا) أَيْ الْحِلْيَةِ (إنْ تَخَلَّصَ بِلَا ضَرَرٍ) وَكَأَنَّ الْمَقْبُوضَ حِصَّةُ الْحِلْيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْلُصْ بِلَا ضَرَرٍ (بَطَلَ) الْعَقْدُ (فِيهِمَا) أَيْ السَّيْفِ وَالْحِلْيَةِ أَمَّا الْحِلْيَةُ فَلِمَا مَرَّ، وَأَمَّا السَّيْفُ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ. (بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا صَحَّ فِيمَا قَبَضَ وَاشْتَرَكَا فِي الْإِنَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ وَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ فَالْفَسَادُ طَارَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ أَخَذَ الْمُشْتَرِي بَاقِيَهُ بِقِسْطِهِ أَوْ رَدَّهُ) ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فِي الْإِنَاءِ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ قِطْعَةٍ نُقْرَةٍ بِيعَتْ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِقِسْطِهِ بِلَا خِيَارٍ) لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ (صَحَّ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَ) بَيْعُ (كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِضَعْفِهِمَا) أَيْ كُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ. وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ وَفِي صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ تَغْيِيرُ تَصَرُّفِهِ قُلْنَا الْمُقَابَلَةُ الْمُطْلَقَةُ تَحْتَمِلُ الصَّرْفَ الْمَذْكُورَ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلصَّرْفِ وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بَلْ وَصْفُهُ إذْ مُوجِبُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَوْ نَقَدَ أَلْفًا يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ. . . إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهَا شِرَاءَهُمَا بِأَلْفَيْنِ نَسِيئَةً فَصَارَ الْعَقْدُ فَاسِدًا مِنْ الْأَصْلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ لَوْ نَقَدَ أَلْفًا بَعْدَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا اشْتِبَاهٌ بِمَسْأَلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَاهُمَا بِأَلْفَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ تَأْجِيلًا وَلَا غَيْرَهُ فَنَقَدَ أَلْفًا كَانَ حِصَّةَ الطَّوْقِ وَصَحَّ الْعَقْدُ وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي التَّبْيِينِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهَا) أَيْ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِمَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّهَا مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ أَوْ قَالَ لَا وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ لِتَصْرِيحِ الدَّافِعِ بِالْقَيْدِ لِلنَّصِّ كَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ بِلَا ضَرَرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ هَذَا مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِضَرَرٍ يَكُونُ الْمَنْقُودُ ثُمَّ الصَّرْفُ وَيَصِحَّانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصَرْفِ الْمَنْقُودِ إلَى الصَّرْفِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزَهَا بِغَيْرِ ضَرَرٍ بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِفَسَادِ الصَّرْفِ وَقَصَدَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِدُونِ جَوَازِ الصَّرْفِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ) يَعْنِي بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ أَخَذَ الْمُشْتَرِي بَاقِيَهُ بِقِسْطِهِ أَوْ رَدَّهُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ اشْتَرَى إنَاءً مَصُوغًا أَوْ قَلْبًا بِذَهَبٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْإِنَاءَ أَوْ بَعْضَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ قِطْعَةٍ نَقْرَةً بِيعَتْ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِقِسْطِهِ بِلَا خِيَارٍ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ) هَذَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ أَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِحْقَاقِ بَعْضَ الْإِنَاءِ وَالنُّقْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ جَازَ الْعَقْدُ وَكَانَ الثَّمَنُ لَهُ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي وَيُسَلِّمُهُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَفْتَرِقَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَيَصِيرُ الْعَاقِدُ وَكِيلًا لِلْمُجِيزِ فَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُجِيزِ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ بَطَلَ الْعَقْدُ أَيْ فِيمَا اسْتَحَقَّ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُسْتَحِقُّ قَبْلَ الْإِجَارَةِ وَالْمُتَعَاقِدَانِ بَاقِيَانِ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ الْعَقْدُ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ) أَيْ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَيَتَحَقَّقُ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا لِمُقَابَلَةِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا الْمُقَابَلَةُ الْمُطْلَقَةُ) أَيْ عَنْ التَّعَرُّضِ لِقَيْدٍ يَحْتَمِلُ الصَّرْفَ الْمَذْكُورَ أَيْ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ لِأَنَّ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَيَّدًا لِتَعَذُّرِ وُجُودِ ذَاتٍ بِدُونِ صِفَةٍ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِلصِّفَةِ بَلْ لِلذَّاتِ فَقَطْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ تَصْحِيحًا لِلتَّصَرُّفِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ صَحَّ وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لَمَا صَحَّ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْكُلِّ بِالْكُلِّ شَائِعًا طَلَبًا لِلصِّحَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بَلْ وَصْفُهُ) جَوَابٌ بِالْمَنْعِ لِدَعْوَى مُطْلَقِ تَغْيِيرِ التَّصَرُّفِ بِصَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ وَإِثْبَاتِ تَغْيِيرِ الْوَصْفِ.

بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَذَا الْوَجْهِ. . (وَ) صَحَّ بَيْعُ (أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ) بِأَنْ يَكُونَ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِرْهَمٌ بِدِينَارٍ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ. (وَ) صَحَّ (بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةً) وَهِيَ مَا يُرَدُّ بِبَيْتِ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ (بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةً) لِتَحَقُّقِ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ وَسُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجُودَةِ (مَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبَاعَ مَنْ هِيَ) أَيْ الْعَشَرَةُ (عَلَيْهِ دِينَارٌ بِهَا) أَيْ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ (صَحَّ) بِالْإِجْمَاعِ وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ (وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الدِّينَارَ (بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ) أَيْ غَيْرِ مُقَيَّدَةٍ بِكَوْنِهَا عَلَيْهِ (وَدَفَعَهُ) أَيْ الدِّينَارَ (وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ صَحَّ أَيْضًا) إذْ صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَيَكُونُ التَّقَاصُّ فَسْخًا لِبَيْعِ الدِّينَارِ بِالْعَشَرَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْعًا لِلدِّينَارِ بِعَشَرَةٍ عَلَى عَمْرٍو إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ لَكَانَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ (الْغَالِبُ الْفِضَّةُ) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ. (وَ) الْغَالِبُ (الذَّهَبُ) مِنْ الدَّنَانِيرِ (فِضَّةٌ وَذَهَبٌ حُكْمًا) وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَالِصِ بِهِ) أَيْ بِالْخَالِصِ (وَلَا بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الْغَالِبِ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ (بِبَعْضٍ) مِنْهُ (إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا) وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ عَادَةً فَيَلْحَقُ الْقَلِيلُ بِالرَّدَاءَةِ وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ سَوَاءٌ (وَالْغَالِبُ الْغِشُّ مِنْهُمَا) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ) اعْتِبَارٌ لِلْغَالِبِ (فَصَحَّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْغَالِبِ الْغِشُّ (بِالْخَالِصِ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (إنْ كَانَ) أَيْ الْخَالِصُ (أَكْثَرَ) مِنْ الْمَغْشُوشِ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ إلَى الزَّائِدِ (وَ) صَحَّ بَيْعُهُ أَيْضًا (بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ (بِشَرْطِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ) فِي الصُّورَتَيْنِ، وَإِنَّمَا شُرِطَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْخَالِصِ شَرْطٌ فَشُرِطَ فِي الْغِشِّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الْخَالِصُ (مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ غَالِبِ الْغِشِّ (أَوْ أَقَلَّ) مِنْهُ (أَوْ لَا يَدْرِي فَلَا) أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِلرِّبَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَلِاحْتِمَالِهِ فِي الثَّالِثِ (وَإِذَا رَاجَ) يَعْنِي غَالِبُ الْغِشِّ (لَمْ يَتَعَيَّنْ بِالتَّعْيِينِ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرُجْ (يَتَعَيَّنُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ يُرَوَّجُ كَانَ ثَمَنًا فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِلَّا فَهُوَ سِلْعَةٌ فَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُهُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهُوَ كَالزُّيُوفِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ بَلْ بِجِنْسِهِ زَيْفًا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ لِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ وَبِجِنْسِهِ مِنْ الْجِيَادِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ لِعَدَمِ رِضَاهُ (فَالْمُبَايَعَةُ وَالِاسْتِقْرَاضُ مِمَّا يُرَوَّجُ مِنْهُ يَكُونُ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا أَوْ بِهِمَا) أَيْ إنْ كَانَ يُرَوَّجُ بِالْوَزْنِ فَالتَّبَايُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِيهِ يَكُونُ بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ يُرَوَّجُ بِالْعَدَدِ فَبِالْعَدَدِ، وَإِنْ كَانَ يُرَوَّجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ. (وَالْمُتَسَاوِي كَغَالِبِ الْخَالِصِ فِي الْمُبَايَعَةِ وَالِاسْتِقْرَاضِ) حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ بِهَا وَلَا إقْرَاضُهَا إلَّا بِالْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَيُعْطِيهِ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّ الْخَالِصَ مَوْجُودٌ فِيهَا حَقِيقَةً وَلَمْ يَصِرْ مَغْلُوبًا فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِالْوَزْنِ شَرْعًا إلَّا أَنْ يُشَارَ إلَيْهَا كَمَا فِي الْخَالِصَةِ (وَكَغَالِبِ الْغِشِّ فِي الصَّرْفِ) حَتَّى إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا جَازَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ وَلَوْ بَاعَهَا بِالْخَالِصِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْخَالِصِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لَمَّا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْآخَرِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا (اشْتَرَى شَيْئًا بِهِ) أَيْ بِغَالِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ الْحِلُّ الْمُقَابِلُ لِلْحُرْمَةِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَا بَأْسَ بِالِاحْتِيَالِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْحَرَامِ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ التَّقَاصُّ فَسْخًا لِبَيْعِ الدِّينَارِ بِالْعَشَرَةِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ فَسْخًا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَحُدُوثِ الدَّيْنِ بَعْدَ عَقْدِ الصَّرْفِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) أَيْ بَيْعُ الْغَالِبِ الْغِشَّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا وَهَذَا إذَا كَانَ يَخْلُصُ مِنْهُ النَّقْدُ بِالْإِذَابَةِ، فَإِنْ كَانَ يَحْتَرِقُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النُّحَاسِ الْخَالِصِ حَتَّى لَا يَكُونَ لِلْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ فِيهِ اعْتِبَارٌ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مُتَسَاوِيًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. . (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُشَارَ إلَيْهَا) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِالْوَزْنِ أَيْ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْهَا بِلَا وَزْنٍ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ فَلَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا مُشَارًا إلَيْهَا (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ) يَعْنِي فَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي بَلْ التَّقَابُضُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ وَلَكِنَّهُ صَرْفٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا شَرَطَ الْقَبْضَ فِي الْفِضَّةِ شَرَطَ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ اهـ

الْغِشِّ أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ (فَكَسَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْبَيْعُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هَلَكَ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ وَلَمْ تَبْقَ فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَبَطَلَ، وَإِذَا بَطَلَ (فَيُرَدُّ الْمَبِيعُ إنْ قَامَ) وَلَمْ يُهْلَكْ (وَإِلَّا فَمِثْلُهُ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا (أَوْ قِيمَتُهُ) إنْ كَانَ قِيَمِيًّا (صَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ (بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ بِلَا تَعْيِينٍ) ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ (وَبِكَاسِدَةٍ بِهِ) أَيْ بِالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّهُ سِلْعَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ (اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ رَدَّ مِثْلَهَا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إعَارَةٌ وَمُوجِبُهَا رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَذَا بِالْمِثْلِ وَالثَّمَنِيَّةُ فَضْلٌ فِيهِ إذْ صِحَّةُ اسْتِقْرَاضِهِ لَمْ تَكُنْ بِاعْتِبَارِ ثَمَنِيَّةٍ بَلْ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَبِالْكَسَادِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ كَوْنِهِ مِثْلِيًّا وَلِذَا صَحَّ اسْتِقْرَاضُهُ بَعْدَ الْكَسَادِ (شَرَى بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ دَانَقِ فُلُوسٍ أَوْ قِيرَاطِ فُلُوسٍ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ فَإِنَّهَا تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ لَا بِالدَّانَقِ وَالدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِهَا قُلْنَا مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ أَوْ الدَّانَقِ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَأَغْنَى عَنْ الْبَيَانِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَدْفَعَ إلَى الْبَائِعِ قَدْرَ (مَا يُبَاعُ بِهَا) أَيْ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ دَانَقٍ أَوْ قِيرَاطٍ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفُلُوسِ (قَالَ) مُشْتَرٍ (لِمَنْ أَعْطَاهُ دِرْهَمًا) مِنْ الصَّيَارِفَةِ (أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا) أَيْ مَا ضُرِبَ مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى وَزْنِ نِصْفِ دِرْهَمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: فَكَسَدَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ حَدُّ الْكَسَادِ أَنْ لَا تَرُوجَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تَرُوجُ فِي بَلَدِ الْعَاقِدَيْنِ، كَذَا فِي الْعُيُونِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ حَدُّ الْكَسَادِ أَنْ تَتْرُكَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَإِنْ كَانَ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لَكِنَّهُ يَتَعَيَّبُ إذَا لَمْ يَرُجْ فِي بَلَدِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَحَكَاهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ النَّوَادِرِ مَعْنَى قَوْلِهِ كَسَدَتْ أَيْ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ أَمَّا إنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي هَذَا الْبَلَدِ وَلَا تَرُوجُ فِي غَيْرِهِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلَكْ وَلَكِنَّهَا تَعَيَّبَتْ فَكَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِنِي مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ اهـ فَصَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ الصِّحَّةَ بِرَوَاجِهَا فِي بَلَدِ الْعَقْدِ وَالزَّيْلَعِيُّ أَطْلَقَهُ وَهُوَ يُنَاسِبُ كَلَامَ الْعُيُونِ. (قَوْلُهُ: بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ اللَّازِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَكَانَ يَنْبَغِي بَيَانُهُ وَهُوَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ قِيمَتُهَا آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا اهـ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا تُوجَدُ فِي السُّوقِ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ وَالْبُيُوتِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (تَنْبِيهٌ) : قُيِّدَ بِالْكَسَادِ لِأَنَّهَا إذَا غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْمِثْلِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ؛ لِأَنَّهَا اهـ. وَأَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّهُ لَوْ تَبَايَعَا الْفُلُوسَ بِالْفُلُوسِ أَوْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ فَنَقَدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنَّمَا شَرَطَ فِي بَيْعِ النَّقْدَيْنِ بِأَحَدِهِمَا قَبْضُ الْبَدَلَيْنِ نَصًّا لَا قِيَاسًا وَالْفُلُوسُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَهُمَا صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ خِلْقِيَّةٌ وَالْفُلُوسُ صِفَةٌ عَارِضِيَّةٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالْكَسَادِ فَلَا يَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ ثَمَّةَ وَارِدًا هُنَا دَلَالَةً، وَإِنْ افْتَرَقَا لَا عَنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْفُلُوسِ وَمَا قُوبِلَ بِهَا بَطَلَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ مَا قُوبِلَ بِهَا فُلُوسًا مِثْلَهَا أَوْ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ) يَعْنِي، وَقَدْ هَلَكَتْ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً عِنْدَهُ يَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ رُدَّ مِثْلُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ يَرُدُّ قِيمَتَهَا عِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ اعْتِبَارُ وَقْتِ الْقِيمَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَوْمَ الْكَسَادِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ اُنْظُرْ لِلْجَانِبَيْنِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. اهـ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الِانْقِطَاعِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا هَلَكَتْ ثُمَّ كَسَدَتْ أَمَّا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَيْنَهَا اتِّفَاقًا، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ شَرَى بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ دَانَقِ فُلُوسٍ أَوْ قِيرَاطِ فُلُوسٍ صَحَّ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَكَذَلِكَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ فِي الدِّرْهَمِ أَفْحَشُ؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِثَمَنٍ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا ضُرِبَتْ لِتُقَامَ مَقَامَ الْكُسُورِ مِنْ الْفِضَّةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ فِي شِرَاءِ الْمُحَقِّرَاتِ؛ لِأَنَّ كَسْرَ الدِّرْهَمِ الْوَاضِحِ مَكْرُوهٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيُجِيزُ أَبُو يُوسُفَ الشِّرَاءَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ الْقِيَاسَ كَانَ يَأْبَى عَنْ جَوَازِ مِثْلِ هَذَا الشِّرَاءِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِيمَا دُونَ دِرْهَمٍ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الدِّرْهَمِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ قَالُوا وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا. (قَوْلُهُ: قَالَ مُشْتَرٍ لِمَنْ أَعْطَاهُ إلَى قَوْلِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْبَيْعِ فِي الْفِضَّةِ سَرَى إلَى الْفُلُوسِ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْفُلُوسِ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَارٍ عِنْدَهُمَا، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ

[تذنيب لكتاب البيع]

(إلَّا حَبَّةً فَسَدَ) أَيْ الْبَيْعُ (فِي الْكُلِّ) لِلُّزُومِ الرِّبَا (بِخِلَافِ أَعْطِنِي بِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً) إذْ يَكُونُ النِّصْفُ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا بَقِيَ بِالْفُلُوسِ (وَلَوْ كَرَّرَ أَعْطِنِي) بِأَنْ قَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً (صَحَّ) أَيْ الْبَيْعُ (فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ) وَلَمْ يَصِحَّ فِي نِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَرَّرَ صَارَ عَقْدَيْنِ وَفِي الثَّانِي رِبَا وَفَسَادُ أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْآخَرِ. (تَذْنِيبٌ) لِكِتَابِ الْبَيْعِ (بَيْعُ الْوَفَاءِ قِيلَ رَهْنٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي فَتَاوَاهُ الْبَيْعُ الَّذِي تَعَارَفَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا احْتِيَالًا لِلرِّبَا وَسَمَّوْهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رَهْنٌ وَهَذَا الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا يُطْلَقُ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَكَلَ مِنْ ثَمَرِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ مِنْ شَجَرِهِ وَالدَّيْنُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ إذَا هَلَكَ عَنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلِلْبَائِعِ اسْتِرْدَادُهُ إذَا قَضَى دَيْنَهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّهْنِ فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ سَمَّيَاهُ بَيْعًا وَلَكِنَّ غَرَضَهُمَا الرَّهْنُ وَالِاسْتِيثَاقُ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَقُولُ لِكُلِّ أَحَدٍ بَعْدَ هَذَا الْعَقْدِ رَهَنْتَ مِلْكِي فُلَانًا وَالْمُشْتَرِي يَقُولُ ارْتَهَنْتُ مِلْكَ فُلَانٍ وَالْعِبْرَةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ لِلْمَقَاصِدِ وَالْمَعَانِي لَا الْأَلْفَاظِ وَالْمَبَانِي فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا الْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَالْحَوَالَةُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ كَفَالَةٌ وَهِبَةُ الْحُرَّةِ نَفْسَهَا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ مَعَ تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ نِكَاحٌ وَالِاسْتِصْنَاعُ الْفَاسِدُ إذَا ضُرِبَ فِيهِ الْأَجَلُ سَلِمَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَكَانَ الْإِمَامُ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ عَلَى هَذَا (وَقِيلَ بَيْعٌ) ذَكَرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ اتَّفَقَ مَشَايِخُنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ عَلَى صِحَّتِهِ بَيْعًا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْضُ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُمَا تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَرْطٍ فِيهِ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَلْفُوظِ نَصًّا دُونَ الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مَا جَامَعَهَا صَحَّ الْعَقْدُ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ قَاضِي خَانْ (الصَّحِيحُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا (إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ شَرْعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَحْكَامٌ مُسْتَقِلَّةٌ بَلْ يَكُونُ بَيْعًا. (فَإِنْ شَرَطَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (الْفَسْخَ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقْدِ (فَسَدَ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِهِ (كَذَا) أَيْ يَفْسُدُ أَيْضًا (إنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ) أَيْ الْفَسْخَ. (وَ) لَكِنْ (تَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْوَفَاءِ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُفْسِدٌ لَهُ (أَوْ) تَلَفَّظَا (بِالْبَيْعِ الْجَائِزِ وَعِنْدَهُمَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ فِي زَعْمِهِمَا (هُوَ بَيْعٌ غَيْرُ لَازِمٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ كَرَّرَ أَعْطِنِي صَحَّ أَيْ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ فَقَطْ) هَذَا اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ فِي الْمَوَاهِبِ اهـ. وَيَبْطُلُ فِي الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ قَالُوا فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةً كَلَفْظِ بِعْنِي بِالْمُسَاوِمَةِ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فَكَيْفَ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ تَكْرَارُ أَعْطِنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَهُ تَفْرِيقُ الْعَقْدِ فَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا عَقَدَا عَقْدَيْنِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي السَّابِقَةِ أَنَّ الْعَقْدَ يَتَكَرَّرُ عِنْدَهُ بِتَكْرَارِ اللَّفْظِ وَعِنْدَهُمَا بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَوَجْهُ الْإِجْمَاعِ فِي الثَّانِيَةِ حُصُولُ التَّكْرَارِ وَتَفْصِيلُ الثَّمَنِ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ. [تَذْنِيبٌ لِكِتَابِ الْبَيْعِ] [بَيْعُ الْوَفَاءِ] (تَذْنِيبٌ) . (قَوْلُهُ: قِيلَ رَهْنٌ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ. . . إلَخْ يَقُولُ بَيْعُ الْوَفَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ الشَّيْخُ كَذَا وَقَوْلُهُ قَالَ الشَّيْخُ إلَى، وَكَانَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ مِنْ فُصُولِ الْعِمَادِيِّ بِالْحَرْفِ وَفِيهِ زِيَادَةُ تَقْوِيَةٍ لِهَذَا الْقَوْلِ يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَيْعٌ) مُسْتَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ذَكَرَهُ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ. . . إلَخْ وَهُوَ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ وَقِيلَ بَلْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ كَذَلِكَ وَذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ غَيْرِ صِيغَةِ تَمْرِيضٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ قَائِلُهُ قَاضِي خَانْ. . . إلَخْ) مِنْ الْعِمَادِيَّةِ أَيْضًا وَعِبَارَتُهُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْبَيْعُ الَّذِي اعْتَادَهُ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ وَيُسَمُّونَهُ بَيْعَ الْوَفَاءِ الصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْدَ. . . إلَخْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ، وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى بَعْضِ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَلَا وَجْهَ لَهُ فَعَلَيْك بِمُرَاجَعَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تِسْعَةَ أَقْوَالٍ فِي بَيْعِ الْوَفَاءِ يَجِبُ مُرَاجَعَتُهَا فَذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ أَجَابَ عِمَادُ الدِّينِ وَعَلَاءُ الدِّينِ بَدْرٌ وَمِنْهَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي الْمُشْتَرِي وَفَاءً إذَا بَاعَ بَاتًّا أَوْ وَفَاءً أَوْ وَهَبَ أَنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لَا يَصِحُّ، وَإِذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي وَفَاءً فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي أَحْكَامِ الْوَفَاةِ اهـ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَهَلْ كَذَلِكَ وَرَثَةُ الْبَائِعِ وَفَاءً فَلْيُنْظَرْ وَمِنْ الْأَقْوَالِ التِّسْعَةِ قَوْلٌ جَامِعٌ لِبَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فَاسِدٌ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ حَتَّى مَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْفَسْخَ وَصَحِيحٌ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَحِلِّ الْإِنْزَالِ وَمَنَافِعِ الْمَبِيعِ وَرَهْنٍ فِي حَقِّ الْبَعْضِ حَتَّى لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْتَرِي بَيْعَهُ مِنْ آخَرَ وَلَا رَهْنَهُ وَلَا يَمْلِكُ قَطْعَ الشَّجَرِ وَلَا هَدْمَ الْبِنَاءِ وَسَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ وَانْقَسَمَ الثَّمَنُ إنْ دَخَلَهُ نُقْصَانٌ كَمَا فِي الرَّهْنِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْدِلَ فِي الْإِفْتَاءِ عَنْ الْقَوْلِ الْجَامِعِ. اهـ. قُلْت وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ وَرَثَةَ الْبَائِعِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ كَوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي نَظَرًا لِجَانِبِ الرَّهْنِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَالٍ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

[كتاب الشفعة]

فَإِنَّهُ أَيْضًا يَفْسُدُ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِزَعْمِهِمَا. (وَإِنْ ذَكَرَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ثُمَّ ذَكَرَاهُ) أَيْ الشَّرْطَ (عَلَى وَجْهِ الْمِيعَادِ جَازَ) أَيْ الْبَيْعُ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْمُفْسِدِ (وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوَاعِيدَ قَدْ تَكُونُ لَازِمَةً فَيُجْعَلُ هَذَا الْمِيعَادُ لَازِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ (صَحَّ) بَيْعُ الْوَفَاءِ فِي الْعَقَارِ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ وَاخْتُلِفَ (فِي الْمَنْقُولِ) قِيلَ يَصِحُّ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِخُصُوصِ التَّعَامُلِ. [كِتَابُ الشُّفْعَةِ] (كِتَابُ الشُّفْعَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ شَرَعَ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى أَوَاخِرِ الْكِتَابِ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ (هِيَ) لُغَةً مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الضَّمُّ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنْ ضَمِّ الْمُشْتَرَاةِ إلَى مِلْكِ الشَّفِيعِ وَشَرْعًا (تَمَلُّكُ الْعَقَارِ) وَهُوَ الضَّيْعَةُ وَقِيلَ مَا لَهُ أَصْلٌ مِنْ دَارٍ أَوْ ضَيْعَةٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (وَمَا فِي حُكْمِهِ) كَالْعُلُوِّ قَالَ فِي الْكَافِي: الْعُلُوُّ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَتُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْعُلُوِّ فِي السُّفْلِ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ (جَبْرًا عَلَى مُشْتَرِيهِ بِمِثْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمَلُّكِ (مَا قَامَ عَلَيْهِ) مِنْ الثَّمَنِ (وَتَثْبُتُ) أَيْ الشُّفْعَةُ (بَعْدَ الْبَيْعِ لِلْخَلِيطِ) أَيْ الشَّرِيكِ (فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا سَلَّمَهَا تَثْبُتُ لِلْخَلِيطِ (فِي حَقِّهِ) أَيْ حَقِّ الْمَبِيعِ (كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ الْخَاصَّيْنِ) مَعْنَى خُصُوصِهِمَا أَنْ يَكُونَ الشُّرْبُ مِنْ نَهْرٍ لَا تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ وَأَنْ لَا يَكُونَ الطَّرِيقُ نَافِذًا (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا سَلَّمَهَا تَثْبُتُ (لِجَارٍ مُلَاصِقٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا) لِإِطْلَاقِ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الشُّفْعَةُ لِشَرِيكٍ لَمْ يُقَاسِمْ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَالْأَرْضِ يُنْتَظَرُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» وَالْمُرَادُ جَارٌ هُوَ شَرِيكٌ فِي الطَّرِيقِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الشُّرْبِ دَلَالَةً لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ بِاعْتِبَارِ الْخُلْطَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ فِي الشُّرْبِ (بَابُهُ فِي السِّكَّةِ أُخْرَى) فَإِنَّ بَابَهُ إنْ كَانَ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ كَانَ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ فَلَا يَكُونُ جَارٌ مُلَاصِقًا؛ صُورَتُهُ مَنْزِلٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَارٍ هِيَ الْقَوْمُ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ إذَا بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَنْزِلِ فَالشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ سَلَمَ فَالشُّرَكَاءُ فِي الدَّارِ أَحَقُّ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي السِّكَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمْ فِي صَحْنِ الدَّارِ، فَإِنْ سَلَمُوا فَأَهْلُ السِّكَّةِ أَحَقُّ لِلشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ، فَإِنْ سَلَمُوا فَلِلْجَارِ الْمُلَاصِقِ وَهُوَ الَّذِي عَلَى ظَهْرِ هَذَا الْمَنْزِلِ وَبَابُ دَارِهِ فِي سِكَّةٍ أُخْرَى - (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْجَارُ الْمُلَاصِقُ (وَاضِعَ الْجِذْعِ عَلَى حَائِطِهِ) أَيْ حَائِطِ الْمَبِيعِ (أَوْ شَرِيكًا) لِلْبَائِعِ (فِي خَشَبَةٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَائِطِ، فَإِنَّ الْجَارَ بِهَذَا الْمِقْدَارِ لَا يَكُونُ خَلِيطًا فِي حَقِّ الْمَبِيعِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ جَارًا مُلَاصِقًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهَا تَغَايُرُهُمَا لِلْجَارِ - (عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَتَثْبُتُ (لَا قَدْرِ الْمِلْكِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَثْبُتُ عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهَا وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا وَلِلثَّالِثِ ثُلُثُهَا فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ وَطَلَبَ الْآخَرَانِ الشُّفْعَةَ قُضِيَ بِالشِّقْصِ الْمَبِيعِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَثْلَاثًا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا، وَإِنْ بَاعَ صَاحِبُ السُّدُسِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا، وَإِنْ بَاعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا وَعِنْدَنَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي الْكُلِّ - ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الشُّفْعَةِ) هِيَ حَقُّ الشَّرْعِ نَظَرًا لِمَنْ كَانَ شَرِيكًا أَوْ جَارًا عِنْدَ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا إلَخْ) يَعْنِي بِهِ مَنْ تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ وَسَوَاءٌ كَانَ أُنْثَى أَوْ صَغِيرًا أَوْ مُعْتَقَ الْبَعْضِ وَالْخَصْمُ عَنْ الصِّبْيَانِ فِي الشُّفْعَةِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ آبَاؤُهُمْ أَوْ أَوْصِيَاءُ الْآبَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ وَالْأَجْدَادُ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَوْصِيَاءُ الْأَجْدَادِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ يُقِيمُ لَهُمْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُمْ فِي الْخُصُومَةِ وَالطَّلَبِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: إذْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) أَقُولُ الصَّوَابُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشْهَادِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ هُوَ الَّذِي يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْإِشْهَادِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَبْقَ بُدٌّ مِنْ الْإِشْهَادِ وَعَلَى مَا صَوَّبْنَاهُ يَتَفَرَّعُ قَوْلُهُ، فَإِذَا أَشْهَدَ ابْتِدَاءً عَلَى طَلَبِهَا تَيَسَّرَ أَخْذُ الْمَقْصُودِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ لِإِبْطَالِهِ مَا فَرَّعَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا

(وَتَسْتَقِرُّ) عَطْفٌ عَلَى تَثْبُتُ أَيْ تَسْتَقِرُّ الشُّفْعَةُ (بِالْإِشْهَادِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، فَإِذَا أَشْهَدَ ابْتِدَاءً عَلَى طَلَبِهَا تَيَسَّرَ أَخْذُ الْمَقْصُودِ بِحُكْمِ الْقَاضِي وَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى الْيَمِينِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (وَيُمْلَكُ) أَيْ الْعَقَارُ وَمَا فِي حُكْمِهِ (بِالْقَضَاءِ أَوْ الْأَخْذِ بِالرِّضَا) بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَالْكَنْزِ وَيُمْلَكُ بِالْأَخْذِ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَصَرَّحَ شَارِحَاهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَطْفٌ عَلَى الْأَخْذِ لَا عَلَى التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ أَخْذِهِ وَلَمَّا كَانَ عِبَارَةُ الْمَتْنَيْنِ مُوهِمَةً لِعَطْفٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَى التَّرَاضِي بَلْ ظَاهِرُهُ فِيهِ غَيْرُ الْعِبَارَةِ إلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهَا ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ قَبْلَ أَخْذِهِ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي كَأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَتُمْلَكُ بِالْأَخْذِ إذَا سَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ حَكَمَ بِهَا حَاكِمٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ حَكَمَ عَطْفٌ عَلَى سَلَّمَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَخْذُ مُعْتَبَرًا فِي كُلٍّ مِنْ تَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي وَحُكْمِ الْقَاضِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الثَّانِي - (وَيَطْلُبُهَا) أَيْ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ اعْلَمْ أَنَّ الطَّلَبَ هَاهُنَا ثَلَاثَةٌ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبُ الْإِشْهَادِ وَالتَّقْرِيرِ وَطَلَبُ الْأَخْذِ وَالتَّمَلُّكِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ وَيَطْلُبُهَا الشَّفِيعُ (فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ بِسَمَاعِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ (مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ) وَقَالَا: يَكْفِي وَاحِدٌ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا (وَإِنْ امْتَدَّ) أَيْ الْمَجْلِسُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُ خِيَارُ التَّمَلُّكِ اُحْتِيجَ إلَى زَمَانِ التَّأَمُّلِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ فَلَوْ قَالَ بَعْدَمَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَمْدٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخَلَاصِ مِنْ جَوَارِ الْبَائِعِ مِنْ الْأَمْنِ مِنْ ضَرَرِ الدَّخِيلِ بِالشُّفْعَةِ وَالثَّانِي تَعَجُّبٌ مِنْهُ بِقَصْدِ إضْرَارِهِ وَالثَّالِثُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ كَمَا هُوَ عُرْفُ بَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى الْإِعْرَاضِ (بِلَفْظٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيُبْطِلُهَا (يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُهَا) كَطَلَبْتُ الشُّفْعَةَ أَوْ أَنَا طَالِبُهَا أَوْ أَطْلُبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعْنَى وَفِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَبُ لِلْحَالِ لَا الْخَبَرُ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ إذَا سَمِعَ بِبَيْعِ أَرْضٍ بِجَنْبِ أَرْضِهِ فَقَالَ شُفْعَةً شُفْعَةً كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ طَلَبًا كَذَا فِي الْكَافِي - (وَقِيلَ تَبْطُلُ بِأَدْنَى سُكُوتٍ) حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ بِكِتَابٍ وَالشُّفْعَةُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ فَقَرَأَ الْكِتَابَ إلَى آخِرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قَالَ فِي الْإِيضَاحِ الْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَيُسَمَّى) هَذَا الطَّلَبُ (طَلَبَ مُوَاثَبَةٍ) لِيَدُلَّ عَلَى غَايَةِ التَّعْجِيلِ كَأَنَّ الشَّفِيعَ يَثِبُ وَيَطْلُبُ الشُّفْعَةَ وَالْإِشْهَادُ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (ثُمَّ يُشْهِدُ عِنْدَ الدَّارِ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِهَا (أَوْ عَلَى الْبَائِعِ) إنْ كَانَ الدَّارُ فِي يَدِهِ لَمْ تُسَلَّمْ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهَا إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا إذْ لَا يَدَ لَهُ وَلَا مِلْكَ (أَوْ الْمُشْتَرِي) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا يَدٍ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ (قَائِلًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يُشْهِدُ (اشْتَرَى فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا وَكُنْتُ طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَطَلَبْتُهَا الْآنَ فَاشْهَدُوا عَلَيْهِ وَيُسَمَّى طَلَبَ إشْهَادٍ) وَهَذَا الطَّلَبُ وَاجِبٌ حَتَّى إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّارِ أَوْ عَلَى ذِي الْيَدِ وَلَمْ يَشْهَدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، فَإِذَا كَانَ فِي مَكَان بَعِيدٍ فَسَمِعَ فَطَلَبُ مُوَاثَبَةٍ وَعَجَزَ عَنْ طَلَبِ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَطْلُبُهَا فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ إلَخْ) هَذَا عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهَا أَخَذَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِعِلْمِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ هُنَيْهَةً بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَطْلُبْ أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ لَغْوٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا بَلَغَهُ الْبَيْعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ) مُفَرَّعٌ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَإِنْ طَالَ الْمَجْلِسُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ تَبْطُلُ بِأَدْنَى سُكُوتٍ) عِبَارَتُهُ تَقْتَضِي ضَعْفَهُ وَعَلِمْت أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ بِأَدْنَى سُكُوتٍ (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ) الَّذِي سَيَأْتِي لَا تَحْقِيقَ فِيهِ بَلْ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ شَرْطًا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا إذَا سُلِّمَتْ إلَيْهِ) يَعْنِي إلَى الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ) يَعْنِي عَلَى الْبَائِعِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَالنَّاطِفِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْمَوَاهِبِ وَقِيلَ مُطْلَقًا يَعْنِي يُشْهِدُ عَلَيْهِ يَعْنِي الْبَائِعَ وَلَوْ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ: قَائِلًا اشْتَرَى فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ تَعْرِيفِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الدَّارِ، وَالْوَصْفُ فِي الْحَاضِرِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ حُدُودَهَا وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ شَفِيعٌ بِالشَّرِكَةِ أَوْ بِالْجِوَارِ أَوْ بِالْحُقُوقِ وَيُبَيِّنَ الْحُدُودَ لِتَصِيرَ مَعْلُومَةً اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى إذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ الدَّارِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ بِهِ إلَى تَقْدِيرِ مُدَّةِ هَذَا الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى ذِي الْيَدِ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْبَائِعُ خَصْمًا عِنْدَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي كَمَا قَدَّمَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا اسْتِحْسَانًا

أَوْ عَلَى ذِي الْيَدِ يُوَكِّلُ وَكِيلًا إنْ وُجِدَ وَأَلَّا يُرْسِلَ رَسُولًا أَوْ كِتَابًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ، فَإِذَا حَضَرَ طَلَبَ، وَإِنْ وَجَدَ وَلَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ (وَإِذَا شَهِدَ فِي الْأَوَّلِ) يَعْنِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ (عِنْدَ أَحَدِهَا) أَيْ عِنْدَ الدَّارِ أَوْ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي (اسْتَغْنَى عَنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِشْهَادِ فِي الثَّانِي لِقِيَامِهِ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ نَقَلَهُ فِي الْكَافِي عَنْ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَ أَحَدِهَا؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى مُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ بِلَا حُضُورِ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ بِلَا خَفَاءٍ - (ثُمَّ يَطْلُبُ عِنْدَ قَاضٍ قَائِلًا اشْتَرَى فُلَانٌ دَارَ كَذَا وَأَنَا شَفِيعًا بِدَارِ كَذَا فَمُرْهُ يُسَلِّمُ إلَيَّ وَيُسَمِّي طَلَبَ تَمْلِيكٍ وَخُصُومَةٍ وَبِتَأْخِيرِهِ مُطْلَقًا) أَيْ شَهْرًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ (لَا تَبْطُلُ) أَيْ الشُّفْعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا تَرَكَهُ شَهْرًا بِلَا عُذْرٍ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بَطَلَتْ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ تَضَرَّرَ الْمُشْتَرِي إذْ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ حِذَارَ نَقْضِهِ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ فَقُدِّرَ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ آجِلٌ وَمَا دُونَهُ عَاجِلٌ كَمَا مَرَّ فِي الْإِيمَانِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى هَذَا لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي قَصْدِ الْإِضْرَارِ بِالْغَيْرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْوِقَايَةِ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ شَرْعًا فَلَا يَبْطُلُ بِتَأْخِيرِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إلَّا أَنْ يُسْقِطَهَا بِلِسَانِهِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَ الشَّفِيعَ بِالْأَخْذِ أَوْ التَّرْكِ فَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ اتِّفَاقًا إذْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ عُذْرًا - (وَإِذَا طَلَبَ) أَيْ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عِنْدَ الْقَاضِي (سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ عَنْ مَالِكِيَّةِ الشَّفِيعِ لِمَا يَشْفَعُ بِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا أَوْ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ) بِأَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَالِكُ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا (أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ) بِكَوْنِهِ مَالِكًا لِمَا يَشْفَعُ بِهِ (سَأَلَهُ) أَيْ سَأَلَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَنْ الشِّرَاءِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْحَاصِلِ أَوْ السَّبَبِ) ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ إنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَيَّ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (أَوْ بَرْهَنَ الشَّفِيعُ قُضِيَ لَهُ) أَيْ لِلشَّفِيعِ (بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ - (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُحْضِرْ) أَيْ الشَّفِيعُ (الثَّمَنَ وَقْتَ الدَّعْوَى وَبَعْدَ الْقَضَاءِ لَزِمَهُ) أَيْ الشَّفِيعَ إحْضَارُ الثَّمَنِ (وَلِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الدَّارِ لِقَبْضِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (وَبِتَأْخِيرِ أَدَائِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (لَا تَبْطُلُ) أَيْ الشُّفْعَةُ يَعْنِي إذَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ: أَدِّ الثَّمَنَ فَأَدَّى ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ لَوْ قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ، فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا فِي مِصْرٍ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَأَنَّ بَعْضَهُمْ فِيهِ وَالْبَعْضُ فِي مِصْرٍ آخَرَ أَوْ فِي الرُّسْتَاقِ فَقَصَدَ الْأَبْعَدَ وَتَرَكَ الَّذِي فِي مِصْرِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَ مِنْ الضَّرَرِ. . . إلَخْ) اسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا إذَا كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا حَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى هَذَا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا يُفْتَى يَعْنِي بِهِ أَنَّ تَصْحِيحَ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَقَاضِي خَانْ فِي جَامِعِهِ الصَّغِيرِ مِنْ كَوْنِ تَقْدِيرِ السُّقُوطِ بِشَهْرٍ أَصَحَّ مِنْ تَصْحِيحِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي عَدَمُ سُقُوطِهَا بِالتَّأْخِيرِ أَبَدًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْحُقُوقِ أَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ يُمْلَكُ فِي الْعَيْنِ لِأَمْرٍ مَوْهُومٍ وَهُوَ احْتِمَالُ حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا سَائِرُ الْحُقُوقِ فَلِأَنَّ تَأْخِيرَهَا يَنْفَعُ مَنْ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ بِدَفْعِهَا إلَى أَرْبَابِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا طَلَبَ سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ عَنْ مَالِكِيَّةِ الشَّفِيعِ بِمَا يَشْفَعُ بِهِ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَاكْتَفَى بِهِ زُفَرُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا طَلَبَ سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ فِي التَّبْيِينِ ذَكَرَ سُؤَالَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوَّلًا عَقِبَ طَلَبِ الشَّفِيعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَاضِي يَسْأَلُ أَوَّلًا الْمُدَّعِيَ قَبْلَ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ مَوْضِعِ الدَّارِ مِنْ الْمِصْرِ وَمَحَلِّهِ وَحُدُودِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَنْ قَبْضِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ وَعَدَمِهِ، فَإِذَا بَيَّنَ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ شُفْعَتِهِ وَحُدُودِ مَا يَشْفَعُ بِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ سَأَلَهُ مَتَى عَلِمَ وَكَيْفَ صَنَعَ حِينَ عَلِمَ، فَإِذَا بَيَّنَ سَأَلَهُ عَنْ طَلَبِ التَّقْرِيرِ كَيْفَ كَانَ وَعِنْدَ مَنْ أَشْهَدَ وَهَلْ كَانَ الَّذِي أَشْهَدَ عِنْدَهُ أَقْرَبَ أَمْ لَا، فَإِذَا بَيَّنَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَمْ يُخِلَّ بِشَيْءٍ فِي شُرُوطِهِ ثُمَّ دَعْوَاهُ وَأَقْبَلَ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَالِكِيَّةِ الشَّفِيعِ بِمَا يَشْفَعُ بِهِ. . . إلَخْ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَطْلُبُ عِنْدَ قَاضٍ قَائِلًا اشْتَرَى فُلَانٌ دَارَ كَذَا وَأَنَا شَفِيعُهَا بِدَارِ كَذَا فَمُرْهُ يُسَلِّمُ إلَيَّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا لَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ هَذِهِ الدَّعْوَى لِمَا قَدَّمْته مِنْ الشُّرُوطِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي

لَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ (وَالْخَصْمُ) لِلشَّفِيعِ (الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) أَيْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ ذُو الْيَدِ (وَ) لَكِنْ (لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ) أَيْ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ (بِغَيْبَةِ الْمُشْتَرِي وَيُفْسَخُ) أَيْ الْبَيْعُ (بِحُضُورِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ (وَيُقْضَى بِالشُّفْعَةِ وَالْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ) يَعْنِي يَجِبُ تَسْلِيمُ الدَّارِ عَلَيْهِ وَعِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَكُونُ عُهْدَةُ الثَّمَنِ عَلَيْهِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ يَدِهِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ حُضُورُهُ وَلَا تَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَجْنَبِيًّا - (الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ لِلشَّفِيعِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَالْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ (مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ) ، فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ هُوَ الْخَصْمَ إذْ لَمْ يَبْقَ لَهُ يَدٌ وَلَا مِلْكٌ فَيَكُونُ الْخَصْمُ هُوَ الْمُوَكِّلَ - (لِلشَّفِيعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ، وَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي الْبَرَاءَةَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ شِرَاءٌ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَشِرَاءٌ مِنْ الْبَائِعِ لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَيْهِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارَانِ كَمَا إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُمَا وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا يُعْمَلُ شَرْطُهُ وَرُؤْيَتُهُ فِي حَقِّهِ - (اخْتَلَفَا) أَيْ الشَّفِيعُ وَالْمُشْتَرِي (فِي الثَّمَنِ) قَالَ الْمُشْتَرِي أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقَالَ الشَّفِيعُ أَلْفٌ (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ الدَّارِ عِنْدَ نَقْدِ الْأَقَلِّ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ (وَلَوْ بَرْهَنَا فَالشَّفِيعُ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ إثْبَاتًا صُورَةً؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِلْزَامِ وَبَيِّنَةُ الشَّفِيعِ مُلْزِمَةٌ بِخِلَافِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ بَيِّنَةَ الشَّفِيعِ إذَا قُبِلَتْ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الدَّارِ إلَيْهِ بِأَلْفٍ شَاءَ أَوْ أَبَى وَإِذَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لَا يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ شَيْءٌ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ - (ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَبَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ بِلَا قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ الْبَائِعِ (وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبْضِ (لِلْمُشْتَرِي) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى بَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ الْبَائِعُ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي يَكُونُ حَطًّا عَنْ الْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ الْأَقَلَّ وَحَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي فَيَأْخُذُهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِمَا قَالَ الْمُشْتَرِي إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ خَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ وَالْتَحَقَ بِالْأَجَانِبِ فَبَقِيَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّفِيعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي (حَطُّ الْبَعْضِ يَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ) حَيْثُ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَكَانَ الثَّمَنُ مَا بَقِيَ (لَا حَطُّ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعًا بَاطِلًا أَوْ هِبَةً وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَصِحُّ الشُّفْعَةُ. (وَ) لَا (الزِّيَادَةُ) عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْأَخْذَ بِمَا دُونَهَا (وَفِي الشِّرَاءِ بِمِثْلِيٍّ يَأْخُذُ) الشَّفِيعُ (بِمِثْلِهِ وَفِي قِيَمِيٍّ) يَأْخُذُهُ (بِالْقِيمَةِ فَفِي) بَيْعِ (عَقَارٍ بِعَقَارٍ يَأْخُذُ كُلًّا بِقِيمَةِ الْآخَرِ) يَعْنِي إذَا بِيعَ عَقَارٌ بِعَقَارٍ يَأْخُذُ شَفِيعُ كُلٍّ مِنْ الْعَقَارَيْنِ كُلًّا مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ. (وَفِي ثَمَنٍ) أَيْ فِي الْمَبِيعِ بِثَمَنٍ (مُؤَجَّلٍ يَأْخُذُ بِحَالٍ أَوْ يَطْلُبُ الْآنَ وَيَأْخُذُ بَعْدَ الْأَجَلِ) ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ كَالْخِيَارِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَرِضَاءِ الْبَائِعِ بِهِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْخَصْمُ لِلشَّفِيعِ الْبَائِعَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) يَعْنِي فِي طَلَبِ التَّمَلُّكِ (قَوْلُهُ: وَيُفْسَخُ أَيْ الْبَيْعُ بِحُضُورِهِ أَيْ الْمُشْتَرِي) يَعْنِي مَعَ حُضُورِ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ خَصْمٌ. . . إلَخْ) أَقُولُ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَضَاءِ حُضُورُ الْمُوَكِّلِ وَلَا كَذَلِكَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ: ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَبَائِعُهُ أَقَلَّ مِنْهُ بِلَا قَبْضَةٍ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) أَقُولُ: وَلَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ يَتَحَالَفَانِ يَعْنِي الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَأَيُّهُمَا نَكَلَ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ مَا قَالَهُ الْآخَرُ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِذَلِكَ وَإِنْ حَلَفَا فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ وَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَبَضَ الثَّمَنَ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ قَبْضُ الثَّمَنِ ظَاهِرًا كَمَا ذَكَرَ بِأَنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت الدَّارَ بِأَلْفٍ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِأَلْفٍ وَلَوْ بَدَأَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ قَبْلَ بَيَانِ الْقَدْرِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُ الدَّارَ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لَا حَطُّ الْكُلِّ) أَيْ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الْمُسَمَّى الَّذِي أَبْرَأَهُ عَنْهُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّ الْحَطَّ لِلْكُلِّ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ أُلْحِقَ الْحَطُّ بِهِ يَكُونُ بَيْعًا بَاطِلًا إلَخْ أَيْ فَلَا يَكُونُ الْإِلْحَاقُ مَقُولًا بِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْبُطْلَانِ فِيهِ تَسَامُحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعًا بَاطِلًا) أَقُولُ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَكُونُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْ ثَمَنِهِ بَلْ أَرْقَى مِنْهُ إذْ التَّسْمِيَةُ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَيْسَ إلَّا لِلْمُسَمَّى

[باب ما تكون فيه الشفعة]

فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ أَحْوَالِ النَّاسِ (وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ) الشَّفِيعُ الْآنَ (وَسَكَتَ عَنْ طَلَبِهَا) وَصَبَرَ لِيَطْلُبَهَا عِنْدَ الْأَجَلِ (بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ يَثْبُتُ وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ الْآنَ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ - (وَفِي شِرَاءِ ذِمِّيٍّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) يَأْخُذُ الشَّفِيعُ (بِمِثْلِ الْخَمْرِ وَقِيمَةِ الْخِنْزِيرِ وَلَوْ) كَانَ الشَّفِيعُ (ذِمِّيًّا أَوْ قِيمَتَهُمَا لَوْ) كَانَ الشَّفِيعُ (مُسْلِمًا وَفِي بِنَاءِ الْمُشْتَرِي) فِي الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ (وَغَرْسِهِ بِالثَّمَنِ وَقِيمَتِهِمَا) حَالَ كَوْنِهِمَا (مُسْتَحَقِّي الْقَلْعِ أَوْ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعُهُمَا) يَعْنِي إذَا بَنَى الْمُشْتَرِي أَوْ غَرَسَ ثُمَّ قُضِيَ لِلشَّفِيعِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ كُلِّفَ الْمُشْتَرِي قَلْعُهُمَا كَمَا فِي الْغَصْبِ (وَإِنْ قَلَعَهُمَا) أَيْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ (الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ فَقَطْ) وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِمَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ قِبَلِهِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ جَبْرًا - (وَإِنْ خَرِبَتْ الدَّارُ أَوْ احْتَرَقَ بِنَاؤُهَا أَوْ جَفَّ شَجَرُ الْبُسْتَانِ) بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِتَمَامِ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ تَابِعٌ حَتَّى دَخَلَا فِي الْبَيْعِ بِلَا ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهُمَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ كَمَا مَرَّ (أَوْ تَرَكَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَمَلُّكِ الدَّارِ بِمَالِهِ (وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ) عَطْفٌ عَلَى بِتَمَامِ الثَّمَنِ - (إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) يَعْنِي إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ إنْ شِئْتَ فَخُذْ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا، وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِيهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ (وَالنَّقْضُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي لَا لِلشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُنْفَصِلًا فَلَمْ يَبْقَ تَبَعًا حَتَّى يَكُونَ لِلشَّفِيعِ (وَفِي شِرَاءِ أَرْضِ نَخْلٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ) يَعْنِي إذَا شَرَى أَرْضًا بِنَخْلٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَذَكَرَ ثَمَرَ النَّخْلِ إذْ لَا يَدْخُلُ بِدُونِ الذِّكْرِ (أَوْ شَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ) عَلَى النَّخْلِ (ثَمَرٌ وَأَثْمَرَتْ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي (يَأْخُذُهَا) أَيْ الشَّفِيعُ الْأَرْضَ (وَالثَّمَرَ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْفَصْلَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَالِ كَانَ تَبَعًا لِلْعَقَارِ كَالْبِنَاءِ فِي الدَّارِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ تَبَعًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ سَرَى إلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى حَامِلًا فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ كَانَ مِلْكُهُ تَبَعًا (وَإِذَا جَذَّهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُ الثَّمَرَ فِيهِمَا) لِانْعِدَامِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْعَقَارِ وَقْتَ الْأَخْذِ بِالِانْفِصَالِ (لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى أَرْضًا بِنَخْلٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ (ثُمَّ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ قَصْدًا وَكَانَ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُفَوِّتُ قِسْطَهُ بِفَوَاتِهِ (لَا الثَّانِي) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا الْقَبْضُ الَّذِي لَهُ شَبَهٌ بِالْعَقْدِ فَفَوَاتُهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ (مَا تَكُونُ هِيَ) أَيْ الشُّفْعَةُ (فِيهِ أَوْ لَا) تَكُونُ (وَمَا يُبْطِلُهَا لَا تَثْبُتُ قَصْدًا إلَّا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ الشَّفِيعُ الْآنَ وَسَكَتَ عَنْ طَلَبِهَا وَصَبَرَ لِيَطْلُبَهَا عِنْدَ الْأَجَلِ لِأَنَّ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ) غَيْرُ صَحِيحٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا طَلَبُ تَمَلُّكٍ وَلَا تَبْطُلُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً وَلَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِتَقْدِيرِهِ بِشَهْرٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ قَدْ ثَبَتَ) لَا يَصِحُّ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ بَلْ لِقَوْلِهِ سَابِقًا وَيَأْخُذُ بَعْدَ الْأَجَلِ فَكَانَ حَقُّهُ ذِكْرَهُ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ: وَالسُّكُوتُ عَنْ الطَّلَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ) قَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَعَهُمَا أَيْ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ الشَّفِيعُ) أَقُولُ الصَّوَابُ فِعْلُهُمَا بِالْفَاءِ فَالْعَيْنِ فَاللَّامِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ فَاسْتُحِقَّتْ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَلْعُهُ مُقَدَّمًا عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ إتْلَافًا مِنْهُ لَا بِأَمْرِ أَحَدٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فَأَمَرَهُ الْمُسْتَحِقُّ بِقَلْعِهِ لَا يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِمَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْهُ الدَّارَ كَالْمُشْتَرِي الْمَغْرُورِ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَقَالَا: إنَّهُ مُتَمَلِّكٌ جَبْرًا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ جِهَةِ بَائِعِهِ وَالشَّفِيعُ غَيْرُ مَغْرُورٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَرِبَتْ الدَّارُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَبْقَ لِلْبِنَاءِ نَقْضٌ وَلَا مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ مِنْ حَطَبٍ أَوْ خَشَبٍ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي لِانْفِصَالِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ مُحْتَسَبًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) أَقُولُ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا انْهَدَمَ الْبِنَاءُ بِنَفْسِهِ وَكَانَ النَّقْضُ بَاقِيًا حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قِيمَةُ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ ثَمَرَ النَّخْلِ) أَقُولُ لَوْلَا ذَكَرَهُ شَرْحًا لَمْ يُعْلَمْ مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا جَذَّهُ الْمُشْتَرِي. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَكَذَا يَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابٌ مَا تَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ] (بَابُ مَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِيهِ)

عَقَارٍ) إنَّمَا قَالَ قَصْدًا؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِتَبَعِيَّةِ الْعَقَارِ كَالشَّجَرِ وَالثَّمَرِ (وَمَا فِي حُكْمِهِ كَالْعُلُوِّ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ (مُلِكَ بِمَالٍ) صِفَةُ عَقَارٍ أَيْ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ بِعِوَضٍ بَلْ هِبَةٍ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَكَذَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ مَالِيٍّ حَتَّى لَوْ خُولِعَ عَلَى دَارٍ لَمْ تَثْبُتْ (وَإِنْ لَمْ يُقْسَمْ) أَيْ الْعَقَارُ وَمَا فِي حُكْمِهِ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ وَعِنْدَنَا لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ (كَحَمَّامٍ وَرَحًى وَبِئْرٍ وَبَيْتٍ صَغِيرٍ) بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إذَا قُسِمَ (وَنَهْرٍ وَطَرِيقٍ) مَمْلُوكَيْنِ (لَا بِنَاءٍ وَنَخْلٍ) ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَا بِعَقَارٍ وَلَا فِي حُكْمِهِ (بَيْعًا قَصْدًا) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُمَا إذَا بِيعَا تَبَعًا لِلْعَقَارِ تَثْبُتُ فِيهِمَا الشُّفْعَةُ (وَعَرَضٍ وَفُلْكٍ) خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَإِرْثٍ) أَيْ مَوْرُوثٍ، فَإِنَّ الدَّارَ إذَا مُلِكَتْ بِإِرْثٍ لَا تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ (وَصَدَقَةٍ وَهِبَةٍ إلَّا بِشَرْطِ عِوَضٍ بِلَا شُيُوعٍ فِيهِمَا) أَيْ الْمَوْهُوبِ وَعِوَضِهِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ فَصَارَتْ كَالْإِرْثِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِعِوَضٍ مَشْرُوطٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعٌ انْتِهَاءً وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ وَعَدَمُ الشُّيُوعِ فِي الْمَوْهُوبِ وَعِوَضِهِ؛ لِأَنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَاءً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا - (وَ) لَا فِي (دَارٍ قُسِمَتْ) بَيْنَ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِيهَا مَعْنَى الْإِفْرَازِ لِهَذَا يَجْرِي فِيهَا الْجَبْرُ وَالشُّفْعَةُ وَلَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي الْمُبَادَلَةِ الْمُطْلَقَةِ - (أَوْ جُعِلَتْ أُجْرَةً أَوْ بَدَلَ خُلْعٍ أَوْ) بَدَلَ (عِتْقٍ أَوْ) بَدَلَ (صُلْحٍ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ إنْ قُوبِلَ بِبَعْضِهَا مَالٌ) بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ هِيَ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَنَا تَخْتَصُّ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقٍ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْآثَارِ فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا - (أَوْ بِيعَتْ) عَطْفٌ عَلَى جُعِلَتْ أَيْ لَا شُفْعَةَ فِي دَارٍ بِيعَتْ (بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ وَلَمْ يَسْقُطْ خِيَارُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ، فَإِنْ أَسْقَطَ وَجَبَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَصِيرُ سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ عِنْدَ ذَلِكَ (أَوْ) بِيعَتْ (بَيْعًا فَاسِدًا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهَا وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِاحْتِمَالِ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِسَبِيلٍ مِنْ فَسْخِهِ (وَلَمْ يَسْقُطْ فَسْخُهُ) ، فَإِنَّهَا إذَا بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا وَسَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ بِأَنْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ - (أَوْ رَدَّ) أَيْ الْمَبِيعَ (بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) مُتَعَلِّقٌ بِرَدَّ (بَعْدَمَا سُلِّمَتْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمَا فِي حُكْمِهِ كَالْعُلُوِّ) أَقُولُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْعُلُوُّ طَرِيقُهُ طَرِيقَ السُّفْلِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِالطَّرِيقِ عَلَى أَنَّهُ خَلِيطٌ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ بَانَ طَرِيقُهُ غَيْرَ طَرِيقِ السُّفْلِ يَسْتَحِقُّهَا بِالْمُجَاوَرَةِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَيَجِبُ الطَّلَبُ وَقْتَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بِيعَتْ بِخِيَارٍ) هَذَا الْخِلَافُ مَا لَوْ شُرِيَتْ بِخِيَارٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ اتِّفَاقًا ثُمَّ إذَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَزِمَ الْبَيْعُ لِعَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ وَلَا خِيَارَ لِلشَّفِيعِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَنَى فِيهَا) فِي هَذَا الْحَصْرِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا انْقِطَاعُ حَقِّ الْبَائِعِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْبِنَاءِ بَلْ يَكُونُ بِأَعَمَّ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ إخْرَاجِهَا عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا عُرِفَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ بَاعَهَا أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِأَيِّ الْبَيْعَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ أَخَذَهَا بِالثَّانِي أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ، وَإِنْ بِالْأَوَّلِ فَبِالْقِيمَةِ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ وَالْمَهْرِ نُقِضَ تَصَرُّفُهُ وَأُخِذَتْ بِالْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ رَدَّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ) عَطَفَ عَلَى أَوْ بِيعَتْ بَيْعًا فَاسِدًا. . . إلَخْ سَوَاءٌ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ أَوْ بِدُونِهِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَرُدُّ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْبَائِعِ بَلْ هُوَ فَسْخٌ مَحْضٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَرَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَيَعُودُ إلَيْهِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ) قَيَّدَ بِالْقَضَاءِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِإِسْقَاطِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِهِ فَسْخٌ مُطْلَقٌ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ كَذَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ كَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِهِ: بِقَضَاءٍ مُتَعَلِّقٌ بِرَدِّ الْمَصْدَرِ بِهِ فِي مَتْنِهِ وَكَانَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِتَعْلِيقِهِ بِرَدِّ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ لَكِنْ يَأْبَاهُ تَصْرِيحُهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي إذَا سُلِّمَتْ الشُّفْعَةُ ثُمَّ رَدَّ الْبَيْعَ بِأَحَدِ مَا ذُكِرَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ بِخِلَافِ رَدٍّ بِلَا قَضَاءٍ اهـ فَتَصْرِيحُهُ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي رَدٍّ بِلَا قَضَاءٍ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ خَطَأٌ فِي الرَّدِّ بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ فِي الرَّدِّ بِعَيْبٍ لَيْسَ شَرْطًا لِإِبْطَالِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ مُطْلَقًا بَلْ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَفِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ يَكُونُ إقَالَةً لِعَدَمِ الْقَضَاءِ بِهِ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَهُوَ الشَّفِيعُ فَلَهُ الشُّفْعَةُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا سَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ رَدَّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ نَحْوُ الرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَبِخِيَارِ الشَّرْطِ وَبِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِقَضَاءٍ لَا يَتَجَدَّدُ وَلِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ، فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ بِسَبَبٍ هُوَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ نَحْوُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَالرَّدُّ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ يَتَجَدَّدُ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ اهـ. (قَوْلُهُ: بَعْدَمَا سُلِّمَتْ. . . إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يُسَلِّمْ الشَّفِيعُ وَلَهُ الْأَخْذُ مَعَ كُلِّ فَسْخٍ وَبِدُونِ فَسْخٍ لَكِنْ فِي الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عِنْدَ إسْقَاطِهِ الْخِيَارَ كَمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ

يَعْنِي إذَا بِيعَ وَسُلِّمَتْ الشُّفْعَةُ ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ يَأْخُذُ مَا ذَكَرَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا شُفْعَةَ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لَا بَيْعٌ (بِخِلَافِ رَدٍّ بِلَا قَضَاءٍ) ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يَجِبْ فَأَخَذَهُ بِالرِّضَا صَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ (أَوْ بِإِقَالَةٍ) ، فَإِنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الثَّالِثِ وَالشَّفِيعُ ثَالِثُهُمَا - (وَتَثْبُتُ) أَيْ الشُّفْعَةُ (لِلْعَبْدِ الْمُسْتَغْرَقِ بِالدَّيْنِ) بِحَيْثُ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ (فِي مَبِيعِ سَيِّدِهِ وَلَهُ) أَيْ لِسَيِّدِهِ (فِي مَبِيعِهِ) أَيْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِلْكَ مَوْلَاهُ - . (وَ) تَثْبُتُ أَيْضًا (لِمَنْ شَرَى) سَوَاءً شَرَى أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً (أَوْ اشْتَرَى لَهُ) أَيْ لِمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَى لِأَجْلِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُوَكِّلُ شَفِيعٌ كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ وَلِلدَّارِ جَارٌ مُلَاصِقٌ، فَإِذَا بِيعَتْ الدَّارُ وَاشْتَرَاهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءً اشْتَرَى أَصَالَةً أَوْ وَكَالَةً وَكَذَا تَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ إذَا اشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ لِأَجْلِهِ وَتَثْبُتُ أَيْضًا لَلشَّرِيكِ الْآخَرِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ - (لَا) أَيْ لَا تَثْبُتُ (لِمَنْ بَاعَ) وَكِيلًا كَانَ أَوْ أَصِيلًا؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ سَعْيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ لِلْمُشْتَرِي وَسَعْيُ الْإِنْسَانِ فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ (أَوْ بِيعَ لَهُ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ بِهِ إذًا لَا تَوْكِيلُهُ لَمَا جَازَ بَيْعُهُ (أَوْ ضَمِنَ الدَّرْكَ) أَيْ مَنْ ضَمِنَ الدَّرْكَ عَنْ الْبَائِعِ وَهُوَ شَفِيعٌ لَا تَثْبُتُ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ الْبَيْعِ فَكَانَ كَالْبَيْعِ - (كَذَا) أَيْ كَمَا لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا ذَكَرَ لَا تَثْبُتُ أَيْضًا (فِيمَا بِيعَ إلَّا ذِرَاعٌ) مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا ذِرَاعًا بِالنَّصْبِ كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ (مِنْ طُولِ حَدِّ الشَّفِيعِ) أَيْ إلَّا مِقْدَارٌ عُرْضُهُ ذِرَاعٌ أَوْ شِبْرٌ أَوْ إصْبَعٌ وَطُولُهُ تَمَامُ مَا يُلَاصِقُ دَارَ الشَّفِيعِ، فَإِنَّ مَا يُلَاصِقُهَا إذَا لَمْ يُبَعْ لَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِانْقِطَاعِ الْجِوَارِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِإِسْقَاطِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ - كَذَا إذَا وُهِبَ لِلْمُشْتَرِي هَذَا الْمِقْدَارُ وَقَبَضَهُ وَلَهُ حِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ شَرَى سَهْمًا بِثَمَنٍ ثُمَّ بَاقِيهَا بِثَمَنٍ آخَرَ فَالْجَارُ شَفِيعٌ فِي الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَبِيعُ أَوَّلًا لَا فِي الثَّانِي بَلْ هُوَ فِيهِ جَارٌ (وَالْمُشْتَرِي شَرِيكٌ فِي الثَّانِي) وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ ابْتِدَاءً وَهُنَا حِيلَةٌ تُفِيدُ تَقْلِيلَ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ فِي الشُّفْعَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِأَلْفٍ اشْتَرَى سَهْمًا وَاحِدًا مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ مِنْهَا بِأَلْفٍ إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ فَالشَّفِيعُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ إلَّا الْأَوَّلَ بِثَمَنِهِ لَا الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكًا وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْجَارِ وَلَهُ حِيلَةٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ - (أَوْ شَرَى) أَيْ الدَّارَ (بِثَمَنٍ غَالٍ) كَأَلْفٍ مَثَلًا (وَدَفَعَ ثَوْبًا دَيْنًا) قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ (بِهِ) أَيْ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ (فَالشُّفْعَةُ بِالثَّمَنِ لَا الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ آخَرُ وَالثَّمَنُ هُوَ الْعِوَضُ عَنْ الدَّارِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ تَعُمُّ الشَّرِكَةَ وَالْجِوَارَ فَيَشْتَرِي الْمَنْزِلَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفٍ وَيُعْطِي عَنْ الْأَلْفِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ لَكِنَّ الْمَنْزِلَ إذَا اُسْتُحِقَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِأَلْفٍ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ الثَّانِي فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَاعَ بِالدَّرَاهِمِ الثَّمَنُ دِينَارٌ حَتَّى إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَنْزِلُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ فَيَجِبُ رَدُّ الدِّينَارِ فَقَطْ إذْ ظَهَرَ أَنَّ الْأَلْفَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ دِينَارًا بِعَشْرَةٍ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الدِّينَارَ وَلَهُ حِيلَةٌ أُخْرَى أَحْسَنُ وَأَسْهَلُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ - (أَوْ شَرَى بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ) إمَّا بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ (بِقَبْضَةِ) أَيْ مَعَ قَبْضَةِ (فُلُوسٍ أُشِيرَ إلَيْهَا وَجَهِلَ قَدْرَهَا وَضَيَّعَ الْفُلُوسَ بَعْدَ الْقَبْضِ) ، فَإِنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ حَالَ الْعَقْدِ وَمَجْهُولٌ حَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ بِإِقَالَةٍ) عَطَفَ عَلَى بِخِلَافِ رَدٍّ بِلَا قَضَاءٍ يَعْنِي فَتَجِبُ فِيهَا (قَوْلُهُ: يُبْطِلُهَا أَيْ الشُّفْعَةَ تَرْكُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا مُسْتَدْرَكٌ فَكَانَ يَنْبَغِي تَرْكُهُ كَمَا أَنَّهُ هُنَا لَمْ يَذْكُرْ تَرْكَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ مَعَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ أَيْضًا مَعَ الْقُدْرَةِ

[الحيلة لإسقاط الشفعة]

الشُّفْعَةِ وَجَهَالَةُ الثَّمَنِ تَمْنَعُ الشُّفْعَةَ - [الْحِيلَةَ لِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ] (كُرِهَ الْحِيلَةَ لِإِسْقَاطِ) الشُّفْعَةِ (الثَّابِتَةِ وِفَاقًا) بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ بَعْدَ إثْبَاتِهِ (أَنَا أَبِيعُهَا مِنْكَ بِمَا أَخَذْتُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْأَخْذِ بِهَا فَيُسَلِّمُ الشَّفِيعُ) وَلَا يَأْخُذُهَا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ لَكِنْ تُكْرَهُ (وَأَمَّا) الْحِيلَةُ (لِعَدَمِ ثُبُوتِهَا ابْتِدَاءً فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَمَلُّكِ الدَّارِ عَلَيْهِ بِلَا رِضَاهُ ضَرَرًا عَلَيْهِ وَالْحِيلَةُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ جَائِزٌ، وَإِنْ تَضَرَّرَ الْغَيْرُ فِي ضَمَنِهِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُكْرَهُ) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَفِي إبَاحَةِ الْحِيلَةِ إبْقَاءُ الضَّرَرِ (وَبِالْأَوَّلِ يُفْتَى هَاهُنَا وَبِالثَّانِي فِي الزَّكَاةِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الشُّفْعَةُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْجِوَارِ فَالْمُشْتَرِي إنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْجِيرَانُ لَا يَحِلُّ إسْقَاطُهَا، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْجَارُ وَالشَّفِيعُ مُتَغَلِّبٌ لَا يَجِبُ جِوَارُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْتَالُ فِي إسْقَاطِهَا - (يُبْطِلُهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ (تَرْكُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَوْ) تَرْكُ (الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ (قَادِرًا عَلَيْهِمَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَتْرُكَ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ حِينَ عَلِمَ بِالْبَيْعِ قَادِرًا عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ أَحَدٌ فَمَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ شُفْعَتَهُ تَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ وَهُوَ إنَّمَا يَثْبُتُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَهِيَ بِالِاقْتِدَارِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَتْرُكَ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِهَا حِين عَلِمَ بِالْبَيْعِ قَادِرًا عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَسَكَتَ وَلَمْ يُشْهِدْهُمَا عَلَى طَلَبِهِ، فَإِنَّهُ أَيْضًا دَلِيلُ إعْرَاضٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا فِي بَابِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ الْإِشْهَادُ فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضًا وَمُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا سَمِعَ بِالْبَيْعِ فِي مَكَان خَالٍ عَنْ الشُّهُودِ فَسَكَتَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَإِذَا قَالَ طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ لَا تَبْطُلُ حَتَّى إذَا حَضَرَا عِنْدَ الْقَاضِي وَقَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَلَمْ أَتْرُكْهَا وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَيَثْبُتُ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَسَيَأْتِي لِهَذَا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ عَنْ قَرِيبٍ - . (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (صُلْحُهُ) أَيْ الشَّفِيعِ (مِنْهَا) أَيْ الشُّفْعَةِ (بِعِوَضٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ (فَيَرُدُّهُ) أَيْ الْعِوَضَ لِبُطْلَانِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ بِلَا مِلْكٍ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ فَيَرُدُّهُ (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (مَوْتُ الشَّفِيعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا) أَيْ بِالشُّفْعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ حَقُّ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى إذَا مَاتَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا وَلَوْ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَقَبْضِهِ لَا تَبْطُلُ لِتَقَرُّرِهِ بِالْقَضَاءِ وَجْهُ بُطْلَانِهَا أَنَّهَا مُجَرَّدُ حَقِّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَكَيْفَ يُورَثُ عَنْهُ - (لَا) أَيْ لَا يُبْطِلُهَا مَوْتُ (الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَاقٍ فَبِمَوْتِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لَا يَتَغَيَّرُ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ. (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (بَيْعُهُ مَا يَشْفَعُ بِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا) يَعْنِي إذَا بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا بَعْدَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالشِّرَاءِ أَوْ لَا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْجِوَارِ وَالشَّرِكَةِ وَقَدْ زَالَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ - . (وَ) يُبْطِلُهَا أَيْضًا (جَعْلُهُ) أَيْ جَعْلُ مَا يَشْفَعُ بِهِ (مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا) قَالَ قَاضِي خَانْ شَرْطُ قِيَامِ مِلْكِ الشَّفِيعِ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ وَقْتُ الْقَضَاءِ فَلَوْ جَعَلَ دَارِهِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا الشُّفْعَةَ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا ثُمَّ قُضِيَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَكُنْ شَفِيعًا لِلْمَبِيعَةِ، فَإِنَّ الْمَسْجِدَ وَالْمَقْبَرَةَ وَالْوَقْفَ الْمُسَجَّلَ بِمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ) هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الطَّلَبُ فَقَطْ دُونَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ هُوَ وَكَمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ: الْإِشْهَادُ فِيهِ أَيْ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ، وَإِنَّمَا الْإِشْهَادُ لِمَخَافَةِ الْجُحُودِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ اهـ. وَكَذَا فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِأَبِي نَصْرٍ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا تَرَكَ. . . إلَخْ) الْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَيْفَ لَمْ يَنْتَبِهْ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ مِنْ تَأْوِيلِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ نَصُّهُ قَوْلُهُ: وَإِذَا تَرَكَ الشَّفِيعُ الْإِشْهَادَ حِينَ عَلِمَ يَعْنِي طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا بِذَلِكَ كَيْ لَا يَرُدَّ مَا ذَكَرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّ تَرْكَ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي شَيْءٍ لَا يُبْطِلُهُ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ مِنْ قَبْلُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ أَشْهَدَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ عَلَى الْمُطَالَبَةِ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ وَقَوْلُهُ هَاهُنَا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ اهـ كَلَامُ الْأَكْمَلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضًا وَمُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ وَهُوَ يُقَدَّرُ. . . إلَخْ) هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ لِقُوَّةِ ظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ لَوْلَا تَأْوِيلُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ الَّذِي تَقَدَّمَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بِيعَ الدَّارُ) يَعْنِي بِيعَ بَعْضُهَا بِأَنْ اشْتَرَى الشَّرِيكُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ (قَوْلُهُ وَيُبْطِلُهَا أَيْضًا بَيْعُهُ مَا يَشْفَعُ بِهِ) الْمُرَادُ بَيْعٌ لَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بَاتًّا أَوْ فِيهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: وَجَعَلَهُ مَسْجِدًا أَوْ مَقْبَرَةً) تَقَدَّمَ بِمَاذَا يَصِيرَانِ بِهِ مَا ذَكَرَ (قَوْلُهُ: أَوْ وَقْفًا مُسَجَّلًا) يَنْبَغِي عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْوَقْفِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ أَنْ تَسْقُطَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَجِّلْ

الزَّائِلِ عَنْ مِلْكِهِ - (قَالَ الشَّفِيعُ طَلَبْتُ حِينَ عَلِمْتُ فَالْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ) قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ إمَّا بِأَنْ يَقُولَ لِلشَّفِيعِ تَرَكْتَ الطَّلَبَ لِيَكُونَ فِي صُورَةِ الْإِثْبَاتِ أَوْ يَقُولَ مَا طَلَبْتَ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا ظَاهِرًا لَكِنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْإِثْبَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ وَأَلَّا يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ أَوْ طَلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى تَرْكِهِ وَأَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى طَلَبِهِ تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا بَيِّنَةٌ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَمْ يُكَلَّفْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلِمْتُ أَمْسِ وَطَلَبْتُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يَسْمَعُ يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِلَا إشْهَادٍ إنَّمَا الْإِشْهَادُ لِئَلَّا يُنْكِرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ حَتَّى إذَا حَلَّفَهُ الْمُشْتَرِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ طَلَبَ كَمَا سَمِعَ فَظَهَرَ أَنَّ الْحُكْمَ هَاهُنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ حُكِمَ بِهَا وَإِلَّا، فَإِنْ أَقَامَهَا الشَّفِيعُ حُكِمَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ حَلَفَ الشَّفِيعُ فَحُكِمَ بِالشُّفْعَةِ - (وَلَوْ قَالَ عَلِمْتُ أَمْسِ وَطَلَبْتُ كُلِّفَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ) وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَبَ إلَى وَقْتٍ مَاضٍ فَقَدْ حَكَى مَا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ وَمَنْ حَكَى مَا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ لَا يُصَدَّقُ فِيمَا حَكَى بِلَا بَيِّنَةٍ وَإِذَا لَمْ يُضِفْ الطَّلَبَ إلَى وَقْتٍ مَاضٍ بَلْ أُطْلِقَ الْكَلَامُ إطْلَاقًا فَقَدْ حَكَى مَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ كَأَنَّهُ عَلِمَ بِالشِّرَاءِ الْآنَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ الْآنَ فَلِذَا جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا - (سَمِعَ) أَيْ الشَّفِيعُ (شِرَاءَكَ فَسَلَّمَهَا) أَيْ الشُّفْعَةَ (فَظَهَرَ شِرَاءُ غَيْرِكَ أَوْ) سَمِعَ (بَيْعَهُ بِأَلْفٍ فَسَلَّمَ وَكَانَ بِأَقَلَّ أَوْ بِكَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهِيَ لَهُ) أَيْ الشُّفْعَةُ تَكُونُ لِلشَّفِيعِ وَلَا يَكُونُ تَسْلِيمُهُ مَانِعًا (وَبِعَرَضٍ كَذَلِكَ) أَيْ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرَضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ (لَا) أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْغَرَضَ فِي الشُّفْعَةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَدْرِ الثَّمَنِ وَجِنْسِهِ وَالْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَلَّمَ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافَهُ بَقِيَتْ الشُّفْعَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَمْ يُوجَدْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ أَنَّ الدَّارَ بِيعَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَسَلَّمَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَكْثَرَ فَالتَّسْلِيمُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَلَّمَ لِاسْتِكْثَارِ الثَّمَنِ، فَإِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ أَرْضَى بِالتَّسْلِيمِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِأَقَلَّ أَوْ بِحِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ قِيمَتُهُمَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ عِنْدَ كَثْرَةِ الثَّمَنِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَسْلِيمِهِ عِنْدَ الْقِلَّةِ وَكَذَا تَسْلِيمُهُ فِي أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا فِي الْآخَرِ فَرُبَّمَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ أَدَاءُ أَحَدِهِمَا وَيَتَعَذَّرُ الْآخَرُ وَكَذَا كُلُّ مَوْزُونٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ عَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا بِيعَتْ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ، فَإِنَّهُ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ بِقِيمَتِهِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَلَوْ أَنَّهَا بِيعَتْ بِدَنَانِيرَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ صَحَّ التَّسْلِيمُ وَكَذَا هَذَا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ - (يَشْفَعُ عَلَى حِصَّةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِينَ لَا) حِصَّةِ (أَحَدِ الْبَاعَةِ بَلْ أَخَذَ الْكُلَّ أَوْ تَرَكَ) يَعْنِي اشْتَرَى جَمَاعَةٌ مِنْ وَاحِدٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ بَاعَ جَمَاعَةٌ مِنْ وَاحِدٍ لَا يَأْخُذُ حِصَّةَ أَحَدِ الْبَاعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ دَفْعَ ضَرَرِ الْجَارِ لَا الثَّانِي - . (وَ) يَشْفَعُ أَيْضًا (نِصْفًا مُفْرَزًا بِيعَ مُشَاعًا مِنْ دَارٍ فَقَسَمَا) يَعْنِي اشْتَرَى رَجُلٌ نِصْفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَمَّا بِأَنْ يَقُولَ لِلشَّفِيعِ تَرَكْت الطَّلَبَ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ لَهُ أَنْتَ قُلْت تَرَكْت الطَّلَبَ وَتَشْهَدُ بِهِ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ: يَشْفَعُ عَلَى حِصَّةِ أَحَدِ الْمُشْتَرِينَ) أَقُولُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ لَا يَأْخُذُ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ إذَا نَقَدَ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْقُدَ الْجَمِيعَ سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا أَوْ لِلْكُلِّ جُمْلَةً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ دَفْعَ ضَرَرِ الْجَارِ لَا الثَّانِي) أَقُولُ الْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ بِأَخْذِهِ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ قَامَ مَقَامَهُ فَلَا تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ عَلَى أَحَدٍ وَفِي الثَّانِي تَفْرِيقُهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ وَبِعَيْبِ الشَّرِكَةِ زِيَادَةُ ضَرَرٍ وَهِيَ شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّفِيعِ فَلَا تُشْرَعُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي ضَرَرًا زَائِدًا سِوَى الْأَخْذِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعَ) أَقُولُ وَيَأْخُذُهُ فِي أَيِّ جَانِبٍ كَانَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ إذَا وَقَعَ فِي جَانِبِ الدَّارِ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى جَارًا فِيمَا يَقَعُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ

[كتاب الهبة]

دَارٍ فَقَاسَمَ الْبَائِعُ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ الَّذِي صَارَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ فِي الشَّائِعِ إلَّا بِالْقِسْمَةِ - (صَحَّ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ تَسْلِيمُهَا) أَيْ الشُّفْعَةِ (عَلَى الصَّغِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ لِلتِّجَارَةِ فَصَحَّ مِمَّنْ يَمْلِكُ التِّجَارَةَ (كَذَا إذَا بَلَغَهُمَا شِرَاءُ دَارٍ بِجِوَارِ الصَّبِيِّ فَسَكَتَا) ، فَإِنَّ السُّكُوتَ عَنْ الطَّلَبِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ - (الْوَكِيلُ بِطَلَبِهَا إذَا سَلَّمَ أَوْ أَقَرَّ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِتَسْلِيمِهِ) الشُّفْعَةَ (صَحَّ لَوْ) كَانَ التَّسْلِيمُ أَوْ الْإِقْرَارُ (عِنْدَ الْقَاضِي) ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا [كِتَابُ الْهِبَةِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْبَيْعِ الَّذِي هُوَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِعِوَضٍ وَمَا يَتْبَعُهُ عَنْ الشُّفْعَةِ شَرَعَ فِي الْهِبَةِ الَّتِي هِيَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ فَقَالَ (هِيَ) لُغَةً تَبَرُّعٌ وَتَفَضُّلٌ بِمَا يَنْتَفِعُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] وَشَرْعًا (تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ) أَيْ بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ لَا أَنَّ عَدَمَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِيهِ لِيُنْتَقَضَ بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَتَدَبَّرْ - (وَتَصِحُّ بِإِيجَابٍ كَوَهَبْتُ) ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا (وَنَحَلْتُ) أَيْضًا كَذَلِكَ يُقَالُ نَحَلَهُ كَذَا أَيْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ بِلَا عِوَضٍ (وَأَعْطَيْتُ وَأَطْعَمْتُكَ هَذَا الطَّعَامَ فَاقْبِضْهُ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْإِطْعَامُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَطْعَمْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ حَيْثُ تَكُونُ عَارِيَّةً؛ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُطْعَمُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: إضَافَةُ الطَّعَامِ إلَى مَا يُطْعَمُ عَيْنُهُ يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ وَالْإِبَاحَةَ، فَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، فَإِذَا قَالَ اقْبِضْهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْلِيكُ وَلِهَذَا زِيدَ هَاهُنَا قَوْلُهُ فَاقْبِضْهُ (وَجَعَلْتُ هَذَا لَكَ) ، فَإِنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ (وَأَعْمَرْتُكَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهُوَ لِلْمُعْمَرِ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ» وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ - (وَجَعَلْتُهُ لَكَ عُمْرَى وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ لَوْ نَوَى) أَيْ نَوَى بِالْحَمْلِ الْهِبَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهَا فَيَحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْهِبَةُ يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى الْفَرَسِ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ (وَكَسَوْتُهُ) يَعْنِي هَذَا الثَّوْبَ، فَإِنَّ الْكِسْوَةَ يُرَادُ بِهَا التَّمْلِيكُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] (وَدَارِي لَك) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (هِبَةً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الظَّرْفِ وَاللَّامُ فِي لَكَ لِلتَّمْلِيكِ (تَسْكُنُهَا) هَذَا لَا يُنَافِي فِي الْهِبَةِ بَلْ تَنْبِيهٌ عَلَى الْمَقْصُودِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذَا الطَّعَامُ لَكَ تَأْكُلُهُ وَهَذَا الثَّوْبُ لَكَ تَلْبَسُهُ (لَا فِي) دَارِي لَكَ (هِبَةٍ سُكْنَى) ، فَإِنَّ قَوْلَهُ سُكْنَى تَمْيِيزٌ فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهُ فَتَكُونُ عَارِيَّةً لَا هِبَةً (أَوْ عَكْسُهُ) وَهُوَ دَارِي لَك سُكْنَى هِبَةً، فَإِنَّ مَعْنَاهُ دَارِي لَك بِطَرِيقِ السُّكْنَى حَالَ كَوْنِ السُّكْنَى هِبَةً فَتَكُونُ عَارِيَّةً لَا هِبَةً (أَوْ) دَارِي لَك (نُحْلَى سُكْنَى) ، فَإِنَّ تَقْدِيرَهُ نَحَلْتهَا نُحْلَى وَقَوْلُهُ سُكْنَى تَمْيِيزٌ. (أَوْ) دَارِي لَك (سُكْنَى صَدَقَةً) أَيْ بِطَرِيقِ السُّكْنَى حَالَ كَوْنِ السُّكْنَى صَدَقَةً (أَوْ) دَارِي لَك (صَدَقَةٌ عَارِيَّةٌ) أَيْ حَالَ كَوْنِهَا صَدَقَةً بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ فَعَارِيَّةً تَمْيِيزٌ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ (أَوْ) دَارِي لَك (عَارِيَّةٌ هِبَةً) أَيْ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ حَالَ كَوْنِ مَنَافِعِهَا هِبَةً لَك، فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَدُلُّ عَلَى الْعَارِيَّةِ لَا الْهِبَةِ (وَقَبُولٌ) عَطْفٌ عَلَى إيجَابُ، فَإِنَّهَا كَالْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْقِسْمَةَ) هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَاسَمَ الْمُشْتَرِي الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَبِعْ حَيْثُ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ لِعَدَمِ وُقُوعِ الْعَقْدِ مِمَّنْ قَاسَمَ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ: صَحَّ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ تَسْلِيمُهَا. . . إلَخْ) هَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، وَإِنْ بِيعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ قِيلَ جَازَ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ التَّسْلِيمُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي الْبُرْهَانِ وَهَذَا إذَا بِيعَتْ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا، فَإِنْ بِيعَتْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ قِيلَ يَجُوزُ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ تَمَحُّضٌ نَظَرًا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَخْذَ فَلَا يَمْلِكُ التَّسْلِيمَ كَالْأَجْنَبِيِّ. اهـ. (كِتَابُ الْهِبَةِ) (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهَا. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُرَادِ الثَّانِي مِنْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْحَمْلَ يُرَادُ بِهِ الْعَارِيَّةُ وَالْهِبَةُ، فَإِذَا نَوَى الْهِبَةَ اُعْتُبِرَتْ إذَا لَمْ يَنْوِ يُحْمَلُ عَلَى أَدْنَاهُمَا وَهُوَ الْعَارِيَّةُ [مَا تَصِحّ بِهِ الْهِبَة] (قَوْلُهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} [المائدة: 89] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّمْلِيكِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَأَتَّى بِالْمَنَافِعِ فَكَانَ تَمْلِيكُ الذَّاتِ مُرَادًا (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ تَفْسِيرًا لِمَا قَبْلَهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ دَارِي لَك هِبَةٌ (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ عَارِيَّةً) أَقُولُ: لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ فِيهَا وَالْهِبَةُ تَحْتَمِلُهَا وَتَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ فَيُحْمَلُ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْمُحْكَمِ

لَا تَصِحُّ إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. (وَتَتِمُّ) عَطْفٌ عَلَى تَصِحُّ (بِالْقَبْضِ) قَالَ الْإِمَامُ حَمِيدُ الدِّينِ رُكْنُ الْهِبَةِ الْإِيجَابُ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فَيَتِمُّ مِنْ جِهَةِ الْمُتَبَرِّعِ أَمَّا فِي حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ ثُمَّ لَا يَنْفُذُ مِلْكُهُ فِيهِ إلَّا بِالْقَبْضِ (الْكَامِلِ) الْمُمْكِنِ فِي الْمَوْهُوبِ وَالْقَبْضُ الْكَامِلُ فِي الْمَنْقُولِ مَا يُنَاسِبُهُ وَفِي الْعَقَارِ مَا يُنَاسِبُهُ فَقَبْضُ مِفْتَاحِ الدَّارِ قَبْضٌ لَهَا وَالْقَبْضُ الْكَامِلُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْقِسْمَةِ حَتَّى يَقَعَ الْقَبْضُ عَلَى الْمَوْهُوبِ بِالْأَصَالَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بِتَبَعِيَّةِ قَبْضِ الْكُلِّ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِتَبَعِيَّةِ الْكُلِّ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (شَاغِلًا لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولًا بِهِ فَتَتِمُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ الْكَامِلِ (بِالْقَبْضِ فِي مَجْلِسِهَا) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ الْوَاهِبِ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (بِهِ) أَيْ بِإِذْنِهِ - (وَلَوْ نَهَاهُ) أَيْ نَهَى الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَنْ الْقَبْضِ (لَمْ يَصِحَّ) الْقَبْضُ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلدَّلَالَةِ بِمُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ (فِي مَحُوزٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُفْرَغًا عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَحَقِّهِ وَاحْتِرَازٌ عَنْ هِبَةِ التَّمْرِ عَلَى النَّخْلِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي - (مَقْسُومٍ) أَيْ تَعَلَّقَ بِهِ الْقِسْمَةُ وَلَمْ يَبْقَ مَشَاعًا (وَمَشَاعٌ لَا يُقْسَمُ) أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْسَمَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَصْلًا كَعَبْدٍ وَاحِدٍ وَدَابَّةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَا يَبْقَى مُنْتَفَعًا بِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ جِنْسِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ وَالثَّوْبِ الصَّغِيرِ (لَا) أَيْ لَا تَتِمُّ بِالْقَبْضِ (فِيمَا) أَيْ مَشَاعٍ (يُقْسَمُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ الْقِسْمَةُ كَالْأَرْضِ وَالثَّوْبِ الْمَذْرُوعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ (لِشَرِيكِهِ) أَيْ لِشَرِيكِ الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْكَامِلَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ (فَإِنْ قَسَمَهُ) أَيْ أَفْرَزَ الْجُزْءَ الْمَوْهُوبَ الْمَشَاعَ (وَسَلَّمَهُ) أَيْ الْمَوْهُوبَ لَهُ (تَمَّتْ) الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ تَمَامَهَا بِالْقَبْضِ وَعِنْدَهُ لَا شُيُوعَ فِيهِ وَلَوْ سَلَّمَهُ شَائِعًا لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْوَاهِبِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ كَلَبَنٍ فِي ضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى غَنَمٍ وَزَرْعٍ وَنَخْلٍ فِي أَرْضٍ وَتَمْرٍ عَلَى نَخْلٍ هَذِهِ نَظَائِرُ الْمَشَاعِ لَا أَمْثِلَتُهَا إذْ لَا شُيُوعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَكِنَّهَا فِي حُكْمِ الْمَشَاعِ حَتَّى إذَا فُصِلَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَسُلِّمَتْ صَحَّ هِبَتُهَا كَمَا فِي الْمَشَاعِ (بِخِلَافِ دَقِيقٍ فِي بُرٍّ وَدُهْنٍ فِي سِمْسِمٍ وَسَمْنٍ فِي لَبَنٍ حَيْثُ لَا يَصِحُّ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ أَفْرَزَهَا وَسَلَّمَهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ وَسِرُّهُ أَنَّ الْحِنْطَةَ اسْتَحَالَتْ وَصَارَتْ دَقِيقًا وَكَذَا غَيْرُهَا وَبَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ هُوَ عَيْنٌ آخَرُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْغَصْبِ بِخِلَافِ الْمَشَاعِ، فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لِلْمِلْكِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ جَازَ - (وَتَتِمُّ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَتَتِمُّ بِالْقَبْضِ وَتَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ شَاغِلًا لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولًا بِهِ (فِي مَتَاعٍ فِي دَارِهِ وَطَعَامٍ فِي جِرَابِهِ إذَا سَلَّمَهُمَا بِمَا فِيهِمَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ مَتَاعًا فِي دَارِهِ أَوْ طَعَامًا فِي جِرَابِهِ وَسَلَّمَهُمَا أَيْ الدَّارَ وَالْجِرَابَ بِمَا فِيهِمَا صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الْمَتَاعِ وَالطَّعَامِ وَلَوْ وَهَبَ دَارًا وَفِيهَا مَتَاعُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الْكُلَّ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ وَهَبَ جِرَابًا وَفِيهِ طَعَامُ الْوَاهِبِ وَسَلَّمَ الْجِرَابَ لَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَوْهُوبَ مَتَى كَانَ مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ وَمَتَى كَانَ شَاغِلًا لَا يَمْتَنِعُ التَّسْلِيمُ فَتَصِحُّ الْهِبَةُ فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَوْهُوبُ شَاغِلٌ لَا مَشْغُولٌ وَفِي الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بِتَبَعِيَّةِ قَبْضِ الْكُلِّ) أَقُولُ يَعْنِي أَنَّ قَبْضَ بَعْضِ مَا يُقْسَمُ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ لَا يُفْسِدُ الْمِلْكَ حَتَّى لَوْ وَهَبَ نِصْفَ دَارٍ غَيْرَ مَقْسُومٍ وَدَفَعَ الدَّارَ إلَيْهِ فَبَاعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَا وُهِبَ لَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ هِبَةً لَمْ يَقْبِضْهَا (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ) أَقُولُ وَقَالَ عُقْبَةُ ذَكَرَ عِصَامٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا تُفِيدُ الْمِلْكَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَسَيَأْتِي أَنَّ الْهِبَةَ الْفَاسِدَةَ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى (قَوْلُهُ: وَتَتِمُّ فِي مَتَاعٍ فِي دَارِهِ وَطَعَامٍ فِي جِرَابِهِ إذَا سَلَّمَهُمَا بِمَا فِيهِمَا) هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَوْهُوبَ دُونَ مَا هُوَ فِيهِ يَصِحُّ أَيْضًا كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمَوْهُوبُ شَاغِلٌ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ شَاغِلًا فَحَذَفَ كَانَ وَاسْمَهَا وَأَبْقَى خَبَرَهَا وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ عَلَى قِلَّةٍ لَا يَصِحُّ هُنَا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ لَا مَشْغُولٌ

الْمَوْهُوبُ مَشْغُولٌ بِمِلْكِ الْوَاهِبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ يَشْغَلُ الظَّرْفَ، وَأَمَّا الظَّرْفُ فَلَا يَشْغَلُ الْمَظْرُوفَ - (إلَّا إذَا وَهَبَ الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ أَيْضًا فَقَبَضَ الْكُلَّ بِإِذْنِهِ تَصِحُّ فِي الْكُلِّ) يَعْنِي لَوْ وَهَبَ الدَّارَ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ الْمَتَاعَ أَوْ وَهَبَ الْجِرَابَ وَلَمْ يُسَلِّمْ حَتَّى وَهَبَ الطَّعَامَ وَسَلَّمَ الْكُلَّ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْكُلَّ جُمْلَةً صَارَ كَأَنَّهُ وَهَبَ الْكُلَّ جُمْلَةً بِخِلَافِ مَا إذَا تَفَرَّقَ التَّسْلِيمُ، وَإِنَّمَا قَالَ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْقَبْضِ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ أَفْسَدَ مِلْكَ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْكَافِي - (وَيَنُوبُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ مَنَابَ الْقَبُولِ) يَعْنِي إذَا صَدَرَ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَاهِبِ فَقَبِلَ قَبُولَ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعَقْدَ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبَ بِإِذْنِهِ صَحَّتْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ دَلِيلُ الْقَبُولِ (ثُمَّ إنَّ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ هَلْ يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمَوْهُوبِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ) حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ هِيَ قَبْضٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي صَحِيحِهَا) أَيْ الْهِبَةِ (بِالتَّخْلِيَةِ لَا فَاسِدِهَا) كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ - (وَهَبَ دَارًا بِمَتَاعِهَا وَسَلَّمَهَا فَاسْتَحَقَّ الْمَتَاعَ صَحَّتْ فِي الدَّارِ) إذْ بِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّ يَدَهُ فِي الْمَتَاعِ كَانَتْ يَدَ غَصْبٍ وَصَارَ كَمَا لَوْ غَصَبَ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ أَوْ أَوْدَعَهُ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ ثُمَّ وَهَبَ لَهُ الدَّارَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ - (وَلَوْ وَهَبَ أَرْضًا وَزَرْعَهَا وَسَلَّمَهَا فَاسْتَحَقَّ الزَّرْعَ بَطَلَتْ) الْهِبَةُ (فِي الْأَرْضِ) ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ مَعَ الْأَرْضِ بِحُكْمِ الِاتِّصَالِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ أَحَدُهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَتَبْطُلُ الْهِبَةُ فِي الْبَاقِي كَذَا فِي الْكَافِي قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُفْسِدُ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارِنُ لَا الشُّيُوعُ الطَّارِئُ كَمَا إذَا وَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْبَعْضِ الشَّائِعِ أَوْ اسْتَحَقَّ الْبَعْضَ الشَّائِعَ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَإِنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ مُفْسِدٌ. وَفِي الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يُفْسِدُ الْهِبَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِ الْهِبَةِ شَائِعًا أَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَيُفْسِدُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ فِي هِبَةِ الْمُحِيطِ أَقُولُ: عَدُّهُ صُوَرَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَمْثِلَةِ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْكَافِي وَالْفُصُولَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إذَا ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ الْهِبَةِ فَيَكُونُ مُقَارِنًا لَهَا لَا طَارِئًا عَلَيْهَا - (الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ (وَيَلِي الْقَرِيبُ الرُّجُوعَ فِيهَا) أَيْ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ يَعْنِي إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ فِيهَا هَلْ يَثْبُتُ وَلَايَةُ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَفَرَّقْت بَيْنَ الْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَأَفْتَيْت بِالرُّجُوعِ وَقَالَ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ وَالْإِمَامُ عِمَادُ الدِّينِ: هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إلَّا إذَا وَهَبَ الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ فَقَبَضَ الْكُلَّ) أَقُولُ الْحَصْرُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَرَغَ الْمَوْهُوبُ عَنْ مِلْكِهِ وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَلَكَهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا ذُكِرَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هِبَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَنَظَائِرِهِ (قَوْلُهُ: إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ بِإِذْنِهِ) يُخَالِفُ مَا قَدَّمَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ صَرِيحًا فِي مَجْلِسِ الْهِبَةِ فَمَتْنُهُ الْمُطْلَقُ أَحْسَنُ (قَوْلُهُ يَصِحُّ فِي صَحِيحِهَا بِالتَّخْلِيَةِ) أَقُولُ التَّخْلِيَةُ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ بِقَوْلِ اقْبِضْهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ) أَقُولُ فَهِيَ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ لَكِنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ بِهَلَاكِهَا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَنَذْكُرُهُ أَيْضًا عَنْ الْعُدَّةِ وَأَقُولُ فِي إطْلَاقِ ضَمَانِ الْفَاسِدَةِ بِهَلَاكِهَا تَأَمُّلٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ قَابِضٌ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِ الْهِبَةِ حِينَئِذٍ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ هِبَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَسْلِيطِ الْمَالِكِ الْمَوْهُوبَ لَهُ عَلَى قَبْضِهَا وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ بَلْ وَعَلَى إطْلَاقِهَا بِلَا بَدَلٍ فَلَا يُحْكَمُ بِالضَّمَانِ بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ وَالتَّلَفِ فِي يَدِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتْلَفَهَا بِصُنْعِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ أَذِنَ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْفُصُولَيْنِ) وَنَصُّهُ وَفِي فَوَائِدِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ هَلْ يَثْبُتُ وَلَايَةُ الرُّجُوعِ لِلْوَاهِبِ فِيمَا إذَا وَهَبَ هِبَةً فَاسِدَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ قَالَ أَيْ ذَلِكَ الْبَعْضِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت وَقَدْ ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ قَبْلَ هَذَا مُوَافَقَتَهُ بِقَوْلِهِ مِنْهَا أَيْ صُوَرُ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ إذَا وَهَبَ لِاثْنَيْنِ شَيْئًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَإِذَا قَبَضَاهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَقَالَ بِهِ يُفْتَى اهـ. ثُمَّ قَالَ الْعِمَادِيُّ عَقِبَهُ وَذَكَرَ فِي الْعُدَّةِ الْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ مَضْمُونَةٌ بِالْقَبْضِ أَمَّا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِالْقَبْضِ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. (قُلْت) فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذِكْرُ التَّصْحِيحَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ. . . إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلِأَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ لَا يَكُونُ مُتَّجَهًا إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْمِلْكِ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَكُونُ مَالِكًا وَضَامِنًا فَمَا ذَكَرَ مِنْ اسْتِقَامَةِ الْجَوَابِ فِيهِ تَظْهَرُ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِهِ إنَّ الْمُفْتَى بِهِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِيمَا وُهِبَ لَهُ هِبَةً فَاسِدَةً

تَقَرُّرٍ، فَإِذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بَعْدَ الْهَلَاكِ كَانَ مُسْتَحِقَّ الرَّدِّ (قَبْلَ الْهَلَاكِ فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ وَالِاسْتِرْدَادَ) - (قَالَ وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الْغِرَارَةَ الْحِنْطَةَ أَوْ الزِّقَّ السَّمْنَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالسَّمْنِ فَقَطْ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَاغِلٌ لِمِلْكِ الْوَاهِبِ لَا مَشْغُولٌ بِهِ (وَهَبَتْ دَارَهَا لِزَوْجِهَا وَهُمَا بِمَتَاعِهِمَا سَاكِنَانِ فِيهَا جَازَتْ) الْهِبَةُ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ قَابِضًا لِلدَّارِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَتَاعَهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ فَصَحَّ التَّسْلِيمُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (وَهَبَ ثِيَابًا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ وَدَفَعَهُ) أَيْ الصُّنْدُوقَ (لَا يَكُونُ قَبْضًا) فَلَا تَتِمُّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا صَحَّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَا انْتِفَاعَ مَعَ الْقَفْلِ (وَتَمَّ هِبَةُ مَا مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ أَمَانَةً مَلَكَهَا بِالْهِبَةِ وَالْقَبُولِ، وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدْ فِيهَا قَبْضًا؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي بَابِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَصْلُ الْقَبْضِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هَاهُنَا فَنَابَ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ أَوْ نَحْوَهَا مِمَّنْ فِي يَدِهِ يَحْتَاجُ إلَى قَبْضٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي قَبْضًا مَضْمُونًا وَقَبْضُ الْمُودَعِ قَبْضُ أَمَانَةٍ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَبْضَيْنِ إذَا تَجَانَسَا نَابَ أَحَدُهُمَا مَنَابَ الْآخَرِ لِاتِّحَادِهِمَا جِنْسًا، وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْأَقْوَى عَنْ الْأَضْعَفِ بِلَا عَكْسٍ؛ لِأَنَّ فِي الْأَقْوَى مِثْلَ الْأَدْنَى وَزِيَادَةً وَلَيْسَ فِي الْأَدْنَى مَا فِي الْأَقْوَى - . (وَ) تَمَّ أَيْضًا (مَا وَهَبَ) أَيْ الْأَبُ (لِطِفْلِهِ بِالْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي قَبْضِ الْأَبِ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً أَوْ يَدِ مُودَعِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِعَدَمِ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ (إذَا كَانَ) أَيْ الْمَوْهُوبُ (مَعْلُومًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ وَكُلُّ شَيْءٍ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْلُومٌ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْقَبْضُ فِيهِ بِإِعْلَامِ مَا وَهَبَهُ لَهُ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَالْإِشْهَادُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْهِبَةُ تَتِمُّ بِالْإِعْلَامِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْإِشْهَادَ احْتِيَاطًا لِلتَّحَرُّزِ عَنْ جُحُودِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَنْ جُحُودِهِ بَعْدَ إدْرَاكِ الْوَلَدِ - . (وَ) تَمَّ أَيْضًا (مَا وَهَبَ أَجْنَبِيٌّ لَهُ) أَيْ لِلطِّفْلِ (بِقَبْضِهِ) أَيْ الطِّفْلِ (عَاقِلًا) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَنَافِعِ الْمَحْضِ مُلْحَقٌ بِالْبَالِغِ (أَوْ قَبْضِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ وَصِيِّ أَحَدِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُمَا - (أَوْ) قَبْضِ (أُمٍّ هُوَ) أَيْ الطِّفْلُ (مَعَهَا أَوْ) قَبْضِ (أَجْنَبِيٍّ يُرَبِّيهِ وَهُوَ) أَيْ الطِّفْلُ (مَعَهُ أَوْ) قَبْضِ (زَوْجِهَا لَهَا) أَيْ لِلصَّغِيرَةِ لَكِنْ (بَعْدَ الزِّفَافِ) ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حِفْظِهَا وَقَبْضِ الْهِبَةِ لَهَا وَلَوْ قَبَضَ الْأَبُ أَيْضًا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْوَلَايَةُ لَهُ وَوَلَايَةُ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَبْت لَك هَذِهِ الْغِرَارَةَ الْحِنْطَةَ وَالزِّقَّ السَّمْنَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا أَحَالَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهَبْتُ لَكَ هَذَا الزِّقَّ مُتَنَاوِلًا لِلظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ صَارَتْ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا تَقَدَّمَ نَصَّ عَلَى الْمَظْرُوفِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَتَمَّ هِبَةُ مَا مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا قَبْضٍ جَدِيدٍ) ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرًا لَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ بِطَرِيقِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ لِكَوْنِ يَدِهِ يَدَ الْمَالِكِ نِيَابَةً عَنْهُ فِي الْحِفْظِ فَكَيْفَ يَنُوبُ هَذَا الْقَبْضُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ قُلْنَا يَدُ الْمَالِكِ حُكْمِيَّةٌ وَالْقَابِضُ حَقِيقَةٌ فَبِاعْتِبَارِهَا نَزَلَ قَابِضًا لِإِقَامَةِ يَدِهِ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا مَا دَامَ عَامِلًا لَهُ وَبَعْدَ الْهِبَةِ لَيْسَ بِعَامِلٍ لَهُ فَتُعْتَبَرُ الْحَقِيقَةُ (قَوْلُهُ أَوْ أَمَانَةً) يَعْنِي كَالْمُسْتَأْجَرَةِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يُوفِ بِمَا يَشْمَلُهُ الْمَتْنُ مِنْ الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ كَالْغَصْبِ وَالرَّهْنِ لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَ خِلَافَ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ كَمَسْأَلَةِ الْهِبَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ احْتَاجَ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْهِبَةِ أَعَمَّ لِشُمُولِهَا الْعَيْنَ الْمَضْمُونَةَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَصْلِ يُشِيرُ إلَى هَذَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ) أَقُولُ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ وَلَعَلَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مَعْلُومًا) أَقُولُ وَلَوْ دَارًا يَسْكُنُهَا الْأَبُ وَمَتَاعُهُ فِيهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَوْ يَسْكُنُهَا غَيْرُهُ بِلَا أُجْرَةٍ وَالْأُمُّ كَالْأَبِ لَوْ مَيِّتًا وَالِابْنُ فِي يَدِهَا وَلَيْسَ لَهُ وَصِيٌّ وَكَذَا مَنْ يَعُولُهُ وَالصَّدَقَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْهِبَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَهَبَتْ دَارَهَا مِنْ زَوْجِهَا وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِيهَا مَعَ الزَّوْجِ جَازَ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قُلْت: لِأَنَّهَا وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ فَلَمْ تَكُنْ يَدُهَا مَانِعَةً مِنْ قَبْضِهِ اهـ لَكِنْ نُقِلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَهَبَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَأَنْ تَهَبَ لِزَوْجِهَا أَوْ الْأَجْنَبِيِّ دَارًا وَهُمَا سَاكِنَانِ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَاهِبِ ثَابِتَةٌ عَلَى الدَّارِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَمَّ مَا وَهَبَ أَجْنَبِيٌّ لَهُ) أَيْ لِلطِّفْلِ بِقَبْضِهِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ إلَّا إذَا وَهَبَ لَهُ أَعْمَى لَا نَفْعَ لَهُ وَتَلْحَقُهُ مُؤْنَتُهُ، فَإِنَّ قَبُولَهُ بَاطِلٌ وَيُرَدُّ إلَى الْوَاهِبِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَبَضَ زَوْجُهَا لَهَا أَيْ الصَّغِيرَةِ) أَقُولُ لَا يَخْفَى عَدَمُ مَعْرِفَةِ قَيْدِ الصِّغَرِ مِنْ الْمَتْنِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقَامُ فِي الْهِبَةِ لِلصَّغِيرِ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَكِنْ بَعْدَ الزِّفَافِ) أَقُولُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

[باب الرجوع في الهبة]

مِنْهُ - (وَلَمْ يَجُزْ هِبَةُ الْحَمْلِ) لِكَوْنِهِ وَصْفًا لِلْأَمَةِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا بِمَنْزِلَةِ أَطْرَافِهَا (وَلَا لَهُ) أَيْ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ لِلْحَمْلِ، وَإِنْ جَازَ الْإِقْرَارُ لَهُ إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْإِقْرَارِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - (صَحَّ هِبَةُ اثْنَيْنِ دَارَ الْوَاحِدِ) ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَاهَا جُمْلَةً وَهُوَ قَدْ قَبَضَهَا بِلَا شُيُوعٍ (وَعَكْسُهُ) وَهُوَ هِبَةُ وَاحِدٍ لِاثْنَيْنِ (لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا هِبَةُ النِّصْفِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ الشُّيُوعُ (كَتَصَدُّقِ عَشْرَةٍ عَلَى غَنِيَّيْنِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْغَنِيِّ هِبَةٌ فَلَا تَجُوزُ لِلشُّيُوعِ (وَصَحَّ هُوَ) أَيْ تَصَدُّقُ الْعَشَرَةِ (وَهِبَتُهَا عَلَى فَقِيرَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْفَقِيرِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ وَاحِدٌ وَالْفَقِيرُ نَائِبٌ عَنْهُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ - (وَهَبَ نِصْفَ الدَّارِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْبَاقِي لَمْ تَجُزْ وَلَوْ وَهَبَهُ) أَيْ الْبَاقِيَ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) وَسَلَّمَ الْكُلَّ جُمْلَةً (صَحَّتْ فِي الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ الْكُلَّ جُمْلَةً صَارَ كَأَنَّهُ وَهَبَ الْكُلَّ جُمْلَةً بِخِلَافِ مَا إذَا تَفَرَّقَ التَّسْلِيمُ (هِبَةُ دَارٍ مُشْتَرَاةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْهِبَةِ (تَجُوزُ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى دَارًا فَقَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا وَهَبَهَا لِآخَرَ جَازَتْ الْهِبَةُ لِمَا عَرَفْت أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ (كَذَا) أَيْ يَجُوزُ - (هِبَةُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ لِرَجُلَيْنِ) ؛ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَشَاعٍ لَا يُقْسَمُ، وَإِنَّمَا قَالَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَغْشُوشَ فِي حُكْمِ الْعُرُوضِ كَمَا عَرَفْت فَيَكُونُ مِمَّا يُقْسَمُ فَلَا يَصِحُّ هِبَتُهُ لِرَجُلَيْنِ لِلشُّيُوعِ (مَعَهُ دِرْهَمَانِ قَالَ لِرَجُلٍ وَهَبْتُ لَكَ دِرْهَمًا مِنْهُمَا إنْ اسْتَوَيَا) أَيْ قَدْرًا (لَمْ تَجُزْ وَإِلَّا جَازَتْ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهِبَةَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَنَاوَلَتْ أَحَدَهُمَا وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا تَجُوزُ وَفِي الثَّانِي تَنَاوَلَتْ قَدْرَ دِرْهَمٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مَشَاعٌ لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَتَجُوزُ - . (وَ) تَجُوزُ أَيْضًا (هِبَةُ آبِقٍ مُتَرَدِّدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِطِفْلِهِ) ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَمَنَعَ ظُهُورُ يَدِهِ تَمَلُّكَهُمْ إنْ دَخَلَ فِيهَا وَلَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا لَمْ تَجُزْ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ. - . (وَ) كَذَا تَجُوزُ (هِبَةُ الْبِنَاءِ دُونَ الْعَرْصَةِ إذَا أَذِنَ لَهُ) أَيْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ (الْوَاهِبُ فِي نَقْضِهِ، وَ) هِبَةُ (أَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ دُونَهُ) أَيْ دُونَ الزَّرْعِ (أَوْ نَخْلٌ فِيهَا تَمْرٌ دُونَهُ) أَيْ دُونَ التَّمْرِ (إذَا أَمَرَهُ) أَيْ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ لَهُ (بِالْحَصَادِ) فِي الزَّرْعِ (وَالْجِذَاذَ) فِي التَّمْرِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ لِلْجَوَازِ الِاشْتِغَالُ بِمِلْكِ الْمَوْلَى، فَإِذَا أَذِنَ الْمَوْلَى فِي النَّقْضِ وَالْحَصَادِ وَالْجِذَاذِ وَفَعَلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ زَالَ الْمَانِعُ فَجَازَتْ الْهِبَةُ - (بَابُ الرُّجُوعِ فِيهَا) (صَحَّ) أَيْ الرُّجُوعُ (فِي أَجْنَبِيٍّ) أَرَادَ بِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَخَرَجَ بِهِ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَمَنْ كَانَ مَحْرَمًا وَلَيْسَ بِذِي رَحِمٍ وَلِذَا قَالَ (وَمَنَعَهُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِالْقَرَابَةِ) وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالنَّسَبِ لَا النَّسَبِ كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ وَمِنْ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالْمُصَاهَرَةِ كَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ وَأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا رُجُوعَ فِيهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ» وَلَنَا مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ» وَالْمُرَادُ حَقُّ الرُّجُوعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ هِبَةً حَقِيقَةً قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ بِالرُّجُوعِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا إلَّا الْوَالِدُ إذَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَنْفَرِدُ بِالْأَخْذِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْإِنْفَاقِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ رُجُوعًا نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا حَقِيقَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ لِلْحَمْلِ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبْضُ لِكَوْنِهَا تَمْلِيكًا مُضَافًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُقَالُ الْوَلِيُّ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي قَبْضِ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ قَبْلَ الْوِلَادَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ يَجُوزُ هِبَةُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ لِرَجُلَيْنِ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَنْصِيفَ الدَّرَاهِمِ لَا يَضُرُّ فَكَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ السَّعْدِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الصَّحِيحَ لَا يُكْسَرُ عَادَةً فَكَانَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تُكْسَرُ عَادَةً فَلَا يَضُرُّهَا الْكَسْرُ وَالتَّبْعِيضُ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمَشَاعِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ تَمَلُّكُهُمْ) يَعْنِي أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ إنْ دَخَلَ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهَا لَمْ يَجُزْ) يَعْنِي لَا يَمْلِكُهُ وَهِيَ عِبَارَتُهُ فِي بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَجُوزُ هِبَةُ الْبِنَاءِ إلَى آخِرِ الْبَابِ) أَقُولُ فِيمَا تَقَدَّمَ غَنِيَّةٌ عَنْ هَذَا فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ [بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَة] (بَابُ الرُّجُوعِ فِيهَا) (قَوْلُهُ: فَخَرَجَ مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَلَيْسَ بِمَحْرَمٍ) يَعْنِي مِنْ النَّسَبِ وَإِلَّا فَالْأَخُ مِنْ الرَّضَاعِ لَوْ كَانَ ابْنَ عَمٍّ هُوَ رَحِمٌ مَحْرَمٌ لَكِنْ لَا بِنَسَبٍ

[موانع الرجوع في الهبة]

عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْهِبَةِ بَلْ الْأَبُ إذَا احْتَاجَ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَلَوْ غَائِبًا كَمَا ذَكَرَ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ إلَّا الْوَالِدُ، فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ لِلْحَاجَةِ فَتَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ إنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ لِابْنِهِ عِنْدَنَا أَيْضًا مُطْلَقًا وَهُوَ وَهْمٌ بَاطِلٌ مُنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِ، فَإِنَّهُ يَتَمَلَّكُ لِلْحَاجَةِ، فَإِنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْتَجْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ، فَإِنَّ مَا تَوَهَّمُوا مُخَالِفٌ لِتَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا كَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَانِعِ (كَمَا فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَالْأُخُوَّةِ وَالْأَخَوَاتِ وَأَوْلَادِهِمَا، وَإِنْ سَفَلُوا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ) فَقَطْ، فَإِنَّ أَوْلَادَهُمْ لَيْسُوا بِمَحَارِمَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ - ثُمَّ إنَّ مَوَانِعَ الرُّجُوعِ فِي هِبَةٍ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (وَمَنَعَهُ الْمَحْرَمِيَّةَ بِالْقَرَابَةِ) وَوَجْهُ كَوْنِهَا مَانِعَةً أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ يَحْصُلُ بِهَا، فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْمَحَارِمِ وَكُلُّ عَقْدٍ أَفَادَ مَقْصُودَهُ يَلْزَمُ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالْقَرَابَةِ (كَبِنَاءٍ وَغَرْسٍ وَسِمَنٍ) وَوَجْهُ كَوْنِهَا مَانِعَةً أَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمَوْهُوبِ وَالزِّيَادَةُ لَيْسَتْ بِمَوْهُوبَةٍ فَلَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا وَالْفَصْلُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِيَرْجِعَ فِي الْأَصْلِ لَا الزِّيَادَةِ فَامْتَنَعَ الرُّجُوعُ أَصْلًا وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَمَّا إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَلِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُوجِبْ حَقَّ الرُّجُوعِ إلَّا لِلْوَاهِبِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِوَاهِبٍ وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَعِوَضٍ) ، فَإِنَّ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ كَانَ لِخَلَلٍ فِي مَقْصُودِهِ وَقَدْ عَدِمَ ذَلِكَ بِوُصُولِ الْعِوَضِ إلَيْهِ (أُضِيفَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْهِبَةِ بِأَنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِكَ أَوْ بَدَلًا عَنْهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا أَوْ مَكَانَهَا فَقَبَضَ لَمْ يَرْجِعْ فَلَوْ وَهَبَ وَعَوَّضَ وَلَمْ يُضِفْ رَجَعَ كُلٌّ بِهِبَتِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ سُلِّمَ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ الرُّجُوعُ وَكَذَا لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمُعَوِّضِ الرُّجُوعُ فِي عِوَضِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ عَنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِإِسْقَاطِ حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا يَرْجِعُ الْمُعَوِّضُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَكَذَا إذَا أَمَرَهُ إلَّا إذَا قَالَ عَوِّضْ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِنُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ (وَخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ) ، فَإِنَّ تَبَدُّلَ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ وَقَدْ تَبَدَّلَ الْمِلْكُ بِتَبَدُّلِ السَّبَبِ وَذَكَرَ السَّادِسَ بِقَوْلِهِ (وَالزَّوْجِيَّةِ) ، فَإِنَّهَا نَظِيرُ الْقَرَابَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ فِي التَّوَاصُلِ بِدَلِيلِ جَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا بِلَا حَجْبٍ وَبُطْلَانٍ فَكَانَ الْمَقْصُودُ الصِّلَةَ وَقَدْ حَصَلَ (وَقْتَ الْهِبَةِ) حَتَّى لَوْ وَهَبَ لِامْرَأَةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَلَوْ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِعَدَمِ الْعِلَاقَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوَّلِ وَقْتَ الْهِبَةِ وَوُجُودِهَا فِي الثَّانِي وَقْتَهَا وَذَكَرَ السَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَهَلَاكِ الْمَوْهُوبِ) ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ فَلَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهَلَاكَ صُدِّقَ بِلَا حَلِفٍ كَذَا فِي الْكَافِي (وَضَابِطُهَا) أَيْ ضَابِطُ الْمَوَانِعِ (حُرُوفُ دَمْعِ خَزْقِهِ) مَأْخُوذٌ مِمَّا قِيلَ وَمَانِعٌ عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَة يَا صَاحِبِي حُرُوفُ دَمْعِ خَزْقِهِ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِهِمَا وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ وَالْخَاءُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَوَانِعَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَة] قَوْلُهُ: ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ وَمَنَعَهُ الْمَحْرَمِيَّةُ بِالْقَرَابَةِ) أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ الْمَوَانِعَ عَلَى بَعْضِهَا وَلِيَذْكُرَ وَجْهَهُ (قَوْلُهُ: وَزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ لِإِمْكَانِ الْفَصْلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرْجِعُ فِي الْأُمِّ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ الْوَلَدُ اهـ. (قَوْلُهُ كَبِنَاءٍ وَغَرْسٍ) الْمُرَادُ إذَا كَانَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ أَوْجَبَ فِي بَعْضِ الْأَرْضِ لِكِبَرِهَا بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مِثْلُهُ زِيَادَةً فِيهَا كُلِّهَا امْتَنَعَ فِي تِلْكَ الْقِطْعَةِ فَقَطْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِذَا لَمْ يُوجِبْ زِيَادَةً أَصْلًا لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِي شَيْءٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهَبَ دَارًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي بَيْتِ الضِّيَافَةِ الَّتِي تُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ كشانه تَنُّورًا لِلْخُبْزِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَدُّ نُقْصَانًا وَلَا يُعَدُّ زِيَادَةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِوَضٍ أُضِيفَ إلَيْهَا) لِقَوْلِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُ الْمَوْهُوبِ (قَوْلُهُ: لِجَرَيَانِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا بِلَا حَجْبٍ وَبُطْلَانٍ) الْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا يَكُونُ فِي حَالَةِ عَدَمِ حَجْبِ الْبُطْلَانِ (قَوْلُهُ: وَضَابِطُهَا أَيْ ضَابِطُ الْمَوَانِعِ حُرُوفُ دَمْعِ خَزْقِهِ. . . إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا عَلَى تَرْتِيبِ الْحُرُوفِ لِتَتَأَتَّى الْمُنَاسَبَةُ فِي مَعْنَاهَا وَلَا يُقَالُ بَقِيَ مِنْ الْمَوَانِعِ الْفَقْرُ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا رُجُوعَ فِي الْهِبَةِ لِلْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ

وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ وَالْهَاءُ الْهَلَاكُ وَالْخَزْقُ الطَّعْنُ وَالْخَازِقُ السِّنَانُ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الدَّمْعَ بِالسِّنَانِ - (وَهَبَ لِأَخِيهِ وَأَجْنَبِيٍّ عَبْدًا فَقَبَضَاهُ) أَيْ الْأَخُ وَالْأَجْنَبِيُّ الْعَبْدَ (لَهُ) أَيْ لِلْوَاهِبِ (الرُّجُوعُ) فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ فِي حَقِّهِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مِمَّا لَا يُقْسَمُ وَلَا مَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ بِخِلَافِ الْأَخِ، فَإِنَّ الْقَرَابَةَ فِيهِ مَانِعَةٌ عَنْهُ (وَهَبَ لِرَجُلٍ شَيْئًا وَقَبَضَهُ) أَيْ الرَّجُلُ الشَّيْءَ (فَوَهَبَهُ) أَيْ الرَّجُلُ الشَّيْءَ (لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ الثَّانِي أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ فَلِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ فِيهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَمَّا عَادَ إلَى الثَّانِي بِالرُّجُوعِ لَا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَانَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ فِيهِ (وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي) إنْ كَانَ فَقِيرًا (أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ) إنْ كَانَ غَنِيًّا (لَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ لِعَوْدِهِ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمِلْكِ فَلَا يَرْجِعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (يَرْجِعُ فِي اسْتِحْقَاقِ نِصْفِهَا) أَيْ نِصْفِ الْهِبَةِ وَالْمُرَادُ الْمَوْهُوبُ (بِنِصْفِ عِوَضِهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ، فَإِذَا فَاتَ بَعْضُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ (لَا فِي اسْتِحْقَاقِ نِصْفِهِ) يَعْنِي إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ (حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِوَضِ) ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْ الْكُلِّ ابْتِدَاءً وَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ إلَّا هُوَ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَلِّمْ، فَإِنْ شَاءَ رَدَّ مَا بَقِيَ وَرَجَعَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ مَا بَقِيَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَشْرُوطًا؛ لِأَنَّهَا تَتِمُّ تَبَعًا فَيُوَزَّعُ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ يَرْجِعُ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ. (وَلَوْ عَوَّضَ نِصْفَهَا رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوِّضْ) ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيضَ مَانِعٌ، فَإِذَا وُجِدَ فِي النِّصْفِ يَمْتَنِعُ بِقَدْرِهِ (لَوْ بَاعَ نِصْفَهَا أَوْ لَمْ يَبِعْ رَجَعَ فِي النِّصْفِ) ؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْكُلِّ فَفِي الْبَعْضِ أَوْلَى وَلَا يَمْنَعُهُ بَيْعُ النِّصْفِ (وَذَا) أَيْ الرُّجُوعُ إنَّمَا يَصِحُّ بِحَيْثُ يُؤْخَذُ الْمَوْهُوبُ مِنْ يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ (بِتَرَاضٍ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ (أَوْ حُكْمِ قَاضٍ) ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ مُخْتَلِفٌ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى وَفِي أَصْلِهِ وَهِيَ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ إنْ طَالَبَ بِحَقِّهِ فَالْمَوْهُوبُ لَهُ يَمْنَعُ بِمِلْكِهِ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الثَّوَابَ وَالتَّوَادَّ فَعَلَى هَذَا لَا يَرْجِعُ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْعِوَضَ فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَاءِ أَوْ الْقَضَاءِ - (فَصَحَّ إعْتَاقُ الْمَوْهُوبِ) أَيْ إعْتَاقُ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْعَبْدَ الْمَوْهُوبَ (بَعْدَ الرُّجُوعِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْإِعْتَاقِ (قَبْلَ الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَصَحَّ إعْتَاقُهُ قَبْلَهُ (وَلَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْمَوْهُوبُ لَهُ (بِهَلَاكِهِ) أَيْ الْمَوْهُوبِ بَعْدَ الرُّجُوعِ وَقَبْلَ الْقَضَاءِ (بَعْدَ الْمَنْعِ) عَنْ الْوَاهِبِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا ضَمَانَ الْمَقْبُوضِ عَلَيْهِ وَهَذَا دَوَامُ عِلَّتِهِ وَاسْتِدَامَةُ الشَّيْءِ مُعْتَبَرَةٌ بِأَصْلِهِ. (وَ) لَكِنْ (ضَمِنَ بِهِ) أَيْ بِهَلَاكِهِ (بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَطَلَبِ الْوَاهِبِ، فَإِنَّ الْمَوْهُوبَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمَنْعُ بَعْدَ الطَّلَبِ يُوجِبُ الضَّمَانَ فِي الْأَمَانَةِ (وَمَعَ أَحَدِهِمَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِتَرَاضٍ أَيْ الرُّجُوعُ بِتَرَاضٍ أَوْ حُكْمِ قَاضٍ (فَسْخٌ لِعَقْدِ الْهِبَةِ) مِنْ الْأَصْلِ وَإِعَادَةٌ لِلْمِلْكِ الْقَدِيمِ (لَا هِبَةَ لِلْوَاهِبِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ) أَيْ قَبْضُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ الرَّجُلُ الْعَبْدَ) أَرَادَ بِالْعَبْدِ الشَّيْءَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَهَبَ لِرَجُلٍ شَيْئًا (قَوْلُهُ: أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ غَنِيًّا) أَقُولُ لَا يَتَقَيَّدُ الْبَيْعُ بِالْغِنَى (قَوْلُهُ: يَرْجِعُ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْعِوَضِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ) أَقُولُ صَوَابُهُ مِنْ الْمُعَوَّضِ بِالْمِيمِ فَالْعَيْنُ بِمَعْنَى الْمَوْهُوبِ قَوْلُهُ وَفِي أَصْلِهِ وَهْيٌ مَصْدَرٌ مِنْ وَهَى الْحَبْلُ يَهِي وَهْيًا إذَا ضَعُفَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهَاءً وَهُوَ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْخَادِمِيِّ لِمُصَحِّحِهِ

[فصل وهب أمة إلا حملها أو على أن يردها عليه أو يعتقها أو يستولدها]

الْوَاهِبِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ لَا فِي عَوْدِ الْمِلْكِ الْقَدِيمِ - (وَصَحَّ) أَيْ الرُّجُوعُ (فِي الْمَشَاعِ) الْمُقَابِلِ لِلْقِسْمَةِ (كَنِصْفِ دَارٍ وُهِبَتْ) وَلَوْ كَانَ هِبَةً لَمَا صَحَّ فِيهِ (تَلِفَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَاسْتُحِقَّ فَضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ) عَلَى وَاهِبِهِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ السَّلَامَةَ - (قُضِيَ بِبُطْلَانِ الرُّجُوعِ لِمَانِعٍ ثُمَّ زَالَ) أَيْ الْمَانِعُ (عَادَ الرُّجُوعُ) بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا بَنَى فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ وَأَبْطَلَ الْقَاضِي رُجُوعَ الْوَاهِبِ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ فَهَدَمَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبِنَاءَ وَعَادَتْ الدَّارُ كَمَا كَانَتْ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَحُمَّ الْعَبْدُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَخَاصَمَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي الرَّدِّ وَأَبْطَلَ الْقَاضِي حَقَّهُ فِي الرَّدِّ بِسَبَبِ الْحُمَّى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَهِيَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ هِبَةٌ ابْتِدَاءً) هَذَا إذَا ذَكَرَهُ بِكَلِمَةِ عَلَى بِأَنْ يَقُولَ وَهَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ لَكَ عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي هَذَا الثَّوْبَ، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِحَرْفِ الْبَاءِ بِأَنْ يَقُولَ وَهَبْتُ لَكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَبْدِكَ هَذَا أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبِلَهُ الْآخَرُ يَكُونُ بَيْعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (فَشَرَطَ قَبْضَهُمَا) أَيْ الْعَاقِدَيْنِ (لِلْعِوَضَيْنِ) لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا هِبَةً (وَبَطَلَتْ بِالشُّيُوعِ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ - (وَلَمْ تَجُزْ هِبَةُ الْأَبِ مَالَ طِفْلِهِ بِشَرْطِهِ) كَمَا لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ بِهِ (وَبَيْعٌ انْتِهَاءً فَتُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتَسْتَعْقِبُ الشُّفْعَةَ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ هَذَا عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي وَلَنَا أَنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى جِهَتَيْنِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، فَإِنْ قُلْت: الْهِبَةُ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلَا عِوَضٍ وَالْبَيْعُ تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِعِوَضٍ فَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَأَيْضًا التَّمْلِيكُ لَا يَجْرِي فِيهِ الشَّرْطُ وَكَلِمَةُ عَلَى تُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ قُلْت قَدْ عَرَفْت أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهَا تَمْلِيكًا بِلَا عِوَضٍ كَوْنُهَا تَمْلِيكًا بِلَا شَرْطِ عِوَضٍ لَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ بَيْعًا وَعَرَفْت أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ الْمَنَافِعِ لِلتَّمْلِيكِ شَرْطٌ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا أَوْ الْقِمَارِ لَا مُطْلَقِ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ قَالَ بِعْتُ هَذَا مِنْكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَكَ صَحَّ الْبَيْعُ فَيَكُونُ مَا نَحْنُ فِيهِ شَرْطًا ابْتِدَاءً نَظَرًا إلَى الْعِبَارَةِ حَتَّى لَا يَصِيرَ كَالْبَيْعِ لَازِمًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَشَرْطًا بِمَعْنَى الْعِوَضِ نَظَرًا إلَى مَا يَئُولُ إلَيْهِ حَتَّى تُوَفَّرَ أَحْكَامُ الْبَيْعِ حَالَةَ الْبَقَاءِ - (وَهَبَ كِرْبَاسًا فَقَصَرَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَا يَرْجِعُ) فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْغَسْلِ بِأَنَّ فِي الْقِصَارَةَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً دُونَ الْغَسْلِ (كَذَا عَبْدٌ كَافِرٌ أَسْلَمَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَجَارِيَةٌ عَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ نَحْوَهُمَا) حَيْثُ لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ بِالْإِسْلَامِ وَتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِمَا ازْدَادَ الْمَوْهُوبُ فَبَطَلَ الرُّجُوعُ - (وَكَذَا تَمْرٌ وُهِبَ بِبَغْدَادَ فَحَمَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى بَلْخِي) حَيْثُ بَطَلَ حَقُّ الرُّجُوعِ لِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ (تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ) أَيْ قَالَ لِغَنِيٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قُضِيَ بِبُطْلَانِ الرُّجُوعِ لِمَانِعٍ ثُمَّ زَالَ عَادَ الرُّجُوعُ) اسْتَشْكَلَ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَعَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَانِعِ هُنَا الطَّارِئُ بَعْدَ الْهِبَةِ فَبِزَوَالِهِ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ الْمَانِعِ الْمُقَارِنِ كَالْهِبَةِ لِلزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِالْخِيَارِ. . . إلَخْ) فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ الْحُمَّى أَمْرٌ مُبْطَنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَى حَقِيقَةِ زَوَالِهِ فَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهَا بِخِلَافِ زَوَالِ الْبِنَاءِ وَأَشْبَاهِهِ إذْ لَا تَوَهُّمَ لِبَقَائِهِ بَعْدَ زَوَالِهِ (قَوْلُهُ: وَبَطَلَ بِالشُّيُوعِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ) يَعْنِي فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ (قَوْلُهُ: كَمَا لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ بِهِ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي هِبَتِهِ رَاجِعٌ لِلطِّفْلِ لَا لِلْأَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَبِيعَ انْتِهَاءً. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَيَصِحُّ وَلَوْ كَانَ الْعِوَضُ أَقَلَّ مِنْهَا وَهُوَ مِنْ جِنْسِهَا وَلَا رِبًا فِيهِ ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ (قَوْلُهُ: وَهَبَ كِرْبَاسًا فَقَصَرَهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي قَاضِي خَانْ إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَهَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ. وَفِي الْإِمْلَاءِ إذَا غَسَلَهُ أَوْ قَصَرَهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ (قَوْلُهُ وَجَارِيَةٌ عَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ. . . إلَخْ) مِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ مَعَ ذِكْرِ خِلَافٍ حَيْثُ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ إذَا عَلَّمَ الْمَوْهُوبَ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحِرَفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يُمْنَعُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ تَعْلِيمُ الْحَرْفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا تَمْرٌ وُهِبَ بِبَغْدَادَ. . . إلَخْ) حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُنْتَقَى عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَنْقَطِعُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ كَزِيَادَةِ السِّعْرِ وَلَهُمَا أَنَّ الرُّجُوعَ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِي الْكِرَاءِ وَمُؤْنَةِ النَّقْلِ فَبَطَلَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا بِبَدَلٍ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ وَالْمُؤْنَةُ بِلَا بَدَلٍ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ [فَصْلٌ وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا] فَصْلٌ فِي الرُّجُوعِ عَلَى صِيغَةِ التَّمْرِيضِ حَيْثُ قَالَ وَهَبَ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ بِبَغْدَادَ فَحَمَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لَا يَكُونُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْهِبَةِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ أَكْثَرَ، وَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهَا فِي الْمَكَانَيْنِ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ لَا يَرْجِعُ) أَقُولُ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مَا قِيَاسُهُ الرُّجُوعُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْغَنِيِّ

[أحكام العمرى]

تَصَدَّقْتُ عَلَيْكَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ (أَوْ وَهَبَ لِفَقِيرٍ) أَيْ قَالَ لَهُ وَهَبْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ (لَا يَرْجِعُ) اعْتِبَارًا لِلَّفْظِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْمَعْنَى فِي الثَّانِيَةِ كَذَا فِي الْكَافِي (فَصْلٌ) - (وَهَبَ أَمَةً إلَّا حَمْلَهَا أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ أَوْ يَعْتِقَهَا أَوْ يَسْتَوْلِدَهَا أَوْ وَهَبَ دَارًا أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ) فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (شَيْئًا مِنْهَا صَحَّتْ) أَيْ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَمَا مَرَّ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَجَازَ الْعُمْرَى وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ» كَمَا سَيَأْتِي (وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُعْمَلُ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هِبَةَ الْحَمْلِ لَا تَجُوزُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ أَيْضًا. (وَ) بَطَلَ (الشَّرْطُ) لِمُخَالَفَتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا، فَإِذَا اعْتَبَرَ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ تَقَيَّدَتْ بِهَا وَهُوَ يُنَافِي الْإِطْلَاقَ وَاعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِهِمْ: أَوْ يُعَوِّضُهُ شَيْئًا مِنْهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إمَّا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَقُولُ نَخْتَارُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فَهِيَ وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا كَمَا عَرَفْت مِنْ الْمَبَاحِثِ السَّابِقَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا الْحَالُ فِي الصَّدَقَةِ (أَعْتَقَ حَمْلَهَا وَوَهَبَهَا صَحَّتْ) الْهِبَةُ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَبْقَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْهُوبُ مَشْغُولًا بِمِلْكِ الْوَاهِبِ (بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ) يَعْنِي دَبَّرَ حَمْلَهَا وَوَهَبَهَا لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ - (لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ بِشَرْطٍ إلَّا بِكَائِنٍ) أَيْ بِشَرْطٍ كَائِنٍ (فَلَوْ قَالَ لِمَدْيُونِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (بَطَلَ) أَيْ الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ مَحْضٍ (وَلَوْ قَالَ) لِمَدْيُونِهِ (إنْ كَانَ لِي عَلَيْكَ دَيْنٌ أَبْرَأْتُكَ عَنْهُ وَلَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ) الْإِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ كَائِنٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا - (جَازَ الْعُمْرَى لَا الرُّقْبَى) الْعُمْرَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لِآخَرَ مُدَّةَ عُمُرِهِ، وَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالرُّقْبَى أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُضَافًا إلَى زَمَانٍ وَهُوَ مِنْ الِارْتِقَابِ وَهُوَ الِانْتِظَارُ كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ مَوْتَهُ فَلَا تَصِحُّ لِعَدَمِ التَّمْلِيكِ فِي الْحَالِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَصِحُّ الرُّقْبَى أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ، وَاشْتِرَاطِ الِاسْتِرْدَادِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ النِّزَاعُ لَفْظِيًّا - (كِتَابُ الْإِجَارَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَبَاحِثِ تَمْلِيكِ الْعَيْنِ بِلَا عِوَضٍ شَرَعَ فِي مَبَاحِثِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ فَقَالَ (هِيَ) لُغَةً فِعَالَةٌ مِنْ أَجَرَ يَأْجُرُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَضَرَبَ اسْمٌ لِلْأُجْرَةِ وَهِيَ مَا يُعْطَى مِنْ كِرَاءِ الْأَجِيرِ وَشَرْعًا (تَمْلِيكُ نَفْعٍ بِعِوَضٍ) ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ تَمْلِيكُ نَفْعٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِتَنَاوُلِهِ الْفَاسِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِهِمْ) أَقُولُ اعْتِرَاضُهُ عَلَى الْكَنْزِ وَأَجَابَ الْعَيْنِيُّ عَنْ التَّكْرَارِ بِقَوْلِهِ قُلْت لَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ عِوَضًا إنَّمَا هُوَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدًّا وَلَا يَكُونُ عِوَضًا لِعَدَمِ الِاسْتِلْزَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ بِعِوَضِهِ شَيْئًا مِنْهَا فَصَرِيحٌ بِالْعِوَضِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ اهـ فَبِهَذَا وَبِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَقَامَتْ عِبَارَةُ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ بِشَرْطٍ إلَّا بِكَائِنٍ إلَخْ) . أَقُولُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالْمُرَادُ بِالْكَائِنِ الْحَالُ وَالْمَاضِي لَا مَا سَيَكُونُ [أَحْكَام الْعُمْرَى] (قَوْلُهُ الْعُمْرَى أَنْ يَجْعَلَ دَارِهِ لِآخَرَ مُدَّةَ عُمُرِهِ وَإِذَا مَاتَ يَرُدُّ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهِيَ هِبَةُ شَيْءٍ مُدَّةَ عُمُرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْوَاهِبِ بِشَرْطِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ اهـ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُدَّةَ عُمُرِهِ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُهُ إلَى الْوَاهِبِ أَيْضًا [كِتَابُ الْإِجَارَةِ] (كِتَابُ الْإِجَارَةِ) (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَمْلِيكُ نَفْعٍ بِعِوَضٍ) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ الصَّحِيحَةُ الَّتِي عَرَّفَهَا أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ وَالْفَاسِدَةُ ضِدُّ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَشْمَلُهَا تَعْرِيفُ الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ فَسَدَتْ بِشَرْطٍ مُقَارِنٍ أَوْ شُيُوعٍ أَصْلِيٍّ فَدَعْوَاهُ شُمُولَ تَعْرِيفِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَاسِدَةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ وَيَرُدُّ مَا عَدَلَ إلَيْهِ مَبْدَأُ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَمْلِيكُ نَفْعٍ إذْ لَا تَمْلِيكَ لِغَيْرِ مَعْلُومٍ وَلُزُومُ تَقْيِيدِ النَّفْعِ بِالْمَعْلُومِ فِي قَوْلِهِ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ إذْ لَا يَكُونُ لِغَيْرِ مَعْلُومٍ ذَاتًا وَوَصْفًا وَقَدْرًا وَقَدْ قَيَّدَ الْمَنْفَعَةَ وَبَطَلَ تَرْدِيدُهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا الْحَقِيقَةَ الْخَاصَّةَ الشَّرْعِيَّةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ بِهِ الْمُنَازَعَةُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ وَالْمَسَافَةِ وَالْعَمَلِ وَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الْبَدَلِ وَكَذَا فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ مَنَعَتْ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ وَكَانَ الْعَقْدُ عَبَثًا اهـ فَبِهَذَا كَانَ قَوْلُهُ وَمَا اُخْتِيرَ هَاهُنَا تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ بِالصَّحِيحَةِ لِقَصْدِ تَسْلِيمِ الْمُشَاعِ الْأَصْلِيِّ وَعَدَمُ عِلْمِ الْبَدَلِ فَلَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ وَكَانَ عَبَثًا كَمَا قَالَهُ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ

[ما تنعقد به الإجارة]

بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَبِالشُّيُوعِ الْأَصْلِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَعْرِيفًا لِلْأَعَمِّ لَمْ يَكُنْ تَقْيِيدُ النَّفْعِ وَالْعِوَضِ بِالْمَعْلُومِيَّةِ صَحِيحًا وَمَا اُخْتِيرَ هَاهُنَا تَعْرِيفٌ لِلْأَعَمِّ كَمَا أَنَّ تَعْرِيفَ الْبَيْعِ كَانَ كَذَلِكَ (عَيْنٌ أَوْ دَيْنٌ أَوْ نَفْعٌ) الْأَوَّلَانِ ظَاهِرَانِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ - (وَتَنْعَقِدُ بِأَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا أَوْ وَهَبْتُكَ مَنَافِعَهَا) يَعْنِي أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْعَارِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَعَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِكَذَا وَقَبِلَ الْمُخَاطَبُ كَانَتْ إجَارَةً صَحِيحَةً أَمَّا الْعَارِيَّةُ فَلَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ آجَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِلَا عِوَضٍ كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً لَا إعَارَةً وَلَوْ قَالَ لَهُ: وَهَبْتُك مَنَافِعَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ إجَارَةً كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى (وَاخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِهَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ) ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ: إذَا قَالَ الْحُرُّ لِغَيْرِهِ: بِعْتُ نَفْسِي مِنْكَ شَهْرًا لِعَمَلِ كَذَا فَهُوَ إجَارَةٌ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ تَنْعَقِدُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ - (وَيُعْلَمُ النَّفْعُ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ) طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ (كَالسُّكْنَى وَالزِّرَاعَةِ مُدَّةَ كَذَا) أَيْ سُكْنَى الدَّارِ أَوْ الْأَرْضِ أَوْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ مُدَّةَ كَذَا (أَوْ) بَيَانِ (الْعَمَلِ كَالصِّيَاغَةِ وَالصَّبْغِ) وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا (أَوْ الْإِشَارَةِ) عَطْفٌ عَلَى بَيَانِ أَيْ يُعْلَمُ النَّفْعُ أَيْضًا بِالْإِشَارَةِ (كَنَقْلِ هَذَا إلَى ثَمَّةَ) ، فَإِنَّ النَّفْعَ لَيْسَ بِمُشَارٍ إلَيْهِ لَكِنْ يُعْلَمُ مِنْ الْإِشَارَةِ أَنَّهُ الْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ - (لَا يَلْزَمُ الْأَجْرُ بِالْعَقْدِ) أَيْ لَا يُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ بِهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُعَاوَضَةٌ وَأَحَدُ الْعِوَضَيْنِ مَنْفَعَةٌ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْآخَرُ مَالٌ وَمُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي فِي الْبَدَلِ (بَلْ بِتَعْجِيلِهِ) بِأَنْ يُعْطِيَهُ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ بِالْعَقْدِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ - (أَوْ شَرْطِهِ) أَيْ شَرْطِ تَعْجِيلِهِ حَالَ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ (أَوْ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْأَجْرَ حِينَئِذٍ يَجِبُ أَيْضًا (أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (فَيَجِبُ) أَيْ الْأَجْرُ (لِدَارٍ قُبِضَتْ وَلَمْ تُسْكَنْ) لِوُجُودِ التَّمَكُّنِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ وَبِقَوْلِهِ (وَيَسْقُطُ) أَيْ الْأَجْرُ (بِالْغَصْبِ) أَيْ إذَا غَصَبَهَا غَاصِبٌ مِنْ يَدِهِ يَسْقُطُ الْأَجْرُ - (لِلْمُؤَجِّرِ طَلَبُ الْأَجْرِ لِلدَّارِ وَالْأَرْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلِلدَّابَّةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَطْلُبَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ بِحِسَابِهِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ كَمَا عَرَفْت لَكِنَّهُ يُفْضِي إلَى الْحَرَجِ إذْ لَا يَعْلَمُ حِصَّتَهُ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَرَجَعَ إلَى مَا ذَكَرَ (وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا) يَعْنِي لِلْمُؤَجِّرِ طَلَبُ الْأَجْرِ فِي هَذِهِ الصَّنَائِعِ (إذَا فَرَغَ) أَيْ مِنْ الْعَمَلِ لَا لِكُلِّ يَوْمٍ (وَإِنْ عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ) حَتَّى إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْعَمَلِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأَجْرِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّجْرِيدِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطَيْنِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إذَا خَاطَ الْبَعْضَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ يَجِبُ الْأَجْرُ لَهُ بِحِسَابِهِ حَتَّى إذَا سَرَقَ الثَّوْبَ بَعْدَ مَا خَاطَ بَعْضَهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِحِسَابِهِ - (وَالْخَبْزِ فِيهِ) أَيْ لِلْخَبَّازِ طَلَبُ الْأَجْرِ لِلْخَبْزِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ (بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ، فَإِنْ احْتَرَقَ بَعْدَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَلَا غُرْمَ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْأَجْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [مَا تَنْعَقِد بِهِ الْإِجَارَة] قَوْلُهُ: أَوْ وَهَبْتُكَ مَنَافِعَهَا) أَقُولُ هَذَا وَلَا تَصِحُّ فِيمَا لَوْ أَرَادَ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ لِمَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَكَذَا يَعْنِي لَا تَنْعَقِدُ بِأُجْرَةِ مَنْفَعَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ بِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقِيلَ تَنْعَقِدُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَقْصُودِ مِنْ إضَافَةِ الْإِجَارَةِ إلَى الْعَيْنِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَيَاتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ إذَا أُضِيفَتْ إلَى الدَّارِ لَا الْمَنْفَعَةِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده إذَا أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى الْمَنْفَعَةِ جَازَ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِهَا بِلَفْظِ الْبَيْعِ) أَقُولُ جَزَمَ فِي الْبُرْهَانِ شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ فَقَالَ لَا بِبِعْتُ يَعْنِي لَا تَنْعَقِدُ بِبِعْتُ مَنْفَعَتَهَا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَعْدُومِ بَاطِلٌ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكًا بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْكَ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ خِدْمَةِ الْعَبْدِ شَهْرًا بِكَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ) أَقُولُ يَعْنِي فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ لِمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ بِالْغَصْبِ) أَقُولُ يَعْنِي إذَا غُصِبَتْ كُلَّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ بَعْضَهَا فَبِقَدْرِهِ يَسْقُطُ. انْتَهَى. وَفِي انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِالْغَصْبِ اخْتِلَافٌ. اهـ. وَيَسْقُطُ الْأَجْرُ بِغَرَقِ الْأَرْضِ قَبْلَ زَرْعِهَا، وَإِنْ اصْطَلَمَهُ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ لَزِمَهُ الْأَجْرُ تَامًّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَرَعَهَا أَوْ يَلْزَمُهُ أَجْرُ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ فَقَطْ وَبِهِ يُفْتَى إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ زَرْعِ مِثْلِهِ فِي الضَّرَرِ ثَانِيًا ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: لِلْمُؤَجِّرِ طَلَبُ الْأَجْرِ لِلدَّارِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ فِي الْعَقْدِ وَقْتًا لِطَلَبِهِ، وَإِنْ وَقَّتَ فَلَيْسَ لَهُ الطَّلَبُ قَبْلَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا إذَا فَرَغَ) أَقُولُ هَذَا لَوْ عَمِلَ فِي بَيْتِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطَيْنِ إلَخْ) . أَقُولُ وَهُوَ عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي الْبُرْهَانِ وَيَسْتَحِقُّ حِصَّةَ مَا خَاطَ لَوْ عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَى الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ لِلْخَبَّازِ طَلَبُ الْأَجْرِ لِلْخَبْزِ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ التَّنُّورِ) أَقُولُ وَلَوْ خَبَزَ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْأَجْرَ إلَخْ) لَيْسَ مُنَاسِبًا لِهَذَا الْمَقَامِ بَلْ لِمَا إذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ

وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ (وَقَبْلَهُ لَا أَجْرَ وَيَغْرَمُ) قَالَ فِي الْوِقَايَةِ: فَإِنْ احْتَرَقَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ وَقَبْلَهُ لَا وَلَا غُرْمَ فِيهِمَا وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَيْ فِي الِاحْتِرَاقِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ فِيمَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ غُرْمًا حَتَّى قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا قَيَّدَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الِاحْتِرَاقِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ التَّنُّورِ؛ لِأَنَّهُ إذَا احْتَرَقَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ الْآتِي ذِكْرُهَا مِنْ أَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ، فَإِنْ قِيلَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا خَبَزَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَخْبِزَهُ لِغَيْرِهِ فَيَكُونُ أَجِيرًا خَاصًّا وَسَيَجِيءُ أَنَّ مَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ لَا يُضْمَنُ قُلْنَا قَدْ صَرَّحَ الشُّرَّاحُ بِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ حَيْثُ قَالُوا أَجِيرُ الْوَاحِدِ مَنْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِ عَلَى الْمُدَّةِ بِالتَّخْصِيصِ كَمَا سَيَأْتِي كَمَنْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ عَلَى أَنْ لَا يَخْدُمَ غَيْرَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مُسْتَأْجَرٌ عَلَى الْعَمَلِ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْفِعْلِ فِي بَيْتِهِ فَكَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَلِهَذَا غَيَّرْت الْعِبَارَةَ إلَى مَا تَرَى وَمَنْشَأُ هَذِهِ الْهَفْوَةِ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ فَلَوْ احْتَرَقَ أَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِلْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ ثُمَّ احْتَرَقَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا بِالْوَضْعِ فِي بَيْتِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ الْجِنَايَةُ فَجَعَلَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ قَوْلَهُ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَ الْإِخْرَاجِ أَيْضًا فَلَزِمَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ - (مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ) فِي الْعَيْنِ (كَصَبَّاغِ وَقَصَّارٍ يُقَصِّرُ بِالنَّشَا وَنَحْوِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِيَكُونَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَاسِلِ الثَّوْبِ كَمَا سَيَأْتِي (بِحَبْسِ الْعَيْنِ لِلْأَجْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَصْفٌ فِي الْحَمْلِ فَكَانَ حَقُّ الْحَبْسِ لِاسْتِيفَاءِ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (فَلَا غُرْمَ إنْ ضَاعَ) الْعَيْنُ (بَعْدَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ (وَلَا أَجْرَ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَمَنْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِ كَالْحَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ وَغَاسِلِ الثَّوْبِ) بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ (لَا يُحْبَسُ لَهُ) أَيْ لِلْأَجْرِ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْقَصَّارَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ إلَّا إزَالَةُ الدَّرَنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيَاضَ كَانَ مُسْتَتِرًا وَقَدْ ظَهَرَ بِفِعْلِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ هَالِكًا بِالِاسْتِتَارِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَحْدَثَهُ بِالْإِظْهَارِ وَعَزَاهُ إلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ - (بِخِلَافِ رَادِّ الْآبِقِ) حَيْثُ يَكُونُ لَهُ حَقُّ حَبْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ عَلَى شَرَفِ الْهَلَاكِ فَكَأَنَّهُ أَحْيَاهُ وَبَاعَ مِنْهُ بِالْجَعْلِ (إنْ شَرَطَ عَمَلَهُ لَا يَسْتَعْمِلُ غَيْرَهُ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ السَّلَمِ، فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْعَيْنُ لَا الْعَمَلُ فَجَازَ أَنْ يَعْمَلَ غَيْرَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ (جَازَ اسْتِعْمَالُ غَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إحْدَاثُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَيُمْكِنُهُ الْإِيفَاءُ بِنَفْسِهِ وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ - (اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَنْ بَقِيَ فَلَهُ الْأَجْرُ بِحِسَابِهِ لَوْ) كَانَ عِيَالُهُ (مَعْلُومِينَ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ بِقَدْرِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ (فَكُلُّهُ) أَيْ فَلَهُ كُلُّ الْأَجْرِ. (وَ) إنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا (لِإِيصَالِ قِطٍّ أَوْ زَادٍ إلَى زَيْدٍ إنْ رَدَّهُ) أَيْ الْقِطَّ أَوْ الزَّادَ (لِمَوْتِهِ) أَيْ زَيْدٍ (أَوْ غَيْبَتِهِ) ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (لَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ نَقْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ أَوْ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ لَكِنَّ الْحُكْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ بِالْإِخْرَاجِ تَمَّ عَمَلُهُ وَبِالِاحْتِرَاقِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ حُكْمًا لَا ضَمَانًا (قَوْلُهُ وَقَبْلَهُ لَا أَجْرَ وَيَغْرَمُ) أَقُولُ وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَقِيقًا مِثْلَ دَقِيقِهِ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْخُبْزِ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْحَطَبِ وَالْمِلْحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: مَنْ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَمَحَلُّهُ حَبْسُهُ لِلْأَجْرِ إذَا عَمِلَ فِي دُكَّانِهِ أَمَّا إذَا عَمِلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: وَغَاسِلُ الثَّوْبِ بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اخْتَلَفُوا فِي غَسْلِ الثَّوْبِ حَسَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْقَصَّارَةِ بِلَا نَشَا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي بَيَّنَهُ هُوَ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ النِّهَايَةِ وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ يُفِيدُ أَنَّ لَهُ حَبْسَ الْمَغْسُولَةِ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا كُلُّ صَانِعٍ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ لَهُ حَبْسُهَا الْمُرَادُ بِهِ الْعَيْنُ وَالْأَجْزَاءُ الْمَمْلُوكَةُ لِلصَّانِعِ الَّتِي تَتَّصِلُ بِمَحَلِّ الْعَمَلِ كَالنَّشَّانَجِ وَالْغِرَاءِ وَالْخُيُوطِ وَنَحْوِهَا أَمْ مُجَرَّدُ مَا يُرَى وَيُعَايَنُ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ كَكَسْرِ الْفُسْتُقِ وَالْحَطَبِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَحَلْقِ رَأْسِ الْعَبْدِ فَاخْتَارَ قح قب ظت الثَّانِي وَاخْتَارَ بِمَ الْأَوَّلَ اَ هـ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ السَّلَمِ) يَعْنِي السَّلَمَ فِيهَا لَوْ اسْتَصْنَعَ نَحْوَ خُفٍّ مُؤَجَّلًا (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ عِيَالُهُ مَعْلُومِينَ) أَقُولُ يَعْنِي لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ ذِكْرُ عَدَدِهِمْ لِلْأَجِيرِ (قَوْلُهُ: قِطٍّ) قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ وَالْقَطُّ الْكِتَابُ وَالصَّكُّ بِالْجَائِزَةِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] اهـ

تَعَلَّقَ بِهِ وَقَدْ نَقَضَهُ بِالْعَوْدِ فَيَسْقُطُ الْأَجْرُ وَيَصِيرُ كَالْخَيَّاطِ إذَا خَاطَ الثَّوْبَ ثُمَّ نَقَضَهُ، فَإِنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَكَذَا الزَّادُ، فَإِنَّهُ بِالْعَوْدِ نَقَضَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ دَفَعَ الْقِطَّ إلَى وَرَثَتِهِ) فِي صُورَةِ الْمَوْتِ (أَوْ مَنْ يُسَلَّمُ إلَيْهِ إذَا حَضَرَ) فِي صُورَةِ الْغَيْبَةِ (وَجَبَ الْأَجْرُ بِالذَّهَابِ) بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ نِصْفُ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِ (وَإِنْ وَجَدَهُ وَلَمْ يُوصِلْهُ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِيصَالُ - (صَحَّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ وَدُكَّانٍ بِلَا ذِكْرِ مَا يُعْمَلُ فِيهِمَا) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَارَفَ فِيهِمَا السُّكْنَى فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ (وَلَهُ كُلُّ عَمَلٍ) لِلْإِطْلَاقِ (سِوَى مُوهِنِ الْبِنَاءِ كَالْقِصَارَةِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً (أَوْ أَرْضٍ) عَطْفٌ عَلَى دَارٍ أَيْ صَحَّ اسْتِئْجَارُ أَرْضٍ (لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ) ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُقْصَدُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَادَةً (فَإِذَا مَضَى الْمُدَّةُ قَلَعَهُ) أَيْ الْبِنَاءَ أَوْ نَحْوَهُ وَسَلَّمَ الْأَرْضَ فَارِغَةً (إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمُؤَجِّرُ قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ (مُسْتَحَقِّ الْقَلْعِ) ، فَإِذَا ضَمِنَ يَتَمَلَّكُهُ بِلَا رِضَى الْمُسْتَأْجِرِ إنْ نَقَصَ الْقَلْعُ الْأَرْضَ وَإِلَّا فَبِرِضَاهُ (أَوْ يَرْضَى) أَيْ الْمُؤَجِّرِ (بِتَرْكِهِ) فَيَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ لِصَاحِبِهِمَا وَالْأَرْضُ لِصَاحِبِهَا (وَالزَّرْعُ) إذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ (بَلْ يَتْرُكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ) ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَأَمْكَنَ رِعَايَةُ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ (وَالرَّطْبَةُ كَالشَّجَرِ) ؛ لِأَنَّ لَهَا بَقَاءً فِي الْأَرْضِ لَيْسَتْ كَالزَّرْعِ وَقَدْ عُلِمَ حُكْمُ الشَّجَرِ - (أَوْ دَابَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى أَرْضٍ أَيْ صَحَّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ (لِلرُّكُوبِ أَوْ الْحَمْلِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (أَوْ) اسْتِئْجَارُ (ثَوْبٍ لِلُّبْسِ إنْ بَيَّنَ الرَّاكِبَ أَوْ الْحِمْلَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَاللَّابِسَ) قَالَ فِي الْكَنْزِ وَالدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ وَالْحِمْلِ وَالثَّوْبِ لِلُّبْسِ عَطْفٌ عَلَى الدُّورِ فِي قَوْلِهِ صَحَّ إجَارَةُ الدُّورِ فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ إجَارَةَ الدَّابَّةِ وَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ مُطْلَقًا وَقَدْ قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مَنْ يَرْكَبُهَا أَوْ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَوْ مَنْ يَلْبَسُهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ وَلِهَذَا قُلْت: إنْ بَيَّنَ الرَّاكِبَ. . . إلَخْ (فَإِنْ عَمَّمَ) بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ يُرْكِبَ أَوْ يُلْبِسَ مَنْ شَاءَ أَوْ يَحْمِلَ مَا شَاءَ (أَرْكَبَ وَأَلْبَسَ مَنْ شَاءَ وَحَمَلَ مَا شَاءَ) لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُؤَجِّرِ وَلَكِنْ إذَا رَكِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْكَبَ وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مُرَادًا مِنْ الْأَصْلِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى رُكُوبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ نِصْفُ الْأَجْرِ الْمُسَمَّى) أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِإِيصَالِ قِطٍّ أَوْ زَادٍ إلَى زَيْدٍ إذْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْإِيصَالُ لَا غَيْرُ وَقَدْ وُجِدَ فَمَا وَجْهُ تَنْصِيفِ الْأَجْرِ عَلَى أَنَّ الْمَتْنَ صَادِقٌ بِوُجُوبِ تَمَامِ الْأَجْرِ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فَرَضَهَا صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْإِيصَالِ وَرَدِّ الْجَوَابِ مَعًا وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ شَيْخِنَا الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ مَا صُورَتُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قُيُودٌ سِتَّةٌ اُسْتُفِيدَتْ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَقَاضِي خَانْ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ الْأَوَّلُ قَيَّدَ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ كَطَعَامٍ فَلَا أَجْرَ اتِّفَاقًا الثَّانِي قَيَّدَ بِرَدِّ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ رَدَّ الْمَجِيءَ بِالْجَوَابِ وَتَرَكَ الْكِتَابَ ثَمَّةَ فِيمَا لَوْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ غَائِبًا فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا. الثَّالِثُ قَيَّدَ بِالذَّهَابِ إذْ لَوْ ذَهَبَ بِلَا كِتَابٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ. الرَّابِعُ قَيَّدَهُ بِأَنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا إذْ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا وَدَفَعَ إلَيْهِ وَأَتَى بِالْجَوَابِ فَلَهُ الْأَجْرُ كَامِلًا أَوْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ غَائِبًا فَدَفَعَهُ إلَى آخَرَ لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ دَفَعَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَرَجَعَ بِغَيْرِ الْجَوَابِ فَلَهُ أَجْرُ الذَّهَابِ. الْخَامِسُ قَيَّدَهُ بِتَبْلِيغِ الْكِتَابِ إذْ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيُبَلِّغَ رِسَالَةً إلَى فُلَانٍ فَذَهَبَ وَلَمْ يَجِدْهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يُبَلِّغْهُ الرِّسَالَةَ وَرَجَعَ فَلَهُ الْأَجْرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الرِّسَالَةَ قَدْ تَكُونُ سِرًّا لَا يَرْضَى الْمُرْسَلُ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَفِي غَيْرِ الْمَخْتُومِ لَا تَكُونُ سِرًّا بِخِلَافِ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ الْأَسْرَارِ وَمَا اخْتَارَ الرِّسَالَةَ عَلَى الْكِتَابِ إلَّا لِيُسِرَّهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الرِّسَالَةُ وَالْكِتَابُ سَوَاءٌ السَّادِسُ قَيَّدَ بِرَدِّ الْكِتَابِ إذْ لَوْ تَرَكَهُ هُنَاكَ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَى الْمُرْسِلِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الذَّهَابِ اتِّفَاقًا اهـ (قَوْلُهُ: سِوَى مُوهِنِ الْبِنَاءِ كَالْقِصَارَةِ) أَقُولُ وَرَحَى الْيَدِ إذَا كَانَ يَضُرُّ بِالْبِنَاءِ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا تَضُرُّ لَا يُمْنَعُ هَكَذَا اخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْبِنَاءَ أَوْ نَحْوَهُ) يَعْنِي بِهِ الشَّجَرَ وَالرِّطَابَ (قَوْلُهُ: قِيمَةَ مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ) قَالَ شَارِحُ الْمَجْمَعِ وَمَعْرِفَةُ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ مَعَ الشَّجَرِ الْمَأْمُورِ مَالِكُهُ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَلَيْسَ فِيهَا هَذَا الشَّجَرُ فَفَضَلَ مَا بَيْنَهُمَا هُوَ قِيمَةُ الشَّجَرِ، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِكَذَا؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَقْلُوعِ أَزْيَدُ مِنْ قِيمَةِ الْمَأْمُورِ بِقَلْعِهِ لِكَوْنِ الْمُؤْنَةِ مَصْرُوفَةً لِلْقَلْعِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ) أَقُولُ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَإِلَّا فَلَا أَجْرَ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَنَصُّهَا الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ إذَا انْتَهَتْ الْإِجَارَةُ أَوْ الزَّرْعُ لَمْ يُسْتَحْصَدْ يُتْرَكُ بِأَجْرٍ أَيْ بِقَضَاءٍ أَوْ بِعَقْدِهِمَا حَتَّى لَا يَجِبَ الْأَجْرُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا اهـ. وَأَقُولُ هَذَا فِي غَيْرِ مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْوَقْفِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ وَمَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنَّهَا إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَبَقِيَ الزَّرْعُ بَعْدَهَا حَتَّى أُدْرِكَ يُقْضَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْكَنْزِ. . . إلَخْ) أَقُولُ مُؤَاخَذَتُهُ هَذِهِ وَارِدَةٌ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَالزِّرَاعَةُ مُدَّةَ كَذَا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ ذَكَرَ مُدَّةَ الِاسْتِئْجَارِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُزْرَعُ فِيهَا وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِطْلَاقِ

ابْتِدَاءُ كَذَا فِي الْكَافِي (وَإِنْ خُصِّصَ) بِرَاكِبٍ وَلَابِسٍ (فَخَالَفَ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى (كَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كَالْفُسْطَاطِ) حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهُ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً فَقَبَضَهُ وَسَكَنَ فِيهِ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي نَصْبِهِ وَاخْتِيَارِ مَكَانِهِ وَضَرْبِ أَوْتَادِهِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لِلسُّكْنَى فَصَارَ كَالدَّارِ (وَفِيمَا لَا يُخْتَلَفُ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْتَعْمَلِ (بَطَلَ التَّقْيِيدُ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ - (فَإِنْ سَمَّى) فِي الْحَمْلِ (نَوْعًا وَقَدْرًا كَكُرِّ بُرٍّ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ (حَمْلُ مِثْلِهِ) فِي الضَّرَرِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا (وَزْنًا وَالْأَخَفُّ كَالسِّمْسِمِ وَالشَّعِيرِ لَا الْأَضَرَّ كَالْمِلْحِ وَالْحَدِيدِ) حَتَّى إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قُطْنًا سَمَّاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ أَضَرَّ بِالدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ظَهْرِهَا وَالْقُطْنُ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِهَا (وَضَمِنَ بِإِرْدَافِ رَجُلٍ إنْ ذَكَرَ رُكُوبَهُ) أَيْ رُكُوبَ نَفْسِهِ (نِصْفَ قِيمَتِهَا) بِلَا اعْتِبَارِ الثِّقَلِ بَيْنَ الْمُرْدِفِ وَالرَّدِيفِ، فَإِنَّ الْخَفِيفَ الْجَاهِلَ بِالْفُرُوسِيَّةِ قَدْ يَكُونُ أَضَرَّ مِنْ الثَّقِيلِ الْعَالِمِ بِهَا ذَكَرَ الْإِرْدَافَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَكِبَهَا وَحَمَلَ عَلَى عَاتِقِهِ غَيْرَهُ ضَمِنَ جَمِيعَ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ تُطِيقُ حَمْلَهُمَا؛ لِأَنَّ ثِقَلَ الرَّاكِبِ مَعَ الَّذِي حَمَلَهُ يَجْتَمِعَانِ فِي مَكَان فَيَكُونُ أَشَقَّ عَلَى الدَّابَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تَضِيقُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الضَّمَانِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرْدَفَ صَبِيًّا لَا يَسْتَمْسِكُ ضَمِنَ مَا زَادَ الثِّقَلُ، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ فَهُوَ كَالرَّجُلِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ (وَ) ضَمِنَ (بِالزِّيَادَةِ عَلَى حَمْلٍ مَعْلُومٍ مَا زَادَ إنْ أَطَاقَتْ الْحَمْلَ) أَيْ ضَمِنَ قَدْرَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَمْلِ الْمَعْلُومِ فِي الثِّقَلِ؛ لِأَنَّهَا هَلَكَتْ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَالسَّبَبُ الثِّقَلُ فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُطِقْ حَمْلَ مِثْلِهِ (فَيَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا) لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ فَيَكُونُ إهْلَاكًا (كَهَلَاكِهَا بِضَرْبِهِ) أَيْ الرَّاكِبِ (وَكَبْحِهِ) وَهُوَ أَنْ يَجْذِبَهَا إلَى نَفْسِهِ لِتَقِفَ وَلَا تَجْرِيَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِتَحَقُّقِ السَّوْقِ بِدُونِهِ (وَجَوَازِهِ بِهَا) أَيْ الدَّابَّةِ (عَمَّا) أَيْ عَنْ مَكَان (اُسْتُؤْجِرَتْ إلَيْهِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (ذَاهِبًا وَجَائِيًا) أَيْ لِلذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ (وَرَدِّهَا إلَيْهِ) عَطْفٌ عَلَى جَوَازِهِ بِهَا يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَ بِهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ نَفَقَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ قِيلَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا لِيَنْتَهِيَ الْعَقْدُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأَوَّلِ فَلَا تَصِيرُ بِالْعَوْدِ مَرْدُودَةً إلَى يَدِ الْمَالِكِ مَعْنًى أَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَقِيلَ الْجَوَابُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُودَعَ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ مَقْصُودًا فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِالْحِفْظِ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ فَيَحْصُلُ الرَّدُّ إلَى نَائِبِ الْمَالِكِ وَفِي الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ يَصِيرُ الْحِفْظُ مَأْمُورًا بِهِ تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ لَا مَقْصُودًا، فَإِذَا انْقَطَعَ الِاسْتِعْمَالُ لَمْ يَبْقَ هُوَ نَائِبًا فَلَا يَبْرَأُ بِالْعَوْدِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا أَصَحُّ وَقَالَ فِي الْكَافِي الْأَوَّلُ أَصَحُّ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ تَسَاوَيَا وَزْنًا) أَقُولُ الْوَاوُ زَائِدَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَخَفُّ كَالسِّمْسِمِ وَالشَّعِيرِ) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِحَمْلِ مِقْدَارٍ مِنْ الْبُرِّ لَهُ عَمَلٌ مِثْلُ كَيْلِهِ سِمْسِمًا أَوْ شَعِيرًا وَكَذَا مِثْلُ وَزْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ أَضَرَّ) أَقُولُ بَلْ مَجْزُومٌ بِضُرِّهِ عَلَى أَنَّهُ جَزَمَ بِهِ مِنْ قَبْلُ (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ بِإِرْدَافِ رَجُلٍ. . . إلَخْ) . أَقُولُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ إذَا هَلَكَتْ بَعْدَمَا بَلَغَتْ مَقْصِدَهُ وَنِصْفَ الْقِيمَةِ ثُمَّ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّدِيفَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاكِبَ فَالرَّاكِبُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ وَالرَّدِيفُ يَرْجِعُ إنْ كَانَ مُسْتَأْجِرًا وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى حَمْلٍ مَعْلُومٍ مَا زَادَ إنْ أَطَاقَتْ الْحَمْلَ) أَقُولُ وَهَذَا إذَا حَمَّلَهَا الزِّيَادَةَ مَعَ الْمُسَمَّى وَكَانَتْ مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى لَوْ حَمَّلَهَا الْمُسَمَّى وَحْدَهُ ثُمَّ حَمَّلَهَا الزِّيَادَةَ وَحْدَهَا أَوْ حَمَّلَهَا وَكَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا لِحِنْطَةٍ مَعْلُومَةٍ فَزَادَ يَجِبُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى اسْتَكْرَى دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشْرَ مَخَاتِيمَ بُرٍّ فَجَعَلَ فِي الْجُوَالِقِ عِشْرِينَ وَأَمَرَ الْمُكَارِيَ أَنْ يَحْمِلَ هُوَ عَلَيْهَا فَحَمَلَ هُوَ وَلَمْ يُشَارِكْهُ الْمُسْتَكْرِي فِي الْحَمْلِ لَا ضَمَانَ إنْ هَلَكَتْ وَلَوْ حَمَلَاهُ مَعًا وَوَضَعَاهُ عَلَيْهَا يَضْمَنُ الْمُسْتَكْرِي رُبُعَ الْقِيمَةِ وَلَوْ كَانَ الْبُرُّ فِي جُوَالِقَيْنِ فَحَمَلَ كُلٌّ جُوَالِقًا وَوَضَعَاهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ مَعًا لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا وَيُجْعَلُ حَمْلُهُ مِمَّا اُسْتُحِقَّ بِالْعَقْدِ اهـ (قَوْلُهُ وَجَوَازُهُ بِهَا عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ إلَيْهِ وَلَوْ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَرَدَّهَا إلَيْهِ) قَالَ فِي الْكَافِي هَذَا أَصَحُّ. اهـ. كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ. . . إلَخْ) سَنَذْكُرُ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ وَالْجِنَايَةِ فِي الرَّهْنِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُسْتَعِيرَ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْجَوَابُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ) تَفْسِيرُ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا ذَهَابًا وَإِيَابًا (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ هَذَا أَصَحُّ) وَقَالَ فِي الْكَافِي الْأَوَّلُ أَصَحُّ أَقُولُ هَذَا وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي الْكَافِي عَلَى التَّصْحِيحِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا اعْتَمَدَاهُ مِنْ التَّصْحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكَافِي قِيلَ هَذَا أَيْ الضَّمَانُ بِالْمُجَاوَزَةِ إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَهَابًا لَا جَائِيًا لِانْقِضَاءِ الْعَقْدِ دُونَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا لِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَقِيلَ بَلْ هُوَ ضَامِنٌ

[باب الإجارة الفاسدة]

(وَنَزَعَ) أَيْ ضَمِنَ بِنَزْعِ (سَرْجِ حِمَارٍ مُكْتَرٍ وَإِيكَافِهِ) يَعْنِي إذَا اكْتَرَى حِمَارًا مُسْرَجًا وَنَزَعَ سَرْجَهُ أَوْ إكَافَهُ يَضْمَنُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْإِكَافُ مِمَّا يُوكَفُ هَذَا الْحِمَارُ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِكَافَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّرْجِ لِاخْتِلَافِهِمَا صُورَةً وَمَعْنًى فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ إذَا عَطِبَتْ كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ مَكَانَ الْحِنْطَةِ (وَأَسْرَجَهُ بِمَا لَا يُسْرَجُ) أَيْ الْحِمَارُ (بِمِثْلِهِ) حَيْثُ يَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ إتْلَافًا لِلدَّابَّةِ كَمَنْ أَبْدَلَ الْحِنْطَةَ بِالْحَدِيدِ - (وَسُلُوكٍ) أَيْ يَضْمَنُ الْحَمَّالُ قِيمَةَ مَتَاعِ حِمْلِهِ إنْ هَلَكَ بِسُلُوكِ (طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ) الْمُسْتَأْجِرُ لَكِنَّ النَّاسَ يَسْلُكُونَهُ أَيْضًا (وَقَدْ تَفَاوَتَا) أَيْ الطَّرِيقَانِ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالصُّعُوبَةِ وَالسُّهُولَةِ حَتَّى إذَا لَمْ تَتَفَاوَتَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهِ حِينَئِذٍ (أَوْ سُلُوكِ مَا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ) أَيْ يَضْمَنُ أَيْضًا إذَا هَلَكَ بِسُلُوكِ طَرِيقٍ لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ وَحُصُولِ الْمُخَالَفَةِ (وَحَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ) يَعْنِي إذَا حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ فِي الْبَرِّ ضَمِنَ إذَا تَلِفَ؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ مُتْلِفٌ حَتَّى إنَّ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَرِّ لَا الْبَحْرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْحَمَّالِ (الْأَجْرُ) فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (إنْ بَلَغَ) الْمَنْزِلَ (سَالِمًا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ - (اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزَرْعِ بُرٍّ فَزَرَعَ رَطْبَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَتْ) ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَةَ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ الْبُرِّ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى مَضَرَّةٍ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَتْ (بِلَا أَجْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا حَيْثُ أَشْغَلَ الْأَرْضَ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ - (دَفَعَ ثَوْبًا) إلَى خَيَّاطٍ (لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا) بِدِرْهَمٍ (فَخَاطَهُ قَبَاءً) خُيِّرَ الدَّافِعُ إنْ شَاءَ (ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَوْ أَخْذَ الْقَبَاءِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) قِيلَ مَعْنَاهُ الْقُرْطُقُ الَّذِي هُوَ ذُو طَاقٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ وَقِيلَ هُوَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يُشَدُّ وَسَطُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ الْقَمِيصِ فَفِيهِ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ لَكِنْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِقُصُورِ جِهَةِ الْمُوَافَقَةِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الدِّرْهَمَ الْمُسَمَّى كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ - (دَفَعَ غُلَامَهُ إلَى حَائِكٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِتَعَلُّمِ النَّسْجِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ الْأُسْتَاذُ الْمَوْلَى كُلَّ شَهْرٍ كَذَا جَازَ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَخْذَ أَجْرٍ فَبَعْدَ تَعَلُّمِهِ طَلَبَ الْأُسْتَاذُ مِنْ الْمَوْلَى أَجْرًا وَهُوَ مِنْهُ) أَيْ الْمَوْلَى مِنْ الْأُسْتَاذِ (يُنْظَرُ إلَى عُرْفِ الْبَلْدَةِ) فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَشْهَدُ لِلْأُسْتَاذِ يُحْكَمُ بِأَجْرِ مِثْلِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمَوْلَى فَبِأَجْرِ مِثْلِ الْغُلَامِ عَلَى الْأُسْتَاذِ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ ابْنَهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ) (تَفْسُدُ) بِأُمُورٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (بِالشَّرْطِ الْمُفْسِدِ لِلْبَيْعِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَكُونُ لَهَا قِيمَةٌ بِالْعَقْدِ وَتَصِيرُ بِهِ مَالًا فَتُعْتَبَرُ الْإِجَارَةُ بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا وَقِيلَ الْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: وَنَزَعَ سَرْجَ حِمَارٍ مُكْتَرًى وَإِيكَافَهُ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَضْمَنُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ. وَفِي الْحَقَائِقِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. وَمَا قَالَا رِوَايَةُ الْإِجَارَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الزِّيَادَةِ قِيلَ مِسَاحَةً حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الْحِمَارِ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ يَضْمَنُ نِصْفَ الْقِيمَةِ وَقِيلَ ثِقْلًا حَتَّى إذَا كَانَ السَّرْجُ مَنَوَيْنِ وَالْإِكَافُ سِتَّةَ أَمْنَاءَ يَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ اهـ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَقُولُ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّابَّةُ تُوكَفُ بِمِثْلِهِ وَتُسْرَجُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِحَسَبِ الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الدَّابَّةُ لَا تُوكَفُ بِمِثْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إتْلَافَهُ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ خِلَافِ الْجِنْسِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ وَبِهِ نَأْخُذُ إلَى هُنَا لَفْظُ أَبِي اللَّيْثِ اهـ. وَقَيَّدَ بِنَزْعِ السَّرْجِ وَالْإِكَافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانًا لِيَرْكَبَ خَارِجَ الْمِصْرِ فَأَسْرَجَهَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لِرُكُوبٍ فِي الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَشْرَافِ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ مِنْ الْأَسَافِلِ يَضْمَنُ وَقَيَّدَ بِتَبْدِيلِ سَرْجِهَا بِإِكَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَدَّلَ إكَافَهَا بِسَرْجٍ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْإِكَافِ وَلَوْ بَدَّلَ سَرْجَهَا بِسَرْجٍ تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ فَهَلَكَتْ لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْأَخِيرَ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الْأَجْرُ إنْ بَلَغَ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ بَلَغَ بَعْدَ نَزْعِ سَرْجِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَذَ الْقَبَاءَ بِأَجْرِ مِثْلِهِ) أَقُولُ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ وَالْخَيَّاطُ ضَامِنٌ لَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ مَعَ تَوْجِيهِ كُلٍّ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ) أَقُولُ وَقَالَ عُقْبَةُ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ يَقُولُ عُرْفُ دِيَارِنَا فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي يُفْسِدُ الْمُتَعَلِّمُ فِيهَا بَعْضَ مَا كَانَ مُتَقَوِّمًا حَتَّى يَتَعَلَّمَ نَحْوَ عَمَلِ ثَقْبِ الْجَوَاهِرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ يَكُونُ الْأَجْرُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ كَانَ مُسَمًّى فَالْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ عَلَيْهِ لِلْأُسْتَاذِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ هَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ عَلَى الْأُسْتَاذِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ] [مَا يفسد الْإِجَارَة] (بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ)

النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِهَا - وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ (وَالشُّيُوعُ) بِأَنْ يُؤَجِّرَ نَصِيبًا مِنْ دَارِهِ أَوْ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِانْتِفَاعُ وَهُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يُمْكِنُ بِالْمَشَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَسْلِيمُهُ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمِلْكُ وَهُوَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ يُمْكِنُ فِي الْمَشَاعِ فَيَجُوزُ (الْأَصْلِيُّ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا إذَا آجَرَ كُلَّ الدَّارِ ثُمَّ فَسَخَا فِي النِّصْفِ أَوْ أَجَّرَ رَجُلَانِ دَارَهُمَا لِوَاحِدٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ بِالْعَكْسِ (إلَّا مِنْ شَرِيكِهِ) ، فَإِنَّ كُلَّ الْمَنْفَعَةِ حِينَئِذٍ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَالْبَعْضُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ الْحَقِيقِيِّ وَالْبَعْضُ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ فَلَا يَظْهَرُ مَعْنَى الشُّيُوعِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي حَقِّ السَّبَبِ وَلَا عِبْرَةَ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ الشُّيُوعُ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْكَافِي - وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَجَهَالَةُ الْمُسَمَّى) بِأَنْ جَعَلَ الْأُجْرَةَ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً بِلَا تَعْيِينٍ وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمِ التَّسْمِيَةِ) إنْ قَالَ آجَرْتُكَ دَارِي شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَلَمْ يَقُلْ بِكَذَا وَتَفْسُدُ أَيْضًا إذَا اسْتَأْجَرَ حَانُوتًا أَوْ دَارًا سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ صَارَتْ الْمَرَمَّةُ مِنْ الْأَجْرِ فَيَصِيرُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَجَهَالَةِ الْمُسَمَّى (فَإِنْ فَسَدَتْ بِهِمَا) أَيْ بِهَذَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ (وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ) إذْ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ (بَالِغًا مَا بَلَغَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَفْسُدْ بِهِمَا بَلْ بِالشَّرْطِ أَوْ الشُّيُوعِ (لَمْ يَزِدْ) أَيْ أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى الْمُسَمَّى) أَيْ إذَا كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ زَائِدًا عَلَى الْمُسَمَّى لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِمَا حَيْثُ سُمِّيَ الْأَقَلُّ (وَيَنْقُصُ عَنْهُ) أَيْ إنْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ نَاقِصًا عَنْ الْمُسَمَّى لَا يَجِبُ قَدْرُ الْمُسَمَّى لِفَسَادِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْفَسَادِ بِهِمَا بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى فِي الْفَسَادِ بِغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا قِيمَةَ لَهَا فِي أَنْفُسِهَا عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ أَوْ بِشُبْهَةِ الْعَقْدِ، فَإِذَا لَمْ تَتَقَوَّمْ فِي أَنْفُسِهَا وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا قُوِّمَتْ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَسَقَطَ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِرِضَاهُمَا بِإِسْقَاطِهِ، وَإِذَا جُهِلَ الْمُسَمَّى أَوْ عُدِمَتْ التَّسْمِيَةُ انْتَفَى الْمُرَجِّحُ وَوَجَبَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ وُجُوبُ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَرَّرَ هَذَا الْكَلَامُ، فَإِنَّ عِبَارَةَ الْقَوْمِ مُضْطَرِبَةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ - (فَإِنْ أَجَّرَ دَارِهِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَجَهَالَةِ الْمُسَمَّى (بِعَبْدٍ) أَيْ عَبْدٍ مَجْهُولٍ (فَسَكَنَ مُدَّةً) كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا (وَلَمْ يَدْفَعْهُ) أَيْ الْعَبْدَ (فَعَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَتُفْسَخُ فِي الْبَاقِي) مِنْ الْمُدَّةِ - (آجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا صَحَّ فِي وَاحِدٍ فَقَطْ) وَفَسَدَ فِي الْبَاقِي إذْ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ عَلَى جُمْلَةِ الشُّهُورِ لِجَهَالَتِهَا وَلَا عَلَى مَا بَيْنَ الْأَدْنَى وَالْكُلِّ لَعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ بَعْضِهَا مِنْ الْبَعْضِ فَتَعَيَّنَ الْأَدْنَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَالشُّيُوعُ) أَقُولُ إجَارَةُ الْمَشَاعِ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِشَرْطِ بَيَانِ نَصِيبِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الْمُغْنِي الْفَتْوَى فِي إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ وَإِجَارَةُ الْمَشَاعِ سَوَاءٌ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا بِأَنْ يُؤَجِّرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: احْتَرَزَ عَنْ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَهَذَا حِيلَةُ جَوَازِ إجَارَةِ الْمَشَاعِ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا حِيلَةُ جَوَازِهَا عِنْدَهُ أَنْ يَلْحَقَهَا حُكْمُ حَاكِمٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَجَّرَ رَجُلَانِ دَارَهُمَا. . . إلَخْ) . أَقُولُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِينَ لَا تَفْسُدُ الْإِجَارَةُ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ زُفَرُ تَفْسُدُ فِي كِلْتَيْهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ: وَجَهَالَةِ الْمُسَمَّى. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا تَفْسُدُ لَوْ جَهِلَ بَعْضَهُ كَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَوْبٍ مَا وَكَذَا إذَا رَدَّدَ فِي الزَّمَانِ كَأَنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِهِ إذَا لَمْ يَخِطْهُ إلَّا فِي الْغَدِ لِاجْتِمَاعِ التَّسْمِيَتَيْنِ فَيَكُونُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَسَدَ بِهِمَا أَيْ بِهَذَيْنِ الْأَخِيرِينَ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَالِغًا مَا بَلَغَ) أَقُولُ هَكَذَا مِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَسْأَلَةِ تَرْدِيدِ الْعَمَلِ إذْ لَا يَتَجَاوَزُ فِيهَا الْمُسَمَّى مَعَ أَنَّ فَسَادَهَا لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَفْسُدْ بِهِمَا بَلْ بِالشَّرْطِ أَوْ الشُّيُوعِ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْمُسَمَّى) أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالُوا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا عَلَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إنْ سَكَنَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ فَهَذِهِ فَسَدَتْ بِالشَّرْطِ وَزِيدَ فِيهَا عَلَى الْمُسَمَّى (قَوْلُهُ: هَكَذَا يَنْبَغِي. . . إلَخْ) أَقُولُ قَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَجَّرَ دَارِهِ بِعَبْدٍ مَجْهُولٍ فَسَكَنَ مُدَّةً وَلَمْ يَدْفَعْهُ فَعَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَتُفْسَخُ فِي الْبَاقِي) أَقُولُ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى عَدَمِ دَفْعِ الْعَبْدِ إذْ هُوَ الْوَاجِبُ لِلْفَسَادِ فَلَا مَفْهُومَ لِمَا ذَكَرَهُ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَهُ بِأَنْ آجَرَ دَارِهِ سَنَةً بِعَبْدِ بِعَيْنِهِ فَسَكَنَ الْمُسْتَأْجِرُ شَهْرًا وَلَمْ يَدْفَعْ الْعَبْدَ حَتَّى أَعْتَقَهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَكَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِلشَّهْرِ الْمَاضِي أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَتُنْقَضُ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ فَسَدَتْ فِيمَا بَقِيَ وَكَذَا لَوْ أَجَّرَ دَارًا بِعَيْنٍ فَسَكَنَ الدَّارَ وَلَمْ يُسَلِّمَ الْعَيْنَ حَتَّى هَلَكَتْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بَالِغًا

وَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ. (وَفِي كُلِّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ) ، فَإِنَّهُ إذَا سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ إلَّا بِعُذْرٍ وَكَذَا كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ مِنْهُمَا بِالْعَقْدِ يَتِمُّ بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ وَيَوْمِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رَأْسُ الشَّهْرِ وَفِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ نَوْعُ حَرَجٍ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الْكُلَّ) بِأَنْ يَقُولَ: آجَرْتهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا يَعْنِي إذَا بَيَّنَ جُمْلَةَ الشُّهُورِ وَعَيَّنَ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهَا جَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً فَارْتَفَعَ الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ - (أَجَّرَهَا سَنَةً بِكَذَا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ أَجْرَ كُلِّ شَهْرٍ) ؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ أَلَا يَرَى أَنَّ إجَارَةَ شَهْرٍ وَاحِدٍ تَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ قِسْطَ كُلِّ يَوْمٍ (وَأَوَّلُ الْمُدَّةِ مَا سَمَّى) بِأَنْ يَقُولَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا (فَوَقْتُ الْعَقْدِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا فِي حُكْمِ الْإِجَارَةِ سَوَاءٌ وَفِي مِثْلِهِ يَتَعَيَّنُ الزَّمَانُ الَّذِي يَعْقُبُ السَّبَبَ كَمَا فِي الْآجَالِ بِأَنْ بَاعَ إلَى شَهْرٍ وَالْأَيْمَانِ بِأَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حَيْثُ اعْتَبَرَ فِيهِمَا الِابْتِدَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ - (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْعَقْدُ (حِينَ يَهُلُّ الْهِلَالُ اعْتَبَرَ الْأَهِلَّةَ) أَيْ شُهُورَ السَّنَةِ كُلِّهَا بِالْأَهِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ أَصْلٌ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] (وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إذَا تَعَذَّرَ يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ - (اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَبِطَعَامِهِ لَمْ يَجُزْ) لِجَهَالَةِ بَعْضِ الْأَجْرِ، جَازَ (إجَارَةُ الْحَمَّامِ) فَجَازَ أَخْذُ أُجْرَتِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ الْحَمَّامَ فِي الْجُحْفَةِ» وَلِتَعَارُفِ النَّاسِ (وَالْحَجَّامِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «احْتَجَمَ وَأَعْطَى أُجْرَتَهُ» (وَالظِّئْرِ بِأَجْرٍ مُعَيَّنٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ وَهُوَ اللَّبَنُ فَصَارَ كَاسْتِئْجَارِ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا أَوْ الْبُسْتَانِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَقَدْ جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ فِي الْإِعْصَارِ بِلَا نَكِيرٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بَلْ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ حَضَانَةُ الصَّبِيِّ وَتَلْقِيمُهُ ثَدْيَهَا وَتَرْبِيَتُهُ وَخِدْمَتُهُ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ، وَإِنَّمَا لَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إذَا أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْتِ بِالْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ (وَطَعَامُهَا وَكِسْوَتُهَا) وَعِنْدَهُمَا لَا تَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ وَلَهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ بَيْنَ النَّاسِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْآظَارِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَى أَوْلَادِهِمْ - (وَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا لَا فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا بِإِذْنِهِ) يَعْنِي لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَقُّ الزَّوْجِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إبْطَالِهِ حَقَّهُ لَكِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا فِي مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ بِلَا إذْنِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (فِي نِكَاحٍ ظَاهِرٍ) بَيْنَ النَّاسِ أَوْ عَلَيْهِ شُهُودٌ (فَسْخُهَا) أَيْ فَسْخُ إجَارَةِ الظِّئْرِ (لَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ) سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَشِينُهُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ ظِئْرًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ تُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ امْرَأَتَهُ عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ (وَفِيمَا) أَيْ فِي نِكَاحٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ بَلْ (بِإِقْرَارِهَا لَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَهَا وَقَوْلُهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ مَنْ اسْتَأْجَرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَلَغَ اهـ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَمَّ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ) أَقُولُ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَاضِرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ قَدَّمَ أُجْرَةَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ لَا يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ فِي قَدْرِ الْمُعَجَّلِ أُجْرَتِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ) أَقُولُ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَفِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ نَوْعُ حَرَجٍ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِهِ أَوَّلُ سَاعَةٍ مِنْ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: اسْتَأْجَرَ عَبْدًا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ وَبِطَعَامِهِ لَمْ يَجُزْ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ طَعَامَ الْعَبْدِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ طَعَامُهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَفُهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الدَّابَّةِ نَأْخُذُ بِقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَمَّا فِي زَمَانِنَا الْعَبْدُ يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ عَادَةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَطَعَامُهَا وَكِسْوَتُهَا) أَقُولُ كَانَ الْأَوْلَى إعَادَةَ حَرْفِ الْجَرِّ بِأَنْ يَقُولَ وَبِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَتْ تَتْمِيمًا لِلْأُولَى (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ) يَعْنِي فَالْجَوَازُ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَهُ اسْتِحْسَانًا وَلَهَا الْوَسَطُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا فِي الْأَصَحِّ

وَجَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُهَا إنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ؛ لِأَنَّ لَبَنَهَا يَضُرُّ بِالْوَلَدِ (وَعَلَيْهَا غَسْلُ الصَّبِيِّ وَثِيَابِهِ وَإِصْلَاحُ طَعَامِهِ وَدُهْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الظِّئْرَ هِيَ الَّتِي تَتَوَلَّى هَذِهِ الْأُمُورَ فَصَارَ ذَلِكَ كَالْمَشْرُوطِ (لَا ثَمَنِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الثِّيَابِ وَالطَّعَامِ وَالدُّهْنِ (وَهُوَ) أَيْ ثَمَنُهُ (وَأَجْرُهُ) أَيْ أَجْرُ عَمَلِ الْمُرْضِعَةِ وَإِرْضَاعِهَا (عَلَى أَبِيهِ) - وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ شَاةٍ أَوْ غَذَّتْهُ بِطَعَامٍ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ فَلَا أَجْرَ لَهَا) ، فَإِنَّ أَجْرَ الْإِرْضَاعِ لَمَّا كَانَ عَلَى الْأَبِ كَانَ تَرْكُ الْإِرْضَاعِ حِرْمَانًا عَنْ الْأَجْرِ، فَإِنَّ الْإِرْضَاعَ هُوَ إشْرَابُ الصَّبِيِّ لَبَنَهَا بِإِدْخَالِ حَلَمَةِ ثَدْيِهَا فِي فَمِهِ وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، فَإِنَّ هَذَا إيجَارٌ وَلَيْسَ بِإِرْضَاعٍ فَقَوْلُهُمْ، فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ) حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ حِينَئِذٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ - (وَلَمْ تَصِحَّ الْإِجَارَةُ لِلْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ وَالْحَجِّ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْغِنَاءِ وَالْمَلَاهِي وَالنَّوْحِ) . وَفِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ إذَا أَخَذَ الْمَالَ بِلَا شَرْطٍ يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءُ مَالٍ عَنْ طَوْعٍ بِلَا عَقْدٍ (وَعَسْبِ التَّيْسِ) وَهُوَ أَنْ يُؤَجِّرَ فَحْلًا لِيَنْزُوَ عَلَى الْإِنَاثِ وَالْمُرَادُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ عِنْدَنَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الْفُتُورُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ جَوَّزَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَلِذَا قَالَ (وَيُفْتَى الْيَوْمَ بِصِحَّتِهَا) أَيْ الْإِجَارَةِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَيُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى دَفْعِ الْأَجْرِ وَيُحْبَسُ بِهِ وَعَلَى الْحُلْوَةِ الْمَرْسُومَةِ وَهِيَ هَدِيَّةٌ تُهْدَى إلَى الْمُعَلِّمِينَ عَلَى رُءُوسِ بَعْضِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سُمِّيَتْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إهْدَاءُ الْحَلَاوَى - (تَفْسُدُ) أَيْ الْإِجَارَةُ (إنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِنِصْفِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِيَحْمِلَ زَادَهُ بِبَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الزَّادِ (أَوْ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ بُرَّهُ بِبَعْضِ دَقِيقِهِ) هَذَا الْأَخِيرُ يُسَمَّى قَفِيزَ الطَّحَّانِ وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَالْأَوَّلَانِ فِي مَعْنَاهُ - (أَوْ مَنْ يَخْبِزُ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِكَذَا) أَيْ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْأَصْوُعَ مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَسَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْوَقْتِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ الْمَنْفَعَةَ، وَذِكْرَ الْعَمَلِ مَعَ تَقْدِيرِ الدَّقِيقِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ الْعَمَلَ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعَ أَنَّ نَفْعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَجَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُهَا إنْ مَرِضَتْ أَوْ حَبِلَتْ) أَقُولُ وَجَازَ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَفْسَخَهَا بِأَذِيَّةِ أَهْلِهِ لَهَا وَبِعَدَمِ جَرَيَانِ عَادَتِهَا بِإِرْضَاعِ وَلَدِ غَيْرِهَا وَبِمُعَايَرَتِهَا بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ (لَا ثَمَنُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَقُولُ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الدُّهْنَ وَالرَّيْحَانَ عَلَى الظِّئْرِ فَذَاكَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ شَاةٍ) أَقُولُ بِأَنْ أَقَرَّتْ بِهِ أَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِإِرْضَاعِهَا لَبَنَ الْبَهَائِمِ لَهُ، وَإِنْ جَحَدَتْ كَوْنَهُ بِلَبَنِ شَاةٍ فَالْقَوْلُ لَهَا مَعَ يَمِينِهَا اسْتِحْسَانًا وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا مَا أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِ نَفْسِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِقِيَامِهَا عَلَى النَّفْيِ مَقْصُودًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِدُخُولِهِ فِي ضِمْنِ الْإِثْبَاتِ، وَإِنْ أَقَامَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الظِّئْرِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا أَجْرَ) أَقُولُ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى اخْتِيَارِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ بِمُصَالَحَةٍ تَبَعٌ، وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَهُوَ الْقِيَامُ بِخِدْمَةِ الْوَلَدِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقًّا تَبَعًا لِلْخِدْمَةِ فَكَيْفَ يَسْقُطُ كُلُّ الْأَجْرِ بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا دَفَعَتْهُ إلَى خَادِمَتِهَا حَتَّى أَرْضَعَتْهُ حَيْثُ تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ) لِقَوْلِ هَذَا اسْتِحْسَانٌ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ إرْضَاعَ ثَدْيِهَا، وَإِنْ شَرَطَ فَدَفَعَتْهُ لِخَادِمِهَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ. . . إلَخْ) أَقُولُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ «عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا فَقُلْتُ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ إنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْت مَا تَرَى فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ هِيَ جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا أَوْ تَعَلَّقْتَهَا» . اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِيَحْمِلَ زَادَهُ بِبَعْضِهِ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِبَعْضِهِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ مِنْهُ وَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى إذَا فَعَلَ مَا اسْتَأْجَرَ لَهُ وَهَذَا إذَا أَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْجَمِيعِ بِبَعْضِهِ، وَأَمَّا إذَا أَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْبَعْضِ بِبَعْضِهِ الْبَاقِي فَلَا أَجْرَ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ النِّصْفَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ فَصَارَ شَرِيكًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اهـ. وَيُنْظَرُ هَلْ نَسْجُ الثَّوْبِ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْ يَخْبِزُ لَهُ كَذَا الْيَوْمَ بِكَذَا) أَقُولُ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ قَدَّمَ الْعَمَلَ أَوْ أَخَّرَ إذَا ذَكَرَ الْأَجْرَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ، وَأَمَّا إذَا ذَكَرَ الْوَقْتَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأَجْرَ ثُمَّ الْعَمَلَ بَعْدَهُ أَوْ ذَكَرَ الْعَمَلَ أَوَّلًا ثُمَّ الْأَجْرَ ثُمَّ الْوَقْتَ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِهِ لِكَوْنِهِ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَنَفْعُ الْأَجِيرِ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِهِ لِكَوْنِهِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَمِلَ أَوْ لَا فَفَسَدَ الْعَقْدُ وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كِلَيْهِمَا أَيْ يَعْمَلُ هَذَا الْعَمَلَ مُسْتَغْرِقًا لِهَذَا الْيَوْمِ فَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَادَةً وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا سَمَّى عَمَلًا وَقَالَ فِي الْيَوْمِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ فِي لِلظَّرْفِ لَا لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ فَلَا تَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ وَهُوَ مَعْلُومٌ - (أَوْ أَرْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَبْنِيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ يَبْقَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَفِيهِ نَفْعُ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَتَفْسُدُ كَالْبَيْعِ (بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِهَا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكَرْبِ فَلَا تَفْسُدُ بِهِ (وَبِلَا ذِكْرِ زِرَاعَتِهَا أَوْ مَا يُزْرَعُ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَرْضَ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَمَا لَمْ يُبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُعْلَمُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِتَفَاوُتِ أَنْوَاعِ الزِّرَاعَاتِ وَإِضْرَارِ بَعْضِهَا بِالْأَرْضِ فَمَا لَمْ يُبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُعْلَمْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يُعَمِّمَ الْمُؤَجِّرُ) بِأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَ مَا شِئْتَ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مِنْهُ (وَلَوْ زَرَعَهَا) بِلَا ذِكْرِ الزِّرَاعَةِ أَوْ مَا يُزْرَعُ (فَمَضَى الْأَجَلُ عَادَ) أَيْ الْعَقْدُ (صَحِيحًا) وَلَهُ الْمُسَمَّى لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ بِالزِّرَاعَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ - (اسْتَأْجَرَ جَمَلًا إلَى بَغْدَادَ وَلَمْ يُسَمِّ حَمْلَهُ فَحَمَلَ مُعْتَادًا فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ وَالْعَيْنَ أَمَانَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي (وَإِنْ بَلَغَ) الْمَكَانَ الْمَعْهُودَ (فَلَهُ الْمُسَمَّى) مِنْ الْأَجْرِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ (فَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (قَبْلَ الزَّرْعِ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ الْحَمْلِ) فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (فُسِخَتْ الْإِجَارَةُ) يَعْنِي فَسَخَهَا الْقَاضِي دَفْعًا لِلْفَسَادِ - (وَإِنْ تَعَدَّى) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الدَّابَّةِ (وَضَمِنَ أَوْ حَمَلَ طَعَامًا مُشْتَرَكًا) بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَاسْتَأْجَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ حِمَارَهُ إلَى مَكَانِ كَذَا فَحَمَلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ (فَلَا أَجْرَ لَهُ) لَا الْمُسَمَّى وَلَا أَجْرُ الْمِثْلِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَجْرَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ فَبَطَلَ كَإِجَارَةِ مَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ حَمَلَ النِّصْفَ الشَّائِعَ وَحَمْلُهُ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّهُ حِسِّيٌّ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الشَّائِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَائِعٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ - (كَمَا فِي الْجُحُودِ فِي الطَّرِيقِ) يَعْنِي اسْتَأْجَرَ دَابَّةً ثُمَّ جَحَدَ الْإِجَارَةَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَجَبَ أَجْرُ مَا رَكِبَ قَبْلَ الْإِنْكَارِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ لِمَا بَعْدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ صَارَ غَاصِبًا وَالْأَجْرُ وَالضَّمَانُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْأَجْرُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ سَلِمَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ كَذَا فِي الْكَافِي وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَسَقَطَ الضَّمَانُ قَوْلُهُ: وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ قَائِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِهِ وَحْدَهُ فَوَجَبَ لَهُ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِالْتِزَامِهِ بِذَلِكَ - (إجَارَةُ النَّفْعِ بِالنَّفْعِ تَجُوزُ إذَا اخْتَلَفَا، وَإِذَا اتَّحَدَا لَا) يَعْنِي إذَا أَجَّرَ دَارِهِ لِيَسْكُنَهَا بِسُكْنَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ دَابَّةً يَرْكَبُهَا بِرُكُوبِ دَابَّةٍ أُخْرَى أَوْ ثَوْبَهُ لِيَلْبَسَهُ بِلُبْسِ ثَوْبٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْحَالِ، فَإِذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ كَانَ كَمُبَادَلَةِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً وَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يَحْرُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَفَعَ الْأَجِيرَ فِي وُقُوعِهَا عَلَى الْعَمَلِ) لَعَلَّ صَوَابَهُ عَلَى الْمُدَّةِ يُوَضِّحُهُ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَمِلَ أَوْ لَا وَلِكَوْنِهِ قِسْمًا لِمَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ أَوْ الزَّمَانُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَثَرَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ تَبْقَى بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ) أَقُولُ لَوْ كَانَتْ لِإِجَارَةٍ طَوِيلَةٍ فَلَا يَبْقَى لِفِعْلِهِ أَثَرٌ بَعْدَهَا أَوْ كَانَ الرُّبُعُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ لَا يَفْسُدُ اشْتِرَاكُهُ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى كَرْيِ الْجَدَاوِلِ وَلَا يَبْقَى أَثَرُهُ إلَى الْقَابِلِ عَادَةً بِخِلَافِ كَرْيِ الْأَنْهَارِ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ يَبْقَى إلَى الْقَابِلِ عَادَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَرَعَهَا فَمَضَى الْأَجَلُ عَادَ صَحِيحًا) أَقُولُ صِحَّةُ الْعَقْدِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُضِيِّ الْأَجَلِ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ بَلْ إذَا زَرَعَ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ لِمَا ذَكَرَ بَعْدُ مِنْ وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فِيمَا إذَا بَلَغَ الْحِمْلُ الْمَكَانَ أَنَّ الْجَهَالَةَ ارْتَفَعَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عَادَ الْعَقْدُ صَحِيحًا) يَعْنِي اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْجُحُودِ فِي الطَّرِيقِ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ شَبَّهَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ الْأَجْرَ فِي التَّعَدِّي وَحَمْلِ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ بِمَا إذَا جَهِدَ فِي الطَّرِيقِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْأَجْرُ إلَّا فِيمَا بَقِيَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا ذَكَرَهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِيمَا بَقِيَ بَعْدَ الْجُحُودِ فِي الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا اتَّحَدَا لَا) أَقُولُ ثُمَّ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا الْمَنْفَعَةَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

[باب في الأجير]

النَّسَاءُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ النَّسَاءَ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ لَيْسَ بِحَرَامٍ كَذَا فِي الْكَافِي أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ النَّسَاءَ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ لَيْسَ بِحَرَامٍ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَ فِي بَابِ الرِّبَا إنْ وُجِدَ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ حَرُمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا وَعُدِمَ الْآخَرُ حَلَّ الْفَضْلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ مِثْلُ أَنْ يُسَلِّمَ هَرَوِيًّا فِي هَرَوِيٍّ أَوْ بُرًّا فِي شَعِيرٍ، وَإِنْ عُدِمَا حَلَّ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ، فَإِنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَقَدْ حَرُمَ النَّسَاءُ فِيهِ وَدَفْعُهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ مَا لَا يَكُونُ فِيهِ قَدْرٌ كَبَيْعِ حَفْنَةِ بُرٍّ بِحَفْنَتَيْ شَعِيرٍ حَيْثُ جَازَ فِيهِ النَّسِيئَةُ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَانْتِفَاءِ الْقَدْرِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ جِنْسَ النَّفْعِ إذَا اخْتَلَفَ وَلَيْسَ النَّفْعُ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ النَّسَاءَ لِانْتِفَاءِ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ فَيَكُونُ هَذَا دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ عُدِمَا حَلَّ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ هَذَا وَقَدْ عَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ عَدَمَ الْجَوَازِ إذَا اتَّحَدَ الْجِنْسُ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ فِي الطَّرَفَيْنِ فَكَانَتْ نَسَاءً لَا عَيْنًا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» إلَّا أَنَّهُ خُصَّ مِنْهُ خِلَافُ الْجِنْسِ بِالْإِجْمَاعِ (بَابٌ مِنْ الْإِجَارَةِ) الْأَجِيرُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا (الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ) وَثَانِيهِمَا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ الْأَوَّلُ (مَنْ يَعْمَلُ لَا لِوَاحِدِ) كَالْخَيَّاطِ وَنَحْوِهِ (أَوْ يَعْمَلُ لَهُ) أَيْ لِوَاحِدٍ عَمَلًا (غَيْرَ مُؤَقَّتٍ) ، فَإِنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا وَحْدَهُ لِلْخِيَاطَةِ أَوْ الْخَبْزِ فِي بَيْتِهِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ كَانَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لِغَيْرِهِ (أَوْ مُؤَقَّتًا بِلَا تَخْصِيصٍ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِرَعْيِ غَنَمِهِ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَلَا تَرْعَ غَنَمَ غَيْرِي فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ أَجِيرَ وَاحِدٍ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ (وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ (الْأَجْرَ) إلَّا (بِعَمَلِهِ كَالصَّبَّاغِ وَنَحْوِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ فَمَا لَمْ يُسَلِّمْ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ الْعَمَلُ لَا يُسَلِّمُ لِلْأَجِيرِ الْعِوَضَ وَهُوَ الْأَجْرُ - (وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ) سَوَاءً هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لِمَنْفَعَتِهِ وَهِيَ إقَامَةُ الْعَمَلِ فِيهِ لَهُ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ وَأَجِيرِ الْوَاحِدِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ) ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَبِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا فِيمَا يُمْكِنُ فَعَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَفْسُدُ لِمَا ذَكَرَ (وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ - (بَلْ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِعَمَلِهِ كَالْخَرْقِ) أَيْ خَرْقِ الثَّوْبِ الْحَاصِلِ (مِنْ الدَّقِّ) أَيْ دَقِّ الْقَصَّارِ (وَزَلْقِ الْحَمَّالِ) ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ مِنْ زَلْقِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّثَبُّتَ فِي الْمَشْيِ وَانْقِطَاعِ حَبْلٍ يَشُدُّ بِهِ الْحِمْلَ، فَإِنَّ التَّلَفَ الْحَاصِلَ بِهِ حَصَلَ مِنْ تَرْكِهِ التَّوْثِيقَ فِي شَدِّ الْحِمْلِ - (وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهِ إلَّا آدَمِيًّا غَرِقَ) أَيْ لَا يَضْمَنُ آدَمِيًّا غَرِقَ مِنْ مَدِّهِ السَّفِينَةَ (أَوْ سَقَطَ مِنْ دَابَّةٍ) ، وَإِنْ كَانَ بِسَوْقِهِ أَوْ قَوَدِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْآدَمِيِّ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْجِنَايَةِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْعُقُودِ وَهَذَا لَيْسَ بِجِنَايَةٍ لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ (أَوْ هَلَكَ مِنْ حِجَامَةٍ أَوْ فَصْدٍ) لَمْ يَجُزْ الْمُعْتَادَ كَذَا دَابَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابٌ فِي الْأَجِير] [أَنْوَاع الْأَجِير] بَابٌ مِنْ الْإِجَارَةِ) (قَوْلُهُ: يَعْنِي اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَرْعَى غَنَمَهُ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَهُوَ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ) أَقُولُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ كَانَ فَاسِدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخَبَّازِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالصُّلْحِ عَلَى النِّصْفِ) أَقُولُ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ. وَفِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ سَأَلْتُ عَنْهُ هَلْ يُجْبَرُ الْخَصْمُ عَلَى الصُّلْحِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ أَجَابَ بِأَنِّي كُنْت أُفْتِي بِالصُّلْحِ فِي الِابْتِدَاءِ فَرَجَعْتُ لِهَذَا وَعَنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَجِيرُ مُصْلِحًا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ يُؤْمَرُ بِالصُّلْحِ اهـ. وَفِي التَّبْيِينِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى الْيَوْمَ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَبِهِ يَحْصُلُ صِيَانَةُ أَمْوَالِهِمْ اهـ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَبِهِ يَعْنِي بِمَا قَالَا أَفْتَى بَعْضُهُمْ وَبِقَوْلِ الْإِمَامِ آخَرُونَ وَأَفْتَى بِالصُّلْحِ جَمَاعَةٌ مِنَّا اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَالْمُخْتَارُ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِعَمَلِهِ كَالْخَرْقِ) أَقُولُ وَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَمْ يُعْطِهِ الْأَجْرَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مَعْمُولًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مُدَّةٍ) أَقُولُ أَوْ مُعَالَجَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ فَيَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ أَوْ وَكِيلُهُ فِي السَّفِينَةِ لَا يُضَمِّنُ الْمَلَّاحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ إذَا كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ كَانَ الطَّعَامُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَلَا يُضَمِّنُ الْمَلَّاحَ إلَّا أَنْ يَضَعَ فِيهَا شَيْئًا أَوْ يَفْعَلَ فِعْلًا يَتَعَمَّدُ الْفَسَادَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَقَطَ مِنْ دَابَّةٍ) أَقُولُ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا يَسْتَمْسِكُ عَلَى الدَّابَّةِ وَيَرْكَبُ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَتَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

أَيْ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا دَابَّةً هَلَكَتْ مِنْ فَصْدٍ وَنَحْوِهِ (لَمْ يَجُزْهُ) أَيْ يَجُزْ الْمُعْتَادَ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَصَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَالْوَاجِبُ لَا يُجَامِعُهُ الضَّمَانُ كَمَا إذَا حَدَّ الْقَاضِي أَوْ عَزَّرَ وَمَاتَ الْمَضْرُوبُ بِهِ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَدَقِّ الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ إذْ بِقُوَّةِ الثَّوْبِ وَرِقَّتِهِ يُعْلَمُ مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الدَّقِّ بِالِاجْتِهَادِ فَأَمْكَنَ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلَامَةِ بِخِلَافِ الْفَصْدِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى قُوَّةِ الطَّبْعِ وَضَعْفِهِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْجُرْحِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّلَامَةِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمُعْتَادَ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَهْلَكْ، وَإِذَا هَلَكَ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ بِمَأْذُونٍ فِيهِ وَغَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ وَهُوَ النِّصْفُ حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرِئَ الْمَقْطُوعُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ هُوَ الْحَشَفَةُ وَهُوَ عُضْوٌ كَامِلٌ فَتَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ مَاتَ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهِيَ مِنْ الْغَرَائِبِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ بِالْبُرْءِ وَالْأَقَلُّ بِالْهَلَاكِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ - (فَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْحَمَّالُ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ حَمْلِهِ بِلَا أَجْرٍ أَوْ مَكَانِ كَسْرِهِ بِحِصَّةِ أَجْرِهِ) أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ عَمَلٌ عَلَى سَلِيمٍ وَالْمُفْسَدُ غَيْرُ دَاخِلٍ وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّهُ إذَا انْكَسَرَ فِي الطَّرِيقِ وَالْحَمْلُ شَيْءٌ وَاحِدٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَاقِعٌ تَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَمْلِ حَصَلَ بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا، وَإِنَّمَا صَارَ تَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، فَإِنْ مَال إلَى كَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا ضَمِنَ قِيمَتَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَدِّيًا مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ مَال إلَى كَوْنِهِ مَأْذُونًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنَّمَا صَارَ مُتَعَدِّيًا عِنْدَ الْكَسْرِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ عِنْدَ الْكَسْرِ وَأَعْطَاهُ أُجْرَتَهُ بِحِسَابِهِ - . (وَ) ثَانِي النَّوْعَيْنِ الْأَجِيرُ (الْخَاصُّ) وَيُسَمَّى أَجِيرَ وَاحِدٍ أَيْضًا (هُوَ مَنْ يَعْمَلُ لِوَاحِدٍ عَمَلًا مُؤَقَّتًا بِالتَّخْصِيصِ) وَفَوَائِدُ الْقُيُودِ عُرِفَتْ مِمَّا سَبَقَ (وَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ مُدَّتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَأَجِيرِ شَخْصٍ لِخِدْمَتِهِ أَوْ رَعْيِ غَنَمِهِ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ وَالْأَجْرُ مُقَابَلٌ بِهَا فَيَسْتَحِقُّهُ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْعَمَلِ مَانِعٌ كَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعَمَلِ اعْلَمْ أَنَّ الْأَجِيرَ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِرَعْيِ الْغَنَمِ إنَّمَا يَكُونُ أَجِيرًا خَاصًّا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْدُمَ غَيْرَهُ وَلَا يَرْعَى لِغَيْرِهِ أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا نَحْوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ بِأَوَّلِ الْكَلَامِ أَقُولُ سِرُّهُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الْكَلَامَ عَلَى الْمُدَّةِ فِي أَوَّلِهِ فَتَكُونُ مَنَافِعُهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فِيهَا أَيْضًا وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَرْعَى الْغَنَمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فَيَصِيرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ مَنْ يَقَعُ عَقْدُهُ عَلَى الْعَمَلِ وَأَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ نَوْعِ الْعَمَلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْمُدَّةِ لَا تَصِحُّ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَ الْعَمَلِ بِأَنْ يَقُولَ أَسْتَأْجَرْتُك شَهْرًا لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلْحَصَادِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِالِاحْتِمَالِ فَيَبْقَى أَجِيرَ وَحْدٍ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ بِأَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ تَرْعَى غَنَمَ غَيْرِي مَعَ غَنَمِي وَهَذَا ظَاهِرٌ وَأَخَّرَ الْمُدَّةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْعَى غَنَمًا مُسَمَّاةً لَهُ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ شَهْرًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ فِي أَوَّلِهِ، وَقَوْلُهُ شَهْرًا فِي آخِرِ الْكَلَامِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِيقَاعِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ أَجِيرَ وَحْدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: حَتَّى أَنَّ الْخَتَّانَ لَوْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ وَبَرِئَ الْمَقْطُوعُ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ) أَقُولُ وَبِقَطْعِ بَعْضِهَا يَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ انْكَسَرَ دَنٌّ) أَقُولُ يَعْنِي إذَا كَانَ الْكَسْرُ بِصُنْعِهِ بِأَنْ زَلَقَ أَوْ عَثَرَ أَوْ كَسَرَهُ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ فَانْكَسَرَ فَلَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ قَمَيْتَهُ فِي مَوْضِعِ الْكَسْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: اعْلَمْ إلَى آخِرِ السِّوَادَةِ) مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ: أَوْ ذَكَرَ الْمُدَّةَ أَوْ لَا نَحْوُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ غَنَمًا مُسَمَّاةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ) أَقُولُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَانَ فَاسِدًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَصِحَّتُهُ أَنْ يَلِيَ ذِكْرَ الْمُدَّةِ الْأَجْرُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ

يَكُونَ لِتَقْدِيرِ الْعَمَلِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ أَوَّلُ كَلَامِهِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ - (وَلَا يَضْمَنُ مَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ بِعَمَلِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْعَيْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ نَوْعُ اسْتِحْسَانٍ عِنْدَهُمَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ مِنْ خَلْقٍ كَثِيرٍ طَمَعًا فِي كَثْرَةِ الْأَجْرِ وَقَدْ يَعْجَزُ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا فَيَمْكُثُ عِنْدَهُ طَوِيلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَتْ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فِي حِفْظِهَا وَأَجِيرُ الْوَاحِدِ لَا يَتَقَبَّلُ الْأَعْمَالَ فَأَخَذَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالصَّرْفِ إلَى مِلْكِهِ صَحَّ وَصَارَ نَائِبًا مَنَابَهُ فَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَا تَضْمَنُ ظِئْرُ صَبِيٍّ ضَاعَ) أَيْ الصَّبِيُّ (فِي يَدِهَا أَوْ سُرِقَ مَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ الْحُلِيِّ لِكَوْنِهَا أَجِيرَ - وَحْدٍ (صَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِالتَّرْدِيدِ فِي الْعَمَلِ) نَحْوُ إنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ (وَزَمَانِهِ) نَحْوُ إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِهِ (وَمَكَانِهِ) نَحْوُ إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الدَّارِ فَبِدِرْهَمٍ أَوْ هَذِهِ فَبِدِرْهَمَيْنِ (وَالْعَامِلِ) نَحْوُ إنْ تُسْكِنْ فِيهِ عَطَّارًا فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ تُسْكِنْ حَدَّادًا فَبِدِرْهَمَيْنِ (وَالْمَسَافَةُ) نَحْوُ إنْ تَذْهَبْ إلَى الْكُوفَةِ فَبِدِرْهَمٍ وَإِنْ تَذْهَبْ إلَى وَاسِطَ فَبِدِرْهَمَيْنِ (وَالْحَمْلُ) نَحْوُ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهَا شَعِيرًا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ بُرًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ وَكَذَا إذَا خَيَّرَهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَوْ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَالْجَامِعُ دَفْعُ الْحَاجَةِ لَكِنْ يَجِبُ اشْتِرَاطُ خِيَارِ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ لَا الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَمَلِ، وَإِذَا وُجِدَ يَصِيرُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا وَفِي الْبَيْعِ يَجِبُ الثَّمَنُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَتَحَقَّقُ الْجَهَالَةُ بِحَيْثُ لَا يَرْتَفِعُ النِّزَاعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهُ (وَيَجِبُ أَجْرُ مَا وُجِدَ مِنْ) الْأَمْرَيْنِ (الْمُرَدَّدِ فِيهِمَا) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (لَكِنْ إذَا كَانَ) أَيْ التَّرْدِيدُ (فِي الزَّمَانِ) نَحْوُ إنْ خِطْتَهُ الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمٍ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَبِنِصْفِهِ (يَجِبُ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ يَجِبُ إذَا وُجِدَ الْعَمَلُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْمُرَدَّدِ فِيهِمَا مَا سُمِّيَ مِنْ الْأَجْرِ. (وَفِي الثَّانِي) أَيْ يَجِبُ إذَا وُجِدَ الْعَمَلُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهُمَا (أَجْرُ الْمِثْلِ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى الْمُسَمَّى) وَعِنْدَهُمَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ وَذِكْرَ الْغَدِ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ فَيَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ، وَالْوَاجِبُ إحْدَاهُمَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ: خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَقْصُودٌ فَصَارَ كَاخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ كَالرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ، وَلَهُ أَنَّ الْعَقْدَ الْمُضَافَ إلَى الْغَدِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ فَلَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مَجْهُولًا فِي الْيَوْمِ وَالْمُضَافُ إلَى الْيَوْمِ يَبْقَى إلَى الْغَدِ فَيَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دِرْهَمٌ أَوْ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا وَهِيَ تَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ - (بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ تَنُّورًا وَكَانُونًا فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَاحْتَرَقَ بَعْضُ بُيُوتِ الْجِيرَانِ أَوْ الدَّارُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَنَى بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِظَاهِرِ الدَّارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُغَيِّرُ هَيْئَةَ الْبَاقِي إلَى النُّقْصَانِ (إلَّا أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ) مِنْ تَرْكِ الِاحْتِيَاطِ فِي وَضْعِهِ وَإِيقَادِ نَارٍ لَا يُوقَدُ مِثْلُهَا فِي التَّنُّورِ وَالْكَانُونِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ - (اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ بَعْدَ الطَّلَبِ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا رَاعٍ نَدَّ شَاةٌ مِنْ قَطِيعِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَكِنْ يَجِبُ اشْتِرَاطُ خِيَارِ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ) أَقُولُ فِي اشْتِرَاطِهِ فِي الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ وَقَدْ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي تَصْحِيحِهِمَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَمَلِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ هَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِي أَجْرُ الْمِثْلِ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى الْمُسَمَّى) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمُسَمَّى مُسَمَّى الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ. اهـ. كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَضَلَ عَنْ الطَّرِيقِ. . . إلَخْ) أَقُولُ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ أَمَّا لَوْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَتَرَكَهُ عَلَى بَابِ بَيْتٍ وَدَخَلَهُ حَتَّى تَوَارَى عَنْهُ أَوْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي الطَّرِيقِ لِحَاجَةٍ كَبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ حَتَّى غَابَ عَنْ بَصَرِهِ أَوْ ضَلَّ فِي الطَّرِيقِ وَعَلِمَ بِهِ فَلَمْ يَطْلُبْهُ مَعَ عَدَمِ يَأْسِهِ أَوْ أَوْقَفَهُ وَصَلَّى الْفَرْضَ فَذَهَبَ أَوْ انْتَهَبَ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْطَعْ أَيْ الْفَرْضَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ خَوْفَ ذَهَابِ الْمَالِ يُبِيحُ قَطْعَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا، وَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَنْهُ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ فِيهِ هَذَا الذَّهَابُ تَضْيِيعًا لَهُ بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْقُرَى الْأَمْنِيَّةِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

[باب فسخ الإجارة]

فَخَافَ عَلَى الْبَاقِي إنْ تَبِعَهَا) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (لَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ) مُؤَجَّرٍ (لِلْخِدْمَةِ بِلَا شَرْطِهِ) ؛ لِأَنَّ فِي خِدْمَةِ السَّفَرِ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ - (لَا يَسْتَرِدُّ مُسْتَأْجِرٌ أَجْرَ عَمَلِ عَبْدٍ مَحْجُورٍ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا شَهْرًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ صَحِيحَةٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ فَسَادَهَا لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمَوْلَى فَيُعَدُّ الْفَرَاغُ رِعَايَةَ حَقِّهِ فِي الصِّحَّةِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ لَهُ - (وَلَا يَضْمَنُ آكِلُ غَلَّةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ فَأَجَّرَ هُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (نَفْسَهُ) يَعْنِي رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا فَأَجَّرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَمَلِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، فَإِنْ أَخَذَ الْعَبْدُ الْأَجْرَ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْأَجْرَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا تَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَالُ الْمَوْلَى وَلَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ التَّلَفِ فَلَا يَضْمَنُ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ (كَمَا إذَا أَجَّرَهُ الْغَاصِبُ) ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ عَبْدًا غَصَبَهُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَهُ (وَصَحَّ لِلْعَبْدِ قَبْضُهَا) أَيْ الْأُجْرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ إيجَارِ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ مَأْذُونٌ فِيهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ عُهْدَةِ الْأُجْرَةِ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ (وَيَأْخُذُهَا مَوْلَاهُ قَائِمَةً) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ كَمَا فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَمِلْكٌ لِلْمَالِكِ. (اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ عَلَى التَّرْتِيبِ) الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ فَيَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الْأَوَّلَ ضَرُورَةَ حُكْمِ (الْحَالِ إنْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ أَوْ مَرَضِهِ وَجَرَى مَاءُ الرَّحَى) يَعْنِي اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ وَالْعَبْدُ مَرِيضٌ أَوْ آبِقٌ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ مَرِضَ هُوَ أَوْ أَبَقَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ فِي آخِرِهَا حُكْمُ الْحَالِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ آبِقًا أَوْ مَرِيضًا فِي الْحَالِ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آبِقًا أَوْ مَرِيضًا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي جَرْيِ مَاءِ الرَّحَى - (الْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ) يَعْنِي إذَا قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ لِلْخَيَّاطِ أَمَرْتُكَ أَنْ تَخِيطَ ثَوْبِي قَبَاءً فَخِطْتَهُ قَمِيصًا أَوْ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَ ثَوْبِي أَحْمَرَ فَصَبَغْتَهُ أَصْفَرَ وَقَالَ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ مَا أَمَرْتَنِي هُوَ الَّذِي فَعَلْتُهُ فَالْقَوْلُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِرَبِّ الثَّوْبِ مَعَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى خُيِّرَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي أَصْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْخِيَاطَةُ لَكِنْ خَالَفَهُ فِي الصِّفَةِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَفِي الثَّانِيَةِ خُيِّرَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى أَيْضًا. (وَ) الْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ (فِي الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ) أَيْ صُدِّقَ رَبُّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ عَمِلْتَ لِي مَجَّانًا وَالصَّانِعُ قَالَ بَلْ بِأَجْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعَقْدَ؟ وَوُجُوبَ الْأُخْرَى وَتَقَوَّمَ عَمَلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَخَافَ عَلَى الْبَاقِي إنْ تَبِعَهَا) أَقُولُ يَعْنِي خَافَ الضَّيَاعَ فَهُوَ عُذْرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَهُمَا ضَمَّنَاهُ لِتَرْكِهِ اتِّبَاعَهُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَرِدُّ أَجْرَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ) أَقُولُ وَكَذَا لَا يَسْتَرِدُّ أَجْرَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ اسْتِحْسَانًا فِيهِمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: فَأَجَّرَ هُوَ أَيْ الْعَبْدُ نَفْسَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ فَالْهَاءُ مِنْ فَأَجْرُهُ زَائِدَةٌ فِي نُسْخَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ مَرِيضٌ أَوْ آبِقٌ) أَقُولُ لَوْ حَذَفَ هَذَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَتَّجِهَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ آبِقًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَجِبُ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِمَرَضِهِ وَإِبَاقِهِ ثُمَّ يُرَدِّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ فِي آخِرِهَا) أَقُولُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَنْكَرَ بِالْمَرَّةِ (قَوْلُهُ: حُكِّمَ الْحَالُ) أَقُولُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي جَانِبِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَفْعُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَهِدَ لِلْمُؤَجِّرِ فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُهُ الْأُجْرَةَ بِالظَّاهِرِ وَهَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ عَلَى بَقَائِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَلَى هَذَا ادِّعَاءُ وِلَادَةٍ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ الْبَيْعِ الْقَوْلُ لِمَنْ الْوَلَدُ وَالثَّمَرُ فِي يَدِهِ تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجْعَلُ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلَ لِلصَّانِعِ إنْ كَانَ حَرِيفًا لَهُ أَيْ خَلِيطًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ فِي حِرْفَةٍ وَحَكَمَ مُحَمَّدٌ بِالْأَجْرِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَمَلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ وَبِهِ يُفْتَى لِشَهَادَةِ الظَّاهِرُ لِدَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. وَفِي الصُّغْرَى أَيْضًا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ [بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ]

(بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ) (تُفْسَخُ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَايَةُ الْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تَنْفَسِخُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ تَنْفَسِخُ (بِخِيَارِ الشَّرْطِ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً عَلَى أَنَّهُ أَوْ الْمُؤَجِّرَ بِالْخِيَارِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا تُفْسَخُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ (وَ) بِخِيَارِ (الرُّؤْيَةِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» وَالْإِجَارَةُ شِرَاءُ الْمَنَافِعِ فَيَتَنَاوَلُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَفْظًا أَوْ دَلَالَةً (وَ) بِخِيَارِ (عَيْبٍ) حَاصِلٍ (قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ) أَمَّا جَوَازُ الرَّدِّ بِعَيْبٍ حَاصِلٍ قَبْلَ الْعَقْدِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا جَوَازُهُ بِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنَافِعُ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ الْعَيْبُ حَاصِلًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ حَادِثًا بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَدَثَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ كَأَنَّهُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ (يُفَوِّتُ النَّفْعَ) صِفَةُ عَيْبٍ (كَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الرَّحَى، وَ) مَاءِ (الْأَرْضِ) ، فَإِنْ كُلًّا مِنْهَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ فَيَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ (أَوْ يُخِلُّ) عَطْفٌ عَلَى يُفَوِّتُ (بِهِ) أَيْ بِالنَّفْعِ يَعْنِي أَنَّ الْعَيْبَ لَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُخِلُّ بِهِ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ (كَمَرَضِ الْعَبْدِ وَدَبَرِ الدَّابَّةِ) ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِهِ أَيْضًا (فَلَوْ لَمْ يُخِلَّ) أَيْ الْعَيْبُ (بِهِ) أَيْ بِالنَّفْعِ (أَوْ انْتَفَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ (بِالْمُخِلِّ) بِالنَّفْعِ وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ (أَوْ أَزَالَهُ) أَيْ الْإِخْلَالَ (الْمُؤَجِّرُ سَقَطَ خِيَارُهُ) لِزَوَالِ سَبَبِهِ وَلِذَا قَالُوا: إنَّ الْعَيْبَ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالنَّفْعِ الْمَقْصُودِ لَمْ يَكُنْ مُجَوِّزًا لِلْفَسْخِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ حَائِطٌ لِلْجِمَالِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا وَسَقَطَ ذَلِكَ الْحَائِطُ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَلَلُ فِيهَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ (وَبِعُذْرٍ) عَطْفٌ عَلَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ (وَلُزُومِ ضَرَرٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْعَقْدِ إنْ بَقِيَ) أَيْ الْعَقْدُ (كَمَا فِي سُكُونِ وَجَعِ ضِرْسٍ اُسْتُؤْجِرَ) حَدَّادٌ (لِقَلْعِهِ) ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ لَزِمَ قَلْعُ سِنٍّ صَحِيحٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ (وَمَوْتِ عُرْسٍ أَوْ اخْتِلَاعِهَا اُسْتُؤْجِرَ) أَيْ طَبَّاخٌ (لِطَبْخِ وَلِيمَتِهَا) ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِتْلَافِ مَالِهِ فِي غَيْرِ الْوَلِيمَةِ - (وَلُزُومِ دَيْنٍ) عَطْفٌ عَلَى لُزُومِ ضَرَرٍ (لَا يَقْضِي إلَّا بِثَمَنِ الْمُؤَجَّرِ) ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ دُكَّانًا أَوْ دَارًا ثُمَّ أَفْلَسَ وَلَزِمَهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا إلَّا بِثَمَنِ مَا أَجَّرَ وَأَرَادَ فَسْخَهَا يُفْسَخُ وَإِلَّا لَزِمَهُ ضَرَرُ الْحَبْسِ (وَسَفَرٍ) عَطَفَ عَلَى لُزُومِ (مُسْتَأْجِرِ عَبْدٍ لِلْخِدْمَةِ فِي الْمِصْرِ أَوْ مُطْلَقًا) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهَا فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْمِصْرِ، فَإِنْ مَنَعَ مَالِكَهُ عَنْ السَّفَرِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ سَفَرَهُ فَلِمَالِكِهِ الْفَسْخُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ، وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِسَفَرِهِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ لِانْتِفَاءِ الْعُذْرِ - (وَإِفْلَاسِ مُسْتَأْجِرِ دُكَّانٍ لِيَتَّجِرَ) ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ إنْ بَقِيَتْ لَزِمَ أَدَاءُ أَجْرِ الدُّكَّانِ وَهُوَ يَمْتَنِعُ بِالْإِفْلَاسِ. (وَ) إفْلَاسِ (خَيَّاطٍ يَعْمَلُ بِمَالِهِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخِيطَ فَتَرَكَ عَمَلَهُ) قَيَّدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: تُفْسَخُ. . . إلَخْ) هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَيْ الْعَيْبِ وَخَرَابِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: لَا أَنَّهَا تَنْفَسِخُ) لَا يُتَوَهَّمُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ هُنَا (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ آخَرَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ تُفْسَخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لَهُ مِسَاسٌ بِهَذَا الْمَقَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي وُجُودِ عَيْبٍ وَأَيْضًا لَا يَتَأَتَّى فِي جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَعُمُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ لِلتَّرَوِّي فَتَرَوَّى (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ آخَرَ) أَقُولُ أَوْ بِمَا اسْتَأْجَرَ لِأَجْلِهِ مَعَ الْخَلَلِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِهِ أَيْضًا) كَذَا فِي نُسْخَةٍ وَعَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اخْتَارَهُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِهِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ لَمْ يُخِلَّ بِهِ أَوْ انْتَفَعَ أَوْ أَزَالَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ) أَقُولُ سُقُوطُ الْخِيَارِ وَاضِحٌ فِيمَا إذَا انْتَفَعَ أَوْ أُزِيلَ الْخَلَلُ أَمَّا فِيمَا إذَا لَمْ يُخِلَّ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ أَصْلًا فَلَا يُقَالُ سَقَطَ خِيَارُهُ إذْ السُّقُوطُ فَرْعٌ عَنْ الثُّبُوتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ لَيْسَ لَهُ خِيَارٌ وَالسَّالِبَةُ صَادِقَةٌ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ (قَوْلُهُ: وَبِعُذْرٍ عَطْفٌ عَلَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ) أَقُولُ يَعْنِي أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْعُذْرِ فَيَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ اخْتِلَافٌ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَيْبِ الْمَبِيعِ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ وُفِّقَ فَقَالَ هَذَا إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا تُفْسَخُ وَإِلَّا فَيَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي سُكُونِ وَجَعِ ضِرْسٍ وَمَوْتِ عُرْسٍ أَوْ اخْتِلَاعِهَا) أَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَا جَسَدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْلِفُ لَهَاتَهُ بِالْقَلْعِ كَمَا قَالُوا فِي الْقِصَاصِ يَبْرُدُ مِنْ الْجَانِي تَحَاشِيًا عَنْ إتْلَافِ لَهَاتِهِ بِنَزْعِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إطْعَامِ مَالِهِ لِمَنْ لَا يَشْكُرُهُ أَوْ يَجُرُّ لَهُ ضَرَرًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْخَلْعَ لَكِنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلُزُومِ دَيْنٍ لَا يُقْضَى إلَّا بِثَمَنِ الْمُؤَجَّرِ وَأَرَادَ فَسْخَهَا يُفْسَخُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَسْخِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبِيعُ الدَّارَ أَوَّلًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ضِمْنًا لِبَيْعِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ أَوَّلًا ثُمَّ يَبِيعُ. اهـ.

[مسائل شتى في الإجارة]

بِقَوْلِهِ يَعْمَلُ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَيَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَرَأْسُ مَالِهِ إبْرَةٌ وَمِقْرَاضٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعُذْرُ فِي حَقِّهِ (وَبِدَاءِ مُكْتَرِي الدَّابَّةِ مِنْ سَفَرِهِ) ، فَإِنَّهُ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لَزِمَهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ قَصْدِهِ سَفَرَ الْحَجِّ فَذَهَبَ وَقْتُهُ أَوْ طَلَبَ غَرِيمٍ لَهُ فَحَضَرَ أَوْ التِّجَارَةَ فَافْتَقَرَ (بِخِلَافِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَخَيَّاطٍ يَعْمَلُ بِمَالِهِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا (تَرْكِ مُسْتَأْجِرِهِ) أَيْ مُسْتَأْجِرِ عَبْدٍ (لَهُ) أَيْ لِيَخِيطَ (لِيَعْمَلَ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّرْكِ (فِي الصَّرْفِ) ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقْعِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ وَيَعْمَلُ لِلصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ (وَبِدَاءِ الْمُكَارِي) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَبِدَاءِ الْمُكْتَرِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ أَيْضًا إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ دَوَابَّهُ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ (وَبَيْعِ مَا أَجَّرَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلُزُومِ دَيْنٍ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِعُذْرٍ بِدُونِ لُحُوقِ دَيْنٍ كَمَا مَرَّ - (وَتَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْفَسْخِ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (لَوْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ أَوْ الْأُجْرَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ لِانْتِقَالِهَا إلَى الْوَارِثِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ (وَلَوْ) عَقَدَهَا (لِغَيْرِهِ لَا) أَيْ لَا تَنْفَسِخُ (كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي) لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقِّ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ لَهُ بَطَلَتْ لِمَا ذَكَرْنَا. (وَ) تَنْفَسِخُ (بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُسْتَأْجِرِينَ أَوْ الْمُؤَجِّرَيْنِ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ) وَبَقِيَتْ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ وَقَالَ زُفَرُ تَبْطُلُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ قُلْنَا الشُّرُوطُ يُرَاعَى وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَا الْبَقَاءِ كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ [مَسَائِلُ شَتَّى فِي الْإِجَارَة] (مَسَائِلُ شَتَّى) - (أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ) وَهِيَ جَمْعُ حَصِيدٍ وَحَصِيدَةٍ وَهُمَا الزَّرْعُ الْمَحْصُودُ وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ (اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَاحْتَرَقَ مَا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَسَبُّبٌ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ (إنْ لَمْ تَضْطَرِبْ الرِّيَاحُ) قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَدَمُ الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ سَاكِنَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً فَيَضْمَنُ؛ لِأَنَّ مُوقِدَ النَّارِ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ فَيَكُونُ مُبَاشِرًا - (وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ وَلَوْ رَفَعَهَا الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ - (سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَتَحَمَّلُهُ) أَيْ لَا تَتَحَمَّلُ تِلْكَ الْأَرْضَ ذَلِكَ السَّقْيَ (فَتَعَدَّى) أَيْ الْمَاءُ (إلَى جَارِهِ ضَمِنَ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لَا مُتَسَبِّبٌ - (أَقْعَدَ خَيَّاطًا وَنَحْوَهُ فِي دُكَّانِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ جَازَ) ، فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّكَّانِ قَدْ يَكُونُ ذَا جَاهٍ وَحُرْمَةٍ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ حَاذِقًا فِي الْعَمَلِ فَيَقْعُدُ حَاذِقًا يُطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ لَكِنَّهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ هَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبِلُ وَذَاكَ بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَتَنْتَظِمُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا يَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يَحْصُلُ - (كَاسْتِئْجَارِ جَمَلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسَائِلُ شَتَّى) (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَقَ الشَّوْكَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْ (قَوْلُهُ: اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَمْلُوكَةَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْمَنْ فِيمَا ذَكَرَ فَالْمَمْلُوكَةُ أَوْلَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَدَمُ الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ سَاكِنَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً فَيَضْمَنُ) أَقُولُ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُضْطَرِبَةً يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ. اهـ. . وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَجُلٌ أَحْرَقَ شَوْكًا أَوْ شَيْئًا فِي أَرْضِهِ فَذَهَبَتْ الرِّيحُ بِالشَّرَارَاتِ إلَى أَرْضِ جَارِهِ وَأَحْرَقَتْ زَرْعَهُ إنْ كَانَ يَبْعُدُ مِنْ أَرْضِ الْجَارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ شَرَرُ النَّارِ فِي الْعَادَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِ النَّارِ وَأَنَّهُ جَارٌ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْ أَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ يَصِلُ شَرَرُ النَّارِ غَالِبًا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِيقَادَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ. . . إلَخْ) أَقُولُ يَعْنِي لَا تَحْتَمِلُ بَقَاءَهُ بِأَنْ كَانَتْ صُعُودًا وَأَرْضُ جَارِهِ هُبُوطًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ سَقَى أَرْضَهُ نَفَذَ إلَى جَارِهِ ضَمِنَ وَلَوْ كَانَ يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ جَارُهُ بِالسُّكْرِ وَالْإِحْكَامِ وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ وَيَكُونُ هَذَا كَإِشْهَادٍ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ) أَقُولُ لَاحَ لِي أَنَّ فِيهِ نَظَرًا ثُمَّ رَأَيْت الزَّيْلَعِيَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبِلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فِيهِ نَوْعُ أَشْكَالٍ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا. اهـ.

[كتاب العارية]

لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ وَحَمَلَ مَحْمَلًا مُعْتَادًا) ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْمَلَ مُتَفَاوِتٌ مَجْهُولٌ فَيُفْضِي إلَى النِّزَاعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ تَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ (وَإِرَاءَتُهُ أَجْوَدُ) أَيْ إرَاءَةُ الْمَحْمَلَ الْجَمَّالَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ نَفْيٌ لِلْجَهَالَةِ - (اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ جَمَلًا (لِحَمْلِ قَدْرِ زَادٍ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُقَدَّرًا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ (قَالَ لِغَاصِبِ دَارِهِ فَرِّغْهَا وَإِلَّا فَأُجْرَتُهَا كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلَمْ يُفَرِّغْ وَجَبَ الْمُسَمَّى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الْأُجْرَةَ وَالْغَاصِبُ رَضِيَ بِهَا ظَاهِرًا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ إجَارَةٍ (إلَّا إذَا أَنْكَرَ الْغَاصِبُ مِلْكَهُ) ، فَإِنَّهُ إذَا أَنْكَرَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْإِجَارَةِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَثْبَتَهُ) أَيْ أَثْبَتَ صَاحِبُ الدَّارِ كَوْنَهَا مِلْكًا لَهُ (أَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْغَاصِبُ (بِهِ) أَيْ بِمِلْكِهِ (وَلَمْ يَرْضَ بِالْأَجْرِ) أَيْ صَرَّحَ بِعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ رِضَاهُ ظَاهِرًا (لِلْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ جَازَ لَهُ (أَنْ يُؤَخِّرَ الْأَجِيرَ مِنْ غَيْرِ مُؤَجِّرِهِ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُؤَجِّرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ فَيَلْزَمُ تَمْلِيكُ الْمَالِكِ (وَيُعِيرُ وَيُودِعُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ مَنَافِعَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهَا لَكِنْ لَا فِيمَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا وَإِلَّا كَانَ مُتَعَدِّيًا - (فَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَ لَا يُؤَجِّرُ غَيْرَهُ وَلَا يُعِيرُهُ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ (وَكَّلَهُ لِاسْتِئْجَارِ دَارٍ فَفَعَلَ وَقَبَضَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْآمِرِ كَذَا إنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ وَقَبَضَ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطْلُبْ الْآمِرُ، وَإِنْ طَلَبَ وَأَبَى لِيُعَجِّلَ) أَيْ الْأَجْرَ (لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ يَعْنِي لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيَسْتَأْجِرَ لَهُ دَارًا مُعَيَّنَةً فَاسْتَأْجَرَ فَقَبَضَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ الْآمِرِ أَوَّلًا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَالْأَجْرُ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَرَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَصَارَ قَابِضًا لَهُ حُكْمًا، فَإِنْ شَرَطَ الْوَكِيلُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ وَقَبَضَ الدَّارَ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطْلُبْهَا الْآمِرُ مِنْهُ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَنْعُ وَلَوْ طَلَبَهَا فَأَبَى حَتَّى يُعَجِّلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَبَسَ الدَّارَ مِنْ الْآمِرِ وَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ خَرَجَتْ يَدُ الْوَكِيلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ يَدَ نِيَابَةٍ فَلَمْ يَصِرْ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا حُكْمًا وَلَمْ تَصِرْ الْمَنَافِعُ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا فَلَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْكَافِي - (لِلْقَاضِي الْأُجْرَةُ عَلَى كَتْبِ الْمَكَاتِيبِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ كَتْبَهَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْقَضَاءِ لِيَحْرُمَ (الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالشِّرَاءِ) ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مَالِكِ الْعَيْنِ (بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْعَيْنِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ - [كِتَابُ الْعَارِيَّةِ] (كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابِ تَمْلِيكِ النَّفْعِ بِعِوَضٍ شَرَعَ فِي كِتَابِ تَمْلِيكِ النَّفْعِ بِلَا عِوَضٍ فِي الصِّحَاحِ هِيَ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَفِي الْهِدَايَةِ هِيَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ. وَفِي الْكَافِي هِيَ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ (هِيَ) لُغَةً تَمْلِيكُ مَا ذَكَرَ وَشَرْعًا (تَمْلِيكُ نَفْعٍ بِلَا عِوَضٍ) وَبِهَذَا تَخْرُجُ الْإِجَارَةُ (وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَحَمَلَ مَحْمَلًا مُعْتَادًا) أَقُولُ لَيْسَ هُوَ مِنْ شَرْطِ الْجَوَازِ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ إذَا حَمَلَ غَيْرَ مُعْتَادٍ لَا يُقَالُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِقَدْرٍ مَعْلُومٍ فَزَادَ عَلَيْهِ إنْ طَاقَتْ الْكُلَّ ثُمَّ هَلَكَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْ ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهَا (قَوْلُهُ: وَيُعِيرُ وَيُودِعُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ) أَقُولُ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ أَيْ بِالْمُسْتَعْمَلِ بَطَلَ التَّقْيِيدُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ ثُمَّ قَوْلُهُ وَيُودِعُ لَمْ يَظْهَرْ لِي سِرُّ تَقْيِيدِهِ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ إذْ الْإِيدَاعُ لَيْسَ إلَّا الِاسْتِحْفَاظَ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ وَيُؤَجِّرُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَ لَا يُؤَجِّرُ غَيْرَهُ وَلَا يُعِيرُهُ وَأَقُولُ هُوَ أَيْضًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَإِنْ خَصَّصَ بِرَاكِبٍ أَوْ لَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ كَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ (كِتَابُ الْعَارِيَّةِ) (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ إنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْعَارِ وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِ عَيْبٌ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارُ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا. اهـ. كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: هِيَ تَمْلِيكُ نَفْعٍ) أَقُولُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ إبَاحَتُهُ وَتَوْجِيهُ كُلٍّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

(وَأَطْعَمْتُكَ أَرْضِي) ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُطْعَمُ كَالْأَرْضِ يُرَادُ بِهِ أَكْلُ غَلَّتِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ (وَمَنَحْتُكَ ثَوْبِي هَذَا) أَوْ جَارِيَتِي هَذِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ، فَإِنَّ الْمَنْحَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَأَصْلُهُ أَنْ يُعْطَى نَاقَةً أَوْ شَاةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ تُرَدُّ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْهِبَةُ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ (وَحَمَلْتُكَ عَلَى دَابَّتِي هَذِهِ) إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِي الْهِبَةِ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى الْفَرَسِ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ وَمَعْنَاهُ لُغَةً هُوَ الرِّكَابُ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا، فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ أَقُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْكَافِي عَلَى الْهِدَايَةِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يَعْنِي مَنَحْتُكَ وَحَمَلْتُكَ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَمَجَازًا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي بَيَانِ أَلْفَاظِهَا وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحُمْلَانِ الْهِبَةَ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الرِّكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُمَا إذَا كَانَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَالْحَقِيقَةُ تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ لَا يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ عَلَى الْهِبَةِ، أَمَّا انْدِفَاعُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ أَرَادَ بِجَعْلِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْعَارِيَّةِ جَعَلَهُمَا حَقِيقَةً لَهُ عُرْفًا فَيَكُونَانِ مَجَازَيْنِ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عُرْفًا ضَرُورَةً وَأَرَادَ بِجَعْلِهِ الْحَمْلَ حَقِيقَةً لِلْإِرْكَابِ جَعْلُهُ حَقِيقَةً لَهُ لُغَةً فَيَكُونُ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ مَجَازًا لُغَةً ضَرُورَةً فَلَا مُنَافَاةَ، وَأَمَّا انْدِفَاعُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا قَرِينَةٍ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ، فَإِنَّ النِّيَّةَ إذَا انْتَفَتْ كَانَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَاللُّغَوِيُّ الْمُسْتَعْمَلُ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْإِرَادَةِ فَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ (وَأَخْدَمْتُكَ عَبْدِي) ، فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً (وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى) ، فَإِنَّ لَفْظَ سُكْنَى مُحْكَمٌ فِي إرَادَةِ النَّفْعِ فَتُصْرَفُ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَكَ عَنْ إفَادَةِ الْمِلْكِ (وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا فَمَا لَمْ تُوجَدْ لَمْ تُمْلَكْ فَصَحَّ الرُّجُوعُ (وَلَا تُضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ) بِلَا تَعَدٍّ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ - (وَلَا تُؤَجَّرُ) أَيْ الْعَارِيَّةُ (وَلَا تُرْهَنُ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ (فَإِنْ آجَرَ أَوْ رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ فَهَلَكَتْ) الْعَارِيَّةُ (ضَمَّنَهُ الْمُعِيرُ) أَيْ ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَصْبًا (وَلَا يَرْجِعُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (عَلَى أَحَدٍ) إنْ ظَهَرَ بِالضَّمَانِ أَنَّهُ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ (أَوْ ضَمَّنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَيَرْجِعُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ (عَلَى الْمُؤَجِّرِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْغَرُورِ عَنْهُ (إنْ لَمْ يَعْلَم أَنَّهُ عَارِيَّةٌ مَعَهُ) ، وَإِنْ عَلِمَ فَلَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِالْغَصْبِ (وَتُعَارُ) أَيْ الْعَارِيَّةُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ لَا (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مُنْتَفَعًا) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ. (وَ) يُعَارُ (مَا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ عَيَّنَهُ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ) فِيهِ تَأَمُّلٌ وَلَعَلَّهُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ (قَوْلُهُ: أَقُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْكَافِي. . . إلَخْ) . أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا الدَّفْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ بِقَوْلِهِ يُرَادُ بِهَذَا الْبُرُّ بِضَمِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَرْجِيحِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي غَيْرِهِ نَحْوُ أَنْ يُعِيرَهُ يَوْمًا فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. اهـ. سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ لَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا انْتَفَعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ غَاصِبًا أَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا يَضْمَنُ كَالْمُودَعِ إذَا أَمْسَكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُمْسِكُ مَالَ الْغَيْرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَبِالتَّضْمِينِ مُطْلَقًا أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِعَارَةِ ضَمِنَ فِي قَوْلِهِمْ إذَا أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْمُضِيِّ بِلَا إذْنٍ فَصَارَ غَاصِبًا انْتَهَى قُلْت لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْفُصُولَيْنِ التَّضْمِينُ فِي قَوْلِهِمْ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: فَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ) أَقُولُ وَسَكَتَ عَنْ إيدَاعِهَا وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: أَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ. . . إلَخْ) . أَقُولُ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ فَيَنْظُرُ حُكْمَهُ (قَوْلُهُ: وَيُعَارُ مَا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ عَيَّنَهُ) أَيْ مُنْتَفَعًا أَقُولُ هَذَا التَّقْيِيدُ لَيْسَ بِاحْتِرَازِيٍّ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيُّ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ يَعْنِي النَّفْعَ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالِانْتِفَاءِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفِيدُ. اهـ. إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْ لِلْوَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهَا مَقْرُونَةً بِالْوَاوِ وَذُكِرَتْ هُنَا عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى: 9]

[إعارة الأرض للبناء والغرس]

أَيْ مُنْتَفَعًا - وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَتُعَارُ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ (فَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا يَحْمِلُ) عَلَيْهَا مَا شَاءَ (وَيُعِيرُ لَهُ) أَيْ لِلْحَمْلِ (وَيَرْكَبُ) بِنَفْسِهِ (وَيُرْكِبُ) غَيْرَهُ (وَأَيًّا فَعَلَ تَعَيَّنَ وَضَمِنَ بِغَيْرِهِ) حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ إذَا تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ وَلَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ (وَإِنْ أَطْلَقَ) أَيْ الْمُعِيرُ (الِانْتِفَاعَ فِي الْوَقْتِ وَالنَّوْعِ انْتَفَعَ مَا شَاءَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ قَيَّدَ ضَمِنَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (بِالْخِلَافِ إلَى شَرٍّ فَقَطْ) التَّقْيِيدَ إمَّا فِي الْوَقْتِ لَا النَّوْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ فِيهِمَا، فَإِنْ عَمِلَ عَلَى وِفَاقِ الْقَيْدِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ خَالَفَ إلَى شَرٍّ يَضْمَنُ وَإِلَى مِثْلٍ أَوْ خَيْرٍ لَا - . (عَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ قَرْضٌ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَلَا يَمْلِكُ اسْتِهْلَاكَهَا إلَّا إذَا مَلَكَهَا فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ الْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِرَدِّ الْمِثْلِ هَذَا (إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْجِهَةَ) أَمَّا إذَا عَيَّنَهَا كَاسْتِعَارَةِ الدَّرَاهِمِ لَيُعِيرَ بِهَا الْمِيزَانَ أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا الدُّكَّانَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ فَتَصِيرُ عَارِيَّةً أَمَانَةً لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِإِهْلَاكِهَا فَكَانَ نَظِيرَ عَارِيَّةِ الْحُلِيِّ وَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهَا قَرْضًا بِقَوْلِهِ (فَتُضْمَنُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الِانْتِفَاعِ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْقَرْضِ - [إعَارَةُ الْأَرْضِ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ] (صَحَّ الْإِعَارَةُ) أَيْ إعَارَةُ الْأَرْضِ (لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَتُمْلَكُ بِالْإِعَارَةِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُعِيرِ (أَنْ يَرْجِعَ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ (وَيُكَلَّفُ قَلْعُهُمَا) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ أَرْضَهُ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا إذَا اسْتَضَرَّتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ وَيَكُونَانِ لَهُ كَيْ لَا تَتْلَفَ أَرْضُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَبِدَّ ذَلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَضِرَّ بِهِ لَا يَجُوزُ التَّرْكُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ فِي الْقَلْعِ بَلْ أَيُّهُمَا طَلَبَهُ أُجِيبَ (وَضَمِنَ رَبُّ الْأَرْضِ مَا نَقَصَ) الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ (إنْ وَقَّتَ) لِعَارِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ (وَكُرِهَ) أَيْ الرُّجُوعُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَقْتٍ عُيِّنَ؛ لِأَنَّ فِيهِ خُلْفَ الْوَعْدِ - (وَلَوْ أَعَارَ) أَيْ أَرْضَهُ (لِلزَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ) أَيْ الْأَرْضُ (حَتَّى يَحْصُدَ) أَيْ الزَّرْعَ أَيْ حَانَ لَهُ أَنْ يَحْصُدَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ وَقَّتَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ إذْ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ - (وَإِذَا كَتَبَ يَكْتُبُ قَدْ أَطْعَمْتَنِي أَرْضَكَ لَا أَعَرْتَنِي) يَعْنِي إذَا أَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَزْرَعَهَا يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّك أَطْعَمْتَنِي أَرْضَ كَذَا لِأَزْرَعَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَكْتُبُ أَنَّكَ أَعَرْتَنِي؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ هِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِهَذَا الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ أَوْلَى وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالزِّرَاعَةِ وَإِعَارَةُ الْأَرْضِ تَارَةً تَكُونُ لِلزِّرَاعَةِ وَتَارَةً لِلْبِنَاءِ وَنَصْبِ الْفُسْطَاطِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِلَفْظِ الْإِطْعَامِ أَوْلَى لِيَعْلَمَ أَنَّ غَرَضَهُ الزِّرَاعَةُ - [التَّوْكِيلُ بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ] (صَحَّ التَّوْكِيلُ بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِعْلًا وَاجِبًا (وَلَوْ تَوَكَّلَ بِهِ) أَيْ بِالرَّدِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا) أَقُولُ يَعْنِي فِي النَّفْعِ وَالزَّمَانِ وَهَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْكَافِي ثُمَّ قَالَ فَجَعَلَهُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَافِي كَالْإِجَارَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ وَأُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَضَمِنَ رَبُّ الْأَرْضِ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْقَلْعِ) أَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ مَا نَقَصَ أَنْ يُقَوَّمَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَفِي الْبُرْهَانِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا وَقْتَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَحِينَ قَلْعِهِمَا ثَمَانِيَةَ يَرْجِعُ بِدِينَارَيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ انْتَهَى ثُمَّ لَوْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا فِيمَا إذَا وَقَّتَ يَتَمَلَّكُهُمَا بِقِيمَتِهِمَا قَائِمَيْنِ غَيْرَ مَقْلُوعَيْنِ يَعْنِي بِكَمْ يُشْتَرَيَانِ بِشَرْطِ قِيَامِهِمَا إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إلَّا أَنْ يَرْفَعَهُمَا الْمُسْتَعِيرُ وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَى الْمُعِيرِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ، فَإِذَا رَضِيَ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِمِلْكِهِ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمُعِيرُ إنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ نَقْصًا عَظِيمًا. اهـ. كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِالتَّمَلُّكِ إذَا اسْتَضَرَّتْ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ) أَقُولُ لَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ إلَّا مُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُسْتَعِيرِ فَفِي الْعِبَارَةِ سَقْطٌ وَهُوَ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِي التَّرْكِ. . . إلَخْ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ بِأَجْرٍ اسْتِحْسَانٌ ثُمَّ قَالَ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْأَرْضَ تُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، وَالزَّرْعُ يَقِلُّ بَعْدُ. اهـ.

[كتاب الوديعة]

(لَا يُجْبَرُ) الْوَكِيلُ عَلَى النَّقْلِ إلَى مَنْزِلِهِ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ حَيْثُ يَجِدُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا بَلْ وَعَدَ أَنْ يَتَبَرَّعَ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِينٌ (كَالْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ) ، فَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ (رَدُّ الْمُسْتَعِيرِ الدَّابَّةَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي تَسْلِيمٌ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَعَ عَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْمُسْتَعِيرِ (أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً) لَا مُيَاوَمَةً (إلَى) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّدِّ (إصْطَبْلِ مَالِكِهَا) لَا نَفْسِ مَالِكِهَا (أَوْ الْعَبْدِ) عَطْفٌ عَلَى الدَّابَّةِ (إلَى دَارِ مَالِكِهِ) لَا نَفْسِهِ (تَسْلِيمٌ) حَتَّى إذَا هَلَكَا لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ الْعَارِيَّةَ عَلَى مَالِكِهَا وَلَا عَلَى وَكِيلِ مَالِكِهَا بَلْ ضَيَّعَهَا، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَارِيَّةَ إلَى الْمَرْبِطِ أَوْ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَهُمَا فِي يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا فَكَأَنَّهُ رَدَّهُمَا إلَى يَدِ الْمَالِكِ (كَرَدِّهَا مَعَ عَبْدِ الْمُعِيرِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يَقُومُ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ أَجِيرِهِ كَمَا مَرَّ) أَيْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَاضٍ بِهِ عَادَةً - (لَوْ كَانَ) الْمُسْتَعَارُ (غَيْرَ نَفِيسٍ) يَعْنِي أَنَّ جَوَازَ رَدِّ الْمُسْتَعَارِ إلَى يَدِ غُلَامِ صَاحِبِهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي دَارِهِ أَوْ إصْطَبْلِهِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ الْغُلَامِ عَادَةً وَكَذَا غَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَعِقْدِ لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا رَدَّهُ الْمُسْتَعِيرُ إلَى غُلَامِ صَاحِبِهِ أَوْ وَضَعَهُ فِي دَارِهِ وَإِصْطَبْلِهِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَهُ الْمُودَعُ إلَى غُلَامِهِ يَضْمَنُ (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ. (وَ) بِخِلَافِ (رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ إلَى دَارِ الْمَالِكِ) ، فَإِنَّهُ إذَا رَدَّهُمَا إلَيْهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُمَا إلَيْهِ ضَمِنَ أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِهِ وَإِلَّا لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إبْطَالُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ - (الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَالْمَحْجُورُ إذَا اسْتَعَارَ وَاسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَصَحَّ تَسْلِيطُهُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (وَلَوْ أَعَارَ هَذَا الْمَحْجُورُ مِثْلَهُ فَاسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ الثَّانِي لِلْحَالِ) ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ مَالًا - (اسْتَعَارَ ذَهَبًا فَقَلَّدَ صَبِيًّا فَسُرِقَ) أَيْ الذَّهَبُ مِنْهُ (فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَضْبِطُ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ إذْ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ (وَأَلَّا يَضْمَنَ) ، فَإِنَّهُ ضَيَّعَهُ حَيْثُ وَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْقِلُ حِفْظَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَضَعَهَا) أَيْ وَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ (بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَامَ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ لَوْ) كَانَ نَوْمُهُ (جَالِسًا) ، فَإِنَّ هَذَا حِفْظٌ عَادَةً (وَضَمِنَ لَوْ مُضْطَجِعًا) لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ (لَيْسَ لِلْأَبِ إعَارَةُ مَالِ طِفْلِهِ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ - (وَأُجْرَةُ الرَّدِّ) أَيْ رَدُّ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَالرَّهْنِ (عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُمْ - [كِتَابُ الْوَدِيعَةِ] [أَرْكَان الْوَدِيعَة] (كِتَابُ الْوَدِيعَةِ) لَا يَخْفَى وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لِكِتَابِ الْعَارِيَّةِ (هِيَ) لُغَةً مُطْلَقُ التَّرْكِ وَشَرْعًا (أَمَانَةٌ تُرِكَتْ لِلْحِفْظِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ) مِنْ الْمُودَعِ (كَأَوْدَعْتُكَ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا) ، فَإِنَّ مَنْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ سَوَاءً قَالَ هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ أَوْ سَكَتَ وَذَهَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثُمَّ غَابَ الْآخَرُ وَتَرَكَ الثَّوْبَ ثَمَّةَ فَضَاعَ صَارَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ هَذَا إيدَاعٌ عُرْفًا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ (وَالْقَبُولُ) عَطْفٌ عَلَى الْإِيجَابِ (حَقِيقَةً) بِأَنْ يَقُولُ: قَبِلْتُ أَوْ أَخَذْتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ. . . إلَخْ) وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ) أَقُولُ كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَعَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِهَا بَعْدُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ فَكَذَا إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ. اهـ. . وَفِي الْبُرْهَانِ وَكَذَا يَعْنِي يَبْرَأُ لَوْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْإِعَارَةَ مَعَ أَنَّ فِيهَا إيدَاعًا وَتَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ أَوْلَى وَأَوَّلُوا قَوْلَهُ: وَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً، وَقَدْ انْتَهَتْ بِاسْتِيفَاءِ مُدَّتِهَا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْمُسْتَعِيرُ مُودَعًا وَالْمُودَعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَامَ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَتْ دَابَّةً لِمَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَنَامَ فِي الْمَفَازَةِ وَمِقْوَدُهَا فِي يَدِهِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَقَطَعَ الْمِقْوَدَ وَذَهَبَ بِالدَّابَّةِ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْحِفْظَ وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ مَدَّ الْمِقْوَدَ مِنْ يَدِهِ وَذَهَبَ بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا نَامَ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ مَدُّ الْمِقْوَدِ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ يَكُونُ تَضْيِيعًا قِيلَ هَذَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا، فَإِنْ نَامَ جَالِسًا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَامَ جَالِسًا وَلَمْ يَكُنْ الْمِقْوَدُ فِي يَدِهِ وَلَكِنَّ الدَّابَّةَ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَضْمَنُ فَهَاهُنَا أَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ لِلْأَبِ إعَارَةُ مَالِ طِفْلِهِ) أَقُولُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ إذَا أَعَارَ مَالَهُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (كِتَابُ الْوَدِيعَةِ)

أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (أَوْ عُرْفًا) بِأَنْ يَسْكُتَ حِينَ يَضَعُ الثَّوْبَ وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَذَهَبَ فَضَاعَ الثَّوْبُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالرَّدِّ فَلَا يَصِيرُ مُودَعًا بِلَا قَبُولٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ - (وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدُ اسْتِحْفَاظٍ وَحِفْظُ الشَّيْءِ بِدُونِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُحَالٌ فَإِيدَاعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَالِ السَّاقِطِ فِي الْبَحْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ - (وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُودَعِ وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ) وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَضْمَنُ) أَيْ الْمُودَعُ (إنْ هَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ عِنْدَهُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ» وَالْمُغِلُّ الْخَائِنُ وَالْإِغْلَالُ الْخِيَانَةُ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (وَحْدَهَا) أَيْ لَمْ يُسْرَقْ مَعَهَا مَالٌ لِلْمُودَعِ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُ لِلتُّهْمَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا نَقَلْنَا (إلَّا أَنْ يَمُوتَ) أَيْ الْمُودَعُ (مُجْهِلًا) أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ (كَذَا الْأُمَنَاءُ) أَيْ كُلُّ أَمِينٍ مَاتَ مُجْهِلًا لِحَالِ الْأَمَانَةِ يَضْمَنُ (إلَّا مُتَوَلِّيًا أَخَذَ الْغَلَّةَ وَمَاتَ مُجْهِلًا وَسُلْطَانًا أَوْدَعَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ وَمَاتَ مُجْهِلًا) أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ (وَقَاضِيًا أَوْدَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَمَاتَ مُجْهِلًا) أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَيَحْفَظُهَا بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) أَيْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِيهِ وَأَجِيرِهِ (وَيَضْمَنُ) إنْ حَفِظَ (بِغَيْرِهِمْ) أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِحِفْظِهِ وَيَدُهُ دُونَ غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ (إلَّا إذَا خَافَ حَرْقًا أَوْ غَرَقًا فَسَلَّمَ إلَى جَارِهِ أَوْ فُلْكٍ آخَرَ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةً تُسْقِطُ ضَمَانًا بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ - (كَذَا) أَيْ يَضْمَنُ أَيْضًا الْمُودَعُ (إذَا طَلَبَ رَبُّهَا) أَيْ رَبُّ الْوَدِيعَةِ (فَمَنَعَ) أَيْ الْمُودَعُ (قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا) ، فَإِنَّهُ إذَا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِهِ بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالْمَنْعِ فَيَضْمَنُ (أَوْ تَعَدَّى) أَيْ الْمُودَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ) أَقُولُ فِيهِ تَسَامُحٌ الْمُرَادُ إثْبَاتُ الْيَدِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي قَبُولُ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَحِفْظُ شَيْءٍ بِدُونِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُحَالٌ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ إلَّا كَمَا لَوْ كَانَتْ سَيْفًا فَأَرَادَ صَاحِبُهُ الضَّرْبَ بِهِ عُدْوَانًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ كَذَا الْأُمَنَاءُ إلَّا مُتَوَلِّيًا. . . إلَخْ) أَقُولُ فَالْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرَ وَزَادَ الْعَلَّامَةُ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ زَيْنٌ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَلَيْهَا سَبْعَةً أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَالْوَصِيَّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا وَالْأَبَ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَالَ ابْنِهِ وَالْوَارِثَ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَا أَوْدَعَ عِنْدَ مُوَرِّثِهِ وَمَنْ مَاتَ مُجْهِلًا مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِهِ وَمَنْ مَاتَ مُجْهِلًا مَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أُودِعَ عِنْدَهُ ثُمَّ قَالَ فَصَارَ الْمُسْتَثْنَى عَشَرَةً. اهـ. وَزِدْتُ عَلَيْهَا تِسْعَةً وَالْجَدَّ وَوَصِيَّهُ وَوَصِيَّ الْقَاضِي وَالْمَحْجُورَ لِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ وَغَفْلَةٍ وَدَيْنٍ وَسَفَهٍ وَعَتَهٍ وَقَدْ أَلْحَقْتهَا بِنَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ فِي كِتَابِ تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ الَّذِي لَخَّصْتُهُ مِنْ شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قُلْتُ: لَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَبَ لَا يَضْمَنُ ضَعَّفَهُ الْعِمَادِيُّ بِقَوْلِهِ وَالْأَبُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ كَالْوَصِيِّ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَاضِيًا أَوْدَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَمَاتَ مُجْهِلًا) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ لَوْ وَضَعَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ الْمَالُ وَأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فَيَضْمَنُ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمَادِيُّ. اهـ. وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ مَاتَ الْقَاضِي وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: وَيَحْفَظُهَا بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) أَقُولُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مُتَّهَمًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاخْتِلَافٌ فِيمَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَجْبَرَهُ) يَعْنِي الْأَجِيرَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَجِيرَ مُشَاهَرَةً بِأَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَأَقُولُ يُتَأَمَّلُ فِيهِ مَعَ مَا قَدَّمَهُ أَعْنِي الزَّيْلَعِيَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ. اهـ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُودَعَ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ وَهُوَ إلَى الْحَلْوَانِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَعَنْ هَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي التُّحْفَةِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِالْعِيَالِ فَقَالَ وَيَلْزَمُ الْمُودَعَ حِفْظُهُ إذَا قَبِلَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَذَكَرَ فِيهِ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ بِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي يَدِهِ مَالَهُ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعِيَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَافَ حَرْقًا أَوْ غَرَقًا فَسَلَّمَ إلَى جَارِهِ أَوْ فُلْكٍ آخَرَ) قَالُوا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى فَوَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: كَذَا أَيْ يَضْمَنُ أَيْضًا الْمُودَعُ إذَا طَلَبَ رَبُّهَا فَمَنَعَ) أَقُولُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ نَقَلَهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الْأَشْبَاهِ

وَفَسَّرَ التَّعَدِّيَ بِقَوْلِهِ (فَلَيْسَ ثَوْبُهَا أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهَا أَوْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا) ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا أَنْفَقَ بَعْضَهَا ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ مِنْهَا وَلَمْ يَضْمَنْ كُلَّهَا (أَوْ خَلَطَ مِثْلَهُ مِمَّا بَقِيَ) ، فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا بِجَمِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْكُلِّ بِالْخَلْطِ كَذَا فِي الْكَافِي - (أَوْ جَحَدَهَا عِنْدَهُ) يَعْنِي إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهَا عِنْدَهُ (ثُمَّ أَقَرَّ أَوَّلًا) ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ حِينَ طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَهُوَ بِالْإِمْسَاكِ بَعْدَهُ غَاصِبٌ فَيَضْمَنُ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِقْرَارِ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَلَمْ يُجَدِّدْ، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ عِنْدَ غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ أَعِنْدَكَ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَقَالَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ مِنْ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِهِ طَمَعَ الطَّامِعِينَ عَنْهَا فَلَا يَضْمَنُ بِهِ - (أَوْ حَفِظَ) أَيْ الْوَدِيعَةَ (فِي دَارٍ أُمِرَ بِهِ) أَيْ بِحِفْظِهَا (فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ تِلْكَ الدَّارِ فَيَضْمَنُ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ (أَوْ خَلَطَ بِمَالِهِ حَتَّى لَمْ يَتَمَيَّزْ) سَوَاءٌ خَلَطَهَا بِجِنْسِهِ أَوْ خِلَافِ جِنْسِهِ، فَإِنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا (وَإِنْ اخْتَلَطَتْ) أَيْ الْوَدِيعَةُ (بِهِ) أَيْ بِمَالِ الْمُودَعِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانُ فَاخْتَلَطَا (اشْتَرَكَا) وَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَعَدِّيَ مِنْهُ وَهَذَا اتِّفَاقِيٌّ (وَإِنْ أَزَالَ التَّعَدِّيَ) يَعْنِي إذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ فَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ (زَالَ الضَّمَانُ) بِمَعْنَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ - (وَاخْتُلِفَ فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُسَمًّى فَجَاوَزَ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْمَكَانَ الْمُسَمَّى ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قِيلَ هَذَا إذَا اسْتَعَارَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا أَمَّا إذَا اسْتَعَارَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَبْرَأُ وَهَذَا الْقَائِلُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ إذْ خَالَفُوا ثُمَّ عَادُوا إلَى الْوِفَاقِ بَرِئُوا عَنْ الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ مُدَّةُ الْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ بَاقِيَةً وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْعَارِيَّةِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمِلْكِ سَوَاءٌ اسْتَعَارَهَا ذَاهِبًا أَوْ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: إنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ إذَا خَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ مِنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ حَيْثُ يَبْرَأُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ - (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُودَعِ (السَّفَرُ بِهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ (إنْ أَمِنَ) أَيْ الطَّرِيقَ بِأَنْ لَا يَقْصِدَهُ أَحَدٌ غَالِبًا، وَإِنْ قَصَدَهُ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ وَبِرُفَقَائِهِ (وَلَمْ يُنْهِهِ) أَيْ الْمُودَعُ عَنْ السَّفَرِ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَوْ نَهَاهُ فَضَاعَتْ ضَمِنَ (أَوْدَعَاهُ) أَيْ أَوْدَعَ رَجُلَانِ رَجُلًا (مِثْلِيًّا) يَعْنِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةَ (لَمْ يَدْفَعْ) أَيْ الْمُودَعُ (إلَى أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ الْآخَرِ) وَلَوْ دَفَعَ ضَمِنَ وَقَالَا يَدْفَعُ وَلَا يَضْمَنُ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَالْقِيَمِيَّاتِ مَعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ وَلِذَا قَالَ (كَمَا فِي الْقِيَمِيِّ وَكَالْجِمَالِ مَا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ وَحَفِظَ كُلٌّ نِصْفَهُ) ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يُحْفَظَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَضِيَ وَكَالْجَمَّالِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا كُلِّهِ، فَإِنَّ الْفِعْلَ كَالْحِفْظِ مَتَى أُضِيفَ إلَى اثْنَيْنِ فِيمَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ دُونَ الْكُلِّ فَيَقَعُ التَّسْلِيمُ إلَى الْآخَرِ بِلَا رِضَا الْمَالِكِ (وَضَمِنَ دَافِعُ كُلِّهِ لَا قَابِضُهُ) ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ (بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ) ، فَإِنَّ دَافِعَ كُلِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ جَحَدَهَا عِنْدَهُ) أَقُولُ بِأَنْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي أَمَّا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا صُدِّقَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَحَكَى فِي جُحُودِ الْعَقَارِ خِلَافًا (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهَا عِنْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَوَّلًا ضَمِنَ) أَقُولُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ سَأَلَهُ صَاحِبُهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَنْ حَالِهَا عِنْدَهُ فَجَحَدَهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَضْمَنُ عِنْدَ زُفَرَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْجُحُودَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَضْمَنُ إنْ نَقَلَهَا عَنْ مَوْضِعٍ كَانَتْ فِيهِ حَالَةَ الْجُحُودِ وَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهُ لَا يَضْمَنُ. اهـ. . وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جَحَدَهَا أَوْ الْعَارِيَّةَ فِيمَا يُحَوَّلُ عَنْ مَكَانِهِ ضَمِنَ وَلَوْ لَمْ يُحَوَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ: اشْتَرَكَا) أَقُولُ وَتَكُونُ شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: إنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ إذَا خَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ عَنْ الضَّمَانِ. . . إلَخْ) . أَقُولُ فِي الْعِمَادِيَّةِ قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُسْتَعِيرَ إذَا حَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَوْ نَهَاهُ فَضَاعَتْ ضَمِنَ) أَقُولُ وَمَحَلُّ ضَمَانِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْمَنْ الطَّرِيقَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بُدٌّ عَنْ السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ بِأَنْ سَافَرَ مَعَ أَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْخُرُوجِ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَخَرَجَ يَضْمَنُ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ

لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ كَانَ رَاضِيًا بِدَفْعِ الْكُلِّ إلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ - (كَذَا الْمُرْتَهِنَانِ وَالْوَكِيلَانِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ مَا يُقْسَمُ) حَيْثُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ (نَهَى عَنْ الدَّفْعِ إلَى عِيَالِهِ فَدَفَعَ إلَى مَنْ لَهُ بُدٌّ) أَيْ انْفِكَاكٌ (مِنْهُ) مَعَ أَنَّهُ مِنْ عِيَالِهِ (ضَمِنَ، وَ) دَفَعَ (إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَدَفْعِ الدَّابَّةِ إلَى عَبْدِهِ وَمَا يَحْفَظُهُ النِّسَاءُ إلَى غَرْسِهِ) لَا - (أَيْ لَا يَضْمَنُ) يَعْنِي أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً وَقَالَ لَا تَدْفَعُهَا إلَى امْرَأَتِكَ وَعَبْدِكَ وَأَمَتِكَ وَوَلَدِكَ وَأَجِيرِكَ وَهُمْ فِي عِيَالِهِ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهَلَكَتْ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ سِوَاهُ أَهْلٌ وَخَدَمٌ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُفِيدٌ فَقَدْ يَأْمَنُ الْإِنْسَانُ الرَّجُلَ عَلَى الْمَالِ وَلَا يَأْتَمِنُ عِيَالَهُ لَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَى مَنْ نُهِيَ عَنْهُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ حِفْظِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَضْمَنُ بِحِفْظِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ إلَّا بِهِ فَلَمْ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّقْيِيدَ فَبَطَلَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَحْفَظْ فَصَارَ مُنَاقِضًا لِأَصْلِهِ وَهَذَا كَمَا إذَا أَوْدَعَ دَابَّةً وَقَالَ لَا تَدْفَعْهَا إلَى غُلَامِكَ أَوْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ الْوَدِيعَةُ شَيْءٌ يُحْفَظُ عَلَى يَدِ النِّسَاءِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهَا فَهَذَا الشَّرْطُ يُنَاقِضُ أَصْلَهُ فَصَارَ بَاطِلًا - (كَمَا لَوْ أُمِرَ بِحِفْظِهَا فِي بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ وَصُنْدُوقٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ) أَيْ الْبَيْتِ (فَحَفِظَ فِي) بَيْتٍ (آخَرَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ (أَوْ) صُنْدُوقٍ (آخَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَضْمَنْ (بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ) الْأَصْلُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَالْعَمَلُ بِهِ مُمْكِنًا وَالنَّهْيُ عَنْ الْوَضْعِ فِي دَارٍ أُخْرَى مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الْأَمْنِ وَالْحِفْظِ فَصَحَّ الشَّرْطُ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ، وَأَمَّا الْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَقَلَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْحِرْزِ فَالْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُفِيدٍ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا الصُّنْدُوقَانِ، فَإِنَّ تَعَيُّنَ الصُّنْدُوقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُفِيدُ، فَإِنَّ الصُّنْدُوقَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ ظَاهِرًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا) أَيْ لِلْبَيْتِ وَالصُّنْدُوقِ (خَلَلٌ ظَاهِرٌ) فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ الشَّرْطُ وَيَضْمَنُ بِالْخِلَافِ - (أَوْدَعَ الْمُودَعَ فَهَلَكَتْ ضَمَّنَ) الْمُودِعُ الْمُودَعَ (الْأَوَّلَ فَقَطْ) وَقَالَا يُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ (وَلَوْ أَوْدَعَ الْغَاصِبُ ضَمَّنَ الْمَالِكَ أَيًّا شَاءَ) مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ أَمَّا الْغَاصِبُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مُودَعُهُ فَلِقَبْضِهِ مِنْهُ بِلَا رِضَا مَالِكِهِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (كَمَا فِي الْغَاصِبِ وَغَاصِبِهِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ) ، فَإِنَّ غَاصِبَهُ وَالْمُشْتَرِيَ مِنْهُ صَارَا مِثْلَهُ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَذَا بَقَاءٌ - (مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَهُوَ) أَيْ أَلْفٌ (لَهُمَا وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّتْ فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ادَّعَاهُ بِانْفِرَادِهِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا أَوْ يَحْلِفَ لِلْأَوَّلِ وَيَنْكُلَ لِلثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَنْكُلَ لَهُمَا، فَإِنْ حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا) أَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَرِّ لَا الْبَحْرِ. اهـ. فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ هُنَا عَلَى مَا قَيَّدْتُمْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ) أَقُولُ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ حَفِظَ فِي دَارٍ أُمِرَ بِهِ فِي غَيْرِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

[كتاب الرهن]

لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا، وَإِنْ حَلَفَ لِلْأَوَّلِ وَنَكَلَ لِلثَّانِي فَالْأَلْفُ لَهُ يَبْذُلُهُ أَوْ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ عَكَسَ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي، وَإِنْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِبَذْلِهِ أَوْ إقْرَارِهِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ أَوْجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كُلَّ الْأَلْفِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمَا فَقَدْ صَرَفَ نِصْفَ نَصِيبِ هَذَا إلَى ذَاكَ وَنِصْفَ نَصِيبِ ذَاكَ إلَى هَذَا فَيَغْرَمُ ذَلِكَ - (أَوْدَعَ حُرٌّ عَبْدًا مَحْجُورًا فَأَوْدَعَ) الْمَحْجُورُ مَحْجُورًا (مِثْلَهُ وَضَاعَ) الْمُودَعُ (ضَمَّنَ الْأَوَّلَ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَصَحَّ التَّسْلِيطُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى (فَقَطْ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَجْنِ (بَعْدَ الْعِتْقِ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى (وَلَوْ ضَاعَ مُودَعٌ) عِنْدَ ثَالِثٍ يَعْنِي إذَا أَوْدَعَ الْمَحْجُورُ الثَّانِي عِنْدَ الْمَحْجُورِ الثَّالِثِ فَهَلَكَ عِنْدَ الثَّالِثِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) ، وَإِنْ أَعْتَقَ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الْمُودَعِ وَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَغَرِمَ الْأَوَّلُ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ. . . إلَخْ (وَغَرِمَ الثَّانِي فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بِدَفْعِهِ إلَى الثَّالِثِ مُودَعِ الْمُودَعِ يَضْمَنُ عِنْدَهُ إذَا جَنَى [كِتَابُ الرَّهْنِ] (كِتَابُ الرَّهْنِ) مُنَاسَبَتُهُ لِكِتَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ كَالْوَدِيعَةِ، (هُوَ) لُغَةً الْحَبْسُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (حَبْسُ الْمَالِ) احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا (بِحَقٍّ يُمْكِنُ أَخْذُهُ) أَيْ الْحَقِّ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَالِ، (وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْحَقُّ (الدَّيْنُ حَقِيقَةً) وَهُوَ دَيْنٌ وَاجِبٌ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِثَمَنِ عَبْدٍ وَثَمَنِ خَلٍّ وَذَبِيحَةٍ وَبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ أَوْ وَجَدَ حُرًّا أَوْ خَمْرًا أَوْ مَيْتَةً أَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ ظَاهِرًا وَهُوَ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ دَيْنٍ مُودَعٍ كَمَا سَيَأْتِي، (أَوْ حُكْمًا) كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهَا الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ بِنَفْسِهَا، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ وَجْهِ التَّسْمِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (يَنْعَقِدُ) حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ لَازِمٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ (بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) كَمَا فِي الْهِبَةِ (فَلِلرَّاهِنِ تَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرَ لَازِمٍ (فَإِذَا سَلَّمَ) أَيْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (وَقَبَضَ) مِنْ قِبَلِ الْمُرْتَهِنِ (مَحُوزًا) أَيْ مَجْمُوعًا احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَرَهْنِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يُجِزْهُ (مُفْرَغًا) أَيْ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ عَكْسِهِ وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ وَرَهْنُ دَارٍ فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ، (مُتَمَيِّزًا) احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ كَرَهْنِ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا مَا قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ، وَالثَّالِثَ عَنْ رَهْنِ ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ دُونَ الشَّجَرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ النَّظَرِ (لَزِمَ) أَيْ الرَّهْنُ هُوَ جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ فَإِذَا سَلَّمَ (وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ) أَيْ رَفْعُ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ (قَبْضٌ) أَيْ فِي حُكْمِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى إذَا وُجِدْت مِنْ الرَّاهِنِ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَضَاعَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ فَلَا وَجْهَ لَهُ، لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الرَّهْنِ) (قَوْلُهُ وَشَرْعًا حَبْسُ الْمَالِ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا) ، أَقُولُ فِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَالٌ وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا بِقَوْلِهِ حَبْسُ مَالٍ بَلْ بِقَوْلِهِ بِحَقٍّ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْخَمْرُ فَهُوَ مَالٌ أَيْضًا وَيُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِتَوْكِيلِ ذِمِّيٍّ يَبِيعُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُتَمَيِّزًا) هَذِهِ الْأَحْوَالُ إمَّا مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَرَادِفَةٌ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ.

الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ، وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ (كَالْبَيْعِ) أَيْ كَمَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ أَيْضًا قَبْضٌ. اعْتَرَضَ عَلَى الْقَوْمِ بِأَنَّ التَّخْلِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْفِيَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ إذْ الْقَبْضُ مَنْصُوصٌ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَتَّى اسْتَدَلُّوا عَلَى شَرْطِيَّةِ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ أَقُولُ الْمَنْصُوصُ إنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ إذَا نُصَّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْلَالِ، وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْمَنْصُوصِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى وُجُودُهُ كَمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّرَاضِيَ فِي الْبَيْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] فَلَوْ صَحَّ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ لَبَطَلَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ، وَلَمْ يَفْسُدْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي. (وَلَوْ هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ اعْلَمْ أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَمْ يَجْعَلْهُ مَضْمُونًا وَعِنْدَنَا أَمَانَةٌ، لَكِنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَيَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَحْصُلُ مِنْ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَالِاسْتِيفَاءُ بِالْعَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ يَكُونُ اسْتِبْدَالٌ، وَالْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفٍ لَا مُسْتَبْدِلٌ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِاسْتِيفَاءُ بِحَبْسِ الْحَقِّ وَالْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْأَمْوَالِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَكَانَ هُوَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ كَالْكِيسِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلِهَذَا كَانَ نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنُهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَهَذَا مَعْنَى «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ غُرْمُهُ» فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ (ضَمِنَ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (بِالْأَقَلِّ) يَجِبُ تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ كَوْنُ مِنْ فِي قَوْلِهِ (مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) تَفْصِيلِيَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَيَانِيَّةٌ وَالْمَعْنَى بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيِّهِمَا كَانَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسَخِ الْوِقَايَةِ مُنَكَّرًا (وَلَوْ اسْتَوَيَا) أَيْ الدَّيْنُ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ (سَقَطَ دَيْنُهُ) أَيْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ، (وَلَوْ) كَانَتْ (قِيمَتُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (أَكْثَرَ) مِنْ الدَّيْنِ (فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ (وَلَوْ) كَانَتْ (أَقَلَّ) مِنْهُ (سَقَطَ) مِنْ الدَّيْنِ (قَدْرُهُ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ) ، مَثَلًا إذَا رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ سَقَطَ دَيْنُهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةً يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ (وَضَمِنَ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (بِدَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بَيِّنَةٍ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ ضَمِنَ إنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ (مُطْلَقًا) ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْعَقَارِ، أَوْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَضْمَنُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَقَطْ. (لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (طَلَبُ دَيْنِهِ مِنْ رَاهِنِهِ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الدَّيْنِ، (وَ) لَهُ (حَبْسُهُ بِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ، (وَ) لَهُ أَيْضًا حَبْسُ (رَهْنِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ أَوْ يُبْرِئَهُ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِالْأَقَلِّ يَجِبُ تَعْرِيفُهُ) أَقُولُ وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ بِأَقَلَّ بِدُونِ الْأَلْفِ وَاللَّامِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِقَوْلِ الرَّجُلِ مَرَرْت بِأَعْلَمَ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ الْأَعْلَمُ غَيْرَهُمَا، وَلَوْ كَانَ بِالْأَعْلَمِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّمْيِيزِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُوَصِّلِ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ إنَّ مِنْ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ التَّفْضِيلِيَّةِ الَّتِي لَا تُجَامِعُ اللَّامَ وَإِنَّمَا هِيَ التَّنْبِيهِيَّةُ فِي قَوْلِك أَنْتَ الْأَفْضَلُ مِنْ قُرَيْشٍ، كَمَا تَقُولُ أَنْتَ مِنْ قُرَيْشٍ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ اهـ. كَذَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ شَرَحَ الْقُدُورِيُّ (قَوْلَهُ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ ضَمِنَ) يَعْنِي الرَّهْنَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ) جَعَلَهُ شَرْطًا لِلُزُومِ الضَّمَانِ يُوهِمُ بِمَفْهُومِهِ انْتِفَاءَ الضَّمَانِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَرُبَّمَا أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ ثُبُوتِ الْهَلَاكِ بِالْبَيِّنَةِ وَبَيْنَ ثُبُوتِهِ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَقَوْلُ مُحَشِّي الدُّرَرِ الْعَلَّامَةِ الْوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الظَّاهِرُ أَنَّ كَلِمَةَ أَنْ هَاهُنَا وَصْلِيَّةٌ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلِ كَوْنِ أَنْ وَصْلِيَّةً وَكَوْنِ الضَّمَانِ لَيْسَ إلَّا ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا مُطْلَقَ الضَّمَانِ، وَكَذَا وَقَعَ الْإِيهَامُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْمَلَكِ شَارِحِ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَلَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ عِنْدَنَا اهـ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ، وَمَتْنُ الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ لِمُصَنَّفِهِ لَا إيهَامَ فِيهِمَا، وَقَدْ أَوْضَحَ الْحُكْمَ وَأَزَالَ الْإِيهَامَ فِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقِيمَةُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا ادَّعَى الْهَلَاكَ، وَلَمْ يُبَرْهِنْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَهُ أَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودِعَ لَوْ ادَّعَى هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ، وَلَمْ يَقُلْ هَلَكَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ لِي لَا يُصَدَّقُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يُصَدَّقُ، وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ، وَالْبَاقِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَدْ ذَكَرْت هَذَا فِي ضِمْنِ رِسَالَةٍ مُسَمَّاةٍ بِغَايَةِ الْمَطْلَبِ فِي الرَّهْنِ إذَا ذَهَبَ

بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ (لَا الِانْتِفَاعُ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَهُ طَلَبُ دَيْنِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ لَا بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا إعَارَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الرَّاهِنِ (إلَّا بِالْإِذْنِ) أَيْ إذْنِ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ الْمُنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ الْمُنْتَفِعَ الرَّاهِنُ، (فَلَوْ فَعَلَ) أَيْ انْتَفَعَ بِالرَّهْنِ قَبْلَ الْإِذْنِ (تَعَدَّى وَلَمْ يَبْطُلْ) أَيْ الرَّهْنُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّعَدِّي. (وَإِذَا طَلَبَ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ أُمِرَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا وَجْهَ لِقَبْضِ مَالِهِ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ، (إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (فَإِنْ أَحْضَرَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (سَلَّمَ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ) لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ بِحُضُورِ الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ، (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (سَلَّمَ) أَيْ الرَّاهِنُ (الدَّيْنَ بِلَا إحْضَارِ الرَّهْنِ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان، وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ كَذَا فِي الْكَافِي (مُرْتَهِنٌ طَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (إحْضَارَ رَهْنٍ وُضِعَ عِنْدَ عَدْلٍ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ) لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ (ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْأَمْرِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ هُوَ دَيْنٌ، وَإِذَا قَبَضَهُ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا (مُرْتَهِنٌ مَعَهُ رَهْنٌ تَمْكِينَهُ) أَيْ تَمْكِينَ الرَّاهِنِ (مِنْ بَيْعِهِ) أَيْ الرَّهْنِ (لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ) ، يَعْنِي لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ بِثَمَنِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّاهِنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ، (وَلَا) يُكَلَّفُ أَيْضًا (مَنْ قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ تَسْلِيمَ بَعْضِ رَهْنِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَقِيَّةَ) مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ (وَيَحْفَظُهُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَأَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً يَسْكُنُونَ مَعَهُ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُسَاكَنَةِ لَا النَّفَقَةِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ. ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِمْ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ الْوَاجِبَ (وَتَعَدِّيهِ) أَيْ صَرِيحًا (وَإِيدَاعِهِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ (وَجَعَلَ خَاتَمَ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ، وَجَعَلَهُ فِي إصْبَعٍ آخَرَ حُفِظَ (وَتَقَلَّدَ بِسَيْفَيْ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالٌ (لَا الثَّلَاثَةِ) فَإِنَّهُ حِفْظٌ، فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ، وَالضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ضَمَانُ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ أَيْضًا، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ. (وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ) أَيْ خَاتَمِ الرَّهْنِ (فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ) فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ، وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (مُؤَنُ حِفْظِهِ) كَأَجْرِ بَيْتِ الْحِفْظِ وَأَجْرِ الْحَافِظِ فَإِنَّ تَمَامَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ) كَذَا لَوْ بَقِيَ الْقَبْضُ بَعْدَ الْفَسْخِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ أَدَّى إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرَّأَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ تَمْكِينَهُ مِنْ بَيْعِهِ) يَعْنِي لَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ لِيُبَاعَ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا قُدْرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ) نَعَمْ يَصِحُّ بِمَا إذَا بَاعَهُ وَتَسَلَّمَ الثَّمَنَ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ فَأَوْفَاهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ حَبْسُهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ مِنْ ثَمَنِهِ (قَوْلُهُ: وَجَعَلَ خَاتَمَ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى. . . إلَخْ) أَقُولُ وَهَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ رَجُلًا، أَمَّا لَوْ كَانَ امْرَأَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ لَبِسَهُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَتَقَلَّدَ بِسَيْفَيْ الرَّهْنِ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي السَّيْفَيْنِ يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَتَقَلَّدُ بِسَيْفَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ اهـ. فَلَمْ يُعَلِّلْ بِعَادَةِ الشُّجْعَانِ بَلْ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ فَوْقَ آخَرَ. (قَوْلُهُ وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

[باب ما يصح رهنه والرهن به]

قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِسَبَبِ الْحَبْسِ، وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ (وَأَمَّا مُؤَنُ رَدِّهِ أَوْ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى يَدِهِ فَتَنْقَسِمُ إلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ) يَعْنِي أَنَّ مُؤْنَةَ رَدِّهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كَجُعْلِ الْآبِقِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ، وَكَذَا مُؤْنَةُ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمُدَاوَاةِ الْجُرُوحِ إنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَتَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ، فَالْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْأَمَانَةُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَذَا مُدَاوَاةُ الْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ (وَعَلَى الرَّاهِنِ خَرَاجُ الرَّهْنِ وَمُؤْنَةُ تَبْقِيَتِهِ وَإِصْلَاحُ مَنَافِعِهِ) كَنَفَقَةِ الرَّهْنِ وَكِسْوَتِهِ وَأَجْرِ رَاعِيه وَظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ وَالْقِيَامِ بِأُمُورِهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى بَقَائِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إمَّا خَاصَّةً أَوْ بِالتَّقْسِيمِ كَمَا مَرَّ، (وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا) مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (فَأَدَاءُ الْآخَرِ كَانَ مُتَبَرِّعًا) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِهِ الْقَاضِي) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَكَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ. (بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ أَوْ لَا) (صَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ) يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ (وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ، (فَلَوْ رُهِنَتْ) الْمَذْكُورَاتُ (بِخِلَافِ جِنْسِهَا) فَهَلَكَتْ (هَلَكَتْ بِقِيمَتِهَا) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَوْ) رُهِنَتْ (بِجِنْسِهَا) فَهَلَكَتْ (هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ) ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ وَهُوَ الْوَزْنُ أَوْ الْكَيْلُ (بِلَا عِبْرَةٍ لِلْجَوْدَةِ، وَ) لَا (الْقِيمَةِ) فَإِنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ وَزْنِيًّا وَالرَّهْنَ أَيْضًا كَذَلِكَ فَهَلَكَ، فَإِنْ تَسَاوَيَا سَقَطَ الدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ زَائِدًا سَقَطَ قَدْرُ الرَّهْنِ مِنْهُ وَبَقِيَ الزَّائِدُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ عُكِسَ سَقَطَ قَدْرُ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ (رَهْنُ مَشَاعٍ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ كَمَا عَرَفْت ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَشَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشَاعٌ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ رَهَنَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (وَثَمَرٌ عَلَى شَجَرٍ دُونَهُ) أَيْ دُونَ الشَّجَرِ (وَزَرْعُ أَرْضٍ أَوْ نَخْلُهَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمَشَاعِ (كَذَا الْعَكْسُ) وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ لَا الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ لَا النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَا يَجُوزُ لِامْتِنَاعِ قَبْضِ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ. (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (رَهْنُ حُرٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَخَمْرٍ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْحُرِّ وَعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَاهُ (وَلَا يَصِحُّ ارْتِهَانُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) ، وَاللَّامُ فِي (لِلْمُسْلِمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَهْنُ حُرٍّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِهِ الْقَاضِي) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ يَكُونُ مَا أَنْفَقَهُ دَيْنًا يَرْجِعُ بِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ السِّغْنَاقِيُّ فَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَكَذَا نَقُولُ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ أَمَّا بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ] (بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ أَوْ لَا) (قَوْلُهُ وَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ) أَقُولُ يَعْنِي عَلَيْهِ أَيْ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَشَاعٍ) أَقُولُ نَفْيُ الصِّحَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْفَسَادِ أَوْ لِلْبُطْلَانِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلًا وَفِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ فَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَا يَكُونَ مُنْعَقِدًا أَصْلًا كَالْبَاطِلِ فِي الْبَيْعِ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ كَالْفَاسِدِ مِنْ الْبُيُوعِ، وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْمُقَابِلُ بِهِ يَكُونُ مَالًا مَضْمُونًا وَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ، ثُمَّ قَالَ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَالْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ لِوُجُودِ شَرْطِ الِانْعِقَادِ لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجَوَازِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ. (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَالطَّارِئُ وَذَكَرَ التَّصْحِيحُ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ أَوْ نَخْلِهَا دُونَهَا) أَيْ دُونَ الْأَرْضِ لَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَ الْأَرْضِ بَلْ قَدْرُ مَوْضِعِ الشَّجَرِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا لَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ، وَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةُ مُجَاوَرَةَ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ (قَوْلُهُ كَذَا الْعَكْسُ. . . إلَخْ) يَعْنِي بِأَنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ رَهْنِ الْمَنْفِيِّ، أَمَّا لَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ وَسَكَتَ عَنْ النَّخِيلِ وَالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالرُّطَبَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِهَا يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا تَبَعًا لِاتِّصَالِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

أَوْ ارْتِهَانُهَا أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ حُرًّا أَوْ أَمْثَالَهُ أَوْ يَرْتَهِنَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، (وَلَا يَضْمَنُ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْلِمِ (مُرْتَهِنُهَا لِلذِّمِّيِّ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا لَمْ يَضْمَنْهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ. (وَفِي عَكْسِهِ الضَّمَانُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الرَّاهِنُ ذِمِّيًّا وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا فَيَضْمَنُ الْخَمْرَ لِلذِّمِّيِّ، كَمَا إذَا غُصِبَ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ لِلذِّمِّيِّ (وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (بِأَمَانَاتٍ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ فَكَانَ قَبْضُ الرَّهْنِ مَضْمُونًا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانٍ ثَابِتٍ لِيَقَعَ الْقَبْضُ مَضْمُونًا، وَيَثْبُتَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ، وَقَبْضُ الْأَمَانَاتِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لِيَصِحَّ الرَّهْنُ بِهَا (وَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الرَّهْنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ بِدَيْنٍ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ، وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَمَانٌ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَدَرَكٍ) تَفْسِيرُ الرَّهْنِ بِالدَّرَكِ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ سِلْعَةً وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَسَلَّمَهَا، وَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا قَبْلَ الدَّرَكِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَ الرَّهْنِ حَلَّ الدَّرَكُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَهُ حَلَّ الدَّرَكُ أَوْ لَا إذْ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا كَذَا فِي الْكَافِي. (وَأُجْرَةِ نَائِحَةٍ وَمُغَنِّيَةٍ وَثَمَنِ حُرٍّ) حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا إذْ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ (وَكَفَالَةٍ بِالنَّفْسِ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ (وَشُفْعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَعَبْدٍ جَانٍ أَوْ مَدْيُونٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَقِصَاصٍ مُطْلَقًا) أَيْ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ (بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأً) ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ (وَيَصِحُّ بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ) كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ عَدَمِ عَمْدٍ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا، فَالْأَمَانَةُ إنْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ فَلَا شَيْءَ فِي مُقَابِلَتِهَا أَوْ بِتَعَدٍّ فَلَا تَبْقَى أَمَانَةً بَلْ تَكُونُ غَصْبًا. وَثَانِيهَا عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهَا الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ بِنَفْسِهَا وَيُرِيدُونَ الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّمَانَ كَمَا عَرَفْت عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتِهِ فَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَ تَعَيَّنَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ، وَثَالِثُهَا عَيْنٌ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ كَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَكِنَّ الثَّمَرَ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ سَمُّوهُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا فَكَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ. (وَ) يَصِحُّ (بِدَيْنٍ) كَمَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (وَلَوْ مَوْعُودًا فَيَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ (بِمَا وَعَدَ مِنْ الدَّيْنِ) يَعْنِي إنْ رَهَنَ لِيُقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَاكُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمُقَابَلَةِ الْأَلْفِ الْمَوْعُودِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَلْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ مُرْتَهِنُهَا الذِّمِّيُّ) خَصَّ إرْجَاعَ الضَّمِيرِ بِالْخَمْرِ فَفَاتَ عِلْمُ حُكْمِ بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ مَعَهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي) يَعْنِي لِلشَّفِيعِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ هَلَاكِهِ. (قَوْلُهُ فَيَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ بِمَا وَعَدَ مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ إنْ بَيَّنَ قَدْرَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنَّ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مَا شَاءَ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ

إلَى الرَّاهِنِ (إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ) ، بَلْ كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ قَلَّ حَتَّى إذَا كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بَلْ بِالْقِيمَةِ. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ضَمَانُ الْمَالِ وَالْمُجَانَسَةُ ثَابِتَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ، (فَإِنْ هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ ثَمَنِ الصَّرْفِ (تَمَّ الْعَقْدُ) أَيْ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ (وَأَخَذَ حَقَّهُ) أَيْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ حُكْمًا (فَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ نَقْدٍ وَهَلَكَ بَطَلَا) أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَمَّا لَمْ يَتَأَتَّ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ، فَقَالَ (وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ (تَمَّ الْعَقْدُ وَصَارَ) أَيْ الرَّهْنُ (عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ) ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ، (وَإِنْ فُسِخَ) أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ (صَارَ) أَيْ الرَّهْنُ (رَهْنًا بِبَدَلِهِ) وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فَيَحْبِسُهُ، فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ (وَهَلَكَ رَهْنُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ هَلَكَ بِهِ) أَيْ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِدَيْنٍ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَبِ (عَبْدَ طِفْلَةٍ) مَفْعُولُ الرَّهْنِ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنَ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ خَوْفًا مِنْ الْغَرَامَةِ، وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا، الْوَدِيعَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمَا. (وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (بِثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ ذَكِيَّةٍ إنْ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا وَالْخَلُّ خَمْرًا وَالذَّكِيَّةُ مَيْتَةً وَبِبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ إنْ أَقَرَّ أَنْ لَا دَيْنَ) ، صُورَتُهُ رَجُلٌ صَالَحَ عَنْ إنْكَارٍ وَرَهَنَ بِبَدَلِ الصُّلْحِ شَيْئًا، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا مَرَّ أَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ ظَاهِرًا. يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً. (شَرَى عَلَى أَنْ يَرْهَنَ شَيْئًا أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا) حَالَ كَوْنِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ (مُعَيَّنَيْنِ لِثَمَنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُعْطِيَ، (وَأَبَى) أَيْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَ مَا سَمَّاهُ، أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا سَمَّاهُ (صَحَّ) أَيْ الشِّرَاءُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَمَا مَرَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ، وَهُوَ يُلَائِمُ وُجُوبَ الثَّمَنِ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا، وَالرَّهْنُ مُعَيَّنًا اُعْتُبِرَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ فَصَحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ عَيْنُ الشَّرْطِ فَفَسَدَ، (وَلَا يُجْبَرُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (عَلَى الْوَفَاءِ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، وَإِنَّمَا صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ إذَا وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ، وَالْوَعْدُ بِالرَّهْنِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الرَّهْنِ وَلَوْ رَهَنَهُ لَا يُلْزَمْ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَلَأَنْ لَا يَصِيرَ لَازِمًا بِالْوَعْدِ أَوْلَى (فَلِلْبَائِعِ فَسْخُهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ ثَمَنَهُ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا) أَيْ إذَا أَبَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ كَانَ لِهَذَا الشَّرْطِ فَبِدُونِهِ لَا يَكُونُ رَاضِيًا، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِ الرَّهْنِ إلَّا إذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ حِينَئِذٍ إذْ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَمَانَةٌ. (قَالَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (لِبَائِعِهِ) وَقَدْ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الْمَبِيعِ (أَمْسِكْ هَذَا حَتَّى أُعْطِيَ ثَمَنَهُ كَانَ رَهْنًا) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ. (رَهَنَ عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ، وَكُلُّهُ رَهْنٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ) يَعْنِي قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (قَوْلُهُ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ هَلَكَ أَيْ الرَّهْنُ ثُمَّ الْعَقْدُ) أَيْ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا) أَيْ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ يَضْمَنُ لِلصَّغِيرِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَهُوَ إلَى الْكَاكِيِّ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ فَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَتَمَامُهُ فِيهِ مُفَرَّعًا (قَوْلُهُ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ. . . إلَخْ) كَذَا إعْطَاءُ الْكَفِيلِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا لِيَتِمَّ التَّعْلِيلُ لِلْجَانِبَيْنِ. (قَوْلُهُ قَالَ لِبَائِعِهِ وَقَدْ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الْمَبِيعِ أَمْسِكْ هَذَا) التَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

[باب الرهن يوضع عند عدل]

لَا أَنَّ نِصْفَهُ رَهْنٌ لِأَحَدِهِمَا وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَمُوجِبُهُ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ مَحْبُوسًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا تَنَافِي فِيهِ كَمَا إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَحَضَرَ أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِينَ، وَاسْتَوْفَى يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِنَفْسِهِ وَلِلْبَاقِينَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إيجَابُ الْمِلْكِ، وَالْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا مِلْكًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْقِسَامِ وَهُوَ يُنَافِي الْمَقْصُودَ (وَفِي تَهَايُئِهِمَا كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ، وَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ كُلٌّ حِصَّتَهُ) أَيْ حِصَّةَ دَيْنِهِ إذْ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَجَزَّأُ (فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَكُلُّهُ رَهْنٌ لِلْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا تَفْرِيقٍ. (رَهَنَا مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا صَحَّ الرَّهْنُ بِكُلِّهِ) أَيْ كُلِّ الدَّيْنِ (يُمْسِكُهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (إلَى قَبْضِ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ بِلَا شُيُوعٍ (بَطَلَ حُجَّةُ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ) ، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا سَبَقَ يَعْنِي إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ وَلَا وَجْهَ لِلْقَضَاءِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ كَوْنُ كُلِّهِ رَهْنًا بِهَذَا وَكُلِّهِ رَهْنًا بِذَاكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا لِلْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا لِلْقَضَاءِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ لِلُزُومِ الشُّيُوعِ فَتَعَيَّنَ التَّهَايُؤُ (وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ وَالرَّهْنُ مَعَهُمَا فَيُرْهَنُ كُلٌّ كَذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ (كَانَ نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الْعَبْدِ (مَعَ كُلٍّ) مِنْهُمَا (رَهْنًا بِحَقِّهِ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشُّيُوعُ يَضُرُّهُ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ، وَالشُّيُوعُ لَا يَضُرُّهُ. (بَابُ رَهْنٍ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ) سُمِّيَ بِهِ لِعَدَالَتِهِ فِي زَعْمِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (وَضَعَاهُ) أَيْ وَضَعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ (عِنْدَهُ صَحَّ) خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ) أَيْ الرَّهْنَ مِنْ الْعَدْلِ (أَحَدُهُمَا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً، فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ (وَيَضْمَنُ) أَيْ الْعَدْلُ (بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) أَيْ دَفْعِ الرَّهْنِ إلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ مُودِعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودِعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ، وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودِعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ (وَيَهْلِكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ (وَكَّلَهُ) أَيْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ (أَوْ الْعَدْلُ أَوْ غَيْرُهُمَا بِبَيْعِهِ) أَيْ بَيْعِ الرَّهْنِ (عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ (فَإِنْ شَرَطَ) أَيْ التَّوْكِيلَ (فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ) بِالْعَزْلِ وَبِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ (إلَّا بِمَوْتِ الْوَكِيلِ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا، وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ لَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا أَرَى غَيْرَهُ (وَلَهُ) أَيْ الْوَكِيلِ (بَيْعُهُ) أَيْ الرَّهْنِ (بِغَيْبَةِ وَرَثَتِهِ) أَيْ الرَّاهِنِ كَمَا يَبِيعُهُ حَالَ حَيَاتِهِ بِغَيْبَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَطَلَ حُجَّةُ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ. . . إلَخْ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى، وَكَذَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ أَوْلَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْهِمَا، فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيَاسًا، قَالَ فِي الْأَصْلِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لِكُلٍّ نِصْفُهُ رَهْنٌ بِنِصْفِ حَقِّهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الرَّهْنُ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ] (بَابُ رَهْنٍ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ) (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْعَدْلُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ اهـ. وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا اهـ. ثُمَّ لَا يَقْدِرُ الْعَدْلُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ قَاضِيًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ اهـ فَيَأْخُذُ أَنَّهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَانِهَا رَهْنًا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ بِرَفْعِ أَحَدِهِمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ فَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا رَفَعَ الْعَدْلُ أَحَدَهُمَا إلَى الْقَاضِي وَلَوْ جَعَلَ الْقِيمَةَ فِي يَدِ الْعَدْلِ، وَقَدْ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَهِيَ سَالِمَةٌ لِلْعَدْلِ لِوُصُولِ عَيْنِ مَالِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُهَا الْمُرْتَهِنُ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَخْذُهَا مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْعَدْلُ بِهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الرَّهْنَ رَهْنًا بِأَنْ قَالَ هَذَا رَهْنُك خُذْهُ بِحَقِّك وَاحْبِسْهُ بِدَيْنِك اسْتَهْلَكَ الرَّهْنَ أَوْ هَلَكَ لِدَفْعِهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ، وَكَذَا يَرْجِعُ لَوْ دَفَعَهُ لَهُ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً وَاسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ

، (وَيُجْبَرُ) أَيْ الْوَكِيلُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْبَيْعِ (إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمُرْتَهِنُ، وَكَيْفِيَّةُ الْإِجْبَارِ أَنْ يَحْبِسَهُ الْقَاضِي أَيَّامًا لِيَبِيعَ فَإِنْ لَجَّ بَعْدَهُ فَالْقَاضِي يَبِيعُهُ عَلَيْهِ (كَوَكِيلٍ بِالْخُصُومَةِ غَابَ مُوَكِّلُهُ) حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ، (وَلَوْ وُكِّلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ النَّسِيئَةِ لَمْ يُفِدْهُ) كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا يَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ إلَّا بِرِضَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الرَّهْنِ، لِلرَّاهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ (بَاعَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (الْعَدْلُ) حَتَّى خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ (فَالثَّمَنُ رَهْنٌ مَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَقْبُوضِ (فَهَلَاكُهُ) أَيْ هَلَاكُ الثَّمَنِ هَلَاكٌ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ) لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ. (كَذَا قِيمَةُ عَبْدٍ رَهْنٍ قُتِلَ) أَيْ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ صَارَتْ رَهْنًا بَدَلَ الْعَبْدِ، (وَ) كَذَا (عَبْدٌ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدُ الرَّهْنُ (فَدَفَعَ بِهِ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَكُونُ رَهْنًا بَدَلَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ، (فَإِنْ أَوْفَى) أَيْ إنْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَأَوْفَى (ثَمَنَهُ) أَيْ ثَمَنَ الرَّهْنِ (الْمُرْتَهِنَ فَاسْتُحِقَّ) أَيْ الرَّهْنُ؛ (فَفِي الْهَالِكِ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَدْ وَقَعَ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بَدَلَ الْمُشْتَرِي الْمُرْتَهِنِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ، (ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ) قِيمَةَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ. (وَصَحَّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ) أَيْ قَبْضُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ (أَوْ) ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ (الْعَدْلَ) الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدِّيًا بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ (فَهُوَ) أَيْ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْعَدْلُ (مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ) قِيمَةَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ بِالْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ (وَصَحَّا) أَيْ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَدْلِ بِدَيْنِهِ (أَوْ) ضَمَّنَ (الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ) الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ، إذَا تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَ الْعَبْدَ بِالضَّمَانِ (فَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الثَّمَنُ (لَهُ) أَيْ لِلْعَدْلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ، (وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا رَجَعَ بَطَلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ، (فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ) ضَرُورَةً. (وَفِي الْقَائِمِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَفِي الْهَالِكِ أَيْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (أَخَذَهُ) أَيْ الْمُسْتَحِقُّ (مِنْ مُشْتَرِيهِ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ (وَرَجَعَ هَذَا) أَيْ مُشْتَرِيهِ (عَلَى الْعَدْلِ بِثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، (ثُمَّ) يَرْجِعُ (هَذَا) أَيْ الْعَدْلُ (عَلَى الرَّاهِنِ بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْعُهْدَةِ بِتَوْكِيلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ. . (وَ) إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ (صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ) وَسَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لَهُ (أَوْ) يَرْجِعُ الْعَدْلُ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا انْتَقَضَ بَطَلَ الثَّمَنُ، وَقَدْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنًا فَإِذَا بَطَلَ وَجَبَ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً، (ثُمَّ) يَرْجِعُ (هُوَ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ) أَيْ الْبَيْعِ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ يَعْنِي أَوْ الْوَكِيلُ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْبَيْعُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، وَكَذَا يُجْبَرُ لَوْ شَرَطَ لَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَ الرَّهْنَ بِالضَّمَانِ (قَوْلُهُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَدْلِ بِدَيْنِهِ) لَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْعَدْلِ، وَوَجْهُ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ بِتَأْدِيَةِ الْعَدْلِ صَحَّ اقْتِضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا ضُمِنَ صَارَ الْمُرْتَهِنُ قَابِضًا ثَمَنَ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ) أَيْ ضَمَّنَ الْعَدْلُ الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَ الرَّهْنِ الَّذِي بَاعَهُ، وَأَدَّاهُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ ذَلِكَ الثَّمَنُ لَهُ أَيْ لِلْعَدْلِ. . . إلَخْ) أَقُولُ تَفَقُّهًا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْعَدْلُ بِمَا بَقِيَ مِنْ ضَمَانِهِ الْقِيمَةَ عَلَى الرَّاهِنِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ، وَأَلَّا يُضَيِّعَ عَلَيْهِ بَاقِي الْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْهُ الْمُسْتَحِقُّ فَلْيُنْظَرْ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَذْكُرْ رُجُوعَ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الشِّقِّ بَلْ سَيَذْكُرُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا، وَهُنَا لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ بَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَقُولُ تَفَقُّهًا يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ سَلَّمَهُ إلَى الْعَدْلِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَدْلُ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ فَإِنْ قِيلَ بِذَلِكَ يَصِيرُ الْعَدْلُ قَدْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَلِلْمُسْتَحِقِّ الْقِيمَةَ فَالْقِيمَةُ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَالثَّمَنُ يَرْجِعُ بِهِ الْعَدْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى اسْتِقْرَارِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلْيُنْظَرْ (قَوْلُهُ وَفِي الْقَائِمِ أَخَذَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ، وَرَجَعَ هَذَا أَيْ مُشْتَرِيهِ عَلَى الْعَدْلِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ إلَى الْعَدْلِ، وَلَوْ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَقِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لَهُ) يَعْنِي وَبَرِئَ الرَّاهِنُ عِنْدَ الدَّيْنِ.

[باب التصرف والجناية في الرهن]

إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتَقَضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، (فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ) أَيْ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ (بَلْ وَكَّلَهُ بَعْدَهُ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ إنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا شَرَطَ التَّوْكِيلَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ بَلْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ (رَجَعَ بِهِ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ فَقَطْ) ، أَيْ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الرَّهْنِ بِأَنْ وَكَّلَ إنْسَانًا بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ فَفَعَلَ، ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الرَّهْنِ إذْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ الْبَيْعُ رَافِعًا لِحَقِّهِ، وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ الضَّمَانُ، (قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ أَوْ لَا) صُورَةُ عَدَمِ قَبْضِهِ أَنَّ الْعَدْلَ بَاعَ الرَّهْنَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ، وَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ بِلَا تَعَدِّيهِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ فَالضَّمَانُ الَّذِي يَلْحَقُ الْعَدْلَ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، (هَلَكَ الرَّهْنُ مَعَ الْمُرْتَهِنِ فَاسْتُحِقَّ، وَضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ هَلَكَ بِدَيْنِهِ) يَعْنِي إذَا اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ الْهَالِكَ رَجُلٌ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ فَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ فَقَدْ هَلَكَ بِدَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ، (وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَتِهِ) الَّتِي ضَمِنَهَا (وَبِدَيْنِهِ) إمَّا بِالْقِيمَةِ، فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بِالتَّسْلِيمِ، وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ قَبْضُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ. (بَابُ التَّصَرُّفِ وَالْجِنَايَةِ فِي الرَّهْنِ) (وَقْفُ بَيْعِ الرَّاهِنِ) أَيْ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ (إنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ قَضَى) أَيْ الرَّاهِنُ (دَيْنَهُ نَفَذَ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ، وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النُّفُوذِ قَدْ زَالَ وَالْمُقْتَضَى وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مَوْجُودٌ، (وَالثَّمَنُ رَهْنٌ) فَإِنَّ الْبَيْعَ إذَا نَفَذَ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ (وَإِنْ فَسَخَ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ عَقْدَ الرَّهْنِ (لَمْ يَنْفَسِخْ) فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ مَعَ الْمُقْتَضَى لِلنَّفَاذِ إنَّمَا كَانَ لِصِيَانَةِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ يُصَانُ بِانْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا. (وَ) إذَا بَقِيَ مَوْقُوفًا (صَبَرَ الْمُشْتَرِي إلَى فَكِّهِ أَوْ رَفْعِ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ) أَيْ الْقَاضِي الْعَقْدَ بِحُكْمِ عَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ التَّسْلِيمِ، (بَاعَ) أَيْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ) بَاعَ (مِنْ آخَرَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ) أَيْ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ (وَقَفَ) الْبَيْعُ (الثَّانِي) عَلَى إجَازَتِهِ (أَيْضًا) ، أَيْ كَمَا وَقَفَ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي (فَلَوْ أَجَازَهُ) أَيْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ (جَازَ) الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ، (وَلَوْ بَاعَ) الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (ثُمَّ أَجَّرَ) أَيْ الرَّهْنَ، (أَوْ رَهَنَ أَوْ وَهَبَ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي (فَأَجَازَهَا) أَيْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ (الْمُرْتَهِنُ جَازَ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْبَيْعُ (لَا الْبَوَاقِي) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي بِالْإِجَازَةِ فِي الْأُولَى، وَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي الثَّانِيَةِ سِوَى الْبَيْعِ مَعَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ لِلْكُلِّ لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ فَائِدَةً فِي الْبَيْعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ، إذْ لَا بَدَلَ لَهُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَمَا فِي الْإِجَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ التَّصَرُّفِ وَالْجِنَايَةِ فِي الرَّهْنِ] (قَوْلُهُ إنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ قَضَى دَيْنَهُ نَفَذَ) أَيْ وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى ثَمَنِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحِيحِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَإِنْ فَسَخَ أَيْ الْمُرْتَهِنُ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَنْفَسِخْ) لَعَلَّ صَوَابَهُ عَقْدُ بَيْعِ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَجَازَهُ أَيْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَازَ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ) كَذَا عَكْسُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَأَجَازَهَا أَيْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ مَا حَصَلَ مِنْهَا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَوْلُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ ذِكْرِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَدْخُولِ الْإِجَازَةِ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ التَّبْيِينِ قَالَ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الْهِبَةَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ دُونَ هَذِهِ الْعُقُودِ اهـ. وَإِجَازَةُ الْبَيْعِ مَقْصُودَةٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.

بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا الْعَيْنِ، وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ. (وَصَحَّ إعْتَاقُهُ) أَيْ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ (وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ عَنْ الْأَهْلِ وَوَقَعَ فِي الْمَحَلِّ فَبَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، (فَلَوْ) كَانَ الرَّاهِنُ (مُوسِرًا طُولِبَ بِدَيْنِهِ الْحَالِّ) إذْ لَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ قِيمَةَ الرَّهْنِ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ (وَفِي الْمُؤَجَّلِ أَخَذَ مِنْهُ) أَيْ الرَّاهِنُ (قِيمَتَهُ وَجُعِلَتْ رَهْنًا بَدَلَهُ) حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَفَائِدَةُ التَّضْمِينِ هِيَ حُصُولُ الِاسْتِيثَاقِ وَيَحْبِسُهَا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِذَا حَلَّ اسْتَوْفَى حَقَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إذَا ظَفِرَ بِحَبْسِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ رَدَّهُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ (وَلَوْ) كَانَ الرَّاهِنُ (مُعْسِرًا فَفِي الْعِتْقِ سَعَى) الْعَبْدُ (لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَعَى فِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْهَا سَعَى فِي الدَّيْنِ (وَرَجَعَ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا صَارَ غَنِيًّا) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ، (وَفِي أُخْتَيْهِ) يَعْنِي التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ (سَعَى) كُلٌّ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدَة لِلْمُرْتَهِنِ (فِي كُلِّ الدَّيْنِ بِلَا رُجُوعٍ) عَلَى سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُهُ. (وَإِتْلَافُهُ) أَيْ إتْلَافُ الرَّاهِنِ رَهْنَهُ (كَإِعْتَاقِهِ غَنِيًّا) أَيْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَخَذَ مِنْهُ الدَّيْنَ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَ قِيمَتَهُ فَيَكُونُ رَهْنًا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ (وَأَجْنَبِيٌّ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ) فَيَأْخُذُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ (وَكَانَ) أَيْ الْمَأْخُوذُ (رَهْنًا بَدَلَهُ) كَمَا مَرَّ. (أَعَارَ) أَيْ الرَّهْنَ (مُرْتَهِنُهُ رَاهِنَهُ أَوْ) أَعَارَهُ (أَحَدُهُمَا) مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (بِإِذْنِ صَاحِبِهِ آخَرَ) فَقَبَضَهُ (سَقَطَ ضَمَانُهُ) أَيْ ضَمَانُ الرَّهْنِ (حَالًّا) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (بَقِيَ الرَّهْنُ) ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ إلَى يَدِهِ، وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ سَقَطَ ضَمَانُهُ بِقَوْلِهِ (فَهَلَكُهُ) أَيْ الرَّهْنُ (مَعَ مُسْتَعِيرِهِ) أَيْ مَعَ رَاهِنِهِ (إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَعِيرَ أَوْ) مَعَ أَجْنَبِيٍّ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَعِيرَ (هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ، (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (رَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ (رَهْنًا) كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا مُحْتَرَمًا فِيهِ، (فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ رَدِّهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ (فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ (مِنْ) سَائِرِ (الْغُرَمَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ، وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ قَطْعًا فَإِنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَابِتٌ فِي وَلَدِ الرَّهْنِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ، وَإِذَا بَقِيَ الرَّهْنُ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ لِعَوْدِ الْقَبْضِ فَيَعُودُ بِصِفَتِهِ. (وَإِذَا أَجَرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) إذَا تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا. (رَهَنَ عَبْدًا غَصَبَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ لَا يَنْفُذُ) الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ تَوَقُّفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فَلَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ غَيْرِهِ، وَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّاهِنِ ثَبَتَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَاخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَكَانَ مِلْكُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ سَعَى الْعَبْدُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَيَوْمَ الرَّهْنِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ سَعَى كُلٌّ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدَة) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ يَقْضِي بِالسِّعَايَةِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صُرِفَ بِحَنْسِهِ وَيَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا كَانَتْ السِّعَايَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ قَضَى بِهَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَالِّ (قَوْلُهُ وَأَجْنَبِيٌّ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ فَيَأْخُذُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ) يَعْنِي يَوْمَ اسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالنِّهَايَةِ، وَكَذَا فِي الْهَلَاكِ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ هَلَكَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ أَعَارَهُ أَيْ الرَّهْنَ مُرْتَهِنُهُ رَاهِنَهُ أَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْإِعَارَةِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا، وَلَكِنْ لَمَّا عُومِلَ هُنَا مُعَامَلَةَ الْإِعَارَةِ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ وَتَمَكُّنِ الِاسْتِرْدَادِ أَطْلَقَ اسْمَ الْإِعَارَةِ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا أَجَرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَذَا لَوْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ.

الرَّاهِنِ سَابِقًا عَلَى الرَّهْنِ كَذَا فِي الْقَاعِدِيَّةِ. (مُرْتَهِنٌ أُذِنَ بِاسْتِعْمَالِهِ) أَيْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ بِلَا طَلَبٍ مِنْهُ فَيُغَايِرُ الِاسْتِعَارَةَ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ عَارِيَّةً (أَوْ اسْتَعَارَهُ) أَيْ الرَّهْنَ مِنْ رَاهِنِهِ (لِعَمَلٍ إنْ هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ (حَالَ الْعَمَلِ) فِي صُورَتَيْ الْإِذْنِ وَالِاسْتِعَارَةِ (لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ. (وَفِي طَرَفَيْهِ) أَيْ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ (ضَمِنَ كَالرَّهْنِ) أَيْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ ضَمَانًا كَضَمَانِ الرَّهْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ. (صَحَّ اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ لِيُرْهَنَ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَالِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ، وَإِذَا صَحَّ (فَيَرْهَنُ) الْمُسْتَعِيرُ (بِمَا شَاءَ) مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، (وَإِنْ عَيَّنَ الْمُعِيرُ تَقَيَّدَ مَا عَيَّنَهُ مِنْ قَدْرٍ) فَإِنَّهُ إذَا عَيَّنَ قَدْرًا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُعِيرِ أَنْ يَصِيرَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَهَنَ بِأَقَلَّ مِنْهُ هَلَكَ الْبَاقِي أَمَانَةً فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ (وَجِنْسٍ وَمُرْتَهَنٍ وَبَلَدٍ) فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ (فَإِنْ خَالَفَ) أَيْ بَعْدَ مَا اُعْتُبِرَ التَّقْيِيدُ إنْ خَالَفَ (الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ ضَمَّنَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (الْمُعِيرَ) لِمُخَالَفَتِهِ، (وَيَتِمُّ الرَّهْنُ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ (أَوْ) ضَمِنَ الْمُعِيرُ (الْمُرْتَهِنَ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا مُتَعَدٍّ فَصَارَ الرَّاهِنُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ، (وَيَرْجِعُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (بِمَا ضَمِنَهُ) مِنْ الْقِيمَةِ (وَبِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ) ، أَمَّا رُجُوعُهُ بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَأَمَّا رُجُوعُهُ بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ انْتَقَضَ فَعَادَ حَقُّهُ كَمَا كَانَ، (وَإِنْ وَافَقَ) بِأَنْ رَهَنَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَ بِهِ (وَهَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ (عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ اسْتَوْفَى) أَيْ الْمُرْتَهِنُ (كُلَّ دَيْنِهِ لَوْ قِيمَتُهُ كَالدِّينِ أَوْ أَكْثَرَ) لِتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ، (وَوَجَبَ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الدَّيْنِ (لَلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ) ، وَهُوَ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ دَيْنَهُ إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا، وَإِلَّا يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ (لَا الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ فَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ، (وَبَعْضُ دَيْنِهِ) عُطِفَ عَلَى كُلِّ دَيْنِهِ أَيْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ بَعْضَ دَيْنِهِ (أَوْ قِيمَته أَقَلَّ) مِنْ الدَّيْنِ (وَبَاقِيهِ) أَيْ بَاقِي دَيْنِهِ (عَلَى الرَّاهِنِ) لِلْمُرْتَهِنِ إذْ لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ (لَوْ افْتَكَّهُ الْمُعِيرُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُعِيرَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ لِفَكِّ مِلْكِهِ عَلَى الدَّيْنِ (لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسَلُّمِ الرَّهْنِ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ مِلْكِهِ فَصَارَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الرَّاهِنِ فَيُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ (وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى إنْ سَاوَى الدَّيْنُ الْقِيمَةَ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا، وَإِنَّمَا قَالَ إنْ سَاوَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ يَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (هَلَكَ) أَيْ الرَّهْنُ (عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ رَهْنِهِ أَوْ بَعْدَ فَكِّهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ) بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ الرُّكُوبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَضْمَنُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. (جِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مُرْتَهِنٌ أُذِنَ بِاسْتِعْمَالِهِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَخَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ اهـ (قَوْلُهُ إنْ هَلَكَ حَالَ الْعَمَلِ لَمْ يَضْمَنْ) يَعْنِي بِأَنْ صَدَقَهُ الرَّاهِنُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ وَقْتُ الْعَمَلِ وَالرَّاهِنُ فِي غَيْرِ حَالَ الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَكَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ وَإِنْ عَيَّنَ الْمُعِيرُ تَقَيَّدَ بِمَا عَيَّنَهُ مِنْ قَدْرٍ) ، بَيَانُهُ مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ سَمَّى لَهُ شَيْئًا فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَرَهَنَ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بِأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ. وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَإِنْ نَقَصَ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الثَّوْبِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَقَلَّ يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَضْمَنُ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُسْتَعِيرَ إذَا خَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، ثُمَّ ذَكَرَ الْعِمَادُ مَا يَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ، (قَوْلُهُ جِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى

الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ وَتَعَلُّقَ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ (وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّهْنِ (تَسْقُطُ مِنْ دِيَتِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (بِقَدْرِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِذَا لَزِمَهُ وَكَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ أَمَانَةً، وَأَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِعَقْدِ الرَّهْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُودَعُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ) ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا، وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ جِنَايَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدَرًا فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ، وَهِيَ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ هَدَرًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ. (رَهَنَ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَارَ قِيمَتُهُ مِائَةً فَقَتَلَهُ حُرٌّ فَغَرِمَ مِائَةً، وَحَلَّ أَجَلُهُ أَخَذَ مُرْتَهِنُهُ الْمِائَةَ مِنْ حَقِّهِ وَسَقَطَ بَاقِيهِ) ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ، (وَلَوْ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ بِمِائَةٍ) أَيْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ بِهَا (وَقَبَضَهَا رَجَعَ بِمَا بَقِيَ) وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَهُ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى فَكَذَا هَاهُنَا (قَتَلَهُ) أَيْ عَبْدًا (يَعْدِلُ أَلْفًا عَبْدٌ يَعْدِلُ مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَكَّهُ) أَيْ الرَّهْنِ (بِكُلِّ دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ، وَتَرَاجَعَ سِعْرُهُ (جَنَى) أَيْ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ يَعْنِي رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا (خَطَأً فَدَاهُ مُرْتَهِنُهُ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَالْعَبْدُ كُلُّهُ فِي ضَمَانِهِ، وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ فَيُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ افْدِ الْعَبْدَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَدَاهُ أَصْلَحَ رَهْنَهُ، وَكَانَ دَيْنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِحَالِهِ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ كَمَا كَانَ، (وَلَمْ يَرْجِعْ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مَضْمُونٌ، وَجِنَايَةُ الْمَضْمُونِ كَجِنَايَةِ الضَّامِنِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ، (وَلَا يَدْفَعُهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْفِدَاءِ (دَفَعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ فَدَاهُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ) أَيْ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ فَإِنْ دَفَعَ أَوْ فَدَى سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَأَخَذَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ (إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الدَّيْنُ (أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ) ، بَلْ يَكُونُ مُسَاوِيًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) أَيْ فَتَكُونُ حُكْمَ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَلْزَمهُ، وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَصَوَابُهُ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَ مَا لَزِمَهُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَلَا يَحْكُمُ بِالسُّقُوطِ بِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ بَلْ مَا لَزِمَهُ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِذَا حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِلَّا فَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ طَرَفَيْ حُرٍّ وَعَبْدٍ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يَقْتَصُّ مِنْ الرَّهْنِ إذَا حَضَرَ الرَّاهِنُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ اهـ. وَهَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ سَيِّدِهِ. (قَوْلُهُ أَمَّا كَوْنُ جِنَايَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ. . . إلَخْ) هَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي بَيَانِ عَدَمِ ضَمَانِهِمَا كَذَلِكَ يَصْلُحُ لِبَيَانِ عَدَمِ ضَمَانِ مَالِهِمَا. (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ بِمِائَةٍ) الْمُرَادُ أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمِائَةٍ فَالْمِائَةُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَهُ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ) فِيهِ تَأَمَّلْ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّهُ أَيْ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ قَتَلَهُ أَيْ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا عَبْدٌ يَعْدِلُ مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَكَّهُ بِكُلِّ دَيْنِهِ) يَعْنِي يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى فِكَاكِ الْعَبْدِ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَهُوَ الْأَلْفُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَقَالَ زُفَرُ يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ الْمُخْتَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ جَنَى خَطَأً فَدَاهُ مُرْتَهِنُهُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ أَوْ ادْفَعَاهُ بِهَا فَإِنْ أَجْمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي أَيَّهُمَا كَانَ ثُمَّ إذَا فَدَاهُ الرَّاهِنُ يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حِصَّةَ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

[فصل رهن عصيرا قيمته بعشرة فتخمر وتخلل وهو يساويها]

يَسْقُطُ الْبَاقِي (مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نُصِّبَ) أَيْ وَصِيٌّ (لِيَبِيعَهُ) أَيْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي. (رَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ يُوقَفُ عَلَى رِضَا الْآخَرِينَ، وَلَهُمْ رَدُّهُ) لِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ حُكْمًا، فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ، (فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ) أَيْ دَيْنَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (قَبْلَ الرَّدِّ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ (نَفَذَ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَهُوَ حَقُّ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ (وَلَوْ انْفَرَدَ الْغَرِيمُ) أَيْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ إلَّا غَرِيمٌ وَاحِدٌ (جَازَ) هَذَا الرَّهْنُ اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ (وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ (وَإِذَا ارْتَهَنَ) أَيْ الْوَصِيُّ (بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى آخَرَ جَازَ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَفِي رَهْنِ الْوَصِيِّ، تَفْصِيلَاتٌ تَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا. (فَصْلٌ) (رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِهَا) أَيْ بِعَشَرَةٍ (فَتَخَمَّرَ وَتَخَلَّلَ وَهُوَ يُسَاوِيهَا) أَيْ الْعَشَرَةَ (بَقِيَ رَهْنًا بِهَا) أَيْ بِالْعَشَرَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الرَّهْنُ إذْ بِالتَّخَمُّرِ خَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلْإِيفَاءِ إذْ لَمْ يَبْقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَعُودَ بِالتَّخَلُّلِ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ صَيْرُورَتِهِ خَلًّا فَكَذَا هَذَا. (وَرَهَنَ شَاةً كَذَلِكَ) أَيْ قِيمَتُهَا عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ (فَمَاتَتْ) بِلَا ذَبْحٍ (فَدَبَغَ جِلْدَهَا فَسَاوَى دِرْهَمًا فَهُوَ) أَيْ الْجِلْدُ (رَهْنٌ بِهِ) أَيْ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا صَلَحَ بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ حُكْمُهُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْمُنْتَقَضُ لَا يَعُودُ وَقِيلَ يَعُودُ الْبَيْعُ أَيْضًا (نَمَاءُ الرَّهْنِ) كَوَلَدِهِ وَلَبَنِهِ وَصُوفِهِ وَثَمَرِهِ (لِلرَّاهِنِ) لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مِلْكِهِ (وَرُهِنَ مَعَ أَصْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [فَصْلٌ رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ بِعَشَرَةٍ فَتَخَمَّرَ وَتَخَلَّلَ وَهُوَ يُسَاوِيهَا] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ فَتَخَمَّرَ وَتَخَلَّلَ) يَعْنِي فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ كَمَا فِي الْكَنْزِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْقِيمَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَفِيهِمَا نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ لِفَوَاتِ مُجَرَّدِ الْوَصْفِ وَفَوَاتُ شَيْءِ مِنْ الْوَصْفِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ سَقَطَ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَحَكَاهُ الْعَيْنِيُّ ثُمَّ قَالَ قُلْت الْقِيمَةُ تَزْدَادُ وَتَنْقُصُ بِازْدِيَادِ الْقَدْرِ وَنُقْصَانِهِ اهـ. وَفِي كَلَامِ الْعَيْنِيِّ تَأَمَّلْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ هَلْ يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا فِي ازْدِيَادِ الْقِيمَةِ بِالزِّيَادَةِ وَنُقْصَانِهَا بِنُقْصَانِ الْقَدْرِ اهـ. وَيَظْهَرُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بِمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِصُ شَيْءٌ مِنْ كَيْلِهِ، وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْ كَيْلِهِ بِالتَّخَمُّرِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ رَهْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِذَا صَارَ رَهْنًا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى حِسَابِ مَا نَقَصَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ أَوْ نُقْصَانَ الْكَيْلِ قَالُوا: وَالْمُرَادُ مِنْهُ نُقْصَانُ الْكَيْلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ مَتَى صَارَ خَلًّا بَعْدَ مَا صَارَ خَمْرًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِصُ فِي الْكَيْلِ شَيْءٌ فَيَنْتَقِصُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، فَأَمَّا إذَا بَقِيَ الْكَيْلُ عَلَى حَالِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا. اهـ. وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَ الْعَصِيرَ إذَا صَارَ خَمْرًا، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ مَنْعُهُ مِنْهُ بِالِاسْتِرْدَادِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ يَبْقَى الرَّهْنُ جَائِزًا بِالتَّخَمُّرِ لِبَقَاءِ مَحَلِّيَّةِ الرَّهْنِ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا أَوْ الْمُرْتَهِنُ كَافِرًا فَتَخَمَّرَ يَفْسُدُ الرَّهْنُ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهَا وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ مَنْعُهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا أَوْ الْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا فَتَخَمَّرَ فَلَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ، وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ تَخْلِيلُهَا فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَعُودَ بِالتَّخَلُّلِ) يَعْنِي وَإِنْ صَارَ فَاسِدًا فَنَفْيُ الْبُطْلَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّخَمُّرِ يَفْسُدُ الرَّهْنُ وَيَمْلِكُ الْحَبْسَ لِلدَّيْنِ فِي فَاسِدِهِ دُونَ بَاطِلِهِ (قَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ الْجِلْدُ رَهْنَ بِهِ أَيْ بِدِرْهَمِ) هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمَيْنِ فَكَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا فِيمَا نَظَرَ إلَى قِيمَةِ الْجِلْدِ وَقِيمَةِ اللَّحْمِ يَوْمَ الِارْتِهَانِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الشَّاةِ حَيَّةً وَإِلَى قِيمَتِهَا مَسْلُوخَةً فَالتَّفَاوُتُ قِيمَةُ الْجِلْدِ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ مِثْلَ الدَّيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَيَكُونُ الْجِلْدُ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِحِسَابِهِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْجِلْدَ يَصِيرُ رَهْنًا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ لَا إشْكَالَ إذَا حَصَلَ دَبْغُ الْجِلْدِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ بِأَنْ تَرَّبَهُ أَوْ شَمَّسَهُ، فَأَمَّا إذَا حَصَلَ بِمَالِهِ قِيمَةٌ ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ بِمَا زَادَ الدَّبْغَ فِيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِمَالِهِ قِيمَةٌ، وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْحَبْسَ بِدَيْنٍ حَادِثٍ وَهُوَ مَا زَادَ الدِّبَاغَ بِمَالِهِ قِيمَةٌ هَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ وَيَصِيرُ رَهْنًا بِقِيمَةِ مَا زَادَ الدِّبَاغَ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا الرَّاهِنُ أَخَذَ الْجِلْدَ وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ

وَالرَّهْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَيْهِ (وَهَلَكَ مَجَّانًا) أَيْ إنْ هَلَكَ هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا، (وَإِنْ بَقِيَ) أَيْ النَّمَاءُ (وَهَلَكَ الْأَصْلُ فُكَّ بِقِسْطِهِ) أَيْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِقِسْطِهِ (يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ) أَيْ قِيمَةِ النَّمَاءِ (يَوْمَ الْفِكَاكِ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، (وَقِيمَةُ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الرَّهْنِ (يَوْمَ الْقَبْضِ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ، وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَصَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ صَارَ لَهُ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، (وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ الْأَصْلِ) أَيْ مَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا (وَيَفُكُّ النَّمَاءَ بِحِصَّتِهِ) أَيْ مَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ (الزِّيَادَةُ تَصِحُّ فِي الرَّهْنِ) مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً، ثُمَّ يَزِيدُ الرَّاهِنُ ثَوْبًا آخَرَ لِيَكُونَ مَعَ الْأَوَّلِ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ (لَا الدَّيْنِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ أَقْرِضْنِي خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الَّذِي عِنْدَك رَهْنًا بِأَلْفٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُقَرَّرُ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْإِلْحَاقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَعْقُودِ بِهِ، فَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَيْسَتْ شَيْئًا مِنْهُمَا، أَمَّا كَوْنُهَا غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا كَوْنُهَا غَيْرَ مَعْقُودٍ بِهِ فَلِوُجُودِهِ بِسَبَبِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ. (رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَدَفَعَ مِثْلَهُ) أَيْ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا (رَهْنًا بَدَلَهُ فَهُوَ) أَيْ الْأَوَّلُ (رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى رَاهِنِهِ، وَالْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الثَّانِي حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ مَا بَقِيَا إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ، فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ فَإِذَا زَالَ الْأَوَّلُ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ، وَيَدَ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ، وَضَمَانُ فُلَانٍ يَنُوبُ عَنْهُ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ كَمَا عَرَفْت وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ. (أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ دَيْنِهِ فَقَبِلَهُ) أَيْ قَبِلَ الرَّاهِنُ الْإِبْرَاءَ (أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا مَنْعٍ مِنْ صَاحِبِهِ (هَلَكَ مَجَّانًا) اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلرَّاهِنِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَقَعَ مَضْمُونًا فَبَقِيَ كَذَلِكَ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ وَبِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَبْقَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الدَّيْنُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَزُولُ بِزَوَالِ أَحَدِهِمَا، وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ سَقَطَ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَإِنْ بَقِيَ الدَّيْنُ فَكَذَا إذَا بَرَأَ عَنْ الدَّيْنِ سَقَطَ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الدَّيْنِ، وَإِنْ بَقِيَ الْقَبْضُ (وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ (بِالتَّمَامِ أَوْ بَعْضِهِ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ مُتَطَوِّعٍ أَوْ شِرَائِهِ عَيْنًا بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (أَوْ صُلْحِهِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الدَّيْنِ (عَلَى عَيْنٍ أَوْ إحَالَتِهِ مُرْتَهِنَهُ بِدَيْنِهِ عَلَى آخَرَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ (هَلَكَ بِالدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَنَحْوِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَنْفُسِهَا لَكِنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَعَذَّرُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ تَقَرَّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهَلَكَ) يَعْنِي النَّمَاءَ مَجَّانًا كَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ بِأَنْ قَالَ مَهْمَا زَادَ فَكُلْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَإِذَا افْتَكَّ الرَّهْنَ قَسَمَ الدَّيْنَ عَلَى الزِّيَادَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَالْأَصْلِ فَمَا أَصَابَهُ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ لَا الدَّيْنِ) يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ بِمَعْنَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ مَعَ الْأَصْلِ، وَأَمَّا نَفْسُ الزِّيَادَةِ فَصَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الْأَوَّلِ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ وَأَمَّا كَوْنُهَا غَيْرَ مَعْقُودٍ بِهِ فَلِوُجُودِهِ بِسَبَبِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ) يَعْنِي فَلِوُجُودِ الدَّيْنِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ قَبْلَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فُسِخَ الرَّهْنُ يَبْقَى الدَّيْنُ. (قَوْلُهُ وَيَدُ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ) صَوَابُهُ وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ دَيْنِهِ فَقَبِلَهُ) الْقَبُولُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِبْرَاءِ لِمَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَبْرَأَ مَدْيُونَهُ فَسَكَتَ يَبْرَأُ وَلَوْ رَدَّ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ اهـ.

[كتاب الغصب]

الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي، (وَرَدَّ مَا قَبَضَ إلَى مَنْ أَدَّى) فِي صُورَةِ إيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُتَطَوِّعِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الصُّلْحِ (وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ) وَهَلَكَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ إذْ بِالْحَوَالَةِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَلَكِنَّ ذِمَّةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَلِهَذَا يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا، (كَذَا) أَيْ كَمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ يَهْلِكُ بِهِ أَيْضًا (إذَا هَلَكَ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ، وَقَدْ بَقِيَتْ الْجِهَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِهِ. كِتَابُ الْغَصْبِ أَوْرَدَهُ عَقِيبَ كِتَابِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ حَبْسًا شَرْعِيًّا وَفِي الثَّانِي حَبْسًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ (هُوَ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ بِالتَّغَلُّبِ مُتَقَوِّمًا أَوْ لَا يُقَالُ غَصَبَ زَوْجَةَ فُلَانٍ وَخَمْرَ فُلَانٍ، وَشَرْعًا (أَخْذُ مَالٍ) هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ (مُتَقَوِّمٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْخَمْرِ (مُحْتَرَمٍ) احْتِرَازٌ عَنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ (مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِلَا إذْنِهِ) احْتِرَازٌ مِنْ أَخْذِهِ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ بِإِذْنِهِ، وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ إزَالَةَ يَدِ الْمَالِكِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْغَصْبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ إثْبَاتُ يَدِ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عِنْدَنَا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ، وَعِنْدَهُ مَضْمُونَةٌ لِإِثْبَاتِ الْيَدِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْغَصْبِ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ، وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِي فَقَطْ (لَا خُفْيَةً) احْتِرَازٌ عَنْ السَّرِقَةِ (فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَتَحْمِيلُ الدَّابَّةِ) أَيْ وَضْعُ الْحِمْلِ عَلَيْهَا (غَصْبٌ) لِوُجُودِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِيهِمَا (لَا جُلُوسَهُ عَلَى الْبِسَاطِ) لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ بِالِاسْتِيلَاءِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ، وَقَدْ بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ آخِذًا عَنْ يَدِهِ. (وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ لِمَنْ عَلِمَ) أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ، (وَرَدُّ الْعَيْنِ قَائِمَةً وَالْغُرْمُ هَالِكَةً وَلِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ عَلِمَ (الْأَخِيرَانِ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَلَا إثْمَ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالْحَدِيثِ، (وَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] الْآيَةَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ مَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَ أَجْزَائِهِ يَعْتَدُّ بِهِ وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ قِيَمِيٌّ، ثُمَّ الْمِثْلِيُّ قَدْ يَكُونُ مَصْنُوعًا بِحَيْثُ تُخْرِجُهُ الصَّنْعَةُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ بِجَعْلِهِ نَادِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ كَالْقَمْقَمَةِ وَالْقِدْرِ وَالْإِبْرِيقِ فَيَكُونُ قِيَمِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ مَصْنُوعًا بِحَيْثُ لَا تُخْرِجُهُ الصَّنْعَةُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ لِبَقَاءِ كَثْرَتِهِ وَعَدَمِ تَفَاوُتِهِ كَالدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ وَالدَّنَانِيرِ (فَإِنْ انْقَطَعَ) أَيْ الْمِثْلِيُّ (فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّقْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ، وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِثْلُهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي يَنْتَقِلُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ، (وَ) تَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْغَصْبِ] (كِتَابُ الْغَصْبِ) (قَوْلُهُ يُقَالُ غَصَبَ زَوْجَةَ فُلَانٍ وَخَمْرَ فُلَانٍ) إنَّمَا ذَكَرَ الْمِثَالَيْنِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَالًا وَلَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ، أَوْ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا كَالزَّوْجَةِ (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةِ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَالذَّخِيرَةِ أَنَّ مَشَايِخَنَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ النَّاطِفَ الْمُبَزَّرَ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى فَقَالُوا بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النَّاطِفَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْبِزْرِ، وَكَذَلِكَ الدُّهْنُ الْمُرَبَّى اهـ (قَوْلُهُ فَإِنْ انْقَطَعَ) أَيْ الْمِثْلِيُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ حَدُّ الِانْقِطَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ

(الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ) كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ (يَوْمَ غَصْبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ حِينَ غَصَبَهُ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ (فَإِنْ ادَّعَى) أَيْ الْغَاصِبُ (الْهَلَاكَ حُبِسَ حَتَّى يُعْلَمْ أَنَّهُ) أَيْ الْمَغْصُوبُ (لَوْ بَقِيَ لِظُهْرٍ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِفْلَاسَ، (بَرْهَنَ) أَيْ الْمَالِكُ (أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ غَاصِبِهِ وَقَلَبَ الْغَاصِبُ) أَيْ بَرْهَنَ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ مَالِكِهِ (فَبَيِّنَتُهُ) أَيْ الْغَائِبِ (أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ ثَابِتٌ ظَاهِرًا وَإِثْبَاتَ الرَّدِّ عَارِضٌ، وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَفِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتُهُ، (وَهُوَ) أَيْ الْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ (فِيمَا يُنْقَلُ) وَيُحَوَّلُ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ إزَالَةُ الْمَالِ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا فِي الْمَنْقُولِ لَا الْعَقَارِ الَّذِي لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ. (فَلَوْ أَخَذَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ) بِأَنْ غَلَبَ السَّيْلُ عَلَى الْأَرْضِ فَبَقِيَتْ تَحْتَ الْمَاءِ أَوْ غَصَبَ دَارًا فَهُدِمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ جَاءَ سَيْلٌ فَذَهَبَ بِالْبِنَاءِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْغَصْبُ. (قِيلَ) قَائِلُهُ عِمَادُ الدِّينِ والأسروشني فِي فُصُولَيْهِمَا (الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ (وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) بِأَنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالدَّارِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا (وَضَمِنَ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ (مَا نَقَصَ) مَفْعُولُ ضَمِنَ (بِفِعْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَقَصَ، (وَسُكْنَاهُ) هَذَا بَيَانُ الضَّمَانِ فِي الْعَقَارِ الْعِبَارَةُ الصَّادِرَةُ عَنْ الْمَشَايِخِ هَاهُنَا مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ الْفِعْلُ بِالْهَدْمِ وَالسُّكْنَى بِالسُّكْنَى الْمَخْصُوصَةِ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً بِعَمَلٍ يُفْضِي إلَى انْهِدَامِ الْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ حَتَّى قَالُوا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ، وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ إذَا انْهَدَمَ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ، إنَّمَا قَيَّدَ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بَعْدَ مَا غَصَبَ وَسَكَنَ فِيهَا لَا بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بَيَانُ سَبَبَيْ النَّقْصِ الْأَوَّلِ مَا يُوجِبُهُ ابْتِدَاءً، وَهُوَ الْهَدْمُ الثَّانِي مَا يُفْضِي إلَيْهِ بِالْآخِرَةِ وَهُوَ السُّكْنَى الْخَاصَّةُ، وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ) يَعْنِي بَعْدَمَا أَقَرَّ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ فِعْلِ الْغَصْبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَكُونُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ صَحِيحَةً لِلضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ الْغَاصِبِ عَادَةً مِنْ إحْضَارِ الْمَغْصُوبِ وَحِينَ الْغَصْبِ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ الشُّهُودِ مُعَايَنَةُ فِعْلِ الْغَصْبِ دُونَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ عِلْمِهِمْ بِالْأَوْصَافِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ حُبِسَ حَتَّى يَعْلَمَ) يَعْنِي الْقَاضِيَ لَا يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ لِمُدَّةِ التَّلَوُّمِ مِقْدَارٌ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا التَّلَوُّمُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ أَوْ تَلَوَّمَ الْقَاضِي فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قِيمَتِهَا عَلَى شَيْءٍ، أَوْ أَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ قِيمَتِهَا قَضَى بِذَلِكَ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي غَصْبِ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ الْمَغْصُوبُ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوَّمَ فَقِيلَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ جَوَابُ الْجَوَازِ مَعْنَاهُ لَوْ قَضَى فِي الْحَالِّ جَازَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْغَصْبِ جَوَابُ الْأَفْضَلِ يَعْنِي الْأَفْضَلَ التَّلَوُّمَ وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ أَيْ بِرَهْنٍ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ مَالِكِهِ) يَعْنِي بَعْدَ الرَّدِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ) وَيَتَحَقَّقُ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ لَكِنْ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَإِذَا تَصَرَّفَ قِيلَ يَكُونُ غَاصِبًا بِدُونِ النَّقْلِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي أَنَّهُ إذَا رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ حَالَ غَيْبَتِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهِ ذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْقُولِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ النَّقْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ قَائِلُهُ عِمَادُ الدِّينِ. . . إلَخْ) تَعْبِيرُهُ بِقِيلِ رُبَّمَا يُشْعِرُ بِالضَّعْفِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْفُصُولِ ثُمَّ قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ يُفِيدُ الِاخْتِلَافَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِنْكَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَجَحَدَ الْوَدِيعَةَ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَيُضْمَنُ أَيْضًا بِالْجُحُودِ اهـ يُفِيدُ أَوَّلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَآخِرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا اهـ. ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ اهـ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ، وَكَلَامُهُ مَتْنًا مُشْعِرٌ بِالْخِلَافِ وَلَيْسَ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ أَوَّلُ كَلَامِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَإِنْ كَانَ آخِرُهُ يَقْتَضِي الْخِلَافَ.

غَيَّرَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَقَالَ وَمَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ كَسُكْنَاهُ فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ السُّكْنَى إنْ قُيِّدَتْ بِالْعَمَلِ الْمُوهِنِ لَمْ يَبْقَ لِلسَّبَبِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْهَدْمَ تَعَرُّضٌ، وَالْإِلْزَامُ كَوْنُ السُّكْنَى الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعَمَلِ الْمُوهِنِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الدَّارَ مَعَ السُّكْنَى إذَا انْهَدَمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا ضَمَانٌ وَعِنْدِي نُسْخَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَكَانَتْ الْعِبَارَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِيهَا أَوَّلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ غَيَّرَهَا وَتَبِعَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَالصَّوَابُ مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ. (وَزَرْعِهِ) فَإِنَّ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ إذَا انْتَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْبَعْضَ (أَوْ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ) عُطِفَ عَلَى بِفِعْلِهِ وَبَيَانٌ لِلضَّمَانِ فِي الْمَنْقُولِ أَيْ ضَمِنَ أَيْضًا مَا نَقَصَ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ فَحَصَلَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ نَقْصٌ بِسَبَبِ اسْتِغْلَالِهِ (بِخِلَافِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي إذَا انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِفَوَاتِ وَصْفٍ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ شَيْئًا لِنُقْصَانِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ فَحُشَ النُّقْصَانُ. (وَتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا رَدَّ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ) يَعْنِي إذَا رَدَّ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إلَى مَالِكِهِ بَعْدَ نُقْصَانِ السِّعْرِ فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ تَرَاجُعَهُ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ لَا بِفَوَاتِ جُزْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ الِانْتِظَارِ إلَى الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ لِيَسْتَرِدّهُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْغَاصِبِ بِنَقْلِهِ إلَى هَذَا الْمَكَانِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ وَيُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ. (وَتَصَدَّقَ بِأَجْرِهِ) عُطِفَ عَلَى ضَمِنَ أَيْ إذَا غَصَبَ عَبْدًا مَثَلًا وَآجَرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَنَقَصَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَضَمِنَ مَا نَقَصَ تَصَدَّقَ بِأَجْرِ أَخْذِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْعَاقِدُ هُوَ الْغَاصِبُ فَهُوَ الَّذِي جَعَلَ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مَالًا بِعَقْدِهِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِبَدَلِهَا، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لِاسْتِفَادَتِهَا بِبَدَلٍ خَبِيثٍ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ. (وَأَجْرِ مُسْتَعَارِهِ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا وَآجَرَهُ وَأَخَذَ أَجْرَهُ مَلَكَهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصَدُّقُهُ لِمَا ذَكَرَ، (وَرِبْحٍ) أَيْ تَصَدَّقَ أَيْضًا بِرِبْحٍ (حَصَلَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مُودَعِهِ وَمَغْصُوبِهِ مُتَعَيَّنًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ الشِّرَاءِ بِدَرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ وَنَقَدَهَا فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ غَيْرَهَا أَوْ إلَى غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ وَنَقَدَهَا لَا) يَعْنِي أَنَّ الْمُودِعَ أَوْ الْغَاصِبَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمَغْصُوبِ وَرَبِحَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَيَسْتَفِيدُ الرَّقَبَةَ وَالْيَدَ فِي الْمَبِيعِ بِمِلْكٍ خَبِيثٍ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ وَنَقَدَ مِنْهَا أَوْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا فَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا إلَّا أَنْ يَتَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ،. وَفِي الْكَافِي قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يَطِيبُ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ السُّكْنَى إنْ قُيِّدَتْ بِالْعَمَلِ الْمُوهِنِ لَمْ يَبْقَ لِلسَّبَبِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْهَدْمَ تَعَرُّضٌ. . . إلَخْ) . قَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ نَخْتَارَ الْأَوَّلَ وَهُوَ التَّقْيِيدُ، وَيُفْهَمُ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْهَدْمِ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ الِانْهِدَامُ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَالْهَدْمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يُوجِبَ فَتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ وَزَرْعَهُ) اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ نُقْصَانِ الْأَرْضِ بِهِ قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ قَبْلَ اسْتِعْمَالٍ وَبِكَمْ بَعْدَهُ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا نُقْصَانُهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُنْظَرُ بِكَمْ تُشْتَرَى قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا وَبِكَمْ تُشْتَرَى بَعْدَهُ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا نُقْصَانُهَا قِيلَ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يَعْنِي قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَقْيَسُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَقِيمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ) كَذَا لَوْ اسْتَعَارَهُ فَأَجَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا وَالْمُرَادُ نُقْصَانُ الْعَيْنِ لَا الْقِيمَةِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ. . . إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الْخِيَارُ. (قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِأَجْرِهِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بَالِغَةً كُلَّهَا. (قَوْلُهُ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا التَّقْسِيمَ عَنْ الْكَرْخِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ، وَذَكَرَ الِاخْتِيَارَ الْمَذْكُورَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَاخْتِيَارُ بَعْضِهِمْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ اهـ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَعْضِ الْفَقِيهَ السَّمَرْقَنْدِيَّ اهـ. وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي التَّصَدُّقِ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِ الْمَضْمُونِ دَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا كَطَعَامٍ وَعُرُوضٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

وَبَعْدَ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِينَ وَالْعِمَادِيَّةِ (آجَرَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ (فَأَجَازَ مَالِكَهُ فِي الْمُدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَجْرُ مَا مَضَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ، وَمَا بَقِيَ لِمَالِكِهِ) ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ فُضُولِيٌّ فِي حَقِّ مَالِكِهِ، (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَجْرُ مَا مَضَى لِغَاصِبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ (وَمَا بَقِيَ لِمَالِكِهِ) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي حَقِّ مَالِكِهِ، (كَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ (لَوْ آجَرَهُ فَاسْتُحِقَّ فِي الْمُدَّةِ، وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ) لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ (غَصَبَ) أَيْ رَجُلٌ (مَالًا وَغَيَّرَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (بِفِعْلِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ مِثْلَ أَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ (فَزَالَ اسْمُهُ فَفَاتَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَإِنَّ مِلْكَ مَالِكِهَا لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ الْمُجَرَّدِ إذْ لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا حَيْثُ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ قَصَدَ تَنَاوُلَهُ الْحِنْطَةَ إذَا غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا، فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَنَحْوَهَا تَزُولُ بِالطَّحْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَالَ اسْمُهُ مُغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ (أَوْ اخْتَلَطَ) أَيْ الْمَغْصُوبُ (بِمِلْكِ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَصْلًا) كَاخْتِلَاطِ بُرِّهِ بِبُرِّهِ أَوْ شَعِيرِهِ بِشَعِيرِهِ (أَوْ) لَمْ يَتَمَيَّزْ (إلَّا بِحَرَجٍ) كَاخْتِلَاطِ بُرِّهِ بِشَعِيرِهِ أَوْ الْعَكْسِ (ضَمِنَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ (وَمَلَكَهُ) ، أَمَّا الضَّمَانُ فِي صُورَةِ التَّغْيِيرِ وَزَوَالُ الِاسْمِ فَلِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا، وَكَذَا قِيمَةُ الْحِنْطَةِ تَزْدَادُ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا، وَأَحْدَاثُهَا صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ أَعْظَمُ الْمَنَافِعِ، وَحَقُّ الْغَاصِبِ فِي الصِّفَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ رَاجِحًا عَلَى الْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ضَرْبَيْ التَّرْجِيحِ إذَا تَعَارَضَا كَانَ الرُّجْحَانُ فِي الذَّاتِ أَحَقَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ، وَأَمَّا الضَّمَانُ فِي الِاخْتِلَاطِ فَلِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ أَيْضًا، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ (بِلَا حِلٍّ) مُتَعَلِّقٍ بِمَلَكِهِ (قَبْلَ الرِّضَا) أَيْ رِضَا الْمَالِكِ إمَّا بِأَدَاءِ بَدَلِهِ أَوْ إبْرَائِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْقَاضِي، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ الْحِلُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ بِكَسْبِهِ، وَالْمِلْكُ مُجَوِّزٌ لِلتَّصَرُّفِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الْمُطْلَقَةِ بِلَا رِضَا صَاحِبِهَا «أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى» فَأَفَادَ الْأَمْرُ بِالتَّصَدُّقِ زَوَالَ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحُرْمَةَ الِانْتِفَاعِ لِلْغَاصِبِ قَبْلَ الرِّضَا وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فَتْحَ بَابِ الْغَصْبِ فَيَحْرُمُ قَبْلَ الرِّضَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَنَفَذَ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ فِي الْحُرْمَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (كَذَبْحِ شَاةٍ وَطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا وَطَحْنِ بُرٍّ وَزَرْعِهِ وَجَعْلِ حَدِيدٍ سَيْفًا وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ) وَهِيَ شَجَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا لَا تَنْبُتُ إلَّا بِبِلَادِ الْهِنْدِ (وَإِنْ ضَرَبَ الْحَجَرَيْنِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ إنَاءً فَلِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ الثَّمَنِيَّةُ، وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَهُمَا بَاقِيَانِ حَتَّى جَرَى فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِمَا (ذَبَحَ شَاةً غَيْرُهُ طَرَحَهَا) أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرُ شَاتَهُ (عَلَيْهِ) أَيْ الذَّابِحِ (وَأَخَذَ قِيمَتَهَا أَوْ أَخَذَهَا) أَيْ الشَّاةَ الْمَذْبُوحَةَ يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَ الشَّاةَ إلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا (وَضَمِنَ نُقْصَانَهَا) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ كَالْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَبَقَاءِ بَعْضِهَا، وَهُوَ اللَّحْمُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ. . . إلَخْ) عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ فَفَاتَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ وَإِنْ كَانَ شَرْحًا. (قَوْلُهُ وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ) بِالْجِيمِ وَالسَّاحَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَأْتِي ذِكْرُهَا وَالْحُكْمُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَالِكِهَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنَاءِ الْغَاصِبِ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ مَا إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّ السَّاجَةَ مَعَ أَنَّهُ تَمَلَّكَهَا بِالضَّمَانِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُ الْبِنَاءِ، وَإِذَا نَقَضَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّ السَّاجَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا يَحِلُّ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ وَالْبِنَاءِ سَوَاءً فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ، وَإِنْ تَنَازَعَ يُبَاعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِمَا وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ

[فصل غيب الغاصب ما غصبه]

يُضَمِّنُهُ الْمَالِكُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (كَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبًا وَفَوَّتَ بَعْضَهُ وَبَعْضَ نَفْعِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ كُلَّ قِيمَةِ ثَوْبِهِ وَكَانَ الثَّوْبُ لِلْغَاصِبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ لِمَا ذَكَرَ، (وَلَوْ) فَوَّتَ (كُلَّهُ ضَمِنَ) أَيْ الْغَاصِبُ (كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الْقِيمَةِ (وَفِي) خَرْقٍ يَسِيرٍ (نَقَصَهُ بِلَا تَفْوِيتِ شَيْءٍ مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ) ، وَأَخَذَ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. (بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ غَرَسَ قُلِعَا) أَيْ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ (وَرُدَّتْ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُغْصَبُ حَقِيقَةً فَيَبْقَى فِيهَا حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا كَانَ، وَالْغَاصِبُ جَعَلَهَا مَشْغُولَةً فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا كَمَا لَوْ شَغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ (وَلِمَالِكِهَا) أَيْ الْأَرْضِ (أَنْ يَضْمَنَ لَهُ) أَيْ لِلْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ (قِيمَتَهَا) أَيْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (إنْ نَقَصَتْ) أَيْ الْأَرْضُ (بِهِ) أَيْ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَبَيَّنَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهَا بِقَوْلِهِ (فَتَقْوَى) أَيْ الْأَرْضُ (بِدُونِهِمَا) أَيْ بِدُونِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ (وَمَا أَحَدُهُمَا) حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ) فَإِنَّ قِيمَةَ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ الْمُسْتَحَقِّ الْقَلْعَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا فَقِيمَةُ الْمَقْلُوعِ إذَا نَقَصَتْ مِنْهَا أُجْرَةُ الْقَلْعِ كَانَ الْبَاقِي قِيمَةَ الشَّجَرِ الْمُسْتَحِقِّ الْقَلْعَ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَقِيمَةُ الشَّجَرِ الْمَقْلُوعِ عَشَرَةً، وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ دِرْهَمًا بَقِيَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ فَالْأَرْضُ مَعَ هَذَا الشَّجَرِ تُقَوَّمُ بِمِائَةٍ وَتِسْعَةِ دَرَاهِمَ فَيَضْمَنُ الْمَالِكُ التِّسْعَةَ (هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ، وَإِذَا عُكِسَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ فَيَأْخُذَهَا) أَيْ السَّاحَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (حَمَّرَ الثَّوْبَ) الَّذِي غَصَبَهُ (أَوْ صَفَّرَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ) الَّذِي غَصَبَهُ (بِسَمْنٍ) فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ (ضَمَّنَهُ) أَيْ الثَّوْبَ حَالَ كَوْنِهِ (أَبْيَضَ) يَعْنِي أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ (وَمِثْلُ سَوِيقِهِ) وَسَلَّمَهُ إلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ، (وَأَخَذَهُمَا) أَيْ الثَّوْبَ وَالسَّوِيقَ (وَضَمِنَ مَا زَادَ الصَّبْغَ وَالسَّمْنَ) ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِغَصْبِهِ وَصَبْغِهِ لَا يَسْقُطُ حُرْمَةُ مَالِهِ، وَيَجِبُ صِيَانَتُهَا مَا أَمْكَنَ وَذَا فِي مَعْنَى إيصَالِ مَالِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَإِبْقَاءِ حَقِّ الْآخَرِ فِي عَيْنَ مَالِهِ، وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا مِنْ التَّخْيِيرِ إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ، وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ (وَإِنْ سَوَّدَ) أَيْ الْغَاصِبُ (ضَمَّنَهُ) أَيْ الْمَالِكُ (أَبْيَضَ أَوْ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ مِنْ أَجْرِ التَّسْوِيدِ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ. (فَصْلٌ) (غَيَّبَ) أَيْ الْغَاصِبُ (مَا غَصَبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ مِلْكًا (مُسْتَنِدًا) إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ تَعَدٍّ مَحْضٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا، وَلَنَا أَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ بِكَمَالِهِ أَيْ رَقَبَةً وَيَدًا فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ الْمَغْصُوبُ عَنْ مِلْكِهِ لِئَلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبًا وَفَوَّتَ بَعْضَهُ وَبَعْضَ نَفْعِهِ) لَفْظُ الثَّوْبِ مُحْتَمَلٌ لِمَا يُلْبَسُ كَالْقَمِيصِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِمَا لَا يُلْبَسُ كَالْكِرْبَاسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ اكْتِفَاءً بِالصَّحِيحِ فِي مَعْرِفَةِ الْخَرْقِ الْفَاحِشِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ بَعْضُهُمْ قَالَ إنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهُوَ فَاحِشٌ وَإِنْ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ يَسِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَهُوَ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفَاحِشُ مَا لَا يَصْلُحُ لِثَوْبٍ مَا وَالْيَسِيرُ مَا يَصْلُحُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّحْدِيدِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ، وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ فَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَبَقِيَ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مِنْ الْخَرْقِ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَفُوتُ جَوْدَتُهُ وَيَدْخُلُ بِسَبَبِهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَالِيَّةِ اهـ لَكِنْ يَتَأَمَّلُ فِي تَفْسِيرِ فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يَظْهَرُ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ اهـ بِقِرَاءَةٍ وَجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَيْنُ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ لَفْظَ بَعْضٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ وَفِي خَرْقٍ يَسِيرٍ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ اهـ. وَهَذَا إذَا قُطِعَ الثَّوْبُ قَمِيصًا، وَلَمْ يَخِطْهُ فَإِنْ خَاطَهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ. (قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّقْيِيدُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا أَيْ التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرَ أَقْرَبُ فِي مَسَائِلَ حُفِظَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةَ الْغَيْرِ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ) كَذَا الْخِيَارُ ثَابِتٌ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ إذْ هُوَ أَصْلٌ وَالسِّمَنُ تَبَعٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ سَوَّدَ. . . إلَخْ) مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا هُوَ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ، وَهُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَالْمُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ [فَصْلٌ غَيَّبَ الْغَاصِبُ مَا غَصَبَهُ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ) الِاسْتِنَادُ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَا يُمْلَكُ الْوَلَدُ

يُجْمَعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ، وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِلَا مَالِكٍ (وَصُدِّقَ) أَيْ الْغَاصِبُ (فِي قِيمَتِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمَالِكُ لِلزِّيَادَةِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ زِيَادَةَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، وَأَنْكَرَهَا الْغَاصِبُ فَإِنْ بَرْهَنَ الْمَالِكُ قُبِلَ، وَإِلَّا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، (فَإِنْ ظَهَرَ) أَيْ الْمَغْصُوبُ (وَهِيَ) أَيْ قِيمَةٌ (أَكْثَرُ) مِمَّا ضَمِنَ الْغَاصِبُ (وَقَدْ ضَمِنَ بِقَوْلِهِ) مَعَ يَمِينِهِ (أَخَذَهُ) أَيْ الْمَغْصُوبَ (الْمَالِكُ وَرَدَّ عِوَضَهُ أَوْ أَمْضَى) أَيْ الْمَالِكُ (الضَّمَانَ) ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَمْ يَتِمَّ حَيْثُ ادَّعَى الزِّيَادَةَ، وَإِنَّمَا أَخَذَ دُونَهَا لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ. (وَلَوْ) ضَمِنَ الْغَاصِبُ (بِقَوْلِ مَالِكِهِ أَوْ حُجَّتِهِ) أَيْ حُجَّةِ مَالِكِهِ (أَوْ نُكُولِ الْغَاصِبِ فَهُوَ لَهُ) أَيْ لِلْغَاصِبِ (وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُبَادَلَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْقَدْرَ فَقَطْ (نَفَذَ بَيْعُ غَاصِبٍ ضَمِنَ بَعْدَ بَيْعِهِ لَا إعْتَاقُهُ كَذَلِكَ) أَيْ إذَا ضَمِنَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ لِلْغَاصِبِ نَاقِصٌ لِثُبُوتِهِ مُسْتَنِدًا أَوْ الثَّابِتُ مُسْتَنِدًا ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ يَكْفِي لِنَفَاذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ (زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْحُسْنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ (لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ الْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَحُكْمُهُمَا هَذَا (وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ مَضْمُونٌ وَيُجْبَرُ بِوَلَدِهَا) ، أَيْ إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ وَلَدًا كَانَ النُّقْصَانُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءً بِهِ جَبْرُ النُّقْصَانِ بِالْوَلَدِ، وَيَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ، وَإِلَّا فَيَسْقُطُ بِحِسَابِهِ (زَنَى بِأَمَةٍ غَصَبَهَا) فَحَبِلَتْ (فَرُدَّتْ حَامِلًا فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا وَلَمْ يَنْعَقِدْ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ، وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَقُتِلَتْ بِهَا أَوْ دُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ، فَإِنَّهَا يُرْجَعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَذَا هَذَا (بِخِلَافِ الْحُرَّةِ) يَعْنِي إذَا زَنَى بِهَا رَجُلٌ مُكْرَهَةً فَحَبِلَتْ فَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِيَبْقَى عِنْدَ فَسَادِ الرَّدِّ ضَمَانُ الْأَخْذِ (زَنَى بِهَا) أَيْ بِأَمَةٍ غَصَبَهَا (وَاسْتَوْلَدَهَا) أَيْ حَبِلَتْ مِنْهُ (فَادَّعَى ثَبَتَ النَّسَبُ) بَعْدَ إرْضَاءِ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ أَوْرَثَ شُبْهَةً، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِهَا كَمَا لَوْ زُفَّتْ لَهُ غَيْرُ امْرَأَتِهِ (وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ) ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَثْبُتَ بِالشُّبْهَةِ كَذَا فِي الْكَافِي (الْمَنَافِعُ) كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَاسْتِخْدَامِ الْمَمْلُوكِ (لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ) صُورَةُ غَصْبِ الْمَنَافِعِ أَنْ يَغْصِبَ عَبْدًا مَثَلًا وَيُمْسِكَهُ شَهْرًا وَلَا يَسْتَعْمِلَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَصُورَةُ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ شَهْرًا ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ كَذَا فِي الْكَافِي، (بَلْ) يَضْمَنُ (مَا يَنْقُصُ بِاسْتِعْمَالِهِ) فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْمَغْصُوبُ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ (وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ) فَإِنَّ مَنَافِعَهُمَا تُضْمَنُ كَذَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِلَا مَالِكٍ) الْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ بِرَدِّ الْعَيْنِ وَقَضَى بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ لِلْغَاصِبِ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ. اهـ.؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْمِلْكُ بِلَا مِلْكٍ كَسَدَنَةِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الْمَالِكُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي دَعْوَى الْمَالِكِ ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَرْهَنَ الْمَالِكُ قُبِلَ وَإِلَّا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ) يُشِيرُ إلَى عَدَمِ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْغَاصِبِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَةَ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْمُودِعِ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ ظَهَرَ أَيْ الْمَغْصُوبُ وَهِيَ أَيْ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ. . . إلَخْ) كَذَا الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ إنْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ أَوْ أَقَلَّ، وَقَدْ ضَمِنَ بِقَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَلِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ حَتَّى يَأْخُذَ الْقِيمَةَ. (قَوْلُهُ أَوْ نُكُولِ الْغَاصِبِ) أَيْ عَنْ الْحَلِفِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ كَمَا يَدَّعِي الْمَالِكُ (قَوْلُهُ وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ. . . إلَخْ) هَذَا لَوْ بَقِيَتْ فَإِنْ مَاتَتْ وَبِالْوَلَدِ وَفَاءٌ بِقِيمَتِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَبْرَأُ بِرَدِّ الْوَلَدِ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرَ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ، وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ كَامِلَةً كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ فَرُدَّتْ حَامِلًا فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا) يَعْنِي مَاتَتْ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ لَا عَلَى فَوْرِهَا، وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِالْمَوْتِ فِي نِفَاسِهَا لِيَكُونَ الْمَوْتُ فِي أَثَرِ الْوِلَادَةِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَمَاتَتْ فِي الْوِلَادَةِ أَوْ فِي النِّفَاسِ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ ظَهَرَ الْحَبَلُ عِنْدَ الْمَوْلَى لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ رَدِّ الْغَاصِبِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعَلُوقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ نَقْصُ الْحَبَلِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ) كَذَا إذَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاشْتِغَالِ بِأَنْ بَنَاهَا لِذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ إلَّا إذَا سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ كَبَيْتٍ سَكَنَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ اهـ. وَيَنْظُرُ مَا لَوْ عَطَّلَ الْمَنْفَعَةَ هَلْ يَضْمَنُ الْأُجْرَةَ كَمَا لَوْ سَكَنَ.

الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا. (وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (خَمْرَ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرَهُ) بِأَنْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ وَفِي يَدِهِ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَأَتْفَلَهُمَا آخَرُ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ مَا لِلذِّمِّيِّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَيْثُ يُضْمَنَانِ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ فِي حَقِّهِ (غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَهَا بِغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ) كَالنَّقْلِ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ وَمِنْهَا إلَيْهِ (أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَدْ دَبَغَهُ بِهِ) أَيْ بِغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ (أَخَذَهُمَا الْمَالِكُ مَجَّانًا) إذْ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ، وَكَانَتْ الدِّبَاغَةُ إظْهَارًا لِلْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فَصَارَتْ كَغَسْلِ الثَّوْبِ، (وَلَوْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَ) لِإِتْلَافِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ (وَلَوْ خَلَّلَهَا بِمُتَقَوِّمٍ كَالْمِلْحِ مَلَكَهُ) أَيْ الْغَاصِبُ الْخَلَّ (وَلَا شَيْءَ) لِلْمَالِكِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا، وَالْمِلْحُ مَثَلًا مُتَقَوِّمٌ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ (وَلَوْ دَبَغَ بِهِ) أَيْ بِمُتَقَوِّمٍ كَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِمَا (الْجِلْدَ أَخَذَهُ الْمَالِكُ، وَرَدَّ مَا زَادَ الدَّبْغَ) إذْ بِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْغَاصِبِ، (وَلَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ مَالَ الْغَيْرِ (ضَمِنَ بِكَسْرِ مِعْزَفٍ) وَهُوَ آلَةُ اللَّهْوِ كَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ وَدُفٍّ وَطَبْلٍ وَطُنْبُورٍ (قِيمَتَهُ صَالِحًا لِغَيْرِ اللَّهْوِ) فَفِي الطُّنْبُورِ يَضْمَنُ الْخَشَبَ الْمَنْحُوتَ وَنَحْوَهُ الْبَوَاقِي (وَ) ضَمِنَ (بِإِرَاقَةِ سُكَّرٍ وَمُنَصَّفٍ) وَقَدْ مَرَّ مَعْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ (قِيمَتَهُمَا لَا الْمِثْلَ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِمَا وَلَوْ كَانَ فِعْلٌ جَازَ، وَإِنْ أَتْلَفَ صَلِيبَ نَصْرَانِيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ صَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ مُقَرٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ، (وَيَصِحُّ بَيْعُهَا) أَيْ بَيْعُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَقَالَا لَا تُضْمَنُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ اللَّذَيْنِ يُضْرَبَانِ لِلَّهْوِ فَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ فَيَضْمَنُهُمَا بِالْإِتْلَافِ بِلَا خِلَافٍ لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ خَمْرَ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرَهُ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ لَهَا ذِمِّيًّا، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ الزِّقَّ بِشِقِّهِ لِإِرَاقَةِ الْخَمْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لِلذِّمِّيِّ) فَيَضْمَنُ بِإِتْلَافِ خِنْزِيرِهِ الْقِيمَةَ مُطْلَقًا وَالْخَمْرِ الْمِثْلَ لَوْ الْمُتْلِفُ ذِمِّيًّا وَقِيمَتُهُ لَوْ مُسْلِمًا لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ الرَّوْضَةِ اشْتَرَى مُسْلِمٌ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَأَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ غَصَبَهَا مِنْهُ فَأَتْلَفَهَا يَضْمَنُ ثُمَّ رَقَمَ لِلرَّوْضَةِ وَالْمُحِيطِ وَقَالَ اشْتَرَى خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَشَرِبَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا ثَمَنَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ) أَيْ مِثْلَ الْخَلِّ وَقِيمَةَ الْجِلْدِ مَدْبُوغًا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ لَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ جَعَلَ هَذَا الْجِلْدَ أَدِيمًا أَوْ وَرَقًا أَوْ دَفْتَرًا أَوْ جِرَابًا أَوْ فَرْوًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ فَإِنْ ذُكِّيَا فَلَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَإِنْ مَيْتَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ خَلَّلَهَا بِمُتَقَوِّمٍ كَالْمِلْحِ مَلَكَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا مِثْلَ مَا لَوْ تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا فَيَضْمَنُهَا بِالِاسْتِهْلَاكِ اهـ، وَبَقِيَتْ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَّخْلِيلِ وَهِيَ مَا لَوْ صَبَّ فِيهَا خَلًّا فَتَخَلَّلَتْ وَاخْتَلَفَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بِمُرُورِ الْأَيَّامِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنْ بِمُرُورِ الْأَيَّامِ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَيْلِهِمَا، وَإِنْ صَارَ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ كَانَ لِلْغَاصِبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَيْلِهِمَا سَوَاءٌ صَارَتْ مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ حِينٍ خَلًّا عِنْدَ الْكُلِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ كَالْقَرَظِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَرَقُ السَّلَمِ أَوْ ثَمَرُ السَّنْطِ قَامُوسٌ. (قَوْلُهُ: أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَرَدَّ مَا زَادَ الدَّبْغَ) وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَتِهِ لَوْ ذُكِّيَا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ حَبْسُهُ كَالْمَبِيعِ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْجِلْدِ إذَا أَخَذَ الدَّبَّاغُ الْجِلْدَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَأَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ رَجُلٌ جِلْدَهَا فَدَبَغَهُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ أَخْذُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا (قَوْلُهُ مِعْزَفٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ آلَةٍ لِلَّهْوِ كَالْعُودِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (قَوْلُهُ فَفِي الطُّنْبُورِ يَضْمَنُ الْخَشَبَ الْمَنْحُوتَ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ. وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَشَبًا مُخَلَّعًا، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ اُشْتُرِيَ لِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ كَجَعْلِهِ وِعَاءً لِلْمِلْحِ. وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ فَفِي الدُّفِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ دُفًّا يُوضَعُ فِيهِ الْقُطْنُ وَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ قَصْعَةً يُوضَعُ فِيهَا الثَّرِيدُ. (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فَعَلَ جَازَ) الْأَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ. . . إلَخْ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ طَبْلَ الْحَاجِّ أَوْ طَبْلَ الصَّيْدِ أَوْ دُفًّا يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَةُ فِي الْبَيْتِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ

[كتاب الإكراه]

أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ، وَلَهُ أَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَإِنْ صَلَحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ أَيْضًا فَصَارَتْ (كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَنَحْوِهَا) كَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ حَيْثُ تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ كَذَا فِي الْكَافِي (حَلَّ قَيْدَ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ) حَلَّ (رِبَاطَ دَابَّتِهِ أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَهَا) أَيْ الدَّابَّةِ، (أَوْ) فَتَحَ (قَفَصَ طَائِرِهِ) فَذَهَبَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَفِي الدَّابَّةِ وَالْقَفَصِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ (أَوْ سَعَى إلَى سُلْطَانٍ بِمَنْ يُؤْذِيهِ، وَلَا يُدْفَعُ إيذَاؤُهُ بِلَا رَفْعٍ إلَيْهِ أَوْ) سَعَى إلَيْهِ (بِمَنْ يَفْسُقُ، وَلَا يَمْتَنِعُ) عَنْ الْفِسْقِ (بِنَهْيِهِ) أَيْ نَهْيِ السَّاعِي (أَوْ قَالَ عِنْدَ سُلْطَانٍ قَدْ يَغْرَمُ، وَقَدْ لَا) يَغْرَمُ مَقُولُ الْقَوْلِ قَوْلُهُ (إنَّهُ وَجَدَ مَالًا فَغَرِمَهُ لَا يَضْمَنُ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِانْتِفَاءِ التَّسَبُّبِ وَتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ (وَلَوْ غَرِمَ قَطْعًا يَضْمَنُ) لِوُجُودِ التَّسَبُّبِ، (كَذَا) أَيْ يَضْمَنُ السَّاعِي (لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) زَجْرًا لَهُ عَنْ السِّعَايَةِ بِهِ يُفْتَى، (أَمَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ قَالَ اُقْتُلْ نَفْسَك فَفَعَلَ) أَيْ أَبَقَ أَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ (وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْآمِرِ (قِيمَتُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ الْقَتْلِ صَارَ غَاصِبًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ أَمَّا بِالْأَمْرِ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ غَاصِبًا مَالَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ قَائِمٌ لَمْ يَهْلِكْ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، (اسْتَعْمَلَ عَبْدًا لِغَيْرِ نَفْسِهِ) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ ارْتَقِ هَذِهِ الشَّجَرَةَ أَوْ اُنْثُرْ الثَّمَرَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ وَأَنَا، (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ) ذَلِكَ الْعَبْدُ (إنِّي حُرٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) إنْ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَنْفَعَتِهِ (وَلَوْ) اسْتَعْمَلَهُ (لِغَيْرِهِ) كَأَنْ يَقُولَ ارْتَقِ الشَّجَرَةَ وَانْثُرْ الثَّمَرَةَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ (لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِ الْغَصْبِ ظَاهِرٌ (وَهُوَ) لُغَةً حَمْلُ الْفَاعِلِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، وَشَرْعًا (حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلٍ) أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِ وَعَمَلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ (بِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْلِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَتْلِ وَإِتْلَافِ الْعُضْوِ وَالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَالْقَيْدِ، (يُعْدَمُ رِضَاهُ بِهِ) أَيْ رِضَا الْغَيْرِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ (لَا اخْتِيَارُهُ) أَيْ لَا يُعْدَمُ اخْتِيَارُهُ (لَكِنَّهُ) أَيْ مَا يُعْدَمُ الرِّضَا (قَدْ يُفْسِدُهُ) أَيْ الِاخْتِيَارُ، (وَقَدْ) لَا أَيْ لَا يُفْسِدُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ، وَأَصْلُ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُفْسِدُهُ، أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ، وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ، وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ، وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ هُوَ فِعْلٌ يُوقِعُهُ بِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ رِضَاهُ أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَعْلَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ مَعْنَى الْقَسْمِ وَالْقَسِيمِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ بَعْدَمَا قَالَ فِيهِ ذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُفَوِّتًا لِلرِّضَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ) تَشْبِيهٌ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ حَلَّ قَيْدُ عَبْدٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّظْمِ لَوْ زَادَ عَلَى مَا فَعَلَ بِأَنْ فَتَحَ الْقَفَصَ، وَقَالَ لِلطَّيْرِ كِشْ كِشْ أَوْ بَابَ إصْطَبْلٍ فَقَالَ لِلْبَقَرِ هِشْ هِشْ أَوْ لِلْحِمَارِ هِرْ هِرْ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ شَقَّ الزِّقَّ وَالدُّهْنُ سَائِلٌ، أَوْ قَطَعَ الْحَبْلَ حَتَّى سَقَطَ الْقِنْدِيلُ يَضْمَنُ (قَوْلُهُ وَفِي الدَّابَّةِ وَالْقَفَصِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ) أَيْ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْفَتْحِ أَمَّا لَوْ زَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ ضَمِنَ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا فَإِنْ كَانَ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لَهُ اتْلَفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ) كَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ إذْ بِالْأَمْرِ بِإِتْلَافِ مَالِ مَوْلَاهُ لَمْ يَصِرْ غَاصِبًا لِمَالِهِ، وَإِنَّمَا صَارَ غَاصِبًا لِقِنِّهِ وَهُوَ لَمْ يَهْلَكْ، وَإِنَّمَا الْمُتْلَفُ مَالُ الْمَوْلَى بِفِعْلِ قِنِّهِ أَقُولُ فِي فَصْلِ مَسْأَلَةٍ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ لَوْ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِإِتْلَافِ مَالِ رَجُلٍ يَغْرَمُ مَوْلَاهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى آمِرِهِ إذْ الْآمِرُ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِلْقِنِّ فَصَارَ غَاصِبًا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقِنِّ وَلَا عَلَى مَوْلَاهُ فِي إتْلَافِ مَالِ مَوْلَاهُ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ إتْلَافِ مَالِ غَيْرِ الْمَوْلَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ قِيلَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْآمِرَ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَمَوْلًى، وَقَدْ مَرَّ خِلَافُهُ أَقُولُ: يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّةَ هُوَ الضَّمَانُ الِابْتِدَائِيُّ الَّذِي بِطَرِيقِ الْإِكْرَاهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. [كِتَابُ الْإِكْرَاهِ] [أَنْوَاع الْإِكْرَاه] (كِتَابُ الْإِكْرَاهِ)

[شروط الإكراه]

لِلِاخْتِيَارِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالْقَتْلِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ فَفَوْتُ الرِّضَا أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الِاخْتِيَارِ فَفِي الْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ بِفَوْتِ الرِّضَا، وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ الصَّحِيحَ بَاقٍ وَفِي الْقَتْلِ لَا رِضَا وَلَكِنْ لَهُ اخْتِيَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ، ثُمَّ قَالَ وَتَحْقِيقُهُ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَالشَّجَرَةُ تُنْبِئُ عَنْ الثَّمَرَةِ (مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ) وَعَدَمِ سُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى، وَالِابْتِلَاءُ يُحَقِّقُ الْخِطَابَ أَلَا يَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَرُخْصَةٍ، وَيَأْثَمُ مَرَّةً وَيُؤْجَرُ مَرَّةً أُخْرَى، وَهُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ وَبَقَاءُ الْأَهْلِيَّةِ. (وَشَرْطُهُ) أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ (قُدْرَةُ الْحَامِلِ عَلَى) تَحْقِيقِ (مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ) يَعْنِي لِصًّا أَوْ نَحْوَهُ هَذَا عِنْدَهُمَا،. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ سُلْطَانٍ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنْعَةٍ، وَالْمَنْعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ؛ لِأَنَّ فِي زَمَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ، فَأَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ وَفِي زَمَانِهِمَا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى كُلِّ مُتَغَلِّبٍ فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ الْكُلِّ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْفَاعِلِ وُقُوعَهُ) أَيْ وُقُوعَ مَا هَدَّدَ بِهِ الْحَامِلُ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِيَصِيرَ بِهِ مَحْمُولًا عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ وَالْمُبَاشَرَةِ، (وَ) الثَّالِثُ (كَوْنُهُ) أَيْ الْفَاعِلِ (مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِحَقٍّ مَا) أَيْ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا، (وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مُوجِبَ غَمٍّ بِعَدَمِ الرِّضَا) وَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِهِ، وَهُوَ أَيْضًا مُتَفَاوِتٌ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَهُوَ) أَيْ الْإِكْرَاهُ (إمَّا مُلْجِئٌ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ لَوْ) كَانَ (بِإِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ، وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ لَا يُفْسِدُهُ لَوْ كَانَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ مُدَّةً مَدِيدَةً أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ) فِي الْمَبْسُوطِ، الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِيءُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ، وَفِي الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تَكُونُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ إذَا رَفَعَ إلَيْهِ (بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِهِ) أَيْ قَيْدِ يَوْمٍ (أَوْ ضَرْبٍ غَيْرِ شَدِيدٍ) فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إكْرَاهًا إذْ لَا يُبَالِي بِمِثْلِهَا عَادَةً فَلَا يُعْدَمُ الرِّضَا (إلَّا لِذِي جَاهٍ) يَعْنِي أَنَّهَا تَكُونُ إكْرَاهًا لِرَجُلٍ لَهُ جَاهٌ وَعِزَّةٌ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ لِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا (فَبِالْأَوَّلِ) يَعْنِي الْمُلْجِئَ (رَخَّصَ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَدَمٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ لِلْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا، وَالِاضْطِرَارُ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ (وَبِالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ آثِمٌ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ كَانَ بِالِامْتِنَاعِ مُعَاوِنًا لِغَيْرِهِ عَلَى إهْلَاكِ نَفْسِهِ. . (وَ) رَخَّصَ أَيْضًا (بِلَفْظِ كَلِمَةِ كُفْرٍ وَقَلْبُهُ مُطَمْئِنٌ بِالْإِيمَانِ) لِحَدِيثِ «عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ اُبْتُلِيَ بِهِ وَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالثَّانِي خَوْفُ الْفَاعِلِ وُقُوعَهُ) يَعْنِي فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَوْ بِإِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ) كَذَا بَعْضُ الْعُضْوِ كَإِتْلَافِ أُنْمُلَةٍ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. [شُرُوط الْإِكْرَاه] (قَوْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِيءُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ قَالَ وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يَعْدَمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ اهـ، وَكَذَا نُقِلَ فِي الْبُرْهَانِ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ، وَقَدْ كَتَبَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ مَا صُورَتُهُ فَشَمَلَ حَبْسَ الْأَبِ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ الْقِيَاسَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إكْرَاهٌ وَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّ حَبْسَ أَبِيهِ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الْحُزْنِ مَا يَلْحَقُ بِهِ حَبْسُ نَفْسِهِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْوَلَدُ الْبَارُّ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ أَبِيهِ مِنْ السِّجْنِ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْبَسُ فَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ اهـ. (قَوْلُهُ فَبِالْأَوَّلِ رَخَّصَ أَكْلَ مَيْتَةٍ وَدَمٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَشُرْبَ الْخَمْرِ) يَعْنِي لَا بِالْحَبْسِ وَشَبَهِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَجَابَ هَكَذَا بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ فِي زَمَانِهِ فَأَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّنَاوُلَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (قَوْلُهُ وَبِالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ أَثِمَ) أَيْ إنْ عَلِمَ بِالْحِلِّ وَإِلَّا فَلَا يَأْثَمُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) هُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّحْلِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَا وَرَاءَك قَالَ شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُرِكْت حَتَّى نِلْت مِنْك وَذَكَرْت آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] الْآيَةَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ

كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] الْآيَةَ (وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَتْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (أَجْرٌ) أَيْ صَارَ مَأْجُورًا إنْ صَبَرَ، وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ (وَ) رَخَّصَ أَيْضًا (إتْلَافَ مَالِ مُسْلِمٍ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ. (وَ) لَكِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ (ضَمَّنَ الْحَامِلَ) ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ آلَةٌ لِلْحَامِلِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ، وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِأَنْ يُلْقِيَهُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ (لَا قَتْلَهُ) عُطِفَ عَلَى إتْلَافَ أَيْ لَا يُرَخِّصُ قَتْلَ مُسْلِمٍ بَلْ يَصْبِرُ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ، (وَيُقَادُ فِي الْعَمْدِ الْحَامِلُ فَقَطْ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ يَصِيرُ آلَةً لَهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقَادُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ. وَقَالَ زُفَرُ يُقَادُ الْفَاعِلُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقَادُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْفَاعِلُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْحَامِلُ بِالتَّسَبُّبِ. (وَلَا) يُرَخِّصُ بِالْأَوَّلِ (زِنَا الرَّجُلِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا هَالِكٌ حُكْمًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ فَلَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا كَالْقَتْلِ، وَلَكِنْ لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا يَعْنِي إذَا لَمْ يُرَخِّصْ زِنَاهُ بِالْمُلْجِئِ كَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ (وَلَكِنْ لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا) فَإِنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ إذْ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ، (وَبِالثَّانِي) عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي بِإِكْرَاهِ غَيْرِهِ مُلْجِئٍ (لَا) أَيْ لَا تُرَخِّصُ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ (لَكِنَّهُ) أَيْ الثَّانِي مِنْ الْإِكْرَاهِ (أَسْقَطَ الْحَدَّ فِي زِنَاهَا) ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُكْرَهَةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (لَا زِنَاهُ) أَيْ لَمْ يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي زِنَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ لَمْ يَكُنْ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ كَمَا كَانَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ شُبْهَةً لِيَنْدَرِئَ الْحَدُّ. (تَصَرُّفَاتُ الْمُكْرَهِ قَوْلًا) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةَ لِلْمُكْرَهِ سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا بِالْمُلْجِئِ أَوْ بِغَيْرِهِ (تَنْعَقِدُ) عِنْدَنَا كَمَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ (وَمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُفْسَخُ) إنْ فَسَخَ الْمُكْرَهُ، (وَمَا لَا) يَحْتَمِلُهُ (فَلَا) يُفْسَخُ، (الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ وَصُلْحِهِ وَإِبْرَائِهِ مَدْيُونَهُ أَوْ كَفِيلَهُ وَهِبَتِهِ) فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا بِأَحَدِ نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ خُيِّرَ الْفَاعِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُطْلَقًا يُعْدِمُ الرِّضَا، وَالرِّضَا شَرْطُ صِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ فَتَفْسُدُ بِفَوَاتِهِ (وَإِقْرَارِهِ) ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَإِنَّمَا صَارَ حُجَّةً لِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فِيمَا يَقْرَبُهُ قَاصِدًا إلَى دَفْعِ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ (فَيَمْلِكُهُ) أَيْ الْمَبِيعَ بِالْإِكْرَاهِ (الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَ) كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ (فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ) أَيْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ مَلَكَهُ، (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ (قِيمَتُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ) أَيْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ أَمْرٌ بِالثَّبَاتِ عَلَى مَا كَانَ لَا أَمْرٌ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ} [الفاتحة: 6] أَوْ مَعْنَاهُ إنْ عَادُوا إلَى الْإِكْرَاهِ ثَانِيًا فَعُدْ أَنْتَ إلَى مِثْلِ مَا أَتَيْت بِهِ أَوَّلًا مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ اهـ. (قَوْلُهُ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ) وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ (قَوْلُهُ: وَرَخَّصَ أَيْضًا إتْلَافَ مَالِ مُسْلِمٍ) أَيْ وَذِمِّيٍّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا لَوْ صَبَرَ فَلَمْ يُتْلِفْهُ حَتَّى قُتِلَ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَنْزِ يُفِيدُ ثَوَابَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ شَارِحُهُ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ قَاضِي خَانْ وَلَوْ بِوَعِيدِ الْقَتْلِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ وَلَمْ يُتْلِفْ مَالَ نَفْسِهِ يَكُونُ شَهِيدًا فَلَأَنْ لَا يَأْثَمَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ إبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ آلَةٌ لِلْحَامِلِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ) قَالَ فِي السِّرَاجِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مَجُوسِيٌّ عَلَى ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُرَخِّصُ قَتْلَ مُسْلِمٍ) يَعْنِي وَذِمِّيٍّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يُرَخَّصُ لِضَرُورَةٍ مَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ) فِي الْحَصْرِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِإِخْرَاجِهِ السَّرِقَةَ إذْ لَمْ يُلْقِهَا بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ أَوْ بِإِتْيَانِهِ حَلِيلَتَهُ كَذَلِكَ وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ: وَيُقَادُ فِي الْعَمْدِ الْحَامِلُ فَقَطْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُلْجِئِ وَلَوْ قَتَلَ أَثِمَ وَيُقْتَصُّ الْحَامِلُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثُ لَوْ بَالِغًا وَيُقْتَصُّ لِلْمُكْرَهِ مِنْ الْحَامِلِ وَيَرِثُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يُرَخَّصُ بِالْأَوَّلِ زِنَا الرَّجُلِ) لَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَوَّلِ لِطُولِ الْكَلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِلَّا فَفِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَبِالثَّانِي. . . إلَخْ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى إثْمِهِ وَفِي شَرْحِ الْكَافِي رَجَوْت أَنْ لَا تَأْثَمَ يَعْنِي الْمَرْأَةَ. (قَوْلُهُ كَبَيْعِهِ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَإِنَّهُ يُفْسَخُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بَيْعُ الْمُكْرَهِ يُخَالِفُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ يَنْقُضُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ دُونَ الْقَبْضِ الثَّمَنُ أَوْ الثَّمَنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ وَفِي الْفَاسِدِ بِخِلَافِهَا اهـ. (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ) كَذَا تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ

(فَإِنْ قَبَضَ) أَيْ الْبَائِعُ الْمُكْرَهُ (الثَّمَنَ أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا) قَيَّدَ لِلْمَذْكُورَيْنِ (نَفَذَ) الْبَيْعُ لِوُجُودِ الرِّضَا، (وَإِنْ قَبَضَهُ) الثَّمَنَ (مُكْرَهًا لَا) أَيْ لَا يَنْفُذُ لِعَدَمِ الرِّضَا (وَرَدَّهُ) أَيْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ مُكْرَهًا (إنْ بَقِيَ) فِي يَدِهِ (وَلَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي، وَالْقَبْضُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا قَبَضَهُ لِلتَّمَلُّكِ، وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْهُ لَهُ لِكَوْنِهِ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً كَذَا فِي الْكَافِي (بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ بِلَا ذِكْرِ الدَّفْعِ فَوَهَبَ وَدَفَعَ حَيْثُ يَكُونُ فَاسِدًا) أَيْ يُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا إنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهٌ عَلَى الدَّفْعِ، وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ (هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ مُشْتَرٍ غَيْرِ مُكْرَهٍ، وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَمَا فِي إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي، (وَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (أَنْ يَضْمَنَ أَيًّا شَاءَ) مِنْ الْحَامِلِ وَالْمُشْتَرِي كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَالْمُكْرَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ (فَإِنْ ضَمِنَ الْحَامِلُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْبَائِعِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلضَّامِنِ مِنْ وَقْتِ سَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ، (وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُ الْمُشْتَرِينَ) وَقَدْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي (نَفَذَ كُلُّ شَيْءٍ) كَانَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ (وَلَا يَنْفُذُ) مَا كَانَ (قَبْلَهُ) ؛ لِأَنَّ اسْتِنَادَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهَ عَقْدًا مِنْهَا حَيْثُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ حَقُّهُ فَيَعُودُ الْكُلُّ جَائِزًا، (وَالثَّانِي) وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ (كَنِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَإِعْتَاقِهِ) وَسَائِرِ مَا سَيَأْتِي فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَصِحُّ عِنْدَنَا مَعَ الْإِكْرَاهِ قِيَاسًا عَلَى صِحَّتِهَا مَعَ الْهَزْلِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَصِحُّ (وَرَجَعَ) أَيْ الْفَاعِلُ عَلَى الْحَامِلِ (بِنِصْفِ الْمُسَمَّى) فِي الطَّلَاقِ (إنْ لَمْ يَطَأْ) ، وَكَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْحَامِلِ، وَالتَّقْرِيرُ كَالْإِيجَابِ فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ هُنَا بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ. (وَ) رَجَعَ الْفَاعِلُ عَلَى الْحَامِلِ (بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ صَلُحَ آلَةً لَهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَانْضَافَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِكَوْنِهِ ضَمَانَ إتْلَافٍ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَرْجِعُ الْحَامِلُ عَلَى الْعَبْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ قَبَضَهُ أَيْ الثَّمَنَ مُكْرَهًا لَا) كَذَا لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ مُكْرَهًا لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ. (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ أَيْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ) يَعْنِي لَزِمَهُ رَدُّهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا، وَمِثْلُهَا الصَّدَقَةُ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا إنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهٌ عَلَى الدَّفْعِ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ حَاضِرًا وَقْتَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ ضَمِنَ الْحَامِلُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) ، يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْحَامِلِ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْفُذُ مَا كَانَ قَبْلَهُ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَوَّلَ الْمُشْتَرِينَ نَفَذَ الْجَمِيعُ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهُ عَقْدًا مِنْهَا) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّهُ إذَا ضَمَّنَ فَأَخَذَ الْقِيمَةَ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ الْعَيْنَ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتُ الَّتِي قَبْلَهُ بِخِلَافِ أَخْذِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَأَخْذِ الْعَيْنِ بَلْ إجَازَةٌ فَافْتَرَقَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَاحِدًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجَازَةِ لِأَحَدِهِمْ مِلْكٌ بَاتٌّ فَأَبْطَلَ الْمَوْقُوفَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْإِكْرَاهِ كُلُّ وَاحِدٍ بَاعَ مِلْكَهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِيهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْكُلِّ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ الْكُلُّ (قَوْلُهُ كَنِكَاحٍ) أَيْ يَصِحُّ النِّكَاحُ سَوَاءٌ كَانَ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمُلْجِئٍ كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الزَّوْجَ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعُ بِالْفَضْلِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ، وَلَيْسَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِقَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا فِي حَقِّ الزَّوْجِ بَلْ نِكَاحُ طَائِعٍ، وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تُصْرَفُ فِي الْمَالِ وَهُوَ يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ لَا غَيْرُ، وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى التَّزَوُّجِ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَحُكْمُ اعْتِرَاضِ أَوْلِيَائِهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْفَاعِلُ عَلَى الْحَامِلِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْوَلَاءِ نَصًّا وَالْوَلَاءُ لِلْفَاعِلِ اهـ. وَفِي التَّدْبِيرِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْمَوْلَى بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا عَلَى الْآمِرِ أَيْضًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ

[كتاب الحجر]

بِالضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِتْلَافِهِ (وَنَذْرِهِ) ، فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْحَامِلِ بِمَا لَزِمَهُ إذْ لَا مُطَالَبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا (وَيَمِينِهِ وَظِهَارِهِ) حَيْثُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا الْفَسْخَ (وَرَجْعَتِهِ وَإِيلَائِهِ وَفَيْئِهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ بِاللِّسَانِ بِأَنْ يَقُولَ: فِئْت إلَيْهَا فَإِنَّهَا لَمَّا صَحَّتْ مَعَ الْهَزْلِ صَحَّتْ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَيْضًا وَإِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلِمًا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الرُّكْنَيْنِ قَطْعًا، وَفِي الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا (بِلَا قَتْلٍ لَوْ رَجَعَ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ بِالْإِكْرَاهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَا يُقْتَلُ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ الِابْتِدَاءِ، فَيَكُونُ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا فَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، (وَلَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ) لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ يَصِيرُ كَافِرًا، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، وَالْإِكْرَاهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ (فَلَا تَبِينُ عُرْسُهُ) لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ. (صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ مَالًا بِالْإِكْرَاهِ (وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ) أَيْ لَمْ يَقُلْ بِعْ مَالَك وَأَعْطِنِي ثَمَنَهُ (فَبَاعَهُ صَحَّ) أَيْ ذَلِكَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (خَوَّفَهَا الزَّوْجُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ (إنْ قَدَرَ) أَيْ الزَّوْجُ (عَلَى الضَّرْبِ) لِوُجُودِ الْإِكْرَاهِ. كِتَابُ الْحَجْرِ (هُوَ) لُغَةً الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَشَرْعًا (مَنْعُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَسِرُّهُ أَنَّ أَثَرَ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ بَلْ أَمْرٌ يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَارِجِ جَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ عَدَمُهُ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ الصَّادِرِ عَنْ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا خَارِجِيًّا لَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ كَالْقَتْلِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَإِلَّا كَانَ سَفْسَطَةً (وَسَبَبُهُ الصِّغَرُ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَفِعْلُهُ نَاقِصٌ، فَالضَّرَرُ مُحْتَمَلٌ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ (وَالْجُنُونُ) فَإِنْ عَدِمَ الْإِفَاقَةَ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ، وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ (وَالرِّقُّ) فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يُحْجَرُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا تَبْطُلَ مَنَافِعُ عَبْدِهِ بِإِيجَارِهِ نَفْسَهُ لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ لَكِنَّ الْمَوْلَى إذَا رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ (فَلَمْ يَصِحَّ طَلَاقُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ) أَمَّا الْمَجْنُونُ فَلِعَدَمِ عَقْلِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَغَيْرُ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ، وَالْعَاقِلُ لَا يَقِفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلْمَوْلَى عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ بِاعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ، وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ، (وَ) لَمْ يَصِحَّ (إعْتَاقُهُمَا) لِتَمَحُّضِهِ فِي الضَّرَرِ (وَلَا إقْرَارُهُمَا) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ بِالشَّرْعِ، وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَذْرِهِ) كَذَا كُلُّ مَا يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَغَزْوٍ وَهَدْيٍ إذَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَظِهَارِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَكَفَرَ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَفَعَلَ عَتَقَ وَعَلَى الْمُكْرِهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا أُبْرِيهِ عَنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِيَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ اهـ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا يَعْنِي الْمُعَيَّنَ مِنْ أَخَسِّ الرِّقَابِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دَوْمُ هَذَا مُجْزِيًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا (قَوْلُهُ وَرَجْعَتِهِ) يَعْنِي عَلَى إنْشَائِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ وَإِيلَائِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ بَانَتْ بِهِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا مُطْلَقًا أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَيْئِهِ فِيهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هُوَ مِثْلُ الرَّجْعَةِ إنْشَاءً وَإِقْرَارًا [كِتَابُ الْحَجْرِ] (كِتَابُ الْحَجْرِ) (قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالرِّقُّ) هَذِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأُلْحِقَ بِهَا ثَلَاثَةٌ أُخْرَى الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ، وَهَذَا أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقَصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ) فِي إطْلَاقِ تَشْبِيهِ أَفْعَالِهِ بِأَفْعَالِ الصَّبِيِّ تَأَمَّلْ. بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْهُ حَالَ عَدَمِ إفَاقَتِهِ وَأَمَّا تَصَرُّفٌ وُجِدَ مِنْهُ حَالَ إفَاقَتِهِ فَهُوَ فِيهِ كَالْعَاقِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ. . . إلَخْ) حُكْمُهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ لَكِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ) لَعَلَّهُ ثَنَّى الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَطَلَاقِ الْمَجْنُونِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْإِفْرَادُ.

وَالْكَذِبَ وَقَبِلَ الشَّارِعُ شَهَادَةَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَمْكَنَ رَدُّهُ فَيُرَدُّ نَظَرًا لَهُمَا. (وَصَحَّ طَلَاقُ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ أَهْلٌ، وَيَعْرِفُ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ فَيَنْفُذُ (وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) لِقِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ (لَا) فِي حَقِّ (مَوْلَاهُ) رِعَايَةً لِجَانِبِهِ؛ لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يَعْرَى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ، وَكِلَاهُمَا إتْلَافُ مَالِهِ (فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ آخَرَ إلَى عِتْقِهِ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْحَالِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ هَذَا إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِ الْمَوْلَى بِمَالٍ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا (وَلَوْ) أَقَرَّ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ عَجَّلَ) وَلَمْ يُؤَخِّرْ إلَى عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ، (وَ) لِهَذَا (لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ فِيهِمَا) أَيْ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ (إذَا عَقَدَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمَحْجُورِينَ (مَنْ يَعْقِلُهُ) أَيْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ بِأَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ جَالِبٌ لَهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ وَالصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ (خُيِّرَ وَلِيُّهُ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ، وَأَرَادَ بِالْعَقْدِ مَا دَارَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرِّ بِخِلَافِ الِاتِّهَابِ حَيْثُ يَصِحُّ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ وَبِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَيْثُ لَا يَصِحَّانِ، وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ (وَإِنْ أَتْلَفُوا) أَيْ الْمَحْجُورُونَ سَوَاءً عَلَّقُوا أَوْ لَا (شَيْئًا ضَمِنُوا) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا حَجْرَ فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْفِعْلِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَصْدِ فَإِنَّ النَّائِمَ إذَا انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ وَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ وَإِنْ عَدِمَ الْقَصْدَ لَكِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ كَالْمُعْسِرِ لَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا أَيْسَرَ وَكَالنَّائِمِ لَا يُؤْمَرُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا اسْتَيْقَظَ. (لَا يُحْجَرُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِسَفَهٍ) هُوَ خِفَّةٌ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ فَتَحْمِلُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مُوجَبِ الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ وَقَدْ غَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَبْذِيرِ الْمَالِ وَإِسْرَافِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ (وَفِسْقٍ وَدَيْنٍ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحْجَرُ عَلَى السَّفِيهِ، وَإِذَا طَلَبَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجَرَهُ الْقَاضِي، وَمَنَعَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَعِنْدَهُمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُحْجَرُ عَلَى الْفَاسِقِ زَجْرًا لَهُ (بَلْ مُفْتٍ مَاجِنٌ) هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ (وَمُتَطَبِّبٌ جَاهِلٌ وَمُكَارٍ مُفْلِسٌ) هُوَ الَّذِي يُكَارِي الدَّابَّةَ وَيَأْخُذُ الْكِرَاءَ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ السَّفَرَ لَا دَابَّةَ لَهُ فَانْقَطَعَ الْمُكْتَرِي عَنْ الرُّفْقَةِ فَإِنَّ فِي حَجْرِ كُلٍّ مِنْهَا دَفْعَ ضَرَرِ الْعَامَّةِ، فَالْمُفْتِي الْمَاجِنُ يُفْسِدُ عَلَى النَّاسِ دِينَهُمْ وَالْمُتَطَبِّبُ الْجَاهِلُ أَبْدَانَهُمْ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ يُتْلِفُ أَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّ دَابَّتَهُ إذَا مَاتَتْ فِي الطَّرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُ أُخْرَى وَلَا يُمْكِنُهُ شِرَاءُ أُخْرَى وَلَا الِاسْتِئْجَارُ فَيُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ (بِمَعْنَى الْمَنْعِ عَنْ التَّصَرُّفِ حِسًّا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ، أَلَا يَرَى أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ، وَأَصَابَ فِي الْفَتْوَى جَازَ وَلَوْ أَفْتَى قَبْلَ الْحَجْرِ وَأَخْطَأَ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا الطَّبِيبُ لَوْ بَاعَ الْأَدْوِيَةَ بَعْدَ الْحَجْرِ نَفَذَ بَيْعُهُ فَدَلَّ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِهِ الْحَجْرَ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ الْحِسِّيَّ أَيْ يَمْنَعُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ عَنْ عَمَلِهِمْ حِسًّا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ. (بَلَغَ) الصَّبِيُّ (غَيْرَ رَشِيدٍ) الرَّشِيدُ عِنْدَنَا هُوَ الرَّشِيدُ فِي الْمَالِ، فَإِذَا بَلَغَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَلَوْ فَاسِقًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا (لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً) لِمَا رَوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَنْتَهِي لُبُّ الرَّجُلِ إذَا بَلَغَ خَمْسًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ بِأَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءُ جَالِبٌ لَهُ) . قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَعْلَمُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدُ بِالْعَقْدِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ وَالزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالْأَدَاءِ) أَيْ لَكِنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يُخَاطَبُ بِأَدَاءِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ كَالْمُعْسِرِ لَا يُطَالَبُ بِالدَّيْنِ إلَّا إذَا أَيْسَرَ وَكَالنَّائِمِ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا اسْتَيْقَظَ (قَوْلُهُ لَا يُحْجَرُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِسَفَهٍ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُوقَفُ حَجْرُهُ عَلَى حَجْرِ الْقَاضِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمُجَرَّدِ سَفَهِهِ صَارَ مَحْجُورًا، وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ كَالصَّغِيرِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ) أَيْ الْبَاطِلَةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ كَتَعْلِيمِ الِارْتِدَادِ لِتَبِينَ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ تَسْقُطُ عَنْهَا الزَّكَاةُ، وَلَا يُبَالِي بِمَا يَفْعَلُ مِنْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ أَوْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ يُفْتِي عَنْ جَهْلٍ.

[فصل علامات البلوغ]

وَعِشْرِينَ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (صَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ) أَيْ لَوْ تَصَرَّفَ فِي مَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ (يُسَلَّمُ) مَالُهُ إلَيْهِ، (وَلَوْ بِلَا رُشْدٍ) وَقَالَا لَا يَدْفَعُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ (يَحْبِسُ الْقَاضِي الْمَدْيُونَ لِيَبِيعَ مَالَهُ لِدَيْنِهِ) ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَالْمُمَاطَلَةَ ظُلْمٌ فَيَحْبِسُهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِظُلْمِهِ وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، (وَقَضَى) أَيْ الْقَاضِي (بِلَا أَمْرِهِ) أَيْ أَمْرِ الْمَدْيُونِ (دَرَاهِمَ دَيْنِهِ مِنْ دَرَاهِمِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ بِلَا رِضَا الْمَدْيُونِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ، (وَبَاعَ دَنَانِيرَهُ لِدَرَاهِمَ دَيْنِهِ وَبِالْعَكْسِ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ كِلَا الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مُخْتَلِفَانِ، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا وَوَجْهُهُ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ جِنْسًا فِي التَّنْمِيَةِ وَالْمَالِيَّةِ حَتَّى يَضُمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِعَدَمِ جَرَيَانِ رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ إلَى الِاخْتِلَافِ يَسْلُبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةَ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ (لَا) أَيْ لَا يَبِيعُ الْقَاضِي (عَرَضَهُ وَعَقَارَهُ) لِدَرَاهِمَ دَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ تَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهِمَا وَأَعْيَانِهِمَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ لِغُرَمَائِهِ عَلَى وَجْهٍ يَلْحَقُ بِهِ الضَّرَرُ، وَأَمَّا النُّقُودُ فَوَسَائِلُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الْمَالِيَّةُ لَا الْعَيْنُ فَافْتَرَقَا. (أَفْلَسَ وَمَعَهُ عَرَضٌ شَرَاهُ فَقَبَضَ بِالْإِذْنِ) أَيْ إذْنِ بَائِعِهِ (فَبَائِعُهُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ) وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَتَاعَ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ بِالثَّمَنِ (حَجَرَ قَاضٍ وَرَفَعَ إلَى قَاضٍ) آخَرَ (فَأَطْلَقَهُ) الثَّانِي، (جَازَ) إطْلَاقُهُ وَمَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ فِي مَالِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ قَبْلَ إطْلَاقِ الثَّانِي وَبَعْدَهُ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ حَجْرَ الْأَوَّلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (فَصْلٌ) (بُلُوغُ الصَّبِيِّ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ، وَ) بُلُوغُ (الصَّبِيَّةِ بِالِاحْتِلَامِ وَالْحَيْضِ وَالْحَبَلِ) الْأَصْلُ أَنَّ الْبُلُوغَ يَكُونُ بِالْإِنْزَالِ حَقِيقَةً، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ مِمَّا ذَكَرَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِنْزَالِ فَجَعَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ عَلَامَةً عَلَى الْبُلُوغِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهَا (فَحَتَّى) أَيْ لَا يَحْكُمُ بِالْبُلُوغِ حَتَّى (يَتِمَّ لَهُ) أَيْ الصَّبِيِّ (ثَمَانِيَ عَشْرَ سَنَةً وَلَهَا) أَيْ لِلصَّبِيَّةِ (سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الإسراء: 34] وَأَشُدُّ الصَّبِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَتَبِعَهُ الْقُتَيْبِيُّ ثَمَانِيَ عَشْرَ سَنَةً وَقِيلَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَأَقَلُّ مَا قَالُوا هُوَ الْأَوَّلُ، فَوَجَبَ أَنْ يُدَارَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ لِلِاحْتِيَاطِ إلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ أَسْرَعُ إدْرَاكًا مِنْ الْغُلَامِ فَنَقَصَ سَنَةً مِنْهُنَّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تُوَافِقُ الْمِزَاجَ، (وَقَالَا فِيهِمَا بِتَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) وَهُوَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ (وَبِهِ يُفْتِي) لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، إذْ الْعَلَامَاتُ تَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَجَعَلُوا الْمُدَّةَ عَلَامَةً فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَظْهَرْ لَهُ الْعَلَامَةُ، (وَأَدْنَى مُدَّتِهِ) أَيْ الْبُلُوغِ (لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ) إذْ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمَا فِي هَذَا السِّنِّ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ (فَإِنْ رَاهَقَا) أَيْ قَرُبَا إلَى الْبُلُوغِ بِأَنْ يَبْلُغَا هَذَا السِّنَّ (وَأَقَرَّا بِالْبُلُوغِ كَانَا كَالْبَالِغِ حُكْمًا) ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ لَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَأَطْلَقَهُ الثَّانِي جَازَ إطْلَاقُهُ) وَمَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ فِي مَالِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ قَبْلَ إطْلَاقِ الثَّانِي وَبَعْدَهُ كَانَ جَائِزًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَطْلَقَهُ، وَأَجَازَ مَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ اهـ فَقَدْ شَرَطَ مَعَ الْإِطْلَاقِ إجَازَةَ صُنْعِهِ [فَصْلٌ علامات الْبُلُوغ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ فَإِنْ رَاهَقَا وَأَقَرَّا بِالْبُلُوغِ كَانَا كَالْبَالِغِ حُكْمًا) يَعْنِي وَقَدْ فَسَّرَا مَا بِهِ عُلِمَا بُلُوغُهُمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا يَمِينٌ.

[كتاب المأذون]

كَانَ حَاصِلًا فِي هَذَا السِّنِّ وَلَوْ نَادِرًا فَكَانَ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْهُمَا كَالْحَيْضِ قَبْلَ إقْرَارِهِمَا بِهِ ضَرُورَةً. (كِتَابُ الْمَأْذُونِ) الْإِذْنُ لُغَةً الْإِعْلَامُ، وَشَرْعًا فَكُّ الْحَجْرِ مُطْلَقًا، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا (إذْنُ الْعَبْدِ) وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ بِالرِّقِّ الثَّابِتِ شَرْعًا عَلَى الْعَبْدِ (وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ) أَيْ حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ كَوْنُهُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفَاتِ فَتَعَلُّقُ حَقِّ الْمَوْلَى بِعُرُوضِ الرِّقِّ صَارَ مَانِعًا لِمَالِكِيَّتِهِ لَهَا، فَإِذَا أَسْقَطَ الْمَوْلَى حَقَّهُ يَعُودُ الْمَمْنُوعُ (فَيَتَصَرَّفُ) أَيْ إذَا كَانَ إذْنُ الْعَبْدِ فَكَّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطَ الْحَقِّ فَيَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ (لِنَفْسِهِ بِأَهْلِيَّتِهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِالْعُهْدَةِ عَلَى مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لَا يَطْلُبُ الثَّمَنَ مِنْ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ يَطْلُبُهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ (وَلَا يَتَوَقَّفُ) يَعْنِي إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا كَانَ مَأْذُونًا أَبَدًا إلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَاتِ لَا تَتَوَقَّفُ (وَلَا يَتَخَصَّصُ) بِنَوْعِ فَإِذَا أَذِنَ بِنَوْعٍ عَمَّ إذْنُهُ الْأَنْوَاعَ، فَكَذَا إذَا قَالَ اُقْعُدْ صَبَّاغًا فَإِنَّهُ إذْنٌ بِشِرَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا الْعَمَلِ، وَكَذَا إذَا قِيلَ أَدِّ إلَيَّ الْغَلَّةَ كُلَّ شَهْرٍ، كَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْدَامٌ لَا إذْنٌ. (وَيَثْبُتُ) أَيْ الْإِذْنُ (دَلَالَةً إذَا رَأَى الْمَوْلَى يَبِيعُ عَبْدُهُ مِلْكَ الْأَجْنَبِيِّ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا رَآهُ يَبِيعُ مِلْكَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ مِلْكًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا لَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَيَشْتَرِي) مَا أَرَادَهُ، (وَسَكَتَ) أَيْ الْمَوْلَى يَكُونُ إذْنًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَلَا يَكُونُ إذْنًا لَهُ فِي بَيْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَوْ شِرَائِهِ كَذَا فِي الأسروشنية أَقُولُ سَرَّهُ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ إنَّمَا يَصِيرُ مَأْذُونًا إذَا صَدَرَ عَنْهُ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ فِي حَقِّ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا مَرَّ آنِفًا بِمَحْضَرٍ مِنْ مَوْلَاهُ فَفِيمَا إذَا بَاعَ الْمَحْجُورُ بِمَحْضَرٍ مِنْ مَوْلَاهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ مَأْذُونًا لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ مَأْذُونًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مَأْذُونًا وَهُوَ ظَاهِرُ اللُّزُومِ وَالْبُطْلَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (وَ) يَثْبُتُ أَيْضًا (صَرِيحًا فَلَوْ أَذِنَ) الْعَبْدَ (مُطْلَقًا) بِأَنْ يَقُولَ مَوْلَاهُ أَذِنْت لَك فِي التِّجَارَةِ صَحَّ كُلُّ تِجَارَةٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ اسْمٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ (فَيَبِيعُ وَيَشْتَرِي وَلَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) خِلَافًا لَهُمَا وَبِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ جَازَ اتِّفَاقًا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لَهُمَا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمَأْذُونِ] (كِتَابُ الْمَأْذُونِ) (قَوْلُهُ الْإِذْنُ لُغَةً الْإِعْلَامُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمِنْهُ الْأَذَانُ وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ اهـ. وَفِي النِّهَايَةِ أَمَّا اللُّغَةُ فَالْإِذْنُ فِي الشَّيْءِ رَفْعُ الْمَانِعِ لِمَنْ هُوَ مَحْجُورٌ عَنْهُ وَإِعْلَامٌ بِإِطْلَاقِهِ فِيمَا حُجِرَ عَنْهُ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الشَّيْءِ إذْنًا اهـ. (قَوْلُهُ وَشَرْعًا فَكُّ الْحَجْرِ مُطْلَقًا) يَعْنِي فَلَا يَتَوَقَّتُ وَلَا يَتَخَصَّصُ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ التَّفْسِيرُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ الثَّابِتِ بِالرِّقِّ شَرْعًا عَمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ لَا الْإِنَابَةُ وَالتَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَالثَّابِتُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ فَكُّ الْحَجْرِ عَنْ التِّجَارَةِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا إذْنُ الْعَبْدِ) وَالثَّانِي إذْنُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ، وَسَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ فَيَتَصَرَّفُ الْعَبْدُ لِنَفْسِهِ) لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا تَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِجُمْلَتِهِ مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَإِذَا تَعَذَّرَ مِلْكُهُ لِمَا تَصَرَّفَ فِيهِ يَخْلُفُهُ الْمَوْلَى فِي الْمِلْكِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ) يَعْنِي كَطَعَامِ الْأَكْلِ وَثِيَابِ الْكِسْوَةِ وَدَابَّةِ الرُّكُوبِ وَعَبْدِ الِاسْتِخْدَامِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. [مَا يَثْبُت بِهِ الْأُذُن] (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا رَآهُ يَبِيعُ مِلْكَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ مِلْكًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا لَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) أَقُولُ يُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَأَثْبَتْنَا الْإِذْنَ بِالسُّكُوتِ إنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي صَحِيحًا كَانَ الْعَقْدُ أَوْ فَاسِدًا وَلَوْ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ وَلَمْ يُثْبِتْهُ زُفَرُ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ اهـ. وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مَمْلُوكَةً لِلْمَوْلَى أَوْ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَيْعًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا. هَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا، وَكَذَا الْمُرْتَهِنُ إذَا رَأَى الرَّاهِنَ يَبِيعُ الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَرُوِيَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رِضًا وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ اهـ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا، وَنَحْفَظُ عَنْ مَشَايِخِنَا تَقْدِيمَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى. (قَوْلُهُ فَفِيمَا إذَا بَاعَ الْمَحْجُورُ بِمَحْضَرٍ مِنْ مَوْلَاهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ وَصَارَ مَأْذُونًا لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ مَأْذُونًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مَأْذُونًا وَهُوَ ظَاهِرُ اللُّزُوم وَالْبُطْلَانِ) أَقُول هَذَا سَاقِط فِي بَعْض النَّسْخ وَثَابِت وَفِي غَيْرهَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اللُّزُومُ وَالْمَذْكُورُ إلَّا لَوْ قُلْنَا بِتَعَلُّقِ الْإِذْنِ بِمَا بَاعَهُ بِمَحْضَرِ مَوْلَاهُ، بَلْ لَا يَتَعَلَّقُ أَثَرُهُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبِلِ فَسَقَطَ الْإِلْزَامُ لِقَوْلِهِ عَقِبَهُ: وَلَا يَكُونُ إذْنًا لَهُ فِي بَيْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَوْ شِرَائِهِ اهـ. فَهَذَا رَدٌّ لِمَا ظَنَّهُ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الأسروشنية وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَأَى قِنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَسَكَتَ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ لَا فِي تِلْكَ الْعَيْنِ ثُمَّ قَالَ قِنٌّ بَاعَ بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى أَنَّهُ لَهُ فَلَوْ كَانَ الْقِنُّ مَأْذُونًا لَمْ يَصِحَّ دَعْوَاهُ، وَيَصِحُّ لَوْ مَحْجُورًا فَإِنْ قِيلَ أَلَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا بِسُكُوتِ مَوْلَاهُ قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنَّ أَثَرَ الْإِذْنِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ اهـ.

الْبَيْعَ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّعِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِذْنُ، وَلَهُ أَنَّهُ تِجَارَةٌ وَالْعَبْدُ مُتَصَرِّفٌ بِأَهْلِيَّةِ نَفْسِهِ فَصَارَ كَالْحُرِّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ (وَيُوَكَّلُ بِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ بِنَفْسِهِ (وَيَرْهَنُ وَيَرْتَهِنُ وَيَتَقَبَّلُ الْأَرْضَ) أَيْ يَأْخُذُهَا قُبَالَةً بِالِاسْتِئْجَارِ وَالْمُسَاقَاةِ (وَيَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً وَيَشْتَرِي بِزْرًا يَزْرَعُهُ وَيَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا) مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً (وَيُؤَجِّرُ نَفْسَهُ، وَيُضَارِبُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمَالَ مُضَارَبَةً، وَيَأْخُذُهُ (وَيُشَارِكُ عِنَانًا) لِأَنَّهَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَصِحَّ لَمْ يُعَامِلْهُ أَحَدٌ (لِغَيْرِ زَوْجٍ وَوَلَدٍ وَوَالِدٍ) فَإِنَّ إقْرَارَهُ لَهُمْ بِالدَّيْنِ بَاطِلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَ) يُقِرُّ أَيْضًا (بِغَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهِمَا أَيْضًا مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ ضَمَانُ مُعَاوَضَةٍ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ بِالضَّمَانِ (وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْإِذْنِ، (وَيُضَيِّفُ مَنْ يُطْعِمُهُ) لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ التِّجَارَةِ اسْتِجْلَابًا لِقُلُوبِ أَهْلِ حِرْفَتِهِ (وَيَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْبٍ) مِثْلُ مَا يَحُطُّ التُّجَّارُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِهِمْ وَرُبَّمَا يَكُونُ الْحَطُّ أَنْظَرَ لَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَعِيبِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْحَطِّ بِلَا عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ، (وَيَأْذَنُ لِعَبْدِهِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ لَيْسَ إذْنًا بِهِ (وَلَا يَتَسَرَّى وَإِنْ أَذِنَ لَهُ) كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ. وَفِي التَّلْوِيحِ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ (وَلَا يُزَوِّجُ رَقِيقَهُ وَلَا يُكَاتِبُهُ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ التِّجَارَةِ (وَلَا يُعْتِقُ) لِأَنَّهُ فَوْقَ الْكِتَابَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى مَالٍ أَوْ لَا، (وَلَا يُقْرِضُ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً (وَلَا يَهَبُ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مَحْضٌ (مُطْلَقًا) أَيْ بِعِوَضٍ أَوْ لَا (وَلَا يُبْرِئُ) لِأَنَّهُ كَالْهِبَةِ (وَلَا يَكْفُلُ) لِكَوْنِهِ ضَرَرًا مَحْضًا (مُطْلَقًا) أَيْ لَا بِالنَّفْسِ وَلَا بِالْمَالِ (دَيْنٌ وَجَبَ بِتِجَارَتِهِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ (أَوْ بِمَا هُوَ بِمَعْنَاهَا) كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ إذَا حَابَى فِي مَرَضِ الْمَوْتِ اُعْتُبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ فَمِنْ جَمِيعِ مَا يَبْقَى بَعْدَ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَا فِي يَدِهِ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي أَدِّ جَمِيعَ الْمُحَابَاةِ وَإِلَّا فَرُدَّ الْمَبِيعَ كَمَا فِي الْحُرِّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَا تَصِحُّ مُحَابَاةُ الْعَبْدِ إلَّا مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَوْلَى سَوَاءٌ الْفَاحِشُ وَغَيْرُ الْفَاحِشِ مِنْ الْمُحَابَاةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ،. وَفِي النِّهَايَةِ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا (قَوْلُهُ وَيَأْخُذُهَا مُزَارَعَةً وَيَشْتَرِي بَذْرًا يَزْرَعُهُ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لَهَا بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَأَنَّهُ أَنْفَعُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ بِالدَّرَاهِمِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ يَلْزَمُهُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْخَارِجُ، وَهَهُنَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً وَلَوْ بِبَذْرٍ مِنْ قِبَلِهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَيُشَارِكُ عِنَانًا لِأَنَّهَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوَضَةً؛ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا اهـ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ شَرِكَةُ الْعِنَانِ إنَّمَا تَصِحُّ مِنْهُ إذَا اشْتَرَكَ الشَّرِيكَانِ مُطْلَقًا عَنْ ذِكْرِ الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ، أَمَّا لَوْ اشْتَرَكَ الْعَبْدَانِ الْمَأْذُونَانِ شَرِكَةَ عِنَانٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ مِنْ ذَلِكَ النَّسِيئَةُ وَجَازَ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ فِي النَّسِيئَةِ مَعْنَى الْكَفَالَةِ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا الْمَوْلَيَانِ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَاهُ بِالْكَفَالَةِ أَوْ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَلَا تَجُوزُ الْمُفَاوَضَةُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إذْنَ الْمَوْلَى بِالْكَفَالَةِ لَا يَجُوزُ فِي التِّجَارَاتِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا إذَا أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ، وَإِنْ فِي مَرَضِهِ قُدِّمَ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي الْحُرِّ (قَوْلُهُ كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) لَكِنَّهُ لَمْ يَخُصَّهُ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ وَغَصْبٍ الْوَدِيعَةٍ، ثُمَّ قَالَ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ لِلزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا اهـ. (قَوْلُهُ وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا) احْتِرَازٌ بِهِ عَمَّا سِوَى الْمَأْكُولَاتِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالثِّيَابِ إلَّا أَنْ يَهَبَ مَا لَا يُسَاوِي دِرْهَمًا وَإِنْ أَجَازَ الْمَوْلَى هِبَتَهُ صَحَّتْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَمْلِكُ التَّصَدُّقَ بِالْفَلْسِ وَالرَّغِيفِ وَبِالْفِضَّةِ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ (قَوْلُهُ وَيُضَيِّفُ مَنْ يُطْعِمُهُ) الْمُرَادُ ضِيَافَةً يَسِيرَةً اسْتِحْسَانًا، وَالضِّيَافَةُ الْعَظِيمَةُ مُبْقَاةٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مَا رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ عَلَى قَدْرِ مَالِ التِّجَارَةِ إنْ كَانَ عَشَرَةً فَاِتَّخَذَ ضِيَافَةً بِمِقْدَارِ دَانَقٍ فَذَاكَ كَثِيرٌ عُرْفًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَيَأْذَنُ لِعَبْدِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) لَمْ أَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ فِيهِ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ الْكَنْزِ وَلَا يُكَاتِبُ وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا هُوَ فَوْقَهُ. . اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ لَيْسَ إذْنًا لَهُ) يَعْنِي بِهِ (قَوْلُهُ وَلَا يُكَاتِبُهُ) أَيْ لَا يُكَاتِبُ رَقِيقَهُ فَإِنْ فَعَلَ وَأَجَازَهُ الْمَوْلَى صَارَ مُكَاتِبًا لَهُ، وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لِعَبْدِهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُعْتِقُ مُطْلَقًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ أُعْتَقَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَأَجَازَهُ الْمَوْلَى نَفَذَ وَيَكُونُ قَبْضُ الْبَدَلِ إلَيْهِ لَوْ كَانَ الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ. اهـ. وَلَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَجَازَ الْمَوْلَى الْعِتْقَ جَازَ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ لِغُرَمَاءِ الْمَأْذُونِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ

وَاسْتِئْجَارٍ وَغُرْمٍ الْوَدِيعَةٍ وَغَصْبٍ وَأَمَانَةٍ جَحَدَهَا وَعُقْرٍ وَجَبَ بِوَطْءِ مُشْتَرِيَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ (يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ وَالْمَهْرِ وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، (يُبَاعُ فِيهِ إنْ حَضَرَ مَوْلَاهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى، وَقَالَ شُرَّاحُهُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْ الْغَائِبِ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ هُوَ الْمَوْلَى فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ نَائِبِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْكَسْبِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَصْمٌ فِيهِ (وَيَقْسِمُ ثَمَنَهُ بِالْحِصَصِ) ، وَيَتَعَلَّقُ (بِكَسْبِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ، (وَ) يَتَعَلَّقُ (بِمَا اتَّهَبَ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) أَيْ مَوْلَاهُ هَذَا قَيْدٌ لِلْكَسْبِ وَالِاتِّهَابِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ تَعَلُّقِهِ بِالْكَسْبِ وَتَعَلُّقِهِ بِالرَّقَبَةِ، فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَلَكِنْ يَبْدَأُ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْكَسْبِ لِإِمْكَانِ تَوْفِيرِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ مَعَ تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْكَسْبُ يُسْتَوْفَى مِنْ الرَّقَبَةِ كَذَا فِي الْكَافِي (لَا) أَيْ لَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ (بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ مَوْلَاهُ قَبْلَ الدَّيْنِ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْخُلُوصِ لَهُ، (وَيُطَالَبُ بِبَاقِيهِ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِتَقَرُّرِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الرَّقَبَةِ، وَلَا يُبَاعُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ عَنْ شِرَائِهِ فَيُؤَدِّي إلَى امْتِنَاعِ الْبَيْعِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَتَضَرَّرُ الْغُرَمَاءُ، (وَلِمَوْلَاهُ أَخْذُ غَلَّةِ مِثْلِهِ بِوُجُودِ دَيْنِهِ وَمَا زَادَ لِلْغُرَمَاءِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْمَوْلَى يَأْخُذُ مِنْ الْعَبْدِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَثَلًا قَبْلَ لُحُوقِ الدَّيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ لُحُوقِهِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْخُذَ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فِي الْكَسْبِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْعَ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ يَتَعَلَّقُ بِمَكَاسِبِهِ، وَلَا تَحْصُلُ الْمَكَاسِبُ إلَّا بِبَقَاءِ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَلَوْ مُنِعَ مِنْ أَخْذِ الْغَلَّةِ بِحَجْرٍ عَلَيْهِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاكْتِسَابِ وَلَوْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ غَلَّةِ مِثْلِهِ رَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِتَقَدُّمِ حَقِّهِمْ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهَا (وَيَنْحَجِرُ بِحَجْرِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْمَوْلَى لَهُ حَجَرْتُك عَنْ التَّصَرُّفِ أَوْ إيصَالِ خَبَرِ حَجْرِهِ إلَيْهِ (إنْ عَلِمَ أَكْثَرُ أَهْلِ سُوقِهِ) حَتَّى لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَنْحَجِرُ إذْ الْمُعْتَبَرُ اشْتِهَارُ الْحَجْرِ وَشُيُوعُهُ فَيُقَامُ ذَلِكَ مُقَامَ الظُّهُورِ عِنْدَ الْكُلِّ هَذَا إذَا كَانَ الْإِذْنُ شَائِعًا، أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ إلَّا الْعَبْدُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ بِمَعْرِفَتِهِ يَنْحَجِرُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ (وَ) يَنْحَجِرُ أَيْضًا (بِإِبَاقِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَرْضَى بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَتِهِ عَادَةً، فَكَانَ حَجْرًا عَلَيْهِ دَلَالَةً (وَمَوْتِ مَوْلَاهُ وَجُنُونِهِ مُطْبَقًا وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) عَلِمَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا وَمَا لَا يَكُونُ لَازِمًا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ يَكُونُ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ ابْتِدَاءً فِي كُلِّ سَاعَةٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ فَتَرَكَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كَإِنْشَاءِ الْإِذْنِ فِيهِ، فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْأَهْلِيَّةِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ زَالَتْ بِالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ وَبِاللَّحَاقِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مَوْتٌ حُكْمًا حَتَّى يَعْتِقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ فَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي ضِمْنِ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُبَاعُ فِيهِ إنْ حَضَرَ مَوْلَاهُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي بِدَيْنِهِمْ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْحُرَّ الْعَاقِلَ لَا يُحْجَرُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ حَتَّى لَا يَبِيعَ الْقَاضِي مَا لَهُ بِدُونِ رِضَاهُ، وَقَيَّدُوا هَهُنَا فِي حَوَاشِي الْكِتَابِ الْمَقْرُوءِ عَلَى الْأَسَاتِذَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ أَيْ يُجْبَرُ الْقَاضِي الْمَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ هَلْ لِهَذَا الْقَيْدِ وَجْهُ صِحَّةٍ أَمْ لَا. قُلْت لَيْسَ لِهَذَا الْقَيْدِ وَجْهُ صِحَّةٍ أَصْلًا بَلْ يَبِيعُ الْقَاضِي الْعَبْدَ هَهُنَا بِدُونِ رِضَا الْمَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذِهِ الْقُيُودِ لِلتَّسَاهُلِ وَقِلَّةِ الْمُطَالَعَةِ فِي كُتُبِ السَّلَفِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كِتَابِي هَذَا إلَّا لِمَعْرِفَةِ بُطْلَانِ هَذَا الْقُيُودِ لَكَفَى بِهِ مَغْنَمًا، وَعُدَّ لِطَرِيقِ الصَّوَابِ مَعْلَمًا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهَا: وَلَيْسَ فِي بَيْعِ الْمَأْذُونِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى حَجْرٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَبْلَ ذَلِكَ مَحْجُورٌ عَنْ بَيْعِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ يَبِيعُهَا الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ. اهـ قُلْت فَإِطْلَاقُ بَيْعِ الْقَاضِي أَوَّلًا مُقَيَّدٌ بِمَا لَمْ يَبِعْ الْمَوْلَى حِينَ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّرِكَةِ اهـ (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ سُوقِهِ) هَذَا فِي الْحَجْرِ الْقَصْدِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَيْ بِقَوْلِ الْمَوْلَى لَهُ حَجَرْتُك. . . إلَخْ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْحَجْرِ ضِمْنًا فَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ أَكْثَرِ أَهْلِ سُوقِهِ وَلَا عِلْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي السُّوقِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَنْحَجِرُ) فِيهِ تَسَامُحٌ بَلْ الْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ كَمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ وَيَبْقَى مَأْذُونًا وَلَوْ فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَ مِنْ الْأَقَلِّ حَجْرَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَبِإِبَاقِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ (قَوْلُهُ وَجُنُونِهِ مُطْبَقًا) قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا كَانَ الْجُنُونُ دُونَ السَّنَةِ فَلَيْسَ بِمُطْبَقٍ وَالسَّنَةُ وَمَا فَوْقَهَا مُطْبَقٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَصَاعِدًا مُطْبَقٌ وَمَا دُونَهُ فَلَيْسَ بِمُطْبَقٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ عَلِمَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) كَذَا حُكْمُ أَهْلِ سُوقِهِ

وَاسْتِيلَادِهَا) ، أَيْ تُحْجَرُ الْأَمَةُ الْمَأْذُونَةُ بِاسْتِيلَادِهَا فَإِنَّهُ يُحْسِنُهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَيَكُونُ الِاسْتِيلَادُ دَلَالَةَ الْحَجْرِ عَادَةً (لَا بِالتَّدْبِيرِ) أَيْ إذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَدَبَّرَهَا الْمَوْلَى فَهِيَ مَأْذُونٌ لَهَا عَلَى حَالِهَا لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْحَجْرِ إذْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ (وَضَمِنَ) أَيْ الْمَوْلَى (بِهِمَا) بِالِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ (قِيمَتَهُمَا) لِلْغُرَمَاءِ لِإِتْلَافِهِ مَحَلًّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ إذْ بِهِمَا يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَبِهِ كَانَ يَقْضِي حُقُوقَهُمْ. (أَقَرَّ) أَيْ الْمَأْذُونُ (بَعْدَ حَجْرِهِ أَنَّ مَا مَعَهُ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ أَوْ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ صَحَّ) إقْرَارُهُ، وَيَقْضِي مِمَّا فِي يَدِهِ، وَقَالَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مُصَحِّحَ إقْرَارِهِ إنْ كَانَ الْإِذْنُ فَقَدْ زَالَ بِالْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْيَدُ فَالْحَجْرُ أَبْطَلَهَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَلَهُ أَنَّ الْمُصَحِّحَ هُوَ الْيَدُ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ فِيمَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ يَدِهِ، وَالْيَدُ بَاقِيَةٌ حَقِيقَةً، وَشَرْطُ بُطْلَانِهَا بِالْحَجْرِ حُكْمًا فَرَاغُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْإِكْسَابِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَإِقْرَارُهُ دَلِيلُ تَحَقُّقِهَا (أَحَاطَ دَيْنَهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ لَمْ يَمْلِكْ مَوْلَاهُ مَا مَعَهُ، فَلَمْ يُعْتَقْ عَبْدٌ كَسَبَهُ بِإِعْتَاقِ مَوْلَاهُ) ، وَقَالَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى فَيُعْتَقُ الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي كَسْبِهِ، وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَتِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ وَوَطْءَ الْمَأْذُونِ لَهَا، وَهُوَ دَلِيلُ كَمَالِ الْمِلْكِ، وَلَهُ أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى إنَّمَا يَثْبُتُ خِلَافُهُ عَنْ الْعَبْدِ عِنْدَ فَرَاغِهِ عَنْ حَاجَتِهِ، وَالْمُحِيطُ بِهِ الدَّيْنُ مَشْغُولٌ بِهَا فَلَا يَخْلُفُهُ فِيهِ، وَالْعِتْقُ وَعَدَمُهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ (وَعَتَقَ إنْ لَمْ يُحِطْ) أَيْ دَيْنُهُ بِمَالِهِ وَرَقَبَتِهِ بِلَا خِلَافٍ. أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ قَلِيلِ دَيْنٍ فَلَوْ جَعَلَ مَانِعًا لَانْسَدَّ بَابُ الِانْتِفَاعِ بِكَسْبِهِ فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِذْنِ (وَيَبِيعُ مِنْ مَوْلَاهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَا يَبِيعُ مِنْهُ بِنُقْصَانٍ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ مَوْلَاهُ، (وَ) يَبِيعُ (مَوْلَاهُ) مِنْهُ (بِهِ) أَيْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ (وَبِالْأَقَلِّ) ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَسْبِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا مَرَّ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ، (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَوْلَى (حَبْسُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ (بِالثَّمَنِ) أَيْ بِمُقَابَلَةِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْيَدِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ إلَيْهِ الثَّمَنُ فَيَبْقَى مِلْكُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ، وَلِهَذَا كَانَ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ (وَلَوْ بَاعَ) الْمَوْلَى مِنْهُ بِالْأَكْثَرِ (حَطَّ الزَّائِدَ أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ) أَيْ يُؤْمَرُ مَوْلَاهُ بِإِزَالَةِ الْمُخَابَأَةِ أَوْ فَسْخِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ، (وَيَبْطُلُ) أَيْ الثَّمَنُ (لَوْ سَلَّمَ) أَيْ مَوْلَاهُ (الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ الثَّمَنِ فَلَا يُطَالَبُ الْعَبْدُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ الْمَبِيعَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ، وَلَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ فَخَرَجَ مَجَّانًا (صَحَّ إعْتَاقُهُ) أَيْ إعْتَاقُ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ (مَدْيُونًا) لِبَقَاءِ مِلْكِهِ (وَضَمِنَ) الْمَوْلَى لِلْغُرَمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ تُحْجَرُ الْأَمَةُ الْمَأْذُونَةُ بِالِاسْتِيلَادِ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَتَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِمَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ، أَمَّا إذَا اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ قَالَ لَا أُرِيدُ الْحَجْرَ عَلَيْهَا بَقِيَتْ عَلَى إذْنِهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ أَيْ إذَا اسْتَدَانَتْ الْأَمَةُ الْمَأْذُونَةُ. . . إلَخْ) إنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي أَكْثَرِ مِنْ قِيمَتِهَا لِتَظْهَرَ الْفَائِدَةُ فِي أَنَّ الْمَوْلَى يَضْمَنُ قِيمَتَهَا دُونَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ أَقَرَّ بَعْدَ حَجْرِهِ أَنَّ مَا مَعَهُ أَمَانَةٌ أَوْ غَصْبٌ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَا مَعَهُ حَصَلَ بِمِثْلِ احْتِطَابٍ لِمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ حَصَلَ لَهُ بِالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ فَأَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ لَا يُصَدَّقُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ أَوْ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَيَقْضِي مِمَّا فِي يَدِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إقْرَارُهُ إلَى رَقَبَتِهِ حَتَّى إذَا لَمْ يَفِ مَا فِي يَدِهِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ إقْرَارٍ لَا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِيهِ إجْمَاعًا وَمَحَلُّ صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَجْرِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِالْإِذْنِ يَسْتَغْرِقُ مَا فِي يَدِهِ إذْ لَوْ كَانَ لَا يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَأَنْ لَا يَكُونَ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ بَعْدَ أَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَا يُصَدَّقُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَا لَا يَصِحُّ) يَعْنِي حَالًا، وَهُوَ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُعْتَقْ عَبْدٌ كَسَبَهُ بِإِعْتَاقِ مَوْلَاهُ. . . إلَخْ) كَذَا الْخِلَافُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَ عَبْدِ مَأْذُونِهِ فَيَثْبُتُ مِنْهُ كَمَا يُعْتَقُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ عِنْدَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ حَطَّ الزَّائِدَ أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ) هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِحِصَّةِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ فَلَا تَخْيِيرَ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْمَوْلَى مِنْهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ يَكُونُ الْعَقْدُ فَاسِدًا أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُمَا خَيَّرَاهُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَرَفْعِ الْغَبْنِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ بَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى جَازَ الْبَيْعُ فَاحِشًا كَانَ الْغَبْنُ أَوْ يَسِيرًا، وَلَكِنْ يُخَيَّرُ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِهِمَا وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ وَالْيَسِيرُ سَوَاءٌ عِنْدَهُ كَقَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ أَيْ الثَّمَنُ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْ الثَّمَنِ إذْ لَوْ كَانَ عَرَضًا يَكُونُ الْمَوْلَى أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ مَدْيُونًا) أَطْلَقَ الدَّيْنَ فَشَمَلَ مَا كَانَ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَالْغَصْبِ وَجُحُودِ الْوَدِيعَةِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمَوْلَى بِالدَّيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إعْتَاقُهُ

(الْأَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَقِيمَتِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ يَضْمَنُ الدَّيْنَ إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ إلَّا فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ عَكَسَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ إذَا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِالرَّقَبَةِ، وَهُوَ أَتْلَفَهَا (وَذَا) أَيْ الْمَأْذُونُ ضَمِنَ (فَضْلَ دَيْنِهِ عَلَى قِيمَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَزِمَ الْمَوْلَى إلَّا بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ ضَمَانًا فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَيْهِ كَمَا كَانَ. (بَيْعُ عَبْدٍ مَأْذُونٍ) لَهُ (مُحِيطٍ دَيْنُهُ بِرَقَبَتِهِ وَغَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي) بَعْدَ أَنْ قَبَضَ، (أَجَازَ الْغَرِيمُ) أَيْ خُيِّرَ الْغَرِيمُ إنْ شَاءَ أَخَذَ (بَيْعَهُ وَلَهُ ثَمَنُهُ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَالْإِجَازَةُ اللَّاحِقَةُ كَالْإِذْنِ السَّابِقِ، (أَوْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْعَبْدِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ الْمَوْلَى دَيْنَهُ، وَالْبَائِعُ مُتْلِفٌ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ وَالتَّغْيِيبِ فَيُخَيَّرُ فِي التَّضْمِينِ (فَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْهُ كَأَخْذِ الْعَيْنِ (وَإِنْ ضَمِنَ الْبَائِعُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي وَتَمَّ الْبَيْعُ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ، (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ مَا ضَمِنَ الْبَائِعُ (إنْ رَدَّ) أَيْ الْعَبْدَ (عَلَى مَوْلَاهُ بِعَيْبٍ رَجَعَ) أَيْ مَوْلَاهُ (عَلَى الْغَرِيمِ بِقِيمَتِهِ، وَعَادَ حَقُّهُ) أَيْ حَقُّ الْغَرِيمِ (فِي الْعَبْدِ) لِارْتِفَاعِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ فَصَارَ كَالْغَاصِبِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ وَضَمِنَ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمَالِكِ وَيَسْتَرِدَّ الْقِيمَةَ. كَذَا هُنَا كَذَا فِي الْكَافِي (وَأَيُّهُمَا اخْتَارَ تَضْمِينَهُ بَرِئَ الْآخَرُ) حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نُوِيَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ الَّذِي اخْتَارَهُ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَيْنِ شَيْئَانِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْآخَرَ، (وَلَوْ ظَهَرَ) أَيْ عَبْدُ الْمُغَيَّبِ (بَعْدَ التَّضْمِينِ) أَيْ بَعْدَمَا اخْتَارَ تَضْمِينَ أَحَدِهِمَا (لَا سَبِيلَ لَهُ) أَيْ لِلْغَرِيمِ (عَلَيْهِ) أَيْ الْعَبْدِ (إنْ قُضِيَ لَهُ) بِالْقِيمَةِ (بَيِّنَةٌ أَوْ نُكُولٌ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ تَحَوَّلَ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ، (لَوْ) قُضِيَ لَهُ بِالْقِيمَةِ (يَقُولُ الْخَصْمُ مَعَ يَمِينِهِ، وَقَدْ ادَّعَى الْغَرِيمُ أَكْثَرَ مِنْهُ) فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ (رَضِيَ بِالْقِيمَةِ أَوْ رَدَّهَا وَأَخَذَ الْعَبْدَ) فَبِيعَ لَهُ إذْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ تَمَامُ حَقِّهِ بِزَعْمِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، (وَإِنْ بَاعَهُ مُعْلِمًا دَيْنَهُ فَلِلْغَرِيمِ رَدُّ بَيْعِهِ إنْ لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِ ثَمَنَهُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفِ بِهِ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ كَيْفَ كَانَ، (وَإِنْ وَفَّى) ثَمَنَهُ بِدَيْنِهِ (وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَا) أَيْ لَيْسَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ (وَلَا يُخَاصِمُ الْغَرِيمُ مُشْتَرِيًا يُنْكِرُ دَيْنَهُ إنْ غَابَ بَائِعُهُ) يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ عَكَسَ ضَمِنَ الْقِيمَةَ) يَعْنِي بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ كَانَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ قِنًّا، أَمَّا لَوْ كَانَ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِمَا اسْتِيفَاءً بِالْبَيْعِ فَصَارَتْ مَسْأَلَةُ الْمَدْيُونِ مُخَالِفَةً لِإِعْتَاقِ الْجَانِي مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ وَمِقْدَارُ الضَّمَانِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. (قَوْلُهُ بَيْعُ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَنْ قَالَ فَإِنْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ ضَمَّنُوا الْبَائِعَ فِيمَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَا يَفِي بِدُيُونِهِمْ بِدُونِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ، وَالدَّيْنُ حَالٌّ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ أَيْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ بَلْ بِمَا أَدَّاهُ لِلْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْقِيمَةِ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَيْ بَعْدَ مَا ضَمِنَ الْبَائِعُ إنْ رَدَّ عَلَى مَوْلَاهُ بِعَيْبٍ رَجَعَ عَلَى الْغَرِيمِ بِقِيمَتِهِ) . قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُطْلَقًا أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَا إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ وَإِنْ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَلَا سَبِيلَ لِلْغُرَمَاءِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا لِلْمَوْلَى عَلَى الْقِيمَةِ. اهـ. قُلْت هَذَا مَعَ حُسْنِهِ لَا يَخْفَى مَا فِي لَفْظِهِ إذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ أَنَّ الصُّورَةَ فِيمَا إذَا غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي وَلَيْسَ إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لِقَوْلِهِ مُطْلَقًا لِيُقَابِلَهُ بِقَوْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِقَضَاءٍ. (قَوْلُهُ وَأَيُّهُمَا) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي اخْتَارَ الْغَرِيمُ تَضْمِينَهُ مِنْهُمَا بَرِئَ الْآخَرُ (قَوْلُهُ وَلَوْ ظَهَرَ الْعَبْدُ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ) قَالَ فِيهَا عَقِبَهُ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَغْصُوبِ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَحَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ: الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَغْصُوبِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ تَظْهَرَ الْعَيْنُ وَقِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُنَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَدَّعِيَ الْغُرَمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ حَقُّهُمْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِمْ بِزَعْمِهِمْ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ تَكُونُ غَيْرَ مُطَابِقَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ أَوْ أَقَلَّ فَلَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ إذَا ظَهَرَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِنَ فَلَا يَكُونُ الْمَذْكُورُ هُنَا مُخَلِّصًا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَهُ مُعْلِمًا دَيْنَهُ) فَائِدَةُ الْإِعْلَامِ بِالدَّيْنِ سُقُوطُ خِيَارِ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ بِعَيْبِ الدَّيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ. (قَوْلُهُ فَلِلْغَرِيمِ رَدُّ بَيْعِهِ إنْ لَمْ يَفِ بِدَيْنِهِ) يَعْنِي لَوْ كَانَ حَالًّا فَأَمَّا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَرِيمِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِطَلَبِهِمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَفَّى ثَمَنَهُ بِدَيْنِهِ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الْبَيْعِ لَا) قَيَّدَ عَدَمَ رَدِّ الْغَرِيمِ بِقَيْدَيْنِ وَالثَّانِي مِنْهُمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ لَا اعْتِرَاضَ لِلْغَرِيمِ سَوَاءٌ حَابَى الْمَوْلَى أَوْ لَا.

[كتاب الوكالة]

لَوْ بَاعَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي خَصْمًا لِلْغَرِيمِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ فَسْخَ الْعَقْدِ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ الْفَسْخُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَالْحَاضِرُ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْهُ. (اشْتَرَى عَبْدٌ وَبَاعَ سَاكِتًا عَنْ إذْنِهِ وَحَجْرِهِ فَهُوَ مَأْذُونٌ) يَعْنِي أَنَّ عَبْدًا إذَا قَدِمَ مِصْرًا فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُخْبِرَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ فَيُصَدَّقُ اسْتِحْسَانًا عَدْلًا كَانَ أَوْ لَا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى مِنْهُ، وَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» . وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوا ذَلِكَ، وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ يَخُصُّ بِهَا الْأَثَرَ وَيَتْرُكُ الْقِيَاسَ فِيهِ وَالنَّظَرَ. وَثَانِيهِمَا أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَلَا يُخْبِرُ بِشَيْءٍ وَالْقِيَاسُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَثْبُتَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمَلٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَثْبُتُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ مَا أَمْكَنَ، وَلَا يَثْبُتُ الْجَوَازُ إلَّا بِالْإِذْنِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُعَامَلَاتِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ (وَلَا يُبَاعُ لِدَيْنِهِ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ) ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ رِضًا بِبَيْعِ رَقَبَةِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ (أَوْ أَثْبَتَهُ) أَيْ الْإِذْنَ (الْغَرِيمُ) يَعْنِي إنْ قَالَ الْمَوْلَى هُوَ مَحْجُورٌ، فَالْقَوْلُ لَهُ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ فَلَا يُبَاعُ إلَّا إذَا أَثْبَتَ الْغَرِيمُ إذْنَهُ فَحِينَئِذٍ يُبَاعُ. . (وَ) النَّوْعُ الثَّانِي (إذْنُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ) الْعَتَهُ اخْتِلَالٌ فِي الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيَشْتَبِهُ تَارَةً بِكَلَامِ الْعُقَلَاءِ وَالْأُخْرَى بِكَلَامِ الْمَجَانِينِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ مَعَ الْعَقْلِ (وَهُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِثْبَاتُ الْوِلَايَةِ لَهُمَا، وَتَصَرُّفُهُمَا إنْ نَفَعَ كَالْإِسْلَامِ وَالِاتِّهَابِ صَحَّ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الْإِذْنِ، (وَإِنْ ضَرَّ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَا وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (إذْنًا بِهِ وَمَا نَفَعَ) تَارَةً (وَضَرَّ) أُخْرَى (كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ صَحَّ بِهِ) أَيْ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ يُشْبِهُ الْبَالِغَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ، وَيُشْبِهُ طِفْلًا لَا عَقْلَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْخِطَابُ وَفِي عَقْلِهِ قُصُورٌ وَلِلْغَيْرِ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ، فَأُلْحِقَ بِالْبَالِغِ فِي النَّافِعِ الْمَحْضِ وَبِالطِّفْلِ فِي الضَّارِّ الْمَحْضِ وَفِي الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا بِالطِّفْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ، وَبِالْبَالِغِ عِنْدَ الْإِذْنِ لِرُجْحَانِ جِهَةِ النَّفْعِ عَلَى الضَّرَرِ بِدَلَالَةِ الْإِذْنِ، وَلَكِنْ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مُنْعَقِدًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِصَيْرُورَتِهِ مُهْتَدِيًا إلَى وُجُوهِ التِّجَارَاتِ حَتَّى وَلَوْ بَلَغَ فَأَجَازَهُ نَفَذَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ، وَقَدْ صَارَ وَلِيًّا بِنَفْسِهِ (وَشَرَطَ لِصِحَّتِهِ) أَيْ الْإِذْنِ (أَنْ يَعْقِلَا الْبَيْعَ سَالِبًا لِلْمِلْكِ) عَنْ الْبَائِعِ (وَالشِّرَاءَ جَالِبًا لَهُ) أَيْ لِلْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي (الْوَلِيُّ الْأَبُ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْجَدُّ) أَبُو الْأَبِ (ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْقَاضِي أَوْ وَصِيُّهُ) دُونَ الْأُمِّ أَوْ وَصِيِّهَا، وَقَدْ سَبَقَ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ الْوَلِيِّ (وَلَوْ أَقَرَّا) أَيْ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ (لِإِنْسَانٍ بِمَا مَعَهُمَا مِنْ الْكَسْبِ وَالْإِرْثِ) يَعْنِي أَقَرَّا أَنَّ مَا وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا لِفُلَانٍ (صَحَّ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيمَا وَرِثَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ فِي كَسْبِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي التِّجَارَاتِ وَلَا حَاجَةَ فِي الْمَوْرُوثِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ الْتَحَقَ بِالْبَالِغِ وَكُلٌّ مِنْ الْمَالَيْنِ مِلْكُهُ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ فِيهِمَا. (كِتَابُ الْوَكَالَةِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْإِذْنِ مَعْنَى الرِّضَا بِتَصَرُّفِ الْغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ وَصِيُّهُ ثُمَّ الْقَاضِي) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ وَصِيُّ جَدِّهِ ثُمَّ الْمَوَالِي ثُمَّ الْقَاضِي. اهـ. [كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

وَهِيَ لُغَةً الْحِفْظُ وَمِنْهُ الْوَكِيلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا قُلْنَا فِيمَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي مَالِي يَمْلِكُ الْحِفْظَ فَقَطْ، وَقِيلَ التَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ وَالِاعْتِمَادِ، وَمِنْهُ التَّوَكُّلُ يُقَالُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا أَيْ فَوَّضْنَا أُمُورَنَا وَسَلَّمْنَا، وَعَلَى هَذَا (التَّوْكِيلُ) لُغَةً تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ وَشَرْعًا (تَفْوِيضُ التَّصَرُّفِ) فِي أَمْرِهِ (إلَى غَيْرِهِ) وَإِقَامَتِهِ مُقَامَهُ (وَالرِّسَالَةُ تَبْلِيغُ الْكَلَامِ إلَى الْغَيْرِ) بِلَا دَخْلٍ فِي التَّصَرُّفِ، (وَشَرْطُ جَوَازِهِ كَوْنُ الْمُوَكِّلِ أَهْلَ تَصَرُّفٍ) لَمْ يَقُلْ أَهْلَ التَّصَرُّفِ لِئَلَّا يُفْهَمَ إرَادَةُ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهَا بَاطِلَةٌ لِاسْتِلْزَامِهَا بُطْلَانَ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ كَافِرًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ، (وَ) كَوْنُ (الْوَكِيلِ يَعْقِلُهُ) أَيْ يَعْقِلُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ وَالْفَاحِشَ (وَيَقْصِدُهُ) حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ هَازِلًا لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ، فَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ كَوْنُ الْمُوَكِّلِ أَهْلَ تَصَرُّفٍ بِقَوْلِهِ (فَصَحَّ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ) ، وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْوَكِيلُ يَعْقِلُهُ وَيَقْصِدُهُ بِقَوْلِهِ (وَالْحُرُّ) أَيْ وَيَصِحُّ أَيْضًا تَوْكِيلُ الْحُرِّ (الْبَالِغِ وَالْمَأْذُونِ) عَبْدًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا (مِثْلَهُمَا) ، فَيَتَنَاوَلُ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ (وَصَبِيًّا يَعْقِلُهُ وَعَبْدًا) حَالَ كَوْنِهِمَا (مَحْجُورَيْنِ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي كُلٍّ مِمَّا ذَكَرَ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ هَاهُنَا وَتَرْجِعُ حُقُوقُ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا (وَالتَّوْكِيلُ) عُطِفَ عَلَى تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ (بِكُلِّ مَا يَعْقِدُهُ بِنَفْسِهِ) فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَازِهِ دَفْعًا لِحَاجَتِهِ (لِنَفْسِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا أُمِرَ بِهِ حَتَّى لَوْ صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا جَازَ (وَبِالْخُصُومَةِ) عُطِفَ عَلَى بِكُلٍّ (فِي كُلِّ حَقٍّ) إذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَهْتَدِي إلَى وُجُوهِ الْخُصُومَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْكِيلِ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، (وَلَمْ يَلْزَمْ) أَيْ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَمْ يَقُلْ وَلَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ اتِّفَاقِيٌّ وَالْخِلَافُ فِي اللُّزُومِ (بِلَا رِضَا خَصْمِهِ) الْمُتَأَخِّرُونَ اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ فِي إبَاءِ الْوَكِيلِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَقْبَلُ التَّوْكِيلَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمُوَكِّلِ الْقَصْدَ إلَى الْإِضْرَارِ بِصَاحِبِهِ فِي التَّوْكِيلِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ كَذَا فِي الْكَافِي (إلَّا الْمُوَكِّلُ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ) أَيْ غَائِبٌ مَسَافَةَ ثَلَاثِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا (أَوْ مُرِيدٌ لِلسَّفَرِ) بِأَنْ يَنْظُرَ لِلْقَاضِي فِي حَالِهِ وَفِي عُدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى هَيْئَةُ مَنْ يُسَافِرُ، وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ (أَوْ مُخَدَّرَةٌ) لَمْ تَجْرِ عَادَتُهَا بِالْبُرُوزِ وَحُضُورِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. (وَصَحَّ) أَيْضًا التَّوْكِيلُ (بِإِيفَائِهِ) أَيْ بِإِيفَاءِ كُلِّ حَقٍّ (وَاسْتِيفَائِهِ إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (بِغَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ) عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبُهَاتِ فَلَا يُسْتَوْفَى بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ شُبْهَةٍ (قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَكِيلًا فِي الْحِفْظِ فَقَطْ، وَلَوْ زَادَ جَائِزٌ أَمْرُهُ كَانَ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ. . . إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً تَكُونُ عَيْنًا فَيَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ وَالْحُرِّ الْبَالِغِ) مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ كَافِرًا بِبَيْعِ الْخَمْرِ غَنِيَّةً عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِكَوْنِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ بَالِغًا، وَإِذَا كَانَ لَا يَخْتَصُّ وَصَحَّ تَوْكِيلُ الْبَالِغِ كَافِرًا فَكَذَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الصُّوَرَ الْأَرْبَعَ) لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا انْحِصَارُ الصُّوَرِ فِيمَا ذَكَرَ لِصِحَّةِ تَوْكِيلِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ حُرًّا وَبَالِغًا (قَوْلُهُ وَالتَّوْكِيلُ بِكُلِّ مَا يُقْعِدُهُ بِنَفْسِهِ) يَرُدُّ عَلَيْهِ تَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ، وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُبَاشَرَتُهُ لَهُ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ حَتَّى أَنَّهُ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلْوَكِيلِ لَكِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ. (قَوْلُهُ أَوْ مُخَدَّرَةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْحَيْضُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْحَبْسُ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْقَاضِي الَّذِي تَرَافَعُوا إلَيْهِ اهـ فَامْتَنَعَ الْحَصْرُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. (قَوْلُهُ كَانَ وَكِيلًا فِي الْحِفْظِ فَقَطْ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي فَتَاوَى الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي وَأَقَمْتُك مُقَامَ نَفْسِي لَا تَكُونُ الْوَكَالَةُ عَامَّةً، وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك فِي جَمِيعِ أُمُورِي الَّتِي يَجُوزُ بِهَا التَّوْكِيلُ كَانَتْ الْوَكَالَةُ عَامَّةً تَتَنَاوَلُ الْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةَ وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَامَّةً يُنْظَرُ إنْ كَانَ الرَّجُلُ يَخْتَلِفُ لَيْسَ لَهُ صِنَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ تَاجِرًا تِجَارَةً مَعْرُوفَةً تَنْصَرِفُ إلَيْهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ جَائِزٌ أَمْرُهُ كَانَ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) أَقُولُ هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ كَلَامِ الصُّغْرَى الَّذِي غَيَّاهُ بِظُهُورِ غَيْرِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي غَيْرُهُ وَهُوَ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ أَمْرُك يَصِيرُ وَكِيلًا فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِعْتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَقْفِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَمْلِكُ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ لَفْظِ التَّعْمِيمِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا إذَا دَلَّ دَلِيلُ سَابِقَةِ الْكَلَامِ وَنَحْوُهُ بِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ إذَا قَالَ أَنْتَ وَكِيلِي فِي كُلِّ شَيْءٍ جَائِزٌ صُنْعُك رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالْإِعْتَاقِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ وَكِيلٌ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لَا فِي الْهِبَاتِ وَالْإِعْتَاقِ قَالَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهَذَا قَرِيبٌ

لَوْ زَادَ جَائِزٌ أَمْرُهُ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي الْحِفْظِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَتَقَاضِي دُيُونِهِ وَحُقُوقِهِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ التَّصَرُّفَ عَامًّا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَيَمْلِكُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ صَنِيعَهُ وَهَذَا مِنْ صَنِيعِهِ ثُمَّ، قَالَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ جَازَ فَيُفْتَى بِهَذَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ (حُقُوقُ عَقْدٍ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ (يُضِيفُهُ الْوَكِيلُ إلَى نَفْسِهِ) فِي عُرْفِ أَهْلِ الْمُعَامَلَةِ (كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ عَنْ إقْرَارٍ) أَمْثِلَةٌ لِلْعَقْدِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ يَقُولُ بِعْت هَذَا مِنْك وَلَا يَقُولُ بِعْت هَذَا مِنْك مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَقُولُ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْك وَلَا يَقُولُ لِأَجْلِ فُلَانٍ (تَتَعَلَّقُ) أَيْ تِلْكَ الْحُقُوقُ (بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ الْوَكِيلُ (مَحْجُورًا) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ فَإِنَّ تَوْكِيلَهُمَا جَائِزٌ لَكِنَّ حُقُوقَ عَقْدِهِمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَمَثَّلَ حُقُوقَ الْعَقْدِ بِقَوْلِهِ (كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ) إنْ وُكِّلَ بِالْبَيْعِ (وَقَبْضِهِ) إنْ وُكِّلَ بِالشِّرَاءِ (وَقَبْضِ ثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ مَبِيعِهِ (وَالْمُطَالَبَةِ بِثَمَنِ مُشْتَرِيهِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُطَالِبُهُ الْبَائِعُ بِثَمَنِهِ (وَالرُّجُوعِ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ (عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ) أَيْ اسْتِحْقَاقِ مَا بَاعَ أَوْ رُجُوعِهِ هُوَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ مَا اشْتَرَى (وَالْمُخَاصِمَةِ) أَيْ يُخَاصِمُ، وَيُخَاصَمُ (فِي شُفْعَةِ مَا بِيعَ وَفِي الْعَيْبِ فَيَرُدُّهُ) أَيْ الْمَعِيبَ إلَى الْبَائِعِ (لَوْ) كَانَ (بِيَدِهِ وَبَعْدَ تَسْلِيمِهِ إلَى الْمُوَكِّلِ) يَرُدُّهُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ إذْنِ الْمُوَكِّلِ (وَلِلْمُشْتَرِي مَنْعُ الثَّمَنِ مِنْ مُوَكِّلِ بَائِعِهِ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ الْمُوَكِّلُ طَلَبَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي لَهُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ كَمَا بَيَّنَّا (وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (صَحَّ وَلَا يُطَالِبُهُ بَائِعُهُ) ، يَعْنِي الْوَكِيلَ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ حَقُّهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي نَزْعِهِ مِنْهُ، ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي لِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَى مُسْتَحِقِّيهِ (وَالْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً لَكِنَّ خِلَافَهُ عَنْ الْوَكِيلِ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَمَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحُقُوقُ رَاجِعَةً إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْمِلْكِ فَأَجَابَ عَنْهُ بِهَذَا، وَقَالَ نَعَمْ الْمِلْكُ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً لَكِنْ يَثْبُتُ لَهُ خِلَافُهُ عَنْ الْوَكِيلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوَكِيلَ خَلَفٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ اسْتِفَادَةِ التَّصَرُّفِ، وَالْمُوَكِّلُ خَلَفٌ عَنْ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ كَالْعَبْدِ إذَا قَبِلَ الْهِبَةَ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمَوْلَى ابْتِدَاءً، (وَقِيلَ) الْمِلْكُ يَثْبُتُ (لِلْوَكِيلِ لَكِنْ لَا يَتَقَرَّرُ) بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُوَكِّلِ بِلَا مُهْلَةٍ (وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَا يُعْتَقُ قَرِيبٌ شَرَاهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (عُرْسَهُ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ) أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَمْلِكْ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعِتْقَ وَفَسَادَ النِّكَاحِ يَقْتَضِيَانِ تَقَرُّرَ الْمُلَّكِ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدَا لَمْ يَحْصُلَا وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ، وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُقَرَّرُ وَالْمُجْتَهِدُ غَيْرُ غَافِلٍ، وَإِنَّمَا فَرَّعَهُمَا الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَصَحُّ عِنْدَهُمْ (وَحُقُوقُ عَقْدٍ يُضِيفُهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (إلَى الْمُوَكِّلِ كَنِكَاحٍ وَخُلْعٍ وَصُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ دَمٍ عَمْدٍ وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ وَكِتَابَةٍ وَهِبَةٍ وَتَصَدُّقٍ وَإِعَارَةٍ وَإِيدَاعٍ وَرَهْنٍ وَإِقْرَاضٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ) وَسَرُّهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا لَا يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ، لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ اهـ. وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْوَكِيلُ إنْ كَانَتْ وَكَالَتُهُ عَامَّةً مَلَكَ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا طَلَاقَ الزَّوْجَةِ وَعِتْقَ الْعَبْدِ وَوَقْفَ الْبَيْتِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِيهَا رِسَالَةً اهـ. (قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورَيْنِ) يُفِيدُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَأْذُونَيْنِ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا الْحُقُوقُ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ تَلْزَمُهُ الْعِدَّةُ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا بَلْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ كَانَ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَلْزَمُهُ فِي الْإِيضَاحِ إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالنَّقْدِ فَفَعَلَ جَازَ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَجَازَ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً كَانَ مَا اشْتَرَاهُ لَهُ دُونَ الْآمِرِ وَذَكَرَ وَجْهَ كُلٍّ فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ لَكِنَّ حُقُوقَ عَقْدِهِمَا تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ) يَعْنِي مَا لَمْ يُعْتَقْ فَإِذَا عَتَقَ الْعَبْدُ لَزِمَتْهُ الْعُهْدَةُ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ (قَوْلُهُ وَالرُّجُوعُ بِهِ) أَيْ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ يَعْنِي عَلَى الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ وَالْمُخَاصَمَةُ فِي شُفْعَةِ مَا بِيعَ) ذَكَرَهُ فِي الشُّفْعَةِ أَيْضًا بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ كَمَا بَيَّنَّا) لَعَلَّ صَوَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَجْنَبِيٌّ إذْ الْمُشْتَرِي نَفْسُهُ هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ الثَّمَنُ وَبَائِعُهُ الْوَكِيلُ فَالْعَقْدُ مُتَعَلِّقٌ بِحُقُوقِهِ بِهِمَا أَيْ الْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَأَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ وَحُقُوقِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[باب الوكالة بالبيع والشراء]

وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الْمُوَكِّلِ لِيَكُونَ الْحُكْمُ مُقَارِنًا لِلسَّبَبِ أَمَّا النِّكَاحُ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبُضْعِ الْحُرْمَةُ فَكَانَ النِّكَاحُ إسْقَاطًا لَهَا، وَالسَّاقِطُ لَا يَتَلَاشَى فَلَا يُتَصَوَّرُ صُدُورُ السَّبَبِ عَنْ شَخْصٍ عَلَى سَبِيلِ الْأَصَالَةِ وَوُقُوعُ الْحُكْمِ لِغَيْرِهِ فَجَعَلَ سَفِيرًا لِيَقْتَرِنَ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ حَتَّى لَوْ أَضَافَ النِّكَاحَ إلَى نَفْسِهِ وَقَعَ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ حُكْمَهُ يَقْبَلُ الْفَصْلَ عَنْ السَّبَبِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ فَجَازَ صُدُورُ السَّبَبِ عَنْ شَخْصٍ أَصَالَةً وَوُقُوعُ الْحُكْمِ لِغَيْرِهِ خِلَافُهُ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلنِّكَاحِ وَالنَّاكِحُ الْمَرْءُ وَالْمَنْكُوحَةُ الْمَرْأَةُ وَالْوَكِيلُ إمَّا مِنْهُ أَوْ مِنْهَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ سَفِيرًا مَحْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ إنْكَارٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا إسْقَاطٌ مَحْضٌ لَا تَشُوبُهُ مُعَاوَضَةٌ بَلْ فِدَاءُ يَمِينٍ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ، وَالْوَكِيلُ أَجْنَبِيٌّ سَفِيرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُوَكِّلِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي الْبَوَاقِي هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَيَضْمَحِلُّ بِهِ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا الصُّلْحُ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فِي الْإِضَافَةِ فَإِنَّ زَيْدًا إذَا ادَّعَى دَارًا عَلَى عَمْرٍو فَوَكَّلَ عَمْرُو وَكِيلًا عَلَى أَنْ يُصَالِحَ عَلَى الْمِائَةِ، فَيَقُولُ زَيْدٌ صَالَحْت عَنْ دَعْوَى الدَّارِ عَلَى عَمْرٍو بِالْمِائَةِ، وَيَقْبَلُ الْوَكِيلُ هَذَا الصُّلْحَ يَتِمُّ الصُّلْحُ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ عَنْ إقْرَارٍ يَكُونُ كَالْبَيْعِ فَتُرَجَّحُ الْحُقُوقُ إلَى الْوَكِيلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَتَسْلِيمُ بَدَلِ الصُّلْحِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ فَهُوَ فِدَاءُ يَمِينٍ فِي حَقِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْوَكِيلُ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَلَا تَرْجِعُ إلَيْهِ الْحُقُوقُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ يَتِمُّ الصُّلْحُ سَوَاءٌ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ تَمَامُهُ بِلَا اعْتِبَارِ إضَافَتِهِ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ إلَى الْوَكِيلِ وَفِي صُورَةِ الْإِنْكَارِ إلَى الْمُوَكِّلِ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَيْنُ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَإِنْ أَرَادَ تَمَامَهُ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْإِضَافَةِ كَانَ اعْتِرَافًا بِصِحَّةِ كَلَامِ الْقَوْمِ فَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ الْفَرْقِ وَالْقَوْلِ بِالتَّسْوِيَةِ، وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ سَفِيرًا مَحْضًا بِقَوْلِهِ (فَلَا يُطَالَبُ) مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ (وَكِيلُهُ) أَيْ وَكِيلُ الزَّوْجِ (بِالْمَهْرِ وَوَكِيلُهَا بِتَسْلِيمِهَا وَبِبَدَلِ الْخُلْعِ) لِمَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ الْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ سَفِيرًا مَحْضًا. (التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ) حَتَّى لَا يَثْبُتَ بِهِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ وَنُقِضَ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِعِوَضٍ وَفِي التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ عِوَضٌ فَافْتَرَقَا (لَا الرِّسَالَةِ) فَإِنَّهَا غَيْرُ بَاطِلَةٍ لِانْتِفَاءِ التَّصَرُّفِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ سَفِيرٌ مَحْضٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ تَفْوِيضَ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ. [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ] (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) (إنْ عُمِّمَتْ) أَيْ الْوَكَالَةُ جَزَاءُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي صَحَّتْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَنْ وُكِّلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا لِيُمْكِنَهُ الِائْتِمَارُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَكَالَةً عَامَّةً، فَيَقُولُ ابْتَعْ مَا رَأَيْت لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا (أَوْ عُلِمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَكُونُ مَعْلُومًا بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ (مَا وُكِّلَ بِشِرَائِهِ أَوْ جَهِلَ جَهَالَةً يَسِيرَةً) وَهِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ)

صَحَّتْ) أَيْ الْوَكَالَةُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ (وَإِنْ) شَرْطِيَّةً (جُهِلَ) أَيْ مَا وُكِّلَ بِهِ (جَهَالَةً فَاحِشَةً) وَهِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ (لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (بَيَّنَ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ (وَإِنْ) شَرْطِيَّةً (جُهِلَ) أَيْ مَا وُكِّلَ بِهِ (جَهَالَةً مُتَوَسِّطَةً) وَهِيَ مَا بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ، (فَإِنْ بُيِّنَ النَّوْعُ أَوْ ثَمَنٌ عَيَّنَ نَوْعًا صَحَّتْ) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ لِكَوْنِ الْجَهَالَةِ يَسِيرَةً (وَإِلَّا فَلَا) ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هَاهُنَا أَيْضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ لِكَوْنِ الْجَهَالَةِ فَاحِشَةً، (الْأَوَّلُ) وَهُوَ مَا جُهِلَ جَهَالَةً يَسِيرَةً (كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ أَوْ الْمَرْوِيِّ وَالثَّانِي) وَهُوَ مَا جُهِلَ جَهَالَةً فَاحِشَةً (كَالثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالرَّقِيقِ، وَالثَّالِثُ) وَهُوَ مَا جُهِلَ جَهَالَةً مُتَوَسِّطَةً (كَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالدَّارِ فَإِذَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ فَرَسٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّا ذَكَرَ (صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. (وَ) إذَا وُكِّلَ (بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ صَحَّ إنْ بُيِّنَ النَّوْعُ) كَالتُّرْكِيِّ (أَوْ ثَمَنٌ عَيَّنَ نَوْعًا) مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبِيدِ وَجُعِلَ مُلْحَقًا بِجَهَالَةِ النَّوْعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيَّنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَمْ يَصِحَّ وَأُلْحِقَ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ. (وَ) إذَا وُكِّلَ (بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ (وَإِنْ بَيَّنَهُ) أَيْ الثَّمَنَ إذْ بِمُجَرَّدِ بَيَانِهِ لَا تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. (التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ يَقَعُ عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ) يَعْنِي دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ اشْتَرِ لِي طَعَامًا يَشْتَرِي الْبُرَّ وَدَقِيقَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ مَطْعُومٍ اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ عَلَى الْأَكْلِ إذْ الطَّعَامُ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ إذَا قُرِنَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يُحْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عُرْفًا وَلَا عُرْفَ فِي الْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ (وَقِيلَ) يَقَعُ (عَلَى الْبُرِّ فِي دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ وَالْخُبْزِ فِي قَلِيلِهِ وَالدَّقِيقِ فِي مُتَوَسِّطِهِ) رِعَايَةً لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (وَفِي مُتَّخِذِ الْوَلِيمَةِ) يَقَعُ (عَلَى الْخَبَرِ مُطْلَقًا) يَعْنِي قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ كَثُرَتْ لِدَلَالَةِ الْحَالِ. (وُكِّلَ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ صَحَّ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ صَحَّ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ حَتَّى لَوْ مَاتَ مَاتَ عَلَيْهِ (وَإِنْ أُطْلِقَ) يَعْنِي وُكِّلَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِالْأَلْفِ عَبْدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ (فَاشْتَرَى عَبْدًا كَانَ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ (لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُوَكِّلُ) حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِ الْمُوَكِّلِ مَاتَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ بَعْدَهُ مَاتَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَقَالَا هُوَ لِلْمُوَكِّلِ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا حَتَّى لَوْ تَبَايَعَا عَيْنًا بِدَيْنٍ، ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي الدَّيْنِ سَوَاءً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَيَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، وَلَهُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ حَتَّى وَلَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ بُيِّنَ النَّوْعُ) بُيِّنَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ بُيِّنَ النَّوْعُ الْمُسْتَلْزِمُ لِبَيَانِ الْجِنْسِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ تُرْكِيٍّ (قَوْلُهُ أَوْ ثَمَنٌ عَيَّنَ نَوْعًا) أَقُولُ عَيَّنَ فِعْلٌ وَفَاعِلُهُ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى ثَمَنٍ وَنَوْعًا مَفْعُولُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْجِنْسَ مَعَ النَّوْعِ وَلَا الثَّمَنَ مَعَ الْجِنْسِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ، لَكِنَّهُ قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي حِمَارًا أَوْ فَرَسًا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ وَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي دَارًا بِبَغْدَادَ فِي مَحَلَّةِ كَذَا جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ اهـ. (قَوْلُهُ فَإِذَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ فَرَسٍ) مُفَرَّعٌ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْمَجْهُولِ جَهَالَةً يَسِيرَةً (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ مِمَّا ذَكَرَ) يَعْنِي كَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ (قَوْلُهُ وَإِذَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ مَدْخُولِ فَاءَ التَّفْرِيعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْقِسْمِ الثَّالِثِ الْمَجْهُولِ جَهَالَةً مُتَوَسِّطَةً، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمَجْهُولِ جَهَالَةً فَاحِشَةً عَقِبَ الْأَوَّلِ لِمُنَاسَبَةِ التَّرْتِيبِ كَمَا كَرَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَهُ وَنَحْوِهِ يَعْنِي الْأَمَةَ وَالدَّارَ (قَوْلُهُ أَوْ ثَمَنٌ) عُطِفَ عَلَى نَائِبِ الْفَاعِلِ وَالْعَامِلُ فِيهِ بُيِّنَ أَيْ بُيِّنَ ثَمَنٌ وَبَيَانُهُ بِذِكْرِ قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَوَصْفِهِ، وَقَوْلُهُ عَيَّنَ فِعْلٌ وَالضَّمِيرُ فِيهِ لِلثَّمَنِ وَنَوْعًا مَفْعُولُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ بَيَانَ الثَّمَنِ مَعَ الْجِنْسِ كَبَيَانِ الْجِنْسِ مَعَ النَّوْعِ، فَإِنَّ جَهَالَةَ نَوْعِهِ تَنْدَفِعُ بِذِكْرِ مَبْلَغِ ثَمَنِهِ لِكَوْنِهَا يَسِيرَةً فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ لِي عَبْدًا بِمِائَةٍ هِيَ ثَمَنُ التُّرْكِيِّ مِنْ أَنْوَاعِهِ. (قَوْلُهُ التَّوْكِيلُ بِشِرَاءِ الطَّعَامِ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْفَارِقُ بَيْنَ ذَلِكَ الْعُرْفُ وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُرِيدُ بِهِ الْخُبْزَ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلِيمَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخُبْزَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَنَحْوِهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّفْصِيلَ عَنْ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا هَذَا فِي عُرْفِهِمْ فَإِنَّ عُرْفَهُمْ اسْمُ الطَّعَامِ إنْ كَانَ مَقْرُونًا بِالشِّرَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ أَمَّا فِي عُرْفِنَا اسْمُ الطَّعَامِ إنْ كَانَ مَقْرُونًا بِالشِّرَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمَطْبُوخِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالشِّوَاءِ، وَمَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ أَوْ وَحْدَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالدَّقِيقِ فِي مُتَوَسِّطِهِ) لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَتْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالدَّقِيقِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلَ مَا اشْتَرَى بِهِ (قَوْلُهُ فَصَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي الدَّيْنِ سَوَاءً) يَعْنِي فِي الشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ

مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ أَوْ أَسْقَطَ الدَّيْنَ بِإِسْقَاطِ رَبِّ الدَّيْنِ عَنْ الْمَدْيُونِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِلَا تَوْكِيلٍ بِقَبْضِهِ أَوْ كَانَ أَمْرًا بِدَفْعِ شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَهُوَ الدَّيْنُ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَكِيلِ فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْ الْوَكِيلِ فَيَصِيرُ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي فَيَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ. (وَكَّلَ عَبْدًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ (فَإِنْ قَالَ لَهُ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَبَاعَ صَحَّ) ، فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَصِحُّ لَأَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْ مَالِيَّتِهِ، وَالْبَيْعُ يُرَدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتُهُ فِي يَدِهِ، فَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْآمِرِ صَحَّ فِعْلُهُ لِلِامْتِثَالِ فَيَقَعُ الْعَقْدُ لِلْآمِرِ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ) بَلْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي لِنَفْسِي، أَوْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي وَلَمْ يَقُلْ لِي أَوْ لِفُلَانٍ (عَتَقَ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِمَا مَرَّ أَنَّهَا يَصْلُحُ لِشِرَاءِ نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ بِالِاحْتِمَالِ فَيَصِيرُ التَّصَرُّفُ وَاقِعًا لِنَفْسِهِ (وَالثَّمَنُ عَلَى الْعَبْدِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا عَلَى الْآمِرِ، أَمَّا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ لِلْآمِرِ فَلِأَنَّ الْمُبَاشِرَ هُوَ الْعَبْدُ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ فَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ فَإِنْ قِيلَ الْعَبْدُ هُنَا مَحْجُورٌ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ قُلْنَا زَالَ الْحَجْرُ هُنَا بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَ مُقْتَرِنًا بِإِذْنِ الْمَوْلَى. (وَكَّلَ عَبْدٌ مَنْ يَشْتَرِي نَفْسَهُ مِنْ مَوْلَاهُ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (بِأَلْفٍ دَفَعَ) إلَى وَكِيلِهِ (فَإِنْ قَالَ) أَيْ وَكِيلُهُ (لَهُ) أَيْ لِمَوْلَاهُ (اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَشِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بِمَالٍ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ، وَالْوَكِيلُ سَفِيرٌ عَنْهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى بِنَفْسِهِ فَلَزِمَ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) وَكِيلُهُ اشْتَرَيْته (لِنَفْسِهِ كَانَ) أَيْ الْعَبْدُ (لِوَكِيلِهِ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْمُعَاوَضَةِ، وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فَيُرَاعَى ذَلِكَ بِخِلَافِ شِرَاءِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ لِتَعَيُّنِ الْمَجَازِ فِيهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَكِيلِ (ثَمَنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ (وَالْأَلْفُ) الَّذِي دَفَعَهُ الْعَبْدُ (لِلْمَوْلَى) لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ. (قَالَ) أَيْ الْمَأْمُورُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ (شَرَيْت عَبْدًا لِلْآمِرِ فَمَاتَ) أَيْ الْعَبْدُ، (وَقَالَ) أَيْ الْآمِرُ (بَلْ) شَرَيْت (لِنَفْسِك فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْعَبْدُ (مُعَيَّنًا فَلَوْ) كَانَ حَيًّا (فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ لَا، (وَلَوْ) كَانَ (مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَكَذَا) أَيْ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا (فَلِلْآمِرِ) أَيْ الْقَوْلُ لَهُ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ) أَيْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ (فَكَذَا) أَيْ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ (إنْ كَانَ) أَيْ الثَّمَنُ (مَنْقُودًا) ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا (فَلِلْآمِرِ) سَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. قَالَ فِي الْكَافِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ لَا وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ أَخْبَرَ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَوْ مَيِّتًا فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ شِرَائِهِ وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ بِالْإِجْمَاعِ مَنْقُودًا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَالْمُخَيَّرُ بِهِ فِي التَّحَقُّقِ وَالثُّبُوتِ يَسْتَغْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ اسْتَهْلَكَ الْعَيْنَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ عَامَّتِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِالشِّرَاءِ وَعَزَاهُ إلَى الزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ بِعْنِي نَفْسِي لِفُلَانٍ فَبَاعَ صَحَّ) يَعْنِي إذَا قَبِلَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْآمِرِ الْآمِرُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا خُصُوصَ الْأَمْرِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَيِّدًا وَالْعَبْدُ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِفُلَانٍ عَتَقَ) يَعْنِي بِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقٌ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَوْلَى.

عَنْ الْإِشْهَادِ فَيُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَيِّتًا حِينَ أَخْبَرَ فَقَالَ هَلَكَ عِنْدِي بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَنْكَرَهُ الْمُوَكِّلُ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ، وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته لَك فَقَالَ الْآمِرُ لَا بَلْ هُوَ عَبْدُك فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا، فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَيِّتًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت، وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ لِلْآمِرِ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ فَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الْأَلْفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْآمِرِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ وَفِي الثَّانِي هُوَ أَمِينٌ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ شَامِلٌ لِلصُّورَتَيْنِ فَلَا يَتِمُّ بِهِ الْفَرْقُ أَقُولُ الْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ الثَّانِيَ لَا يَجْرِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمَأْمُورُ أَمِينٌ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ أَمِينًا إذَا كَانَ قَابِضًا لِلثَّمَنِ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ (لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ (الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى آمِرِهِ) إذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ سَوَاءٌ (دَفَعَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (إلَى بَائِعِهِ أَوْ لَا وَ) لَهُ أَيْضًا (حَبْسُ الْمَبِيعِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ آمِرِهِ (لِقَبْضِ ثَمَنِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ) أَيْ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ انْعِقَادِ مُبَادَلَةٍ حُكْمِيَّةٍ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ (فَإِنْ هَلَكَ) أَيْ الْمَبِيعُ (فِي يَدِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (قَبْلَ الْحَبْسِ فَعَلَى الْآمِرِ) أَيْ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ، (وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا لَمْ يَحْبِسْ يَصِيرَ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا بِيَدِهِ وَلَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ لِمَا ذُكِرَ، (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ حَبْسِهِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْمُورِ (وَسَقَطَ) أَيْ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْهُ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْرِيرِ الْآمِرِ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ (إلَّا إذَا شَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا سَمَّى أَوْ بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ) شَرَى (غَيْرَهُ بِأَمْرِهِ بِغَيْبَتِهِ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُشْتَرِي لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ فَنَفَذَ عَلَيْهِ (فَإِنْ حَضَرَ) أَيْ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ (فَلِآمِرِهِ) أَيْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ لِحُصُولِ رَأْيِ وَكِيلِهِ وَعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ، (وَفِي غَيْرِ عَيْنٍ) أَيْ إذَا وُكِّلَ بِشِرَاءِ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ (هُوَ لَهُ) أَيْ مَا شَرَاهُ لِلْوَكِيلِ (إلَّا إذَا أَطْلَقَ وَنَوَاهُ) أَيْ كَوْنُ الْمَبِيعِ (لِآمِرِهِ) أَيْ اشْتَرَى بِأَلْفٍ مُطْلَقٍ بِلَا تَقْيِيدٍ كَوْنُهُ مِلْكَ الْمُوَكِّلِ لَكِنْ نَوَى الشِّرَاءَ لَهُ فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ (أَوْ أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ) أَيْ مَالِ آمِرِهِ بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت بِهَذَا الْأَلْفِ، وَهُوَ مَالُ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ الثَّمَنُ مِنْهُ فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مَالِ نَفْسِهِ كَانَ حَمْلًا لِحَالِهِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَبَاعَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَى الْعَبْدِ أَلْفٌ عَلَى الصَّحِيحِ غَيْرُ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ الْوَكِيلِ لِسَلَامَةِ تِلْكَ لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهَا كَسْبَ عَبْدِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ أَيْ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا فَلَوْ كَانَ حَيًّا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ يَدَّعِي مَوْتَهُ فَكَيْفَ يُقَالُ فَإِنْ كَانَ حَيًّا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ لَفْظَةِ فَمَاتَ مِنْ دَعْوَى الْوَكِيلِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ شِرَاؤُهُ) أَيْ لَا يَكُونُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ مُتَصَوَّرًا حَتَّى لَوْ تَلَفَّظَ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ نَوَاهُ يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ إلَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا، وَصَرَّحَ بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لَهُ لِمِلْكِهِ عَزْلَ نَفْسِهِ بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ دُونَ غَيْبَتِهِ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا شَرَاهُ بِغَيْرِ جِنْسِ مَا سَمَّى) كَشِرَائِهِ بِدَنَانِيرَ وَوَكَّلَهُ بِالشِّرَاءِ بِالدَّرَاهِمِ. (قَوْلُهُ وَالْإِسْلَامُ) إنَّمَا عَدَلَ بِهِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالسَّلَمِ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ التَّوْكِيلَ بِقَبُولِ السَّلَمِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَ فَعَبَّرَ بِالْإِسْلَامِ لِيَخْتَصَّ بِخِلَافِ الصَّرْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِقَبُولِهِ

مَا يَحِلُّ شَرْعًا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ عَادَةً إذْ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَالِ غَيْرِهِ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَادَةً. (صَحَّ) التَّوْكِيلُ (بِعَقْدِ التَّصَرُّفِ وَالْإِسْلَامِ) الْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْقُدَمَاءِ عَقْدُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَائِرُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ أَيْ شِرَاءُ شَيْءٍ بِعَقْدِ السَّلَمِ (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ (بِقَبُولِ السَّلَمِ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ الْكُرِّ بِعَقْدِ السَّلَمِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ إذْ الْوَكِيلُ يَبِيعُ طَعَامًا فِي ذِمَّتِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ (الْعِبْرَةُ لِمُفَارَقَةِ الْوَكِيلِ فِيهِمَا) أَيْ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ (لَا مُفَارَقَةِ الْآمِرِ) يَعْنِي إنْ فَارَقَ الْوَكِيلُ صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِي الْعَقْدَيْنِ بَطَلَا لِوُجُودِ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا عِبْرَةَ لِمُفَارَقَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ وَالْمُعْتَبَرُ قَبْضُ الْعَاقِدِ وَهُوَ الْوَكِيلُ فَيَصِحُّ قَبْضُهُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ فِي الْعَقْدِ لَا الْقَبْضِ. (قَالَ بِعْنِي هَذَا لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي) أَيْ أَمْرَ زَيْدٍ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ (فَإِنْ كَذَّبَهُ) أَيْ كَذَّبَ الْمُشْتَرِيَ (زَيْدٌ) فِي إنْكَارِهِ، وَقَالَ أَنَا أَمَرْته (أَخَذَهُ) أَيْ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَعْنِي لِزَيْدٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْوَكَالَةِ فَإِذَا أَنْكَرَ الْآمِرُ بَعْدَهُ صَارَ مُنَاقِضًا، وَالْمُنَاقِضُ لَا قَوْلَ لَهُ فَيَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ (وَإِنْ صَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِيَ زَيْدٌ فِي إنْكَارِهِ (لَا) أَيْ لَا يَأْخُذُهُ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي ارْتَدَّ بِرَدِّهِ (إلَّا بِرِضَاهُ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ لَمَّا جَحَدَ الْآمِرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَطَلَ إقْرَارُ الْمُقِرِّ، وَلَزِمَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا سَلَّمَهُ وَأَخَذَهُ صَارَ بَيْعًا بِالتَّعَاطِي (أَمَرَ بِشِرَاءٍ مِنْ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَشَرَى مَنَوَيْنِ بِهِ مِمَّا يُبَاعُ مَنٌّ بِهِ لَزِمَ الْآمِرَ مَنٌّ بِنِصْفِهِ) ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ مَنٍّ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِشِرَاءِ الزِّيَادَةِ فَيَنْفُذُ شِرَاءُ الْمَنِّ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْوَكِيلِ (أَوْ) أَمَرَ (بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ بِلَا ذِكْرِ ثَمَنٍ فَشَرَى أَحَدَهُمَا أَوْ أَمَرَ بِشِرَائِهِمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهَا سَوَاءٌ فَشَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِهِ أَوْ أَقَلَّ وَقَعَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْآمِرِ فِي الصُّورَتَيْنِ، أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا، وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيَنْقَسِمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَكَانَ آمِرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ الشِّرَاءُ بِهَا مُوَافَقَةً وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةً إلَى خَيْرٍ وَبِالْأَكْثَرِ مُخَالَفَةً إلَى شَرٍّ فَيَقَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي إلَّا إذَا شَرَى الْبَاقِيَ بِالْبَاقِي قَبْلَ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْأَوَّلَ بَاقٍ، وَقَدْ حَصَلَ غَرَضُهُ الْمُصَرَّحُ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ يَفُوتُهَا. (قَالَ الْوَكِيلُ شَرَيْته بِأَلْفٍ، وَقَالَ الْآمِرُ بِنِصْفِهِ فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْآمِرُ (أَلَّفَهُ) أَيْ أَعْطَاهُ الْأَلْفَ (صُدِّقَ الْمَأْمُورُ إنْ سَاوَاهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَلْفَ يَعْنِي إذَا وَكَّلَ رَجُلٌ آخَرَ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ فَقَالَ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ، وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته بِنِصْفِهِ فَإِنْ كَانَ الْآمِرُ أَعْطَاهُ الْأَلْفَ وَهُوَ يُسَاوِيهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ، وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ، وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَاوِهِ بَلْ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ (فَالْآمِرُ) أَيْ صُدِّقَ الْآمِرُ بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَالْمَأْمُورُ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَيَقَعُ فَيَضْمَنُ خَمْسَمِائَةٍ (وَإِنْ لَمْ يُؤَلِّفْهُ وَسَاوَى نِصْفَهُ) أَيْ خَمْسَمِائَةٍ (صُدِّقَ) أَيْ الْآمِرُ بِلَا يَمِينٍ (وَإِنْ سَاوَاهُ تَحَالَفَا) ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ وَالْوَكِيلَ هُنَا كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ فَيَجِبُ التَّحَالُفُ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ فَيُلْزِمُ الْمُشْتَرِي الْوَكِيلَ (كَذَا مُعَيَّنٌ لَمْ يُسَمِّ لَهُ ثَمَنًا فَشَرَاهُ، وَاخْتَلَفَا فِي ثَمَنِهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ اشْتَرِ هَذَا الْعَبْدَ لِي، وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَاهُ فَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْته بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمَأْمُورَ تَحَالَفَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا بِقَبُولِ السَّلَمِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا اهـ. (قَوْلُهُ الْعِبْرَةُ بِمُفَارَقَةِ الْوَكِيلِ فِيهِمَا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِهِ فَلَا تَضُرُّهُ مُفَارَقَتُهُ الْوَكِيلَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى خُوَاهَرْ زَادَهْ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ. (قَوْلُهُ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِهِمَا. . . إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَيْسَ الثَّمَنُ مَذْكُورًا فِيهَا وَلَا الْقِيمَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اتِّحَادِ الْقِيمَةِ وَاخْتِلَافِهَا فِيهِمَا، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ كَوْنُ هَذَا تَعْلِيلًا لِلثَّانِيَةِ فِي كَلَامِهِ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِثَمَنٍ فَلَهُ شِرَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ وَبِزِيَادَةٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهَا، (قَوْلُهُ وَبِالْأَكْثَرِ مُخَالَفَةً إلَى شَرٍّ فَيَقَعُ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى النِّصْفِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ بَلْ يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ) مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَاحِشَ ضِعْفُ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ فَيَضْمَنُ خَمْسَمِائَةٍ) صَوَابُهُ فَيَضْمَنُ الْأَلْفَ لِوُقُوعِ الشِّرَاءِ لَهُ (قَوْلُهُ تَحَالَفَا) يُنْظَرُ بِمَنْ يَبْدَأُ بِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ وَصَدَّقَ الْبَائِعُ الْمَأْمُورَ تَحَالَفَا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ. قِيلَ لَا يَتَحَالَفَانِ هُنَا لِأَنَّ الْخِلَافَ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَصَحُّ وَمَالَ أَبُو نَصْرٍ إلَى الْأَوَّلِ أَعْنِي التَّحَالُفَ وَقَوْلُ الْبَائِعِ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ بَيْنَهُمَا

[فصل الوكيل بالبيع والشراء لا يعقد مع من ترد شهادته له]

لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. (الْوَكِيلُ إذَا خَالَفَ أَمْرَ الْآمِرِ إنْ كَانَ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ فِي الْجِنْسِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ يَنْفُذُ وَلَوْ) وَكَّلَهُ بِبَيْعِهِ كَذَلِكَ فَبَاعَهُ (بِمِائَةِ دِينَارٍ لَا) أَيْ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ خَيْرًا) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. [فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ] (فَصْلٌ) (الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) كَأَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ وَزَوْجٍ وَعُرْسِ وَسَيِّدٍ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَشَرِيكِهِ فِيمَا يَشْتَرِكَانِهِ لِأَنَّ مَوَاضِعَ التُّهَمِ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْوَكَالَاتِ وَهَذَا مَوْضِعُ التُّهْمَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ هَذَا إذَا لَمْ يُطْلِقْ لَهُ الْمُوَكِّلُ وَأَمَّا إذَا أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْ مِمَّنْ شِئْت فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ يُتَّهَمُ إنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ (وَصَحَّ بَيْعُ الْوَكِيلِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَالْعَرْضِ وَالنَّسِيئَةِ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقٌ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ (وَ) صَحَّ أَيْضًا (أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذُ الْوَكِيلِ (رَهْنًا وَكَفِيلًا بِالثَّمَنِ فَلَا يَضْمَنُ إنْ ضَاعَ) أَيْ الرَّهْنُ (فِي يَدِهِ أَوْ تَوَى مَا عَلَى الْكَفِيلِ) لِأَنَّ الْجَوَازَ الشَّرْعِيَّ يُنَافِي الضَّمَانَ (وَيُقَيَّدُ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَغَبْنٍ يَسِيرٍ وَهُوَ مَا يُقَوَّمُ بِهِ مُقَوِّمٌ) مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ حَتَّى لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا التَّحْدِيدُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهِمَا فَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ مَعْلُومَةٌ فِي الْبَلْدَةِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا فَزَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ شَيْئًا قَلِيلًا كَالْفَلْسِ وَنَحْوِهِ (وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ صَحَّ) لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ عَنْ قَيْدِ الِاجْتِمَاعِ. (وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى شِرَاءِ الْبَاقِي) فَإِنْ اشْتَرَى بَاقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا لَزِمَ الْمُوَكِّلَ وَإِلَّا لَزِمَ الْوَكِيلَ لِأَنَّ شِرَاءَ الْبَعْضِ قَدْ يَقَعُ وَسِيلَةً فَيَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ (إلَّا إذَا رُدَّ مَبِيعٌ بِعَيْبٍ عَلَى وَكِيلِهِ بِبَيِّنَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَالَ فِي الْكَافِي هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. فَصْلٌ (قَوْلُهُ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَجَازَهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ إلَّا فِي الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ الْوَكِيلِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنَقْدٍ أَوْ نَسِيئَةً وَغَبَنٍ فَاحِشٍ وَعَرْضٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ كَبِعْهُ وَاقْضِ بِهِ دَيْنِي أَوْ لِلنَّفَقَةِ، وَقَالَا كَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنُقْصَانٍ لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالدَّرَاهِمِ حَالَّةً أَوْ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَصَحَّ أَخْذُهُ رَهْنًا وَكَفِيلًا بِالثَّمَنِ فَلَا يَضْمَنُ إنْ ضَاعَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ أَوْ تَوَى مَا عَلَى الْكَفِيلِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. وَفِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هُنَا الْحَوَالَةُ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ وَقِيلَ الْكَفَالَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا فَإِنَّ التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَاتَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مُفْلِسَيْنِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَوًى يُضَافُ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِحَيْثُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا لَمْ يَتْوِ دَيْنُهُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالتَّوَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا أَيْضًا لَتَوِيَ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتْوِي فِيهَا بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِنَّمَا يَتْوِي بِمَوْتِهِمَا مُفْلِسَيْنِ فَصَارَ كَالْكَفَالَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالتَّوَى تَوًى يُضَافُ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا وَيَحْكُمُ بِهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا. اهـ. قُلْت وَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَذَ بِثَمَنِهِ كَفِيلًا فَتْوَى الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ رُفِعَ الْأَمْرُ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَيَتْوِي الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِالْإِجْمَاعِ) الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ فِي الشِّرَاءِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَمَّا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً نَسَبَهَا إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ فَلَا يُتَّهَمُ اهـ. وَتَفْسِيرُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ وَالْفَاحِشِ بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ حَدُّ الْفَاحِشِ فِي الْعُرُوضِ نِصْفُ عُشْرِ الْقِيمَةِ وَفِي الْحَيَوَانِ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَفِي الْعَقَارِ خَمْسُ الْقِيمَةِ وَفِي الدَّرَاهِمِ رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِي الشِّرَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى شِرَاءِ الْبَاقِي) شَامِلٌ لِمَا كَانَ مُعَيَّنًا وَغَيْرَ مُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ وَإِذَا رُدَّ مَبِيعٌ بِعَيْبٍ عَلَى وَكِيلِهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ) اُشْتُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى الْقَاضِي بِأَنْ لَا يَعْرِفَ تَارِيخَ الْبَيْعِ فَاحْتَاجَ إلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ لِيُظْهِرَ التَّارِيخَ أَوْ كَانَ عَيْبٌ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْأَطِبَّاءُ أَوْ النِّسَاءُ، وَقَوْلُهُنَّ وَقَوْلُ الطَّبِيبِ حُجَّةٌ فِي تَوْجِيهِ الْخُصُومَةِ لَا فِي الرَّدِّ فَيُفْتَقَرُ إلَيْهَا لِلرَّدِّ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقَاضِي عَايَنَ الْمَبِيعَ وَكَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَمَا فِي الْكَافِي

أَوْ نُكُولِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (أَوْ إقْرَارِهِ فِيمَا لَا يَحْدُثُ رَدَّهُ) أَيْ الْوَكِيلُ (عَلَى الْآمِرِ، وَ) بِإِقْرَارِهِ (فِيمَا يَحْدُثُ لَا) أَيْ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْآمِرِ بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِبَيْعِ شَيْئًا إذَا بَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ إذْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَرُدُّهُ عَلَى الْآمِرِ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ أَوْ الْإِقْرَارِ فِي عَيْبٍ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ. (الْأَصْلُ فِي الْوَكَالَةِ الْخُصُوصُ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُك وَكِيلًا فِي مَالِي يَصِيرُ حَافِظًا لِمَالِهِ فَقَطْ. (وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ) وَلِهَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُك مُضَارِبًا كَانَ مُضَارِبًا فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ (فَإِنْ بَاعَ) أَيْ الْوَكِيلُ (نَسَأَ فَقَالَ آمِرُهُ أَمَرْتُك بِنَقْدٍ وَقَالَ أَطْلَقْتَ صُدِّقَ الْآمِرُ) بِنَاءً عَلَى كَوْنِ التَّقْيِيدِ أَصْلًا فِي الْوَكَالَةِ. (وَفِي الْمُضَارَبَةِ) يَعْنِي إذَا بَاعَ الْمُضَارِبُ نَسْئًا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ أَمَرْتُك بِنَقْدٍ وَقَالَ أَطْلَقْتَ (صُدِّقَ الْمُضَارِبُ) بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْإِطْلَاقِ أَصْلًا فِيهَا وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (لَا يَتَصَرَّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مُقَدَّرًا لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَفِي اخْتِيَارِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ لَا مَانِعَ فِيهِ عَنْ الِاجْتِمَاعِ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَلَمْ يَكُنْ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (إلَّا فِي خُصُومَةٍ) فَإِنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ لِإِفْضَائِهِ إلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَذَكَرَ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ لَمْ يُعَوَّضَا) إذْ لَا يُحْتَاجُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَى الرَّأْيِ بَلْ هُوَ تَعْبِيرٌ مَحْضٌ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا إنْ شِئْتُمَا أَوْ قَالَ أَمْرُهَا بِأَيْدِيكُمَا لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ إلَى مَشِيئَتِهِمَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ أَوْ كَانَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ بِعِوَضٍ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى الرَّأْيِ وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَكُنْ تَوْكِيلُهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ) بَلْ عَلَى التَّعَاقُبِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا وَقْتَ تَوْكِيلِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ فَإِنْ تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ فَإِنْ أَجَازَ صَاحِبُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (الْوَكِيلُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا بَلْ وَعَدَ أَنْ يَتَبَرَّعَ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ ضَمِينٌ (لَا يُوَكِّلُ) أَيْ الْوَكِيلُ (إلَّا بِإِذْنِ آمِرِهِ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَنَحْوِهِ) كَاصْنَعْ مَا شِئْت مَثَلًا (فَإِنْ وَكَّلَ بِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْآمِرِ (كَانَ وَكِيلَ الْآمِرِ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ مُوَكِّلِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ) وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَّلَ) أَيْ الْوَكِيلُ (بِلَا إذْنِهِ) أَيْ إذْنِ الْمُوَكِّلِ (فَعَقَدَ) أَيْ وَكِيلُهُ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ الثَّانِي (أَوْ) عَقَدَ (بِغَيْبَتِهِ) فَبَلَغَهُ (وَأَجَازَهُ) أَيْ عَقْدَهُ (أَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ الْأَوَّلُ قَدَّرَ الثَّمَنَ صَحَّ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ حُضُورُ رَأْيِهِ قَدْ حَصَلَ فِي الصُّورَتَيْنِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الِاحْتِيَاجَ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَاهِرًا وَقَدْ حَصَلَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ وَقَدَّرَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِمَا مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ إقْرَارٌ فِيمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ رَدُّهُ عَلَى الْآمِرِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا عَلَى رِوَايَةٍ وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخَاصِمَ الْمُوَكِّلَ بَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ لِأَنَّ الرَّدَّ ثَبَتَ بِالتَّرَاضِي فَصَارَ كَالْبَيْعِ الْجَدِيدِ كَذَا فِي الْكَافِي وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَبَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَفَاوُتٌ كَثِيرٌ لِأَنَّ فِيهِ نُزُولًا مِنْ اللُّزُومِ إلَى أَنْ لَا يُخَاصَمَ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ لَا يُقَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ اهـ. وَكَذَا قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ لَوْ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِإِقْرَارٍ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ وَلُزُومُ الْمُوَكِّلِ رِوَايَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ) هَذَا مِنْ مَدْخُولِ قَيْدِ عَدَمِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَكِيلِينَ وَلَيْسَ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ تَوْكِيلُهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ ثَبَتَ لِكُلٍّ الِانْفِرَادُ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي خُصُومَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا لَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْخُصُومَةِ مُمْتَنِعٌ كَمَا ذَكَرَهُ وَكَذَلِكَ يَتَأَتَّى الْكَلَامُ عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا هُوَ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا فِي تَصَرُّفٍ يَمْتَنِعُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ أَوْ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَأْيٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ تَوْكِيلُهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ فَلِكُلٍّ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) عِبَارَتُهُ وَهَذَا فِي تَصَرُّفٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمَا فِيهِ وَكَانَ تَوْكِيلُهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ اهـ فَجُعِلَ إمْكَانُ الِاجْتِمَاعِ مُرَاعًى فِي قَيْدِ تَوْكِيلِهِمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَكَّلَ بِلَا إذْنِهِ. . . إلَخْ) هَذَا فِي وَكِيلٍ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَ غَائِبًا فَأَجَازَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فَكَأَنَّ الْمُوَكِّلَ عَلَّقَهُ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ

[باب الوكالة بالخصومة والقبض]

تَقْدِيرِ الثَّمَنِ ظَهَرَ أَنَّ غَرَضَهُ اجْتِمَاعَ رَأْيِهِمَا فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا مَرَّ. (قَالَ فَوَّضْت إلَيْك أَمْرَ امْرَأَتِي صَارَ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ وَتَقَيَّدَ بِالْمَجْلِسِ) فَإِنْ طَلَّقَ فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا (بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَكَّلْتُك فِي أَمْرِ امْرَأَتِي) حَيْثُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَهُ صَحَّ (مَنْ لَا يَلِي غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّهِ) لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْوِلَايَةِ فَإِذَا انْتَفَتْ الثَّانِيَةُ انْتَفَتْ الْأُولَى (فَإِذَا بَاعَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ ذِمِّيٌّ مَالَ صَغِيرِهِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَوْ شَرَى) وَاحِدٌ مِنْهُمْ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْمَالِ (لَمْ يَجُزْ) لِانْتِفَاءٍ وَلَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (كَذَا تَزْوِيجُ صَغِيرَةٍ كَذَلِكَ) أَيْ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ (بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَبْضَ غَيْرُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ رَضِيَ بِهَا دُونَهُ، وَلَهُمْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا مَلَكَ إتْمَامَهُ وَتَمَامُ الْخُصُومَةِ وَانْتِهَاؤُهَا بِالْقَبْضِ وَقَالُوا الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَلِهَذَا قُلْت (الْوَكِيلُ بِهَا وَبِالتَّقَاضِي لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَبِهِ يُفْتَى) لِظُهُورِ الْخِيَانَةِ فِي الْوُكَلَاءِ وَقَدْ يُؤْتَمَنُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَنْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى الْمَالِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا يُقَالُ اقْتَضَيْت حَقِّي أَيْ قَبَضْته فَإِنَّهُ مُطَاوِعُ قَضَى لَكِنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا لَا يَمْلِكُهُ. (وَ) الْوَكِيلُ (بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُهَا) أَيْ الْخُصُومَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الدَّائِنَ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ أَوْ أَبْرَأَهُ يُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ. (وَ) الْوَكِيلُ بِقَبْضِ (الْعَيْنِ لَا) أَيْ لَا يَمْلِكُهَا (فَلَوْ بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْوَكِيلِ بِقَبْضِ عَبْدٍ أَنَّ الْمُوَكِّلَ بَاعَهُ وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَالِبُ) . صُورَتُهُ وَكَّلَ وَكِيلًا بِقَبْضِ عَبْدٍ لَهُ وَغَابَ فَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ فِي إثْبَاتِ الشِّرَاءِ وَتُقْبَلُ فِي دَفْعِ الْخُصُومَةِ فَتَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْضُرَ الْمُوَكِّلُ وَيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ (كَذَا الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ) يَعْنِي إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ عَلَى الْعَتَاقِ عَلَى الْوَكِيلِ بِنَقْلِهِمْ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى إثْبَاتِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَتُقْبَلُ فِي قَصْرِ يَدِ الْوَكِيلِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ (الْوَكِيلُ بِهَا) أَيْ الْخُصُومَةِ (إذَا أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ عَنْ الْخُصُومَةِ (لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا بَلْ وَعَدَ أَنْ يَتَبَرَّعَ (بِخِلَافِ الْكَفِيلِ) حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ ضَمِينٌ كَمَا مَرَّ (إذَا وَكَّلَ بِخُصُومَاتِهِ وَأَخْذِ حُقُوقِهِ مِنْ النَّاسِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ وَكِيلًا فِيمَا يَدَّعِي عَلَى الْمُوَكِّلِ جَازَ فَلَوْ أَثْبَتَ الْمَالَ لَهُ ثُمَّ أَرَادَ الْخَصْمُ الدَّفْعَ لَا يُسْمَعُ عَلَى الْوَكِيلِ) كَذَا فِي الصُّغْرَى. (صَحَّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ وَكَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ وَأَقَرَّ عَلَى مُوَكِّلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ الْحَقِّ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِثُبُوتِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ (عِنْدَ الْقَاضِي) صَحَّ (دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ (وَإِنْ انْعَزَلَ بِهِ) حَتَّى لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ الْوَكَالَةَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَاهُ (كَذَا إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ وَأَقَرَّ عِنْدَهُ) يَعْنِي إذَا اسْتَثْنَى الْمُوَكِّلُ الْإِقْرَارَ بِأَنْ قَالَ وَكَّلْتُك غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَنْ لَا يَلِي غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّهِ) النَّفْيُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى لَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ التَّصَرُّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ] (قَوْلُهُ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ يَمْلِكُهَا أَيْ الْخُصُومَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ خِلَافًا لَهُمَا وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ الدَّائِنُ وَأَمَّا إذَا وَكَّلَهُ الْقَاضِي بِقَبْضِ دَيْنِ الْغَائِبِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ الْوَكِيلُ بِهَا أَيْ الْخُصُومَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا) يَعْنِي مَا لَمْ يَغِبْ مُوَكِّلُهُ وَإِذَا غَابَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ رَهْنٍ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَادَ الْخَصْمُ الدَّفْعَ لَا تُسْمَعُ عَلَى الْوَكِيلِ) أَيْ وَيُحْكَمُ بِالْمَالِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُتْبَعُ الدَّائِنُ بِدَفْعِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الصُّغْرَى) وَقَدْ أَسْنَدَهُ فِيهَا مُصَنِّفُهَا إلَى وَالِدِهِ بِقَوْلِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْوَالِدُ بُرْهَانُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ صَحَّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ) هَذَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ جُعِلَ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ فِي إقْرَارِ الْوَكِيلِ فَيُورِثُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَكِيلِ بِالصُّلْحِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ إنَّمَا مَلَكَ الْإِقْرَارَ لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْجَوَابِ وَالصُّلْحُ مُسَالَمَةٌ لَا مُخَاصَمَةٌ وَلِهَذَا قُلْنَا الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِعَقْدٍ لَا يُبَاشِرُ عَقْدًا آخَرَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ كَذَا إذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ) مِثْلُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ الْإِنْكَارُ مِنْهُمَا اهـ. وَجَعَلَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى

وَأَقَرَّ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَكِنْ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ فَلَا تُسْمَعُ خُصُومَتُهُ. (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ (تَوْكِيلُ كَفِيلٍ بِمَالٍ يَقْبِضُهُ) صُورَتُهُ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ فَوَكَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِقَبْضِهِ مِنْ الْغَرِيمِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّ هَذَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ (بِخِلَافِ الرَّسُولِ وَوَكِيلِ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ، وَ) الْوَكِيلِ (بِالتَّزْوِيجِ) حَيْثُ يَصِحُّ ضَمَانُهُمْ بِالثَّمَنِ وَالْمَهْرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ. ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا كَفَلَ صَحَّ وَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ أَقْوَى مِنْ الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا لَازِمَةً فَتَصْلُحُ نَاسِخَةً لَهَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ (وَ) الْوَكِيلُ (بِالْبَيْعِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ عَنْ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَامِلًا لِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ أَدَّى بِحُكْمِ الضَّمَانِ رَجَعَ) لِبُطْلَانِهِ (وَبِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ حُكْمِ الضَّمَانِ (لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا (مُصَدِّقُ التَّوْكِيلِ بِقَبْضٍ لَوْ غَرِيمًا أُمِرَ بِدَفْعِ دَيْنِهِ إلَى الْوَكِيلِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ خَالِصُ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْفَى الدَّيْنَ إلَى الدَّائِنِ لَا يُصَدَّقُ إذْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ إلَى الْوَكِيلِ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ (فَإِنْ) حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَهُ تَمَّ الْأَمْرُ وَإِنْ (كَذَّبَهُ الْغَائِبُ دَفَعَ) أَيْ الْمُصَدِّقُ (إلَيْهِ) أَيْ الْغَائِبُ (ثَانِيًا) إذْ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيفَاءُ لِإِنْكَارِهِ الْوَكَالَةَ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَفْسُدُ الْأَدَاءُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ بَقِيَ فِي يَدِهِ لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْ الدَّفْعِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَلَمْ تَحْصُلْ فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ قَبْضَهُ (وَإِنْ ضَاعَ لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ بِالْقَبْضِ وَهُوَ مَظْلُومٌ فِي هَذَا الْأَخْذِ وَالْمَظْلُومُ لَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ (إلَّا إذَا ضَمَّنَهُ) أَيْ شَرَطَ عَلَى مُدَّعِي الْوَكَالَةِ الضَّمَانَ (عِنْدَ الدَّفْعِ) أَيْ دَفْعِ مَا ادَّعَاهُ (أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَيْ فِي دَعْوَاهُ التَّوْكِيلَ (وَدَفَعَ) إلَيْهِ (عَلَى رَجَاءِ الْإِجَازَةِ) أَيْ إجَازَةِ الْغَائِبِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ (أَوْ) دَفَعَ إلَيْهِ (مُكَذِّبًا لَهُ) فِي دَعْوَاهُ التَّوْكِيلَ (وَلَوْ) لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقُ التَّوْكِيلِ غَرِيمًا بَلْ (مُودَعًا لَمْ يُؤْمَرْ بِالدَّفْعِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَعَلَّلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْإِنْكَارَ قَدْ يَضُرُّ الْمُوَكِّلَ بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى وَدِيعَةً أَوْ بِضَاعَةً فَلَوْ أَنْكَرَ الْوَكِيلُ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الرَّدِّ وَالْهَلَاكِ وَتُسْمَعُ قَبْلَ الْإِنْكَارِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ اسْتَثْنَى إنْكَارَهُ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَذَا إنْكَارُهُ اهـ. (قُلْت) يَعْنِي وَكَذَا إذَا اسْتَثْنَى إقْرَارَهُ لَا إنْكَارَهُ صَحَّ إقْرَارُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْكَارُهُ مَعَ اسْتِثْنَائِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَمْلِ وَإِلَّا نَاقَضَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُقِرًّا بِالتَّوْكِيلِ بِالْإِقْرَارِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَائِلًا وَقَالَ عَلِيٌّ الطَّوَاوِيسِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُوَكِّلُ بِالْخُصُومَةِ وَيَقُولُ خَاصِمْ فَإِذَا رَأَيْت لُحُوقَ مُؤْنَةٍ أَوْ خَوْفَ عَارٍ عَلَيَّ فَأَقِرَّ بِالْمُدَّعَى اهـ. وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ لَوْ وَكَّلَهُ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ قِيلَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ بَقَاءِ فَرْدٍ تَحْتَهُ وَقِيلَ يَصِحُّ لِبَقَاءِ السُّكُوتِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّسُولِ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ضَمِنَ الثَّمَنَ. . . إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ وَكِيلُ الْإِمَامِ بِبَيْعِ الْغَنَائِمِ وَهَذِهِ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدَّى بِحُكْمِ الضَّمَانِ يَرْجِعُ) أَيْ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِالْبَيْعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ التَّبَرُّعُ حَاصِلٌ فِي أَدَائِهِ إلَيْهِ بِجِهَةِ الضَّمَانِ كَأَدَائِهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي بِدُونِ أَمْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَدَّى الدَّيْنَ إلَى الدَّائِنِ لَا يُصَدَّقُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَهُ أَنْ يَتَّبِعَ رَبَّ الدَّيْنِ وَيَسْتَحْلِفَهُ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْوَكِيلَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الطَّالِبَ قَدْ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَجْرِي فِي الْأَيْمَانِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ حَيْثُ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ لَهُ فَكَانَ حَلِفُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ اهـ وَإِنْ أَرَادَ الْغَرِيمُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَيْ الدَّائِنَ بِاَللَّهِ مَا وَكَّلْته لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ دَفَعَ عَنْ سُكُوتٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ بِالْوَكَالَةِ وَلَا نَفْيِهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الدَّائِنَ إلَّا إذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ وَإِنْ دَفَعَ عَنْ تَكْذِيبٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ وَإِنْ عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ لَكِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَظْلُومُ) أَيْ الْمَدْيُونُ الْمُصَدِّقُ عَلَى الْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ أَيْ شَرَطَ عَلَى مُدَّعِي الْوَكَالَةِ الضَّمَانَ) يَعْنِي ضَمَانَ مَا يَأْخُذُهُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ ثَانِيًا لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ صُورَةُ هَذَا الضَّمَانِ أَنْ يَقُولَ الْغَرِيمُ لِلْوَكِيلِ نَعَمْ أَنْتَ وَكِيلُهُ لَكِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَكَالَةَ وَيَأْخُذَ مِنِّي ثَانِيًا وَيَصِيرَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنِّي ظُلْمًا فَهَلْ أَنْتَ كَفِيلٌ عَنْهُ بِمَا أَخَذَهُ مِنِّي ثَانِيًا فَيَضْمَنُ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ فَيَكُونُ صَحِيحًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَعَلَيَّ أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ الطَّالِبُ ثَانِيًا غَصْبٌ وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ الْوَكِيلُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهَا (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ أَيْ فِي دَعْوَاهُ) أَرَادَ بِعَدَمِ التَّصْدِيقِ السُّكُوتَ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أَوْ دَفَعَ مُكَذِّبًا لَهُ لِأَنَّ عَدَمَ التَّصْدِيقِ يَشْمَلُ السُّكُوتَ وَالتَّكْذِيبَ صَرِيحًا

[باب عزل الوكيل]

الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِمِثْلِهِ كَمَا مَرَّ (كَذَا لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ وَصَدَّقَهُ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَى الْوَدِيعَةَ مِنْ صَاحِبِهَا وَصَدَّقَهُ الْمُودَعُ لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ (وَأُمِرَ بِهِ) أَيْ بِالدَّفْعِ (لَوْ قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي (تَرَكَهَا) أَيْ الْوَدِيعَةَ (الْمُودِعُ مِيرَاثًا فَصَدَّقَهُ) أَيْ الْمُودَعُ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ بِمَوْتِهِ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ (وَكَّلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جَعَلَ رَجُلٌ وَكِيلًا (بِقَبْضِ مَالٍ وَادَّعَى الْغَرِيمُ قَبْضَ دَائِنِهِ دَفَعَ) أَيْ الْغَرِيمُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْوَكِيلِ يَعْنِي يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ وَكَالَتَهُ ثَبَتَتْ بِقَوْلِهِ أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ الْوَكَالَةَ وَادَّعَى الْإِيفَاءَ وَفِي ضِمْنِ دَعْوَاهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ وَبِالْوَكَالَةِ وَإِذَا كَانَ إقْرَارًا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ فِي زَعْمِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْإِيفَاءُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ (وَاسْتَخْلَفَ) أَيْ الْغَرِيمُ (دَائِنَهُ عَلَى عَدَمِ الْقَبْضِ) لِأَنَّ قَبْضَهُ يُوجِبُ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَسْتَحْلِفُهُ (لَا الْوَكِيلَ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ) إذْ لَا تَجْرِيَ النِّيَابَةُ فِي الْيَمِينِ (وَكَّلَهُ بِعَيْبٍ) أَيْ بِرَدِّ الْمَبِيعِ بِسَبَبِ عَيْبٍ (فَادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرُدَّ) أَيْ الْوَكِيلُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ (حَتَّى يُحَلِّفَ) أَيْ الْبَائِعُ (الْمُشْتَرِيَ) بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ هُنَاكَ بِاسْتِرْدَادِ مَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ عِنْدَ نُكُولِهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَيْبِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفَسْخِ نَافِذٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَصِحُّ الْقَضَاءُ وَلَا يَسْتَخْلِفُ الْمُشْتَرِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ إذْ لَا يَجُوزُ فَسْخُ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ قَضَاءٌ بَلْ أَمْرٌ بِالتَّسْلِيمِ فَإِذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِيهِ أَمْكَنَ نَزْعُهُ مِنْهُ وَدَفْعُهُ إلَى الْغَرِيمِ بِلَا نَقْضِ الْقَضَاءِ (دَفَعَ رَجُلٌ إلَى آخَرَ عَشَرَةً يُنْفِقُهَا عَلَى أَهْلِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةً أُخْرَى فَهِيَ بِهَا اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَيَرُدُّ الْعَشَرَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْإِنْفَاقِ وَكِيلٌ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الشِّرَاءِ فَيَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ تَوْكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَالْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ يَمْلِكُ الْعَقْدَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ (الْوَكَالَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ) قَالَ فِي الصُّغْرَى الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَحْضَرَ خَصْمًا فَأَقَرَّ بِالتَّوْكِيلِ فَأَنْكَرَ الدَّيْنَ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْوَكِيلُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّيْنِ لَا تُقْبَلُ وَإِذَا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ بِالْكُوفَةِ وَبِقَبْضِهِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ وَلَمْ يُحْضِرْ الْوَكِيلُ أَحَدًا لِلْمُوَكِّلِ قِبَلَهُ حَقٌّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُ مِنْ شُهُودِهِ حَتَّى يُحْضِرَ خَصْمًا جَاحِدًا ذَلِكَ أَوْ مُقِرًّا بِهِ فَحِينَئِذٍ يَسْمَعُ وَيُقَرِّرُ الْوَكَالَةَ فَإِنْ أَحْضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِيمًا يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا لِلْمُوَكِّلِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَوْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ قِبَلَ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَلَوْ أَثْبَتَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ جَاءَ بِخَصْمٍ آخَرَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكَالَةِ مَرَّةً أُخْرَى (بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ) (يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ. (وَ) بِعَزْلِ (نَفْسِهِ) بِأَنْ يَقُولَ عَزَلْت نَفْسِي (بِشَرْطِ عِلْمِ الْآخَرِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ يَعْنِي إذَا عَزَلَ الْمُوَكِّلُ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِهِ وَإِنْ عَزَلَ نَفْسَهُ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُوَكِّلِ بِهِ حَتَّى إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْعَزْلُ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأُمِرَ بِهِ أَيْ بِالدَّفْعِ لَوْ قَالَ تَرَكَهَا مِيرَاثًا لِي وَصَدَّقَهُ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَى لِي بِهَا وَصَدَّقَهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِ الْمَالِ بِالْقَبْضِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَصِحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ الْوَكَالَةُ الْمُجَرَّدَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ) يَعْنِي الْمُجَرَّدَةَ عَنْ إحْضَارِ خَصْمٍ يَلْزَمُ بِمُوجَبِهَا (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى. . . إلَخْ) قَالَ فِيهَا بَعْدَهُ لَوْ أَقَامَ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ كُلِّ حَقٍّ بَيِّنَةً شَهِدَتْ دَفْعَةً عَلَى الْوَكَالَةِ وَعَلَى الْحَقِّ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ عَلَى الْوَكَالَةِ لَا غَيْرُ فَإِذَا قَضَى بِهَا يُؤْمَرُ الْوَكِيلُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَقِّ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَيُقْضَى بِالْوَكَالَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْمَالِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي دَعْوَى الْوِصَايَةِ أَوْ الْوِرَاثَةِ مَعَ الْمَالِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ [بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ] (قَوْلُهُ بِشَرْطِ عِلْمِ الْآخَرِ فِيهِمَا) أَيْ صُورَتَيْ الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ

عَلَى وَكَالَتِهِ وَتَصَرُّفُهُ جَائِزٌ حَتَّى يَعْلَمَ (بِإِخْبَارِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ (عَدْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ وَلَوْ غَيْرِ عَدْلَيْنِ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا وَكَذَا الْعَزْلُ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ الْعَزْلُ إلَّا بِالْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ (وَ) يَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ) هَكَذَا وَقَعَتْ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَوَقَعَتْ فِي الْكَافِي وَالْوِقَايَةِ هَكَذَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْوَكِيلِ هَاهُنَا فَائِدَةٌ تَرَكْته (وَ) يَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِجُنُونِ أَحَدِهِمَا) مِنْ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ جُنُونًا (مُطْبِقًا) لِأَنَّ قَلِيلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَهُوَ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَحَوْلٌ كَامِلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ (وَالْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ) أَيْ لُحُوقِ أَحَدِهِمَا (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) فَإِنَّ لُحُوقَهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَإِذَا حَكَمَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَمَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنَّمَا يَنْعَزِلُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فَيُشْتَرَطُ لِقِيَامِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مَا يُشْتَرَطُ لِلِابْتِدَاءِ (وَذَا) أَيْ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ فِي صُوَرِهِ الْمَذْكُورَةِ (إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ) أَيْ بِالتَّوْكِيلِ (حَقُّ الْغَيْرِ) وَأَمَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَنْعَزِلُ كَمَا إذَا شُرِطَتْ الْوَكَالَةُ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ كَمَا مَرَّ أَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ فِي يَدِهَا ثُمَّ جُنَّ الزَّوْجُ (وَ) يَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ) أَيْ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ (بِحَيْثُ يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ الِامْتِثَالِ بِهِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ أَوْ تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ بَيْعِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ زَوَّجَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَوْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا بِنَفْسِهِ عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ضَرُورَةً حَتَّى إنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَالْعِدَّةُ قَائِمَةٌ بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ لِإِمْكَانِ تَنْفِيذِ مَا وَكَّلَ بِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَبَانَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ بَاقِيَةٌ (وَتَعُودُ الْوَكَالَةُ إذَا عَادَ إلَيْهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (قَدِيمُ مِلْكِهِ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَهُ ثَانِيًا كَذَا فِي الصُّغْرَى (أَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ) أَيْ أَثَرُ مِلْكِهِ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ بِأَنْ يُوقِعَ الْبَاقِي (وَ) يَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّرِيكُ) هَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الِافْتِرَاقُ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلَيْنِ) يَشْمَلُ الْفَاسِقَيْنِ وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ وَهِيَ وَيُشْتَرَطُ لِعَزْلِهِ خَبَرُ عَدْلَيْنِ أَوْ مَسْتُورَيْنِ اهـ فَأَخْرَجَ الْفَاسِقَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْوَكِيلِ هُنَا فَائِدَةٌ تَرَكَتْهُ) يُقَالُ إنَّ لَهُ فَائِدَةً وَهِيَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ لَتُوُهِّمَ انْتِقَالُ مَا كَانَ لَهُ إلَى وَرَثَتِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ فَمَاتَ فَحَقُّ قَبْضِ الثَّمَنِ لِوَرَثَتِهِ أَوْ وَصِيِّهِ وَقِيلَ لِمُوَكِّلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ جُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَالْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ مُرْتَدًّا دُونَ الْوَكِيلِ إذْ هُمَا كَالْمَوْتِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَ مَوْتَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ فِيمَا سَيَأْتِي وَقَدْ ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ وَيَنْعَزِلُ أَيْضًا بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَوْ غَابَ أَوْ ارْتَدَّ قِيلَ تَنْتَقِلُ الْحُقُوقُ إلَى مُوَكِّلِهِ وَقِيلَ لَا (قَوْلُهُ وَهُوَ شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) قَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَبِهِ يُفْتَى. وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ لِأَنَّ مَا دُونَهُ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ فَكَانَ قَصِيرًا وَالشَّهْرُ فَصَاعِدًا فِي حُكْمِ الْآجِلِ فَكَانَ طَوِيلًا اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ (قَوْلُهُ وَذَا أَيْ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ. . . إلَخْ) صُورَةُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِالتَّوْكِيلِ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ الْمَطْلُوبِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهَذَا إذَا عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَهُ عَزْلُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا شَرَطَ الْوَكَالَةَ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ) لَعَلَّ صَوَابَهُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ أَحَدُهُمَا فَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَبِيعَهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبِعْ وَأَمَّا الَّذِي بَاعَهُ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ ثَانِيًا لِانْتِهَاءِ التَّوْكِيلِ بِبَيْعِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ غَرَضَ الْمُوَكِّلِ لَمْ يَحْصُلْ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ بَقِيَ أَثَرُهُ) أَيْ أَثَرُ مِلْكِهِ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ بِأَنْ يُوقِعَ الْبَاقِي كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْمُرَادُ بِالْبَاقِي الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ الْبَاقِيَةُ لَا أَكْثَرُ مِنْهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ كَمَا إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ مُفِيدٌ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ فِي الْعِدَّةِ مِنْ طَلْقَةٍ سَابِقَةٍ وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالتَّطْلِيقِ لَا يَقْتَضِي إيقَاعَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[كتاب الكفالة]

أَوْ مَالِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَبْطُلُ بِهِ وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الَّتِي فِي ضِمْنِهَا عَلِمَا بِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ إذَا لَمْ تَكُنْ الْوَكَالَةُ مُصَرَّحًا بِهَا عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ جَازَ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ هَذَا الْوَكِيلُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا ذَكَرْنَا الْوَجْهَيْنِ إذْ لَوْ بَقِيَ الِافْتِرَاقُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشَّرِيكُ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَنْفَرِدَ أَحَدُهُمَا بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْوَكَالَةِ بِلَا عِلْمِ صَاحِبِهِ (وَ) يَنْعَزِلُ أَيْضًا (بِعَجْزِ مُوَكِّلِهِ لَوْ) كَانَ الْمُوَكِّلُ (مُكَاتَبًا وَحَجْرِهِ لَوْ) كَانَ (مَأْذُونًا) لِمَا مَرَّ أَنَّ بَقَاءَ الْوَكَالَةِ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَائِهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ فَيُشْتَرَطُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ قِيَامُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَقَدْ بَطَلَ بِالْعَجْزِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَوْ لَا لِأَنَّ الْبُطْلَانَ حُكْمِيٌّ كَمَا مَرَّ (إذَا وَكَّلَ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ انْعِزَالِ وَكِيلِ الْمُكَاتَبِ بِعَجْزِهِ، وَوَكِيلِ الْمَأْذُونِ بِحَجْرِهِ إذَا وَكَّلَ ذَلِكَ الْوَكِيلَ (فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَاتِ لِإِقْضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ اقْتِضَائِهِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ مُطَالَبٌ بِإِيفَاءِ مَا وَلِيَهُ وَلَهُ مُطَالَبَةُ اسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَأَنَّهُ بِعَقْدِهِ فَإِذَا بَقِيَ حَقُّهُ بَقِيَ وَكِيلُهُ عَلَى الْوَكَالَةِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْحَجْرِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ بِمُبَاشَرَتِهِ (لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمَوْلَى وَكِيلَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ) لِأَنَّهُ حَجْرٌ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا عَامًّا فَكَانَ الْعَزْلُ بَاطِلًا أَلَا يُرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الْإِذْنِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَالَ وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي) فَإِنَّهُ إذَا عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بَلْ كَانَ وَكِيلًا لَهُ وَهَذَا يُسَمَّى وَكِيلًا دَوْرِيًّا وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ (يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك) فَإِنَّهُ إذَا قَالَ عَزَلْتُك كَانَ مَعْزُولًا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمَنْصُوبًا بِوُجُودِ الشَّرْطِ حَيْثُ قَالَ مَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي وَإِذَا قَالَ ثُمَّ عَزَلْتُك يَنْعَزِلُ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّ مَتَى يُفِيدُ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ لَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ (وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي) لَا يَكُونُ مَعْزُولًا بَلْ كُلَّمَا عُزِلَ كَانَ وَكِيلًا لِأَنَّ كُلَّمَا يُفِيدُ عُمُومَ الْأَفْعَالِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ (يَقُولُ) فِي عَزْلِهِ (رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ) فَإِذَا رَجَعَ عَنْهَا لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ فِيمَا يَقُولُ بَعْدَهَا (وَعَزَلْتُك عَنْ) الْوَكَالَةِ (الْمُنْجَزَةِ) الْحَاصِلَةِ مِنْ لَفْظِ كُلَّمَا فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ [كِتَابُ الْكَفَالَةِ] [أَرْكَان الْكِفَالَة] (كِتَابُ الْكَفَالَةِ) (هِيَ) لُغَةً الضَّمُّ مُطْلَقًا وَشَرْعًا (ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي مُطَالَبَةِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ أَوْ التَّسْلِيمِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَقُولُ لَا صِحَّةَ لِلْأَوَّلِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَصَحَّ لِخُرُوجِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَسَمُوهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ إلَى الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ ثُمَّ إنَّ تَقْسِيمَهُمْ الْكَفَالَةَ إلَى الْقِسْمَيْنِ يُشْعِرُ بِانْحِصَارِهَا فِيهِمَا مَعَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ قِسْمٍ ثَالِثٍ وَهُوَ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي وَلِهَذَا اخْتَرْت تَعْرِيفًا صَحِيحًا مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الْأَقْسَامِ صَرِيحًا (وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ) أَيْ إيجَابُ الْكَفِيلِ بِقَوْلِهِ كَفَلْت عَنْ فُلَانٍ لِفُلَانٍ بِكَذَا (وَالْقَبُولُ) أَيْ قَبُولُ الطَّالِبِ وَهُوَ الْمَكْفُولُ لَهُ (وَشَرْطُهَا) مُطْلَقًا (كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ) نَفْسًا كَانَ أَوْ مَالًا (مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ) مِنْ الْكَفِيلِ حَتَّى لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَفِي الدَّيْنِ كَوْنُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكِتَابُ الْكَفَالَةِ) (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَقُولُ لَا صِحَّةَ لِلْأَوَّلِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَصَحَّ لِخُرُوجِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَنْهُ) قُلْت نَفْيُ صِحَّةِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَاهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ شُمُولِهِ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ وَالشُّمُولُ مُسْتَفَادٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُطْلَقَةٌ عَنْ الْقَيْدِ فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ يَكُونُ لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّسْلِيمِ وَلِأَنَّهُ إذَا كَفَلَ بِالنَّفْسِ ضَمَّ ذِمَّتَهُ إلَى ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ فِي الْمُطَالَبَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَلَمْ تَكُنْ خَارِجَةً عَنْ التَّعْرِيفِ اهـ. وَمَنْ قَيَّدَ الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ كَشَارِحِ الْمَجْمَعِ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ تَقْسِيمَهُمْ الْكَفَالَةَ إلَى الْقِسْمَيْنِ يُشْعِرُ بِانْحِصَارِهَا فِيهِمَا. . . إلَخْ) فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ إلَى هَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَلَيْسَ الثَّالِثُ خَارِجًا عَنْهُ يُوَضِّحُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَالزَّيْلَعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَأَنْوَاعُهَا فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالنَّفْسِ وَكَفَالَةٌ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِالدُّيُونِ فَتَجُوزُ مُطْلَقًا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً وَكَفَالَةٌ بِالْأَعْيَانِ وَهِيَ نَوْعَانِ كَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ مَضْمُونَةٍ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا وَذَلِكَ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ هِيَ أَمَانَةُ غَيْرِ وَاجِبِ التَّسْلِيمِ كَالْوَدَائِعِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالشَّرِكَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ التَّسْلِيمِ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهَا أَصْلًا، وَكَفَالَةٌ بِأَعْيَانٍ هِيَ أَمَانَةُ وَاجِبِ التَّسْلِيمِ كَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة، أَوْ بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ بِغَيْرِهِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِهَا لَا تَصِحُّ وَبِتَسْلِيمِهَا تَصِحُّ. (تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ سَبَبِهَا وَهُوَ مُطَالَبَةُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِلتَّوْثِيقِ بِتَكْثِيرِ مَحَلِّ الْمُطَالَبَةِ أَوْ تَيْسِيرِ وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ

صَحِيحًا) حَتَّى لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي (وَحُكْمُهَا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ) بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ نَفْسًا كَانَ أَوْ مَالًا (وَأَهْلُهَا أَهْلُ التَّبَرُّعِ) بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا مُكَلَّفًا فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَكِنَّ الْعَبْدَ يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (فَالْمُدَّعِي مَكْفُولٌ لَهُ) إذْ فَائِدَةُ الْكَفَالَةِ تَرْجِعُ إلَيْهِ (وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَكْفُولٌ عَنْهُ) وَيُسَمَّى الْأَصِيلُ أَيْضًا (وَالنَّفْسُ) فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ (أَوْ الْمَالُ) فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ (مَكْفُولٌ بِهِ) فَالْمَكْفُولُ عَنْهُ وَالْمَكْفُولُ بِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَاحِدٌ (وَمَنْ لَزِمَ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ كَفِيلٌ فَالْكَفَالَةُ إمَّا بِالنَّفْسِ وَإِنْ تَعَدَّدَتَا) أَيْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالنَّفْسِ أَيْضًا الْأَوَّلُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثُمَّ كَفِيلًا وَالثَّانِي أَنْ تَتَعَدَّدَ النُّفُوسُ الْمَكْفُولُ بِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا تَجُوزُ بِالدُّيُونِ الْكَثِيرَةِ (أَوْ بِالْمَالِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) وَهُوَ التَّسْلِيمُ (أَمَّا الْأُولَى) أَيْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ (فَتَصِحُّ بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ النَّفْسِ كَالرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْعُنُقِ وَالْجَسَدِ وَالْبَدَنِ كَكَفَلْتُ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ إلَى آخِرِهِ (وَبِجُزْءٍ شَائِعٍ) كَكَفَلْتُ بِنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ. (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (بِضَمِنْتُهُ وَبِعَلَيَّ) فَإِنَّ عَلَى لِلْإِلْزَامِ فَمَعْنَاهُ أَنَا مُلْتَزِمٌ تَسْلِيمَهُ (وَإِلَيَّ) فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى عَلَى (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) فَإِنَّ الزَّعَامَةَ هِيَ الْكَفَالَةُ (أَوْ قَبِيلٌ) هُوَ بِمَعْنَى الزَّعِيمِ (لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ وَهُوَ ضَمِنَ الْمَعْرِفَةَ لَا التَّسْلِيمَ (وَاخْتُلِفَ فِي أَنَا ضَامِنٌ لِتَعْرِيفِهِ أَوْ عَلَى تَعْرِيفِهِ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. (فَإِنْ عَيَّنَ وَقْتَ التَّسْلِيمِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إذَا طُلِبَ) رِعَايَةً لِمَا الْتَزَمَهُ (كَذَا) أَيْ أَحْضَرَهُ أَيْضًا (إذَا أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إذَا طَلَبْته أُسَلِّمُهُ إلَيْك أَوْ إنْ طَلَبْته وَنَحْوِ ذَلِكَ (أَوْ عَمَّمَ) بِأَنْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِهِ كُلَّمَا طَلَبْته أَوْ مَتَى مَا طَلَبْته أُسَلِّمُهُ إلَيْك. (وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ حَقٍّ لَازِمٍ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَا يُدْعَى لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لِمَاذَا دُعِيَ (وَإِنْ غَابَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ (وَعَلِمَ مَكَانَهُ أَمْهَلَهُ) أَيْ الْحَاكِمُ الْكَفِيلَ (مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ مَكَانَهُ (لَمْ يُطَالَبْ) أَيْ الْكَفِيلُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَكْفُولِ بِهِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَقَدْ صَدَّقَهُ الطَّالِبُ فَصَارَ كَالْمَدْيُونِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ وَقَالَ الطَّالِبُ تَعْرِفُهُ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ خَرْجَةٌ مَعْرُوفَةٌ يَخْرُجُ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ لِلتِّجَارَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلطَّالِبِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْلُ وَمُنْكِرٌ لُزُومَ الْمُطَالَبَةِ (وَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي سَلَّمَهُ فِيهِ وَلَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِهِ وَبِهِ يُفْتَى) فِي زَمَانِنَا لِتَهَاوُنِ النَّاسِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (كَفَلَ بِالنَّفْسِ إلَى شَهْرٍ يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَهُ) يَعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ كَذَلِكَ لِسُقُوطِهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَإِبْرَاءٍ وَهُوَ الْمَوْتُ (قَوْلُهُ لَا بِأَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ) كَذَا أَنَا كَفِيلٌ لِمَعْرِفَةِ فُلَانٍ وَلَوْ قَالَ مَعْرِفَةُ فُلَانٍ عَلَيَّ قَالُوا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي التَّبْيِينِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ ضَامِنًا لِلْعُرْفِ أَيْ بِقَوْلِهِ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ اهـ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ هَذَا عَلَى مُعَامَلَاتِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ قِيلَ إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ لَا يُعَجِّلُ بِحَبْسِهِ وَأَمَرَهُ بِدَفْعِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الْمُمَاطَلَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ بِأَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ حَبَسَهُ كَمَا وَجَبَ لِظُهُورِ مَطْلِهِ بِالْإِنْكَارِ فَكَذَا هُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِيضَاحِ هَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ وَأَمَّا إذَا ظَهَرَ عَجْزُهُ فَلَا مَعْنًى لِحَبْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفِيلِ فَيُلَازِمُهُ وَيُطَالِبُهُ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ جَعَلَهُ كَالْمُفْلِسِ بِالدَّيْنِ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ غَابَ وَعَلِمَ مَكَانَهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إذَا ارْتَدَّ الْمَكْفُولُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِإِحْضَارِهِ إنْ لَمْ يَمْنَعُوهُ وَلَا تَسْقُطُ كَفَالَتُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ مَيِّتًا فِي حَقِّ قِسْمَةِ مَالِهِ وَأَمَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَهُوَ حَيٌّ اهـ. وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ اهـ. وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ مَيِّتًا فِي حَقِّ قِسْمَةِ مَالِهِ بِالْحُكْمِ بِلِحَاقِهِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ وَالْكَفِيلُ إنَّمَا يُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ لِيَتَمَكَّنَ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ وَهُوَ وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا حَلَّ بِمَوْتِ الْمَكْفُولِ حُكْمًا فَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا. . . إلَخْ) . أَيْ وَلَا بَيِّنَةَ لِلطَّالِبِ أَمَّا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي مَوْضِعِ كَذَا فَإِنَّ الْكَفِيلَ يُؤْمَرُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَإِحْضَارِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَفَلَ بِالنَّفْسِ إلَى شَهْرٍ يُطَالَبُ بِهَا بَعْدَهُ) أَقُولُ وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ كَفِيلًا قَبْلَهُ وَفِي عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَهُ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ قَالَ وَفِي الطَّلَاقِ يَقَعُ فِي الْحَالِ أَيْضًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ قَالَ وَذِكْرُ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ إلَيْهَا لَا تَأْخِيرِ الْكَفَالَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ قَبْلَهَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا إذَا عَجَّلَ الدَّيْنَ قَبْلَ حُلُولِهِ وَمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَصِيرَ كَفِيلًا مُطَالَبًا بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ

لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَيُطَالِبُهُ بِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا يَظُنُّهُ الْعَوَامُّ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إذَا قَالَ الرَّجُلُ بِالْفَارِسِيَّةِ لِآخَرَ " مِنْ فَلَا نرا يذير فتم تراتايك سَالَ " أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي السَّنَةِ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَلَا يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ قَالَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَظُنُّونَ بَلْ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ إلَّا أَنْ يَزِيدُوا فِي الْكَفَالَةِ فَيَقُولُوا " هركاه كه بخواهي بتوسبارمش " فَحِينَئِذٍ يُطَالِبُهُ فِي السَّنَةِ وَبَعْدَهَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهِ أَيْضًا وَالْحِيلَةُ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ أَنْ يَزِيدَ الْكَفِيلُ فِي كَفَالَتِهِ فَيَقُولُ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ إلَى كَذَا مِنْ الْأَجَلِ ثُمَّ لَا كَفَالَةَ لَك بِهِ عَلَيَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنَا بَرِيءٌ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ (بَرِئَ بِمَوْتِهِ) أَيْ بِمَوْتِ الْكَفِيلِ لِحُصُولِ الْعَجْزِ الْكُلِّيِّ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْكَفِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَوَرَثَتُهُ لَمْ يَكْفُلُوا لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَخْلُفُونَهُ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ وَلَا تَبْقَى الْكَفَالَةُ بِاعْتِبَارِ تَرِكَتِهِ لِامْتِنَاعِ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ مِنْ الْمَالِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ (وَ) بَرِئَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ أَيْضًا (بِمَوْتِهَا) أَيْ النَّفْسِ الْمَطْلُوبَةِ لِامْتِنَاعِ التَّسْلِيمِ (وَلَوْ) كَانَ النَّفْسُ الْمَكْفُولُ بِهَا (عَبْدَ الْكَفِيلِ) وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فَإِذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ فَإِنَّ هَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ مَالٌ مُطَالَبٌ وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُطَالَبُ رَقَبَةَ الْعَبْدِ فَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَأَثْبَتَ الْخَصْمُ دَعْوَاهُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ (لَا) أَيْ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ (بِمَوْتِ الطَّالِبِ) بَلْ وَارِثُهُ أَوْ وَصِيُّهُ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ. (وَ) بَرِئَ الْكَفِيلُ أَيْضًا (بِتَسْلِيمِ الْكَفِيلِ أَوْ مَأْمُورِهِ) وَكِيلًا كَانَ أَوْ رَسُولًا (الْمَطْلُوبَ أَوْ تَسْلِيمِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَطْلُوبِ (نَفْسَهُ إلَى الطَّالِبِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَبِتَسْلِيمِ (حَيْثُ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَيْضًا يَعْنِي إذَا سَلَّمَ الْكَفِيلُ مَنْ كَفَلَ بِهِ إلَى الطَّالِبِ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إذَا سَلَّمْته إلَيْك فَأَنَا بَرِيءٌ حَتَّى لَوْ سَلَّمَهُ فِي بَرِّيَّةٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ سِجْنٍ حَبَسَهُ فِيهِ غَيْرُ الطَّالِبِ لَمْ يَبْرَأْ (قَائِلًا سَلَّمْته إلَيْك عَنْ) طَرَفِ (الْكَفِيلِ) فِي صُورَةِ تَسْلِيمِ الْمَأْمُورِ (أَوْ سَلَّمْت نَفْسِي عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْكَفِيلِ فِي صُورَةِ تَسْلِيمِ الْمَأْمُورِ نَفْسَهُ قَالَ قَاضِي خَانْ الْمَكْفُولُ بِالنَّفْسِ إذَا سَلَّمَ نَفْسَهُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ وَقَالَ سَلَّمْت نَفْسِي إلَيْك عَنْ الْكَفِيلِ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَنْ الْكَفِيلِ لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ وَكَذَا لَوْ أَمَرَ الْكَفِيلُ رَجُلًا أَنْ يُسَلِّمَ نَفْسَ الْمَكْفُولِ بِهِ إلَى الطَّالِبِ إنْ قَالَ الْمَأْمُورُ لِلطَّالِبِ سَلَّمْت إلَيْك نَفْسَهُ عَنْ الْكَفِيلِ بَرِئَ الْكَفِيلُ (وَفِي تَسْلِيمِ الْأَجْنَبِيِّ شَرْطٌ مَعَهُ) أَيْ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ عَنْ الْكَفِيلِ (قَبُولُ الطَّالِبِ) قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا لَيْسَ بِمَأْمُورٍ سَلَّمَ الْمَكْفُولَ بِهِ إلَى الطَّالِبِ وَقَالَ سَلَّمْت عَنْ الْكَفِيلِ إنْ قَبِلَ الطَّالِبُ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَإِنْ سَكَتَ الطَّالِبُ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْت لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ (كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ غَدًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا عَلَيْهِ) مِنْ الْمَالِ (وَلَمْ يُسَلِّمْهُ غَدًا صَحَّتْ الْكَفَالَتَانِ) أَيْ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ يَعْنِي رَجُلٌ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ آخَرُ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ صَحَّتْ الْكَفَالَتَانِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِعَدَمِ الْمُوَافَاةِ وَهَذَا التَّعْلِيقُ صَحِيحٌ لِتَعَامُلِ النَّاسِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَأْبَاهُ وَبِالتَّعَامُلِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى نَعْلًا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخَذُوا بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقَالُوا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ فَإِذَا مَضَتْ الْأَيَّامُ قَبْلَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ يَصِيرُ كَفِيلًا أَبَدًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهُ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُطَالَبُ بَعْدَهَا أَشْبَهُ بِعُرْفِ النَّاسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إذَا قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ وَإِذَا مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ لَا يَبْقَى كَفِيلًا وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَصِيرُ كَفِيلًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كَمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ كَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُعْجِبُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ثُمَّ قَالَ قَاضِي خَانْ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ شَهْرًا يَكُونُ كَفِيلًا أَبَدًا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا يَكُونُ طَلَاقًا أَبَدًا اهـ. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إذَا قَالَ الْكَفِيلُ لِلطَّالِبِ كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ شَهْرًا فَإِنَّهُ تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ إلَيْهِ مِنْ حِينِ كَفَلَ إلَى أَنْ يَمْضِيَ شَهْرٌ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ أَمَّا لَوْ قَالَ كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ إلَى شَهْرٍ فَإِنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَيُطَالِبُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا يَظُنُّهُ الْعَوَامُّ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ تَعْلَمُ وَجْهَ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا جَعَلَهُ مَتْنًا وَأَشَارَ بِحَذْفِ ذِكْرِ الْمُبْتَدَأِ وَاقْتِصَارِهِ عَلَى الْغَايَةِ إلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ مِنْ الْيَوْمِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ وَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ لَا يَبْقَى كَفِيلًا فِي قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ وَقَّتَ الْكَفَالَةِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَالْكَفَالَةُ مِمَّا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ. اهـ.

الْبَائِعُ مَعَ أَنَّ بَابَهُ أَضْيَقُ مِنْ الْكَفَالَةِ فَلَأَنْ يُتْرَكَ هُنَا وَبَابُهَا أَوْسَعُ لِأَنَّهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ أَوْلَى وَإِذَا لَمْ يُوَافِ بِهِ حَتَّى لَزِمَهُ الْمَالُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَ الْكَفَالَتَيْنِ. (فَإِنْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ الْمَالَ) بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ (أَوْ) مَاتَ (الْكَفِيلُ فَوَارِثُهُ) أَيْ ضَمِنَ وَارِثُهُ (أَوْ) مَاتَ (الطَّالِبُ فَكَذَا) أَيْ طَلَبَ وَارِثُهُ (ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ لَمْ يُبَيِّنْهَا) بِأَنَّهَا جَيِّدَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ أَوْ أَشَرَفِيَّةٌ أَوْ إفْرِنْجِيَّةٌ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى (فَكَفَلَ بِنَفْسِهِ آخَرَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ غَدًا فَعَلَيْهِ الْمِائَةُ صَحَّتَا) أَيْ الْكَفَالَتَانِ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَمْ تَصِحَّا إذْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى بِلَا بَيَانٍ فَلَمْ يَجِبْ إحْضَارُ النَّفْسِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِهَا فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهَا، وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى اعْتِبَارِ الْبَيَانِ فَإِذَا بَيَّنَ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الدَّعْوَى فَظَهَرَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ الْأُولَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّانِيَةُ (وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ (فِي الْبَيَانِ) إذَا اخْتَلَفَا فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الصِّحَّةَ (لَا جَبْرَ عَلَى إعْطَاءِ كَفِيلٍ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) مُطْلَقًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَفِي الْقَوَدِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ الْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَهُ أَنَّ مَبْنِيَّ الْكُلِّ عَلَى الدَّرْءِ فَلَا يَجِبُ فِيهَا الِاسْتِيثَاقُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا لَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَلِيقُ بِهَا الِاسْتِيثَاقُ (وَلَوْ أَعْطَى جَازَ) لِإِمْكَانِ تَرَتُّبِ مُوجَبِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالنَّفْسِ (وَلَا حَبْسَ فِيهِمَا) أَيْ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ (حَتَّى يَشْهَدَ مَسْتُورَانِ أَوْ عَدْلٌ) لِأَنَّ الْحَبْسَ هَاهُنَا لِلتُّهْمَةِ وَهِيَ تَثْبُتُ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ بِخِلَافِ الْحَبْسِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّهُ غَايَةُ عُقُوبَةٍ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ كَامِلَةٍ (وَأَمَّا الثَّانِيَةُ) أَيْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ (فَتَصِحُّ وَلَوْ جُهِلَ الْمَكْفُولُ بِهِ إذَا صَحَّ دَيْنًا) الدَّيْنُ الصَّحِيحُ دَيْنٌ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَسَيَأْتِي (بِكَفَلْتُ عَنْهُ بِأَلْفٍ وَبِمَا لَك عَلَيْهِ وَبِمَا يُدْرِكُك فِي هَذَا الْبَيْعِ) وَهَذَا يُسَمَّى ضَمَانُ الدَّرْكِ وَهُوَ ضَمَانُ الِاسْتِحْقَاقِ أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ (وَبِمَا بَايَعْت فُلَانًا) أَيْ بَايَعْت مِنْهُ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِثَمَنِهِ لَا مَا اشْتَرَيْته مِنْهُ فَإِنِّي ضَامِنٌ لِلْمَبِيعِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَبِيعِ لَا تَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. (أَوْ مَا ذَابَ) أَيْ وَجَبَ (لَكَ عَلَيْهِ) وَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطِيَّةٌ مَعْنَاهُ إنْ بَايَعْت فُلَانًا فَيَكُونُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ (أَوْ عُلِّقَتْ) عَطْفٌ عَلَى صَحَّ دَيْنًا (بِشَرْطٍ) يَعْنِي صَرِيحَ الشَّرْطِ وَإِلَّا فَفِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ (مُلَائِمٍ) أَيْ مُنَاسِبٍ لِلْكَفَالَةِ بِأَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ (نَحْوُ إنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ) لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ نَحْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ مَاتَ الطَّالِبُ فَكَذَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِشَارَةَ رَاجِعَةٌ إلَى التَّضْمِينِ وَلَا يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَى وَارِثِ الطَّالِبِ وَلِذَا عَدَلَ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِ أَيْ طَلَبَ وَارِثُهُ وَلَا يُسَاعِدُ صَنِيعُ مَتْنِهِ (قَوْلُهُ صَحَّتَا) أَيْ الْكَفَالَتَانِ عِنْدَهُمَا أَيْ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَمْ يَصِحَّا إذْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى أَيْ دَعْوَى الطَّالِبِ فَلَمْ يَجِبُ إحْضَارُ النَّفْسِ أَيْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَوْجِيهِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ مَا وَجَّهَهُ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ يُوجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ إذَا بَيَّنَ الْمَالَ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي مَا قَالَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ أَنَّ الْكَفِيلَ عَلَّقَ مَالًا مُطْلَقًا بِحَظْرٍ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ الَّتِي لَك عَلَيْهِ فَكَانَتْ هَذِهِ رِشْوَةً الْتَزَمَهَا الْكَفِيلُ لَهُ عِنْدَ الْمُوَافَاةِ بِهِ فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا تَصِحَّ وَإِنْ بَيَّنَهَا الْمُدَّعِي لِأَنَّ عَدَمَ النِّسْبَةِ إلَيْهِ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْبُطْلَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يُجْبَرُ) لَيْسَ الْمُرَادُ جَبْرَهُ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ بَلْ أَمْرَهُ بِالْمُلَازَمَةِ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَإِنْ أَرَادَ دُخُولَ دَارِهِ اسْتَأْذَنَهُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ دَخَلَ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ وَأَجْلَسَهُ فِي بَابِ الدَّارِ كَيْ لَا يَغِيبَ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَعْطَى جَازَ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ وَلَا حَبْسَ فِيهِمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِحُصُولِ الِاسْتِيثَاقِ بِالْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ) الْمُشْتَرِي فَاعِلُ يَضْمَنُ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الْكَفِيلَ وَلَكِنَّ الْكَفِيلَ كَفَالَةَ الدَّرَكِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ لَمْ يُؤَاخَذْ حَتَّى يُقْضَى بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى الْكَفِيلُ بِالدَّرَكِ يُؤَاخِذُهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَائِبًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطِيَّةٌ) مَعْنَاهُ إنْ بَايَعْت فُلَانًا فَتَكُونُ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ أَقُولُ لَكِنْ لَيْسَتْ مَا كَمِثْلِ إنْ فِي عَدَمِ الْعُمُومِ لِمَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَكَلِمَةُ مَا فِي مَا بَايَعْت فُلَانًا عَامَّةٌ لِأَنَّ حَرْفَ مَا يُوجِبُ الْعُمُومَ فَإِذَا لَمْ يُؤَقِّتْ فَذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْعُمُرِ وَمَا بَايَعْت مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْكَفِيلِ مَا لَمْ يُخْرِجْ نَفْسَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لِوُجُودِ الْحَرْفِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْمِيمِ فِي كَلَامِهِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إذَا أَوْ مَتَى أَوْ إنْ إذْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَوَّلُ وَكُلَّمَا بِمَنْزِلَةِ مَا اهـ مُلَخَّصًا وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ الطَّالِبِ فِي الْحَالِ لِمَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ مَا غَصَبَك فُلَانٌ فَأَنَا ضَامِنٌ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي الْحَالِ اهـ

(إنْ قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ أَوْ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ نَحْوُ (إنْ غَابَ زَيْدٌ) الْمَكْفُولُ عَنْهُ (عَنْ الْمِصْرِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنَاسِبٌ لِلْكَفَالَةِ كَالشُّرُوطِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ فَتَنَاسَبَ ضَمُّ الذِّمَّةِ إلَى الذِّمَّةِ (لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إنْ عُلِّقَتْ (بِنَحْوِ) أَيْ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ نَحْوُ (إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ مُلَائِمٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِمُلَائِمٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ أَقُولُ قَوْلُهُ سَهْوٌ خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة أَنَّ الْكَفَالَةَ مِمَّا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ يَنْقُلُ مَسْأَلَةً هِيَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَخَافَ صَاحِبُ الْمَالِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمَوْلَى فَقَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِ الْمَالِ إنْ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فَأَنَا ضَامِنٌ لِدَيْنِك عَلَيْهِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ ثُمَّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ جَائِزٌ (وَلَا) تَصِحُّ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. . . إلَخْ) مَا قَالَهُ لَيْسَ عِبَارَتُهَا فَإِنَّهَا وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِالشُّرُوطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ مَا بَايَعْت فُلَانًا أَوْ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ فَعَلَيَّ وَمَا غَصَبَك فَعَلَيَّ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَالْإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الدَّرَكِ ثُمَّ الْأَصْلُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ كَقَوْلِهِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ أَوْ لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ مَكْفُولٌ عَنْهُ أَوْ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ مِثْلُ قَوْلِهِ إذَا غَابَ عَنْ الْبَلَدِ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الشُّرُوطِ فِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَأَمَّا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَكَذَا إذَا جُعِلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَجَلًا إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ. لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اهـ فَقَوْلُ الْهِدَايَةِ فَأَمَّا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ صَرَّحَ فِيهَا بِنَفْيِ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ جَوَازِ الْكَفَالَةِ وَفَصَلَ مَسْأَلَةَ جَعْلِ هُبُوبِ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ أَجَلًا عَنْ مَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ بِهِمَا بِقَوْلِهِ وَكَذَا إذَا جُعِلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَجَلًا إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا اهـ يَعْنِي وَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ أَوْ الْمُرَادُ وَكَذَا لَا يَتَحَقَّقُ الصِّحَّةُ أَوْ الْمَعْنَى وَكَذَا لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ التَّأْجِيلَ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِخْدَامِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ الِاشْتِبَاهُ الْحَاصِلُ فِي مَعْرِفَةِ فَاعِلِ لَا يَصِحُّ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا جُعِلَ وَلَيْسَ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ رَاجِعًا إلَّا إلَى قَوْلِهِ وَكَذَا إذَا جُعِلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَجَلًا لِأَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمَ لَا تَصِحُّ مَعَهُ الْكَفَالَةُ أَصْلًا وَمَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ حَالَّةً وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لَكِنَّ تَعْلِيلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ حَالَّةً وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ فَتَصْحِيحُهُ بِحَمْلِ لَفْظِ تَعْلِيقِهَا عَلَى مَعْنَى تَأْجِيلِهَا بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي) لَيْسَ كَمَا قِيلَ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَيْ الشَّرْطُ مُلَائِمًا كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ أَوْ إنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ لَا تَصِحُّ وَكَذَا إذَا كَفَلَ بِهِ إلَى مَجِيءِ الْمَطَرِ أَوْ هُبُوبِ الرِّيحِ بَطَلَ الْأَجَلُ وَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْآجَالِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ التُّجَّارِ اهـ. وَكَيْفَ يَتَأَتَّى نِسْبَةُ مَا ذُكِرَ إلَى الْكَافِي وَقَدْ قَالَ صَاحِبُهُ فِي الْكَنْزِ مُخْتَصَرِ مَتْنِ الْكَافِي أَعْنِي الْوَافِيَ وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَإِنْ جُعِلَ أَجَلًا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا اهـ. وَالْكَلَامُ عَلَى عِبَارَةِ الْكَافِي كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ) هَذَا سَهْوٌ مَنْشَأُ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ اخْتِلَافُ نُسْخَةٍ مِنْ الْكَنْزِ وَعَلَيْهَا شَرَحَ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ قَالَ وَلَا تَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا اهـ. وَلَا سَهْوَ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ كَمَا لَا سَهْوَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فَلَا يَرِدُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى صَحِيحِ نُسَخِ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ أَقُولُ قَوْلُهُ سَهْوٌ خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة أَنَّ الْكَفَالَةَ مِمَّا لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ) قُلْت يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ هَذَا مَتْنًا لَا تَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ خَطَأً لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ خَطَأً بَلْ عَيْنُ الصَّوَابِ وَهَذَا لَيْسَ وَجْهًا لِلتَّخْطِئَةِ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ يَقُولُ أَيْضًا بِأَنَّ الْكَفَالَةَ مِمَّا لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ فِي مَحَلِّهِ وَتَبِعْته أَنْتَ أَيْضًا وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا فِيمَا إذَا كَفَلَ بِشَرْطٍ مَا أَيِّ شَرْطٍ كَانَ بَلْ فِي شَرْطٍ لَا تَعَلُّقَ لِلْحَقِّ بِهِ وَلَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لَكِنْ يُقَالُ فِيهِ نَظَرٌ بِمَا أَنَّ مَا قَالَهُ لَيْسَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَيْسَ نَقْلًا بِالْمَعْنَى التَّامِّ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الدُّرَرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَذْكُرَ عِبَارَةَ الْكِتَابَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ) لَيْسَ بِظَاهِرٍ إذْ لَا اخْتِلَافَ رِوَايَةٍ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ. . . إلَخْ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ مِمَّا شَرْطُهُ مُتَعَارَفٌ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ غَابَ عَنْ الْمِصْرِ بِجَامِعِ تَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْعِتْقِ كَالْغِيبَةِ عَنْ الْمِصْرِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ غَيْرِ مُتَعَارَفٍ جَائِزٌ) غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ لَا دَلِيلَ بِمَا ظَهَرَ لَك أَنَّهَا مِمَّا شَرْطُهُ مُتَعَارَفٌ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْمَحَلِّ فِي رِسَالَةٍ مُسَمَّاةٍ بِبَسْطِ الْمَقَالَةِ وَرَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ مُوَافَقَتَهُ لِلْعَلَّامَةِ الْمَرْحُومِ جَوِي زَادَهْ مَكْتُوبًا بِحَاشِيَةِ بَعْضِ النُّسَخِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا

(بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، وَ) بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ (لَهُ) الْأَوَّلِ (نَحْوُ مَا ذَابَ لَك عَلَى النَّاسِ أَوْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَعَلَيَّ، وَ) الثَّانِي (نَحْوُ مَا ذَابَ لِلنَّاسِ أَوْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَيْك فَعَلَيَّ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (وَ) لَا (بِنَفْسِ حَدٍّ وَقِصَاصٍ) لِمَا مَرَّ أَنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ مِنْ الْكَفِيلِ وَهَذَانِ لَيْسَا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَفْسِ حَدٍّ وَقِصَاصٍ احْتِرَازًا عَنْ الْكَفَالَةِ بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ كَمَا مَرَّ (وَ) لَا (بِحَمْلِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُ وَخِدْمَةَ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ مُسْتَأْجَرٍ لَهَا) لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَمْلَ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَالْكَفِيلُ لَوْ أَعْطَى دَابَّةً مِنْ عِنْدِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فَصَارَ عَاجِزًا ضَرُورَةً وَكَذَا الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْحَمْلُ مُطْلَقًا وَالْكَفِيلُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى دَابَّةِ نَفْسِهِ (وَ) لَا (بِالثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ وَرَبِّ الْمَالِ) أَيْ إذَا بَاعَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ ثَوْبًا بِأَمْرِهِ ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ عَنْ الْمُشْتَرِي لِلْآمِرِ أَوْ بَاعَ الْمُضَارِبُ مَالَ الْمُضَارَبَةِ ثُمَّ ضَمِنَ الثَّمَنَ لِرَبِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ وَالْمُضَارِبِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ مَاتَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ الْمُوَكِّلُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ حَالَ حَيَاتِهِ لَا يُعْمَلُ بِنَهْيِهِ فَلَوْ صَحَّ الضَّمَانُ صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَلِلشَّرِيكِ إذَا بِيعَ عَبْدٌ صَفْقَةً) يَعْنِي بَاعَ رَجُلَانِ عَبْدَ الرَّجُلِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ بَطَلَ الضَّمَانُ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا اتَّحَدَتْ فَالثَّمَنُ يَجِبُ لَهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَلَوْ صَحَّ ضَمَانُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ بِنَصِيبِهِ شَائِعًا صَارَ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَوْ صَحَّ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ خَاصَّةً يُؤَدِّي إلَى قِسْمَةِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَقُّ كُلٍّ مِنْهُمَا مُفْرَزًا فِي حَيِّزٍ عَلَى حِدَةٍ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ بَاعَا الْعَبْدَ صَفْقَتَيْنِ بِأَنْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَضَمِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ صَحَّ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا تَعَدَّدَتْ فِيمَا يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِعَقْدِهِ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً (وَ) لَا (بِالْعُهْدَةِ) لِأَنَّهَا اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى الصَّكِّ الْقَدِيمِ وَالْعَقْدِ وَحُقُوقِ الْعَقْدِ وَالدَّرْكِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا قَبْلَ الْبَيَانِ وَلِذَلِكَ بَطَلَ الضَّمَانُ. (وَ) لَا (بِالْخَلَاصِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُسْتَحَقِّ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمَا ضَمَانُ الثَّمَنِ إنْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ بِوُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ كَالدَّرْكِ. (وَ) لَا (بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ بِالْعَجْزِ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا صَحِيحًا. (وَ) لَا (عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ) يَعْنِي إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا فَكَفَلَ عَنْهُ لِلْغُرَمَاءِ رَجُلٌ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ عَنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ لِأَنَّ الدَّيْنَ عِبَارَةٌ عَنْ اشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِدَيْنٍ يَجِبُ أَدَاؤُهُ لَكِنَّهُ فِي الْحُكْمِ مَالٌ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَيْهِ فِي الْمَالِ وَقَدْ عَجَزَ بِنَفْسِهِ وَبِخَلَفِهِ فَفَاتَ عَاقِبَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَسَقَطَ ضَرُورَةً. (وَ) لَا (بِقَبُولِ الطَّالِبِ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ عَقْدِ الْكَفَالَةِ (إلَّا) فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ (أَنْ يَكْفُلَ وَارِثُ الْمَرِيضِ عَنْهُ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ بَعْضِهِمْ تَكَفَّلُوا عَنِّي بِمَا عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ لِغُرَمَائِي فَضَمِنُوا بِهِ مَعَ غَيْبَتِهِمْ فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الطَّالِبَ غَائِبٌ وَلَا يَتِمُّ الضَّمَانُ إلَّا بِقَبُولِهِ وَجْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ) فِيمَا ذَكَرَ آخِرَ الْبَابِ خِلَافٌ لِهَذَا وَهُوَ لَوْ قَالَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنْ أَخَذُوا مَالَك فَأَنَا ضَامِنٌ فَأُخِذَ مَالُهُ ضَمِنَ وَتَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ يَسِيرَةً مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كَفَلْت لَك بِمَالِك عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ وَالتَّعْيِينُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مَا ثَبَتَ لَك عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْ عَلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ تَصِحُّ (قَوْلُهُ وَلَا بِحِمْلِ دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ) قَيَّدَ بِالْحِمْلِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِتَسْلِيمِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ صَحِيحٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ) كَذَا مَالُ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ

الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ وَلِهَذَا يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْمَرِيضُ الدَّيْنَ وَغُرَمَاءَهُ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا تَرَكَ مَالًا (وَصَحَّتْ) أَيْ الْكَفَالَةُ بِلَا قَبُولِ الطَّالِبِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) مُطْلَقًا فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إذَا بَلَغَهُ الْخَبَرُ وَأَجَازَ (وَبِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ (وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ) أَيْ الْكَفِيلَ (إذَا قَالَ بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ) بِأَنْ يَقُولَ أَنَا كَفِيلٌ بِمَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ (جَازَ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَ) لَا (بِالْأَمَانَاتِ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُسْتَعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ (وَ) لَا (بِالْمَبِيعِ) قَبْلَ الْقَبْضِ (وَالْمَرْهُونِ) بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ بِهِ مَضْمُونًا عَلَى الْأَصِيلِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ إلَّا بِدَفْعِهِ أَوْ دَفْعِ بَدَلِهِ لِيَتَحَقَّقَ مَعْنَى الضَّمِّ فَيَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْأَمَانَاتُ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ بَلْ بِالثَّمَنِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا الرَّهْنُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ بَلْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ إذَا هَلَكَ فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الْكَفِيلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْأَصِيلِ (وَتَجُوزُ) أَيْ الْكَفَالَةُ (بِتَسْلِيمِهَا) أَيْ تَسْلِيمِ الْأَمَانَاتِ وَالْمَبِيعِ وَالْمَرْهُونِ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَجَبَ تَسْلِيمُهَا وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ كَالْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ (وَقِيلَ إنْ وَجَبَ) أَيْ تَسْلِيمُهَا (عَلَى الْأَصِيلِ) كَالْعَارِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ (جَازَتْ) أَيْ الْكَفَالَةُ (بِهِ) أَيْ بِتَسْلِيمِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ (فَلَا) أَيْ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهَا (وَتَصِحُّ) أَيْ الْكَفَالَةُ (بِالثَّمَنِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ صَحِيحٌ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي (وَالْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَالْمَبِيعِ) بَيْعًا (فَاسِدًا) فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ عِنْدَهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ إيجَابُهُ عَلَى الْكَفِيلِ. (وَ) تَصِحُّ (بِالْخَرَاجِ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا فِعْلٌ هُوَ عِبَادَةٌ وَالْمَالُ مَحَلُّهُ وَلِهَذَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا بِوَصِيَّةٍ (وَالنَّوَائِبِ) قِيلَ هِيَ مَا يَكُونُ بِحَقٍّ كَأُجْرَةِ الْحَارِسِ وَكَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَالِ الْمُوَظَّفِ لِتَجْهِيزِ الْجَيْشِ وَفِدَاءِ الْأَسْرَى وَقِيلَ هِيَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ كَالْجِبَايَاتِ الَّتِي فِي زَمَانِنَا يَأْخُذُ الظَّلَمَةُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ جَازَ الْكَفَالَةُ بِهَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَضْمُونٌ وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ (وَالْقِسْمَةِ) هِيَ النَّوَائِبُ إلَّا أَنَّ الْقِسْمَةَ مَا يَكُونُ رَاتِبًا وَالنَّوَائِبُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوَظِّفُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ وَقِيلَ هِيَ أَنْ يَمْتَنِعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ فَيَضْمَنُهُ شَخْصٌ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ (وَالدَّرْكِ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ (وَالشَّجَّةِ) وَهِيَ الْجِرَاحَةُ وَالْكَفَالَةُ بِهَا أَنْ يَقُولَ كَفَلْت بِمُوجَبِهَا وَهُوَ الْأَرْشُ (وَقَطْعِ الْأَطْرَافِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُوجَبَهُ الْقِصَاصُ) بَلْ الدِّيَةُ إذْ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ مَالٌ وَاجِبُ الْأَدَاءِ (قَالَ أَدْفَعُهُ إلَيْك أَوْ أَقْضِيهِ لَا يَكُونُ كَفَالَةً إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ أَوْ عَلَّقَ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الدَّيْنُ الَّذِي لَك عَلَى فُلَانٍ أَنَا أَدْفَعُهُ إلَيْك أَوْ أَقْضِيهِ؛ لَا يَكُونُ كَفَالَةً مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ بِأَنْ يَقُولَ كَفَلْت أَوْ ضَمِنْت أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَمَّا لَوْ قَالَ تَعْلِيقًا يَكُونُ كَفَالَةً نَحْوُ إنْ قَالَ إنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلَانٌ فَأَنَا أُؤَدِّي تَصِحُّ (لِلطَّالِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَصَحَّتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ وَجَبَ أَيْ تَسْلِيمُهَا. . . إلَخْ) كَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِصِيغَةِ قِيلَ الْمُشْعِرَةِ بِالتَّمْرِيضِ وَقَدْ نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ التُّحْفَةِ بِغَيْرِ تِلْكَ الصِّيغَةِ فَقَالَ. وَفِي التُّحْفَةِ الْكَفَالَةُ بِأَمَانَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ كَالْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ لَا تَصِحُّ أَصْلًا وَالْكَفَالَةُ بِأَمَانَةٍ وَاجِبَةِ التَّسْلِيمِ كَالْعَارِيَّةِ جَائِزَةٌ وَعَلَى الْكَفِيلِ تَسْلِيمُهَا فَإِنْ هَلَكَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَإِنْ ضَمِنَ تَسْلِيمَهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ بِالْخَرَاجِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِالْخَرَاجِ الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ بِالذِّمَّةِ بِأَنْ يُوَظِّفَ الْإِمَامُ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى مَا يَرَاهُ لِإِخْرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ مَا يَقْسِمُهُ الْإِمَامُ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ كَالرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَيْضًا مُطَالَبَةُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْآخَرِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلطَّالِبِ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ مَعَ الْأَصِيلِ. . . إلَخْ

مُطَالَبَةُ الْأَصِيلِ مَعَ الْكَفِيلِ) لِأَنَّ مَفْهُومَ الْكَفَالَةِ وَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ يَقْتَضِي قِيَامَ الذِّمَّةِ الْأُولَى لَا الْبَرَاءَةَ عَنْهَا (إلَّا إذَا شَرَطَ الْبَرَاءَةَ فَتَكُونُ) أَيْ الْكَفَالَةُ حِينَئِذٍ (حَوَالَةً) اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى (كَمَا أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبَرَاءَةِ) أَيْ بَرَاءَةِ الْمُحِيلِ (كَفَالَةٌ وَلَهُ) أَيْضًا (مُطَالَبَةُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْآخَرِ) لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا الضَّمُّ لَا التَّمْلِيكُ بِخِلَافِ الْمَالِكِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْقَاضِيَيْنِ حَيْثُ يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ مِنْهُ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْلِيكُ مِنْ الثَّانِي (كُفِلَ بِمَا لَك عَلَيْهِ) أَيْ قَالَ كَفَلْت بِمَا لَك عَلَيْهِ (فَإِنْ بَرْهَنَ) أَيْ الطَّالِبُ (عَلَى أَلْفٍ لَزِمَهُ) أَيْ الْأَلْفُ لِلْكَفِيلِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالْبُرْهَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ (صُدِّقَ الْكَفِيلُ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ (لَا الْأَصِيلُ فِي الزَّائِدِ عَلَيْهِ) فِي حَقِّ الْكَفِيلِ يَعْنِي إنْ اعْتَرَفَ الْأَصِيلُ بِالزَّائِدِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْكَفِيلُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى كَفِيلِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ بَلْ يُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (كَفَلَ بِأَمْرِهِ) يَعْنِي تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَبِلَا أَمَرَهُ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَإِذَا كَفَلَ بِأَمْرِهِ وَأَدَّى (رَجَعَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ (بِمَا أَدَّى إذَا أَدَّى مَا ضَمِنَهُ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِذَا أَدَّى خِلَافَهُ رَجَعَ بِمَا ضَمِنَ لَا بِمَا أَدَّى حَتَّى لَوْ كَفَلَ بِالْجِيَادِ وَأَدَّى الزُّيُوفَ وَتَجَوَّزَ مَنْ لَهُ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ رَجَعَ بِالْجِيَادِ وَلَوْ كَفَلَ بِالزُّيُوفِ وَادَّعَى الْجِيَادَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزُّيُوفِ لِأَنَّ رُجُوعَ الْكَفِيلِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكَفَالَةِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى يَمْلِكَهُ بِالْأَدَاءِ بَلْ كَانَ مُقْرِضًا فَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى (وَلَا يُطَالِبُهُ) أَيْ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ بِالْمَالِ (قَبْلَ الْأَدَاءِ) الْمَكْفُولِ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَيَمْلِكُهُ بَعْدَهُ فَيَرْجِعُ (وَبِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ أَمْرِهِ (لَمْ يَرْجِعْ) بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِيهِ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَجَازَ) أَيْ الْمَكْفُولُ عَنْهُ (بَعْدَ الْعِلْمِ) لِأَنَّ كُلَّ كَفَالَةٍ تَنْعَقِدُ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرَّدِّ لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً أَبَدًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (قَالَ اضْمَنْ أَلْفًا لِفُلَانٍ عَلَيَّ) فَضَمِنَ (فَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ إلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَفَلَ بِأَمْرِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّجُوعِ ذِكْرُ الضَّمَانِ وَلَا اشْتِرَاطُ الرُّجُوعِ وَقَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ طُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْكَفَالَةِ وَمَا إذَا قَالَ أَدِّ عَنِّي زَكَاةَ مَالِي أَوْ أَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ لَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْكَفَالَةِ يَتَضَمَّنُ طَلَبَ الْقَرْضِ إذَا ذَكَرَ لَفْظَةَ عَنِّي وَفِي قَضَاءِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ طَلَبُ اتِّهَابٍ وَلَوْ ذَكَرَ لَفْظَةَ عَنِّي وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ إذَا قَالَ عَنِّي أَوْ عَلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ خَلِيطًا رَجَعَ وَإِلَّا لَا اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ إذَا أَمَرَ صَيْرَفِيًّا لَهُ فِي الْمُصَارَفَةِ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ قَضَاءً عَنْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْ قَضَاءً عَنْهُ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الصَّيْرَفِيُّ عَلَى الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَيْرَفِيًّا لَا يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَنِّي وَلَوْ أَمَرَهُ أَسِيرٌ بِشِرَائِهِ أَوْ بِدَفْعِ الْفِدَاءِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ بِذَلِكَ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ فِي بِنَاءِ دَارِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَكَذَا لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي يَرْجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى) أَيْ مِنْ الزُّيُوفِ فَيَأْخُذُ زُيُوفًا مِثْلَهَا وَلَوْ تَجَوَّزَ بِهَا رَبُّ الدَّيْنِ عَنْ الْجِيَادِ وَإِنْ أَدَّى أَجْوَدَ رَجَعَ بِمِثْلِ الدَّيْنِ اهـ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَعْطَاهُ بِهَا أَيْ بِالْجِيَادِ الَّتِي كَفَلَهَا دَنَانِيرَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمِثْلِ مَا ضَمِنَ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ الْعِلْمِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا أَجَازَ بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَمَّا إذَا أَجَازَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ قَالَ اضْمَنْ أَلْفًا لِفُلَانٍ عَلَيَّ. . . إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحُكْمِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْكَفَالَةِ عَنْهُ لِأَنَّ صِيغَةَ عَلَيَّ كَقَوْلِهِ عَنِّي وَإِحْدَى الصِّيغَتَيْنِ كَافٍ لِلرُّجُوعِ وَإِذَا تَجَرَّدَ الْكَلَامُ عَنْهَا جَمِيعًا لَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلِيطًا لِلْآمِرِ أَوْ فِي عِيَالِهِ أَوْ صَيْرَفِيًّا لَهُ فَيَرْجِعُ مُطْلَقًا لِمَا نَذْكُرُ فَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَيْ الصِّيغَتَيْنِ لِاشْتِرَاطِ الرُّجُوعِ وَلَعَلَّ لَفَظَّةَ عَلَيَّ زَائِدَةٌ لِتَكُونَ بَيَانًا لِمَا يَكُونُ بِهِ كَفِيلًا بِالْأَمْرِ وَمَا لَا يَكُونُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ فِي هَذَا سَهْوًا بِزِيَادَةِ لَفَظَّةِ عَلَيَّ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِ خَلِيطٍ أَيْ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِطًا فِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا هُوَ فِي عِيَالِهِ اقْضِ فُلَانًا أَلْفًا وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي فَأَدَّى الْمَأْمُورُ أَلْفًا يَحْكُمُ لَهُ أَيْ أَبُو يُوسُفَ لِلْمَأْمُورِ بِالرُّجُوعِ وَقَالَا لَا يَرْجِعُ قَيَّدَ بِغَيْرِ خَلِيطٍ إذْ لَوْ كَانَ خَلِيطًا يَرْجِعُ اتِّفَاقًا لِقِيَامِ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ لِلْآمِرِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ اقْضِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَدِّ لَا يَرْجِعُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ عَنِّي إذْ لَوْ قَالَ عَنِّي يَرْجِعُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا وَلَا هُوَ فِي عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عِيَالِهِ أَوْ الْآمِرُ فِي عِيَالِ الْمَأْمُورِ يَرْجِعُ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ، لَهُ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَأْمُرُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ اقْضِ عَنِّي وَلَهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ أَلْفًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا لِلْمَأْمُورِ وَأَنْ يَكُونَ دَيْنًا لِلْآمِرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَأَى غَيْرَهُ يُمَاطِلُ فِي دَيْنِهِ يَأْمُرُهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ بِالشَّكِّ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّ الرُّجُوعَ مُقَيَّدٌ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْأَمْرُ فَيَخْرُجُ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ الْمَحْجُورُ

إذَا قَالَ عَنِّي) كَمَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ (فَإِنْ لُوزِمَ) أَيْ لَازَمَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ لِطَلَبِ الْمَالِ (لَازَمَهُ) أَيْ الْكَفِيلُ الْمَكْفُولَ عَنْهُ (وَإِنْ حُبِسَ) أَيْ صَارَ الْكَفِيلُ مَحْبُوسًا (حُبِسَ هُوَ) الْمَكْفُولُ عَنْهُ إذْ لَمْ يَلْحَقْهُ مَا لَحِقَهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيُجَازَى بِمِثْلِهِ (أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ إنْ قَبِلَ) أَيْ الْأَصِيلُ الْإِبْرَاءَ (بَرِئَا) أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ مَعًا (أَوْ أَخَّرَهُ) أَيْ الطَّالِبُ الطَّلَبَ (عَنْهُ) أَيْ الْأَصِيلِ (تَأَخَّرَ عَنْهُمَا) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْكَفِيلُ تَابِعٌ (بِلَا عَكْسٍ فِيهِمَا) لِاسْتِلْزَامِهِ تَبَعِيَّةِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ (وَلَوْ أَبْرَأَ) أَيْ الطَّالِبُ (الْكَفِيلَ) فَقَطْ (بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ) إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لِيَحْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ بَلْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالْإِبْرَاءِ (وَلَوْ وَهَبَ الدَّيْنَ لَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ إنْ كَانَ غَنِيًّا (أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ) إنْ كَانَ فَقِيرًا (يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَهِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ تَصِحُّ إذَا سُلِّطَ عَلَيْهِ وَالْكَفِيلُ مُسَلَّطٌ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْجُمْلَةِ كَذَا فِي الْكَافِي (وَبَعْدَهُ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصِيلِ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (صَالَحَ أَحَدُهُمَا) مِنْ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ (الطَّالِبَ عَنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ بَرِئَا) أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ إلَى الْأَلْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى الْأَصِيلِ فَيَبْرَأُ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَبَرَاءَتُهُ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ. (وَ) وَإِنْ أَدَّاهَا الْكَفِيلُ (رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِهَا) أَيْ بِخَمْسِمِائَةٍ أَدَّاهَا (إنْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) إذْ بِالْأَدَاءِ يَمْلِكُ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَاسْتَوْجَبَ الرُّجُوعَ (وَلَوْ) صَالَحَ (عَلَى جِنْسٍ آخَرَ رَجَعَ بِالْأَلْفِ) لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ فَمَلَكَ مَا فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ فَرَجَعَ بِكُلِّهِ عَلَيْهِ (صَالَحَ) أَيْ الْكَفِيلُ (عَنْ مُوجَبِ الْكَفَالَةِ لَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ) لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمُطَالَبَةُ وَإِبْرَاءُ الْكَفِيلِ عَنْهَا لَا يُوجِبُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ (قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بَرِئْتَ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ رَجَعَ عَلَى الْأَصِيلِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِقَبْضِ الْمَالِ مِنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَ الْبَرَاءَةَ إلَى الْكَفِيلِ وَغَيَّاهَا إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ إلَيَّ وَالْبَرَاءَةُ الَّتِي ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْكَفِيلِ وَانْتِهَاؤُهَا إلَى الطَّالِبِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالْإِيفَاءِ فَكَانَ هَذَا إقْرَارًا بِالْقَبْضِ مِنْهُ فَيَرْجِعُ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ (وَفِي أَبْرَأْتُك لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ لَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْكَفِيلِ (وَاخْتَلَفَتْ فِي بُرِّئْت) يَعْنِي إذَا قَالَ الطَّالِبُ لِلْكَفِيلِ بُرِّئْت وَلَمْ يَقُلْ إلَيَّ فَهُوَ إبْرَاءٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا غَابَ الطَّالِبُ (وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْبَيَانِ) لِصُدُورِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ (لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْكَفَالَةِ (بِالشَّرْطِ) مِثْلُ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهَا لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ فَلِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ الْمُطَالَبَةِ وَهِيَ كَالدَّيْنِ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا عَلَى الْكَفِيلِ الْمُطَالَبَةُ لَا الدَّيْنُ فِي الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقِيلَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَثَانِيهِمَا أَنْ يَشْتَمِلَ كَلَامُهُ عَلَى لَفَظَّةِ عَنِّي كَأَنْ يَقُولَ اُكْفُلْ عَنِّي اضْمَنْ عَنِّي لِفُلَانٍ أَوْ عَلَيَّ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ اُكْفُلْ لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَنِّي أَوْ قَالَ اُنْقُدْ فُلَانًا أَلْفَ دِرْهَمٍ لَهُ عَلَيَّ أَوْ قَالَ اضْمَنْ لَهُ عَنِّي أَوْ قَالَ اضْمَنْ لَهُ الْأَلْفَ الَّتِي عَلَيَّ أَوْ قَالَ اقْضِهِ مَا لَهُ عَلَيَّ أَوْ قَالَ اقْضِهِ عَنِّي أَوْ قَالَ أَعْطِهِ الْأَلْفَ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ أَوْ قَالَ أَعْطِهِ عَنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ أَوْفِهِ عَنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِمَا دَفَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُجَرَّدِ إذَا قَالَ لِآخَرَ اضْمَنْ لِفُلَانٍ الْأَلْفَ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ فَضَمِنَهَا وَادَّعَى إلَيْهِ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا فِي الضَّمَانِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلِيطًا لِلْآمِرِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ اقْضِهِ وَالْخَلِيطُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي عِيَالِهِ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَابْنِ الْأَخِ فِي عِيَالِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ شَرِيكِهِ شَرِكَةَ عِنَانٍ كَذَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْخَلِيطُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الرَّجُلُ وَيُعْطِيهِ وَيُؤْتِيهِ وَيَضَعُ عِنْدَهُ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ) لَمْ يَذْكُرْهُ ثَمَّةَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ فَإِنْ لُوزِمَ لَازَمَهُ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أُصُولِ الدَّائِنِ فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ أَصْلًا لَا يُحْبَسُ كَفِيلُهُ وَلَا يُلَازَمُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ ذَلِكَ بِالْأَصِيلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ (قَوْلُهُ أَبْرَأَ الطَّالِبَ الْأَصِيلُ. . . إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْكَفِيلَ حُكْمُ إبْرَائِهِ وَالْهِبَةِ يَخْتَلِفُ فِي الْإِبْرَاءِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَفِي الْأَصِيلِ يَتَّفِقُ حُكْمُ إبْرَائِهِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْكُلِّ اهـ. وَمَوْتُ الْأَصِيلِ قَبْلَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ وَلَوْ رَدَّهُ ارْتَدَّ وَدُيِّنَ الطَّالِبُ عَلَى حَالِهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَعُودُ إلَى الْكَفِيلِ أَمْ لَا فَبَعْضُهُمْ يَعُودُ وَبَعْضُهُمْ لَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ بُرِّئَا أَيْ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الصُّلْحَ. . . إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْكَفِيلِ وَلَمْ يُعَلِّلْ لِمَا إذَا صَالَحَ الْأَصِيلُ لِظُهُورِهِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إقْرَارٌ بِالْقَبْضِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَقِيلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اخْتَارَهُ فَأَخَّرَهُ وَهُوَ أَقْرَبُ الِاحْتِمَالَيْنِ فَالْمَصِيرُ إلَيْهِ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَصِحُّ) أَيْ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ أَوْجَهُ لَانَ الْمَنْعَ لِمَعْنَى التَّمْلِيكِ وَذَا يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَطْلُوبِ أَمَّا الْكَفِيلُ فَالْمُتَحَقِّقُ

لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلطَّالِبِ أَصْلًا نَحْوُ إذَا جَاءَ غَدٌ لَا يَجُوزُ وَإِذَا كَانَ مُلَائِمًا مُتَعَارَفًا فِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ يَجُوزُ كَمَا إذَا كَفَلَ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَقَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَقَبِلَ الطَّالِبُ فَوَافَاهُ الْكَفِيلُ فِي الْغَدِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (مَاتَ الْكَفِيلُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَلَّ) أَيْ الدَّيْنُ (عَلَيْهِ فَإِنْ أَدَّى وَارِثُهُ لَمْ يَرْجِعْ قَبْلَ حُلُولِهِ) لِأَنَّ الْكَفِيلَ الْتَزَمَ الدَّيْنَ مُؤَجَّلًا فَلَوْ رَجَعُوا بِالْمُعَجَّلِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْمُؤَجَّلِ فِي الْمَالِيَّةِ يَكُونُ رِبًا (وَإِنْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَلَّ عَلَيْهِ الْأَجَلُ فَقَطْ وَإِنْ مَاتَا) أَيْ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ (فَالطَّالِبُ يَأْخُذُهُ مِنْ أَيِّ التَّرِكَتَيْنِ شَاءَ) لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ (لَا يَسْتَرِدُّ أَصِيلٌ مَا أَدَّى إلَى كَفِيلِهِ) لِيَدْفَعَهُ إلَى طَالِبِهِ (وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ طَالِبُهُ) إذْ تَعَلَّقَ حَقٌّ بِهِ عَلَى احْتِمَالِ قَضَائِهِ الدَّيْنَ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِرْدَادُ مَا بَقِيَ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَمَنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ وَدَفَعَهَا إلَى السَّاعِي (وَإِنْ رَبِحَ) أَيْ الْكَفِيلُ (بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ الطَّالِبَ (طَابَ لَهُ) أَيْ لِلْكَفِيلِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ وَكَانَ الرِّبْحُ بَدَلَ مِلْكِهِ (وَنُدِبَ رَدُّهُ) أَيْ الرِّبْحِ (عَلَى قَاضِيهِ) وَهُوَ الْأَصِيلُ (فِيمَا يَتَعَيَّنُ) بِالتَّعْيِينِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ هَذَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ (أَمَرَ كَفِيلَهُ بِبَيْعِ الْعِينَةِ فَفَعَلَ فَالْمَبِيعُ لِلْكَفِيلِ وَالرِّبْحُ) الَّذِي حَصَلَ لِلْبَائِعِ يَكُونُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْكَفِيلِ لَا الْآمِرِ بَيَانُهُ أَنَّ الْأَصِيلَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِبَيْعِ الْعِينَةِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ اشْتَرِ مِنْ النَّاسِ نَوْعًا مِنْ الْأَقْمِشَةِ ثُمَّ بِعْهُ فَمَا رَبِحَهُ الْبَائِعُ مِنْك وَخَسِرْته أَنْتَ فَعَلَيَّ وَهُوَ يَأْتِي إلَى تَاجِرٍ فَيَطْلُبَ مِنْهُ الْقَرْضَ وَيَطْلُبُ التَّاجِرُ مِنْهُ الرِّبْحَ وَيَخَافُ مِنْ الرِّبَا فَيَبِيعُهُ التَّاجِرُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً مَثَلًا بِخَمْسَةَ عَشْرَ نَسِيئَةً فَيَبِيعُهُ هُوَ فِي السُّوقِ بِعَشَرَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعَشَرَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى أَجَلٍ أَوْ يُقْرِضُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا ثُمَّ يَبِيعُهُ الْمُقْرِضُ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَأْخُذُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقْرَضَهُ عَلَى أَنَّهَا ثَمَنُ الثَّوْبِ فَيَبْقَى عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَرْضًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ نَفَذَ عَلَيْهِ وَالرِّبْحُ الَّذِي رَبِحَهُ التَّاجِرُ يَلْزَمُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إمَّا ضَامِنٌ لِمَا يَخْسَرُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا لِلْوُجُوبِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ بَائِعٍ فِي السُّوقِ فَمَا خَسِرْت فَعَلَيَّ وَإِمَّا تَوْكِيلٌ بِالشِّرَاءِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ نَوْعِ الثَّوْبِ فِي ثَمَنِهِ وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ عِينَةً لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ يُقَالُ بَاعَهُ بِعِينَةٍ أَيْ نَسِيئَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهُ أَوْ قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ بِمَا لَزِمَهُ لَهُ) أَيْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَكَانَ إبْرَاؤُهُ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ مِنْ الْكَفِيلِ بِخِلَافِ الْأَصِيلِ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى تَمْلِيكِ الْمَالِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ) لَعَلَّ صَوَابَهُ النِّهَايَةُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَدَّى وَارِثُهُ لَمْ يَرْجِعْ قَبْلَ حُلُولِهِ) وَقَالَ زُفَرُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ الْمَطْلُوبُ قَبْلَ الْأَجَلِ حَلَّ عَلَيْهِ الْأَجَلُ فَقَطْ) أَيْ لَا عَلَى الْكَفِيلِ فَالطَّالِبُ إنْ شَاءَ طَالَبَ فِي تَرِكَةِ الْمَطْلُوبِ الْآنَ لِحُلُولِ الْأَجَلِ بِالْمَوْتِ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَطَالَبَ الْكَفِيلَ (قَوْلُهُ لِأَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي التَّعْلِيلِ لِأَنَّ بِمَوْتِهِمَا حَلَّ الْأَجَلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا إنَّمَا هُوَ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَبِحَ الْكَفِيلُ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ الْكَفِيلُ مِنْ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الطَّالِبَ طَلَبَ لَهُ هَذَا إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَقَدْ قَضَى الْكَفِيلُ الدَّيْنَ فَلَا خَبَثَ فِي الرِّبْحِ أَصْلًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَأَمَّا إذَا قَضَاهُ الْأَصِيلُ فَفِي الرِّبْحِ نَوْعُ خَبَثٍ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَطِيبُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ وَأَصْلُهُ الْخِلَافُ فِي الرِّبْحِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالنِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ دَفَعَ الْمَدْيُونُ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَ وَلَمْ يَقُلْ قَضَاءً وَلَا بِجِهَةِ الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْقَضَاءِ اهـ فَعَلَيْهِ يَكُونُ لِلْكَفِيلِ مَا رَبِحَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ رَدُّهُ عَلَى قَاضِيهِ فِيمَا يَتَعَيَّنُ) هَذَا رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالْأَصْلِ عَنْهُ الرِّبْحُ لَهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَلَا يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ إذَا رَدَّهُ عَلَى قَاضِيهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا طَابَ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَطِيبَ لَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجَهُ طِيبُهُ لَهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا قَضَى الْأَصِيلُ الدَّيْنَ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يَعْنِي الْخِلَافَ إذَا أَعْطَاهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ لِدَيْنِهِ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) وَذَكَرَ وُجُوهًا أُخَرَ لِتَسْمِيَتِهِ ثُمَّ قَالُوا هَذَا النَّوْعُ مَذْمُومٌ شَرْعًا اخْتَرَعَهُ أَكْلَةُ الرِّبَا وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ وَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا الْبَيْعُ مَكْرُوهٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُكْرَهُ هَذَا الْبَيْعُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَحَمِدُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ الرِّبَا حَتَّى لَوْ بَاعَ كَاغِدَةً بِأَلْفٍ يَجُوزُ وَلَا يُكْرَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[فصل لهما دين على آخر فكفل أحدهما لصاحبه بنصيبه]

رَجُلٍ لِرَجُلٍ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَيْهِ (فَغَابَ الْأَصِيلُ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْكَفِيلِ أَنَّ لَهُ عَلَى الْأَصِيلِ كَذَا رُدَّ) أَيْ لَمْ يُقْبَلْ بُرْهَانُهُ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيَقْضِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الْكَفِيلِ الْقَضَاءُ بِالْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ لِكَوْنِهِ غَائِبًا (بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى زَيْدٍ) الْغَائِبِ (كَذَا وَهَذَا كَفِيلُهُ قُضِيَ عَلَى الْوَكِيلِ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى هَاهُنَا مَالٌ مُطْلَقٌ فَأَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْمَالِ مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الْأَصِيلِ (وَلَوْ زَادَ بِأَمْرِهِ قُضِيَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِأَمْرِهِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَمُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً وَبِغَيْرِ أَمْرِهِ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَالْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ قَضَاءً بِالْآخَرِ فَإِذَا قَضَى بِهَا الْآمِرُ ثَبَتَ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْمَالِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَالْكَفَالَةُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا يَمَسُّ جَانِبَهُ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَعْتَمِدُ قِيَامَ الدَّيْنِ فِي زَعْمِ الْكَفِيلِ فَلَا يَتَعَدَّى عَنْهُ وَفِي الْكَفَالَةِ بِالْأَمْرِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْآمِرِ (كَفَالَتُهُ بِالدَّرَكِ تَسْلِيمٌ) لِلْمَبِيعِ وَإِقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ حَتَّى لَا تَجُوزُ لَهُ بَعْدَهَا دَعْوَى مَلَكِيَّتِهِ (كَكَتْبِ شَهَادَتِهِ فِي صَكٍّ كَتَبَ فِيهِ بَاعَ مِلْكَهُ أَوْ) بَاعَ (بَيْعًا نَافِذًا بَاتًّا) فَإِنَّهُ أَيْضًا تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَإِقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ (لَا كَتْبِ شَهَادَتِهِ فِي صَكِّ بَيْعٍ مُطْلَقٍ) عَنْ قَيْدِ الْمِلْكِيَّةِ وَكَوْنِهِ نَافِذًا بَاتًّا (فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا) بَلْ يُسْمَعُ بَعْدَهُ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَصْدُرُ عَنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَلَعَلَّهُ كَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْفَظَ الْوَاقِعَةَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا ذُكِرَ (كَكَتْبِ شَهَادَتِهِ عَلَى إقْرَارِ الْعَاقِدَيْنِ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ وَلَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّ فُلَانًا بَاعَ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ (قَالَ ضَمِنْته لَك إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الطَّالِبُ حَالًّا فَالْقَوْلُ لِلضَّامِنِ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْكَفِيلُ لِلطَّالِبِ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ أَلْفًا إلَى شَهْرٍ فَلَا تُطَالِبْنِي الْآنَ وَقَالَ الطَّالِبُ هُوَ حَالٌّ فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ (وَعُكِسَ فِي لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ إذَا قَالَ الْآخَرُ حَالَّةٌ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَفِيلَ لَمْ يُقِرَّ بِالدَّيْنِ إذْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا بَلْ أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ وَالطَّالِبُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَالْمُقِرُّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى شَهْرٍ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ (لَا يُؤَاخَذُ ضَامِنُ الدَّرَكِ إذَا اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُنْقَضُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يُقْضَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ فَلَا يَجِبُ رَدُّ الثَّمَنِ عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ (قَالَ لِآخَرَ اُسْلُكْ هَذَا الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ آمِنٌ فَسَلَكَ وَأَخَذُوا مَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ قَالَا إنْ كَانَ مَخُوفًا وَأُخِذَ مَالُك فَأَنَا ضَامِنٌ) وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا (ضَمِنَ) وَصَارَ غَارًّا الْأَصْلُ أَنَّ الْمَغْرُورَ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ إذَا حَصَلَ الْغُرُورُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ ضَمِنَ الْغَارُ صِفَةَ السَّلَامَةِ لِلْمَغْرُورِ نَصًّا حَتَّى لَوْ قَالَ الطَّحَّانُ لِصَاحِبِ الْحِنْطَةِ اجْعَلْ الْحِنْطَةَ فِي الدَّلْوِ فَجَعَلَهَا فِي الدَّلْوِ فَذَهَبَ مِنْ ثُقْبَةِ مَا كَانَ فِيهِ إلَى الْمَاءِ وَالطَّحَّانُ كَانَ عَالِمًا بِهِ يَضْمَنُ لِأَنَّهُ صَارَ غَارًّا فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ ثَمَّةَ مَا ضَمِنَ السَّلَامَةَ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهَاهُنَا الْعَقْدُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ فَصْلٌ (لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَكَفَلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِنَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ) يَعْنِي إذَا كَفَلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْبَيْعُ فِي قَلْبِي كَأَمْثَالِ الْجِبَالِ اخْتَرَعَهُ أَكْلَةُ الرِّبَا وَقَدْ ذَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ذَلَلْتُمْ فَظَهَرَ عَلَيْكُمْ عَدُوُّكُمْ» أَيْ اشْتَغَلْتُمْ بِالْحَرْثِ عَنْ الْجِهَادِ وَفِي رِوَايَةٍ سُلِّطَ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ وَقِيلَ إيَّاكَ وَالْعِينَةُ فَإِنَّهَا لَعِينَةٌ وَأَشَدُّ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ الْبِيَاعَاتُ الْكَائِنَةُ الْآنَ كَمَبِيعِ الْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَالشَّيْرَجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ الْحَالُ عَلَى وَزْنِهَا مَظْرُوفَةً ثُمَّ إسْقَاطُ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ عَلَى الظَّرْفِ وَبِهِ يَصِيرُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِحُكْمِ الْغَصْبِ الْمُحَرَّمِ فَأَيْنَ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْعِينَةِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَلَفِ فِي كَرَاهَتِهِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاَلَّذِي فِي قَلْبِي أَنَّهُ إذَا أَخَذَ ثَوْبًا بِثَمَنٍ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَاضٍ وَرَدَّ بَعْضًا مِنْ الثَّمَنِ وَيَبِيعُهَا لِغَيْرِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ بِأَمْرِهِ قَضَى عَلَيْهِمَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَشَارِحُ الْمَجْمَعِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ بِمَا قَضَى بِهِ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصِيلِ وَلَوْ كَانَ أَنْكَرَهُ خِلَافًا لِزُفَرَ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَخُوفًا. . . إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِجَهَالَةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ [فَصْلٌ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَكَفَلَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِنَصِيبِهِ] فَصْلٌ (قَوْلُهُ لَهُمَا دَيْنٌ عَلَى آخَرَ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَلِلشَّرِيكِ إذَا بِيعَ عَبْدٌ صَفْقَةً مَعَ زِيَادَةٍ عَلَى هَذَا وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فَلَوْ قَضَى بِحُكْمِ الضَّمَانِ. . . إلَخْ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ

أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَوْ انْصَرَفَ إلَى نَصِيبِهِ يَكُونُ قِسْمَةَ الدَّيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الشَّائِعِ يَكُونُ ضَامِنًا لِنَفْسِهِ فَلَوْ قَضَى بِحُكْمِ الضَّمَانِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِلْأَدَاءِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمَا مَرَّ وَلَوْ أَدَّى مُتَبَرِّعًا جَازَ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَبِهِ يَصِيرُ عَيْنًا وَتَمَيُّزُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِصَيْرُورَتِهِ عَيْنًا بِفِعْلِهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (وَعَلَيْهِمَا دَيْنٌ لِآخَرَ) بِأَنْ اشْتَرَيَا عَبْدًا بِأَلْفٍ (وَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ الْآخَرِ جَازَ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى شَرِيكِهِ إلَّا بِمَا أَدَّى زَائِدًا عَلَى النِّصْفِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصِيلٌ فِي النِّصْفِ وَكَفِيلٌ فِي النِّصْفِ فَمَا يُؤَدِّيهِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ أَصَالَةً إذْ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا عَلَيْهِ أَصَالَةً وَبَيْنَ مَا عَلَيْهِ كَفَالَةً لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَيْنٌ وَمُطَالَبَةٌ وَالثَّانِي مُطَالَبَةٌ فَقَطْ وَأَمَّا الزَّائِدُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا عَلَيْهِ كَفَالَةً وَلِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي النِّصْفِ عَنْ صَاحِبِهِ كَانَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُجْعَلَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ لِأَنَّ الْمُؤَدِّي نَائِبُهُ وَأَدَاءُ نَائِبِهِ كَأَدَائِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ (كَفَلَا بِشَيْءٍ عَنْ رَجُلٍ بِالتَّعَاقُبِ وَكَفَلَ كُلٌّ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ (عَنْ الْآخَرِ بِأَمْرِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَكَفَلَ عَنْهُ رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ كَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِمَا لَزِمَهُ بِالْكَفَالَةِ إذَا الْكَفَالَةُ بِالْكَفِيلِ جَائِزَةٌ (فَمَا أَدَّى) أَيْ أَحَدُهُمَا (يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ) ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْأَصِيلِ (أَوْ) رَجَعَ هُوَ (بِالْكُلِّ عَلَى الْأَصِيلِ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهِمَا مُسْتَوِيَانِ بِلَا تَرْجِيحٍ إذْ الْكُلُّ كَفَالَةٌ فَيَكُونُ الْمُؤَدَّى شَائِعًا بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ هَذَا إذَا كَفَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِالْجَمِيعِ (وَأَمَّا إذَا كَفَلَ كُلٌّ) مِنْهُمَا (بِالنِّصْفِ ثُمَّ) كَفَلَ (كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ فَهِيَ كَمَا قُبَيْلَهَا) أَيْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (فِي الصَّحِيحِ) حَتَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِمَا أَدَّى مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى النِّصْفِ (كَذَا لَوْ كَفَلَا) عَنْ الْأَصِيلِ (بِالْجَمِيعِ مَعًا ثُمَّ) كَفَلَ (كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ الْأَصِيلِ بِالْجَمِيعِ (أَوْ كَفَلَ كُلٌّ بِهِ) أَيْ بِالْجَمِيعِ (مُتَعَاقِبًا ثُمَّ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ بِالنِّصْفِ) لِمَا ذُكِرَ (وَإِنْ أَبْرَأَ الطَّالِبُ أَحَدَهُمَا أُخِذَ الْآخَرُ بِكُلِّهِ) لِأَنَّ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَبَقِيَ الْمَالُ كُلُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ بِكُلِّهِ فَيَأْخُذُهُ (افْتَرَقَ الْمُتَفَاوِضَانِ) أَيْ الشَّرِيكَانِ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ (أَخَذَ الْغَرِيمُ أَيًّا شَاءَ بِكُلِّ دَيْنٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ الْآخَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ (وَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ) لِمَا ذُكِرَ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ (كَاتَبَ عَبْدَيْهِ بِعَقْدٍ) إنْ قَالَ كَاتَبْتُكُمَا بِأَلْفٍ إلَى سَنَةٍ مَثَلًا (وَكَفَلَ كُلٌّ عَنْ صَاحِبِهِ جَازَ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ فِيهِ كَفَالَةَ الْمُكَاتَبِ وَالْكَفَالَةَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ بَاطِلٌ وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ أَوْلَى فَصَارَ كَمَا إذَا تَعَاقَبَتْ كِتَابَتُهُمَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَلِهَذَا قَالَ بِعَقْدٍ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ يَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ الْمَالِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَحَقِّ نَفْسِهِ وَعِتْقُ الْآخَرِ مُعَلَّقًا بِأَدَائِهِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَاتَبْتُكُمَا بِأَلْفٍ إنْ أَدَّيْتُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتُمَا حُرَّانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إنْ أَدَّيْت الْأَلْفَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَكُونُ عِتْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقًا بِأَدَاءِ الْأَلْفِ وَلَا يَحْصُلُ عِتْقُهُ بِأَدَاءِ نِصْفِهِ إذْ الشَّرْطُ يُقَابِلُ الْمَشْرُوطَ جُمْلَةً وَلَا يُقَابِلُهُ أَجْزَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) يَعْنِي أَنَّهَا أُولَى بِاعْتِبَارِ هَذِهِ وَإِلَّا فَهِيَ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ الْفَصْلِ ثَانِيَةٌ (قَوْلُهُ وَالْآخَرُ كَفِيلٌ عَنْهُ فَيَأْخُذُهُ) أَيْ بِالْمَالِ (قَوْلُهُ لِمَا ذُكِرَ فِي كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ) يَعْنِي فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ

[كتاب الحوالة]

فَيُطَالِبُ الْمَوْلَى كُلًّا مِنْهُمَا بِجَمِيعِ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ لَا الْكَفَالَةِ فَأَيُّهُمَا أَدَّى عَتَقَ وَعَتَقَ الْآخَرُ تَبَعًا لَهُ كَمَا فِي وَلَدِهِ الْمَكَاتِب (فَمَا أَدَّى أَحَدُهُمَا رَجَعَ) عَلَى الْآخَرِ (بِنِصْفِهِ) لِاسْتِوَائِهِمَا وَلَوْ رَجَعَ بِالْكُلِّ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ انْتَفَى الْمُسَاوَاةُ (وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا) قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَا شَيْئًا (جَازَ) لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَبَرِئَ الْمُعْتَقُ عَنْ النِّصْفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْمَالِ إلَّا لِيَكُونَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَلَمْ يَبْقَ وَسِيلَةٌ فَيَسْقُطُ النِّصْفُ وَيَبْقَى النِّصْفُ عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْحَقِيقَةِ مُقَابَلٌ بِرَقَبَتِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُوَزَّعًا مُنْقَسِمًا عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا جُعِلَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِتَصْحِيحِ الضَّمَانِ فَكَانَ ضَرُورِيًّا لَا يَتَعَدَّى غَيْرَ مَوْضِعِهِمَا وَإِذَا أَعْتَقَ اسْتَغْنَى عَنْهُ وَانْتَفَى الضَّرُورَةُ فَاعْتُبِرَ مُقَابَلًا بِرَقَبَتِهِمَا فَلِهَذَا يَنْتَصِفُ وَإِذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا (أَخَذَ أَيًّا شَاءَ بِحِصَّةِ مَنْ لَمْ يُعْتِقْهُ) أَمَّا أَخْذُ الْمُعْتَقِ فَبِالْكَفَالَةِ وَأَمَّا أَخْذُ صَاحِبِهِ فَبِالْأَصَالَةِ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ أَخْذَ الْمُعْتَقِ بِالْكَفَالَةِ تَصْحِيحٌ لِلْكَفَالَةِ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ مُطَالَبًا بِجَمِيعِ الْأَلْفِ وَالْبَاقِي بَعْضُ ذَلِكَ فَيَبْقَى عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْبَقَاءَ يَكُونُ عَلَى وَصْفِ الثُّبُوتِ (فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ) أَيْ بِمَا أَدَّى لِأَنَّهُ أَدَّاهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ (وَإِنْ أَخَذَ الْآخَرَ لَا) أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَدَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ (مَا لَا يَجِبُ عَلَى عَبْدٍ حَتَّى يَعْتِقَ) وَهُوَ دَيْنٌ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا إذَا لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ اسْتِقْرَاضِهِ أَوْ وَطْئِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِهِ وَدِيعَةً فَإِنَّهَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَلْ يُؤْخَذُ بِهَا الْعَبْدُ بَعْدَ عِتْقِهِ (حَالٌّ عَلَى مَنْ كَفَلَ بِهِ) كَفَالَةً (مُطْلَقَةً) عَنْ قَيْدِ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ لِأَنَّ الْمَالَ حَالٌّ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ السَّبَبِ وَقَبُولِ الذِّمَّةِ لَكِنَّهُ لَا يُطَالَبُ لِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ لِمَوْلَاهُ وَلَمْ يَرْضَ بِتَعَلُّقِهِ بِهِ وَالْكَفِيلُ غَيْرُ مُعْسِرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَفَلَ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَ حَالًّا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ (وَإِنْ أَدَّى رَجَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ عِتْقِهِ لَوْ كَفَلَ بِأَمْرِهِ) لِأَنَّ الْكَفِيلَ بِالْأَدَاءِ مَلَكَ الدَّيْنَ وَقَامَ مَقَامَ الطَّالِبِ فَلَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ (ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَالًا وَكَفَلَ بِنَفْسِهِ رَجُلٌ فَمَاتَ الْعَبْدُ يَبْرَأُ الْكَفِيلُ) لِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ حُرًّا (مَاتَ عَبْدٌ مَكْفُولٌ بِرَقَبَتِهِ فَبَرْهَنَ أَنَّهُ لِمُدَّعِيهِ ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ) يَعْنِي أَدَّى رَجُلٌ رَقَبَةَ عَبْدٍ فَكَفَلَ بِهِ آخَرُ فَمَاتَ الْعَبْدُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ ضَمِنَ الْكَفِيلُ قِيمَتَهُ إذَا كَانَ عَلَى الْمَوْلَى رَدَّهُ عَلَى وَجْهٍ يَخْلُفُهُ قِيمَتُهُ وَقَدْ الْتَزَمَ الْكَفِيلُ ذَلِكَ وَبَعْدَ مَوْتِهِ تَبْقَى الْقِيمَةُ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَا الْكَفِيلُ (كَفَلَ عَبْدٌ عَنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ فَعَتَقَ فَأَدَّاهُ أَوْ عَكَسَ) أَيْ كَفَلَ مَوْلَى عَبْدٍ عَنْهُ وَأَدَّاهُ بَعْدَ عِتْقِهِ (لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (عَلَى الْآخَرِ) مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِتَكْفِيلِهِ يَصِحُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَإِنْ كَانَ فَلَا يَصِحُّ لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَأَمَّا كَفَالَةُ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ فَتَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعَا لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْآخَرِ دَيْنًا فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجَبَةً بَعْدَهُ كَمَا إذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمَرَهُ فَأَجَازَ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لِلرُّجُوعِ كَمَا مَرَّ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ فَائِدَةُ كَفَالَةِ الْمَوْلَى عَنْ عَبْدِهِ وُجُوبُ مُطَالَبَتِهِ بِإِيفَاءِ الدَّيْنِ عَنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ وَفَائِدَةُ الْعَكْسِ تَعَلُّقُهُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ [كِتَابُ الْحَوَالَةِ] [شُرُوط صِحَّة الْحَوَالَةِ] (كِتَابُ الْحَوَالَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ أَخَذَ الْمُعْتَقَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا ادَّعَى لِأَنَّهُ أَدَّاهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَشَرْحِهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ كَفَلَ بِأَمْرِهِ كِتَابُ الْحَوَالَةِ

(هِيَ) لُغَةً اسْمٌ بِمَعْنَى الْإِحَالَةِ وَهِيَ النَّقْلُ مُطْلَقًا، وَشَرْعًا (نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) أَيْ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالدَّيْنِ لِأَنَّهَا نَقْلٌ شَرْعِيٌّ وَالدَّيْنُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ فَالنَّقْلُ الشَّرْعِيُّ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ الشَّرْعِيَّ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نَقْلِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ وَيَتْبَعُهُ نَقْلُ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْمَبِيعُ (الْمَدْيُونُ مُحِيلٌ وَالدَّائِنُ مُحْتَالٌ وَمُحْتَالٌ لَهُ وَمُحَالٌ وَمُحَالٌ لَهُ) يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ (وَمَنْ يَقْبَلُهَا) أَيْ الْحَوَالَةَ (مُحْتَالٌ عَلَيْهِ وَمُحَالٌ عَلَيْهِ) يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَيْضًا هَذَانِ اللَّفْظَانِ (وَالْمَالُ مُحَالٌ بِهِ) وَشُرِطَ (لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ رِضَا الْكُلِّ) أَمَّا رِضَا الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ قَدْ يَأْنَفُونَ بِتَحَمُّلِ غَيْرِهِمْ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ وَأَمَّا رِضَا الثَّانِي وَهُوَ الْمُحْتَالُ فَلِأَنَّ فِيهَا انْتِقَالَ حَقِّهِ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى وَالذِّمَمُ مُتَفَاوِتَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ وَأَمَّا رِضَا الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَلِأَنَّهَا إلْزَامُ الدَّيْنِ وَلَا لُزُومَ بِلَا الْتِزَامٍ (بِلَا خِلَافٍ إلَّا فِي الْأَوَّلِ) حَيْثُ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ الْحَوَالَةُ تَصِحُّ بِلَا رِضَا الْمُحِيلِ لِأَنَّ الْتِزَامَ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَالْمُحِيلُ لَا يَتَضَرَّرُ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِهِ. (وَ) شُرِطَ (حُضُورِ الثَّانِي) يَعْنِي لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ لَهُ (إلَّا أَنْ يَقْبَلَ) أَيْ الْحَوَالَةَ (فُضُولِيٌّ لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ الْغَائِبِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (لَا حُضُورِ الْبَاقِينَ) أَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُحِيلُ فَبِأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِلدَّائِنِ لَك عَلَى فُلَانٍ ابْنِ فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاحْتَلْ بِهَا عَلَيَّ، فَرَضِيَ الدَّائِنُ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَأَمَّا عَدَمُ اشْتِرَاطِ حُضُورِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَبِأَنْ يُحِيلَ الدَّائِنُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ فَقَبِلَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَإِذَا تَمَّتْ) الْحَوَالَةُ (بَرِئَ الْمُحِيلُ) عَنْ الدَّيْنِ بِقَبُولِ الْمُحْتَالِ وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَوَالَةِ النَّقْلُ كَمَا مَرَّ وَهُوَ يَقْتَضِي فَرَاغَ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ بَقَاءَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي مَحَلَّيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُحْتَالُ إلَّا بِالتَّوَى) لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِسَلَامَةِ حَقِّهِ لَهُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ فَيَرْجِعُ عِنْدَ عَدَمِ السَّلَامَةِ وَبَيَّنَ التَّوَى بِقَوْلِهِ (بِمَوْتِ الْمُحِيلِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا أَوْ حَلِفِهِ) حَالَ كَوْنِهِ (مُنْكِرَ الْحَوَالَةِ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ يَتَحَقَّقُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ التَّوَى حَقِيقَةً وَعِنْدَهُمَا هَذَانِ وَثَالِثٌ وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِهِ فِي حَيَاتِهِ (تَصِحُّ) أَيْ الْحَوَالَةُ (بِالدَّرَاهِمِ الْمُودَعَةِ) يَعْنِي إذَا أَوْدَعَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَحَالَ بِهِ عَلَيْهِ آخَرُ صَحَّ لِأَنَّهُ أُقْدَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا بِالدَّرَاهِمِ (الْمَغْصُوبَةِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي غَصَبَهَا الْمُحْتَالُ مِنْ الْمُحِيلِ (وَبِالدِّينِ) الْكَائِنِ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (وَتَبْطُلُ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هِيَ نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الدَّيْنِ وَكَذَا الْغَصْبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ رَدُّ الْعَيْنِ وَالْقِيمَةُ مُخَلِّصٌ وَدَفْعُ الْإِيرَادِ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ الْوَدِيعَةِ وَكَالَةٌ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ وَالدَّائِنُ مُحَالٌ وَمُحْتَالٌ لَهُ وَمُحَالٌ لَهُ) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَوْلُهُمْ لِلْمُحْتَالِ الْمُحْتَالُ لَهُ لُغَةً لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الصِّلَةِ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ) بَيَانُ ذَلِكَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي مِنْ مَادَّةِ الِاشْتِقَاقِ وَالْأَصْلُ أَعْنِي الدَّائِنَ وَيُزَادُ خَامِسًا قَالَهُ سَعْدِيٌّ حَلَبِيٌّ وَهُوَ حَوِيلٌ (قَوْلُهُ وَشُرِطَ رِضَا الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ إلَّا فِي الْأَوَّلِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِلَّا فَإِنْ أَرَادَ خِلَافًا مَذْهَبِيًّا أَوْ أَعَمَّ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا اخْتَارَهُ الْجُرْجَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ عَنْ مُخْتَصَرِ الْأَسْرَارِ إنَّ رِضَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ إنْ كَانَ لِلْمُحِيلِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْقَبُولُ وَفِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ (قَوْلُهُ حَيْثُ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ الْحَوَالَةُ تَصِحُّ بِلَا رِضَى الْمُحِيلِ) هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ وَإِذَا تَمَّتْ أَيْ حَوَالَةٌ) أَيْ بِرُكْنِهَا وَشَرْطِهَا بَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ الْمُطَالَبَةِ فَقَطْ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَبْرَأُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ إلَّا بِالتَّوَى) التَّوَى التَّلَفُ يُقَالُ مِنْهُ تَوِيَ بِوَزْنِ عَلِمَ وَهُوَ تَوٌّ وَتَاوٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ يُتْوَى تَوًّا إذَا تَلِفَ مَقْصُورٌ غَيْرُ مَهْمُوزٍ (قَوْلُهُ وَبَيَّنَ التَّوَى بِقَوْلِهِ بِمَوْتِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا عَيْنًا وَلَا دَيْنًا وَلَا كَفِيلًا وَهَذَا إذَا ثَبَتَ مَوْتُهُ مُفْلِسًا بِتَصَادُقِهِمَا فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُحْتَالِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الْعِلْمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَالشَّافِي وَقَالَ الْكَمَالُ. وَفِي شَرْحِ النَّاصِحِيِّ الْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ مَعَ الْيَمِينِ لِإِنْكَارِهِ عَوْدَ الدَّيْنِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَفِيلٌ وَلَكِنْ رَجُلٌ تَبَرَّعَ بِهِ وَرَهَنَ بِهِ رَهْنًا ثُمَّ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا عَادَ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُسَلَّطًا عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ وَالثَّمَنُ لِصَاحِبِ الرَّهْنِ اهـ. وَمِثْلُ حُكْمِ التَّبَرُّعِ بِالرَّهْنِ مَا لَوْ اسْتَعَارَ الْمَطْلُوبُ شَيْئًا وَرَهَنَهُ عِنْدَ الطَّالِبِ ثُمَّ مَاتَ مُفْلِسًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

[الحوالة بالدراهم المودعة والمغصوبة وبالدين]

الْحَوَالَةُ (بِهَلَاكِ الْأُولَى) أَيْ الْوَدِيعَةِ لِتَقْيِيدِ الْكَفَالَةِ بِهَا لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مِنْهَا (أَوْ اسْتِحْقَاقِهَا) لِأَنَّهُ كَهَلَاكِهَا (وَيَبْرَأُ الْمُودَعُ) وَيَعُودُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُحِيلِ (وَ) تَبْطُلُ أَيْضًا (بِاسْتِحْقَاقِ الثَّانِيَةِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ (لِعَدَمِ مَا يَخْلُفُهَا وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ) وَيَعُودُ الدَّيْنُ (لَا بِهَلَاكِهَا) أَيْ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِهَلَاكِ الثَّانِيَةِ (إذَا كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي هَلَاكِهِ (وَفَاءٌ) أَيْ مَا بَقِيَ بِمَالِ الْحَوَالَةِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ قَائِمًا مَقَامَ الْمَغْصُوبَةِ (وَفِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَعْدُودَةِ (لَا يُطَالِبُ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ) بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ اللَّذَيْنِ قُيِّدَتْ الْحَوَالَةُ بِهِمَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُحْتَالِ لَهُ بِهِمَا (وَلَا يَقْدِرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْمُحِيلِ) يَعْنِي كَمَا لَا يَمْلِكُ الْمُحِيلُ مُطَالَبَةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْمُحِيلِ حَتَّى لَوْ دَفَعَ صَارَ ضَامِنًا لِلْمُحْتَالِ لَهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ لَهُ (مَعَ أَنَّ الْمُحْتَالَ أُسْوَةٌ لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُحْتَالِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُحْتَالُ أُسْوَةً لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الرَّهْنِ مَعَ أَنَّهُ أُسْوَةٌ لَهُمْ لِأَنَّ الْعَيْنَ الَّذِي بِيَدِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لِلْمُحِيلِ وَالدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ مَمْلُوكًا لِلْمُحَالِ بِعَقْدِ الْحَوَالَةِ لَا يَدًا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا رَقَبَةً لِأَنَّ الْحَوَالَةَ مَا وُضِعَتْ لِلتَّمْلِيكِ بَلْ لِلنَّقْلِ فَيَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَمَلَكَ الْمَرْهُونَ يَدًا وَجِنْسًا فَيَثْبُتُ لَهُ نَوْعُ اخْتِصَاصٍ بِالْمَرْهُونِ شَرْعًا لَمْ يَثْبُتْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ (بِخِلَافِ) الْحَوَالَةِ (الْمُطْلَقَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَوَالَةَ إمَّا مُطْلَقَةٌ أَوْ مُقَيَّدَةٌ، أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَهِيَ أَنْ يُرْسِلَهَا إرْسَالًا لَا يُقَيِّدُهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَلَا بِعَيْنٍ لَهُ فِي يَدِهِ أَوْ يُحِيلَهُ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا فِي يَدِهِ عَيْنٌ لَهُ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحِيلِ مَالٌ عِنْدَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ مِنْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ أَحَلْت الطَّالِبَ عَلَيْك بِالْأَلْفِ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَهَا مِنْ الْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْك وَقَبِلَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ الْمُقَيَّدَةِ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ الْمُطْلَقَةِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لَهُ حَيْثُ يُطَالِبُ فِيهَا الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ (وَيَقْدِرُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى الْمُحِيلِ) إذْ لَا تَعَلُّقَ لِحَقِّ الْمُحَالِ بِمَا عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ بَلْ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَفِي ذِمَّتِهِ سَعَةٌ (لَا تَبْطُلُ بِأَخْذِ مَا عِنْدَهُ) مَعَ الْعَيْنِ كَالْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ (أَوْ عَلَيْهِ) مِنْ الدَّيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً أَوْ مُقَيَّدَةً أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يُنَافِي تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِخُصُوصِيَّاتِ مَا عِنْدَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَالْمُبْطِلُ تَعَلُّقُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُحِيلَ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْ الْمُحْتَالِ فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ فَقَدْ دَفَعَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُحْتَالِ فَيَضْمَنُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ (لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُحِيلِ أَحَلْت بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك لِلْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ مِثْلَ مَا أَحَالَ) يَعْنِي رَجُلٌ أَحَالَ رَجُلًا عَلَى آخَرَ بِأَلْفٍ فَدَفَعَهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ إلَى الْمُحْتَالِ ثُمَّ طَلَبَ الدَّافِعُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُحِيلِ فَقَالَ الْمُحِيلُ أَحَلْت بِأَلْفٍ كَانَ لِي عَلَيْك وَالْمُحْتَالُ عَلَيْهِ أَنْكَرَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ لَا لِلْمُحِيلِ وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِالْحَوَالَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ وَلَا قَبُولُهُ الْحَوَالَةَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ دَيْنٌ. (وَ) لَا (قَوْلُ الْمُحْتَالِ لِلْمُحِيلِ) إذَا طَلَبَهُ (أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ لِي عَلَيْك) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمُحِيلُ لِلْمُحْتَالِ أَعْطِنِي مَا قَبَضْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنِّي أَحَلْتُك لِتَقْبِضَهُ لِي وَكُنْت وَكِيلِي فِي قَبْضِهِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ أَحَلْتنِي بِدَيْنٍ لِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْحَوَالَةُ بِالدَّرَاهِمِ الْمُودَعَةِ وَالْمَغْصُوبَةِ وَبِالدَّيْنِ] قَوْلُهُ لِتَقْيِيدِ الْكَفَالَةِ بِهَا) صَوَابُهُ الْحَوَالَةُ (قَوْلُهُ لَا بِهَلَاكِهَا أَيْ لَا تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ بِهَلَاكِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ فِيهِ أَيْ فِي هَلَاكِهِ وَفَاءٌ) فِي التَّقْيِيدِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ بِمِثْلِهِ إذَا هَلَكَ مِثْلِيًّا وَالدَّرَاهِمُ مِثْلِيَّةٌ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَالصُّورَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا أَحَالَ بِمَا غَصَبَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِذَا هَلَكَتْ الْمِثْلُ مَوْجُودٌ وَبِهِ وَفَاءٌ بِمَالِ الْحَوَالَةِ (قَوْلُهُ وَفِيهَا لَا يُطَالِبُ الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا دَامَتْ الْحَوَالَةُ وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُحْتَالُ الْمُحَالَ عَلَيْهِ عَنْ الدَّيْنِ أَخَذَ الْمُحِيلُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَبْرَأَ الرَّاهِنَ يَرْجِعُ بِرَهْنِهِ وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِدَيْنِهِ لِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ وَكَذَا إذَا وَرِثَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَالدَّيْنُ الَّذِي لَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْمُحِيلِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُحِيلِ) صَوَابُهُ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مَعَ أَنَّ الْمُحْتَالَ أُسْوَةٌ لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ لِغُرَمَاءِ الْمُحِيلِ الْمُحْتَالَ فِي الَّذِي أُحِيلَ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ مُقَيَّدًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ يُحِيلُهُ عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ) صَوَابُهُ بِأَنْ يُحِيلَهُ لِأَنَّهُ بَيَانَ لِصُورَةِ الْمُرَاسَلَةِ لَا قِسْمٌ آخَرُ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُبَايِنًا لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يُرْسِلَهَا إرْسَالًا لَا يُقَيِّدُهَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَلَا يُعَيِّنُ لَهُ فِي يَدِهِ (قَوْلُهُ لَا تَبْطُلُ بِأَخْذِهِ مَا عِنْدَهُ. . . إلَخْ) حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ

[كتاب المضاربة]

عَلَيْك فَالْقَوْلُ لِلْمُحِيلِ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَدَّعِي عَلَيْهِ الدَّيْنَ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ وَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ مِنْ الْمُحِيلِ بِالْحَوَالَةِ وَإِقْدَامُهُ عَلَيْهَا إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا لِلْمُحْتَالِ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَوَالَةِ قَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْوَكَالَةِ (يُجْبَرُ الْمُحْتَالُ إذَا أَدَّى الْمُحِيلُ فَلَمْ يَقْبَلْ) لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْمُطَالَبَةِ إلَى الْمُحِيلِ بِالتَّوَى (أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ ثَمَنِ دَارِهِ) أَيْ دَارِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ (فَقَبِلَ صَحَّتْ) الْحَوَالَةُ لِأَنَّهُ أَحَالَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَهَا (وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ) لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْبَيْعِ (وَلَوْ بَاعَ يُجْبَرُ عَلَى الْأَدَاءِ) لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ (وَلَوْ أَحَالَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا (إلَّا إذَا أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِوُجُودِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْأَدَاءِ (بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُحِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ غَرِيمًا لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (بَطَلَ) الْبَيْعُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْبَائِعِ (وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْتَالَ بِالثَّمَنِ صَحَّ) لِأَنَّهُ يُؤَكِّدُ مُوجَبَ الْعَقْدِ إذْ الْحَوَالَةُ فِي الْعَادَةِ تَكُونُ عَلَى الْإِمْلَاءِ وَالْأَحْسَنِ قَضَاءً فَصَارَ كَشَرْطِ الْجَوْدَةِ (كُرِهَ السَّفْتَجَةُ) هِيَ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ التَّاءِ وَاحِدَةُ السَّفَاتِجِ تَعْرِيبُ سَفْتَهَ وَهِيَ شَيْءٌ مُحْكَمٌ وَيُسَمَّى هَذَا الْقَرْضُ بِهِ لِإِحْكَامِ أَمْرِهِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى تَاجِرٍ مَبْلَغًا قَرْضًا لِيَدْفَعَهُ إلَى صَدِيقِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ (كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ وُجُودُ مَعْنَى نَقْلِ الْمَالِ فِي الْحَوَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ (هِيَ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا لِطَلَبِ الرِّبْحِ، وَشَرْعًا (عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ رَجُلٍ وَعَمَلٍ مِنْ آخَرَ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ) بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعْت هَذَا الْمَالَ إلَيْك مُضَارَبَةً أَوْ مُعَامَلَةً أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ إلَيْك وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَنَا نِصْفَانِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظٍ تَثْبُتُ بِهَا الْمُضَارَبَةُ (وَالْقَبُولُ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُضَارِبُ قَبِلْت وَنَحْوَهُ (وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ) الْأَوَّلُ أَنَّهَا (إيدَاعٌ أَوَّلًا) لِأَنَّهُ قَبْضُ الْمَالِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَالْوَثِيقَةِ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ قَبْضُهُ بَدَلًا وَبِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ قَبْضُهُ وَثِيقَةً (وَتَوْكِيلٌ عِنْدَ عَمَلِهِ) لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ لَهُ بِأَمْرِهِ حَتَّى يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ (وَشَرِكَةٌ إنْ رَبِحَ) لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ (وَغَصْبٌ إنْ خَالَفَ) لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (أَجَازَ بَعْدَهُ) أَيْ الْمُضَارِبُ إذَا اشْتَرَى مَا نُهِيَ عَنْهُ ثُمَّ بَاعَهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ ثُمَّ أَجَازَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَبْضِعُ (وَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ إنْ فَسَدَتْ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ لِلْمُضَارِبِ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ بَدَلُ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ (فَلَا رِبْحَ حِينَئِذٍ) لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَمَّا فَسَدَتْ صَارَتْ إجَارَةً (بَلْ أَجْرُ عَمَلِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يُجْبَرُ الْمُحْتَالُ إذَا أَدَّى الْمُحِيلُ فَلَمْ يُقْبَلْ) فَرَضَهَا قَاضِي خَانْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً فَقَالَ وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ مُطْلَقَةً ثُمَّ إنَّ الْمُحِيلَ قَضَى دَيْنَ الْمُحْتَالِ لَهُ يُجْبَرُ لَهُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَا يَكُونُ الْمُحِيلُ مُتَبَرِّعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَصُورَتُهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُقْرِضَ إنْسَانًا مَالًا لِيَقْضِيَهُ الْمُسْتَقْرِضُ فِي بَلَدٍ يُرِيدُهُ الْمُقْرِضُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَرْضِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ وَهُوَ نَوْعُ نَفْعٍ اُسْتُفِيدَ بِالْقَرْضِ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَغَيْرِهَا إنْ كَانَ السَّفْتَجُ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ فَهُوَ حَرَامٌ وَالْقَرْضُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا جَازَ وَصُورَةُ الشَّرْطِ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ أَقْرَضَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِهَا إلَى بَلَدٍ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَقْرَضَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَكَتَبَ جَازَ ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا يُحِلُّ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ كَذَلِكَ فَلَا. اهـ. [كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ] [أَرْكَان الْمُضَارَبَة] كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ) يَعْنِي وَقَدْ سُمِّيَ ثَمَنٌ (قَوْلُهُ بَلْ أَجْرُ عَمَلِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَا) أَقُولُ هَذَا أَيْ وُجُوبُ الْأَجْرِ مُطْلَقًا رِوَايَةُ الْأَصْلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ فَيَحْكُمُ بِهِ أَيْ أَبُو يُوسُفَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إنْ رَبِحَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَذَا فِي الْفَاسِدَةِ وَيَمْنَعُ أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا مُجَاوَزَةَ الْمَشْرُوطِ أَيْ مَا شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ وَخَالَفَهُ فِيهِمَا أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ بَالِغًا مَا بَلَغَ اهـ لَكِنْ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ أَبُو يُوسُفَ قَالَ فِيهِ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ. . . إلَخْ اهـ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مِثْلُ مَا فِي الْمَجْمَعِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ أَطْلَقَ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى

[شروط المضاربة]

كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَا (بِلَا زِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَدْ مَرَّ (وَلَا ضَمَانَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ (كَالصَّحِيحَةِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا (وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ إلَى آخَرَ وَشَرْطُ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ فَبِضَاعَةٌ وَ) شَرْطُهُ (لِلْعَامِلِ فَقَرْضٌ) وَإِنَّمَا غَيَّرَ أُسْلُوبَ الْوِقَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَعُدَّ الْبِضَاعَةَ وَالْقَرْضَ فِي سِلْكِ الْإِيدَاعِ وَغَيْرِهِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذَا كَانَتْ عَقْدَ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ فَكَيْفَ تَكُونُ بِضَاعَةً أَوْ قَرْضًا (وَشَرْطُهَا سِتَّةٌ) الْأَوَّلُ (كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِمَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ شَرِكَةً بِحُصُولِ الرِّبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالتِّبْرُ وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ كَمَا سَيَأْتِي (وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ وَعَمَلِ مُضَارَبَةٍ فِي ثَمَنِهِ فَقَبِلَ صَحَّ) لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْمُضَارَبَةَ إلَى الْعَرْضِ بَلْ إلَى ثَمَنِهِ وَهُوَ مِمَّا تَصِحُّ بِهِ الْمُضَارَبَةُ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَجُوزُ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فَلَا يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْهَا الْإِضَافَةَ إلَيْهِ (وَ) الثَّانِي (كَوْنُهُ عَيْنًا لَا دَيْنًا) لِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ ابْتِدَاءً وَلَا يَتَصَوَّرُ كَوْنُهُ أَمِينًا فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ (فَلَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى ثَالِثٍ فَقَالَ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً) حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمُضَارَبَةَ إلَى زَمَانِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنُ فِيهِ يَصِيرُ عَيْنًا وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ الْمَالِ (وَ) الثَّالِثُ (تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُضَارِبِ) حَتَّى لَا يَبْقَى لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ يَدٌ لِأَنَّ الْمَالَ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْلُصَ الْمَالُ لِلْعَامِلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَأَمَّا الْعَمَلُ فِي الشَّرِكَةِ فَمِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ شُرِطَ خُلُوصُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا (فَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُفْسِدُهَا) أَيْ إنْ شَرَطَا أَنْ يَعْمَلَ الْمَالِكُ مَعَ الْمُضَارِبِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَمَا يَأْبَاهُ كَانَ مُفْسِدًا ضَرُورَةً (وَ) الرَّابِعُ (كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا) لِئَلَّا يَقَعَا فِي الْمُنَازَعَةِ (تَسْمِيَةً) بِأَنْ يَعْقِدَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ (أَوْ إشَارَةً) كَمَا إذَا دَفَعَ مُضَارَبَةً إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا لِلْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ (وَ) الْخَامِسُ (كَوْنُ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَجَهَالَتُهُ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ (وَ) السَّادِسُ (شُيُوعُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً) لِقَطْعِهِ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا قَدْرَ مَا شُرِطَ لَهُ وَإِذَا انْتَفَى الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ بِطَرِيقِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ (فَتَفْسُدُ بِشَرْطِ زِيَادَةِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ لِأَحَدِهِمَا) فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْمُسَمَّى الْمَشْرُوطِ لِلْفَسَادِ فَيُصَارُ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ ضَرُورَةً وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ (كَذَا) أَيْ يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ (كُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ) كَمَا لَوْ قَالَ لَك نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِلَا زِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَمَشَى فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِي مُجَاوَزَةِ الْمُسَمَّى بَلْ أَخَذَ فِيهِ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ مَشَى عَلَى عَدَمِ مُجَاوَزَتِهِ الْمَشْرُوطَ وَلَمْ يَمْشِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ لُزُومِ الْأَجْرِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ. اهـ. [شُرُوط الْمُضَارَبَة] (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ وَعَمِلَ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ فَقِيلَ صَحَّ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَرْضَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسُ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَجْعُولَ رَأْسُ الْمَالِ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ أُضِيفَ إلَيْهِ فَلَا تَضُرُّ جَهَالَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ كَذَا أَيْ يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ كُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ كَمَا لَوْ قَالَ لَكَ نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ. . . إلَخْ) لَا يُشْكِلُ بِمَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا كَوْنُ الرِّبْحِ مُشَاعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ مُشَاعٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَك نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبُعُهُ التَّرْدِيدُ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ يُوجِبُ الْجَهَالَةَ وَالْمَسْأَلَةُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِمُنْلَا مِسْكِينٍ

أَوْ رُبُعُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَجَهَالَتُهُ تُفْسِدُ الْعَقْدَ (وَغَيْرُهُ لَا) أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ (بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْخُسْرَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ) لِأَنَّهَا جُزْءٌ هَالِكٌ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ غَيْرَ رَبِّ الْمَالِ لَكِنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ وَالْجَهَالَةَ فِيهِ فَلَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ لِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ كَالْهِبَةِ (وَإِذَا صَحَّتْ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ (فِي مُطْلَقِهَا) وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ دَفَعْت إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ (الْبَيْعُ مُطْلَقًا) أَيْ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ (إلَّا بِأَجَلٍ لَمْ يُعْهَدْ) عِنْدَ التُّجَّارِ كَعِشْرِينَ سَنَةً. (وَ) لَهُ أَيْضًا (الشِّرَاءُ وَالتَّوْكِيلُ بِهِمَا) أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (وَالسَّفَرُ وَالْإِبْضَاعُ) وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ بِضَاعَةً (وَلَوْ لِرَبِّ الْمَالِ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْمُضَارَبَةَ (وَالْإِيدَاعُ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاحْتِيَالُ) أَيْ قَبُولُ الْحَوَالَةِ (بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَعْسَرِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ (لَا الْمُضَارَبَةُ) عُطِفَ عَلَى الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ فِي مُطْلَقِهَا الْبَيْعُ أَيْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَنْ يُضَارِبَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ (إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ كَالْوَكِيلِ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْإِعَارَةَ وَالْكِتَابَةَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّصَرُّفِ نِيَابَةً وَهُمَا يَتَصَرَّفَانِ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ لَا النِّيَابَةِ إذْ الْمُسْتَعِيرُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ وَالْمُكَاتَبُ صَارَ حُرًّا يَدًا وَالْمُضَارِبُ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ إلَيْهِ وَالْإِبْدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ دُونَ الْمُضَارَبَةِ فَتَضَمَّنَهَا (وَلَا يُفِيدَانِ) أَيْ الْإِذْنَ وَاعْمَلْ بِرَأْيِك (فِي الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ) نَحْوُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (بَلْ يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِهِمَا) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِمَا الْغَرَضُ وَهُوَ الرِّبْحُ أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فَمِنْ صَنِيعِهِمْ وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْقَوْلِ وَفَرَّعَ عَلَى الِاسْتِدَانَةِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ شَرَى بِمَالِهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ (ثَوْبًا وَقَصَرَ بِالْمَاءِ أَوْ حَمَلَ) مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ (بِمَالِهِ) لَا بِمَالِهَا (بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلُ كَانَ مُتَطَوِّعًا) لِأَنَّهُ اسْتَدَانَ فِي حَقِّ الْمَالِكِ بِلَا إذْنِهِ وَإِنَّمَا قَالَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ إذَا قَصَرَ بِالنَّشَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبْغِ (وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ شَرِكَ بِمَا زَادَ وَدَخَلَ فِي اعْمَلْ بِرَأْيِك) إنَّمَا قَالَ أَحْمَرَ لِأَنَّهُ إنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اعْمَلْ بِرَأْيِك عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّوَادَ عَيْبٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَلْوَانِ (كَالْخَلْطِ) أَيْ خَلْطِ مَالٍ لِلْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ (فَلَا يَضْمَنُ) أَيْ إذَا دَخَلَ فِي اعْمَلْ بِرَأْيِك لَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ (بِهِمَا) أَيْ بِصَبْغِهِ أَحْمَرَ وَبِالْخَلْطِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ (وَلَهُ حِصَّةُ صَبْغِهِ إنْ بِيعَ وَحِصَّةُ الثَّوْبُ فِي مَالِهَا) يَعْنِي يَصِيرُ الْمُضَارِبُ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِقَدْرِ مَالِهِ مِنْ الصَّبْغِ فَإِذَا بِيعَ الثَّوْبُ كَانَ حِصَّةُ قِيمَةِ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ لِلْمُضَارِبِ وَحِصَّةُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (وَلَا تَجَاوُزُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا الْمُضَارَبَةُ أَيْ لَيْسَ لَهُ فِي مُطْلَقِهَا تَجَاوُزُ (بَلَدٍ أَوْ سِلْعَةٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ شَخْصٍ عَيَّنَهُ الْمَالِكُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ إلَّا بِتَفْوِيضِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ مُفِيدٌ لِأَنَّ التِّجَارَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَشْخَاصِ وَكَذَا لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَلَدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ أَيْضًا (فَإِنْ تَجَاوَزَ) بِأَنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَاشْتَرَى أَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ أَوْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ أَوْ بَائِعٍ مَعَ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ (ضَمِنَ) وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ (وَلَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خُسْرَانُهُ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ حَتَّى رَدَّهُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْمَالَ بَاقٍ فِي يَدِهِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ (وَلَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَيْضًا (تَزْوِيجُ قِنٍّ مِنْ مَالِهَا) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ إذْ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْمَهْرَ وَسُقُوطَ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَالْعَقْدُ لَا يَتَضَمَّنُ إلَّا التَّوْكِيلَ بِالتِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ كَانَ اكْتِسَابًا كَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى ضِعْفِ قِيمَتِهِ. (وَلَا شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ) بِقَرَابَةٍ أَوْ يَمِينٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذْنُ بِتَصَرُّفٍ يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِشِرَاءِ مَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ) لِأَنَّ نَصِيبَهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا (صَارَ) أَيْ شِرَاؤُهُ (لِنَفْسِهِ) دُونَ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي يَنْفُذُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا خَالَفَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ صَحَّ) أَيْ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ (فَإِنْ ظَهَرَ) أَيْ الرِّبْحُ (بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ حَظُّهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ مِنْ الْعَبْدِ (وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ وَلَمْ يَضْمَنْ) لِلْمَالِكِ (شَيْئًا) لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ عِنْدَ الْمِلْكِ لَا بِصُنْعٍ مِنْهُ بَلْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ بِأَنْ اشْتَرَتْ امْرَأَةٌ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ هَذَا الزَّوْجَ وَأَخًا عَتَقَ نَصِيبُ الزَّوْجِ وَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَخِيهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ (وَسَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ الْمَالِكِ) مِنْ الْعَبْدِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ. (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ (أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ) فَوَطِئَهَا (فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (مُسَاوِيًا أَلْفًا فَادَّعَاهُ) حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ سَعَى لِلْمَالِكِ بِأَلْفٍ وَرُبُعِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ) أَيْ إنْ شَاءَ الْمَالِكُ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ (فَإِنْ قَبَضَ) أَيْ الْمَالِكُ (الْأَلْفَ) مِنْ الْغُلَامِ (ضَمِنَ الْمُدَّعِي نِصْفَ قِيمَتِهَا) أَيْ الْأَمَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُضَارِبِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ النِّكَاحِ بِأَنْ زَوَّجَهَا الْبَائِعُ لَهُ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لَكِنْ لَا تُفِيدُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ عِنْدَنَا لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ لِوُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ ظَهَرَ الرِّبْحُ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[باب المضارب بلا إذن]

السَّابِقِ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ بِحُدُوثِهِ وَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِخْبَارٌ فَإِذَا رُدَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ كَمَا إذَا أَخْبَرَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ يُرَدُّ إخْبَارُهُ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ حُرًّا [بَابُ الْمُضَارَبُ بِلَا إذْنٍ] (بَابٌ ضَارَبَ بِلَا إذْنٍ) أَيْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ (لَمْ يَضْمَنْ) بِالدَّفْعِ (مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي) وَإِذَا عَمِلَ ضَمِنَ الدَّافِعُ رِبْحَ الثَّانِي أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ. (وَفِي رِوَايَةٍ) لَمْ يَضْمَنْ (مَا لَمْ يَرْبَحْ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ فَلَا يَضْمَنُ بِالْعَمَلِ مَا لَمْ يَرْبَحْ فَإِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ فَيَصِيرُ كَخَلْطِ مَالِهَا بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ فَيُقَامُ سَبَبُ حُصُولِ الرِّبْحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ حُصُولِهِ فِي صَيْرُورَةِ الْمَالِ مَضْمُونًا بِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فِيهِ وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ لَهُ بَلْ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ (وَإِنْ أَذِنَ) أَيْ الْمَالِكُ (فَدَفَعَ بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ وَقِيلَ لَهُ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ) يَعْنِي بَعْدَمَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَذِنَ لَهُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَرَفَعَهُ بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ عَلَى إنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ (فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِيَّ الثُّلُثُ) لِأَنَّ دَفْعَ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً صَحِيحٌ حَيْثُ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ وَمَا رَزَقَ اللَّهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَكَانَ لَهُ نِصْفُ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ بَلْ مَا أَوْجَبَهُ لِلثَّانِي وَهُوَ ثُلُثُ الرِّبْحِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَيَبْقَى لَهُ السُّدُسُ وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ مَنْ يَخِيطُهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَابَ لِلْأَوَّلِ الْفَضْلُ كَذَا هَذَا (وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ) فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ (فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمَالِكِ نِصْفَانِ لِأَنَّ الْمَالِكَ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ بَلْ نِصْفَ مَا يَحْصُلُ لِلْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ فَاسْتَحَقَّ الثَّانِي جَمِيعَ مَا شَرَطَ لَهُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَالْمَالِكُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ ذَلِكَ وَلِذَا كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا (وَلَوْ قِيلَ مَا رَبِحْتَ) مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ لِي غَيْرُهُ بِالنِّصْفِ (فَلِلثَّانِي نِصْفٌ وَلَهُمَا) أَيْ لِلْأَوَّلِ وَالْمَالِكِ (نِصْفٌ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَاسْتَحَقَّهُ وَالْمَالِكُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ الْأَوَّلُ إلَّا النِّصْفَ فَكَانَ بَيْنَهُمَا (وَلَوْ قِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ شَرِكَةً لَهُ فِي الْمَالِ فَيَصِيرُ كَخَلْطِ مَالِهَا بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ) ظَاهِرُهُ لُزُومُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي قِيلَ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ يَعْنِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ بِالدَّفْعِ وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ اهـ قُلْت وَلَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا لَوْ ضَمِنَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ اهـ. (قَوْلُهُ وَهَذَا) يَعْنِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا قَالَ أَوْ عَلَيْهِمَا بِالرِّبْحِ أَوْ بِالْعَمَلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً عَدَلَ بِهِ عَنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ وَعَنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً. اهـ. لِأَنَّ صِحَّةَ الثَّانِيَةِ فَرْعٌ عَنْ صِحَّةِ الْأُولَى فَلَا تَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً فَاشْتِرَاطُ صِحَّةِ الثَّانِيَةِ اشْتِرَاطٌ لِصِحَّةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ فَإِنْ دَفَعَ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ مُضَارَبَةً) الْمُرَادُ بِالثَّانِي الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَبِالثَّالِثِ الثَّانِي وَسَمَّاهُمَا ثَانِيًا وَثَالِثًا بِالنَّظَرِ لِرَبِّ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ) لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلْمُضَارِبَيْنِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ لِتَشْبِيهِهِ بِمَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ وَلَكِنْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُعْلَمُ صَرِيحًا مَا بِهِ يَطِيبُ نَصِيبُ الثَّانِي فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ عَنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ طِيبِ مَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ لِمِلْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ) إنَّمَا قَالَ فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ لِأَجْلِ الِاخْتِصَارِ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ فَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَمَا بَقِيَ فَلِمَنْ بَقِيَ مُنَصَّفًا مُحَافَظَةً عَلَى لَفْظِ التَّنْصِيفِ الْمُشْتَرَطِ بَيْنَهُمَا

مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِي نِصْفٌ أَوْ قَالَ مَا فَضَلَ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ) وَقَدْ دَفَعَ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ (فَنِصْفٌ لِلْمَالِكِ وَنِصْفٌ لِلثَّانِي وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَانْصَرَفَ شَرْطُ الْأَوَّلِ النِّصْفُ لِلثَّانِي إلَى نَصِيبِهِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي بِالشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا كَانَ لَهُ لِلْأَوَّلِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ مَنْ يَخِيطُهُ لَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ لِلْأَوَّلِ شَيْئًا حَيْثُ عَقَدَ عَلَى جَمِيعِ حَقِّهِ (وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ (فَلِلْمَالِكِ وَ) الْمُضَارِبِ (الثَّانِي النِّصْفَانِ وَيَضْمَنُ) الْمُضَارِبُ (الْأَوَّلُ لِلثَّانِيَّ السُّدُسَ) مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَالِكِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ السَّلَامَةَ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ رَجُلًا آخَرَ لِيَخِيطَهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ زِيَادَةَ الْأَجْرِ (صَحَّ شَرْطُهُ لِلْمَالِكِ ثُلُثًا وَلِعَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْمَالِكِ (ثُلُثًا لِيَعْمَلَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ (وَلِنَفْسِهِ ثُلُثًا) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ عَلَى الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ وَالتَّسْلِيمَ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً خُصُوصًا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ إذْنٌ لَهُ وَلِهَذَا لَا يَلِي الْمَوْلَى لِأَخْذِ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ التَّخْلِيَةَ لَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ فَيَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَإِذَا صَحَّتْ كَانَ ثُلُثُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ وَالثُّلُثَانِ لِلْمَالِكِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَنَّ مَا شُرِطَ لِلْعَبْدِ فَلِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِلْغُرَمَاءِ (تَبْطُلُ) أَيْ الْمُضَارَبَةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ (وَلُحُوقُ الْمَالِكِ) بِدَارِ الْحَرْبِ (مُرْتَدًّا) وَحَكَمَ الْقَاضِي بِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ (لَا) لُحُوقُ (الْمُضَارِبِ) بِهَا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ إنَّمَا تَوَقَّفَتْ بِالنَّظَرِ إلَى مِلْكِهِ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَهُ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَلَا تُوقَفُ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا (وَلَا تَبْطُلُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً) فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِبْضَاعُ لِلْمَالِكِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الرِّبْحَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمَالِكِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا قُلْنَا الْعَقْدُ إذَا صَحَّ ابْتِدَاءً بِاعْتِبَارِ شُيُوعِ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا لَا يَبْطُلُ بِتَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْطُلُ (وَيَنْعَزِلُ) أَيْ الْمُضَارِبُ (بِعَزْلِهِ) أَيْ بِعَزْلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ (إنْ عَلِمَ عَزْلَهُ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِعَزْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ (وَإِذَا عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَبِيعُهَا) وَلَا يَنْعَزِلُ عَنْهُ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الرِّبْحِ وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْدِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْبَيْعِ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ (وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا) لِأَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ لِلضَّرُورَةِ لِيَظْهَرَ الرِّبْحُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا كَانَ لَهُ لِلْأَوَّلِ لَعَلَّ صَوَابَهُ لِلثَّانِي (قَوْلُهُ صَحَّ شَرْطُهُ لِلْمَالِكِ ثُلُثًا وَلِعَبْدِهِ أَيْ عَبْدِ الْمَالِكِ ثُلُثًا لِيَعْمَلَ) عَمَلَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ إذْ لَوْ شَرَطَ لَهُ الثُّلُثَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَمَلِهِ صَحَّ وَيَكُونُ لِمَوْلَاهُ لَكِنَّ فَائِدَةَ اشْتِرَاطِ عَمَلِهِ تَظْهَرُ فِي أَخْذِ غُرَمَائِهِ مَا شُرِطَ لَهُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِلْغُرَمَاءِ) هَذَا إذَا شَرَطَ عَمَلَ الْعَبْدِ مَعَ الْمُضَارِبِ كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَوْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ صَحَّ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ عَمَلَهُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِغُرَمَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شَرَطَ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى مِلْكِ كَسْبِ الْمَدْيُونِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) قَالَ قَاضِي خَانْ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُضَارِبُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمَالُ نَقْدٌ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ وَإِنْ عَرْضًا فِي حَقِّ الْمُسَافِرَةِ تَبْطُلُ لَا فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ فَيَمْلِكُ بَيْعَهُ بِالْعَرْضِ وَالنَّقْدِ وَلَوْ أَتَى مِصْرًا وَاشْتَرَى شَيْئًا فَمَاتَ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَتَى بِالْمُبْتَاعِ مِصْرًا آخَرَ فَنَفَقَهُ الْمُضَارِبُ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا هَلَكَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ سَلَّمَ الْمَتَاعَ جَازَ بَيْعُهُ لِبَقَائِهَا فِي حَقِّ الْبَيْعِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ قَبْلَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ وَنَفَقَتُهُ فِي سَفَرِهِ اهـ. وَقَوْلُ الْبَزَّازِيِّ فَأَتَى بِالْمُبْتَاعِ مِصْرًا يَعْنِي غَيْرَ مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ لِمَا قَالَ قَبْلَهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ إلَى مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فِيهِ اهـ. وَلِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَوْ خَرَجَ الْمُضَارِبُ بَعْدَمَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ إلَى مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا اهـ. (قَوْلُهُ وَلُحُوقُ الْمَالِكِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْقَاضِي بِهِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إذَا لَمْ يَعُدْ مُسْلِمًا أَمَّا إذَا عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ أَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِحَقِّ الْمُضَارِبِ كَمَا لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً اهـ. وَالضَّمِيرُ فِي مَاتَ لِلْمَالِكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِبْضَاعُ لِلْمَالِكِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الرِّبْحَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمَالِكِ) لَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَالِكِ بِالرِّبْحِ بَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَبِيعُهَا) أَطْلَقَ الْبَيْعَ فَشَمَلَ بَيْعَهُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَتَّى لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ

بَعْدَ النَّقْدِ (وَلَا فِي نَقْدٍ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ فِي حَقِّهِ (وَيُبَدِّلُ بِهِ خِلَافَهُ) أَيْ إذَا عَزَلَهُ وَالْمَالُ نُقُودٌ لَكِنْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ قِيَاسًا لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِرَدِّ جِنْسِهِ فَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ ضَرُورَةً (افْتَرَقَا) أَيْ الْمُضَارِبُ وَالْمَالِكُ (وَفِي الْمَالِ دَيْنٌ وَرِبْحٌ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُضَارِبَ (طَلَبُهُ) لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ فَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِ عَمَلِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ (كَالدَّلَّالِ) فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ (وَالسِّمْسَارِ) هُوَ الَّذِي تُجْلَبُ إلَيْهِ الْعُرُوض وَالْحَيَوَانَاتُ لِيَبِيعَهَا بِأَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَأْجَرَ فَهُوَ أَيْضًا يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى طَلَبِ الثَّمَنِ (وَبِلَا رِبْحٍ لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْ الْمُضَارِبَ طَلَبُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَمُتَبَرِّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ (وَيُوَكِّلُ) أَيْ الْمُضَارِبُ (الْمَالِكَ بِهِ) أَيْ بِالطَّلَبِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَالْمَالِكُ لَيْسَ بِعَاقِدِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّلَبِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّهُ (كَذَا سَائِرُ الْوُكَلَاءِ) أَيْ كُلُّ وَكِيلٍ بِالْبَيْعِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ التَّقَاضِي لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُحِيلَ صَاحِبَ الْمَالِ وَلَا يُضَيِّعَ حَقَّهُ (الْهَالِكُ مِنْ الرِّبْحِ) يَعْنِي أَنَّ مَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ وَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى التَّبَعِ لَا الْأَصْلِ كَمَا يُصْرَفُ الْهَالِكُ فِي مَالِ الزَّكَاةِ إلَى الْعَفْوِ لَا النِّصَابِ (فَإِنْ زَادَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ إنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا (قُسِّمَ الرِّبْحُ وَالْعَقْدُ بَاقٍ وَهَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ) يَعْنِي اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَصْلِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ الْأَصْلِ فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةً ظَهَرَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مَا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَحْسُوبٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (وَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ فَمَا فَضَلَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ رِبْحٌ (وَمَا نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ) الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ) اقْتَسَمَا الرِّبْحَ، وَ (فَسَخَاهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةَ (ثُمَّ عَقَدَا) عَقْدًا آخَرَ (فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا) الرِّبْحَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ وَالثَّانِيَةَ عَقْدٌ جَدِيدٌ فَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ (نَفَقَةُ مُضَارِبٍ فِي الْحَضَرِ) مُبْتَدَأٌ (مِنْ مَالِهِ) خَبَرُهُ (كَدَوَائِهِ) فَإِنَّهُ إذَا مَرِضَ كَانَ دَوَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَا يَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ فِيهِ بَلْ هُوَ سَاكِنٌ بِالسُّكْنَى الْأَصْلِيِّ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَتْ فِي مَالِهِ (وَفِي السَّفَرِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَأُجْرَةُ خَادِمِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَالدُّهْنُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَرُكُوبُهُ كِرَاءً أَوْ شِرَاءً أَوْ عَلَفُهُ مِنْ مَالِهَا) أَيْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ إذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِالْعَمَلِ لِلْمُضَارَبَةِ فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ فِي مَالِهَا لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ بِهِ (بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ غَيْرِ زَائِدٍ عَلَى الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا نَاقِصٍ عَنْهَا (وَضَمِنَ الزَّائِدَ) عَلَى الْمَعْرُوفِ (وَرَدَّ الْبَاقِي) مِنْ الطَّعَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا يُعْطَى لَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ حَسَنَةً فَجَازَاهُ خَيْرًا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اسْتِئْجَارُهُ مُدَّةً لِلْخِدْمَةِ فَيَسْتَعْمِلُهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى آخِرِهَا (قَوْلُهُ كَذَا سَائِرُ الْوُكَلَاءِ) شَامِلٌ لِلْمُسْتَبْضِعِ (قَوْلُهُ وَفِي السَّفَرِ. . . إلَخْ) هَذَا إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَقَطْ وَلَوْ سَافَرَ بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ أَوْ خَلَطَهُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ سَافَرَ بِمَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَنْفَقَ بِالْحِصَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ خَادِمِهِ) كَذَا كُلُّ مَنْ يُعِينُ الْمُضَارِبَ عَلَى الْعَمَلِ وَيَخْدُمُ دَوَابَّهُ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهَا إلَّا عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ وَدَوَابِّهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ) كَذَا أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَالدُّهْنِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ) يَعْنِي كَمَا إذَا كَانَ بِبِلَادِ الْحِجَازِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا آلَةُ الْخِضَابِ وَأَكْلِ الْفَاكِهَةِ كَعَادَةِ التُّجَّارِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ

وَغَيْرِهِ (بَعْدَ الْإِقَامَةِ إلَى مَالِهَا) أَيْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِتَمَامِ الْحَاجَةِ (وَمَا دُونَ سَفَرٍ يَغْدُو إلَيْهِ وَلَا يَبِيتُ بِأَهْلِهِ كَالسَّفَرِ وَالْأَقَلُّ لَا إنْ رَبِحَ) الْمُضَارِبُ (أَخَذَ الْمَالِكُ) مِنْ الرِّبْحِ (قَدْرَ الْمُنْفَقِ) أَيْ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) حَتَّى يُتِمَّ رَأْسَ مَالِهِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ رَبِحَ) أَيْ بَاعَ الْمُضَارِبُ مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ مُرَابَحَةً (حَسَبَ نَفَقَتَهُ) أَيْ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَأُجْرَةِ الْقَصَّارِ وَالْحَمَّالِ وَالسِّمْسَارِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ وَتَعَارَفَ التُّجَّارُ إلْحَاقَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ (لَا) أَيْ لَا يَحْسِبُ (نَفَقَةَ نَفْسِهِ) فِي سَفَرِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَارَفُوا ذَلِكَ وَلَا تَزِيدُ أَيْضًا فِي قِيمَةِ الْمَتَاعِ. (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ (أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ بُرًّا فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَى بِهِمَا) أَيْ بِالْأَلْفَيْنِ (عَبْدًا) وَلَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَيْنِ (فَضَاعَا) أَيْ الْأَلْفَانِ (عِنْدَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (غَرِمَ) أَيْ الْمُضَارِبُ (خَمْسَمِائَةٍ وَالْمَالِكُ الْبَاقِي) وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ (وَرُبُعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَبَاقِيهِ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ (لَهَا) أَيْ لِلْمُضَارَبَةِ (وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ) لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا صَارَ أَلْفَيْنِ ظَهَرَ رِبْحٌ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْمَالِكِ ثُمَّ إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ ثَمَنِ الْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الْعَبْدِ فَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ خَرَجَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَنَصِيبُ الْمَالِكِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا (وَرَابَحَ عَلَى أَلْفَيْنِ فَقَطْ) يَعْنِي لَا يَبِيعُ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهِمَا (فَلَوْ بِيعَ) أَيْ الْعَبْدُ (بِضِعْفِهِمَا) وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ (فَحِصَّتُهَا) أَيْ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ (ثَلَاثَةُ آلَافٍ) فَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا رَأْسُ الْمَالِ (وَالرِّبْحُ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ بَيْنَهُمَا) نِصْفَانِ (شَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا شَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ) بِنِصْفِهِ لَا بِتَمَامِ الْأَلْفِ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَإِنْ حُكِمَ بِجَوَازِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارِبِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَتُبْتَنَى عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ الْمَالِكُ فَيَكُونُ الْمُضَارِبُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي بَيْعِهِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْجَارِي بَيْنَهُمَا كَالْمَعْدُومِ لِمَا ذُكِرَ فَتُبْتَنَى الْمُرَابَحَةُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُضَارِبُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهُ وَنَاوَلَهُ إيَّاهُ بِلَا بَيْعٍ (شَرَى بِأَلْفِهَا عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً) فَأُمِرَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فَإِنْ دَفَعَا الْعَبْدَ انْتَهَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِالدَّفْعِ زَالَ عَنْ مِلْكِهِمَا بِلَا بَدَلٍ وَإِنْ فَدَيَا خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ تَقَرَّرَ بِالْفِدَاءِ فَصَارَ كَالْقِسْمَةِ وَأَمَّا حِصَّةُ الْمَالِكِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكَمِهِمَا إذْ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ وَبِالْفِدَاءِ صَارَ كَأَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ ثُمَّ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا بِالْأَرْبَاعِ (فَرُبْعُ الْفِدَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَبَاقِيهِ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ (عَلَى الْمَالِكِ) لِأَنَّ الْفِدَاءَ مَئِنَّةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِأَنَّ الْمَالَ إذَا صَارَ عَيْنًا وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِلْمَالِكِ بِرَأْسِ مَالِهِ (وَإِذَا فَدَيَا صَارَ الْعَبْدُ لَهُمَا وَخَرَجَ عَنْهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ (فَيَخْدُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إنْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ أَخَذَ الْمَالِكُ قَدْرَ الْمُنْفَقِ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ كَامِلًا فَتَكُونُ النَّفَقَةُ مَصْرُوفَةً إلَى الرِّبْحِ خَاصَّةً وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ كِتَابُ الشَّرِكَةِ (قَوْلُهُ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ) يَعْنِي الْحَاصِلَ مِنْهُمَا مَعًا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ. . . إلَخْ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِمَا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْخَلْطِ لِيَحْسُنَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ وَلَا يَقْتَضِي تَمَلُّكَ مَالِ الْآخَرِ بِالْخَلْطِ الْحَاصِلِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْحَاصِلِ مِنْ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَمْلِيكِ مُعْتِقِ الْبَعْضِ لِلشَّرِيكِ) يَعْنِي بِهِ التَّضْمِينَ إذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مُوسِرًا

[كتاب الشركة]

الْمُضَارِبَ يَوْمًا وَالْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) بِقَدْرِ حَقِّهِمَا (شَرَى عَبْدًا بِأَلْفِهَا وَهَلَكَ الْأَلْفُ قَبْلَ نَقْدِهِ دَفَعَ الْمَالِكُ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَثُمَّ) أَيْ كُلَّمَا هَلَكَ الْأَلْفُ دَفَعَ الْمَالِكُ أَلْفًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى (وَجَمِيعُ مَا دَفَعَ رَأْسُ مَالِهِ) فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِأَلْفٍ دَفَعَ إلَيْهِ فَاشْتَرَى فَهَلَكَ الْأَلْفُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَرَّةً فَقَطْ بِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ لِمَا مَرَّ وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ فَلَوْ حُمِلَ قَبْضُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ صَارَ ضَامِنًا وَهُوَ يُنَافِي الْأَمَانَةَ فَحُمِلَ قَبْضُهُ ثَانِيًا عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ لَا الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِي الْوَكَالَةَ فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ جَازَ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا صَارَ وَكِيلًا ضَمِنَ فَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ الثَّمَنُ وَوَجَبَ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُهُ فَإِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ حُمِلَ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ لَا الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ مَرَّةً لَمْ يَبْقَ الْحَقُّ أَصْلًا فَإِذَا هَلَكَ الْمَقْبُوضُ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ. (مَعَهُ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْت أَلْفًا وَرَبِحْت أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ دَفَعْت الْأَلْفَيْنِ أَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ الْعُمُومَ أَوْ قَالَ مَا عَيَّنْت لِي تِجَارَةٍ وَالْمَالِكُ ادَّعَى الْخُصُوصَ) يَعْنِي فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ (فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَالْقَابِضُ أَحَقُّ بِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ لِاسْتِصْحَابِهِ الْمَالَ وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا وَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْفَضْلِ قُبِلَ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي فَضْلًا فِي رَأْسِ مَالِهِ وَالْمُضَارِبُ فَضْلًا فِي الرِّبْحِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا الْعُمُومُ وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ (وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ نَوْعًا فَلِلْمَالِكِ) أَيْ الْقَوْلُ لَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْخُصُوصِ فَاعْتِبَارُ قَوْلِ مَنْ يُسْتَفَادُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ أَوْلَى وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُضَارِبِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ (كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ هُوَ مُضَارَبَةُ زَيْدٍ وَقَدْ رَبِحَ وَقَالَ زَيْدٌ بِضَاعَةٌ) حَيْثُ يُصَدَّقُ زَيْدٌ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى الرِّبْحِ أَوْ دَعْوَى تَقْوِيمِ عَمَلِ الْمُضَارِبِ (أَوْ) كَمَا قَالَ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ هُوَ (قَرْضٌ وَقَالَ زَيْدٌ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ) حَيْثُ يُصَدَّقُ زَيْدٌ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى التَّمَلُّكِ (وَلَوْ وَقَّتَا وَقْتًا) بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعْت إلَيْك فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْت فِي شَوَّالٍ (فَصَاحِبُ) الْوَقْتِ (الْأَخِيرِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْآخِرَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ [كِتَابُ الشَّرِكَةِ] (كِتَابُ الشَّرِكَةِ) لَا يَخْفَى وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ (هِيَ) اخْتِلَاطُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَمِنْهُ الشَّرَكُ بِالتَّحْرِيكِ حِبَالَةُ الصَّائِدِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَاطَ بَعْضِ حَبْلِهِ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهَا ثُمَّ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَهِيَ (إمَّا شَرِكَةُ مِلْكٍ وَهِيَ أَنْ يَمْلِكَا عَيْنًا بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ أَوْ اسْتِيلَاءٍ) عَلَى مَالِ حَرْبِيٍّ (أَوْ اخْتِلَاطِ مَالَيْهِمَا بِلَا صُنْعٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا (أَوْ خَلَطَهُمَا حَتَّى تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ) كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ تَعَسَّرَ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَكُلٌّ أَجْنَبِيٌّ فِي مَالِ صَاحِبِهِ) حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لِلْأَجَانِبِ (فَيَصِحُّ لَهُ بَيْعُ حَظِّهِ) أَيْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ (وَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[أركان الشركة وشروطها]

مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِلَا إذْنِهِ) يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَالِ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ (إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ خَلْطَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ بِصِفَةِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ إلَى الْخَالِطِ وَإِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ حَصَلَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ زَائِلًا عَنْ الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الشَّرِيكِ غَيْرَ زَائِلٍ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الشَّرِيكِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَعَ الشَّرِيكِ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَمْلِيكِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لِلشَّرِيكِ لَا الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا إجَارَةُ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ (وَإِمَّا شَرِكَةُ عَقْدٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِمَّا شَرِكَةُ مِلْكٍ (وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ) بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا أَوْ فِي عَامَّةِ التِّجَارَاتِ (وَالْقَبُولُ) بِأَنْ يَقُولَ لِآخَرَ قَبِلْت فَإِنَّهَا عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ رُكْنٍ كَسَائِرِهَا (وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) أَيْ التَّصَرُّفُ الَّذِي عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ (قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ) لِيَقَعَ مَا يُحَصِّلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَصِحُّ فِيهِ بَلْ مَا يَكْتَسِبُهُ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً (وَعَدَمُ مَا يَقْطَعُهَا) أَيْ الشَّرِكَةَ (كَشَرْطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا) فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْمُسَمَّاةِ رِبْحٌ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ (وَهِيَ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ (ثَلَاثَةٌ) الْأَوَّلُ (شَرِكَةٌ بِالْأَمْوَالِ وَ) الثَّانِي (شَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَتُسَمَّى) هَذِهِ الشَّرِكَةُ اصْطِلَاحًا (شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ، وَ) شَرِكَةُ (التَّقَبُّلِ، وَ) شَرِكَةُ (الْأَبْدَانِ) وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ. (وَ) الثَّالِثُ (شَرِكَةُ الْوُجُوهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ هِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَيْ شَرِكَةُ الْعُقُودِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ وَشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا التَّقْسِيمُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةَ الْوُجُوهِ مُغَايِرَتَانِ لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْأَوْلَى فِي التَّقْسِيمِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا بِقَوْلِهِمَا الشَّرِكَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ شَرِكَةٌ بِالْأَمْوَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْوُجُوهِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَأَنَّهَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْأَبْدَانِ وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ عِنَانًا فَلَمَّا عَثَرْت عَلَى هَذَا اخْتَرْته وَبَيَّنْته عَلَى طِبْقِ غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُلْت (وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا مُفَاوَضَةٌ) هِيَ بِمَعْنَى الْمُسَاوَاةِ سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِاشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ عِنَانٌ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَنَّ أَيْ عَرَضَ سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهِ لِمَا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ كَأَنَّهُ عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكَا فِيهِ أَوْ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكِسَائِيُّ وَالْأَصْمَعِيُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَعَلَ عِنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ. (أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ فَبِأَنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً) أَيْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا لِلْآخَرِ لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْمُشْتَرَى لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ مِنْهُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [أَرْكَان الشَّرِكَة وَشُرُوطهَا] قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا) الْمِيمُ الثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ (قَوْلُهُ أَوْ عِنَانٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ

فَوَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَكَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ قَصْدًا وَتَجُوزُ ضِمْنًا كَمَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ (وَكَفَالَةً) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا لِلْآخَرِ لِيَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا وَطَلَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا لَا يُقَالُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَيْفَ جَازَتْ هُنَا مَعَ جَهَالَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهَا وَلَوْ سُلِّمَ فَذَلِكَ فِي الْكَفِيلِ الْقَصْدِيِّ وَهَاهُنَا ضِمْنِيٌّ كَالْوَكَالَةِ (وَتَسَاوَيَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (مَالًا) يَعْنِي مَالًا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَمَا سَنُبَيِّنُ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهَا التَّفَاضُلُ فِيهِمَا (وَتَصَرُّفًا) بِأَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى جَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَإِلَّا فَاتَ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ (فَلَا تَصِحُّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَفَالَةً (بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَصَبِيَّيْنِ وَمُكَاتَبَيْنِ) فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ الْكَفَالَةِ (وَلَا بَيْنَ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَصَرُّفًا فَإِنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَسْتَقْبِلُ بِالتَّصَرُّفِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِهِ وَالْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَا يَقْدِرُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَهُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهِمَا كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ وَدَيْنًا كَمَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لِانْدِرَاجِ مَا يُفِيدُ تَحْتَ قَوْلِهِ وَتَصَرَّفَا كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ. (وَلَا بُدَّ) فِي انْعِقَادِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ (مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بَيَانِ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ جَمِيعَ شَرَائِطِهَا فَيُجْعَلُ التَّصْرِيحُ بِالْمُفَاوَضَةِ قَائِمًا مَقَامَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ بَيَّنَا جَمِيعَ مَا يَقْتَضِي الْمُفَاوَضَةَ صَحَّتْ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى لَا اللَّفْظِ (فَمُشْرَى كُلٍّ لَهُمَا) أَيْ إذَا ذُكِرَ اللَّفْظُ أَوْ بُيِّنَ الْمَعْنَى يَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ (إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ) وَالْإِدَامَ (وَكِسْوَتَهُمْ) أَيْ كِسْوَةَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ لَهُ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا حِينَ شَارَكَ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْمُفَاوَضَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُفَاوَضَةِ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ حَاجَتِهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَثْنِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ تَصَرُّفِهِ مِمَّا هُوَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَعْلُومُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمَشْرُوطِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِثَمَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْكَفَالَةِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَقَدْ قَضَى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ لُزُومِ دَيْنٍ بِمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالْجِنَايَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالنَّفَقَةِ (كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالِاسْتِئْجَارِ أَوْ كَفَالَةٍ) بِمَالٍ (بِأَمْرٍ) أَيْ أَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ (ضَمِنَهُ) أَيْ ذَلِكَ الدَّيْنَ (الْآخَرُ) وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ (وَبِلَا أَمْرٍ لَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ شَرِيكُهُ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَإِذَا كَانَتْ بِأَمْرِ كَانَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مُشْتَرَكًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الشَّرِكَةُ فِيهِ يُطَالَبُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ كَالشِّرَاءِ. . . إلَخْ) وَهُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ

مُفَاوَضَةً كَمَا سَيَأْتِي. (وَأَمَّا الْعِنَانُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ (فَهِيَ شَرِكَةٌ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْهَا) كَالثَّوْبِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِمَا (وَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ) لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ بِالشَّرِكَةِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الْمُفَاوَضَةِ ضَرُورَةَ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا اللَّفْظُ وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ (وَتَصِحُّ بِبَعْضِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَةٌ إلَيْهِ وَالْمُسَاوَاةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ (وَمَعَ فَضْلِ مَالِ أَحَدِهِمَا) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي فِيهِ (وَتَسَاوِي مَالَيْهِمَا لَا الرِّبْحِ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ تَسَاوِي الرِّبْحِ لَا الْمَالَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا» وَالْوَضْعِيَّةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ مُطْلَقًا بِلَا فَضْلٍ بِخِلَافِ شَرْطِ كُلِّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لِخُرُوجِ الْعَقْدِ بِهِ عَنْ الشَّرِكَةِ (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ (دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ دَنَانِيرَ) أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ بِيضٍ وَمِنْ الْآخَرِ سُودٌ (وَبِلَا خَلْطٍ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْفَرْعِ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا بِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا اشْتِرَاكَ بِلَا خَلْطٍ وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ عَقْدُ تَوْكِيلٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِيَشْتَرِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا وَهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْخَلْطِ وَالرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْعَقْدُ شَرِكَةً وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ حَتَّى جَازَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ فَإِذَا اسْتَنَدَتْ إلَى الْعَقْدِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ وَالِاتِّحَادُ وَالْخَلْطُ (وَكُلٌّ يُطَالِبُ بِثَمَنِ مُشْرِيهِ لَا الْآخَرِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ لَا الْكَفَالَةَ وَالْوَكِيلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ (ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ (إنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ) لَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ (وَلَا يَصِحَّانِ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ وَالْعِنَانُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ (إلَّا بِالنَّقْدَيْنِ) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ (وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ) أَيْ الرَّائِجَةِ (وَالتِّبْرِ) وَهُوَ ذَهَبٌ غَيْرُ مَضْرُوبٍ (وَالنُّقْرَةِ) وَهِيَ فِضَّةٌ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ (إنْ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهِمَا) أَيْ بِالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ عَلَى الْفُلُوسِ النَّافِقَةِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهَا ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ وَأَمَّا التِّبْرُ فَقَدْ جُعِلَ فِي شَرِكَةِ الْأَصْلِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فَلَا يَصْلُحَانِ لِرَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَجَعَلَهُ فِي صَرْفِ الْأَصْلِ كَالْأَثْمَانِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالُوا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ فَفِي كُلِّ بَلْدَةٍ جَرَى التَّعَامُلُ بِالْمُبَايَعَةِ بِالتِّبْرِ فَهُوَ كَالنُّقُودِ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعُقُودِ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِ وَنُزَّلَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهِ ثَمَنًا بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ وَفِي كُلِّ بَلْدَةٍ لَمْ يَجْرِ التَّعَامُلُ بِهِ فَهُوَ كَالْعُرُوضِ يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَلَا يَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَذَا فِي الْكَافِي (وَ) لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ وَ (بِالْعُرُوضِ) لَكِنْ (بَعْدَ بَيْعِ كُلٍّ) مِنْ الْمُشْرِكِينَ (نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الْعَرْضِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ مِنْهُ صَارَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّمَنِ شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ) أَيْ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ وَالْكَفَالَةِ بَلْ عَلَى الْوَكَالَةِ فَقَطْ أَوْ صَرَّحَ بِكَوْنِهَا عِنَانًا لَمْ تَتَضَمَّنْ الْكَفَالَةَ (قَوْلُهُ وَتَسَاوِي مَالَيْهِمَا لَا الرِّبْحِ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ تُسَاوِي الرِّبْحِ لَا الْمَالَيْنِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا يُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الرِّبْحِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَإِنْ شَرَطَ الْمُسَاوَاةَ فِي الرِّبْحِ أَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلَ رِبْحٍ إنْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا عَمِلَا جَمِيعًا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى الْمَشْرُوطِ لَهُ وَفَضْلَ الرِّبْحِ جَازَ أَيْضًا وَإِنْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا لَا يَجُوزُ اهـ. وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِيهَا لَوْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَشَرَطَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا جَازَ وَيَكُونُ مَالُ الَّذِي لَا عَمَلَ عَلَيْهِ بِضَاعَةٌ عِنْدَ الْعَامِلِ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ يَعْنِي إذَا صَدَّقَهُ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا بِأَنْ ادَّعَى شِرَاءَ عَبْدٍ لِلشَّرِكَةِ وَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقَّ الرُّجُوعِ وَذَاكَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَلَا يَصْلُحَانِ لِرَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ) كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ لِلتِّبْرِ وَلَعَلَّهُ ثَنَّاهُ لِمُلَاحَظَةِ النُّقْرَةِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَبِالْعَرْضِ بَعْدَ بَيْعِ كُلٍّ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ. . . إلَخْ) أَيْ تَصِحُّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ وَهِيَ شَرِكَةُ عَقْدٍ فِي الْمُخْتَارِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَمَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ اهـ. وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى مَا إذَا تَسَاوَى قِيمَةُ الْعَرْضَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَفَاوَتَتْ فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا يُثْبِتَانِ بِهِ الشَّرِكَةَ وَهَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ بَيْعِ كُلٍّ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ قَصْدًا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ وَقَوْلُهُ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَقَدَ الشَّرِكَةَ فِي الْعَرْضِ الَّذِي بَاعَهُ جَازَ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ

فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ثُمَّ بِالْعَقْدِ صَارَتْ شَرِكَةَ عَقْدٍ حَتَّى جَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الشَّرِكَةَ فِي الْعُرُوضِ (وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ) بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ (مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ) كَمَا مَرَّ آنِفًا (وَقَبَضَ) عَطْفٌ عَلَى مَلَكَ (صَارَتْ) الْمُفَاوَضَةُ (عِنَانًا) لِزَوَالِ الْمُسَاوَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمُفَاوَضَةِ. (هَلَاكُ مَالِيِّهِمَا أَوْ مَالِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ فَشُرِطَ لِدَوَامِهِ مَا شُرِطَ لِابْتِدَائِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي هَلَاكِ الْمَالَيْنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا لِيُشْرِكَهُ فِي مَالِهِ فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِشَرِكَتِهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ (وَهُوَ) أَيْ الْهَلَاكُ (عَلَى صَاحِبِهِ) أَيْ صَاحِبِ الْمَالِ (قَبْلَ الْخَلْطِ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ الْآخَرِ) أَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْآخَرِ فَلِكَوْنِهِ أَمَانَةً عِنْدَهُ (وَبَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْخَلْطِ يَهْلِكُ (عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فَيَهْلِكُ مِنْ الْمَالَيْنِ (فَإِنْ هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْآخَرِ بِمَالِهِ فَمُشْرِيهِ لَهُمَا) عَلَى مَا شَرْطًا لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ وَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ حَتَّى إنَّ أَيَّهمَا بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا تُنْتَقَضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا (وَرَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ شِرَاءِ الْآخَرِ (فَإِنْ وَكَّلَهُ حِينَ الشَّرِكَةِ صَرِيحًا فَمُشْرِيهِ لَهُمَا) عَلَى مَا شَرَطَا فِي رَأْسِ الْمَالِ لَا الرِّبْحِ مَثَلًا إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالْمُشْتَرَى يَكُونُ أَثْلَاثًا وَإِنْ كَانَ أَنْصَافًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَتَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ صَرِيحًا (فَلَا) أَيْ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرَى لَهُمَا بَلْ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الشَّرِكَةِ حُكْمُ وَكَالَةٍ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ بِهَلَاكِ مَالِ أَحَدِهِمَا فَيَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا مِنْ الْوَكَالَةِ. (وَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ) أَيْ الْمُفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ (أَنْ يُبْضِعَ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ (وَيُودِعَ) لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ (وَيُضَارِبَ) أَيْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَتَضَمَّنَهَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ (وَيُوَكِّلَ) مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَيْعًا وَشِرَاءً لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ (وَالْمَالُ فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (أَمَانَةٌ) حَتَّى إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ بِلَا تَعَدٍّ (وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ فَبِأَنْ يَشْتَرِكَ صَانِعَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمُفَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ الْمُفَاوَضَةُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ (سِوَى الْمَالِ) لِاخْتِصَاصِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بِالْمُفَاوَضَةِ السَّابِقَةِ (كَصَبَّاغَيْنِ أَوْ خَيَّاطٍ وَصَبَّاغٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اتِّحَادَ الصَّنْعَةِ وَالْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ (وَيَتَقَبَّلَا الْعَمَلَ) عَطْفٌ عَلَى يُشْرِكَ (لِأَجْرٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ لِيَكُونَ كُلُّ مَا يُحَصِّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأَجْرِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُفَاوَضَةِ (وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً) لِاعْتِبَارِهَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ (وَكَفَالَةً) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ (وَصَحَّتْ وَإِنْ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَالْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَإِذَا مَلَكَ مَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ صَارَتْ عِنَانًا (قَوْلُهُ وَقَبَضَ) لَمْ يَذْكُرْهُ أُولَئِكَ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْمُفَاوَضَةِ زِيَادَةُ مَالِ أَحَدِهِمَا فَزِيَادَةُ الْقَبْضِ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ مَعَ الْمِلْكِ لِإِبْهَامِهَا اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِي النَّقْدِ الْمَوْرُوثِ وَقَدْ حَصَلَ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَالْمَوْهُوبُ لَا يُمْلَكُ بِدُونِ قَبْضٍ فَكَانَ الْمِلْكُ كَافِيًا لِانْقِلَابِ الْمُفَاوَضَةِ عِنَانًا لِزِيَادَةِ مَالِ أَحَدِهِمَا وَبَسَطْنَاهُ بِرِسَالَةٍ (قَوْلُهُ وَالْمُشْتَرَى شَرِكَةُ عَقْدٍ) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ شَرِكَةُ مِلْكٍ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ لِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ. . . إلَخْ) كَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَسْتَقْرِضَ وَلَيْسَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ بِخِلَافِ الْمُفَاوِضَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ عِنَانًا وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ تَحْلِيفُ مَنْ حَلَّفَهُ الشَّرِيكُ وَرَبُّ الْمَالِ ثَانِيًا وَلَيْسَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ مِنْ تِجَارَتِهِمَا وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْهَا وَلَا يُعْتِقَ عَلَى مَالِ وَإِقْرَارُهُ بِأَمَةٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَجُزْ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَإِقَالَةُ أَحَدِهِمَا بَيْعَ الْآخَرِ جَائِزَةٌ وَرَدُّ بَيْعِهِ عَلَى الْآخَرِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَحَطُّهُ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْبٍ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا وَإِنْ حَطَّ بِغَيْرِ عِلْمِهِ جَازَ فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً وَإِقْرَارُهُ بِعَيْبٍ فِيمَا بَاعَهُ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَيُوَكِّلُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَخْرَجَ الْآخَرُ الْوَكِيلَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ خَرَجَ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِي تَقَاضِي مَا دَايَنَهُ لَيْسَ لِلْآخَرِ إخْرَاجُهُ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَانِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ) أَقُولُ اشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ لَيْسَ قَيْدًا وَكَذَا ذِكْرُ الْمُفَاوَضَةِ مَعَ ذِكْرِ مَا تَضَمَّنَتْهُ بَلْ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا

[فصل في الشركة الفاسدة]

وَصْلِيَّةٌ (شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِإِفْضَائِهِ إلَيْهِ فَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَأْخُذُهُ رِبْحًا لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْرُمُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَقَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ بَدَلُ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يَتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِمَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلَزِمَ كُلًّا عَمَلٌ قَبِلَهُ أَحَدُهُمَا وَيُطَالِبُ الْآخَرُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ (وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا) قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْكَفَالَةِ (وَأَمَّا الْعِنَانُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ فَبِأَنْ يَشْتَرِكَ صَانِعَانِ بِلَا تَسَاوٍ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذُكِرَ وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً) فَقَطْ (وَتَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَثْبُتَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً عَنْ قَيْدِ الْكَفَالَةِ وَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ مُوجَبَاتِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ فِي ذِمَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ حَتَّى قَالُوا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ مُسْتَهْلَكٍ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَلْزَمُهُ خَاصَّةً لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُوجَدْ وَنَفَاذُ الْإِقْرَارِ يُوجِبُ التَّصْرِيحَ بِهَا (وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ) سُمِّيَتْ بِهِ إذْ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ (فَبِأَنْ يَشْتَرِكَ مُتَسَاوِيَانِ فِيمَا ذُكِرَ بِلَا مَالٍ لِيَشْتَرِيَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَشْتَرِكُ (بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً) لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ فَتَعَيَّنَ الْأُولَى (وَكَفَالَةً) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ (وَأَمَّا الْعِنَانُ فِيهَا) أَيْ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ (فَبِأَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِيهَا) أَيْ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُفَاوَضَةِ (وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً فَقَطْ) لِمَا مَرَّ (وَإِنْ شَرَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ (مُنَاصَفَةَ الْمُشْرَى أَوْ مُثَالَثَتَهُ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَشَرْطُ الْفَضْلِ بَاطِلٌ) لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ أَوْ بِالْمَالِ كَرَبِّ الْمَالِ أَوْ بِالضَّمَانِ كَالْأُسْتَاذِ كَاَلَّذِي يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ النَّاسِ فَيُلْقِيهِ عَلَى التِّلْمِيذِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ بِالضَّمَانِ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِغَيْرِهَا أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: تَصَرَّفْ فِي مَالِكَ عَلَى أَنَّ لِي بَعْضَ رِبْحِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي. [فَصْلٌ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ] (فَصْلٌ) فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ (لَا شَرِكَةَ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ وَهُوَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَمْلِكُ إقَامَةَ الْغَيْرِ مَقَامَهُ (وَمَا حَصَّلَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ) لِأَنَّهُ أَثَرُ عَمَلِهِ (وَمَا حَصَّلَاهُ مَعًا فَلَهُمَا) لِأَنَّهُ أَثَرُ عَمَلِهِمَا (نِصْفَيْنِ) تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ (وَمَا حَصَّلَ أَحَدُهُمَا بِإِعَانَةِ الْآخَرِ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُحَصِّلِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْعَمَلِ (وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ ثَمَنِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمَا (وَلَا فِي الِاسْتِيفَاءِ) بِأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ وَاسْتَسْقَى أَحَدُهُمَا وَالْكَسْبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) أَيْ يَبْرَأُ الْمُسْتَأْجِرُ بِدَفْعِهِ الْأُجْرَةَ إلَى الَّذِي لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا أَيْ وَلَمْ يَشْتَرِطَا التَّفَاضُلَ كَمَا تَقَدَّمَ فَصْلٌ (قَوْلُهُ وَالْكَسْبُ لِعَامِلٍ

[كتاب المزارعة]

لِلْعَامِلِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا (وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْآخَرِ) لِأَنَّهُ أَجِيرُهُ إجَارَةً فَاسِدَةً (الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شَرَطَ الْفَضْلَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلْمَالِ كَالرِّيعِ وَلَمْ يُعْدَلْ عِبْنَهُ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَمْ تَصِحَّ فَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ فِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ وَهُوَ وَاجِبُ الدَّفْعِ (وَتَبْطُلُ) أَيْ الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ حُكْمًا) بِأَنْ يَرْتَدَّ وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ لِلشَّرِكَةِ وَالْمَوْتُ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَمُبْطِلُ اللَّازِمِ مُبْطِلٌ لِلْمَلْزُومِ. (لَا يُزَكِّي أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ بِلَا إذْنِهِ) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ بِلَا إذْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ (فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ فَأَدَّيَا وَلَاءً) أَيْ بِالتَّعَاقُبِ (ضَمِنَ الثَّانِي وَإِنْ جَهِلَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْهُ وَلَمْ يَسْقُطْ فَصَارَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْزُولًا بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ يَنْعَزِلُ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا (وَإِنْ أَدَّيَا مَعًا) أَيْ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَاتَّفَقَ أَدَاؤُهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ (ضَمِنَ كُلٌّ قِسْطَ الْآخَرِ) وَيَتَقَاصَّانِ فَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ. (شَرَى مُفَاوِضٌ أَمَةً بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِيَطَأَهَا فَهِيَ لَهُ مَجَّانًا) يَعْنِي إذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ بِشِرَاءِ أَمَةٍ لِيَطَأَهَا فَاشْتَرَاهَا الْمَأْمُورُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَيْ لَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِلْمَأْمُورِ خَاصَّةً فَكَانَ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقَدْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَمَا فِي ثَمَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمَا جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ الْإِذْنُ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَيَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اقْبِضْهَا لَك كَانَ هِبَةً وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ طَعَامِ الْأَهْلِ وَكِسْوَتِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْ الشَّرِكَةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا (وَأَخَذَ الْبَائِعُ بِثَمَنِهَا أَيًّا شَاءَ) الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْكَفَالَةِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ (كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ) (هِيَ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَشَرْعًا (عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ» وَهِيَ مُزَارَعَةُ الْأَرْضِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ مِنْ الْخَيْبَرِ وَهُوَ الْأَكَّارُ لِمُعَالَجَتِهِ الْخِبَارَ وَهِيَ الْأَرْضُ الرِّخْوَةُ وَلِأَنَّهَا اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ (وَتَصِحُّ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ نَخِيلَ خَيْبَرَ إلَى أَهْلِهَا مُعَامَلَةً وَأَرْضَهَا مُزَارَعَةً عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ تَمْرٍ وَزَرْعٍ وَبِهِ عَمِلَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَالصَّالِحُونَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ وَلِهَذَا قَالُوا (وَبِهِ يُفْتَى وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ (وَشَرْطُهَا) ثَمَانِيَةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ (أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ) إذْ لَا صِحَّةَ لِعَقْدٍ مَا بِدُونِهَا. (وَ) الثَّانِي (صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ (قَوْلُهُ كَالرِّيعِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الرِّيعَ تَابِعٌ لِلْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ، وَالرِّيعُ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ كَذَا فِي الْمُجْمَلِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ فَأَدَّيَا وَلَاءً أَيْ بِالتَّعَاقُبِ. . . إلَخْ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنْ عَلِمَ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا أَشَارَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَاءِ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَوْ الْكَفَّارَاتِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَوْ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ثُمَّ قَضَاهُ الْآخَرُ ثَانِيًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَوَّلَ قَضَاهُ لَمْ يَضْمَنْ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَهَذِهِ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْمَنَاقِبِ وَأَقُولُ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّرِيكَ وَكَالَتُهُ بَاقِيَةٌ لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ عَزْلِهِ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَأَدَاؤُهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْآمِرِ أَدَاءُ مَعْزُولٍ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِعَزْلِهِ بِفِعْلِ الْآمِرِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمَأْمُورُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يَضْمَنُ بِقَضَائِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بَعْدَ قَضَاءِ الْآمِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَأَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بَعْدَ الْهَلَاكِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَيْ لَا يَغْرَمُ شَرِيكُهُ شَيْئًا) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِشَرِيكِهِ لِكَوْنِ الضَّمِيرِ فِي يَغْرَمُ لِلْمَأْمُورِ تَأَمَّلْ [كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ] [أَرْكَان الْمُزَارَعَة] كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَفَعَ نَخِيلَ خَيْبَرَ إلَى أَهْلِهَا مُعَامَلَةً) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوَابُ مِنْ الْإِمَامِ عَنْهُ أَنَّ مُعَامَلَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَتْ مُزَارَعَةً لَبَيَّنَهَا اهـ. وَفَرَّعَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَهَا لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ

لِلزَّارِعَةِ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ. (وَ) الثَّالِثُ (بَيَانُ مُدَّةٍ مُتَعَارَفَةٍ) بِأَنْ يَقُولَ إلَى سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهَا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الْمُدَّةُ مِعْيَارًا لِلْمَنْفَعَةِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مِمَّا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ حَتَّى إذَا بَيَّنَ مُدَّةً لَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْهَا فَسَدَتْ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ مُدَّةً لَا يَعِيشُ أَحَدُهُمَا إلَى مِثْلِهَا عَادَةً كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (وَ) الرَّابِعُ بَيَانُ (رَبِّ الْبَذْرِ) أَيْ مَنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ فَإِنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ. (وَ) الْخَامِسُ بَيَانُ (جِنْسِهِ) أَيْ جِنْسِ الْبَذْرِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ وَهُوَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِبَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ. (وَ) السَّادِسُ بَيَانُ (حَظِّ الْآخَرِ) أَيْ بَيَانُ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا بِالشَّرْطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ إذْ مَا لَا يُعْلَمُ لَا يُسْتَحَقُّ شَرْطًا بِالْعَقْدِ. (وَ) السَّابِعُ (التَّخْلِيَةُ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ) حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يَزُولُ بِهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ عَمَلُ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ فَسَدَ (وَ) الثَّامِنُ (الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ) عِنْدَ حُصُولِهِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ إجَارَةً ابْتِدَاءً وَيَتِمُّ شَرِكَةً انْتِهَاءً وَكُلُّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ. (وَإِنَّمَا تَصِحُّ) عِنْدَهُمَا (إذَا كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِلْعَمَلِ وَالْبَقَرُ آلَةٌ لِلْعَمَلِ فَجَازَ شَرْطُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ نَفْسِهِ (أَوْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ) لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ صَحَّ فَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِذَلِكَ (أَوْ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَبَيَانُ مُدَّةٍ مُتَعَارَفَةٍ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَشُرُوطُ جَوَازِهَا سِتَّةٌ مِنْهَا بَيَانُ الْوَقْتِ فَإِنْ دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَتَكُونُ الْمُزَارَعَةُ عَلَى أَوَّلِ السَّنَةِ يَعْنِي عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ قَالَ وَالْفَتْوَى عَلَى بَيَانِ الْوَقْتِ عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبَيَانُ الْمُدَّةِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ شَرْطٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَفِي الْمُعَامَلَةِ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ اسْتِحْسَانًا وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُزَارَعَةُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ جَائِزٌ أَيْضًا وَيَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ إنَّمَا شَرَطَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بَيَانَ الْوَقْتِ لِأَنَّ وَقْتَ الْمُزَارَعَةِ عِنْدَهُمْ مُتَفَاوِتٌ ابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مَجْهُولٌ وَوَقْتَ الْمُعَامَلَةِ مَعْلُومٌ فَأَجَازُوا الْمُعَامَلَةَ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ السَّنَةِ وَلَمْ يُجِيزُوا الْمُزَارَعَةَ أَمَّا فِي بِلَادِنَا وَقْتُ الْمُزَارَعَةِ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَوَازُهَا بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ يَخْرُجُ زَرْعًا وَاحِدًا وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا شَرَطَ مُحَمَّدٌ بَيَانَ الْمُدَّةِ فِي الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا مُتَفَاوِتٌ عِنْدَهُمْ وَابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ وَوَقْتُ الْمُسَاقَاةِ مَعْلُومٌ اهـ فَقَدْ تَعَارَضَ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ بَيَانُ رَبِّ الْبَذْرِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي أَنَّهُ إنْ كَانَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَا يُشْتَرَطُ الْبَيَانُ اهـ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَاضِي خَانْ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَكِنْ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرَا لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرَا بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ دَفَعْت إلَيْك الْأَرْضَ لِتَزْرَعَهَا لِي أَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ فِيهَا بِنِصْفِ الْخَارِجِ يَكُونُ بَيَانًا أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَإِنْ قَالَ لِتَزْرَعَهَا لِنَفْسِك كَانَ بَيَانًا أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ بَيَانُ جِنْسِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مِقْدَارِ الْبَذْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِأَعْلَامِ الْأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا جِنْسَ الْبَذْرِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَلَمْ يُبَيِّنَا جِنْسَهُ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً إلَّا إذَا فَوَّضَ الْآمِرُ إلَى الْعَامِلِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ فَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ وَزَرَعَ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً (قَوْلُهُ وَالسَّادِسُ بَيَانُ حَظِّ الْآخَرِ أَيْ بَيَانُ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ) لَعَلَّهُ بَيَانُ حَظِّ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ (قَوْلُهُ وَالثَّامِنُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ) فِيمَا قَدَّمَ مِنْ بَيَانِ حَظِّ الْآخَرِ غُنْيَةٌ عَنْ هَذَا (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ أَيْضًا إذَا كَانَ نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حَقِّهِمَا) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُجِيزُهَا أَبُو يُوسُفَ إذَا شُرِطَتْ عَلَى الْمُزَارِعِ فِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْأَمَالِي عَنْهُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَصَارَ كَشَرْطِ حَذْوِ النَّعْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي دِيَارِنَا اهـ. وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ النَّوَازِلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يُجِيزَانِ الْمُزَارَعَةَ بِشَرْطِ الْحَصَادِ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا فِي زَمَانِهِمَا خَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ

لِلْآخَرِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَعْمَلَ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ رَبِّ الثَّوْبِ. (وَ) إنَّمَا تَصِحُّ أَيْضًا (إذَا كَانَ نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حَقِّهِمَا كَأَجْرِ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ حَتَّى لَوْ شُرِطَتْ لِأَحَدِهِمَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَتَفْسُدُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ) لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ وَالْبَقَرَ وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ مَقْصُودًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهَا قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا يَحْصُلُ بِهَا الْخَارِجُ وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ فَلِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْبَقَرِ تَابِعًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَقْصُودًا بِالْمُزَارَعَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَقَرُ مَشْرُوطًا عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِخِلَافِ جَانِبِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةُ الْعَمَلِ فَجُعِلَتْ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ (أَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ (أَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي) وَهُوَ الْأَرْضُ وَالْعَمَلُ (لِلْآخَرِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ (أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً) فَإِنَّهُ أَيْضًا مُفْسِدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا هَذِهِ الْقُفْزَانُ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ قَاطِعًا لِلشَّرِكَةِ (أَوْ شَرَطَا) لِأَحَدِهِمَا (مَا يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ) وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ السَّوَاقِي (وَالسَّوَاقِي) جَمْعُ سَاقِيَّةٍ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الْجَدْوَلِ وَأَصْغَرُ مِنْ النَّهْرِ فَإِنَّهُ أَيْضًا مُفْسِدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ قَاطِعًا لِلشَّرِكَةِ (أَوْ) شَرَطَا (كَوْنَ نَفَقَتِهِ عَلَى الْعَامِلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (أَوْ) شَرَطَا (رَفْعَ رَبِّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ أَوْ رَفْعَ الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ وَتَنْصِيفَ الْبَاقِي) حَيْثُ تَفْسُدُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ نَحْوَ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ شَرَطَا رَفْعَ الْعُشْرِ وَقِسْمَةَ الْبَاقِي وَالْأَرْضُ عُشْرِيَّةٌ أَوْ شَرَطَ رَبُّ الْبَذْرِ عُشْرَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآخَرِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُشَاعٌ فَلَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ. (أَوْ) شَرَطَا (كَوْنَ التِّبْنِ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَبَّ لِلْآخَرِ) حَيْثُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْحَبِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ (أَوْ) شَرَطَا (تَنْصِيفَ الْحَبِّ وَالتِّبْنِ لِغَيْرِ رَبِّ الْبَذْرِ) حَيْثُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ شَرْطً مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ إذْ رُبَّمَا يُصِيبُهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ (وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ أَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَجَعَلَاهُ) أَيْ التِّبْنَ (لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُمَا شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَالسُّكُوتُ عَنْ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي الْأَصْلِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَالْفَرْعُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْآخَرُ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا فَسَدَتْ كَانَ النَّمَاءُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْبَذْرِ (وَلِلْآخِرِ أَجْرُ عَمَلِهِ أَوْ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ (فَلَوْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ. (وَ) لَوْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ (الْعَامِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرَ الْأَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهِيَ هَهُنَا فِي يَدِ الْعَامِلِ لَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْبُذُورِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامِلِ اهـ (قَوْلُهُ فَتَفْسُدُ إنْ كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهَا وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْ الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ مَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا وَالْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ الْعَمَلُ مَشْرُوطًا عَلَى غَيْرِ ذِي الْأَرْضِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَكُونُ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِيمَا إذَا سَكَتَا عَنْهُ وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الثَّانِي وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَجُوزُ وَمَشَايِخُ بَلْخِي أَنَّ التِّبْنَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى) كَذَا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ رَبَّ الْبَذْرِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَهُمَا وَأَوْجَبَهَا مُحَمَّدٌ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَيَطِيبُ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْبَذْرِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَخَرَاجُ أَرْضِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى الْبَذْرِ وَالْمُؤَنِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ

[مبطلات المزارعة]

فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ) لِاسْتِيفَائِهِ مَنَافِعَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذْ لَا مِثْلَ لَهَا (وَإِذَا صَحَّتْ فَالْمَشْرُوطُ) أَيْ الْوَاجِبُ هُوَ الْمَشْرُوطُ لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ (وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إنْ لَمْ تُخْرِجْ) أَيْ الْأَرْضُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ شَرِكَةً وَلَا شَرِكَةَ فِي غَيْرِ الْخَارِجِ (وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ إنْ أَبَى لَا رَبُّ الْبَذْرِ) يَعْنِي إذَا عُقِدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَامْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ رَبُّ الْبَذْرِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ إلَّا بِإِتْلَافِ الْبَذْرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ يَلْزَمُهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ. وَفِي الْكِفَايَةِ هَذَا (قَبْلَ إلْقَائِهِ) وَبَعْدَهُ يُجْبَرُ وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِهِ مُمْكِنٌ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فَلَزِمَ الْعَقْدُ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ كَالْمَرَضِ فَيُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ (وَلَوْ أَبَى رَبُّ الْبَذْرِ وَالْأَرْضُ لَهُ وَقَدْ كَرَبَ الْعَامِلُ فَلَا شَيْءَ لَهُ) فِي عَمَلِ الْكِرَابِ (قَضَاءً) لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَوَّمَ الْعَمَلَ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ بَعْدَهُ (وَيُسْتَرْضَى دِيَانَةً) يَعْنِي إنَّ مَا ذُكِرَ جَوَابٌ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلَ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَغَلَ بِإِقَامَةِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِيَحْصُلَ لَهُ نَصِيبُهُ مِنْ الْخَارِجِ فَإِذَا أَخَذَ الْأَرْضَ مِنْهُ فَقَدْ غَرَّهُ وَالتَّغْرِيرُ مَدْفُوعٌ فَيُفْتَى بِأَنْ يَطْلُبَ رِضَاهُ (وَتَبْطُلُ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (فَلَوْ دَفَعَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمَّا نَبَتَ فِي الْأُولَى وَمَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ تُرِكَ) أَيْ الزَّرْعُ (فِي يَدِ الْمُزَارِعِ إلَى إدْرَاكِهِ وَقُسِّمَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَطَلَتْ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (فِي) السَّنَتَيْنِ (الْأُخْرَيَيْنِ) لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالْوَرَثَةِ وَفِي الْقَطْعِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْعَامِلِ أَصْلًا فَكَانَ الْإِبْقَاءُ أَوْلَى وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِبْقَاءِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ لِلْمُزَارِعِ فِي شَيْءٍ بَعْدُ فَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ (مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يُدْرِكَ) الزَّرْعُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ بَعْضِ الْأَرْضِ لِتَرْبِيَةِ حِصَّتِهِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ. (وَنَفَقَتُهُ) أَيْ نَفَقَةُ الزَّرْعِ كَأَجْرِ السَّقْيِ وَالْمُحَافَظَةِ وَالْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ (عَلَيْهِمَا) بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا حَتَّى يُدْرِكَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ. (وَفِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ (تُرِكَ) أَيْ الزَّرْعُ فِي مَكَانِهِ (إلَى إدْرَاكِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَارِعِ) لِأَنَّا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ هَاهُنَا اسْتِحْسَانًا لِبَقَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ أَوْ وَارِثِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ الْإِبْقَاءُ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا) عَلَى الزَّرْعِ (بِلَا أَمْرِ صَاحِبِهِ أَوْ أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا إذَا اسْتَرَمَّتْ فَأَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِلَا أَمْرٍ كَانَ مُتَطَوِّعًا (وَتُفْسَخُ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (بِدَيْنٍ مُحْوِجٍ إلَى بَيْعِهَا) أَيْ بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ وَسَوَّى الْمُسْنَاةَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ الْخَارِجُ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَفْسُدْ (وَلَوْ نَبَتَ) أَيْ الزَّرْعُ (لَمْ تُبَعْ) أَيْ الْأَرْضُ (قَبْلَ اسْتِحْصَادِهِ) أَيْ الزَّرْعِ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى مِنْ الْإِبْطَال وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي إنْ حَبَسَهُ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيُفْتَى بِأَنْ يَطْلُبَ رِضَاهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوفِيَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ [مُبْطِلَات الْمُزَارَعَة] (قَوْلُهُ وَنَفَقَتُهُ أَيْ نَفَقَةُ الزَّرْعِ. . . إلَخْ) . أَعَادَهُ لِيُعْلَمَ الْحُكْمُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ وَالرَّفَاعِ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ لُغَةٌ هُوَ أَنْ يَرْفَعَ الزَّرْعَ إلَى الْبَيْدَرِ (قَوْلُهُ فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ) أَيْ لَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ أَوْ وَارِثُهُ أَيْ لَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَوَارِثُهُ يَعْمَلُ مَكَانَهُ (قَوْلُهُ وَتُفْسَخُ بِدَيْنٍ يُحْوِجُ إلَى بَيْعِهَا) أَيْ بَيْعِ أَرْضٍ يَعْنِي إذَا لَمْ يَزْرَعْهَا لِمَا سَيَذْكُرُ وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ وَعَلَى رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَصْلِ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ عُذْرٌ وَلَوْ كَانَ الْمُزَارِعُ سَارِقًا يُخَافُ عَلَى الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ مِنْهُ فَهَذَا عُذْرٌ اهـ

[كتاب المساقاة]

وَهُوَ لَمْ يَظْلِمْ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ بَيْعِ الْأَرْضِ فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا (كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ) (هِيَ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ وَشَرْعًا (دَفْعُ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرِهِ وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ) فِي أَنَّهَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهَا (وَشُرُوطُهَا كَشُرُوطِهَا الْمُمْكِنَةِ هَاهُنَا كَأَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَبَيَانِ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَالْعَامِلُ وَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ) وَمَا عَدَاهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا لَا يَجْرِي هَاهُنَا (فَتَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَعْنًى كَالْمُزَارَعَةِ وَتَصِحُّ اسْتِحْسَانًا (وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ) إذْ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ قَلَّمَا يَتَفَاوَتُ (وَتَفْسُدُ إنْ لَمْ يُخْرِجْ) أَيْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَقْدِ غَيْرَ هَذِهِ السَّنَةِ فَكَأَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ (إلَّا إذَا دَفَعَ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ فَتَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّةِ (غِرَاسًا فِي أَرْضٍ لَمْ تَبْلُغْ) أَيْ تِلْكَ الْغِرَاسُ (الثَّمَرَ عَلَى أَنْ يُصْلِحَهَا فَمَا خَرَجَ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ سِنِينَ مَعْلُومَةً) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (أَوْ دَفَعَ أُصُولَ رُطَبَةٍ فِي أَرْضٍ مُسَاقَاةً وَلَمْ يُسَمَّ الْوَقْتُ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ) لِأَنَّ أُصُولَ الرُّطَبَةِ كَالْغِرَاسِ (بِخِلَافِ رُطَبَةٍ لِبَقَائِهَا غَايَةً) كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا (حَيْثُ يَجُوزُ وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ جِزَّةٍ) أَيْ قَطْعٍ (يَكُونُ) أَيْ يَحْصُلُ ذَلِكَ الْأَوَّلُ لَا مَا بَعْدَهُ (دَفَعَ رُطَبَةً انْتَهَى جِزَازُهَا عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى يَخْرُجَ بَذْرُهَا وَيَكُونَ) أَيْ الْبَذْرُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ بِلَا ذِكْرِ الْوَقْتِ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ وَقْتًا مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُزَارِعِينَ وَالْبَذْرُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ يَكُونُ صَحِيحًا (وَالرُّطَبَةُ لِصَاحِبِهَا) إذْ لَا أَثَرَ فِيهِ لِعَمَلِ الْعَامِلِ (وَلَوْ شَرَطَا تَنْصِيفَهَا فَسَدَتْ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ قَبْلَهَا (ذَكَرَ مُدَّةً لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا) بِأَنْ دَفَعَ الْأَرْضَ لِيَغْرِسَ فِيهَا الْكَرْمَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْكَرْمَ لَا يُخْرِجُ الثَّمَرَ فِيهَا (يُفْسِدُهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُسَاقَاةِ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ وَهَذَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ. (وَ) ذَكَرَ (مُدَّةً قَدْ يَخْرُجُ) الثَّمَرُ فِيهَا (وَقَدْ لَا) أَيْ لَا يَخْرُجُ (لَا) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ بَلْ هُوَ مُتَوَهَّمٌ فِي كُلِّ مُزَارَعَةٍ وَمُسَاقَاةٍ بِأَنْ يَصْطَلِمَ الزَّرْعَ أَوْ الثَّمَرَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ (فَلَوْ خَرَجَ) أَيْ الثَّمَرُ (فِي وَقْتٍ سُمِّيَ فَعَلَى الشَّرْطِ) لِصِحَّةِ الْعَقْدِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهِ بِلَا تَأَخُّرٍ عَنْهُ (فَسَدَ الْعَقْدُ) إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا سَمَّيَا مُدَّةً لَا يَخْرُجُ الثِّمَارُ فِيهَا وَلَوْ عُلِمَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَكَذَا إذَا تَبَيَّنَ انْتِهَاءً وَإِذَا فَسَدَ (فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ) كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ (تَصِحُّ) أَيْ مُسَاقَاةً (فِي الْكَرْمِ وَالشَّجَرِ وَالْبُقُولِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ وَالنَّخْلِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (فِيهِ ثَمَرٌ إنْ لَمْ يُدْرِكْ) حَتَّى لَوْ كَانَ مُدْرِكًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ إذْ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ لِعَمَلِ الْعَامِلِ أَثَرٌ (كَالْمُزَارَعَةِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ (دَفَعَ أَرْضًا سِنِينَ مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا أَشْجَارًا وَتَكُونَ هِيَ) أَيْ الْأَشْجَارُ (وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَسَدَتْ) لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ وَهُوَ الْأَرْضُ (فَإِنْ غَرَسَهَا) أَيْ الْعَامِلُ الْأَرْضَ (غِرَاسًا مِنْ عِنْدِهِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَرًا كَانَ الْكُلُّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلْغَارِسِ عَلَيْهِ قِيمَةُ غِرَاسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَجْعَلَ أَرْضَهُ بُسْتَانًا بِآلَاتِ نَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ] [شُرُوط الْمُسَاقَاة] ِ (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً مِنْ السَّقْيِ. . . إلَخْ) مَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ هُوَ الشَّرْعِيُّ وَتُسَمَّى الْمُعَامَلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (قَوْلُهُ وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ) فِي الْبُطْلَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ خِلَافًا لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى (قَوْلُهُ وَشُرُوطُهَا كَشُرُوطِهَا) كَذَا رُكْنُهَا كَرُكْنِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَشُرُوطُهَا عِنْدَهُمَا شُرُوطُ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا يُجْبَرُ إذَا امْتَنَعَ وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يُتْرَكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرٍ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ النَّخِيلُ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَالْمُزَارِعُ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَالرَّابِعُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ هُنَا اسْتِحْسَانًا (قَوْلُهُ فَلَوْ خَرَجَ أَيْ الثَّمَرُ فِي وَقْتٍ سُمِّيَ فَعَلَى الشَّرْطِ) هَذَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ يُرْغَبُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُرْغَبْ بِمِثْلِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فِيهِ بَلْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَسَدَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِذَا لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا أَصْلًا فَلَا شَيْءَ لَهُ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إنْ أَخْرَجَتْ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فِي السَّنَةِ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَبَعْدَهُ حَدَثَتْ لَهَا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُدْرِكًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَنَاهَى الزَّرْعُ فَدَفَعَ مَعَهُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ لِيَحْفَظَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْأَشْجَارِ إذَا دَفَعَهَا مُعَامَلَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ بِحَالٍ لَوْ لَمْ تُحْفَظْ تَضَعْ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَمَلٍ سِوَى الْحِفْظِ وَالْحِفْظُ زِيَادَةٌ فِي الثِّمَارِ إنْ بِحَالٍ لَوْ لَمْ تُحْفَظْ لَا تَذْهَبُ الثَّمَرَةُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا يَجُوزُ اهـ

[كتاب الدعوى]

يَظْهَرُ بِعَمَلِهِ وَالْآلَةُ لَهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيَكُونُ فَاسِدًا ثُمَّ الْغِرَاسُ مِلْكٌ لِلْغَارِسِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَيْهِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ فَتَجِبُ قِيمَتُهَا وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قِيمَةِ الْغِرَاسِ لِتَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا. (تَبْطُلُ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَمُضِيِّ مُدَّتِهَا وَالثَّمَرُ نِيءٌ) بِكَسْرِ النُّونِ هَذَا قَيْدٌ لِصُورَتَيْ الْمَوْتِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدَرَاهِمَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ (فَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ الْقِيَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْرِكَ الثَّمَرُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَرِهَهُ وَرَثَةُ صَاحِبِ الْأَرْضِ) لِأَنَّ فِي انْتِقَاضِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ إضْرَارًا بِالْعَامِلِ وَإِبْطَالًا لِمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ فِي الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ وَإِذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ تَكَلَّفَ الْجَزَّازَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِذَا جَازَ نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ إبْقَاؤُهَا لِدَفْعِهِ كَانَ أَوْلَى (وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ) لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجَانِبَيْنِ (وَإِنْ مَاتَا فَالْخِيَارُ) فِي الْقِيَامِ عَلَيْهِ أَوْ تَرْكِهِ (إلَى وَرَثَةِ الْعَامِلِ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ وَقَدْ كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ هَذَا الْخِيَارُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَكَذَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَإِنْ لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمَا بَلْ انْقَضَى مُدَّتُهَا) أَيْ مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ (فَالْخِيَارُ لِلْعَامِلِ) إنْ شَاءَ عَمِلَ عَلَى مَا كَانَ يَعْمَلُ حَتَّى يَبْلُغَ الثَّمَرَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لِأَنَّ فِي الْأَمْرِ بِالْجَزَازِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ إضْرَارًا بِهِمَا وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ كَمَا مَرَّ (وَلَا تُفْسَخُ إلَّا بِعُذْرٍ) كَمَا فِي الْإِجَارَاتِ (وَمِنْهُ كَوْنُ الْعَامِلِ عَاجِزًا عَنْ الْعَمَلِ) فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُفْسَخْ لَزِمَهُ اسْتِئْجَارُ الْأُجَرَاءِ فَيَلْحَقُ بِهِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الضَّرَرَ مَدْفُوعٌ (أَوْ) كَوْنِ الْعَامِلِ سَارِقًا (يَخَافُ عَلَى ثَمَرِهِ) أَيْ ثَمَرِ الشَّجَر (أَوْ سَعَفِهِ) السَّعَفُ بِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ سَعَفَةٍ وَهِيَ غُصْنُ النَّخْلِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ [كِتَابُ الدَّعْوَى] [أَرْكَان الدَّعْوَى] (كِتَابُ الدَّعْوَى) أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي الْوُجُودِ (هِيَ) لُغَةً قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا تُنَوَّنُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَشَرْعًا (مُطَالَبَةُ حَقٍّ) مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ (عِنْدَ مَنْ) وَهُوَ الْقَاضِي (لَهُ الْخَلَاصُ) أَيْ تَخْلِيصُهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إذَا ثَبَتَ وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ) أَيْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُتَنَاوِلًا لِلْأَغْلَبِ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِعْلًا احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِ (مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ قَوْلًا) وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُتَنَاوِلًا لِلْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْمُبَاحَثَةِ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (فِي الْحَقِّ) أَيْ حَقِّ الْعَبْدِ (وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا فَانْطَبَقَ الْحَدُّ عَلَى الْمَحْدُودِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ هُنَا قِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ هُوَ الْمُدَّعِي قَالُوا هَذَا حَدٌّ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ وَالْمَبَانِي فَإِنَّ الْكَلَامَ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الشَّخْصِ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى وَهُوَ إنْكَارٌ مَعْنًى كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا فَإِنَّهُ مُدَّعٍ صُورَةً وَمُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ مَعْنًى وَلِهَذَا يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدٌّ وَلَا ضَمَانٌ وَلَا يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ رَدَّهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَبَدًا تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ (وَرُكْنُهَا) أَيْ الدَّعْوَى (إضَافَةُ الْحَقِّ إلَى نَفْسِهِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّ فِي انْتِقَاضِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ إضْرَارٌ بِالْعَامِلِ) ظَاهِرُهُ بَقَاءِ الْعَقْدِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (كِتَابُ الدَّعْوَى) (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً. . . إلَخْ) . أَحَدُ مَا قِيلَ فِيهَا لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ أَوْ مُسَالَمَةٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى) بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرَ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى كَذَا قَالَ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَتُجْمَعُ عَلَى دَعَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ وَبِفَتْحِهَا مُحَافَظَةً عَلَى أَلِفِ التَّأْنِيثِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ ابْنِ وَلَّادٍ وَبِالْأَوَّلِ يُشْعِرُ كَلَامُ سِيبَوَيْهِ اهـ. وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُدَّعٍ وَالْمَفْعُولُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْمَالُ مُدَّعًى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ وَالْمَصْدَرُ الِادِّعَاءُ (قَوْلُهُ عِنْدَ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ عَلَيْهِ الْخَلَاصُ وَهُوَ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَذَا الْمُحَكِّمُ لِأَنَّهُ يُلْزِمُ الْخَصْمَ بِالْحَقِّ وَيُخَلِّصُهُ (قَوْلُهُ قِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ الْمُدَّعِي) قَائِلُهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ وَهَذَا صَحِيحُ غَيْرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَحِدَّةِ ذَكَاءٍ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا) إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ أَمَّا رُكْنُ الدَّعْوَى فَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ قِبَلَ فُلَانٍ كَذَا أَوْ قَضَيْت حَقَّ فُلَانٍ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْ حَقِّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ

إنْ كَانَ أَصِيلًا (أَوْ) إلَى (مَنْ نَابَ) أَيْ الْمُدَّعِي (مَنَابَهُ) كَمَا فِي الْوَكِيلِ وَأَبٍ الصَّغِيرِ وَوَصِيِّهِ (عِنْدَ النِّزَاعِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِضَافَةِ الْحَقِّ (وَأَهْلُهَا) أَيْ الدَّعْوَى (الْعَاقِلُ) خَرَجَ بِهِ الْمَجْنُونُ (الْمُمَيِّزُ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْمُمَيِّزِ قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ الدَّعْوَى مِنْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَجَوَابُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ (وَشَرْطُ جَوَازِهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي) فَإِنَّ الدَّعْوَى فِي مَجْلِسٍ غَيْرِهِ لَا تَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُهُ (وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ عَنْهُ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ) أَيْ الدَّعْوَى (إذَا أَلْزَمَتْ شَيْئًا عَلَى الْخَصْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا) وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ عَاقِلٌ (وَعِلْمُ الْمُدَّعِي بِهِ) عَطْفٌ عَلَى أَلْزَمَتْ أَيْ صَارَ مَا يَدَّعِيهِ مَعْلُومًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ كَانَ) مَا يَدَّعِيهِ (مَنْقُولًا فِي يَدِ الْخَصْمِ ذَكَرَ) أَيْ مُدَّعِيهِ (أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ بِحَقٍّ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لِأَجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْمَلُ الْعَقَارَ أَيْضًا فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمَنْقُولِ بِهَذَا الْحُكْمِ أَقُولُ دِرَايَةُ وَجْهِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ مُسَلَّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ دَعْوَى الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ يَجِبُ دَفْعُهَا لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ كَمَا قَالُوا إنَّ شُبْهَةَ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ، إذَا عَرَفَتْهُمَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْعَقَارِ شُبْهَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُشَاهَدٌ فَوَجَبَ دَفْعُهَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى وَبَعْدَ ثُبُوتِهِ يَكُونُ احْتِمَالُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ، وَأَمَّا الْيَدُ فِي الْمَنْقُولِ فَلِكَوْنِهِ مُشَاهَدًا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ فَوَجَبَ دَفْعُهَا لِتَصِحَّ الدَّعْوَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (وَطَلَبَ) عَطْفٌ عَلَى ذَكَرَ (إحْضَارَهُ) أَيْ إحْضَارَ مَا يَدَّعِيهِ (إنْ أَمْكَنَ لِيُشَارَ إلَيْهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ) لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَا فِي الْمَنْقُولَاتِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى مَثَلًا حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا. (وَ) ذَكَرَ (قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ) أَيْ إحْضَارُهُ لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ تَتَفَاوَتُ وَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي مَعْلُومٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهُ فَوَجَبَ ذِكْرُ قِيمَتِهِ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يُشْتَرَطُ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَأَهْلُهَا الْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْجَوَابُ وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ جَوَازِهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ اللُّزُومُ لِتَكُونَ مُلْزِمَةً لِلْخَصْمِ الْجَوَابَ فَخَرَجَ الْمُحَكِّمُ (قَوْلُهُ أَقُولُ دِرَايَةُ وَجْهِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ. . . إلَخْ) لَيْسَ دَفْعًا لِمَا يَدَّعِيهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ الشُّمُولِ وَفِيهِ مَا يُؤَيِّدُ مُدَّعَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ يَجِبُ دَفْعُهَا اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الشُّبْهَةَ كَوْنُ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ بِحَقٍّ فَتُدْفَعُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي إنَّهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْقُولُ بِهَذَا اهـ. وَأَمَّا مَا رَتَّبَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِقَوْلِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْعَقَارِ شُبْهَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ. . . إلَخْ فَغَيْرُ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ ذِكْرُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْمَنْقُولِ أَوْ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْعَقَارَ هَلْ ثَبَتَ فِيهِ الْيَدُ بِالتَّصَادُقِ كَالْمَنْقُولِ أَوْ لَا وَذَكَرَ الْبُرْجَنْدِيُّ لَهُ وَجْهًا ثُمَّ قَالَ هَذَا وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَاضِي كَوْنَهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُذْكَرُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِهِ الْيَوْمَ بِغَيْرِ حَقٍّ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَارِقِ. اهـ. قُلْت وَكَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْمَحْدُودَ كَانَ مِلْكَك بِعْتَهُ مِنْ فُلَانٍ وَسَلَّمْتَهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنِّي وَسَلَّمَهَا إلَيَّ فَالْيَوْمُ مِلْكِي بِهَذَا السَّبَبِ وَفِي يَدِك بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ اهـ فَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَنْقُولِ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ وَقَدْ وُجِدَ فِي تَصْوِيرِهِمْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ التَّصْرِيحُ بِهِ (قَوْلُهُ وَطَلَبَ إحْضَارَهُ إنْ أَمْكَنَ) أَيْ فَيُكَلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ الْعَيْنِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ) مِنْ التَّعَذُّرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهُوَ أَنْ لَا يُحْمَلَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي إلَّا بِأَجْرٍ وَقِيلَ مَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فَلَوْ كَانَتْ هَالِكَةً فَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى

الْعَيْنُ غَائِبًا وَادَّعَى أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ إنْ بَيَّنَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهُ وَصِفَتَهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ (وَلَوْ قَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي قِيمَتَهُ قَالُوا تُسْمَعُ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ قِيمَتِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ. أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّبُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ، وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ (وَلَوْ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ (عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ) الْأَرْبَعَةَ لِتَعَذُّرِ التَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ فَيُصَار إلَى التَّحْدِيدِ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُعْرَفُ بِهِ (وَكَفَى الثَّلَاثَةُ) وَقَالَ زُفَرُ لَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ (إلَّا أَنْ يَغْلَطَ فِي) الْحَدِّ (الرَّابِعِ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى يَخْتَلِفُ بِهِ بِخِلَافِ تَرْكِهِ (كَذَا الشَّهَادَةُ) أَيْ كَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْ ذَكَرُوا ثَلَاثَةً مِنْ الْحُدُودِ فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ وَفِي الدَّارِ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْدِيدِ وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الشُّهْرَةَ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ وَلَهُ أَنَّ قَدْرَهَا لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالتَّحْدِيدِ. (وَ) ذَكَرَ أَيْضًا (أَنَّهُ يُطَالِبُهُ) لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ. (وَ) ذَكَرَ أَيْضًا (أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ (لَا يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا) عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِهِ (بَلْ) يَثْبُتُ (بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي) لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَقَارِ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَقَدْ تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَرَادَ إحْضَارَهُ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ تُسْمَعُ وَهَلْ يُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إحْضَارِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ يَدُهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَلَمْ يُثْبِتْ خُرُوجَهُ مِنْ يَدِهِ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِ ذَلِكَ الْيَدِ فَتَثْبُتُ الْيَدُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ مَا لَمْ يُمْكِنْ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ، وَالْقَاضِي فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْحُضُورُ وَكَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَجْلِسُ فِي دَارِهِ وَوَقَعَ الدَّعْوَى فِي جَمَلٍ وَلَا يَسَعُ بَابَ دَارِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ يَأْمُرُ نَائِبَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ وَفِي الْقُدُورِيِّ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ كَالرَّحَى فَالْحَاكِمُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ أَمِينًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ كَيْفَ يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَالْمِصْرُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَمْضِي قَضَاؤُهُ (وَلَوْ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ (دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ. . . إلَخْ) يُقَالُ هَلْ ثَمَّ شَيْءٌ يُتَوَهَّمُ غَيْرُ مَا ذَكَرْت لِيَكُونَ بِهِ الْكَلَامُ غَيْرَ كَافٍ هَذَا وَلِقَاضِي زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَحْثٌ فِي هَذَا الْمَحِلِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ) يَعْنِي وَذَكَرَ أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا وَأَنْسَابَهُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُرِيدُ بِهِ صَاحِبَ الْحَدِّ اهـ. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْمَحْدُودِ وَبَلَدِهِ لِيَصِيرَ مَعْلُومًا اهـ فَجَعَلَهُ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ادَّعَى مَحْدُودًا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَبَيَّنَ الْحُدُودَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَا هُوَ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ دَارٌ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى. وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَصِحُّ إذَا بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ وَالْحُدُودَ وَقِيلَ ذِكْرُ الْمَحَلَّةِ وَالسُّوقِ وَالسِّكَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَذِكْرُ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ لَازِمٌ اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالسِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ. . . إلَخْ) لَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إحْضَارَهُ صَارَ كَالْعَقَارِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ دَيْنًا. . . إلَخْ) وَمَعَ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُعَرَّفُ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي فَلَيْسَ ذِكْرُ الْقَدْرِ يُغْنِي عَنْ الْوَصْفِ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ خَفَاءٌ

جِنْسَهُ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهَا (وَقَدْرَهُ) كَمِائَةٍ وَأَلْفٍ وَقَفِيزٍ وَقَفِيزَيْنِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ. (وَ) ذَكَرَ أَيْضًا (مُطَالَبَتَهُ بِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَقُّهُ (وَإِذَا صَحَّتْ) أَيْ الدَّعْوَى (سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهَا) لِيَتَّضِحَ وَجْهُ الْحُكْمِ إذْ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِفُ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ خَصْمَك ادَّعَى عَلَيْك كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَقُولُ (فَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ الْخَصْمُ (أَلْزَمَ) أَيْ الْقَاضِي (بِمُوجِبِهِ) لَمْ يَقُلْ قَضَى أَوْ حَكَمَ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْقَضَاءِ تَوَسُّعٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي فَصْلِ الْخُصُومَةِ الْبَيِّنَةُ (وَإِنْ أَنْكَرَ) أَيْ الْخَصْمُ (سَأَلَ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُدَّعِي بَيِّنَةً) «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ فَقَالَ لَا فَقَالَ لَك يَمِينُهُ» سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ (فَإِنْ أَقَامَ) أَيْ الْبَيِّنَةَ (قَضَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَهِيَ فَيْعِلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ فَإِنَّهَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ يَظْهَرُ بِهَا الْحَقُّ عَلَى الْبَاطِلِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا بَلْ عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا (حَلَّفَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْخَصْمَ (بِطَلَبِهِ) أَيْ طَلَبِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحَلِفَ حَقُّهُ وَلِهَذَا أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ فِي الْحَدِيثِ، وَجْهُ كَوْنِهِ حَقًّا لَهُ أَنَّ الْمُنْكِرَ قَصَدَ إتْوَاءَ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ بِالْإِنْكَارِ فَمَكَّنَهُ الشَّارِعُ مِنْ إتْوَاءِ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَهِيَ الْغَمُوسُ إنْ كَانَ كَاذِبًا كَمَا يَزْعُمُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ إتْوَاءِ الْمَالِ وَيَحْصُلُ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعَةٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (فَإِنْ نَكَلَ) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ (مَرَّةً أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ) مِنْ طَرَشٍ أَوْ خَرَسٍ فَإِنَّهُ نُكُولٌ حُكْمًا (وَقَضَى صَحَّ) لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» تَرْكُ هَذَا الْوَاجِبِ بِالنُّكُولِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَإِلَّا لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ تَقَصِّيًا عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِبَذْلِ الْمُدَّعَى أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ وَالشَّرْعُ أَلْزَمَهُ التَّوَرُّعَ مِنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ دُونَ التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ فِي نُكُولِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ) أَيْ عَرْضِ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْخَصْمِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تَحْلِفْ أَحْكُمُ عَلَيْك (ثَلَاثًا أَحْوَطُ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ (وَلَا عِبْرَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِقَوْلِهِ أَحْلِفُ) لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ (وَيُعْتَبَرُ) أَيْ قَوْلُهُ أَحْلِفُ (قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَقِّ إلَّا فِي دَعْوَى الْعَيْبِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ إنْكَارَهُ لِيُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ وَفِي الْوَصِيِّ إذَا عَلِمَ بِالدَّيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي بُيُوعِ النَّوَازِلِ اهـ. (قَوْلُهُ فَهِيَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ) وَقِيلَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيْنِ إذْ بِهَا يَقَعُ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ (قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الْآتِي فَإِنْ نَكَلَ كَمَا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) أَيْ فَهُوَ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ نُكُولٌ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ نُكُولٌ حُكْمًا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ وَهُوَ بَعْدَ عَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا أَحْوَطُ) أَيْ نَدْبًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْكَافِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْك بِمَا ادَّعَى وَهَذَا الْإِنْذَارُ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ إذْ هُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ مَظِنَّةَ الْخَفَاءِ. اهـ.

الْحُكْمِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثًا) إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ نَقْضُ الْقَضَاءِ وَلَا فَسَادٌ آخَرُ (وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ نَكَلَ خَصْمُهُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَصْلًا وَحَلَّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَيُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ شَاهِدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَى وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» وَعِنْدَنَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَمُطْلَقُ التَّقْسِيمِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ مُشَارَكَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ قِسْمِ صَاحِبِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِنْسَ الْأَيْمَانِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إذْ اللَّامُ فِي الْيَمِينِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَمَنْ جَعَلَ الْأَيْمَانَ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ غَرِيبٌ وَمَا رَوَيْنَاهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ حَتَّى صَارَ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ فَلَا يُعَارِضُهُ عَلَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَدْ رَدَّهُ كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَوْ قَالَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ حَبَسَهُ) أَيْ الْقَاضِي (حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ فَجَزَاؤُهُ الْحَبْسُ (ادَّعَى) أَيْ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ (مَالًا فَأَنْكَرَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَبْرَأَ مِنْ الْمَالِ فَحَلَفَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (عَلَى دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا وَاسْتَحْلَفَهُ يُحَلِّفْهُ الْقَاضِي لَوْلَا) أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ (الْأَوَّلُ) حِينَ الصُّلْحِ (عِنْدَهُ) فَإِنَّ التَّحْلِيفَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يُعْتَبَرُ كَمَا أَنَّ النُّكُولَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ الْحَقَّ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعَةٌ لِلْخُصُومَةِ وَالْيَمِينُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي غَيْرُ قَاطِعَةٍ (وَلَوْ) كَانَ الْحَلِفُ الْأَوَّلُ (عِنْدَهُ كَفَى) وَلَا يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا (كَذَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ فَالْخَصْمُ ضَامِنٌ وَحَلَفَ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْخَصْمُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (لَا تَحْلِيفَ فِي نِكَاحٍ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحًا وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ (وَرَجْعَةٍ) بِأَنْ ادَّعَتْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (وَفَيْءِ إيلَاءٍ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُولِي عَلَيْهَا أَوْ هِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ أَنَّهُ فَاءَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (وَاسْتِيلَادٍ) بِأَنْ ادَّعَتْ أَمَةٌ عَلَى سَيِّدِهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا قَدْ مَاتَ أَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَلَا يَتَأَنَّى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ إذْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهَا (وَرِقٍّ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (وَنَسَبٍ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ هُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ (وَوَلَاءٍ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَعْرُوفِ الرِّقِّ أَنَّهُ مُعْتِقُهُ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ ادَّعَى الْمَعْرُوفُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ (وَحَدٍّ) سَوَاءٌ كَانَ حَدًّا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَحَدِّ السَّرِقَةِ أَوْ دَائِرًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ كَحَدِّ الْقَذْفِ حَتَّى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَنْكَرَ الْقَاذِفُ لَا يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا فَالْتَحَقَ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّ السَّارِقَ يُسْتَحْلَفُ لِأَجْلِ الْمَالِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ عَدَمُ التَّحْلِيفِ ثَانِيًا لَا مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِقَبُولِهَا بَعْدَ التَّحْلِيفِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ حَبَسَهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْكَارٌ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ إخْبَارٌ عَنْ السُّكُوتِ عَنْ الْجَوَابِ وَالسُّكُوتُ إنْكَارٌ عَلَى مَا مَرَّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا إقْرَارٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

أَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَ الْمَالِ لَا الْقَطْعَ فَيُقَالُ لَهُ دَعْ ذِكْرَ السَّرِقَةِ وَادَّعِ تَنَاوُلَ مَالِكَ فَيَكُونُ لَك عَلَيْهِ يَمِينٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْحُدُودِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لَا الزِّنَا (وَلِعَانٍ) بِأَنَّ تَدَّعِي الْمَرْأَةُ الْقَذْفَ بِالزِّنَا وَوُجُوبَ اللِّعَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا فِي الْحَدِّ وَاللِّعَانِ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَهَذَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَلِفِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إقْرَارٌ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَمَّا وَجَبَ فَتَرَكَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَاذِلًا لِأَنَّ النُّكُولَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِ الْبَذْلَ فَيُجْعَلُ مُقِرًّا ضَرُورَةً وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ فِي نَفْسِهِ وَالسُّكُوتُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاللِّعَانُ حَدُّ الْأَزْوَاجِ فَأَشْبَهَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَلَنَا أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَإِبَاحَةٌ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَكَذَّبْنَاهُ فِي الْإِنْكَارِ وَلَوْ جُعِلَ بَذْلًا قَطَعَ الْخُصُومَةَ بِلَا تَكْذِيبٍ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِ عَنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ الْكَذِبُ وَهَذِهِ حُقُوقٌ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ فَلَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَالَتْ مَثَلًا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَكِنِّي بَذَلْت نَفْسِي لَك لَمْ يَصِحَّ كَلَامُهَا وَكَذَا سَائِرُ الْأَمْثِلَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْإِبَاحَةَ بِالْإِذْنِ ابْتِدَاءً يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَمَا لَا فَلَا قَالَ قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ، أَخَذَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الْكَافِي (وَحَلَّفَ السَّارِقَ وَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَدَّعِي الْمَالَ وَالْحَدَّ وَإِيجَابُ الْحَدِّ لَا يُجَامِعُهُ الشُّبْهَةُ بِخِلَافِ إيجَابِ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ كَمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَيَضْمَنُ الْمَالَ (كَذَا الزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَاسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ مَهْرِهَا) عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَالَ (وَكَذَا النِّكَاحُ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ) لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ حَقِيقَةً فَيَثْبُتُ بِنُكُولِهِ الْمَالُ لَا النِّكَاحُ (وَ) كَذَا (النَّسَبُ إذَا ادَّعَى حَقًّا) يَعْنِي يَحْلِفُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا (كَإِرْثٍ وَنَفَقَةٍ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخُوهُ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِالْمَالِ وَالنَّفَقَةِ لَا النَّسَبِ (وَحَجْرٍ فِي اللَّقِيطِ) بِأَنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ الْتَقَطَهُ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ حُرَّةُ الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِمَالِهَا مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَنَكَلَ يَثْبُتُ بِهِ لَهَا حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ (وَعِتْقِ الْمِلْكِ) بِأَنْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ مُعْتَقٌ لِأَنَّهُ أَخُوهُ وَاسْتَحْلَفَهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِالْعِتْقِ لَا النَّسَبِ (وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْحُدُودِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا. . . إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا فِي دَعْوَى الْقَذْفِ إذَا حَلَفَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَنَكَلَ يُقْضَى بِالْحَدِّ فِي ظَاهِرِ الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْحُدُودِ لَا يُقْضَى فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَقِيلَ يَحْلِفُ وَيُقْضَى فِيهِ بِالتَّعْزِيرِ دُونَ الْحَدِّ كَمَا فِي السَّرِقَةِ يَحْلِفُ وَيُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَنَا) أَيْ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ إلَى كَذَا فِي الْكَافِي) نَصُّهُ قَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا اهـ. وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّحْلِيفِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمَالَ وَلَوْ قَصَدَ يَحْلِفُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَإِذَا ادَّعَى الْقَتْلَ خَطَأً حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ إلَّا إذَا عَرَّضَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْحُكْمِ بِاَللَّهِ لَيْسَ عَلَيْك الدِّيَةُ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِك وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي الدِّيَةِ فِي فَصْلِ الْخَطَأِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً وَتَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.

بِأَنْ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَا أَخُوك فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ نَكَلَ) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (ثَبَتَ الْحَقُّ) يَعْنِي الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ وَالْحَجْرَ وَالْعِتْقَ وَامْتِنَاعَ الرُّجُوعِ (لَا النَّسَبُ إنْ كَانَ) أَيْ النَّسَبُ (نَسَبًا) لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ (فَعَلَى الْخِلَافِ) يَعْنِي يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ بَيَانُهُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى وَإِقْرَارَ الْمَرْأَةِ يَصِحُّ بِالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَصِحُّ بِالِابْنِ إذْ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَكَانَ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ فَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَلَمْ يَدَّعِ مَالًا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَثْبُتُ فَيُسْتَحْلَفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (يَحْلِفُ مُنْكِرُ الْقَوَدِ) يَعْنِي ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ قِصَاصًا فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا فَأَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ إجْمَاعًا (فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ) لَمْ يُقْضَ بِقَتْلٍ وَلَا دِيَةٍ بَلْ (حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَفِيمَا دُونَهَا يُقْتَصُّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِيهِمَا وَلَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ النُّكُولَ وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا عِنْدَهُمَا فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بَلْ يَكُونُ بَذْلًا وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَوَدُ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَلَهُ أَنَّ الطَّرَفَ مَحَلُّ الْبَذْلِ فَيُسْتَوْفَى بِالنُّكُولِ كَالْمَالِ فَإِنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ كَالْمَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ (وَيَحْلِفُ فِي التَّعْزِيرِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ إذَا أَنْكَرَ فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ بِالْعَفْوِ وَلَا يَمْنَعُ الصِّغَرُ وُجُوبَهُ وَمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إذَا أَمْكَنَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُ أَقَامَهُ وَلَوْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ سَوَاءٌ كَانَتْ عُقُوبَةً أَوْ مَالًا (فَإِنْ نَكَلَ عُزِّرَ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَجَازَ أَنْ يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ (قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي (لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ وَاسْتَحْلَفَ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ) قَيَّدَ بِالْمِصْرِ لِأَنَّهَا إذَا حَضَرَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَيَكْفُلُ بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) لِئَلَّا يَغِيبَ وَيَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفَ الدَّارِ لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ فَلَا بُدَّ لِلتَّكْفِيلِ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَشُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا (لَازَمَهُ) أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ صَارَ حَتَّى لَا يَغِيبَ. (وَ) لَازَمَ (الْغَرِيبَ) إنْ كَانَ الْخَصْمُ غَرِيبًا (وَلَا يَكْفُلُ) أَيْ الْغَرِيبُ (إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْمَجْلِسِ إضْرَارًا بِالْغَرِيبِ لِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ ظَاهِرًا. (وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) دُونَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قَالَ أَيْ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَاسْتَحْلَفَ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجِيبُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدًا فِيهَا فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي فَإِنْ رَأَى الْمَيْلَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُحَلِّفُهُ وَإِنْ رَأَى الْمَيْلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُحَلِّفُهُ اهـ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ (قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْمِصْرِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ لَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفَ الدَّارِ) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ حَتَّى تَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْكَفِيلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَازَمَ الْغَرِيبَ) وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَكِيلًا بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْأَصِيلِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ التَّغْيِيبُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لِلنَّاطِقِ وَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْخَانِيَّةِ كَيْفِيَّةُ تَحْلِيفِ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ كَانَ كَذَا فَيُشِيرُ بِنَعَمْ وَلَمْ يُحَلَّفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى إنَّهُ كَانَ كَذَا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا لَا يَمِينًا اهـ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا سِيَّمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ

حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» (لَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا (إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) يَعْنِي جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا (لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي وَإِذَا قَضَى لَمْ يَنْفُذْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ (وَتُغَلَّظُ) أَيْ الْيَمِينُ (بِصِفَاتِهِ تَعَالَى) كَأَنْ يَقُولَ الْقَاضِي قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَلِلْمُحَلِّفِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَأَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاطُ فَلَا يَذْكُرُ بِلَفْظِ الْوَاوِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذْ اللَّازِمُ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ أَنْ لَا يُغْلِظَ وَيَقُولَ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ النُّكُولُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ إذَا غَلَّظَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَيَتَجَاسَرُ إذَا لَمْ يُغَلِّظْ فَكَانَ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يُغْلِظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغْلِظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يُغْلِظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ لَا الْحَقِيرِ (لَا) أَيْ لَا يُغْلِظُ (بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُغْلِظُ بِهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ (وَحَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَالْمَجُوسِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ) فَيُغْلِظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَعْتَقِدُ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ بِهِ لِيَكُونَ رَادِعًا لَهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا تَفَادِيًا عَنْ تَشْرِيكِ الْغَيْرِ مَعَهُ فِي التَّعْظِيمِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِمَا فِي ذِكْرِ النَّارِ فِي الْيَمِينِ مِنْ تَعْظِيمِ النَّارِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْعِرُ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظِّمَ النَّارَ بِخِلَافِ التَّوْرَاةِ وَالْأَنْجِيلِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ التَّعْظِيمِ (وَ) لَا يَحْلِفُ (الْوَثَنِيُّ) إلَّا (بِاَللَّهِ) إذْ الْكَفَرَةُ كُلُّهُمْ مَعَ افْتِرَاقِ نِحَلِهِمْ يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا يَحْلِفُونَ فِي مَعَابِدِهِمْ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهَا (وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي سَبَبٍ يَرْتَفِعُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْغَصْبِ وَالتَّعْزِيرِ) وَبَيَّنَ التَّحْلِيفَ بِقَوْلِهِ (بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ أَوْ نِكَاحٌ قَائِمٌ الْآنَ أَوْ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآن أَوْ مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ الْآنَ أَوْ مَا يَجِبُ عَلَيْك حَقُّ التَّعْزِيرِ الْآنَ لَا) أَيْ لَا يَحْلِفُ (عَلَى السَّبَبِ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (مَا بِعْته وَنَحْوُهُ) أَيْ مَا نَكَحْتهَا وَمَا طَلَّقْتهَا وَمَا غَصَبْته وَمَا شَتَمْته الْأَصْلُ أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَقَعَتْ فِي سَبَبٍ يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَالْبَيْعِ وَنَظَائِرِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ صَاحِبُهُ فِي الْكَافِي وَلَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِالطَّلَاقِ اهـ. وَرَأَيْت عَنْ النِّهَايَةِ ذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَرَامٌ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَأَجَازَهُ الْبَعْضُ وَبِهِ أَفْتَى الْإِمَامُ أَبُو عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بِسَمَرْقَنْدَ فَيُفْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ يَجُوزُ فَإِذَا بَالَغَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَتْوَى يُفْتِي أَنَّ الرَّأْيَ لِلْقَاضِي اتِّبَاعًا لِهَؤُلَاءِ السَّلَفِ وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَالِ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورَةٌ آخِرَ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَهِيَ فِي الْوَاقِعَاتِ اهـ. وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى مِنْ غَيْرِ السَّبَبِ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَإِنْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاطُ فَلَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْوَاوِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ) لَمْ يَقْصُرْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَحَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى) - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى مُصْحَفٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا التَّوْرَاةَ هَذَا أَوْ الْإِنْجِيلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْرِيفُ بَعْضِهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَقَعَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَرْفِ الْمُحَرَّفِ فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ بِهِ تَعْظِيمًا لِمَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي مَعَ ذِكْرِ بَقِيَّةِ أَمْثِلَةِ الْمَسَائِلِ ثُمَّ قَالَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْلِفُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا بِأَنْ يَقُولَ أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ شَيْئًا ثُمَّ يُقَابِلُهُ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْقَاضِي اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدًا بِأَلْفٍ فَجَحَدَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت فَلَعَلَّهُ بَاعَ ثُمَّ أَقَالَ كَذَا النِّكَاحُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ التَّحْلِيفُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ (إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْحَاصِلِ (تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ) إجْمَاعًا (كَدَعْوَى شُفْعَةٍ بِالْجِوَارِ وَنَفَقَةٍ مَبْتُوتَةٍ) فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي مِمَّنْ لَا يَرَاهَا بِأَنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ إذْ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلشُّفْعَةِ يَصْدُقُ فِي يَمِينِهِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةً وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا لِكَوْنِهِ شَافِعِيًّا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ إذْ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهَا عَلَيْك النَّفَقَةُ يَصْدُقُ فِي يَمِينِهِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي (وَيَحْلِفُ عَلَى سَبَبٍ لَا يَرْتَفِعُ) بِرَافِعٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا عَلَى الْحَاصِلِ إجْمَاعًا (كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدَّعِي عِتْقَهُ) فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى عِتْقَهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَجَحَدَهُ الْمَوْلَى يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَى التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الرِّقُّ بَعْدَ الْعِتْقِ مُسْلِمًا (بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ) حَيْثُ يَحْلِفُ فِيهِمَا عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ مَا هِيَ حُرَّةٌ أَوْ مَا هُوَ حُرٌّ فِي الْحَالِ لِإِمْكَانِ تَكَرُّرِ الرِّقِّ عَلَى الْأَمَةِ بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ وَالسَّبْيِ وَعَلَى الْعَبْدِ الْكَافِرِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللِّحَاقِ وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ (اسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ فَقَالَ حَلَّفْتنِي مَرَّةً فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ) يَعْنِي ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَأَنْكَرَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّكَ حَلَّفْتنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ (وَلَوْلَاهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ (وَاسْتَحْلَفَهُ) أَيْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي (جَازَ) أَيْ تَحْلِيفُهُ (قَالَ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ بَرْهَنَ أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي ثُمَّ شَهِدَ) مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَى هَذَا الْحَقِّ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ (فِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ لَا تُقْبَلُ لِظَاهِرِ التَّنَاقُضِ وَفِي رِوَايَةٍ تُقْبَلُ (وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا (قِيلَ تُقْبَلُ إنْ وُفِّقَ وِفَاقًا) ذَكَرَهُ فِي الْمُلْتَقِطِ (كَذَا إذَا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ) أَيْ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ دَفْعُهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ لِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَمَنْ قَالَ لَا دَعْوَى لِي قِبَلَ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ كَذَا هَاهُنَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الدَّفْعَ يَحْصُلُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ لَا بِدَعْوَى الدَّفْعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا دَفْعَ لِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا بَيِّنَةَ لِي كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (النِّيَابَةُ تَجْرِي فِي الِاسْتِحْلَافِ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ نَائِبًا عَنْ آخَرَ لَهُ حَقٌّ عَلَى غَيْرِهِ فِي طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (لَا الْحَلِفِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ نَائِبًا عَنْ شَخْصٍ آخَرَ تُوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِيَحْلِفَ مِنْ قِبَلَهُ وَفَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ (فَالْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَأَبُو الصَّغِيرِ يَسْتَحْلِفُ) أَيْ يَطْلُبُ الْحَلِفَ مِنْ الْخَصْمِ (وَلَا يَحْلِفُ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ (إلَّا إذَا صَحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ إقْرَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (عَلَى الْأَصِيلِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ) فَإِنَّ الْوَصِيَّ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ أَيْ فِي الْحَلِفِ. . . إلَخْ) يُنَبِّهُ الْقَاضِي فَيَنْظُرُ مَذْهَبَ الْخَصْمِ وَيَحْتَاطُ وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَنَفِيًّا لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ رَأَى مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فَيَحْلِفَ مُعْتَقِدًا لَهُ صَادِقًا نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُبَصِّرَنَا بِعُيُوبِ أَنْفُسِنَا وَيَمُنَّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ. (قَوْلُهُ اسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ. . . إلَخْ) قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّكَ حَلَّفْتنِي عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ كَذَا لَيْسَ قَيْدًا لِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَكَّمًا وَحَلَفَ الْخَصْمُ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ بِالتَّمَامِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى (قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِفُ أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا صَحَّ إقْرَارُهُ) هَذَا ضَابِطٌ لِلتَّحْلِيفِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى كُلُّ مَنْ لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَا يَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ مَالًا وَقَدَّمَ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي فَأَرَادَ يَمِينَ الْوَصِيِّ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ وَارِثًا حَلَّفَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ فِي حِصَّتِهِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَا يُحَلِّفُهُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ.

خُوصِمَ فِي عَيْبٍ بِعَيْنٍ بَاعَهُ لِلصَّغِيرِ لَا يَسْتَحْلِفُ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ لِرَجَاءِ النُّكُولِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ صَرِيحًا لَا يَصِحُّ فَلِذَا لَا يُسْتَحْلَفُ فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَكَذَا نُكُولُهُ (التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) يَكُونُ (عَلَى الْبَتَاتِ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْبَتَاتُ الْقَطْعُ. (وَ) التَّحْلِيفُ (عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) يَكُونُ (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَجْهُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا وَجْهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا فَعَلَ غَيْرَهُ ظَاهِرًا فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ لَامْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِهِ صَادِقًا فِيهَا فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَطُولِبَ بِالْعِلْمِ فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ مَعَ الْإِمْكَانِ صَارَ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا هَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَكَانَ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يَزِيدُ عَلَيْهِ حَرْفًا وَهُوَ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ (إلَّا إذَا كَانَ) أَيْ فِعْلُ الْغَيْرِ (شَيْئًا يَتَّصِلُ بِهِ) أَيْ بِالْحَالِفِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِذَا ادَّعَى سَرِقَةَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ يَحْلِفُ) أَيْ الْبَائِعُ (عَلَى الْبَتَاتِ) مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ يَعْنِي أَنَّ مُشْتَرِي الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ التَّحْلِيفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا صَحَّ (لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ) أَيْ تَسْلِيمَ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ (سَلِيمًا) عَنْ الْعُيُوبِ (وَاجِبٌ عَلَيْهِ) أَيْ الْبَائِعِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ الْبَائِعُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ (فَإِذَا ادَّعَى سَبْقَ الشِّرَاءِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى بَكْرٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ وَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ (يَحْلِفُ خَصْمُهُ) وَهُوَ زَيْدٌ (عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ (كَذَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا أَوْ عَيْنًا عَلَى وَارِثٍ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِآخَرَ إنَّ لِي عَلَى مُوَرِّثِك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَمَاتَ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَقُولَ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي وَرِثْت مِنْ فُلَانٍ مِلْكِي وَبِيَدِك بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْوَارِثَ (يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لَا الْبَتَاتِ) لِمَا ذُكِرَ (إذَا عَلِمَ الْقَاضِي كَوْنَهُ مِيرَاثًا أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي أَوْ بَرْهَنَ الْخَصْمُ عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَلَوْ ادَّعَاهُمَا) أَيْ الدَّيْنَ أَوْ الْعَيْنَ (الْوَارِثُ) عَلَى غَيْرِهِ (يَحْلِفُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى الْبَتَاتِ) لَا الْعِلْمِ لِمَا ذُكِرَ (كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي) أَيْ لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فَقَبَضَهُ أَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَجَاءَ رَجُلٌ وَزَعَمَ أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ (ادَّعَى) رَجُلُ (مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (يَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ (فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَ النِّزَاعُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ) أَيْ الْمَرْأَةُ (عَلَى الْبَتَاتِ) أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ (فَإِنْ نَكَلَتْ قُضِيَ بِنِكَاحِ الْمُدَّعِي) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يُسْقَطَ الْيَمِينُ عَنْهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ آكَدُ فَيُعْتَبَرُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (ادَّعَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً يَحْلِفُ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً) فِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى أَعْيَانَا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ كُلِّ عَيْنٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ادَّعَى رَجُلٌ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ) يَعْنِي قَبْلَ نِكَاحِهِ ثُمَّ إنَّهَا لَا تَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ مَا لَمْ يَحْلِفْ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي لَكِنْ يَحْلِفُ الزَّوْجُ الثَّانِي أَوَّلًا بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَك إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ. . . إلَخْ) حَكَاهُ سَعْدِيٌّ حَلَبِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي بَلْ اللَّائِقُ أَنْ يُقْضَى بِالنُّكُولِ فَإِنَّهُ إذَا نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ فَفِي الْبَتَاتِ أَوْلَى وَالْجَوَابُ الْمَنْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التَّكْرَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ. . . إلَخْ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَيْفَ يُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ اهـ. وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ النِّهَايَةِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. (قَوْلُهُ ادَّعَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً. . . إلَخْ) كَذَا فِي الصُّغْرَى ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي عُرِفَ مِنْهُ التَّعَنُّتُ حِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِجَمْعِ الدَّعَاوَى وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِذَلِكَ لَمْ يُكَلِّفْهُ جَمْعَهَا. اهـ.

[باب التحالف في الدعوى]

عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ شَرَطَ التَّفْصِيلَ وَبَعْضُهُمْ اكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ ادَّعَى غَصْبَ هَذِهِ الْأَعْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى بَيَانُ الْقِيمَةِ لَكِنْ إنْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهَا فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا وَإِنْ قَالَ إنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً لِأَنَّ وُجُوبَ التَّحْلِيفِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَدْ صَحَّتْ فَوَجَبَ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً. (أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فِي إقْرَارِي حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُقِرَّ (لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِيهِ وَلَسْتُ بِمُبْطِلٍ فِي دَعْوَاك عَلَيْهِ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ وَالْمُدَّعِي لَا يَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (صَحَّ فِدَاءُ الْيَمِينِ وَالصُّلْحُ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ مَالًا فَأَنْكَرَ فَاسْتَحْلَفَ فَافْتَدَى يَمِينَهُ بِمَالٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى مَالٍ صَحَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ افْتَدَى يَمِينَهُ بِمَالٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَقَعَ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُصَدِّقُ وَبَعْضَهُمْ يُكَذِّبُ فَإِذَا افْتَدَى يَمِينَهُ صَانَ عِرْضَهُ وَهُوَ حَسَنٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» (وَلَا يَحْلِفُ بَعْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا حَيْثُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (بَابُ التَّحَالُفِ) (اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ (أَوْ وَصْفِهِ) بِأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ رَائِجَةٍ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ كَاسِدَةٍ (أَوْ جِنْسِهِ) بِأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِالدَّنَانِيرِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِالدَّرَاهِمِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ) بِأَنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ (حُكِمَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ حُكِمَ لَهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ فَبَقِيَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى لِأَنَّهَا تُلْزِمُ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمَ وَالدَّعْوَى لَا تُلْزِمُ (وَإِنْ بَرْهَنَا حُكِمَ لِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ وَمُثْبِتُ الْأَقَلِّ لَا يُعَارِضُ مُثْبِتَ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا) أَيْ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت الْعَبْدَ الْوَاحِدَ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ بِعْت الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ (فَحُجَّةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى) لِأَنَّ حُجَّةَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَحُجَّةَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا (وَإِنْ عَجَزَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ وَقِيلَ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) يَعْنِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ. . . إلَخْ) تَمَامُهُ وَلَمَّا افْتَدَى قِيلَ أَلَا تَحْلِفَ وَأَنْتَ صَادِقٌ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرٌ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ (قَوْلُهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) كَذَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إيَّاكَ وَمَا يَقَعُ عِنْدَ النَّاسِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ [بَابُ التَّحَالُفِ فِي الدَّعْوَى] (بَابُ التَّحَالُفِ)

مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ لِأَنَّ الْغَرَضَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِرِضَاءِ أَحَدِهِمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ حَتَّى يَسْأَلَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَخْتَارُهُ (وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ أَصْلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْقَبْضِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا ادَّعَاهُ ثَمَنًا وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنْكِرًا وَتَحْلِيفُ الْمُنْكِرِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ أَمَّا التَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ مُدَّعِيًا عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَكْتَفِي بِحَلِفِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ التَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» (وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّهُ أَقْوَاهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ فَيَكُونُ هُوَ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ فَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ (لَوْ سِلْعَةً بِثَمَنٍ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ بَيْعَ عَيْنٍ بِدَيْنٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ حَتَّى يَكُونَ مُقَايَضَةً بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ حَتَّى يَكُونَ صَرْفًا بِثَمَنٍ (فَبِأَيِّهِمَا شَاءَ) أَيْ بَدَأَ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ وَصِفَةِ التَّحَالُفِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ (وَفَسَخَهُ الْقَاضِي) أَيْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا (بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) أَوْ طَلَبِهِمَا (وَلَا يَنْفَسِخُ) وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا حَلَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَبَقِيَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا . وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَقَبْلَ الْفَسْخِ يَحِلُّ) أَيْ وَطْؤُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي (وَمَنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ (لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ بِالْقَضَاءِ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ أَوْ بَاذِلًا لَهُ (لَا تَحَالُفَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ وَمَكَانِ دَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَحَلِفِ الْمُنْكِرِ) أَيْ مُنْكِرِ الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ (وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ بِالْعَيْبِ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَتَحَالَفَانِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي حَقًّا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيَتَحَالَفَانِ وَلَهُمَا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَصْلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ (قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَصِفَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ. وَفِي الزِّيَادَاتِ يُضَمُّ إلَى النَّفْيِ الْإِثْبَاتُ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ. اهـ. وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا فِي الْكَافِي مُوَجَّهًا (قَوْلُهُ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ بِالْقَضَاءِ) أَيْ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَهَذَا التَّحَالُفُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ قَصْدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي زِقِّ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رِطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) يَعْنِي الْمَبِيعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي الْمُقَايَضَةِ يَتَحَالَفَانِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْآخَرِ فَيُمْكِنُ فَسْخُهُ وَإِذَا فُسِخَ يُرَدُّ مِثْلُ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ أَوْ تَغَيُّرِهِ بِالْعَيْبِ) كَذَا فِي الْكَافِي اهـ. وَلَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ تَغَيُّرِهِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَكَانَ التَّغَيُّرُ بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ مَنَعَتْ التَّحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَهُمَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَتَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فَلَا تَمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِ فَكَذَلِكَ تَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمَوْهُوبِ وَالْمَكْسُوبِ لَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ وَكَذَا هِيَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى هَلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ، وَإِذَا تَحَالَفَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَتَطِيبُ لَهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْخَبَثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَيَغْنَمْ

يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ (كَذَا بَعْضُهُ) أَيْ إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ) أَيْ عَدَمِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَلَى الْقَائِمِ (وَلَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ) أَيْ وَلَا تَحَالُفَ أَيْضًا بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ يَكُونُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْعَجْزِ وَإِذَا انْعَدَمَ التَّحَالُفُ وَجَبَ اعْتِبَارُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ. (وَ) لَا فِي (رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَتِهِ) أَيْ إذَا أَقَالَا عَقْدَ السَّلَمِ وَاخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَتَحَالَفَا إذْ لَوْ تَحَالَفَا تَنْفَسِخُ الْإِقَالَةُ وَيَعُودُ السَّلَمُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إقَالَتَهُ إسْقَاطُ الدَّيْنِ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ (بَلْ صُدِّقَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَوْ حَلَفَ) لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ (وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ) لِمَا ذُكِرَ أَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِحُكْمِهَا تَحَالَفَا وَعَادَ الْبَيْعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ حَتَّى يَعُودَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى أَصْلِ مَالِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَالَفَا وَتَرَادَّا» وَالتَّحَالُفُ فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لَا يُفِيدُ هَذَا الْغَرَضَ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ بَعْدَ نَفَاذِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ قَالَا نَقَضْنَا الْإِقَالَةَ لَا تُنْتَقَضُ فَلَا يُحْتَمَلُ الْفَسْخُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فِي الْبَيْعِ فَمِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ قَالَا نَقَضْنَا الْإِقَالَةَ تُنْتَقَضُ فَاحْتَمَلَتْ الْفَسْخَ بِالتَّحَالُفِ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ هُنَا لِأَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ (اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَهِيَ كَاسْمِهَا مُبِينَةٌ (وَإِنْ بَرْهَنَا فَلَهَا) أَيْ قَضَى لِلْمَرْأَةِ (إنْ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَ) قَضَى (لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ (إنْ شَهِدَ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (لَهَا) بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (لَهُمَا) أَيْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ وَأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ (تَهَاتَرَا) أَيْ تَسَاقَطَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَبَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الْحَطَّ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (وَإِنْ عَجَزَا) عَنْ الْبُرْهَانِ (تَحَالَفَا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا مَا يَدَّعِيهِ خَصْمُهُ أَوْ بَاذِلًا (وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ) لِأَنَّ يَمِينَ كُلٍّ مِنْهُمَا يُبْطِلُ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَهُوَ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ إذْ الْمَهْرُ تَابِعٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَدَمَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ يُفْسِدُ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ وَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا (بَلْ يُحَكِّمُ مَهْرَ الْمِثْلِ) أَيْ يُجْعَلُ حَكَمًا (فَيَقْضِي بِقَوْلِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (لَوْ) كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ (كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَ) يَقْضِي (بِقَوْلِهَا لَوْ) كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ (كَمَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَبِهِ) أَيْ يَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ (لَوْ) كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ (بَيْنَهُمَا) بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَهُ وَأَقَلَّ مِمَّا قَالَتْهُ إذْ لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا الْحَطُّ عَنْهُ لِلتَّحَالُفِ (اخْتَلَفَا فِي بَدَلِ الْإِجَارَةِ) بِأَنْ ادَّعَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَذَا بَعْضُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَحْكُمُ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّحَالُفِ وَبِالْفَسْخِ فِي الْقَائِمِ وَأَمَرَ مُحَمَّدٌ بِالْفَسْخِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ (قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى) يَعْنِي عِنْدَ التَّعَارُضِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَدَّى قَدْرَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَتَقَ وَإِذَا لَمْ يَتَعَارَضَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُبِلَتْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِحُكْمِهَا تَحَالَفَا) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُمَا تَهَاتَرَا) لَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَاذَا يَجِبُ لَهَا وَلَعَلَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا عَجَزَا وَتَحَالَفَا وَكَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا بَيْنَ قَوْلِهِمَا (قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَا. . . إلَخْ) تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَخْرِيجُ الرَّازِيِّ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ أَوَّلًا فَيَجْعَلُ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَحَالُفًا وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكِرٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

الْمُؤَجِّرُ أَنَّهُ آجَرَهُ شَهْرًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِخَمْسَةٍ (أَوْ الْمَنْفَعَةِ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَنَّهُ آجَرَ شَهْرًا وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرَيْنِ (قَبْلَ قَبْضِهَا) أَيْ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِيهِمَا) أَيْ فِي بَدَلِ الْإِجَارَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا (تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فِيهِ بَلْ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزِّيَادَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَوَجْهُ التَّحَالُفِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَكَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْعَقْدَيْنِ مُعَاوَضَةً يَجْرِي فِيهَا الْفَسْخُ فَأُلْحِقَتْ بِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قِيَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّحَالُفِ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدَّارَ مَثَلًا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا قَائِمَةٌ تَقْدِيرًا (وَحَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوَّلًا لَوْ اُخْتُلِفَ فِي الْأُجْرَةِ وَ) حَلَفَ (الْمُؤَجِّرُ لَوْ) اُخْتُلِفَ (فِي الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ قَوْلُ الْآخَرِ، وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَحُجَّةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى لَوْ) اُخْتُلِفَ (فِي الْأُجْرَةِ وَ) حُجَّةُ (الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى لَوْ) اُخْتُلِفَ (فِي الْمَنْفَعَةِ) نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ (وَحُجَّةُ كُلٍّ فِي زَائِدٍ يَدَّعِيهِ) أَوْلَى (لَوْ) اُخْتُلِفَ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَيُقْضَى بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ (وَلَا تَحَالُفَ لَوْ) اُخْتُلِفَ (بَعْدَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ جَرَيَانَ التَّحَالُفِ لِأَجْلِ الْفَسْخِ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَوْفَاةُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا (وَبَعْدَ قَبْضِ بَعْضِهَا) أَيْ الْمَنْفَعَةِ (تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ) أَيْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ (وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا مَضَى) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةُ فَسَاعَةٌ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَيَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَصَارَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ كَالْمُنْفَرِدِ بِالْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ عَقْدًا مُبْتَدَأً بَلْ الْجُمْلَةُ مَعْقُودَةٌ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِي بَعْضِهِ بِالْهَلَاكِ تَعَذَّرَ فِي كُلِّهِ ضَرُورَةً (اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ سَوَاءً قَامَ النِّكَاحُ) بَيْنَهُمَا (أَوْ لَا) وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا (فَالْقَوْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ) يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ فِيمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَالسِّلَاحِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْكُتُبِ وَالدِّرْعِ وَالْقَوْسِ وَالنُّشَّابِ وَنَحْوِهَا قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهُ، وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَالدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَثِيَابِ النِّسَاءِ وَحُلِيِّهِنَّ وَنَحْوِهَا قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا (إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ) مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَائِغًا وَلَهُ أَسَاوِرُ وَخَوَاتِمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ أَوْ تَاجِرَةً تَتَّجِرُ فِي ثِيَابِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَوْ ثِيَابِ الرِّجَالِ وَحْدَهَا كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ. (وَ) الْقَوْلُ (لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا) كَالْفُرُشِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَوَانِي وَالرَّقِيقِ وَالْمَنْزِلِ وَالْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَإِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَذَا هُنَا بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّ لَهَا ظَاهِرًا آخَرَ أَظْهَرُ مِنْ الْيَدِ وَهُوَ يَدُ الِاسْتِعْمَالِ فَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا كَرَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى وَهَذَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ (فَإِنْ مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي عُمُومِ نَفْيِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ الْآخَرُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْعَقَارِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّ عَارِضَ يَدِ الزَّوْجِ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَيُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ

[فصل من يكون خصما ومن لا يكون]

أَحَدُهُمَا فَالْمُشْكِلُ لِلْحَيِّ بِيَمِينِهِ) حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا إذْ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَبَقِيَتْ يَدُ الْحَيِّ بِلَا مُعَارِضٍ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَالزَّعْفَرَانِيّ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا بِالرَّاءِ. (وَ) لَوْ كَانَ (أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ) لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى (وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ) إذْ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةٌ فِي الْخُصُومَاتِ حَتَّى لَوْ اخْتَصَمَ الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي شَيْءٍ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَحْجُورًا حَيْثُ يُقْضَى بِهِ لِلْحُرِّ إذْ لَا يَدَ لَهُ (فَصْلٌ) فِيمَنْ يَكُونُ خَصْمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ (قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ زَيْدٌ أَوْ أَجَّرَنِيهِ أَوْ رَهَنَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ أَوْ غَصَبَنِيهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي) يَعْنِي ادَّعَى رَجُلٌ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ فَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْدَعَنِيهِ إلَى آخَرَ مَا ذُكِرَ فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ أَنَّهُ لِفُلَانٍ انْدَفَعَ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ بِيَدِهِ فَصَارَ مُنَاقِضًا فِي دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَخْرُجُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ ذُو الْيَدِ رَجُلًا صَالِحًا يَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَعَرَفَ أَحْوَالَ النَّاسِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَأْخُذُ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعُهُ سِرًّا إلَى مُرِيدِ سَفَرٍ وَيُودِعُهُ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ وَحَتَّى إذَا جَاءَ الْمَالِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَهُ فِيهِ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَنْدَفِعُ (إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ) لَا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُهُمَا فَالْمُشْكِلُ لِلْحَيِّ بِيَمِينِهِ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَحْكُمُ أَبُو يُوسُفَ لَهَا مِنْهُ أَيْ مِنْ الصَّالِحِ لَهُمَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً أَوْ لِوَرَثَتِهَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً بِجِهَازِ مِثْلِهَا وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ لِلزَّوْجِ فِي حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقَالَ زُفَرُ يُقْسَمُ الصَّالِحُ لَهُمَا بَيْنَهُمَا وَعَنْهُ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْكُلُّ لِلرَّجُلِ وَلَهَا ثِيَابُ بَدَنِهَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْكُلُّ لَهَا وَلَهُ ثِيَابُ بَدَنِهِ هَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَهَذِهِ هِيَ الْمُسَبَّعَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا) لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي النُّسَخِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَهُوَ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْكَافِي وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ أَوْ لَيْسَ بِقَائِمٍ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ لَهُ فَمَا صَلَحَ لِلرِّجَالِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَمَا صَلَحَ لِلنِّسَاءِ فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَهَذَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَالْجَوَابُ فِي غَيْرِ الْمُشْكِلِ عَلَى مَا مَرَّ وَأَمَّا فِي الْمُشْكِلِ فَهُوَ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا أَيَّهمَا كَانَ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ لِلْحَيِّ فِيهِمَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَبَقِيَتْ يَدُ الْحَيِّ بِلَا مُعَارِضٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ثُمَّ قَوْلُهُ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَعْنِي عَامَّةَ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا قَالَ الْأَكْمَلُ هَكَذَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَامِعِ ثُمَّ قَالَ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اخْتَارَ اخْتِيَارَ الْعَامَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ. . . إلَخْ) يَعْنِي جَمِيعَ مَتَاعِ الْبَيْتِ (قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ فِي مُطْلَقِ الرَّقِيقِ فَيَشْمَلُ الْمُكَاتَبَ وَالْمَأْذُونَ لِقَوْلِهِ وَقَالَا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ كَالْحُرِّ [فَصْلٌ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ] (فَصْلٌ فِيمَنْ يَكُونُ خَصْمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ) (قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) عِبَارَةُ الْكَافِي لَا يَخْرُجُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ اهـ فَلَوْ أَقْحَمَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ وَلَوْ كَانَ أَحْسَنَ لِيَحْسُنَ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ. . . إلَخْ) رَأَيْت بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ تَعْوِيلَ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ. ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكَافِي لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ قَيَّدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقَوْلِهِ إنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فَقَالَ إذَا عَرَفَ شُهُودُ صَاحِبِ الْيَدِ الْمُودِعَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ الْمُودِعَ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْوَجْهِ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً «لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَقَالَ لَا فَقَالَ إذًا لَا تَعْرِفُهُ» وَمَنْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ يَعْرِفُ وَجْهَهُ دُونَ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا يَحْنَثُ وَهَذِهِ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى لِمَا فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ خَمْسَةِ أَئِمَّةٍ أَوْ خَمْسِ صُوَرِ دَعْوَى وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا

[باب دعوى الرجلين]

إنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَوْ بِوَجْهِهِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا تَنْدَفِعُ إذَا أَثْبَتَ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ وَخُصُومَةٍ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مُودِعَهُ لَيْسَ هَذَا الْمُدَّعِي إذْ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَ الْمُودِعَ بِوَجْهِهِ (وَإِنْ قَالُوا أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ لَا) أَيْ لَا يَكُونُ دَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ هَذَا الْمُنَازِعَ (كَمَا لَوْ قَالَ) أَيْ ذُو الْيَدِ (شَرَيْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ) حَيْثُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ صَارَ مُعْتَرِفًا بِكَوْنِهِ خَصْمًا (أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتَهُ أَوْ سَرَقْتَهُ أَوْ سُرِقَ مِنِّي) حَيْثُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ زَيْدٍ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّ الْمُدَّعِي إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ فَلَا تَنْدَفِعُ دَعْوَاهُ بِإِحَالَةِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْمِلْكَ عَلَيْهِ بَلْ ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْغَصْبُ أَوْ السَّرِقَةُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ تَنْدَفِعُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ بَلْ ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَى مَجْهُولٍ وَهِيَ بَاطِلَةٌ فَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا كَتَعْيِينِ ذِي الْيَدِ لِلسَّرِقَةِ وَلَوْ عَيَّنَهُ لَمْ تَنْدَفِعْ كَذَا هُنَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَسْتَدْعِي فَاعِلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا أَبْهَمَهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ تَعْيِينِهِ (بِخِلَافِ غُصِبَ مِنِّي) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَيْثُ تَنْدَفِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ إذْ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ فَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ فَقَطْ (وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ زَيْدٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ) أَيْ زَيْدٌ (أَوْدَعَنِي دُفِعَتْ) أَيْ الْخُصُومَةُ (بِلَا حُجَّةٍ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِزَيْدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ بَلْ يَدَ نِيَابَةٍ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ يَدُ مِلْكٍ (إلَّا إذَا بَرْهَنَ) الْمُدَّعِي (أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِحُجَّتِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهِ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْإِيدَاعِ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ أَقُولُ هَكَذَا وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْكَافِي وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقَعَ التَّوْكِيلُ مَوْقِعَ الْإِيدَاعِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى فَإِنْ طَلَبَ مُدَّعِي الْإِيدَاعِ يَمِينَ مُدَّعِي التَّوْكِيلِ بِنَاءً عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْإِيدَاعِ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يَعْنِي عَلَى عَدَمِ تَوْكِيلِهِ إيَّاهُ لَا عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِتَوْكِيلِهِ إيَّاهُ فَتَدَبَّرْ (وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِي وَكِيلُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ (بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ) (حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى مِنْ حُجَّةِ ذِي الْيَدِ) لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ كَمَا مَرَّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قُضِيَ بِالْمَالِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي خِلَافًا لَهُ قَيَّدَ الْمِلْكَ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي (إلَّا إذَا أَرَّخَا وَذُو الْيَدِ أَسْبَقُ) لِأَنَّ لِلتَّارِيخِ عِبْرَةً عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتَهُ) يَعْنِي مِنْ زَيْدٍ (قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلَانِ) يَعْنِي غَصَبْتَهُ أَوْ سَرَقْتَهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّالِثُ) يَعْنِي سُرِقَ مِنِّي (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ) أَيْ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ سُرِقَ مِنِّي يَسْتَدْعِي فَاعِلًا لَكِنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي وَهَذَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي فَاعِلًا (قَوْلُهُ هَكَذَا وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْكَافِي. . . إلَخْ) مَا ادَّعَاهُ مِنْ الظُّهُورِ فِيهِ تَأَمَّلْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى مُدَّعِي التَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ مُدَّعِي الْإِيدَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الْكَافِي فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي أَيْ مُدَّعِي الشِّرَاءِ بِيَمِينِهِ أَيْ مُدَّعِي الْإِيدَاعِ. (تَنْبِيهٌ) : إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي دَفْعٌ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي كَمَا فِي الصُّغْرَى [بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ] (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي) يَعْنِي فَذُو الْيَدِ لَيْسَ بِمُدَّعٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُدَّعِيًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْدِيدِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ يُخْبِرُ عَمَّا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَالْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُوَ الْخَارِجُ لَا ذُو الْيَدِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَمَّا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا فَالْتَحَقَتْ بَيِّنَتُهُ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ بِلَا مُعَارِضٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ أَوْلَى عِنْدَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ فَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَى بِالْمَالِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي خِلَافًا لَهُ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ مُبَرْهِنٌ (قَوْلُهُ حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى مِنْ حُجَّةِ ذِي الْيَدِ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ كَانَ وَاتَّحَدَ (قَوْلُهُ وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا الْأَسْبَقُ. . . إلَخْ) يُحِيلُ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ مُخْتَلِفًا حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَبْقُ التَّارِيخِ اهـ. ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَرَّخَا وَذُو الْيَدِ أَسْبَقُ) أَيْ فَيُقَدِّمُ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ وَإِنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قُضِيَ لِلْخَارِجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى تَقْدِيمِ ذِي الْوَقْتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ الْآتِيَةُ

أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا لَا عِبْرَةَ لَهُ بَلْ يُقْضَى لِلْخَارِجِ (ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِي غَابَ عَنِّي مُنْذُ شَهْرٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ لِي مُنْذُ سَنَةٍ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي تَارِيخَ غَيْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ يَدِهِ لَا تَارِيخَ مِلْكِهِ فَكَانَ دَعْوَاهُ فِي الْمِلْكِ مُطْلَقًا خَالِيًا عَنْ التَّارِيخِ وَصَاحِبُ الْيَدِ ذَكَرَ التَّارِيخَ لَكِنَّ التَّارِيخَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ دَعْوَى صَاحِبِ الْيَدِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ كَدَعْوَى الْخَارِجِ فَيُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ (بَرْهَنَا) أَيْ الْخَارِجَانِ (عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ) يَعْنِي ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ (قُضِيَ بِهِ لَهُمَا) بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَاقَةٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ» . (وَ) بَرْهَنَا (عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ آخَرَ (فَلِكُلٍّ نِصْفُهُ بِبَدَلِهِ أَوْ تَرْكُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَقَامَا بَيِّنَةً بِلَا تَوْقِيتٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ دَعْوَاهُمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَلَمْ يَحْصُلْ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ (وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ) يَعْنِي إذَا قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَخْتَارُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ مَا ادَّعَاهُ شَخْصَانِ (لِلسَّابِقِ إنْ أَرَّخَا) أَيْ إنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ (وَلِذِي يَدٍ إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا) أَيْ إنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا لَكِنَّهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ وَتَحْقِيقُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مَا مَعَ الْبَعْدِ بَعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدَ إذَا تَقَرَّرَتَا فَقَبْضُ الْقَابِضِ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِهِمَا فِي الْحَالِ وَقَبْضُ الْقَابِضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شِرَائِهِ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ ظَاهِرًا فَكَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّارِيخَ الْمُقَدَّمَ أَوْلَى (أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى لِذِي يَدٍ إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ التَّارِيخَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا مَرَّ فَيَبْقَى الْيَدُ الدَّالُّ عَلَى سَبْقِ الشِّرَاءِ كَمَا عَرَفْت (وَلِذِي وَقْتٍ إنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ احْتِمَالِ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشَّكِّ (بِلَا يَدٍ لَهُمَا) بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ ثَالِثٍ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَقْتًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى إذْ بِذِكْرِ الْوَقْتِ لَا يَزُولُ احْتِمَالُ سَبْقِ ذِي الْيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ) يَعْنِي وَادَّعَيَا مُطْلَقَ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوَقِّتَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْوَقْتِ أَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْآخِرُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَأْخُذُهُ الْآخَرُ كُلَّهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ. . . إلَخْ) لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا بِشَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَالْحُجَّةُ قَامَتْ وَلَمْ يَنْفَسِخْ سَبَبُهُ وَزَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ مُرَادُ الْآخَرِ وَقَوْلُهُ حَيْثُ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ بَاقٍ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ) أَيْ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَتَحْقِيقُهُ. . . إلَخْ) قَالَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ (قَوْلُهُ وَهُوَ لِلسَّابِقِ إنْ أَرَّخَا) أَيْ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ بَلْ وَقَّتَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ) يَعْنِي بِهِ اللُّزُومَ الظَّاهِرِيَّ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ الْآخَرُ شِرَاءَهُ قَبْلَ شِرَاءِ ذِي الْيَدِ يَكُونُ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَقْتًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى. . . إلَخْ) لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ تَعْلِيلَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنَّ مَا مَعَ الْبُعْدِ بُعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدُ) كَلِمَةُ مَا هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ شِرَاءِ الْغَيْرِ وَالْبَعْدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَ بَعْدَ اسْمًا بِلَا ظَرْفِيَّةٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَوْ قَالَ إنَّ مَا مَعَ الْمُتَأَخِّرِ تَأَخُّرًا زَمَانِيًّا فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ لَكَانَ أَحْسَنَ. اهـ.

لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى مَا سَبْقِ شِرَائِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ الْخَارِجِ أَنَّ شِرَائِهِ قَبْلَ شِرَاءِ صَاحِبِ الْيَدِ إذْ يُنْتَقَضُ بِهَا الْيَدُ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ (وَعَلَى نِكَاحٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ يَعْنِي إنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ زَوْجَتُهُ (سَقَطَا) أَيْ الْبُرْهَانَانِ (إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا) لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِمَا إذْ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ (فَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ) مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ لِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ فَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِهِمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ قَوْلِهِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا زَوْجُهَا (إلَّا أَنْ تَكُونَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (فِي بَيْتِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا) فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ (إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ) فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمُ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى مَنْزِلِهِ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُرْجَعْ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ (وَإِنْ صَدَّقَتْ غَيْرَ ذِي بُرْهَانٍ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ كَانَ فِيمَا إذَا صَدَّقَتْ أَحَدَ الْمُبَرْهِنَيْنِ وَإِنْ صَدَّقَتْ غَيْرَ ذِي بُرْهَانٍ (فَهِيَ لَهُ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ (وَإِنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ قُضِيَ لَهُ) لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ التَّصَادُقِ (ثُمَّ لَا يُقْضَى لِغَيْرِهِ) إذْ لَا شَيْءَ أَقْوَى مِنْ الْبُرْهَانِ (إلَّا إذَا أَثْبَتَ سَبْقَهُ) لِأَنَّ الْبُرْهَانَ مَعَ التَّارِيخِ أَقْوَى مِنْ الْبُرْهَانِ بِدُونِهِ (كَمَا لَا يُقْضَى بِحُجَّةِ الْخَارِجِ عَلَى ذِي يَدٍ ظَاهِرِ النِّكَاحِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ) أَيْ إثْبَاتِ سَبْقِ نِكَاحِهِ عَلَى نِكَاحِ ذِي الْيَدِ. (الشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ أَوْلَى مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مَعَ قَبْضٍ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً مِنْ شَخْصٍ وَادَّعَى الْآخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهَا كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمُثْبِتًا لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمِلْكُ لَهُمَا أَوْ كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ فِيهِ أَوْلَى إذْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمِلْكِ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمًا عَنْ مُمَلِّكِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمُمَلِّكُ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا وَإِنَّمَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنْفُسِهِمَا وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى وَفِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ وَالْمُمَلِّكُ لَهُمَا وَاحِدٌ كَانَ لِأَقْدَمِهِمَا تَارِيخًا لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُمَلِّكُ مُخْتَلَفًا حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَبْقُ التَّارِيخِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَهْرِ أَوْلَى مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مَعَ الْقَبْضِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَبْدًا مَثَلًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَقَبَضَ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ ذَا الْيَدِ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ وَقَبَضَتْهُ كَانَ الْمَهْرُ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَالشِّرَاءِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ (وَرَهْنٌ مَعَهُ) أَيْ مَعَ قَبْضٍ أَوْلَى مِنْ هِبَةٍ مَعَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْهِبَةِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ بَيْعُ انْتِهَاءٍ وَالْبَيْعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَقْوَى مِنْ الرَّهْنِ (بِرَهْنٍ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا) الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ إذْ هُوَ فِي الْخَارِجَيْنِ وَهُنَا أَحَدُهُمَا ذُو يَدٍ (قَوْلُهُ إلَّا إنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ كَمَا لَا يُقْضَى بِحَجَّةِ الْخَارِجِ عَلَى ذِي يَدٍ ظَاهِرِ النِّكَاحِ. . . إلَخْ) مَوْجُودٌ فِي النُّسَخِ بِصُورَةِ الْمَتْنِ وَلَعَلَّهُ شَرْحٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْهِبَةِ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَتَكُونُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَقْوَى وَهَذَا أَيْ الْقِيَاسُ رِوَايَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ

مُؤَرَّخٍ أَوْ شِرَاءٍ مُؤَرَّخٍ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ ذِي يَدٍ) احْتَرَزَ بِهَذَا عَمَّا إذَا بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ كَمَا مَرَّ (أَوْ) بَرْهَنَ (خَارِجٌ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ مُؤَرَّخٍ وَذُو يَدٍ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ) تَارِيخًا (فَالسَّابِقُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكِينَ فَلَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَلَوْ) بَرْهَنَا (عَلَى شِرَاءٍ مُتَّفِقٍ تَارِيخُهُمَا مِنْ آخَرَ أَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا) فَقَطْ (قَضَى لَهُمَا نِصْفَيْنِ) فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِ وَمِلْكُ بَائِعِهِ مُطْلَقٌ وَلَا تَارِيخَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ الْبَائِعَانٍ فَادَّعَيَا الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّ غَيْرَهُ تَقَدَّمَهُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ (بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو يَدٍ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ) بِأَنْ كَانَ عَبْدٌ مَثَلًا فِي يَدِ زَيْدٍ فَادَّعَاهُ بَكْرٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ زَيْدٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ (فَذُو الْيَدِ أَوْلَى) لِأَنَّ الْخَارِجَ إنْ كَانَ يُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَذُو الْيَدِ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ وَلَا تَنَافِي فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ (كَذَا إنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ كُلُّ سَبَبٍ لِلْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ كَالنَّسْجِ فِي ثِيَابٍ لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً كَنَسِيجِ الثِّيَابِ الْقُطْنِيَّةِ وَغَزْلِ الْقُطْنِ وَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ وَالْمِرْعِزَّى وَجَزِّ الصُّوفِ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا يَتَكَرَّرُ لَا يَكُونُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ فَيُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مِثْلُ الْجَزِّ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ فَإِنْ أَشْكَلَ يُرْجَعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَةٍ هُوَ الْأَصْلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ بِحَدِيثِ النِّتَاجِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يُرْجَعُ إلَى الْأَصْلِ (وَلَوْ) كَانَ النِّتَاجُ وَنَحْوُهُ (عِنْدَ بَائِعِهِ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إذَا تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ عِنْدَهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ عِنْدَ نَفْسِهِ (فَذُو الْيَدِ أَوْلَى) مِنْ الْخَارِجِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ مِلْكِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْخَارِجِ إلَّا بِالتَّلَقِّي عَنْهُ (إلَّا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ عَلَيْهِ فِعْلًا) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْحَاصِلُ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إنَّمَا تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ النِّتَاجَ أَوْ ادَّعَى الْخَارِجُ مِلْكًا مُطْلَقًا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا نَحْوَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ نَحْوِهَا فَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ فِعْلًا مَعَ ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنَّمَا قَالَ (فِي رِوَايَةٍ) لِمَا قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بَابِ دَعْوَى النِّتَاجِ مِنْ الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُ الْمَذْكُورَ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ دَابَّةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ آجَرَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ رَهَنَهَا إيَّاهُ وَذُو الْيَدِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ النِّتَاجِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ أَوْ الْإِعَارَةَ وَالنِّتَاجُ أَسْبَقُ مِنْهُمَا فَيُقْضَى لِذِي الْيَدِ وَهَذَا خِلَافُ مَا نُقِلَ عَنْهُ (وَلَوْ) بَرْهَنَ (أَحَدُهُمَا) مِنْ الْخَارِجِ وَذُو الْيَدِ (عَلَى الْمِلْكِ) الْمُطْلَقِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ (فَذُو النِّتَاجِ أَوْلَى) لِأَنَّ بُرْهَانَهُ قَامَ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ. (بَرْهَنَ كُلٌّ) مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ (عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَذَا إنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ) أَيْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِهَا لِذِي الْيَدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ مِنْ تَهَاتُرِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِذِي الْيَدِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَالْمِرْعِزَّى) إذَا شَدَدْت الزَّايَ قَصَرْت وَإِذَا خَفَّفْت مَدَدْت وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ مَكْسُورَتَانِ وَقَدْ يُقَالُ مَرْعِزَاءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مُخَفَّفًا مَمْدُودًا وَهِيَ كَالصُّوفِ تَحْتَ شَعْرِ الْعَنَزِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ وَنَحْوُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ادِّعَاءِ ذِي الْيَدِ النِّتَاجَ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ بَائِعِهِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْخَارِجِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ) أَيْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ مِلْكِهِ فَلَا تَثْبُتُ لِلْخَارِجِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ يَعْنِي وَلَمْ يَثْبُتْ تَلَقِّيه وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَوَّلِيَّةِ بِادِّعَاءِ النِّتَاجِ وَتَرَجَّحَ ذُو الْيَدِ بِاسْتِيلَائِهِ لَا بِبَيِّنَتِهِ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدَّابَّةِ لِذِي الْيَدِ مَعَ إقَامَةِ كُلٍّ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا» اهـ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةٍ. . . إلَخْ) عَلَى هَذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلٍ لَا رِوَايَة (قَوْلُهُ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ. . . إلَخْ) تَهَاتُرُ الْبَيِّنَتَيْنِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَشْهَدُوا

الْآخَرِ) أَيْ صَاحِبِهِ (بِلَا وَقْتٍ سَقَطَا وَتُرِكَ فِي يَدِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِلْخَارِجِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا بِأَنْ يُجْعَلَ ذُو الْيَدِ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلِيلُ الشِّرَاءِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتَا عَلَى إقْرَارَيْنِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ وُقِّتَ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ يُقْضَى لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْضَى لِلْخَارِجِ إذْ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ أَثْبَتَتَا قَبْضًا قُضِيَ لِذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ قُضِيَ لِلْخَارِجِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَى وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ (وَلَمْ يُرَجِّحْ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ وَالْأَعْدَلِيَّةِ) يَعْنِي إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً مَثَلًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَدْلَيْنِ وَالْآخَرُ أَعْدَلَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ حَتَّى لَا يَتَرَجَّحَ الْقِيَاسُ بِقِيَاسٍ آخَرَ وَكَذَا الْحَدِيثُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّاهِدِ أَصْلُ الْعَدَالَةِ وَلَا حَدَّ لِلْأَعْدَلِيَّةِ فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِهَا. (ادَّعَى أَحَدُ خَارِجَيْنِ نِصْفَ دَارٍ وَالْآخَرُ كُلَّهَا) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا كُلَّهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا (وَبَرْهَنَا فَالرُّبُعُ لِلْأَوَّلِ وَالْبَاقِي) وَهُوَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ (لِلثَّانِيَّ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ فَسَلِمَ لَهُ وَصَارَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَمُدَّعِي الْجَمِيعِ يَأْخُذُ سَهْمَيْنِ وَمُدَّعِي النِّصْفِ سَهْمًا وَاحِدًا فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا (وَإِنْ كَانَتْ) أَيْ الدَّارُ (مَعَهُمَا) أَيْ فِي أَيْدِيهِمَا (فَهِيَ لِلثَّانِي) وَهُوَ مُدَّعِي الْكُلَّ لِأَنَّهُ إذَا بَرْهَنَ كَانَ نِصْفُهَا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ صَاحِبِهِ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى فَقُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَدَّعِهِ وَلَا قَضَاءَ بِلَا دَعْوَى فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ. (بَرْهَنَا عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ) أَيْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ بَائِعِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي يَدَيْهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ ذِكْرُهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَأَرَّخَا قُضِيَ لِمَنْ وَافَقَ سِنَّهَا وَقْتُهُ) بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ (وَإِنْ أَشْكَلَ) أَيْ سِنُّ الدَّابَّةِ بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ التَّارِيخَيْنِ (فَلَهُمَا) أَيْ قُضِيَ لَهُمَا بِهَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ (إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ) بِأَنْ كَانَا خَارِجَيْنِ وَالدَّابَّةُ فِي يَدِ ثَالِثٍ أَوْ فِي يَدَيْهِمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا (فَلَهُ) أَيْ قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمَّا أَشْكَلَ سَقَطَ التَّارِيخَانِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُؤَرِّخَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَإِنْ خَالَفَ) أَيْ سِنُّهَا (الْوَقْتَيْنِ) بَطَلَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ) يَعْنِي إنْ ذَكَرُوا الْقَبْضَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ ذُو الْيَدِ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ) يَعْنِي مِنْ الْآخَرِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلِيلُ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ) عِبَارَةُ الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ أَنَّ الْإِقْرَارَ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتَا عَلَى إقْرَارَيْنِ) أَيْ إقْرَارِ كُلٍّ بِمِلْكِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ ادَّعَى أَحَدُ خَارِجَيْنِ نِصْفَ دَارٍ. . . إلَخْ. . . إلَخْ) الْخِلَافُ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَوْ الْعَوْلِ وَذَلِكَ فِي التَّبْيِينِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ) يَعْنِي ظُهُورَ الصِّدْقِ لِمُوَافَقَةِ تَارِيخِهِ سِنَّهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ) أَيْ وَسِنُّهَا مُشْكِلٌ كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ سِنُّهَا بَيْنَ وَقْتِ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ أَيْ سِنُّ الدَّابَّةِ بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ التَّارِيخَيْنِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَفْسِيرُ الْإِشْكَالِ بِهِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ سِنِّهَا أَوْ اشْتِبَاهِهِ بِكُلٍّ مِنْ التَّارِيخَيْنِ لِأَنَّ الْإِشْكَالَ عَدَمُ الْخُلُوصِ وَعَدَمُ مُوَافَقَةِ سِنِّهَا لِلتَّارِيخَيْنِ يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ مَعْلُومًا وَهُوَ غَيْرُهُمَا فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ (قَوْلُهُ فَلَهُمَا) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافِ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ اخْتَلَفَا يُحَكَّمُ سِنُّ الدَّابَّةِ إنْ عُلِمَ وَإِنْ أَشْكَلَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا وَقْتًا وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ السِّنَّ الْمُشْكِلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَقْتِ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَقْتِ ذَاكَ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَقْتِ وَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَكَتَا عَنْ الْوَقْتِ أَصْلًا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُقُوعَ الْإِشْكَالِ فِي السِّنِّ يُوجِبُ سُقُوطَ اعْتِبَارِ حُكْمِ السِّنِّ فَبَطَلَ تَحْكِيمُهُ فَبَقِيَ الْحُكْمُ لِلْوَقْتِ فَالْأَسْبَقُ أَوْلَى وَهَذَا يُشْكِلُ بِالْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَ أَيْ سِنُّهَا الْوَقْتَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ. . . إلَخْ) مُحَصِّلُهُ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فَإِنَّ بُطْلَانَ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَرْكَهَا بِيَدِ ذِي الْيَدِ قَالَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَوَجْهُهُ أَنَّ سِنَّ الدَّابَّةِ

الْبَيِّنَتَانِ لِظُهُورِ كَذِبِ الْفَرِيقَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بَلْ يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا إنْ كَانَا خَارِجَيْنِ أَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذِكْرِ الْوَقْتِ لِحَقِّهِمَا وَحَقُّهُمَا هُنَا فِي إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ إسْقَاطَ حَقِّهِمَا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا ذَكَرَا النِّتَاجَ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَفِيهِ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَإِلَّا فَلَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا أَشْكَلَ فِي مُوَافَقَةِ سِنِّهَا أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلِهَذَا قُلْتُ (كَانَتْ لَهُمَا) يَشْتَرِكَانِ فِيهَا (يُقْضَى بِهَا لَوْ) كَانَ الْمُدَّعِيَانِ (خَارِجَيْنِ أَوْ ذَوِي يَدٍ وَلَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَتْ لَهُ) لِمَا ذُكِرَ (بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى غَصْبِ شَيْءٍ وَالْآخَرُ عَلَى إيدَاعِهِ نُصِّفَ) أَيْ إذَا كَانَتْ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ فَبَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْوَدِيعَةِ يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ غَصْبًا بِالْجُحُودِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْوِفَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَفَ بِالْفِعْلِ بِلَا جُحُودٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ (ادَّعَى الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كَانَ مِلْكَهُ تُقْبَلُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ مِلْكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي وَمَا ثَبَتَ فِي زَمَانٍ يُحْكَمُ بِبَقَائِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ. (الرَّاكِبُ وَاللَّابِسُ أَوْلَى مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ وَالْكُمِّ) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا أَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ كَانَ الرَّاكِبُ وَاللَّابِسُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَعَلِّقِ بِاللِّجَامِ وَالْكُمِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا أَظْهَرُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمِلْكِ فَكَانَا صَاحِبَيْ يَدٍ وَالْمُتَعَلِّقُ خَارِجٌ وَذُو الْيَدِ أَوْلَى وَأَمَّا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِمَا مَرَّ مِرَارًا (وَمِنْ فِي السَّرْجِ) أَوْلَى (مِنْ رَدِيفِهِ) لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ يَدَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ عَلَى السَّرْجِ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ وَلَوْ تَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِذَنَبِهَا وَالْآخَرُ مُمْسِكٌ لِلِجَامِهَا كَانَ لِلْمُمْسِكِ إذْ لَا يَمْسِكُ اللِّجَامَ غَالِبًا إلَّا الْمَالِكُ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذَّنَبِ. (وَذُو حِمْلِهَا أَوْلَى مِنْ مُتَعَلِّقٍ كُوزِهِ) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَعَلَيْهَا حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ كُوزٌ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا فِيهَا (وَيُنَصَّفُ الْبِسَاطُ بَيْنَ جَالِسِهِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ) بِحُكْمِ الِاسْتِوَاءِ بَيْنَهُمَا لَا بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ بَلْ الْيَدُ تَكُونُ بِكَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَقْلِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ حَيْثُ يَكُونُ بِهِمَا غَاصِبًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ غَاصِبًا بِالْقُعُودِ عَلَى الْبِسَاطِ (كَمَنْ مَعَهُ) أَيْ فِي يَدِهِ (ثَوْبٌ وَطَرَفُهُ مَعَ الْآخَرِ) حَيْثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَدُ أَحَدِهِمَا فِي الْأَكْثَرِ وَلَا يُرَجَّحُ بِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَكُونُ بِالْأَكْثَرِيَّةِ (لَا هُدْبَتُهُ) أَيْ لَا يَكُونُ هُدْبَتُهُ مَعَ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَعَهُ لَا يُوجِبُ التَّنْصِيفَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَوْبٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوجَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٍ مِنْ الثَّوْبِ فَلَا يُزَاحِمُ الْآخَرَ (بِخِلَافِ جَالِسَيْ دَارٍ إذَا تَنَازَعَا فِيهَا) حَيْثُ لَا يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا خَالَفَ الْوَقْتَيْنِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَالْتُحِقَتَا بِالْعَدَمِ فَتُرِكَ الْمُدَّعَى فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصَحُّ عَدَمُ بُطْلَانِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ يَجِبُ أَنْ يُزَادَ فَيُقَالُ فَإِنْ كَانَ سِنُّهَا مُخَالِفَ الْوَقْتَيْنِ كَانَتْ مُشْكِلَةً وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ. وَلَكِنْ عَلَيْهِ تَبْقَى صُورَةُ مُخَالَفَةِ الْوَقْتَيْنِ ضَائِعَةً إذَا لَمْ يَشْتَبِهْ السِّنُّ ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَشْيِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ آخِرُهُ بِخِلَافٍ مَشْيًا عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعِبَارَةَ هَكَذَا وَإِنْ خَالَفَ سِنُّهَا الْوَقْتَيْنِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ إلَى أَنْ يَقُولَ وَلِهَذَا قُلْتُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهَا. . . إلَخْ (قَوْلُهُ ادَّعَى الْمِلْكَ فِي الْحَالِ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ (قَوْلُهُ وَاللَّابِسُ أَوْلَى) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ فِي السَّرْجِ أَوْلَى مِنْ رَدِيفِهِ) نَقَلَ النَّاطِفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهَا بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَرَّجَةً (قَوْلُهُ وَذُو حَمْلِهَا أَوْلَى مِنْ مُعَلِّقٍ كُوزَهُ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُ حَمْلِهَا إذْ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَنٌّ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ كَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَالِسِي دَارٍ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ ادَّعَيَا دَارًا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهِمَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ حَفْرٍ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا

[باب دعوى النسب]

(لَا بِطَرِيقِ الشِّرْكِ وَلَا بِغَيْرِهِ) لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ (الْحَائِطُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ) الِاتِّصَالُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ وَهُوَ أَنْ يُلَازِقَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ وَالثَّانِي اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَبِنَاتُ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مُتَدَاخِلَةً فِي اتِّصَالِ لَبِنَاتِ الْحَائِطِ الَّذِي لَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ خَشَبَاتِ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ مَعَ حَائِطِهِ إذْ مُدَاخَلَةُ اتِّصَالِ اللَّبِنَاتِ وَأَطْرَافِ الْخَشَبَاتِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ بِنَاءِ الْحَائِطَيْنِ مَعًا فَكَانَ أَوْلَى وَكَذَا إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ جُذُوعٌ عَلَى الْحَائِطِ كَانَ لَهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ بِمَا وُضِعَ لَهُ الْحَائِطُ وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوع عَلَيْهِ (لَا لِمَنْ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ) وَهِيَ خَشَبَاتٌ تُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ وَيُلْقَى عَلَيْهَا التُّرَابُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَضْعًا إذْ الْحَائِطُ لَا يُبْنَى لَهُمَا بَلْ لِلتَّسْقِيفِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عَلَى الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِي (بَلْ بَيْنَ الْجَارَيْنِ لَوْ تَنَازَعَا) يَعْنِي إذَا تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيُّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْهَرَادِيِّ (وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا فِي حَقِّ سَاحَتِهَا) يَعْنِي إذَا كَانَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ فِيهَا بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ فِي يَدِ زَيْدٍ وَالْبُيُوتُ الْبَاقِيَةُ فِي يَدِ بَكْرٍ (فَهِيَ) أَيْ السَّاحَةُ (تَكُونُ بَيْنَهُمَا) حَالَ كَوْنِهَا (نِصْفَيْنِ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِعْمَالِهَا وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا وَالتَّوَضُّؤُ وَكَسْرُ الْحَطَبِ وَوَضْعُ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَصَارَتْ نَظِيرَ الطَّرِيقِ (بِخِلَافِ الشِّرْبِ) إذَا تَنَازَعَا فِيهِ (فَإِنَّهُ بِقَدْرِ الْأَرْضِ) أَيْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ أَرْضَيْهِمَا لِأَنَّ الشِّرْبَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَجْلِ سَقْيِ الْأَرْضِ فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ. (بَرْهَنَا) أَيْ خَارِجَانِ عَلَى يَدٍ (فِي أَرْضٍ) أَيْ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدًا فِيهَا (قُضِيَ بِيَدِهِمَا) لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا غَيْرُ مُشَاهَدٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا وَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُ مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي (وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ تَصَرَّفَ فِيهَا) بِأَنْ لَبَّنَ فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ (قُضِيَ بِيَدِهِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِيهَا (صَبِيٌّ يُعَبِّرُ) أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ (قَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ عِنْدَ إنْكَارِهِ (إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْبَالِغِ فَإِنْ قَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ) وَهُوَ غَيْرُ ذِي الْيَدِ (قُضِيَ لِمَنْ مَعَهُ) يَعْنِي ذَا الْيَدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ فَكَانَ مِلْكًا لِمَنْ فِي يَدِهِ كَالْقُمَاشِ فَإِنْ قِيلَ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ ضَارٌّ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ قُلْنَا الرِّقُّ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بَقِيَ كَالْقُمَاشِ فِي يَدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ (فَلَوْ كَبِرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ يُسْمَعُ) أَيْ ادِّعَاؤُهُ (بِالْبَيِّنَةِ) لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ] اعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي وَالثَّانِي دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي وَالْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَاخِلٌ فِيهَا وَالْآخَرُ خَارِجٌ مِنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا جَمِيعًا فِيهَا لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تَثْبُتُ بِالْكَوْنِ فِيهَا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّصَرُّفِ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْبَدَائِعِ كُلُّ مَوْضِعٍ قَضَى بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِصَاحِبِهِ إذَا طَلَبَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ الْحَائِطُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ) مَبْسُوطَةٌ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ بَرْهَنَا عَلَى يَدٍ فِي أَرْضٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ بِالتَّصَادُقِ وَكَذَا بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ وَلَوْ نَكَلَا جَعَلَ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهَا الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا لَمْ يَقْضِ بِالْيَدِ لَهُمَا فِيهَا وَبَرِئَ كُلٌّ عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ)

أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَاقْتِصَارِ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ عَلَى الْحَالِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ (بَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ بِيعَتْ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأُمَيَّتُهَا) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ بَيْعَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهَا أَمَةً فَبِالدَّعْوَةِ يَصِيرُ مُنَاقِضًا، وَلَنَا أَنَّ مَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ كَمَا سَيُذْكَرُ فَتُقْبَلُ دَعْوَتُهُ إذَا تَيَقَّنَ بِالْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ بِالْوِلَادَةِ لِلْأَقَلِّ فَإِنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الزِّنَا مِنْهَا وَأَمْرُ النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَقَدْ يَظُنُّ الْمَرْءُ أَنَّ الْعُلُوقَ لَيْسَ مِنْهُ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْهُ فَكَانَ عُذْرًا لَهُ فِي إسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّنَاقُضِ وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ (فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ) لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ (وَيَرُدُّ الثَّمَنَ) لِأَنَّ سَلَامَةَ الثَّمَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سَلَامَةِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ دَعْوَى أَبِي الْبَائِعِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْعُلُوقِ عَلَى مِلْكِهِ إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ عَلَى وَلَدِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ (وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَهُ ثَبَتَ) أَيْ نَسَبُهُ (مِنْهُ) وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ نَكَحَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا (وَلَوْ) ادَّعَاهُ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْبَائِعِ (أَوْ بَعْدَهُ لَا) أَيْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ لِكَوْنِ أَصْلِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ إذْ أَصْلُ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَالْأُولَى أَقْوَى لِمَا مَرَّ (كَذَا) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ (إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ) فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ وَلَدَتْ لِلْأَقَلِّ وَيَأْخُذُهُ وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي كُلَّ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي النَّسَبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا تَسْتَفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْهُ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» فَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالْحَقِيقَةُ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ فَيَسْتَتْبِعُ الْأَدْنَى وَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ (بِخِلَافِ الْوَلَدِ) فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ دُونَ الْأُمِّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ وَلَدَتْ لِلْأَقَلِّ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِالْمَوْتِ عَنْ النَّسَبِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فَرْعُ النَّسَبِ فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ أَصْلًا وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُهُ فَهُوَ ابْنُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعَانِ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ كَالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَالْبَيْعُ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالُهُ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ (وَإِعْتَاقُهُمَا) أَيْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ (كَمَوْتِهِمَا) حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ لَا الْوَلَدَ فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ أَنَّهُ ابْنُهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ لَا الْأُمَّ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي حَقِّ الْأُمِّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهَا إنْ صَحَّتْ بَطَلَ إعْتَاقُهُ وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَمْ تَصِحَّ فِي حَقِّ التَّبَعِ ضَرُورَةً (وَالتَّدْبِيرُ كَالْإِعْتَاقِ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِثُبُوتِ بَعْضِ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ كَامْتِنَاعِ التَّمْلِيكِ لِلْغَيْرِ وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتَهَا بِالِاتِّفَاقِ وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ بِحِصَّتِهَا أَيْضًا كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا. . . إلَخْ) كَذَا نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ مَا يَخُصُّ الْوَلَدَ خَاصَّةً وَلَا يَرُدُّ مَا يَخُصُّ الْأُمَّ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَرُدُّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ هُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُ وَلَا تَضْمَنُ بِالْعَقْدِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ وَكَيْفَ يُقَالُ يَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ إعْتَاقُهُ بَلْ يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهَا يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ الْقِيمَةُ بِالْوِلَادَةِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ عِنْدَ ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ) كَذَا لَوْ وَلَدَتْ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ إذْ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ

مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ (لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ) إذْ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ (وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي) أَيْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ (ثَبَتَ النَّسَبُ) إذْ عَدَمُ ثُبُوتِهِ لِرِعَايَةِ حَقِّهِ وَإِذَا صَدَّقَهُ زَالَ ذَلِكَ الْمَانِعُ (وَلَمْ يَبْطُلْ بَيْعُهُ) لِلْجَزْمِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ فَلَا تُثْبِتُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ الْعِتْقَ وَلَا حَقَّهُ لِأَنَّهُ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (وَكَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ نِكَاحًا) هِيَ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَمَلَكَهَا أَوْ أَمَةٌ مَلَكَهَا زَوْجُهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى الْوَلَدَ (وَلَوْ وَلَدَتْ فِيمَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَصَدَّقَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (كَانَ الْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَأُمَيَّتُهَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ وَلَدِ أَمَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَمَا بَاعَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ وَلَدٍ وُلِدَ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِ (بَاعَ الْمَوْلُودَ عِنْدَهُ فَادَّعَاهُ بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَرَدَّ بَيْعَهُ) لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ كَالْبَيِّنَةِ كَمَا مَرَّ وَالْبَيْعُ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالَهُ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ (كَذَا لَوْ كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ) كَاتَبَ (الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ آجَرَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ) حَيْثُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَرُدُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا مَرَّ. (بَاعَ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ) وَهُمَا وَلَدَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَكُونَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ عُلُوقِ الثَّانِي حَادِثًا إذْ لَا حَبَلَ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْعُلُوقُ عَلَى الْعُلُوقِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِذَا ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِهِمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَصِلَانِ نَسَبًا فَثُبُوتُ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ نَسَبِ الْآخَرِ (عُلُوقُهُمَا وَوِلَادَتُهُمَا عِنْدَهُ وَأَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْآخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَاقْتَضَى كَوْنَ الْآخَرِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا حُرَّ الْأَصْلِ وَالْآخَرِ رَقِيقًا وَقَدْ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَكَانَ هَذَا نَقْضَ الْإِعْتَاقِ بِأَمْرٍ فَوْقَهُ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ (قَالَ لِصَبِيٍّ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي يَصِحُّ) إذْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ ابْنِي تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ أَمَّا حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ كَوْنُهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَإِذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمَّا بِغَيْرِ التَّصْدِيقِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ لَكِنْ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الِابْنُ ثُمَّ عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ ثَبَتَ النَّسَبُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لَمْ يَبْطُلْ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ الِابْنِ فَثَبَتَ النَّسَبُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ الْإِقْرَارَ فَأَقَامَ الِابْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنِّي ابْنُهُ يُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ ابْنِي مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جُزْؤُهُ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (قَالَ لَهُ) أَيْ لِصَبِيٍّ (هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إذَا جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْنُ الْمَوْلَى وَإِذَا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يُدْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ) لَا يَخْفَى مَا فِي التَّرْكِيبِ مِنْ السَّقْطِ وَاسْتِقَامَتُهُ أَنْ يُزَادَ لَفْظَةُ إنْ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ هَكَذَا وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ (قَوْلُهُ وَكَانَتْ أُمُّ وَلَدِهِ نِكَاحًا هِيَ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَمَلَكَهَا) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ ثَبَتَ أُمُومِيَّتُهَا كَمَا ذُكِرَ لَحُكِمَ بِنَقْضِ بَيْعِهَا وَلَا يُنْقَضُ وَالصَّوَابُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ رُدَّتْ دَعْوَى الْبَائِعِ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُت النَّسَبُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْبَائِعَ اسْتَوْلَدَهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَيَبْقَى الْوَلَدُ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ لِأَنَّ بِتَصَادُقِهِمَا أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ وَكَيْفَ يَدَّعِي وَالْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَانَ حَادِثًا بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ لِلْوَلَدِ وَلَا حَقُّ الْعِتْقِ لِلْأَمَةِ وَلَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَدَعْوَى الْبَائِعِ هُنَا دَعْوَى تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا اهـ (قَوْلُهُ أَوْ أَمَةٌ مَلَكَهَا زَوْجُهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى الْوَلَدَ) لَيْسَ سَدِيدًا لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْوَلَدِ بَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَإِذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْمِلْكِ فَادَّعَاهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِالْمِلْكِ لَا بِالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ يَعْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأُمَيَّتُهَا) أَيْ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَكَانَتْ دَعْوَى اسْتِيلَادٍ وَهَذَا إذَا حَصَلَ التَّصَادُقُ وَلَوْ تَنَازَعَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ قَوْلُهُ (عُلُوقُهُمَا وَوِلَادَتُهُمَا عِنْدَهُ) أَيْ فِي مِلْكِهِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَالصُّورَةُ بِحَالِهَا وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ لَا يَبْطُلُ عِتْقُهُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ) أَيْ كَذَا ذَكَرَ التَّعْلِيلَ وَالتَّقْيِيدَ أَمَّا لَفْظُ الْمَسْأَلَةِ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ حِكَايَةً عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة (قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْنٌ لِلْمَوْلَى) لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْكَافِي مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا وَلَفْظُهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ فَقَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي. . . إلَخْ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْكِتَابِ وَقَعَ اتِّفَاقًا

تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبَهُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمْ لَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِرَدِّ زَيْدٍ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ النَّقْضَ وَلَهُ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَأَيْضًا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ (قَالَ لَهُ) أَيْ لِصَبِيٍّ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ (مُسْلِمٌ هُوَ عَبْدِي وَكَافِرٌ هُوَ ابْنِي كَانَ ابْنًا وَحُرًّا إنْ ادَّعَيَا مَعًا) لِأَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا حَالًا وَمُسْلِمًا مَآلًا لِظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ لِكُلِّ عَاقِلٍ وَفِي الْعَكْسِ يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ تَبَعًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ تَحْصِيلِهَا (وَإِنْ سَبَقَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي دَعْوَى الْبُنُوَّةِ وَيُرَجَّحُ الْمُسْلِمُ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْلَى لِلصَّبِيِّ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ لَهُ حَالًا تَبَعًا لِأَبِيهِ. (قَالَ زَوْجُ امْرَأَةٍ لِصَبِيٍّ مَعَهُمَا هُوَ ابْنِي مِنْ غَيْرِهَا وَقَالَتْ ابْنِي مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ مُعَبِّرٍ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُعَبِّرًا (فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ وَادَّعَى مَا يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا لَهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ صَاحِبِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِاسْتِوَاءِ أَيْدِيهِمَا فِيهِ وَقِيَامِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ وَقِيَامُ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمَا (ادَّعَتْ ذَاتُ زَوْجٍ بُنُوَّةَ صَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ حَتَّى تَشْهَدَ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ الرَّجُلِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِيهَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ إذْ النَّسَبُ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ (وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً لَزِمَ حُجَّةٌ تَامَّةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهِيَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَقَالَا يَكْفِي فِي الْجَمِيعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (وَلَوْلَا النِّكَاحُ وَالْعِدَّةُ كَانَ ابْنَهَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا كَمَا فِي الرَّجُلِ (وَلَدَتْ أَمَةٌ تَزَوَّجَهَا) أَيْ رَجُلٌ (عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ اتَّهَبَهَا وَاسْتُحِقَّتْ) يَعْنِي مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْوَالِدَةُ (غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ وَرَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا لَهُمَا ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ فَلِذَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ (يَوْمَ يُخَاصِمُ) لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ (وَهُوَ حُرٌّ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْحُرِّ وَلَمْ يَرْضَ الْوَالِدُ بِرِقِّيَّتِهِ كَمَا رَضِيَ فِي الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ (وَإِنْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ) لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ (وَيَرِثُهُ) أَيْ يَكُونُ الْأَبُ وَارِثًا لَهُ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ فَمَا تَرَكَ يَكُونُ مِيرَاثًا لِأَبِيهِ (وَإِنْ قَتَلَهُ أَبُوهُ أَوْ) قَتَلَهُ (غَيْرُهُ وَأَخَذَ) أَيْ أَبُوهُ (دِيَتَهُ غَرِمَ) أَيْ أَبُوهُ (قِيمَتَهُ) فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ مِنْ الْأَبِ بِقَتْلِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِسَلَامَةِ الْوَلَدِ لَهُ إذْ الدِّيَةُ بَدَلُ الْمَحِلِّ شَرْعًا فَصَارَ الْوَلَدُ سَالِمًا لَهُ بِسَلَامَتِهَا فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا (وَرَجَعَ بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَهَا (كَثَمَنِهَا) أَيْ كَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ أَيْ لِصَبِيٍّ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) صَرَّحَ بِهِ شَرْحًا لِعَدَمِ عِلْمِهِ مِنْ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ ادَّعَتْ ذَاتُ زَوْجٍ) أَوْرَدَهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي الطَّلَاقِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا فِي الطَّلَاقِ صَاحِبُ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ وَلَوْلَا النِّكَاحُ وَالْعِدَّةُ كَانَ ابْنَهَا) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجْرَى الْمَسْأَلَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَرَدَّ قَوْلَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ (قَوْلُهُ وَلَدَتْ أَمَةٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ هَذَا الْغُرُورُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ أَيْ فِي ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ اهـ. وَإِنْ كَانَ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ إقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَفَرْعُهَا يَتْبَعُهَا إلَّا إذَا أَثْبَتَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مَغْرُورٌ بِأَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَيُثْبِتُ بِهِ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ لِلْأَوْلَادِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلِذَا يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ يُخَاصِمُ) لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ التَّخَاصُمِ يَوْمُ الْقَضَاءِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ يَضْمَنُ الْأَبُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ أَوْ التَّحَوُّلِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِقَ رَقِيقًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَانَ حَقُّهُ فِي عَيْنِ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ التَّحَوُّلِ اهـ. وَلِمَا قَالَ قَاضِي زَادَهْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَضَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَأَخَذَ أَيْ أَبُوهُ دِيَتَهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا لَا يَغْرَمُ شَيْئًا وَلَوْ قَبَضَ قَدْرَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ أَوْ بَعْضَهَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ بِهَا) أَيْ بِقِيمَتِهِ الَّتِي ضَمِنَهَا يَعْنِي فِي صُورَةِ قَتْلِ غَيْرِ الْأَبِ أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْأَبُ كَيْفَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ وَهُوَ ضَمَانُ إتْلَافِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِذَلِكَ أَيْ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَبِعَدَمِهِ بِقَتْلِهِ اهـ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا بَاقِيَةً فَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ لَهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَضَمِنَ قِيمَتَهَا فَيَرْجِعُ بِثَمَنِهَا عَلَى بَائِعِهِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَوْ زَوَّجَهَا لَهُ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَاسْتُحِقَّتْ ضَمِنَ لَهُ قِيمَةَ وَلَدِهِ

[فصل الاستشراء والاستيهاب والاستيداع والاستئجار]

يَرْجِعُ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ (عَلَى بَائِعِهِ) أَيْ بَائِعِ الْوَلَدِ بِبَيْعِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ سَلَامَتَهُ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّ الْغُرُورَ يَشْمَلُهَا (لَا بِالْعُقْرِ) أَيْ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ ضَامِنًا لِسَلَامَتِهِ. (فَصْلٌ) (الِاسْتِشْرَاءُ وَالِاسْتِيهَابُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالِاسْتِئْجَارُ) أَيْ طَلَبُ شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ وَطَلَبُ هِبَتِهِ مِنْهُ وَطَلَبُ إيدَاعَهُ عِنْدَهُ وَطَلَبُ إجَارَتَهُ لَهُ (يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ) لِلطَّالِبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا إقْرَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِلْكٌ لِذِي الْيَدِ فَيَكُونُ الطَّلَبُ بَعْدَهُ تَنَاقُضًا (وَالِاسْتِنْكَاحُ فِي الْأَمَةِ يَمْنَعُهَا) أَيْ دَعْوَى الْمِلْكَ (وَفِي الْحُرَّةِ) يَمْنَعُ (دَعْوَى النِّكَاحِ) كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى (ادَّعَى) عَلَى آخَرَ (مَالًا فَقَالَ الْخَصْمُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الدَّفْعِ (أَبْرَأَنِي عَنْ دَعْوَاهُ وَبَرْهَنَ فَادَّعَى ثَانِيًا أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَقَرَّ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَلَوْ كَانَ قَالَ) أَيْ الْخَصْمُ (أَبْرَأَنِي وَقَبِلْتُهُ أَوْ قَالَ صَدَّقْتُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ دَفْعُ الدَّفْعِ) يَعْنِي دَعْوَى الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ قَبِلْتُ الْإِبْرَاءَ صَحَّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَلَيْهِ لِرَدِّهِ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ قَبِلْتُ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَبُولِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ (ادَّعَى) رَجُلٌ (عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ) أَيْ الْآخَرُ (مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ) مَعْنَاهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ (فَبَرْهَنَ) أَيْ الْمُدَّعِي (عَلَى أَلْفٍ وَبَرْهَنَ الْمُنْكِرُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قُبِلَ هَذَا) أَيْ صَارَ بُرْهَانُ الْمُنْكِرِ مَقْبُولًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ (وَلَا أَعْرِفُك) وَمَا أَشْبَهَهُ كَقَوْلِهِ وَلَا رَأَيْتُك وَلَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَك مُخَالَطَةٌ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا عَلَى الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ إذْ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَقَضَاءٌ وَاقْتِضَاءٌ وَمُعَامَلَةٌ بِلَا اخْتِلَاطٍ وَمَعْرِفَةٍ (وَقِيلَ يُقْبَلُ بِهِ أَيْضًا) نَقَلَ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَيْضًا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ فَكَانَ التَّوْفِيقُ مُمْكِنًا قَالُوا وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَقِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ لِلْمُدَّعِي لَا أَعْرِفُك فَلَمَّا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ ادَّعَى الْإِيصَالَ لَا تُسْمَعُ وَلَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوُصُولِ أَوْ الْإِيصَالِ تُسْمَعُ (قَالَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَا دَعْوَى لِي فِي التَّرِكَةِ لَا يَبْطُلُ دَعْوَاهُ) لِأَنَّ مَا ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ حَقٍّ لَازِمٍ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ كَمَا لَوْ قَالَ لَسْتُ أَنَا ابْنًا لِأَبِي (قَالَ لَسْتُ أَنَا وَارِثَ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى إرْثَهُ وَبَيَّنَ الْجِهَةَ صَحَّ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ التَّنَاقُضَ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى (قَالَ ذُو الْيَدِ لَيْسَ هَذَا لِي وَنَحْوُهُ) أَيْ لَيْسَ مِلْكِي أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (وَلَا مُنَازِعَ ثَمَّةَ ثُمَّ ادَّعَاهُ فَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ لِي صَحَّ) وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُثْبِتْ حَقًّا لِأَحَدٍ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَالتَّنَاقُضُ إنَّمَا يُبْطِلُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ فَيُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِحُرِّيَّتِهَا أَوْ أَخْبَرَتْهُ هِيَ وَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ حَيْثُ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ سَبَبٌ مَحْضٌ وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَاسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ وَلَدِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَتَهُ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْمَبِيعِ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَزَّلَ الْوَلَدَ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْبَيْعِ لِيُضَمِّنَهُ بَائِعَهُ لِسَلَامَتِهِ بِطَرِيقِ اسْتِلْزَامِ سَلَامَةِ الْأُمِّ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً وَقْتَ الْبَيْعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ لِحُدُوثِهِ وَالْبَائِعُ إنَّمَا يَضْمَنُ سَلَامَةَ الْمَوْجُودِ [فَصْلٌ الِاسْتِشْرَاءُ وَالِاسْتِيهَابُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالِاسْتِئْجَارُ] (فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ) مَنَعَ الدَّعْوَى بِهِ إذَا لَمْ يَدَّعِ مِلْكِيَّتَهَا بِشِرَاءِ وَلِيِّهِ فِي صِغَرِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ) أَيْ لِنَفْسِهِ كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِذِي الْيَدِ وَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الصُّغْرَى. وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ صَحَّحَ رِوَايَةَ إفَادَةِ الْمِلْكِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لِلرِّوَايَتَيْنِ وَيُبْنَى عَلَى عَدَمِ إفَادَتِهِ مِلْكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَازُ دَعْوَى الْمُقِرِّ بِهَا لِغَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْحَاصِلُ مِنْ جُمْلَةِ مَا مَرَّ أَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ صَدَرَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى مِلْكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لِلتَّنَاقُضِ، وَلَوْ صَدَرَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَطَلَ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِعَدَمِ مِلْكِهِ لَا بِمِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ صَدَرَ عَنْهُ مَا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَعَدَمَهُ فَالتَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لِلشَّكِّ. اهـ. (قَوْلُهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا. . . إلَخْ) هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ لَا مَنْ شَرَطَ التَّوْفِيقَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ

حَقٍّ عَلَى أَحَدٍ (وَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ كَانَ إقْرَارًا لَهُ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. (وَفِي أُخْرَى لَا) وَهِيَ رِوَايَةُ دَعْوَى الْأَصْلِ لَكِنْ قَالُوا الْقَاضِي يَسْأَلُ ذَا الْيَدِ أَهُوَ مِلْكُ الْمُدَّعِي فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَمَرَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَإِنْ أَنْكَرَ أَمَرَ الْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ (وَلَوْ قَالَهُ) أَيْ قَالَ لَيْسَ هَذَا لِي وَنَحْوُهُ (الْخَارِجُ لَا يَدَّعِي) ذَلِكَ الشَّيْءَ (بَعْدَهُ) لِلتَّنَاقُضِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَا الْيَدِ عَلَى مَا مَرَّ لِقِيَامِ الْيَدِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (ادَّعَى زَيْدٌ مَالًا وَلَمْ يُثْبِتْ فَادَّعَاهُ عَلَى آخَرَ لَمْ تُسْمَعْ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ (إقْرَارُ مَالٍ لِغَيْرِهِ كَمَا يَمْنَعُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ يَمْنَعُهَا) أَيْ دَعْوَاهُ (لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِمَالٍ أَنَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا إذَا ادَّعَاهُ بِوَكَالَةٍ أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ وِصَايَةٌ أَنَّهُ لِوَرَثَةِ مُوصِيهِ لِأَنَّ فِيهِ تَنَاقُضًا لِأَنَّ الْمَالَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ لِشَخْصَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (بِخِلَافِ إبْرَائِهِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى ثُمَّ الدَّعْوَى بِهِمَا) أَيْ بِوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ حَيْثُ تَصِحُّ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ لِأَنَّ إبْرَاءَ الرَّجُلِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَالِهِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ دَعْوَى مَالِ غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ. (ادَّعَى دَارًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ كَدَعْوَاهَا لَهُ) أَيْ لِنَفْسِهِ (ثُمَّ) دَعْوَاهَا (لِغَيْرِهِ وَلَوْ عَكَسَ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ (لَمْ تَجُزْ فِي رِوَايَةٍ) وَهِيَ رِوَايَةُ قَاضِي خَانْ (وَجَازَ فِي) رِوَايَةٍ (أُخْرَى أَنَّهُ وَقْفٌ) وَهِيَ رِوَايَةُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولُ كَانَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ. (ادَّعَى الْعُصُوبَةَ) وَبَيَّنَ النَّسَبَ (وَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّ النَّسَبَ بِخِلَافِهِ إنْ قَضَى بِالْأَوَّلِ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَإِلَّا تَسَاقَطَا) لِلتَّعَارُضِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ (بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَبَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ (كَانَ دَفْعًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْأَوَّلِ لَا بَعْدَهُ) لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (ادَّعَى مِيرَاثًا بِالْعُصُوبَةِ فَدَفْعُهُ أَنْ يَدَّعِيَ خَصْمُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ إقْرَارَهُ) مَفْعُولُ يَدَّعِي (بِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضٌ. (قَالَ هَذَا الْوَلَدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ) نَقَلَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ مَا قَدَّمَهُ أَيْ الْعِمَادِيُّ فِي إقْرَارِ ذِي الْيَدِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَالتَّنَاقُضَ إنَّمَا يَمْنَعُ. . . إلَخْ يَتَأَتَّى فِي إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي إقْرَارِ الْمُدَّعِي خِلَافًا يُفْصِحُ عَنْهُ مَا مَرَّ فِي عِرْفَانِ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ لِلْآخَرِ وَيَلُوحُ لِي أَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعِي قَبْلَ التَّنَازُعِ أَمَّا لَوْ قَالَ مَعَ وُجُودِ الْمُنَازِعِ يَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ دَعْوَاهُ وِفَاقًا عَلَى عَكْسِ ذِي الْيَدِ يَعْنِي أَنَّ إقْرَارَ ذِي الْيَدِ مَعَ وُجُودِ الْمُنَازِعِ خِلَافِيٌّ وَمَعَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ وِفَاقًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا أَقَرَّ قَبْلَ التَّرْكِ بَطَلَ إقْرَارُهُ إذْ الْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَنَفْيُ الْمَالِكِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فَلَغَا نَفْيُ ذِي الْيَدِ مِلْكَهُ وِفَاقًا، وَلَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ عِنْدَ التَّنَازُعِ قِيلَ إنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمُدَّعِي بِدَلَالَةِ النِّزَاعِ وَقِيلَ إنَّهُ لَغْوٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ بِدَلِيلِ الْيَدِ، وَالْمِلْكُ لَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ غَيْرُ ذِي الْيَدِ قَبْلَ النِّزَاعِ قِيلَ أَنَّهُ لَغْوٌ نَظَرًا إلَى جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا نِزَاعَ لِيَكُونَ قَرِينَةً لِتَعَيُّنِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَقِيلَ هُوَ إقْرَارٌ بِهِ لِذِي الْيَدِ بِقَرِينَةِ الْيَدِ، وَلَوْ أَقَرَّ غَيْرُ ذِي الْيَدِ عِنْدَ النِّزَاعِ يَنْبَغِي أَنْ يُنَفَّذَ إقْرَارُهُ وِفَاقًا لِأَنَّهُ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ ظَاهِرًا وَهَذَا حَقٌّ ظَاهِرٌ انْصَرَفَ إلَى أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِذِي الْيَدِ وِفَاقًا بِقَرِينَةِ الْيَدِ وَالنِّزَاعِ هَذَا مَا وَرَدَ عَلَى الْخَاطِرِ الْفَاتِرِ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَرَامِ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ الْوَقْتُ وَالْمَقَامُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَمُسَهِّلِ الصِّعَابِ. . اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ أَيْ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ فِي رِوَايَةٍ وَهِيَ رِوَايَةُ قَاضِي خَانْ وَجَازَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ وَفَّقَ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَكْسَ شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَى الْوَقْفَ أَوْ لَا ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ السَّنَدِ مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ وَلَا عَلَى رِوَايَةٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَجَازَ فِي أُخْرَى إنْ وَفَّقَ وَهِيَ رِوَايَةُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولُ كَانَ لِفُلَانٍ ثُمَّ شَرَيْتُهُ مِنْهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ اهـ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذِكْرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْوَقْفَ أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يُقَابِلُ قَوْلَ قَاضِي خَانْ فِي مَنْعِ صِحَّةِ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ادِّعَائِهِ الْوَقْفَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمّه لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَبَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمّه لِأُمِّهِ فَقَطْ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ ادَّعَى الْعُصُوبَةَ وَبَيَّنَ النَّسَبَ وَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّ النَّسَبَ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا بَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ. (تَنْبِيهٌ) : مَا يُذْكَرُ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ يُثْبِتُ الدَّفْعَ فَقَطْ لَا النَّسَبَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) صَوَابُهُ الثَّانِي (قَوْلُهُ ادَّعَى مِيرَاثًا بِالْعُصُوبَةِ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي. . . إلَخْ) تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا بِأَوْفَى مِنْ هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ اللَّفْظَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ لَيْسَ لَهَا فَائِدَةٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِهِ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ

مِنِّي ثُمَّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ) إذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ إذْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ كَوْنُهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَإِذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَصِحُّ أَقُولُ قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الأسروشنية وَالْعِمَادِيَّةِ هَكَذَا قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ إذْ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي هَاهُنَا ثَلَاثَ عِبَارَاتٍ تُفِيدُ الْأُولَى إثْبَاتَ الْبُنُوَّةِ وَالثَّانِيَةُ نَفْيَهَا وَالثَّالِثَةُ الْعَوْدَ إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْمَذْكُورُ فِيهَا الْعِبَارَتَانِ فَقَطْ (وَلَوْ عَكَسَ) أَيْ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ وَإِذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ. (بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَاذِبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ صَحَّ الدَّفْعُ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِهِ: بدروغ كواهان آرَام لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُ شُهُودٍ يَأْتِي بِهِمْ الْخَصْمُ (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَاءَ بِخَطِّ الْبَرَاءَةِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَبْرَأْتُ ذِمَّتِي عَنْهُ وَأَظْهَرَ كِتَابَ الْإِبْرَاءِ (فَقَالَ الْمُدَّعِي) نَعَمْ كُنْتُ أَبْرَأْتُ ذِمَّتَك لَكِنِّي (كُنْت صَبِيًّا وَقْتَ الْإِبْرَاءِ فَالْقَوْلُ لَهُ) وَالْبَيِّنَةُ عَلَى خَصْمِهِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَالْخَصْمُ إذَا أَثْبَتَ بُلُوغَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ انْدَفَعَ كَلَامُهُ. (ادَّعَى قِيمَةَ جَارِيَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّهَا حَيَّةٌ رَأَيْنَاهَا فِي بَلَدِ كَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَجِيءَ بِهَا حَيَّةً) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. (ادَّعَى الْأُخُوَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْجَدِّ صَحَّ بِخِلَافِ دَعْوَى كَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهِ) حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا ذِكْرُ اسْمِ الْجَدِّ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (التَّنَاقُضُ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَقِيلَ يَمْنَعُ) وَلِهَذَا الْأَصْلِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ بَعْضَهَا سَابِقًا وَسَيَذْكُرُ بَعْضَهَا وَذَكَرَ هَاهُنَا وَاحِدًا مِنْهَا فَقَالَ (فَإِنْ ادَّعَى الْوَصِيَّةَ وَأَنْكَرَهَا الْوَارِثُ فَأَقَامَ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (بَيِّنَةً فَادَّعَى الْوَارِثُ الرُّجُوعَ تُقْبَلُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ فِي طَرِيقَةِ خَفَاءٍ إذْ لَعَلَّ الْمُوصِي قَدْ أَوْصَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَارِثُ وَرَجَعَ الْمُوصِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَارِثُ فَجَحَدَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ (وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يُقْبَلُ لِظَاهِرِ التَّنَاقُضِ وَأَيْضًا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى الْآخَرِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مِلْكِي لِأَنَّ أَبِي كَانَ اشْتَرَاهَا لِأَجْلِي فِي صِغَرِي وَهِيَ مِلْكِي فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّنَاقُضُ مَانِعًا صِحَّةَ الدَّعْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَفَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ يَسْتَقِلُّ بِالشِّرَاءِ لِلصَّغِيرِ وَمِنْ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ وَالِابْنُ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ وَهَذَا كَمَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً عَلَى الطَّلَاقِ ثَلَاثًا بَعْدَمَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا لَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ بَدَلَ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً لِاسْتِقْلَالِ زَوْجِهَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا وَلِهَذَا نَظَائِرُ ذُكِرَتْ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا. (تَذْنِيبٌ) (الْكَفِيلُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْأَصِيلِ بِلَا عَكْسٍ) أَيْ الْأَصِيلُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْكَفِيلِ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ لَيْسَ قَضَاءً عَلَيْهِ صُورَتُهُ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ كَفِيلٌ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ فَلَقِيَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ قَبْلَ أَنْ يَلْقَى الْكَفِيلَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الأسروشنية وَالْعِمَادِيَّةِ. . . إلَخْ) هُوَ مَا وَعَدْتُ بِهِ اهـ هَذَا وَقَدْ نَاقَضَ فِي التَّعْلِيلِ أَيْضًا صَاحِبَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ فِي مِثْلِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ أَيْ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا أَيْ لَا يَصِحُّ النَّفْيُ) صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْحَلِّ وَفِيهِ نَظَرٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَفْيٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِمَا قَالَ قَبْلَهُ مَتْنًا لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ مَعَ قَوْلِهِ هَذَا وَلَوْ عَكَسَ لَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَا يَصِحُّ النَّسَبُ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَحَّ إنَّمَا هُوَ لِلنَّسَبِ أَيْ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلنَّفْيِ عَلَى أَنَّ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ لَا يُغَايِرُهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ مُتَّفِقَانِ فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْيُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ وَالتَّصْدِيقُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَعَدَمِهِ سَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُقِرِّ عَلَى إقْرَارِهِ بِنَسَبِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ فَالْخَصْمُ إذَا أَثْبَتَ بُلُوغَهُ) أَيْ بُلُوغَ الْمُقِرِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ انْدَفَعَ كَلَامُهُ أَيْ كَلَامُ الْمُقِرِّ أَنِّي كُنْت صَبِيًّا وَقْتَ الْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ ادَّعَى الْأُخُوَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْجَدِّ صَحَّ) بِخِلَافِ دَعْوَى كَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (قَوْلُهُ فَادَّعَى الْوَارِثُ الرُّجُوعَ يُقْبَلُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى جُحُودِ الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ يُقْبَلُ عَلَى رِوَايَةِ كَوْنِ الْجُحُودِ رُجُوعًا لَا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ. اهـ. (قَوْلُهُ تَذْنِيبٌ) عَقَدَ لَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ فَصْلًا تَرْجَمَهُ بِقِيَامِ بَعْضِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْ الْبَعْضِ وَسَيَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا فِي الْقَضَاءِ

[كتاب الإقرار]

أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا وَفُلَانٌ كَفِيلٌ بِهِ بِأَمْرِك فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْأَصِيلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى لَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِلَا إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَلَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ أَوَّلًا وَادَّعَى أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفًا وَأَنْتَ كَفِيلٌ بِهَا لِي عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثَبَتَ الْمَالُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْغَائِبِ وَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَلَى الْأَصِيلِ. (إذَا اشْتَرَكَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَ بِهَا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ قِيَاسٌ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِحْسَانٌ وَمُحَمَّدٌ أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ كَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَا فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْحَاضِرَ فِيمَا ادَّعَى كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ شَارَكَ الْمُدَّعِي فِيمَا قَبَضَ ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْمَطْلُوبَ وَإِنْ شَاءَ يَتْبَعُ الْمَطْلُوبَ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (كِتَابُ الْإِقْرَارِ) أَوْرَدَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى لِأَنَّ الدَّعْوَى تَنْقَطِعُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِهَا (هُوَ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَارِ وَهُوَ لُغَةً إثْبَاتُ مَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا وَشَرْعًا (إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِآخَرَ عَلَيْهِ) لَا إثْبَاتٌ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا سَيَأْتِي وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحُكْمُهُ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ (بِلَا تَصْدِيقٍ) وَقَبُولٍ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْمُقِرِّ مَا أَقَرَّ بِهِ لِوُقُوعِهِ دَالًّا عَلَى الْمُخْبَرِ بِهِ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ احْتِمَالٌ عَقْلِيٌّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ (إلَّا فِي نَسَبِ الْوِلَادِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ هُوَ أَوْ امْرَأَةٌ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ صَحَّ (وَنَحْوُهُ) وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بِالزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى حَيْثُ صَحَّ وَشُرِطَ تَصْدِيقُ هَؤُلَاءِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ (وَلَكِنْ يُرَدُّ) أَيْ الْإِقْرَارُ (بِرَدِّهِ) أَيْ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ (إلَّا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ حِينَئِذٍ (لَا ثُبُوتُهُ ابْتِدَاءً) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ أَيْ لَا ثُبُوتُ الْمُقَرِّ بِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَاقِلٍ لِمِلْكِ الْمُقِرِّ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَقُولُ سِرُّهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الْوَضْعِيِّ عَنْهُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ إيجَادُ مَعْنًى بِلَفْظٍ يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ فَيَمْتَنِعُ فِيهِ التَّخَلُّفُ وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِ حُكْمِ الْإِقْرَارِ ظُهُورَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً أَوَّلًا بِقَوْلِهِ (فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ) حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمَا صَحَّ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ (لَا) الْإِقْرَارُ (بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُكْرَهًا) لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ ثُبُوتَ مَا أَقَرَّ بِهِ بِأَنْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ لِأَنَّ إنْشَاءَهُمَا مَعَ الْإِكْرَاهِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَثَالِثًا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ ادَّعَاهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (ابْتِدَاءً) بِأَنْ يَقُولَ إنَّكَ أَقْرَرْت لِي بِكَذَا فَادْفَعْهُ لِي (أَوْ جَعَلَهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ (سَبَبًا) بِأَنْ يَقُولَ إنَّ لِي عَلَيْك كَذَا لِأَنَّك أَقْرَرْت لِي بِهِ (لَمْ يُسْمَعْ) عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ لَيْسَ نَاقِلًا لِلْمِلْكِ لِمَا عَرَفْت (بِخِلَافِ دَعْوَاهُ) أَيْ الْإِقْرَارِ (فِي الدَّفْعِ) فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طَرَفِ الدَّفْعِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْإِقْرَارِ] ِ) (قَوْلُهُ هُوَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِآخَرَ لَا إثْبَاتَ لَهُ عَلَيْهِ) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ سَابِقٍ وَذَكَر أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ اسْتِشْهَادَ كُلٍّ عَلَى مَا قَالَ بِمَسَائِلَ ذُكِرَتْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الأسروشنية (قَوْلُهُ وَلَهُ شُرُوطٌ سَتُذْكَرُ) هِيَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَكَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ مِمَّا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ أَوْ جُبَّةَ حِنْطَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْهَا الطَّوَاعِيَةُ وَلَوْ سَكِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ صَحَّ إقْرَارُهُ إلَّا فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ) يَعْنِي لُزُومَهُ عَلَى الْمُقِرِّ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ) يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ لِمَا يُذْكَرُ أَنَّ الْغُلَامَ الَّذِي لَمْ يُعَبِّرْ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ وَلِذَا قَالَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ (قَوْلُهُ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ) يَعْنِي الْخَمْرَ الْقَائِمَةَ لَا الْمُسْتَهْلَكَةَ إذْ لَا يَجِبُ بَدَلُهَا لِلْمُسْلِمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ أَوْ جَعَلَهُ أَيْ الْإِقْرَارَ سَبَبًا) لَمْ يُسْمَعْ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ نَقْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُسْمَعُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ اهـ فَقَدْ وَقَعَ اخْتِلَافُ النَّقْلِ عَنْ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَلَكِنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِمَا قَالَ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ بِكَذَا لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ لَا يَقْبَلُهَا الْقَاضِي وَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ

بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يُقْبَلُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْبَلُ وَعَامَّتُهُمْ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا الْعَيْنُ مِلْكِي وَأَقَرَّ بِهِ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ كَذَا وَهَكَذَا أَقَرَّ بِهِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْإِقْرَارَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ أَنْكَرَ هَلْ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ إقْرَارِهِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقِيلَ يَحْلِفُ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْمَالِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَرَابِعًا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ كَذَبَ الْمُقِرُّ) أَيْ فِي إقْرَارِهِ بِالْمَالِ (لَمْ يَحِلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ (أَخْذُ الْمَالِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْمُقِرِّ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ الثُّبُوتَ يَحِلُّ أَخْذُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْإِقْرَارُ (حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) أَمَّا حُجَّتُهُ «فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ رَجَمَ مَاعِزًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهَا» فَلَمَّا جَعَلَ الْإِقْرَارَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي غَيْرِهَا أَوْلَى وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَمَّا قُصُورُهُ فَلِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ (بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبَّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ إذْ ثَبَتَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَاسْتِحْقَاقُهَا لِهَؤُلَاءِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ (أَقَرَّ مُكَلَّفٌ) أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ (حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ بِمَعْلُومٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ (صَحَّ) أَيْ إقْرَارُ كُلٍّ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْأَحْرَارِ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ فَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي وَشُرِطَ التَّكْلِيفُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِهِمَا حُكْمٌ (وَلَوْ) أَقَرَّ (بِمَجْهُولٍ صَحَّ) أَيْضًا لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ جَرَحَ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا (لَوْ) كَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ (تَصَرُّفًا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ) وَتَحَقُّقِهِ (إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ كَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ) فَإِنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْغَصْبِ فَإِنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ أَوْ أَوْدَعَهُ مَالًا فِي كِيسٍ صَحَّ الْغَصْبُ الْوَدِيعَةُ وَثَبَتَ حُكْمُهُمَا (بِخِلَافِ مَا اُشْتُرِطَ لَهُ ذَلِكَ) فَإِنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَالْإِقْرَارُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ. (كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ آجَرَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الْمُقِرَّ بِمِثْلِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ (بَيَانُ مَا جُهِلَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا بَيَّنَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ رُجُوعًا فَلَا يَصِحُّ (وَصُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَى خَصْمُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يُبَرْهِنْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا بَيَّنَ الْمَجْهُولَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ حُكِمَ بِهِ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ عَلَى عَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ) كَذَا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ وَمَحَلُّ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَصِحُّ بِمَهْرِ مَوْطُوءَتِهِ بِنِكَاحٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ بِهِ وَجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ بِالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْكَفَالَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ صَحَّ) لَوْ تَصَرُّفًا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ فِي مَفْهُومِهِ تَأَمَّلْ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ تَصِحُّ مَعَهُ الْجَهَالَةُ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ يُنْظَرْ فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ) لَا يَخْفَى عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِمَتْنِهِ إلَّا بِمَعُونَةِ ذِكْرِ السَّبَبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ بِغَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ اهـ. وَاَلَّذِي لَهُ قِيمَةٌ كَفَلْسِ وَجَوْزَةٍ وَغَيْرِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَقَطْرَةِ مَاءٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ

الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَصِحَّ) أَيْ الْإِقْرَارُ (لِلْمَجْهُولِ إذَا فَحُشَتْ جَهَالَتُهُ) بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ لَمْ تَفْحُشْ بِأَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يُفِيدُ وُصُولَ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ فَلَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ وَيُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ مِنْ جِهَتِهِ وَبَيَانُ الْمُجْمِلِ عَلَى الْمُجْمَلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي الْكَافِي (كَذَا) إشَارَةً إلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي قَوْلِهِ أَقَرَّ مُكَلَّفٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ (مَحْجُورٌ أَقَرَّ بِمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَحَدٍّ وَقَوَدٍ) يَعْنِي أَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عُهِدَ مُوجِبًا تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ وَقُصُورِ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ إذْنٌ بِمَا يَلْزَمُهَا وَهُوَ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقَوَدِ (فَيُؤْخَذُ بِهِ الْآنَ) وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى الْعِتْقِ. (وَ) كَذَا مَحْجُورٌ أَقَرَّ (بِمَا فِيهِ تُهْمَةٌ كَالْمَالِ) نَظَرًا إلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ (فَيُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى. (وَلَزِمَ فِي عَلَيَّ مَالٌ دِرْهَمٌ) يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا عَادَةً. (وَ) لَزِمَ (فِي) عَلَيَّ (مَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ فِي مَالِ الزَّكَاةِ وَقَدْرُ النِّصَابِ قِيمَةٌ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي الْفِضَّةِ وَأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فِي الذَّهَبِ وَفِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي الْإِبِلِ وَلَا فِي الْأَقَلِّ مِنْ قَدْرِ النِّصَابِ قِيمَةً فِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ النِّصَابَ عَظِيمٌ حَتَّى صَارَ صَاحِبُهُ بِهِ غَنِيًّا (وَ) لَزِمَ (فِي) عَلَيَّ (أَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ) نُصُبٍ مِنْ جِنْسِ مَا سَمَّاهُ اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ. (وَفِي دَرَاهِمَ ثَلَاثَةٌ) اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ (وَفِي دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ عَشَرَةٌ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّهَا أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ. (وَفِي كَذَا دِرْهَمًا) لَزِمَ (دِرْهَمٌ) لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ قَالَ كَذَا دِينَارًا عَلَيْهِ دِينَارَانِ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلُّ الْعَدَدِ اثْنَانِ (وَ) فِي (كَذَا كَذَا دِرْهَمًا) لَزِمَ (أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَدٍ مَجْهُولٍ فَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَدَيْنِ مَجْهُولَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعِطْفِ وَأَقَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ) قَالَ فِي الْكَافِي لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ أَمَّا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَسَبَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ كَذَا إشَارَةٌ إلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ صَحَّ فِي قَوْلِهِ أَقَرَّ مُكَلَّفٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَحْجُورٌ) أَيْ كَذَا صَحَّ إقْرَارُ مَحْجُورٍ إذَا أَقَرَّ بِمَا فِيهِ تُهْمَةٌ كَالْمَالِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ فَيُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي الْفِضَّةِ وَأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فِي الذَّهَبِ) يُرِيدُ بِهِ إذَا فَسَّرَ الْمَالَ الْعَظِيمَ بِالْفِضَّةِ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الْفِضَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِعَظِيمٍ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ مُتَعَارِضٌ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ وَفِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ الْعَشَرَةُ عَظِيمَةٌ فَيُرْجَعُ إلَى حَالِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَحَوَاشِي الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَلَزِمَ فِي عَلَيَّ أَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ حَالُ الْمُقِرِّ كَمَا ذَكَرْنَا اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ عَشَرَةٌ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِي كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَ دِرْهَمٌ. . . إلَخْ) يُرِيدُ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي قَاضِي خَانْ إذْ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْفَتَاوَى لِلْمُتُونِ تُقَدَّمُ الْمُتُونُ اهـ. وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا دِرْهَمًا لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ. وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ كَذَا يُذْكَرُ لِلْعَدَدِ عُرْفًا وَأَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ وَلَوْ ذُكِرَ بِالْخَفْضِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ لِأَنَّهَا أَقَلُّ عَدَدٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالْخَفْضِ اهـ

عَدَدَيْنِ كَذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدَ عَشَرَ (وَفِي كَذَا وَكَذَا) لَزِمَ (أَحَدٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا الْعَطْفُ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَوُجُوبُ الْأَقَلِّ فِي الْفَصْلَيْنِ لِتَيَقُّنِنَا بِهِ وَالْأَصْلُ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ (وَلَوْ ثَلَّثَ) أَيْ قَوْلُهُ كَذَا (بِلَا وَاوٍ) بِأَنْ يَقُولَ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا (فَأَحَدَ عَشَرَ حَمْلًا لِلْوَاحِدِ مِنْهَا عَلَى التَّكْرَارِ) إذْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ بِلَا عَطْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْوَاحِدِ عَلَى التَّكْرَارِ ثُمَّ حَمْلُ الِاثْنَيْنِ عَلَى أَقَلِّ عَدَدٍ يُعْتَادُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِذِكْرِ عَدَدَيْنِ بِلَا عَاطِفٍ وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ (وَمَعَهَا) أَيْ لَوْ ثَلَّثَ لَفْظَ كَذَا مَعَ الْوَاوِ (فَمِائَةٌ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ مَعَ الْعَطْفِ وَلَوْ رَبَّعَ) أَيْ قَوْلُهُ كَذَا مَعَ تَثْلِيثِ الْوَاوِ بِأَنْ يَقُولَ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا (زِيدَ أَلْفٌ) عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلَزِمَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ نَظِيرُهُ (عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْمَالِ كَذَا أَوْ قِبَلِي كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ لِأَنَّ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ يُقَالُ قَبِلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَيْ ضَمِنَ وَسُمِّيَ الْكَفِيلُ قَبِيلًا لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ (وَإِنْ وَصَلَ بِهِ وَدِيعَةً) أَيْ إنْ قَالَ الْمُقِرُّ بِلَا تَرَاخٍ وَهُوَ وَدِيعَةٌ (صُدِّقَ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَالْمَالُ مَحَلُّهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ الْحَالَّ وَاحْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مَجَازًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا (عِنْدِي مَعِي فِي بَيْتِي فِي صُنْدُوقِي فِي كِيسِي إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ) لِأَنَّ الْكُلَّ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَا يَكُونُ أَمَانَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَضْمُونًا وَقَدْ يَكُونُ أَمَانَةً وَهَذِهِ أَقَلُّهَا (جَمِيعُ مَالِي أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لَهُ هِبَةٌ) لَا إقْرَارٌ لِأَنَّ مَالَهُ أَوْ مَا مَلَكَهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِآخَرَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ هِبَةً (يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ) إنْ وُجِدَ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الْأَلْفِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي إقْرَارٌ يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ (اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ أَوْ أَجِّلْنِي بِهِ أَوْ قَضَيْتُكَهُ أَوْ أَبْرَأْتنِي مِنْهُ أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ أَوْ وَهَبْته لِي أَوْ أَحَلْتُك بِهِ عَلَى زَيْدٍ إقْرَارٌ وَبِلَا ضَمِيرٍ لَا) وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ فِي هَذِهِ الضَّمَائِرِ ضَمِيرُ التَّأْنِيثِ. وَفِي الْكَافِي وَالْكَنْزِ ضَمِيرُ التَّذْكِيرِ وَلَمَّا لَمْ يَعُدَّ الْقَوْمُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُؤَنَّثَاتِ السَّمَاعِيَّةِ اُخْتِيرَ لَهُ التَّذْكِيرُ، أَمَّا كَوْنُ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى إقْرَارًا فَلِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْأَلْفِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالْوُجُوبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اتَّزِنْ أَوْ انْتَقِدْ أَوْ أَجِّلْ أَوْ قَضَيْتُك الْأَلْفَ الْوَاجِبَ لَك عَلَيَّ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الضَّمِيرَ بِأَنْ قَالَ اتَّزِنْ أَوْ انْتَقِدْ أَوْ أَجِّلْ مَثَلًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَالٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا السَّادِسُ وَالسَّابِعُ فَلِأَنَّ هَذَا دَعْوَى التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا الثَّامِنُ فَلِأَنَّ تَحْوِيلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْوُجُوبِ (وَقَوْلُهُ نَعَمْ إقْرَارٌ) يَعْنِي إذَا قِيلَ لَهُ هَلْ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْجَوَابِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّابِطِ (لَا الْإِيمَاءُ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ فِي جَوَابِ هَلْ لِي عَلَيْك كَذَا) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْكَلَامِ لَا مِنْ غَيْرِهِ (أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ حَالٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ بِلَا عَاطِفٍ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ نَظِيرٌ (قَوْلُهُ قِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ) هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ وَقِيلَ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الدَّيْنَ وَالْأَمَانَةَ وَهِيَ أَقَلُّهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ جَمِيعُ مَالِي أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لَهُ هِبَةٌ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَهُوَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِهِبَةٍ مُسَلَّمَةٍ لِأَنَّهُ نَفَى الْحَقَّ فِيهَا وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا بِالْهِبَةِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالتَّسْلِيمِ اهـ. وَلَوْ لَمْ يُضِفْ الْمَالَ إلَيْهِ بَلْ إلَى يَدِهِ كَانَ إقْرَارَ الْمَالِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ مَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِفُلَانٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَا مَجْهُولٌ انْتَهَى

الدَّيْنُ حَالًّا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ فِيهِ حَقًّا فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِلَا حُجَّةٍ دُونَ الدَّعْوَى كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمِلْكِ لَا الْإِجَارَةَ (وَلَزِمَ فِي) لَهُ (عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدَرَاهِمُ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٌ (وَ) لَزِمَ (فِي مِائَةٍ وَثَوْبٍ ثَوْبٌ وَيُفَسِّرُ الْمِائَةَ) أَيْ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ وَالْقِيَاسُ فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَطْفُ مُفَسَّرٍ عَلَى مُبْهَمٍ فِي الْفَصْلَيْنِ وَالْعَطْفُ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَيَانِ فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ مُبْهَمَةً فِيهِمَا وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَدِرْهَمٌ بَيَانٌ لِلْمِائَةِ عَادَةً لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدَّرَاهِمِ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَهُوَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَهَذَا فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا وَقَرْضًا وَثَمَنًا بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَإِنَّ وُجُوبَهَا لَا يَكْثُرُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا إلَّا فِي السَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَذَا لَا يَكْثُرُ فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ (كَذَا وَثَوْبَانِ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ لَزِمَ ثَوْبَانِ وَيُفَسِّرُ الْمِائَةَ (وَفِي الْجَمْعِ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ (كُلُّهَا ثِيَابٌ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ أَعْنِي مِائَةً وَثَلَاثَةً وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ لَا يُقَالُ الْأَثْوَابُ لَا تَصْلُحُ مُمَيِّزًا لِلْمِائَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالثَّلَاثَةِ صَارَا كَعَدَدِ وَاحِدٍ (وَ) لَزِمَ (فِي عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ وَثَوْبٌ وَنِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهَا) لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ نِصْفُ هَذَا وَنِصْفُ هَذَا إلَى آخِرِهِ. (أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَانِقٍ أَوْ قِيرَاطٍ كَانَ مِنْ الْفِضَّةِ) لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ شَائِعٌ عِنْدَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] يَعْنِي مِنْ السِّنِينَ. (وَ) أَقَرَّ (بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَاهُ) أَيْ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ فَسَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ وَظَرْفٌ لَهُ وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالْحِنْطَةُ فِي الْجَوَالِقِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْت مِنْ قَوْصَرَّةٍ لِأَنَّ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ (وَدَابَّةٍ) أَيْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ (فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَتْهُ) أَيْ الدَّابَّةُ (فَقَطْ) أَيْ بِلَا إصْطَبْلٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَنْقُولِ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (كَذَا الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ) يَعْنِي يَلْزَمُ الطَّعَامُ لَا الْبَيْتُ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الظَّرْفَ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً يُنْظَرُ فَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ وَإِلَّا لَزِمَ الْمَظْرُوفُ فَقَطْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبٍ تَامٍّ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ غَصْبَ غَيْرِ الْمَنْقُولِ مُتَصَوَّرٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ ظَرْفًا حَقِيقَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَهُ. . (وَ) أَقَرَّ (بِخَاتَمٍ لَهُ حَلْقَتُهُ وَفَصُّهُ) لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمَا. (وَ) أَقَرَّ (بِسَيْفٍ لَهُ نَصْلُهُ وَجَفْنُهُ وَحَمَائِلُهُ) لِأَنَّ اسْمَ السَّيْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ النَّصْلُ حَدِيدُهُ وَالْجَفْنُ غِمْدُهُ وَالْحَمَائِلُ جَمْعُ الْحِمَالَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ عِلَاقَتُهُ. . (وَ) أَقَرَّ (بِحَجَلَةٍ لَهُ عِيدَانُهَا وَكِسْوَتُهَا) لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْكُلِّ عُرْفًا لِأَنَّهَا بَيْتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَزِمَ فِي: عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُبْتَغَى وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ كُلُّهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ كَانَ كُلُّهُ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ كُلُّهُ عَلَى الْإِنْصَافِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالنِّصْفُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ فَسَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ) وَكَذَا فَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ وَشَرْحُ تَفْسِيرِهِ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ أَضَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ بَلْ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ تَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ الْقَوْصَرَّةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ بِتَمْيِيزِهِ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت لَهُ زَعْفَرَانًا فِي سَلَّةٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ) أَيْ الْمَظْرُوفَ لَمْ يُصَدَّقْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

يُزَيَّنُ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ وَالسُّتُورِ. . (وَ) أَقَرَّ (بِثَوْبٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ حَقِيقَةٌ وَأَمْكَنَ نَقْلُهُ كَمَا مَرَّ (وَ) أَقَرَّ (بِثَوْبٍ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَهُ ثَوْبٌ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةٍ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ ظَرْفًا كَقَوْلِهِ حِنْطَة فِي جَوَالِقَ وَلِأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا أَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِوَاحِدٍ عَادَةً وَالْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالْمُمْتَنِعِ حَقِيقَةً. (وَ) أَقَرَّ (بِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ بِنِيَّةِ الضَّرْبِ لَهُ خَمْسَةٌ) لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَالِ (وَبِنِيَّةِ مَعَ عَشَرَةٍ) أَيْ لَوْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] قِيلَ مَعَ عِبَادِي فَإِذَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ وَلَوْ مَجَازًا وَنَوَاهُ صَحَّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ (وَفِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ تِسْعَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ وَلَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْمَوْجُودِ وَوُجُودُهُ بِوُجُوبِهِ فَيَدْخُلُ الْغَايَتَانِ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا لِأَنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْأُولَى لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الثَّانِيَةِ (وَفِي مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ مَا بَيْنَهُمَا) لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا. (أَقَرَّ بِالْحَمْلِ) أَيْ حَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ (صَحَّ) إقْرَارُهُ وَيَلْزَمُهُ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَمَاتَ الْمُوصِي فَيُقِرُّ وَارِثُهُ لِلْمُوصَى لَهُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا أَوْ لَا (وَلَهُ) أَيْ أَقَرَّ لِلْحَمْلِ صَحَّ أَيْضًا لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ (إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا كَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ) بِأَنْ قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى بِهِ لَهُ فُلَانٌ فَالْإِقْرَارُ بِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا لَوْ عَايَنَّاهُ حَكَمْنَا بِهِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ إنْ وُجِدَ السَّبَبُ الصَّالِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُقَرِّ بِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ مُحْتَمِلًا؛ وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَوْ الْمُوصِي إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً (فَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ مِنْ سَنَتَيْنِ) فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ (فَلَهُ مَا أَقَرَّ لِوُجُودِهِ) فِي الْبَطْنِ حَيْثُ مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَوْ الْمُوصِي (أَوْ مَيِّتًا) أَيْ إنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا (فَلِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ) أَيْ يَرُدُّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِمَا (أَوْ) وَلَدَتْ (حَيَّيْنِ فَلَهُمَا) مَا أَقَرَّ نِصْفَيْنِ إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَفِي الْوَصِيَّةِ كَذَلِكَ وَفِي الْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (وَإِنْ بَيَّنَ بِغَيْرِ صَالِحٍ) لِلسَّبَبِيَّةِ (كَبَيْعٍ وَإِقْرَاضٍ وَهِبَةٍ) بِأَنْ قَالَ الْحَمْلُ بَاعَ مِنِّي أَوْ أَقْرَضَنِي أَوْ وَهَبَ لِي (أَوْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ) وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ لِحَمْلِ فُلَانَةَ كَذَا (لَغَا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا مِنْ الْجَنِينِ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ غَصَبْت كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عُرْفًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ التَّبْيِينِ وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ عَنْ النِّهَايَةِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ (قَوْله لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ) أَيْ لِإِزَالَةِ الْكَسْرِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَالِ لِأَنَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَإِنْ جُعِلَتْ أَلْفَ جُزْءٍ لَا يُزَادُ فِيهَا قِيرَاطٌ (قَوْلُهُ وَبِنِيَّةِ مَعَ عَشَرَةٌ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ وَلَوْ أَرَادَ بِفِي مَعْنَى عَلَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَالْمَبْسُوطِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ حُكْمُهُ كَحُكْمِ فِي، فَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ عَلَى عَشَرَةٍ أَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الضَّرْبَ لَزِمَتْهُ عَشَرَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّعْلِيلِ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْغَايَةِ الْأُولَى اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ قِيَاسٌ وَمَا قَالَا فِي الْغَايَتَيْنِ اسْتِحْسَانٌ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فِيهِمَا قِيَاسٌ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ وَمِنْ دَارِي. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلَّلًا كَمَا هُنَا وَعَلَّلَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ دُونَ الْحَائِطَيْنِ لِقِيَامِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا (قَوْلُهُ أَوْ حَمْلَ شَاةٍ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُعْلَمُ وُجُودُ حَمْلِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ بِأَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُقَرِّ بِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ) صَوَابُهُ الْمُقَرِّ لَهُ بِاللَّامِ (قَوْلُهُ أَوْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانٍ كَذَا لَغَا) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: إمَّا أَنْ يُبْهِمَ الْإِقْرَارَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا صَالِحًا فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ

[باب الاستثناء وما بمعناه في الإقرار]

فَيَصِيرُ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ (أَشْهَدَ) أَيْ جَعَلَ رَجُلَيْنِ شَاهِدَيْنِ (عَلَى أَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ وَ) أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ (آخَرَيْنِ فِي) مَجْلِسٍ (آخَرَ لَزِمَ أَلْفَانِ) يَعْنِي لَوْ أَدَارَ صَكًّا عَلَى الشُّهُودِ فَأَقَرَّ عِنْدَهُمْ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِأَلْفٍ فِي ذَلِكَ الصَّكِّ فَالْوَاجِبُ أَلْفٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ مُعَرَّفًا بِالْمَالِ الثَّابِتِ فِي الصَّكِّ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالصَّكِّ بَلْ أَقَرَّ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ بِأَلْفٍ بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ بِشَرْطِ مُغَايَرَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ فِي رِوَايَةٍ وَبِشَرْطِ عَدَمِ مُغَايَرَتِهِمَا لَهُمَا فِي أُخْرَى وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا كَتَبَ لِكُلِّ أَلْفٍ صَكًّا وَأَشْهَدَ عَلَى كُلِّ صَكٍّ شَاهِدَيْنِ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَلْفٌ وَاحِدٌ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ لِتَأْكِيدِ الْحَقِّ بِالزِّيَادَةِ فِي الشُّهُودِ، وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَاللَّازِمُ أَلْفٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ لِلْمَجْلِسِ تَأْثِيرًا فِي جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَجَعَلَهَا فِي حُكْمِ كَلَامٍ وَاحِدٍ (الْأَمْرُ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارٌ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِلصَّكَّاكِ اُكْتُبْ لِفُلَانٍ خَطَّ إقْرَارِي بِأَلْفٍ عَلَيَّ يَكُونُ إقْرَارًا وَيَحِلُّ لِلصَّكَّاكِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَ اُكْتُبْ بَيْعَ هَذِهِ الدَّارِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالْبَيْعِ كَتَبَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْ وَلَوْ قَالَ لِلصَّكَّاكِ اُكْتُبْ طَلَاقَ امْرَأَتِي تَطْلُقُ كَتَبَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ (حُكْمًا) لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْشَاءٌ وَالْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فَلَا يَكُونَانِ مُتَّحِدَيْنِ حَقِيقَةً بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَمْرَ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إذَا حَصَلَ حَصَلَ الْإِقْرَارُ. (أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ قِيلَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَقِيلَ حِصَّتُهُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ وَأَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِهِ فَفِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا يُؤْخَذُ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ جَمِيعُ الدَّيْنِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّ الِاخْتِيَارَ عِنْدِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ وَهَذَا الْقَوْلُ أَبْعَدُ مِنْ الضَّرَرِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَيْضًا قَالَ مَشَايِخُنَا هُنَا زِيَادَةُ شَيْءٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكُتُبِ وَهُوَ أَنْ يَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إذْ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ بَلْ يَحِلُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الزِّيَادَاتِ وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَرَجُلٌ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَتُسْمَعُ شَهَادَةُ هَذَا الْمُقِرِّ، فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَتَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَغْرَمِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَإِنَّ فِيهَا فَائِدَةً عَظِيمَةً كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بِمَعْنَاهُ) فِي كَوْنِهِ مُغَيِّرًا كَالشَّرْطِ وَنَحْوِهِ (اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا) بِإِقْرَارِهِ (لَزِمَهُ بَاقِيهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا وَاحِدًا لَزِمَهُ تِسْعَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً لَهُ عَلَيَّ تِسْعَةٌ وَشُرِطَ الِاتِّصَالُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِكَوْنِهِ مُغَيِّرًا وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - جَوَازُ التَّأْخِيرِ (وَلَوْ كُلَّهُ) أَيْ لَوْ اسْتَثْنَى كُلَّهُ (فَكُلُّهُ) أَيْ لَزِمَهُ كُلُّهُ (لَوْ) كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ (بِعَيْنِ لَفْظِهِ نَحْوَ غِلْمَانِي كَذَا إلَّا غِلْمَانِي) لِأَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَلَا بَاقِي بَعْدَ الْكُلِّ فَيَكُونُ رُجُوعًا وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ مَوْصُولًا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ تَصِحُّ مَعَهُ الْجَهَالَةُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ عَدَمِ حَمْلِهِ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ بِهِ وَفِي كُلٍّ احْتِمَالُ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَاللَّازِمُ أَلْفٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا) هَذَا إذَا كَانَ بِهِ صَكٌّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ صَكٌّ وَأَقَرَّ بِمِائَةٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمِائَةٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَالَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَالٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ) أَيْ وَحْدَهُ دُونَ بَاقِي الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ) يَعْنِي إنْ وَفَّى مَا وَرِثَهُ بِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَإِذَا صَدَّقُوا جَمِيعًا لَكِنْ عَلَى التَّفَاوُتِ كَرَجُلٍ مَاتَ عَنْ ثَلَاثِ بَنِينَ وَثَلَاثِ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوا وَأَخَذَ كُلٌّ أَلْفًا فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمْ ثَلَاثَ آلَافِ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْسَطُ فِي الْأَلْفَيْنِ وَالْأَصْغَرُ فِي الْأَلْفِ أُخِذَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَلْفٌ وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَلْفِ وَمِنْ الْأَصْغَرِ ثُلُثُ الْأَلْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ كَذَلِكَ وَفِي الْأَوْسَطِ يَأْخُذُ الْأَلْفَ وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْكَافِي. (تَنْبِيهٌ) : لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي كُلَّ يَوْمٍ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ الْتَزَمْتُهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ لَا يُلَائِمُهُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ مَا أَقَرَّ عَلَى فُلَانٌ فَأَنَا مُقِرٌّ لَهُ بِهِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ وَعْدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ [بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْرَار] (بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بِمَعْنَاهُ) (قَوْلُهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَزِمَهُ بَاقِيهِ) شَامِلٌ لِاسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ نَحْوِ تِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَتَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ عَنْ الْبَدَائِعِ

أَوْ مَفْصُولًا فَإِذَا اسْتَثْنَى الْكُلَّ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ (بِخِلَافِ) مَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ نَحْوَ غِلْمَانِي كَذَا (إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَلَا غُلَامَ لَهُ غَيْرُهُمْ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ كَلَامًا ضَرُورَةَ عَدَمِ مِلْكِهِ فِيمَا سِوَاهُ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ فَبِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِ اللَّفْظِ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْمُسْتَثْنَى بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ خَارِجٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا (كَذَا) إذَا قَالَ غِلْمَانِي كَذَا (إلَّا هَؤُلَاءِ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّغَايُرِ اللَّفْظِيِّ (اسْتَثْنَى وَزْنِيًّا أَوْ كَيْلِيًّا مِنْ دَرَاهِمَ صَحَّ قِيمَةً) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزًا حِنْطَةً صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الصَّدْرِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ لَكِنَّهُمَا صَحَّحَاهُ اسْتِحْسَانًا بِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا صُورَةً لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا أَمَّا الدِّينَارُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْكَيْلِيَّ وَالْوَزْنِيَّ مَبِيعٌ بِأَعْيَانِهِمَا ثَمَنٌ بِأَوْصَافِهِمَا حَتَّى لَوْ عُيِّنَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِأَعْيَانِهِمَا وَلَوْ وُصِفَا وَلَمْ يُعَيَّنَا صَارَ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ الدَّنَانِيرِ وَلِهَذَا يَسْتَوِي الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ فِيهِمَا وَكَانَتْ فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ مَعْنًى فَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي مَعْنًى لَا صُورَةً (وَلَوْ) اسْتَثْنَى (غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ وَزْنِيٍّ وَكَيْلِيٍّ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ أَنَّهُمَا اتَّحَدَا جِنْسًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَلَنَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُفِيدُ الِاتِّحَادَ الْجِنْسِيَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الثَّمَنِيَّةِ وَلَوْ مَعْنًى كَمَا عَرَفْت (إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَبْطَلَهُ) أَيْ أَبْطَلَ وَصْلُهُ الْإِقْرَارَ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إبْطَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَبْطُلُ قَبْلَ انْعِقَادِهِ لِلْحُكْمِ، وَتَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ. (أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (لَزِمَهُ الْمَالُ) لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ (وَبَطَلَ شَرْطُهُ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلْخِيَارِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ) مِنْهُ قَوْلُهُ ثُلُثُ مَالِي لِبَكْرٍ إلَّا أَلْفًا وَالثُّلُثُ أَلْفٌ لِأَنَّ تَوَهُّمَ بَقَاءِ شَيْءٍ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ اسْتَثْنَى وَزْنِيًّا أَوْ كَيْلِيًّا مِنْ دَرَاهِمَ صَحَّ) هَلْ يَشْمَلُ الْمُسْتَغْرِقَ قِيمَةً قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ اسْتَثْنَى دَنَانِيرَ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِينَارًا وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ أَوْ إلَّا كُرَّ بُرٍّ كَذَلِكَ إنْ مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بِغَيْرِ لَفْظِهِ صَحِيحٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْإِقْرَارُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الصَّدْرِ مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ إلَّا أَلْفًا يُنْظَرُ إنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَكُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قُلْت وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ بِالتَّأَمُّلِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَوَجَّهَهُ بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ اهـ. وَنَقَلَهُ قَاضِي زَادَهْ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى غَيْرَهُمَا) أَيْ غَيْرَ كَيْلِيٍّ وَوَزْنِيٍّ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا أَيْ لَا يَصِحُّ يَعْنِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَبْطَلَهُ) كَذَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَيُنْظَرُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ فَشَاءَهُ فِي مَجْلِسِهِ صَحَّ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ) هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي إقْرَارِهِ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ أَرَ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ لِي غَيْرُ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ فَهُوَ بَاطِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إبْطَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ لِمَا قَالَ قَاضِي زَادَهْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ أَوْ تَعْلِيقٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي طَلَاقِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي طَلَاقِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ وَاخْتَارَهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُ إبْطَالٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَعِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُ تَعْلِيقٌ يَقَعُ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْجَزَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَقَعُ وَكَيْفَمَا كَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْإِبْطَالُ فَقَدْ بَطَلَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ التَّعْلِيقُ فَكَذَلِكَ إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ. اهـ.

الْإِخْبَارِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صِدْقًا فَهُوَ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَهُوَ وَاجِبُ الرَّدِّ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ لِيَتَخَيَّرَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ. (أَقَرَّ بِدَارِ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا) بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا (كَانَا) أَيْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ (لِلْمُقَرِّ لَهُ) وَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ مَقْصُودًا إذْ الدَّارُ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ مِنْ الْبُقْعَةِ وَالْبِنَاءُ يَدْخُلُ تَبَعًا لَا لَفْظًا وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَتِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْكَلَامُ نَصًّا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ أَقُولُ يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ كَوْنَ الْبِنَاءِ جُزْءًا مِنْ الدَّارِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ فَيَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَمَا وَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ وَتَحْقِيقُ مَعْرِفَةِ وَجْهِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى مُقَدِّمَةٍ تَقَرَّرَتْ فِي عِلْمَيْ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ وَهِيَ أَنَّ الرُّكْنَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَصْلِيٌّ وَهُوَ الَّذِي فِي مَدْلُولِ الِاسْمِ بِحَيْثُ إذَا انْتَفَى لَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى الْبَاقِي كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَرَأْسٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَثَانِيهِمَا زَائِدٌ وَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي مَدْلُولِ الِاسْمِ لَكِنْ إذَا انْتَفَى لَا يَنْتَفِي إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى الْبَاقِي كَيَدِ زَيْدٍ وَرِجْلِهِ حَتَّى إذَا قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِزَيْدٍ إلَّا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ دَفْعُ مَا يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ الْإِقْرَارُ فِي الْإِيمَانِ رُكْنٌ زَائِدٌ بِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ تَقْتَضِي الدُّخُولَ وَالزِّيَادَةَ تَقْتَضِي الْخُرُوجَ فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الدُّخُولَ بِالنَّظَرِ إلَى تَنَاوُلِ اللَّفْظِ ظَاهِرًا وَالْخُرُوجَ بِالنَّظَرِ إلَى التَّبَعِيَّةِ حَقِيقَةً فَلَا مُنَافَاةَ (وَفَصُّ الْخَاتَمِ وَنَخْلَةُ الْبُسْتَانِ وَطَوْقُ الْجَارِيَةِ كَبِنَائِهَا) أَيْ كَبِنَاءِ الدَّارِ فِي كَوْنِهَا فِي مُتَنَاوَلِ اللَّفْظِ تَبَعًا لَا لَفْظًا حَتَّى لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ بَيْتًا مِنْهَا لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ لَفْظًا فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ (كَذَا إذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ) يَعْنِي إذَا قَالَ هَكَذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ إذْ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ (وَلَوْ قَالَ وَعَرْصَتُهَا لِفُلَانٍ) بَعْدَ أَنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي (كَانَ كَمَا قَالَ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ (وَصَحَّ) أَيْ الْإِقْرَارُ (بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ عَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ) يَعْنِي قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ ذَكَرَ قِنًّا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْقِنَّ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك (فَلَوْ سَلَّمَهُ لَزِمَ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيُسَلِّمَ الْقِنَّ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ الْقِنُّ قِنُّك مَا بِعْتُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك قِنًّا غَيْرَهُ وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْقِنِّ لَهُ وَقَدْ سَلِمَ حِينَ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّكَاذُبُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُك وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ إذَا سَلَّمَ لَهُ الْقِنَّ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ: الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ وَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ قِنِّ عَيَّنَهُ وَالْآخَرَ يُنْكِرُ وَالْمُقَرُّ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَفَصُّ الْخَاتَمِ وَنَخْلَةُ الْبُسْتَانِ. . . إلَخْ) فِي جَعْلِ فَصِّ الْخَاتَمِ مُتَنَاوِلًا لِلَفْظِ الْخَاتَمِ تَبَعًا مُنَافَاةً لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُهُمَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مُرَادَهُ بِشُمُولِ اسْمِ الْخَاتَمِ الْكُلَّ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ، أَعَمُّ مِنْ الشُّمُولِ الْقَصْدِيِّ وَالتَّبَعِيِّ وَمُرَادَهُ بِنَفْيِ دُخُولِ الْخَاتَمِ فِي قَوْلِهِ اللَّاحِقِ نَفْيُ الدُّخُولِ الْقَصْدِيِّ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ وَصَحَّ أَيْ الْإِقْرَارُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ عَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ) يُوهِمُ لُزُومَ الْأَلْفِ لِحُكْمِهِ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ مَعَ عَدَمِ الْقَبْضِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ الْقِنَّ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ فَلَوْ سَلَّمَهُ لَزِمَ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَكَانَ قَوْلِهِ صَحَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ عَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ فَلَوْ سَلَّمَهُ لَزِمَ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك قِنًّا غَيْرَهُ وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ) أَطْلَقَهُ عَنْ ذِكْرِ التَّسْلِيمِ وَقَدْ نَصَّ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْتُهُ وَكَذَا ذَكَرَ التَّسْلِيمَ قَاضِي زَادَهْ وَالْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ اهـ. وَبَقِيَ مِنْ مَفْهُومِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَتْنًا مَا لَوْ صَدَّقَهُ فِي ادِّعَاءِ الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ

يَدَّعِي عَلَى الْمُقِرِّ أَلْفًا بِبَيْعِ غَيْرِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَإِذَا تَحَالَفَا انْتَفَى دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ هَذَا إذَا عَيَّنَ الْقِنَّ (وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَزِمَ) أَيْ الْأَلْفُ (وَلَغَا إنْكَارُهُ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (وَصَلَ أَوْ فَصَلَ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ (كَقَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ لِكَوْنِهِ رُجُوعًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَصَحَّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ (وَفِي مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَرْضٍ وَهِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ لَزِمَهُ الْجَيِّدُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ لِمَا مَرَّ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا لِمَا مَرَّ أَيْضًا (وَفِي مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي مِنْ ثَمَنٍ (إنْ ادَّعَى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفِي مِنْ غَصْبٍ (أَحَدَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ الْأَرْبَعِ) يَعْنِي إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ (صُدِّقَ) أَيْ الْمُدَّعِي وَصَلَ أَوْ فَصَلَ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ بِالْجِيَادِ دُونَ الزُّيُوفِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَالْمُودِعَ يُودِعُ مَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ زُيُوفٌ تَغْيِيرًا لِأَوَّلِ كَلَامِهِ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلنَّوْعِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا (إلَّا فَصْلًا فِي الْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ إلَّا أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ فَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ لَا إذْ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِهَا التَّجَوُّزُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَكِنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهَا مَجَازًا فَكَانَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَصَحَّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا (قَالَ غَصَبْتُ ثَوْبًا وَجَاءَ بِمَعِيبٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) إنْ لَمْ يُثْبِتْ الْخَصْمُ سَلَامَتَهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (كَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا مُتَّصِلًا) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ مُتَّصِلًا لَا مُنْفَصِلًا (قَالَ) رَجُلٌ (لِآخَرَ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ غَصْبًا ضَمِنَ) أَيْ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ (بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَصَبْتنِيهِ فِي رَدِّ) قَوْلِهِ (أَعْطَيْتنِيهِ وَدِيعَةً) أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَ وَقَالَ الْمَالِكُ لَا بَلْ غَصَبْته مِنِّي لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ (قَالَ كَانَ هَذَا وَدِيعَةً لِي عِنْدَك فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ هُوَ لِي أَخَذَهُ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ الْآخِذُ كَانَ هَذَا وَدِيعَةً لِي عِنْدَك فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ هُوَ لِي أَخَذَهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لِأَنَّ الْآخِذَ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ الْأَخْذِ مِنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ كَمَا بَيَّنَ وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ قَائِمًا أَوْ قِيمَتِهِ هَالِكًا (صُدِّقَ مَنْ قَالَ أَجَّرْتُ فَرَسِي أَوْ ثَوْبِي) أَيْ فُلَانًا (فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ وَرَدَّهُ إلَيَّ) وَقَالَ فُلَانٌ كَذَبْتَ بَلْ الْفَرَسُ وَالثَّوْبُ لِي وَقَدْ أَخَذْتَهُمَا مِنِّي ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَزِمَ أَيْ الْأَلْفُ وَلَغَا إنْكَارُهُ) أَيْ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُشَبَّهَةِ وَالْمُشَبَّهَةِ بِهَا. (قَوْلُهُ يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعِ. . . إلَخْ) بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ وَنَقْدُ الْبَلَدِ وَزْنُ سَبْعَةٍ حَيْثُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ يَصِحُّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالزُّيُوفُ جَمْعُ زَيْفٍ وَهُوَ مَا يَقْبَلُهُ التُّجَّارُ وَيَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ دُونَ الزُّيُوفِ فَإِنَّهَا مِمَّا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا وَالسَّتُّوقَةُ أَرْدَأُ مِنْ النَّبَهْرَجَةِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ) صَوَابُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا فِي جَوَابِ قَوْلِهِ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَدِيعَةً وَقَالَ الْمُقَرِّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ صُدِّقَ مَنْ قَالَ أَجَّرْتُ فَرَسِي أَوْ ثَوْبِي. . . إلَخْ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ الْبَعِيرُ وَالثَّوْبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

[باب إقرار المريض]

الْبَيِّنَةُ (أَوْ خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا فَقَبَضْتُهُ) أَيْ لَوْ قَالَ خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ أَيْضًا (قَالَ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِبَكْرٍ فَالْأَلْفُ لِزَيْدٍ وَعَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ لِبَكْرٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ لِبَكْرٍ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ زَيْدٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِبَكْرٍ (أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ كَاذِبًا فِيهِ) أَيْ فِي إقْرَارِي (حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى عَدَمِ كَذِبِهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ مَا كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ لَك بِهِ وَلَسْتَ بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُقَرَّ لَهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ صَكَّ الْإِقْرَارِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ كَذَا فِي الْكَافِي. (بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ) يَعْنِي مَرَضَ الْمَوْتِ (دَيْنُ صِحَّتِهِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِسَبَبِهِ أَوْ عَلِمَ بِإِقْرَارٍ فِيهَا. (وَ) دَيْنُ (مَرَضِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِهِ (مَعْرُوفٍ) كَبَدَلِ مَا مَلَكَهُ أَوْ أَهْلَكَهُ أَوْ مَهْرِ مِثْلِ عُرْسِهِ وَعُلِمَ مُعَايَنَةً (يُقَدَّمَانِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِيهِ) أَيْ فِي مَرَضِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا يُسَاوِي الْأَوَّلَيْنِ لِاسْتِوَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَلَنَا أَنَّ الْمَرِيضَ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ فَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ لَا يُزَاحِمُ الدَّيْنَ الثَّابِتَ بِلَا حَجْرٍ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُ الْأَوَّلَ (وَالْكُلُّ) أَيْ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ بِسَبَبٍ فِيهِ مَعْرُوفٍ وَدَيْنُ الْمَرَضِ الَّذِي عُلِمَ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ فِيهِ يُقَدَّمُ (عَلَى الْإِرْثِ) لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ حَاجَتُهُ فِي التَّكْفِينِ (وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ غَرِيمٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَا إقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ) سَوَاءٌ أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» (إلَّا بِتَصْدِيقِ الْبَقِيَّةِ) أَيْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّخْصِيصِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِالتَّرِكَةِ فَإِذَا صَدَّقُوهُ زَالَ الْمَانِعُ وَجَازَ التَّخْصِيصُ (وَجَازَ) أَيْ إقْرَارُ الْمَرِيضِ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مَالِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ كَانَ الْإِرْثَ وَقَدْ انْتَفَى (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ إقْرَارُهُ (بِكُلِّ مَالِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى الثُّلُثِ وَتَعَلَّقَ بِالثُّلُثَيْنِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَكَذَا إقْرَارُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَقَرَّ لَهُ) أَيْ لِأَجْنَبِيٍّ (بِمَالٍ ثُمَّ) أَقَرَّ (بِبُنُوَّتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ وَ) أَقَرَّ (لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا صَحَّ) إقْرَارُهُ لَهَا. وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْطُلُ هَذَا الْإِقْرَارُ أَيْضًا لِلتُّهْمَةِ وَلَنَا أَنَّهُ إقْرَارٌ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سَبَبُ التُّهْمَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِسَبَبٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى زَمَانِ الْعُلُوقِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ زَمَانَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا) هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُقِرِّ إجْمَاعًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ. . . إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ] (قَوْلُهُ أَوْ مَهْرِ مِثْلِ عُرْسِهِ) قَيَّدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ غَرِيمٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ قَرْضًا فِي مَرَضِهِ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْبَيِّنَةِ يَصِحُّ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْبَاقِينَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْكَافِي وَقَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ وَلَا إقْرَاره لِوَارِثِهِ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْبَقِيَّةِ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ لِوَارِثِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْوَارِثُ اهـ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ إشَارَةٌ لِمَا إذَا تَعَدَّدَ الْوَارِثُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ آخَرُ فَأَوْصَى لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَوْصَتْ لِزَوْجِهَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ فَرَائِضِ الْعَتَّابِيِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأَخِيرِ كَمَا فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ وَفَرْضُهَا فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا يَرِثُ الْكُلَّ فَرْضًا وَرَدَّا بِكَوْنِهِ صَاحِبَ فَرْضٍ مُنْفَرِدًا أَوْ بِكَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ وَجَازَ لِغَيْرِهِ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَلَوْ بِكُلِّ مَالِهِ أَيْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ فِي الْمَرَضِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ. . . إلَخْ) . أَيْ وَقَدْ جَهِلَ نَسَبَهُ وَصَدَّقَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ، وَلَوْ كَذَّبَهُ أَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ

فَيَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ لِزَوْجَتِهِ (بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهَا شَيْئًا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُمَا يَبْطُلَانِ اتِّفَاقًا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا تَصِحُّ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَصَارَتْ كَالْوَصِيَّةِ. (وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ) أَيْ مَرَضِ مَوْتِهِ (فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ) أَيْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ (وَالدَّيْنُ) لِقِيَامِ التُّهْمَةِ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ وَبَابُ الْإِقْرَارِ كَانَ مُنْسَدًّا لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فَرُبَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهَا زِيَادَةً عَلَى إرْثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّهِمَا فَيَثْبُتُ (أَقَرَّ) رَجُلٌ (بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ) حَيْثُ قَالَ هَذَا ابْنِي (جُهِلَ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ فَائِدَةِ هَذَا الْقَيْدِ (وَيُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَصَدَّقَهُ) أَيْ الْغُلَامُ ذَلِكَ الْمُقِرَّ (وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ (ثَبَتَ نَسَبُهُ) أَيْ نَسَبُ الْغُلَامِ (مِنْهُ) أَيْ الْمُقِرِّ (وَشَارَكَ) أَيْ الْغُلَامُ (الْوَرَثَةَ) بِشَرْطِ جَهَالَةِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْغَيْرِ، وَأَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُكَذَّبًا ظَاهِرًا وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْغُلَامُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي غُلَامٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ وَلِذَا قَالَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَشَارَكَ الْوَرَثَةَ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ (صَحَّ إقْرَارُهُ) أَيْ الرَّجُلِ (بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ (وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى) لِأَنَّ مُوجِبَ إقْرَارِهِ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا بِلَا إضْرَارٍ بِأَحَدٍ فَيَنْفُذُ. (وَ) صَحَّ (إقْرَارُهَا بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ (وَشُرِطَ تَصْدِيقُهُمْ) لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِمْ لَا يُلْزِمُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي يَدِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ (وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ كَمَا شُرِطَ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ الْوَلَدَ أَوْ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ) قَابِلَةٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِهَا (فِي إقْرَارِ) امْرَأَةٍ (ذَاتِ زَوْجٍ بِالْوَلَدِ وَعَدَمِ الْعِدَّةِ فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي إقْرَارِ امْرَأَةٍ غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً صَحَّ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا (وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ إلَّا مِنْ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا مُقِرَّةً) يَعْنِي صَحَّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لِبَقَاءِ النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ أَقَرَّ بِنِكَاحِهَا وَمَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ لَهَا الْمَهْرُ وَالْإِرْثُ لِبَقَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) أَطْلَقَ فِي الطَّلَاقِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالثَّلَاثِ وَيُرِيدُ الْبَائِنَ وَلَوْ بِدُونِ الثَّلَاثِ وَكَذَا فِي الْكَنْزِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بِسُؤَالِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ اهـ. وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ إنَّهُ تَتَبَّعَ عَامَّةَ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْجَامِع وَالْمُحِيطِ وَأَيْنَمَا وَجَدْتُ الْمَسْأَلَةَ وَجَدْتُهَا مُقَيَّدَةً بِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ أَوْ بِأَمْرِهَا فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَمَّا عَدَمُ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ) وَيُدْفَعُ لَهَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ لَا بِحُكْمِ الْإِرْثِ حَتَّى لَا تَصِيرَ شَرِيكَةً فِي أَعْيَانِ التَّرِكَةِ (قَوْلُهُ أَقَرَّ رَجُلٌ بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُنْدَرِجَةٌ فِي هَذِهِ (قَوْلُهُ وَيُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَصَدَّقَهُ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأُخُوَّةِ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْيَنَابِيعِ (قَوْلُهُ صَحَّ إقْرَارُهُ أَيْ الرَّجُلِ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ) أَعَادَ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْوَلَدِ لِذِكْرِ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ وَأَفَادَ بِالصَّرَاحَةِ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْأُمِّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةُ شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلْإِمَامِ سِرَاجِ الدِّينِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْمَرْأَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ اهـ. وَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الِابْنَ لَيْسَ بِقَيْدٍ مُخْرِجٍ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْبِنْتِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ يَعْنِي الْأَصْلَ وَإِنْ عَلَا اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ إذَا أَقَرَّ بِالْجَدِّ أَوْ ابْنِ الِابْنِ لَا يَصِحُّ إذْ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالزَّوْجَةِ) أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ زَوْجٍ وَعِدَّتِهِ وَلَيْسَ مَعَ الْمُقِرِّ مَنْ يَمْتَنِعُ جَمْعُهُ مَعَهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ وَالْمَوْلَى) أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِنِكَاحِهَا وَمَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ) هُوَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَهُ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَتَصْدِيقُهُ أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى نِكَاحٍ أَقَرَّتْ لَهُ بِهِ لَغْوٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ زَالَ النِّكَاحُ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ وَعِنْدَهُمَا تَصْدِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا وَلَهُ الْمِيرَاثُ مِنْهَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَتِمُّ بِالْمُقِرِّ وَحْدَهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي تَصْدِيقِهَا إيَّاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقَرِّ بِهِ

[فصل حرة أقرت بدين فكذبها زوجها]

حُكْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحِ رَجُلٍ وَمَاتَتْ فَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ زَالَ النِّكَاحُ بِعَلَائِقِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا فَبَطَلَ إقْرَارُهَا فَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ. (أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ وِلَادٍ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَمْ يَثْبُتْ) أَيْ النَّسَبُ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِذَا ادَّعَى نَفَقَةً أَوْ حَضَانَةً يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهَا (وَيَرِثُ إلَّا مَعَ وَارِثٍ وَإِنْ بَعُدَ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ. (مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ بِلَا نَسَبٍ) لِأَنَّ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ شَيْئَانِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَشَرِكَتُهُ فِي الْإِرْثِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيُعْتَبَرُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ (أَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْ مَيِّتٍ لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَيِّتِ (عَلَى آخَرَ دَيْنٌ بِقَبْضِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ (أَبِيهِ نِصْفَهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْآخَرِ) يَعْنِي إنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ نِصْفَهُ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْمُكَذِّبِ نِصْفُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ عَيْنٍ مَضْمُونٍ يَصِيرَ دَيْنًا فَيَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ جَمِيعَ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى اشْتِرَاكِهِ) أَيْ الْمَقْبُوضِ (بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ فَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِقَدْرِ ذَلِكَ لِانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَبَقَائِهِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ (فَصْل) (حُرَّةٌ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ فَكَذَّبَهَا زَوْجُهَا صَحَّ) أَيْ إقْرَارُهَا (فِي حَقِّهِ) أَيْ حَقِّ زَوْجِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (حَتَّى تُحْبَسَ وَتُلَازَمَ) كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيِّنَةِ (وَعِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا تُحْبَسُ وَلَا تُلَازَمُ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ الزَّوْجِ عِنْدَ غَشَيَانِهَا وَإِقْرَارَهَا لَا يَصِحُّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الزَّوْجِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ النِّكَاحُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُحَالٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ إبْقَاؤُهَا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ حَتَّى يَجِبَ لَهَا الْمَهْرُ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ فَأَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِبَقَائِهَا وَلِذَا جَازَ لَهَا غُسْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَلِذَا لَا يُغَسِّلُهَا اهـ فَالِاتِّفَاقُ الْمَذْكُورُ فِي الْعِنَايَةِ يُخَالِفُهُ هَذَا (قَوْلُهُ يَعْنِي إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ) كَذَا صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَارِثَ الْقَرِيبَ كَذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ مُطْلَقًا وَالْبَعِيدَ كَذَوِي الْأَرْحَامِ اهـ. وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرَّ لَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ اهـ. وَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوْجَهُ لِأَنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ إرْثُهُ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِنَسَبٍ عَلَى الْغَيْرِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ إرْثٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ مَا دَامَ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْوَصِيَّةِ اهـ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُقِرَّ بِنَحْوِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِهَؤُلَاءِ أَيْ بِنَحْوِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْمُقِرُّ الرُّجُوعَ فِيهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ وَلَهُ الرُّجُوعُ إذَا أَقَرَّ بِمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَقَرَابَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مَعْنًى فَإِنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ: تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ. وَالثَّانِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ فَيَصِحُّ وَالْأَوَّلُ لَا يَمْلِكُهُ فَبَطَلَ اهـ. وَهَذَا الْفَرْقُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الِاخْتِيَارِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ (قَوْلُهُ وَالنِّصْفُ لِلْآخَرِ) قَالَ الْأَكْمَلُ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ شَطْرَ الْمِائَةِ اهـ. وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهَا كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَإِنْ حَلَفَ دَفَعَ إلَيْهِ نَصِيبَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ اهـ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِحَقِّ مَنْ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ قَبْضَ عَيْنٍ مَضْمُونٍ) أَصْلُهُ قَوْلُ الْكَافِي إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ عَيْنٍ مَضْمُونٍ اهـ أَيْ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَإِذَا قَبَضَ مِثْلَ دَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِلْمَدْيُونِ وَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا (قَوْلُهُ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ جَمِيعَ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ أَيْ الْمُقِرِّ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ [فَصْل حُرَّةٌ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ فَكَذَّبَهَا زَوْجُهَا] فَصْلٌ

[كتاب الشهادات]

(مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهَا) الْمُقَرُّ لَهُ (وَلَهَا زَوْجٌ وَأَوْلَادٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ (وَكَذَّبَهَا) أَيْ الزَّوْجُ (صَحَّ فِي حَقِّهَا) أَيْ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى إذَا عَلِقَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدٌ يَكُونُ رَقِيقًا (لَا حَقِّهِ وَحَقِّ الْأَوْلَادِ) فَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ لَا حَقِّهِ بِقَوْلِهِ (حَتَّى لَا يَبْطُلَ النِّكَاحُ) وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَحَقِّ الْأَوْلَادِ بِقَوْلِهِ (وَأَوْلَادٌ) حَصَلَتْ (قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَقْتَهُ) أَيْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ (أَحْرَارٌ) لِحُصُولِهِمْ قَبْلَ إقْرَارِهَا بِالرِّقِّ فَأَمَّا وَلَدٌ عَلِقَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَكُونُ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذْ حُكِمَ بِرِقِّهَا وَوَلَدُ الرَّقِيقَةِ رَقِيقٌ وَحُرٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ مِنْهَا فَلَا تُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ هَذَا الْحَقِّ (مَجْهُولُ النَّسَبِ حَرَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهُ صَحَّ فِي حَقِّهِ) حَتَّى صَارَ رَقِيقًا لَهُ (دُونَ إبْطَالِ الْعِتْقِ) حَتَّى بَقِيَ مُعْتَقُهُ حُرًّا (فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي أَعْتَقَهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ (يَرِثُهُ وَارِثُهُ إنْ كَانَ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ (فَالْمُقَرُّ لَهُ) أَيْ يَرِثُهُ الْمُقَرُّ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَقَدْ أَقَرَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ (فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ ثُمَّ الْعَتِيقُ فَإِرْثُهُ لِعَصَبَةِ الْمُقِرِّ) لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ انْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ حَيًّا (قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ الْحَقَّ أَوْ الصِّدْقَ أَوْ الْيَقِينَ أَوْ أَنْكَرَ) أَيْ قَالَ حَقًّا أَوْ صِدْقًا أَوْ يَقِينًا (أَوْ كَرَّرَ) أَيْ قَالَ الْحَقَّ الْحَقَّ أَوْ الصِّدْقَ الصِّدْقَ أَوْ الْيَقِينَ الْيَقِينَ أَوْ حَقًّا حَقًّا أَوْ صِدْقًا صِدْقًا أَوْ يَقِينًا يَقِينًا (أَوْ قَرَنَ بِهِ الْبِرَّ) بِأَنْ قَالَ الْبِرَّ الْحَقَّ أَوْ الْحَقَّ الْبِرَّ إلَى آخِرِهِ (كَانَ إقْرَارًا) لِأَنَّهُ مِمَّا يُوصَفُ بِهِ الدَّعْوَى فَصَلَحَ لِلْجَوَابِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ عُرْفًا فَكَأَنَّهُ قَالَ ادَّعَيْتُ الْحَقَّ إلَى آخِرِهِ (وَلَوْ قَالَ الْحَقُّ حَقٌّ أَوْ الصِّدْقُ صِدْقٌ أَوْ الْيَقِينُ يَقِينٌ لَا) أَيْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ (قَالَ لِأَمَتِهِ يَا سَارِقَةُ يَا زَانِيَةُ يَا مَجْنُونَةُ يَا آبِقَةُ أَوْ قَالَ هَذِهِ السَّارِقَةُ فَعَلَتْ كَذَا وَبَاعَهَا فَوَجَدَ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِهَا) أَيْ بِالْجَارِيَةِ (وَاحِدًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ (لَا تُرَدُّ) أَيْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ (بِهِ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَخِيرِ نِدَاءٌ، وَقَصْدُ الْمُنَادِي إعْلَامُ الْمُنَادَى وَإِحْضَارُهُ لَا تَحْقِيقُ الْوَصْفِ الَّذِي نَادَاهُ بِهِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا كَافِرَةُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَالْأَخِيرَةُ شَتِيمَةٌ (بِخِلَافِ هَذِهِ سَارِقَةٌ أَوْ هَذِهِ آبِقَةٌ أَوْ هَذِهِ زَانِيَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ) حَيْثُ تُرَدُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَهُوَ لِتَحْقِيقِ الْوَصْفِ. (وَ) بِخِلَافِ (يَا طَالِقُ أَوْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَعَلَتْ كَذَا) حَيْثُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إثْبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ شَرْعًا فَيُجْعَلُ كَلَامُهُ إيجَابًا لِيَكُونَ صَادِقًا فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ وَثَمَّةَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فِيهَا وَكَانَ نِدَاءً وَشَتْمًا لَا تَحْقِيقًا وَوَصْفًا كَذَا فِي الْكَافِي [كِتَابُ الشَّهَادَاتِ] [شُرُوط الشَّهَادَة] (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) أَوْرَدَهُ عَقِيبَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ بَعْدَ عَدَمِ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فِي الِاعْتِبَارِ (هِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ (إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى آخَرَ) سَوَاءٌ كَانَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقَّ غَيْرِهِ (عَنْ يَقِينٍ) أَيْ نَاشِئًا عَنْ يَقِينٍ (لَا عَنْ حُسْبَانٍ وَتَخْمِينٍ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا عَلِقَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدٌ يَكُونُ رَقِيقًا) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ لَا حَقِّهِ وَحَقِّ الْأَوْلَادِ. . . إلَخْ) يُرَدُّ عَلَى كَوْنِ إقْرَارِهَا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي حَقِّهِ انْتِقَاضُ طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ نُقِلَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ إنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً وَهَذَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا اهـ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الزِّيَادَاتِ وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِقْرَارِهَا مَلَكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ وَلَوْ عَلِمَ لَا يَمْلِكُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ لَا يَمْلِكُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قِيلَ مَا ذَكَرَ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ. وَفِي الْكَافِي آلَى وَأَقَرَّتْ قَبْلَ شَهْرَيْنِ فَهُمَا مُدَّتُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ فَأَرْبَعَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَدَارَكَ مَا خَافَ فَوْتَهُ بِإِقْرَارِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَتَدَارَكْ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَارُكُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّهِ فَإِذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ شَهْرٍ أَمْكَنَ لِلزَّوْجِ التَّدَارُكُ فِي شَهْرٍ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُبْطِلًا حَقَّهُ وَإِذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ شَهْرَيْنِ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّتْ يَمْلِكُ الثَّالِثَةَ وَلَوْ أَقَرَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَبِينُ بِثِنْتَيْنِ وَلَوْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ ثُمَّ أَقَرَّتْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَوْ مَضَتْ حَيْضَةٌ ثُمَّ أَقَرَّتْ تَبِينُ بِحَيْضَتَيْنِ وَالْأَصْلُ إمْكَانُ التَّدَارُكِ وَعَدَمِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ يَرِثُهُ وَارِثُهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ كَانَ النِّصْفُ لَهَا وَالنِّصْفُ لِلْمُقَرِّ لَهُ اهـ. وَإِنْ جَنَى هَذَا الْعَتِيقُ سَعَى فِي جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ يَجِبُ أَرْشُ الْعَبْدِ وَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ (كِتَابُ الشَّهَادَاتِ) (قَوْله هِيَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى آخَرَ) يَعْنِي بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ

[أركان الشهادة]

فَدَعْ» وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ (وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ الْكَامِلُ) بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ (وَالضَّبْطُ) وَهُوَ حُسْنُ السَّمَاعِ وَالْفَهْمِ وَالْحِفْظِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ (وَالْوَلَايَةُ) بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقِنِّ (وَرُكْنُهَا) الدَّاخِلُ فِي حَقِيقَتِهَا (لَفْظُ أَشْهَدُ) بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ حَتَّى إذَا تُرِكَ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ (وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمُوجَبِهَا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ) وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَهَا حُجَّةً مُلْزِمَةً لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ تُرِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ (وَتَجِبُ) أَيْ الشَّهَادَةُ (بِالطَّلَبِ) أَيْ طَلَبِ الْمُدَّعِي (فِي حَقِّ الْعَبْدِ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ طَلَبُهُ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ (إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ) وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ فَقُبِلَتْ لَا يَأْثَمُ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ يَأْثَمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ (دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهِ بِلَا طَلَبٍ (كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ) فَإِنَّ فِيهِمَا تَحْرِيمَ الْفَرْجِ، وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا رِضًا بِالْفِسْقِ وَالرِّضَا بِهِ فِسْقٌ (وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» وَتَلْقِينُهُ لِلدَّرْءِ بِقَوْلِهِ «لَعَلَّكَ لَمَسْتَهَا أَوْ قَبَّلْتَهَا» آيَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى رُجْحَانِ السَّتْرِ (وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ أَخَذَ لَا سَرَقَ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَرِعَايَةً لِجَانِبِ السَّتْرِ (وَنِصَابُهَا لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] وقَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] . (وَ) نِصَابُهَا (لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ رَجُلَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ) لَوْ قَالَ كَالزَّيْلَعِيِّ فَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْحِفْظُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ) ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الْحِفْظِ مِنْ وَقْتِ التَّحَمُّلِ إلَى الْأَدَاءِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَلِذَلِكَ قُلْت عَنْهُ الرِّوَايَةُ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ وَهَذَا خِلَافُ مَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَشْهَدُ مَنْ رَأَى خُطَّةً وَلَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ. اهـ. [أَرْكَان الشَّهَادَة] (قَوْلُهُ وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمُوجَبِهَا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ) اشْتِرَاطُ التَّزْكِيَةِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ رَجَاءِ الصُّلْحِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَاسْتِمْهَالِ الْمُدَّعِي وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي رِيبَةٌ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ (قَوْلُهُ وَتَجِبُ بِالطَّلَبِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ) كَذَا إنْ وُجِدَ وَلَكِنَّ هَذَا أَسْرَعُ قَبُولًا لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحَقِّ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] جَرَى عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ فِي طَلَبِ إقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَمَفْعُولُ وَلَا يَأْبَ مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى أَيْ لَا يَأْبَ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ وَإِذَا دُعُوا ظَرْفٌ لِيَأْبَ أَيْ لَا يَمْتَنِعُونَ فِي وَقْتِ دَعْوَتِهِمْ لِأَدَائِهَا وَقَضِيَّةُ مَا قَرَّرَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ أَنَّ الْآيَةَ فِي الطَّلَبِ لِلتَّحَمُّلِ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الِامْتِنَاعُ اهـ كَذَا فِي التَّفْسِيرِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الْكَرْخِيِّ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي أَوْلَوِيَّةِ امْتِنَاعِ التَّحَمُّلِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ. . . إلَخْ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْكُوبِ فَرَكَّبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إكْرَامِ الشُّهُودِ وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ» وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَرَكَّبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ اهـ (قَوْلُهُ وَتَلْقِينُهُ لِلدَّرْءِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّامُ فِي لِلدَّرْءِ لِلتَّعْلِيلِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الْمُقِرِّ لِلدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ السِّتْرَ أَفْضَلُ [نصاب الشَّهَادَة] (قَوْلُهُ وَنِصَابُهَا لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} [النساء: 15] الدَّلِيلُ وَإِنْ كَانَ لِإِثْبَاتِ الزِّنَا فِي جَانِبِ النِّسَاءِ مُثْبِتٌ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لِلرِّجَالِ بِالْمُسَاوَاةِ (قَوْلُهُ وَنِصَابُهَا لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ رَجُلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] قَالَ الْكَرْخِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا} [البقرة: 282] اُطْلُبُوا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَيْ فَالسِّينُ عَلَى بَابِهَا لِلطَّلَبِ وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى افْعَلْ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ) لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَهُوَ آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَشُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتَيْنِ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا كَالْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَافِي

(وَ) نِصَابُهَا (لِلْوِلَادَةِ وَاسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ» وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ إذْ الْكُلُّ لَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا فَيُرَادُ بِهِ الْأَقَلُّ لِتَيَقُّنِهِ (وَ) نِصَابُهَا (لِغَيْرِهَا) مِنْ الْحُقُوقِ سَوَاءٌ كَانَ (مَالًا أَوْ غَيْرَهُ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَوَكَالَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَاسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لِلْإِرْثِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا (وَلَزِمَ فِي الْكُلِّ) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ (لَفْظُ أَشْهَدُ لِلْقَبُولِ) حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَجَوَازُ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ (وَلَزِمَ أَيْضًا الْعَدَالَةُ) وَهِيَ كَوْنُ حَسَنَاتِ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الِاجْتِنَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَتَرْكَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَكُونُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ» (لِوُجُوبِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْقَبُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، وَالْحُجَّةُ هُوَ الْخَبَرُ الصِّدْقُ وَبِالْعَدَالَةِ يَتَرَجَّحُ جِهَةُ الصِّدْقِ إذْ مَنْ ارْتَكَبَ غَيْرَ الْكَذِبِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ يَرْتَكِبُ الْكَذِبَ أَيْضًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَالسَّلْطَنَةِ وَالْإِمَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ يَصِحُّ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْكَافِي (وَهِيَ) أَيْ الشَّهَادَةُ (لَوْ) كَانَتْ (عَلَى حَاضِرٍ تَجِبُ الْإِشَارَةُ) أَيْ إشَارَةُ الشَّاهِدِ (إلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ) أَعْنِي (الْخَصْمَيْنِ) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَالْمَشْهُودَ بِهِ لَوْ) كَانَ (عَيْنًا) احْتِرَازًا عَنْ الدَّيْنِ (وَلَوْ) كَانَتْ (عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَسَمَّوْهُ وَنَسَبُوهُ إلَى أَبِيهِ فَقَطْ) بِأَنْ قَالُوا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ (لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَنْسُبُوهُ إلَى جَدِّهِ وَلَا يَنُوبُهُ صِنَاعَتُهُ) أَيْ إنْ ذَكَرُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَصِنَاعَتَهُ لَا يَكْفِي (إلَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِهَا) بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَلَدِهِ شَرِيكٌ لَهُ فِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَقَبِيلَتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَحَلَّتِهِ رَجُلٌ آخَرُ بِهَذَا الِاسْمِ وَهَذِهِ الْحِرْفَةِ يَكْفِي وَإِنْ كَانَ آخَرُ مِثْلَهُ لَا يَكْفِي حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا آخَرَ يُفِيدُ التَّمْيِيزَ وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَفَخِذَهُ أَوْ صِنَاعَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ تُقْبَلُ فَشَرْطُ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَقَبَهُ وَاسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ قِيلَ يَكْفِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْجَدِّ اخْتِلَافٌ (وَلَوْ قَضَى بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ نَفَذَ) وَكَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَلَا يَسْأَلُ عَنْ شَاهِدٍ بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْتَصِرُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ وَلَا يَتَفَحَّصُ أَنَّ الشَّاهِدَ عَدْلٌ أَوْ لَا إذَا لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ الْخَصْمُ وَإِذَا طَعَنَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ فِي السِّرِّ وَزَكَّى فِي الْعَلَانِيَةِ (إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) فَإِنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ وَيُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ فِيهِمَا بِالْإِجْمَاعِ طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِمَا (وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ سِرًّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَوَصِيَّةٍ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ هَهُنَا الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ قَالَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَصِيَّةَ لَكَانَ مَالًا اهـ. وَلَعَلَّ الْحَالَ لَا يَفْتَرِقُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَلَدِهِ شَرِيكٌ لَهُ فِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ) لَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَلْ قَالَ وَلَوْ ذَكَرُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَصِنَاعَتَهُ لَا يَكْفِي إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّنَاعَةُ يُعْرَفُ بِهَا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يَكْفِي اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَفَخْذَهُ أَوْ صِنَاعَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ تُقْبَلُ. . . إلَخْ) قَوْلُهُ لِغَيْرِ الْقَائِلِ لِمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ بَعْدَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَاقِمًا بِعَلَامَةِ صط ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ التَّعْرِيفُ لَا تَكْثِيرُ الْحُرُوفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذِكْرُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ فَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبِهِ وَجَدِّهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذِكْرُ لَقَبِهِ وَجَدِّهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ شَاهِدٍ بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَيَلْتَمِسُ مِنْ الْمُزَكِّي تَعْرِيفَ حَالِهِمْ) كَيْفِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ عَرَفَ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إنَّهُ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ يَسْكُتُ وَلَا يَكْتُبُ احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ إنَّهُ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّ الْعُدُولُ الْمَسْتُورَةَ سِرًّا كَيْ لَا تَظْهَرَ فَيُؤْذَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ

وَعَلَنًا) وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَضَاءِ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعَدْلِ فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ (وَبِهِ يُفْتِي) ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ قِطْعَةَ قِرْطَاسٍ كَتَبَ فِيهِ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَحِلْيَتَهُمْ وَيَلْتَمِسَ مِنْ الْمُزَكِّي تَعْرِيفَ حَالِهِمْ، وَالتَّزْكِيَةُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَسْأَلُ الْمُزَكِّي عَنْ الشُّهُودِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ أَهَؤُلَاءِ عُدُولٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ لِيُزَكِّيَهُمْ أَوْ يَجْرَحَهُمْ وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ إذْ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعِي يُقَابِلُونَ الْجَارِحَ بِالْأَذَى وَالْإِضْرَارِ بِهِ (وَكَفَى لِلتَّزْكِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي) أَيْ يَكْتُبَ الْمُزَكِّي فِي ذَلِكَ الْقِرْطَاسِ تَحْتَ اسْمِهِ (هُوَ عَدْلٌ) وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَائِزُ الشَّهَادَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ إذْ الْعَبْدُ أَوْ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ قَدْ يُعَدَّلُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ التَّائِبَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا كَمَا ذَكَرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِيَخْرُجَ وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَيْدِ لِيُخْرِجَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ أَصَحَّ (وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ) هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّ تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْإِنْكَارِ، وَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ تَعْدِيلِ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِتَعْدِيلِهِ تَزْكِيَتُهُ (بِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسَوْا وَهُمْ عُدُولٌ) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا (وَأَمَّا لَوْ قَالَ صَدَقُوا أَوْ عُدُولٌ صَدَّقَهُ فَقَدْ لَزِمَ الْحُكْمُ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يَجُوزُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا (كَفَى وَاحِدٌ لِلتَّزْكِيَةِ وَلِتَرْجَمَةِ الشَّاهِدِ وَالرِّسَالَةِ إلَى الْمُزَكِّي) لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ التَّائِبِ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ (وَالْأَحْوَطُ اثْنَانِ) لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةُ طُمَأْنِينَةٍ هَذَا كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ وَلِذَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ (لِسَامِعٍ) أَيْ يَجُوزُ لِسَامِعِ (مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ) كَالْبَيْعِ بِأَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْبَائِعِ بِعْتُ وَقَوْلَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ وَالْإِقْرَارِ بِأَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا (أَوْ رَأَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ) كَحُكْمِ قَاضٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ قَتْلٍ (أَنْ يَشْهَدَ بِهِ) فَاعِلُ قَوْلِهِ يَجُوزُ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ لِسَامِعٍ (وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ) وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا) يَعْنِي مَا لَمْ يُعَدِّلْهُ غَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِفِسْقِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ. . . إلَخْ) يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ) هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ نَظِيرُهُ تَفْرِيعُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ (قَوْلُهُ كَفَى وَاحِدٌ لِلتَّزْكِيَةِ وَلِتَرْجَمَةِ. . . إلَخْ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ كَمَا سَيَأْتِي اهـ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةُ ذُكُورٍ وَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ وَفِي الْحُقُوقِ يَجُوزُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ رَتَّبَهَا مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ اهـ. وَتَرْجَمَةُ الْأَعْمَى مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ. . . إلَخْ) كَذَا يَجُوزُ تَزْكِيَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَتَزْكِيَةُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَبِالْقَلْبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ اثْنَانِ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ. وَفِي الْمُحِيطِ أَجَازَ تَزْكِيَةَ الصَّبِيِّ وَقَالُوا يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِسَامِعٍ أَيْ يَجُوزُ لِسَامِعٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ. اهـ.

لَا حَقِيقِيٌّ (وَيَقُولُ أَشْهَدُ لَا أَشْهِدْنِي) كَيْلًا يَكُونُ كَاذِبًا (وَلَا يَسَعُهُ الشَّهَادَةُ بِسَمَاعِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ) أَيْ لَوْ سَمِعَ الشَّاهِدُ صَوْتَ مَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ (إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْقَائِلُ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمَسْلَكِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَمْ يَرَهُ إذْ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَهُ إذَا فَسَّرَ لَهُ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ الْقَبُولُ عِنْدَ التَّفْسِيرِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ فِي بَعْضِ الْحَوَادِثِ لَكِنْ إذَا صَرَّحَ بِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ يَرَى شَخْصٌ الْقَائِلَةَ وَيَشْهَدُ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ إقْرَارَهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصَهَا يَعْنِي حَالَ مَا أَقَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِشَرْطِ رُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ الْمَرْأَةُ إذَا حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا فَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَقَدْ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً إذْ يُمْكِنُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا تُصْرَفُ عَلَى الْأَصِيلِ بِإِزَالَةِ وِلَايَتِهِ فِي تَنْفِيذِ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِزَالَةُ الْوِلَايَةِ الثَّابِتَةِ لِلْغَيْرِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحَمُّلِ مِنْهُ (وَلَا) يَشْهَدُ أَيْضًا (مَنْ رَأَى خَطَّهُ) أَيْ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ شَهَادَتَهُ (وَلَمْ يَذْكُرْهَا) أَيْ شَهَادَتَهُ (كَذَا الْقَاضِي) يَعْنِي إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ إقْرَارَ رَجُلٍ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَتَذَكَّرَهُ. (وَ) كَذَا (الرَّاوِي) يَعْنِي إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَحِلُّ لَهُ الرِّوَايَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَحِلُّ إلَّا عَنْ عِلْمٍ وَلَا عِلْمَ هُنَا لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ (وَلَوْ بِالتَّسَامُعِ إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ) فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ جَائِزَةٌ فِيهَا (إذَا أَخْبَرَ بِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِعِلْمٍ كَمَا مَرَّ وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ أَوْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ وَانْقِرَاضِ الْأَعْصَارِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُ. . . إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَعَلِمَ الشَّاهِدُ ذَلِكَ بِأَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ خَرَجَ وَقَعَدَ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَهُ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ يَرَى شَخْصَ الْقَائِلَةِ وَيَشْهَدُ عِنْدَهُ اثْنَانِ. . . إلَخْ) شَرْطُ نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ فِي ذَلِكَ فَشَمِلَ تَعْرِيفَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا كَالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَصِحَّةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ قَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَلَوْ أَخْبَرَ الْعَدْلَانِ أَنَّ هَذِهِ الْمُقِرَّةَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ تَكْفِي هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَإِنْ عَرَفَهَا بِاسْمِهَا وَنَسَبَهَا عَدْلَانِ يَنْبَغِي لِلْعَدْلَيْنِ أَنْ يَشْهَدَ الْفَرْعُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا كَمَا هُوَ طَرِيقُ الْإِشْهَادِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَيَشْهَدَا بِأَصْلِ الْحَقِّ أَصَالَةً فَيَجُوزُ وِفَاقًا وَعَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ لَوْ سَمِعَ إقْرَارَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَذَكَرَ نَسَبَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا أَطْلَقَ الْجَوَابَ إطْلَاقًا وَقَالَ: " ت " لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا إذَا رَأَى شَخْصًا حَالَ إقْرَارِهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِشَرْطِ رُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي أَمَّا لَوْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا بِالتَّسَامُعِ إلَّا فِي النَّسَبِ) قَصْرُهُ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي غَيْرِهَا وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَلَاءِ بِالسَّمَاعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا يُقْبَلُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قُلْتُ وَقَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا يُقْبَلُ يَعْنِي يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي لَا تُقْبَلُ. اهـ. وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي أَصْلِهِ دُونَ شَرَائِطِهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى شَرَائِطِ الْوَاقِفِ أَيْضًا وَأَنْتَ إذَا عَرَفْتَ قَوْلَهُمْ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي انْقَطَعَ ثُبُوتُهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا شَرَائِطُ وَمَصَارِفُ أَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ لَمْ تَقِفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ اهـ

بِالتَّسَامُعِ إذَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِالِاشْتِهَارِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ نِصَابٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَقِيلَ يَكْتَفِي فِي الْمَوْتِ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ مُشَاهَدَةَ تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا إلَّا وَاحِدٌ أَوْ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَلَا يُفَسِّرُ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا قَالَ أَصْلُ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى انْقِرَاضِ الْقُرُونِ دُونَ شَرَائِطِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ يَشْتَهِرُ فَأَمَّا شَرَائِطُهُ الَّتِي شَرَطَهَا الْوَاقِفُ فَلَا تَشْتَهِرُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى شَرَائِطِ الْوَاقِفِ إنْ بَعُدَ مَا ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ فَيُصْرَفُ إلَى كَذَا وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي الْكَافِي (وَيَشْهَدُ رَائِي جَالِسِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ الْخُصُومُ أَنَّهُ قَاضٍ) وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ إيَّاهُ. (وَ) يَشْهَدُ أَيْضًا رَائِي (رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ يَسْكُنَانِ بَيْتًا وَبَيْنَهُمَا انْبِسَاطُ الْأَزْوَاجِ أَنَّهَا عِرْسُهُ) كَمَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ . (وَ) يَشْهَدُ أَيْضًا رَائِي (شَيْءٍ سِوَى الرَّقِيقِ الْمُعَبِّرِ) فَإِنَّ غَيْرَ الْمُعَبِّرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُرُوضِ (فِي يَدِ) مُتَعَلِّقٍ بِالرَّائِي الْمُقَدَّرِ (مُتَصَرِّفٍ كَالْمُلَّاكِ) أَيْ كَمَا يَتَصَرَّفُ الْمُلَّاكُ (أَنَّهُ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْهَدُ الْمُقَدَّرُ، صُورَتُهُ رَجُلٌ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ الْعَيْنَ فِي يَدِ آخَرَ وَالْأَوَّلُ يَدَّعِي الْمِلْكَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَشْيَاءِ لَا يُعْرَفُ يَقِينًا بَلْ ظَاهِرًا فَالْيَدُ بِلَا مُنَازَعَةٍ دَلِيلُ الْمِلْكِ ظَاهِرًا (إذَا شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ (قَلْبُهُ) فَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ قَالُوا وَفِي الْإِخْبَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَهُمْ عُدُولٌ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ اهـ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ يُفِيدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِصِيغَةِ الضَّعْفِ وَقَوْلَهُ بَعْدَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الِاكْتِفَاءُ فِي الْمَوْتِ بِوَاحِدٍ اهـ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ فَالْحَقِيقَةُ أَنْ يَشْتَهِرَ وَيَسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْعَدَالَةُ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَكِنَّ الشُّهْرَةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ يَعْنِي النَّسَبَ وَالنِّكَاحَ وَالْقَضَاءَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِخَبَرِ جَمَاعَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ خَبَرِ عَدْلَيْنِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَفِي بَابِ الْمَوْتِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي بَابِ النَّسَبِ مِنْ شَهَادَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَكِنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ عَدْلًا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ فِي آخِرِ شَهَادَاتِ الْمُنْتَقَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَوْتِ إذَا كَانَ مَشْهُورًا أَوْ شَهِدَ بِهِ وَاحِدٌ وَسِعَكَ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ عَدْلٌ أَوْ يَكُونَ مَوْتًا مَشْهُورًا اهـ. (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ لَمْ يَقْبَلْ) هَذَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ. . . إلَخْ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ الْوَاقِفِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْوَاقِفَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِي بَابِ قَبْضِ الدِّيوَانِ مِنْ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ قَدِيمًا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَاقِفِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ رَائِي جَالِسِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ قَالُوا هَذَا الْقَاضِي وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ الْقَاضِي عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ أَيْضًا رَائِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي لَكِنْ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَهُ وَيَنْبَسِطَانِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اهـ. وَلَا يَخْفَى مُغَايَرَةُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا بِالتَّسَامُعِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا بِالْمُعَايَنَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَتَّحِدُ صُورَةُ الشَّهَادَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِشَرْطِ السَّمَاعِ مِنْ النَّاسِ مَعَ الْمُعَايَنَةِ (قَوْلُهُ سِوَى الرَّقِيقِ الْمُعَبِّرِ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ رَقِيقٌ لَا يَشْهَدُ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَبِّرِ يَشْهَدُ بِرِقِّهِ (قَوْلُهُ إذَا شَهِدَ بِهِ قَلْبُهُ) كَذَا قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حِلِّ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَسْنَدَ هَذَا الْقَوْلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَفْظُهُ وَعَنْهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالُوا يَعْنِي الْمَشَايِخَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الرِّوَايَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْكُلِّ وَبِهِ

[باب القبول وعدمه في الشهادات]

مِلْكُ الْغَيْرِ لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْيَقِينِ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ فَإِذَا تَعَسَّرَ ذَلِكَ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ» (فَإِنْ فَسَّرَ) أَيْ الشَّاهِدُ (لِلْقَاضِي شَهَادَتَهُ بِالتَّسَامُعِ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ بِحُكْمِ الْيَدِ) فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ (بَطَلَتْ) فَإِنَّهُ إذَا أَطْلَقَ وَقَعَ فِي قَلْبِ الْقَاضِي صِدْقُهُ فَتَكُونُ شَهَادَةً مِنْهُ عَنْ عِلْمٍ وَلَا كَذَلِكَ إذَا فَسَّرَ وَقَالَ سَمِعْتُ كَذَا وَعَنْ هَذَا كَانَ الْمَرَاسِيلُ مِنْ الْأَخْبَارِ أَقْوَى مِنْ الْمَسَانِيدِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ (إلَّا فِي الْوَقْفِ) فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا فَسَّرَا شَهَادَتَهُمَا بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ (شَهِدَ أَنَّهُ شَهِدَ) أَيْ حَضَرَ (دَفْنَ زَيْدٍ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ) حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي يَقْبَلُهُ إذْ لَا يُدْفَنُ إلَّا الْمَيِّتُ وَلَا يُصَلَّى إلَّا عَلَيْهِ (الشَّهَادَةُ بِالْإِيجَابِ شَهَادَةٌ بِالْقَبُولِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ) كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا (حَتَّى لَوْ شَهِدُوا عَلَى تَزْوِيجِ الْأَبِ فَقَطْ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْقَبُولِ (تُقْبَلُ) أَيْ الشَّهَادَةُ (بِخِلَافِ الْهِبَةِ) حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْهِبَةِ بِلَا ذِكْرِ الْقَبُولِ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ [بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فِي الشَّهَادَات] (بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ) (تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ مُعْتَقَدُهُمْ مُعْتَقَدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالرَّوَافِضُ وَالْخَوَارِجُ وَالْمُعَطِّلَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارُوا اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) هُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَيَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ . (وَ) تُقْبَلُ مِنْ (الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) وَإِنْ اخْتَلَفَا (مِلَّةً) كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى. (وَ) تُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ (عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ (بِلَا عَكْسٍ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ. (وَ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (مِنْهُ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ (عَلَى مِثْلِهِ إنْ اتَّحَدَ دَارُهُمَا) وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ تَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِ الْمُنْعِتَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا. (وَ) تُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ (عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ) فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ الدِّينِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ الْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ . (وَ) تُقْبَلُ أَيْضًا (مِنْ مُلِمِّ) أَيْ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ (صَغِيرَةٍ) ـــــــــــــــــــــــــــــQنَأْخُذُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي حِلِّ الشَّهَادَةِ الْيَقِينُ لِمَا عُرِفَ فَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ كَوْنَ الْيَدِ مُسَوِّغًا بِسَبَبِ إفَادَتِهَا ظَنَّ الْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْقَلْبِ ذَلِكَ لَا ظَنَّ فَلَمْ يُفِدْ مُجَرَّدَ الْيَدِ وَلِهَذَا قَالُوا إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَعُرِفَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْيَدِ لَا يَكْفِي. اهـ. (قَوْلُهُ فَإِنْ فَسَّرَ. . . إلَخْ) بُطْلَانُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ شَهِدَا بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَقَالَا سَمِعْنَاهُ مِنْ قَوْمٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ لَا تُقْبَلُ وَقِيلَ تُقْبَلُ وَفِي عِدَّةٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ أَصَحُّ عَلَى مَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَا يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ أَخْبَرَنَا بِهِ مَنْ شَهِدَ بِمَوْتِهِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ قِيلَ يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي عِدَّةٍ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ كَمَنْ رَأَى عَيْنًا بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِ ذِي الْيَدِ وَلَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ مَلَكَهُ لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ لَا تُقْبَلُ كَذَا هَذَا وَقَدْ عَثَرْنَا عَلَى الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ. اهـ. (بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ) (قَوْلُهُ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ) رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ لَا لِخُصُوصِ بِدْعَتِهِمْ وَكَذَا لَا يَقْبَلُ مِمَّنْ تُكَفِّرُهُ بِدْعَتُهُ وَالْخَطَّابِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْأَجْذَعِ وَقِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ الْأَسَدِيُّ الْأَجْذَعُ خَرَجَ بِالْكُوفَةِ أَبُو الْخَطَّابِ وَحَارَبَ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَظْهَرَ الدَّعْوَةَ إلَى جَعْفَرٍ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ جَعْفَرٌ وَدَعَا عَلَيْهِ فَقُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ عِيسَى بِالْكَنَائِسِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ وَاجِبَةً لِشِيعَتِهِمْ) قَالَ فِي الْكَافِي وَهُمْ يَدِينُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ. . . إلَخْ) عَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْحَرْبِيِّ إلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّ الْكَمَالَ أَوَّلَ بِهِ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ فَقَالَ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ شَهَادَتِهِ وَلَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ لَا نَفْيُ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا) كَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ قَبِلَ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالشَّهَادَةُ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي الْإِرْثِ وَالْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ مُلِمٍّ أَيْ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ صَغِيرَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَأْتِيَ

بِلَا إصْرَارٍ عَلَيْهَا (إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) وَهُوَ مَعْنَى الْعَدَالَةِ كَمَا مَرَّ. (وَ) تُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ (أَقْلَفَ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْخِتَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ هَذَا إذَا تَرَكَهُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ خَوْفِ هَلَاكٍ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَدْلًا وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ وَقْتًا إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقِيلَ سَبْعُ سِنِينَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقِيلَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَتَحَمَّلَهُ وَلَا يَهْلِكُ بِهِ. (وَ) مِنْ (الْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْخُنْثَى) إذَا كَانُوا عُدُولًا فَإِنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ وَجِنَايَةَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الْعَدَالَةِ وَقَبِلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ وَالْخُنْثَى إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ ثُمَّ إنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ احْتِيَاطًا (وَالْعَتِيقِ لِلْمُعْتِقِ وَبِالْعَكْسِ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَنْبَرًا شَهِدَ لِعَلِيٍّ عِنْدَ شُرَيْحٍ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ وَهُوَ كَانَ عَتِيقَ عَلِيٍّ (وَالْعُمَّالِ) الْمُرَادُ عُمَّالُ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ إلَّا إذَا كَانُوا عَلَى الظُّلْمِ قَالُوا هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي زَمَانِنَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِغَلَبَةِ ظُلْمِهِمْ كَذَا فِي الْكَافِي . (وَ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَمِنْ حُرِّمَ رَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً) كَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمْ مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلَا بُسُوطَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا أَوْ شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ . (وَ) تُقْبَلُ (مِنْ كَافِرٍ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ أَوْ) عَلَى حُرٍّ كَافِرٍ (مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ) يَعْنِي تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ وَعَلَى وَكِيلٍ كَافِرٍ مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ (بِلَا عَكْسٍ) أَيْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى عَبْدٍ مُسْلِمٍ مَوْلَاهُ كَافِرٌ وَعَلَى وَكِيلٍ مُسْلِمٍ مُوَكِّلُهُ كَافِرٌ فَإِنَّ مُسْلِمًا إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ كَافِرٌ أَذِنَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ كَافِرَانِ بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةُ كَافِرٍ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْكَافِرِ قُصِدَ أَوْ لَزِمَ مِنْهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَوْلَى الْمُسْلِمِ ضِمْنًا وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى كَافِرًا وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ مُسْلِمًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةُ كَافِرٍ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِ قَصْدًا وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا وَكَّلَ كَافِرًا بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ فَشَهِدَ عَلَى الْوَكِيلِ شَاهِدَانِ كَافِرَانِ بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِكَبِيرَةٍ وَلَا يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَيَكُونَ سِتْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَتْكِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً وَيَسْتَعْمِلَ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبَ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً ثُمَّ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَفْرَادٍ نَصَّ عَلَيْهَا مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَرْكِهَا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا أَفْضَلِيَّةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي غَيْرِ إرَادَةِ التَّقْوَى عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الضَّعِيفِ وَكَذَا مَنْ خَرَجَ لِرُؤْيَةِ السُّلْطَانِ وَالْأَمِيرِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَرَدَّ شَدَّادٌ شَهَادَةَ شَيْخٍ صَالِحٍ لِمُحَاسَبَةِ ابْنِهِ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ تَضْيِيقًا وَمُشَاحَّةً تَشْهَدُ بِالْبُخْلِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ التَّفَرُّجِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ وَقُرَى فَارِسٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ لِنَيْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ بِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارٍ بَاطِلٍ وَكَذَا عَلَى فِعْلٍ بَاطِلٍ مِثْلِ مَنْ يَأْخُذُ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً وَأَشْهَدَ عَلَى وَثِيقَتِهَا شُهُودًا قَالَ الْمَشَايِخُ إنْ شَهِدُوا حَلَّ لَهُمْ اللَّعْنُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِلٍ فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ عَلَى ضَمَانِ الْجِهَاتِ وَالْإِجَازَةِ الْمُضَارَّةِ وَعَلَى الْمَحْبُوسِينَ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ فِي تَرْسِيمِهِمْ اهـ فَاغْتَنِمْ لِمَا جَلَّ وَلَا تَمِلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَحْتَمِلَهُ وَلَا يَهْلِكَ بِهِ) اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خُتِنَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ وَهُوَ أَيْ الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَمَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهَا تَكُونُ أَلَذُّ عِنْدَ الْمُوَاقَعَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ) لَيْسَ احْتِرَازِيًّا عَنْ غَيْرِ الشَّهَادَةِ لِمُعَامَلَتِهِ بِالْأَضَرِّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوَ الْإِرْثِ وَالْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانُوا عَلَى الظُّلْمِ. . . إلَخْ) كَذَا مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالصَّرَّافُ الَّذِي يَجْمَعُ عِنْدَهُ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذُهَا طَوْعًا لَا تُقْبَلُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخُ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضُمَّانُ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ. اهـ.

وَكَّلَ مُسْلِمًا بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ كَافِرٍ قَامَتْ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِ قَصْدًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَسْعُودِيِّ لِتَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (لَا مِنْ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ (إلَّا فِي الْوِصَايَةِ وَالنَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا مِنْ قِبَلِ الْمَيِّتِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْإِيصَاءَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى خَصْمٍ مُسْلِمٍ أَوْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ النَّصْرَانِيَّ مَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ وَأَحْضَرَ مُسْلِمًا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَسَبِهِ تُقْبَلُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْضُرُونَ مَوْتَ النَّصَارَى وَالْوِصَايَةَ تَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ غَالِبًا وَسَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ النِّكَاحُ وَهُمْ لَا يَحْضُرُونَ نِكَاحَهُمْ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إثْبَاتِ الْإِيصَاءِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى النِّكَاحِ أَدَّى إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِيصَاءِ فَقُبِلَتْ ضَرُورَةً كَمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِلضَّرُورَةِ. (وَ) لَا مِنْ (أَعْمَى) لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ مَنْقُولًا وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ (وَمُرْتَدٍّ) إذْ الشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ عَلَى كَافِرٍ (وَمَمْلُوكٍ وَصَبِيٍّ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَعَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى (إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَاهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ (فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ) فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ السَّمَاعِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِهِمَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ هُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ (وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] (إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرٌ فَيُسْلِمَ) فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتِمَّةً لِحَدِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبِلَ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا مِنْ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ) الْمُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ حَالَ الْقَضَاءِ لَا حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا حَالَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ شَهِدَ ذِمِّيَّانِ بِمَالٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَقْضِي لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَقْتَ الْقَضَاءِ وَوَقْتَ الْقَضَاءِ الشَّاهِدُ كَافِرٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَا تَصِيرُ حُجَّةً وَأَنَّ الْمُسْلِمَ الْمَشْهُودَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لَا يُنَفِّذُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ وَفِي بَابِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا يُنَفِّذُهُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا لِمَا عُرِفَ وَإِذَا لَمْ يُنَفِّذْهُ هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ فَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِيهِمَا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عِنْدَهُ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْوِصَايَةِ) تَصَوُّرُ الْوِصَايَةِ بِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَوْصَى كَافِرٌ إلَى مُسْلِمٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى كَافِرٍ وَهُوَ الْمَيِّتُ لَا الْوَصِيُّ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْإِيصَاءَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى خَصْمٍ مُسْلِمٍ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لِلنَّصْرَانِيِّ الْمَيِّتِ مُنْكِرًا لِلْوِصَايَةِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ لِإِثْبَاتِ الْوِصَايَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّصْرَانِيِّ الْمَيِّتِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُنْكَرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ بِهِ فَلْيَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ النَّصْرَانِيَّ. . . إلَخْ) كَذَا يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْمَالِ لَا نَسَبِ الْمُدَّعِي وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إثْبَاتِ الْإِيصَاءِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى النِّكَاحِ. . . إلَخْ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ أَعْمَى) سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ تُقْبَلُ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّسَامُعُ وَتُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَمَمْلُوكٍ) أَرَادَ بِهِ الرَّقِيقَ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ) شَامِلٌ لِتَحَمُّلِهِ لِسَيِّدِهِ فِي رِقِّهِ وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ فِي كُفْرِهِ وَأَدَّاهَا فِي إسْلَامِهِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ حَالَ قِيَامِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ كَمَا فِي الصُّغْرَى لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ مِنْ رَجْعِيٍّ وَلَا بَائِنٍ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ اهـ فَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِبَانَةِ فِي كَلَامِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَمَامِ الْحَدِّ مُقَامًا عَلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يَضْرِبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْأَكْثَرِ وَرُوِيَ بِضَرْبِ سَوْطٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَابَ) إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي قَبُولِهِمَا لَهَا إذَا تَابَ وَالْمُرَادُ بِتَوْبَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرٌ فَيُسْلِمُ) أَشَارَ بِهِ إلَى شَرْطِ تَمَامِ الْحَدِّ حَالَ الْكُفْرِ وَلَوْ حُدَّ بَعْضُهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَبَاقِيهِ فِي إسْلَامِهِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ

اسْتَفَادَهَا بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً زَمَانَ الرَّدِّ وَالْحَدِّ فَلَمَّا جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْكَافِرِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذْ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا حَالَ رَقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا لَهُ فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ (وَمَسْجُونٍ فِي حَادِثِ السِّجْنِ) يَعْنِي إذَا حَدَثَ بَيْنَ أَهْلِ السِّجْنِ حَادِثَةٌ فِي السِّجْنِ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَشْهَدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِكَوْنِهِمْ مُتَّهَمِينَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (وَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَزَوْجٍ وَعِرْسٍ وَسَيِّدٍ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) الْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ» وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ» وَقِيلَ هُوَ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمَنَافِعِهِ فَإِذَا شَهِدَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهَا (وَشَرِيكِهِ فِيمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَوْ شَهِدَ فِيمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ تُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ (وَمُخَنَّثٍ يَفْعَلُ الرَّدِيءَ) لِإِصْرَارِهِ عَلَى الْفِسْقِ وَأَمَّا مَنْ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِشَيْءٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ ضُرِبَ الذِّمِّيُّ سَوْطًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِسْلَامِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ضُرِبَ السَّوْطَ الْأَخِيرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَسْجُونٍ فِي حَادِثِ السِّجْنِ) كَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ وَكَذَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ لِعَدَمِ حُضُورِ الْعُدُولِ السِّجْنَ وَلَا الْبَالِغِينَ مَلَاعِبَ الصِّبْيَانِ وَلَا الرِّجَالِ حَمَّامَاتِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا شَرَعَ لِذَلِكَ طَرِيقًا آخَرَ وَهِيَ مَنْعُ النِّسَاءِ عَنْ الْحَمَّامَاتِ وَالصِّبْيَانِ عَنْ الْمَلَاعِبِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ مُبَاشَرَةِ مَا بِهِ يَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لِلسَّجْنِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ كَانَ التَّقْصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِمْ لَا إلَى الشَّرْعِ كَذَا فِي الصُّغْرَى (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمْ مُتَّهَمِينَ) أَيْ بِارْتِكَابِهِمْ مَا يُوجِبُ السَّجْنَ وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ وَزَوْجٍ وَعِرْسٍ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي حَادِثَةٍ فَرُدَّتْ فَارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ ثُمَّ تَابَ وَصَارَ عَدْلًا وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ إذَا رُدَّتْ ثُمَّ عَتَقَ وَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَعَادَ فَمَا تُقْبَلُ فَصَارَ الْحَاصِلُ كُلُّ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنًى وَزَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا تُقْبَلُ إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى إلَّا الْعَبْدَ إذَا شَهِدَ فَرُدَّ، وَالْكَافِرُ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيُّ إذَا شَهِدَ كُلُّ فَرْدٍ ثُمَّ عَتَقَ وَأَسْلَمَ وَأَبْصَرَ وَبَلَغَ فَشَهِدُوا بِعَيْنِهَا تُقْبَلُ وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا سِوَاهُمْ اهـ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَلَكِنَّ آخِرَهُ يُخَالِفُ أَوَّلَهُ لِحُكْمِهِ ابْتِدَاءً بِقَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَقَدْ كَانَتْ رُدَّتْ حَالَ قِيَامِهَا وَحُكْمِهِ آخِرًا بِعَدَمِ قَبُولِهَا بِقَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا سِوَاهُمْ إذْ لَمْ يَسْتَثْنِ لِلْقَبُولِ بَعْدَ الرَّدِّ إلَّا الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيَّ اهـ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا لِمَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةً ثُمَّ قَالَ وَالصَّبِيُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ جَازَ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا يُسَهِّلُ عَلَيْك تَخْرِيجَ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَرْدُودَ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَا يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً تُقْبَلُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ اهـ. وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إذْ لَوْ قَضَى بِهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَةٌ وَقَدْ حُكِمَ بِقَبُولِهَا بَعْدَ زَوَالِ الْعَمَى اهـ. وَلَمَّا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ الْحُرُّ لِزَوْجَتِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ أَبَانَهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهَا بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَوَصَّلَ بِطَلَاقِهَا إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَتْ لَهُ اهـ وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الصُّغْرَى مَوْجُودَةٌ هُنَا لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ اهـ. وَلَمَّا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ شَهِدَ الْفَاسِقُ فَرُدَّتْ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْبَيْنُونَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ الْكَافِرُ فَرُدَّتْ ثُمَّ عَتَقَ وَبَلَغَ وَأَسْلَمَ وَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا تُقْبَلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِقَ وَالزَّوْجَ لَهُمَا شَهَادَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا رُدَّتْ لَا تُقْبَلُ بَعْدُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ إذْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ أَصْلًا اهـ. (قَوْلُهُ وَزَوْجٍ وَعِرْسٍ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مَمْلُوكًا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ. . . إلَخْ) يُشِيرُ إلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأُسْتَاذِ لَهُ وَالْمُسْتَأْجِرِ لَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدَ فِيمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ تُقْبَلُ) يَعُمُّ الْمُفَاوِضَ فَتُقْبَلُ فِيمَا لَيْسَ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا نَحْوَ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ مُفَاوَضَةً بِشِرَائِهِ وَهُوَ طَعَامُ الْأَهْلِ وَكِسْوَتُهُمْ وَكَذَا الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ) يَعْنِي بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الرَّدِيئَةِ إذْ لَوْ كَانَ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

الْأَفْعَالِ الرَّدِيئَةِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ (وَنَائِحَةٍ وَمُغَنِّيَةٍ) لِارْتِكَابِهِمَا الْحَرَامَ طَمَعًا فِي الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْهُ مَكْسَبًا وَالتَّغَنِّي لِلَّهْوِ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ نَفْسَ رَفْعِ الصَّوْتِ مِنْهَا حَرَامٌ فَضْلًا عَنْ ضَمِّ الْغِنَاءِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ وَقَيَّدَ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي (وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ) أَيْ شُرْبِ الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ فَإِنَّ إدْمَانَ شُرْبِ غَيْرِهَا لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ مَا لَمْ يُسْكِرْ (عَلَى اللَّهْوِ) شَرْطُ الْإِدْمَانِ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سِرًّا وَلَا يُظْهِرُ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا وَإِنْ كَانَ شُرْبُ الْخَمْرِ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ إذَا كَانَ يُظْهِرُ ذَلِكَ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ إذْ لَا مُرُوءَةَ لِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً كَذَا فِي الْكَافِي (وَعَدُوٍّ بِسَبَبِ الدُّنْيَا) قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ فَبِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ) لِشِدَّةِ غَفْلَتِهِ وَإِصْرَارِهِ عَلَى نَوْعِ لَهْوٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْعَوْرَاتِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ فِسْقٌ فَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ الْحَمَامَ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَلَا يُطَيِّرُهَا فَلَا تَزُولُ عَدَالَتُهُ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ (أَوْ الطُّنْبُورِ) لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ (أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَلَى نَوْعِ فِسْقٍ وَيَجْمَعُهُمْ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ وَلَا يَمْتَنِعُ عَادَةً عَنْ الْمُجَازَفَةِ وَالْكَذِبِ وَإِذَا كَانَ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَلَكِنْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لِإِزَالَةِ الْوَحْشَةِ فَلَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ (أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُحَدُّ بِهِ) أَيْ يَأْتِي نَوْعًا مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ لِوُجُودِ تَعَاطِيهِ بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ وَذَا دَلِيلُ قِلَّةِ دِيَانَتِهِ فَلَعَلَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى الشَّهَادَةِ زُورًا كَذَا فِي الْكَافِي أَقُولُ ظَاهِرُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَا عَنْهُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ سِرًّا لَكِنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَنَائِحَةٍ وَمُغَنِّيَةٍ لِارْتِكَابِهِمَا الْمُحَرَّمَ طَمَعًا فِي الْمَالِ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ جَانِبُ الْمُغَنِّيَةِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ غِنَائِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمُدَاوَمَتِهَا عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ مِنْهَا كَمَا فِي مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْهُ مَكْسَبًا) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُهُ التَّقْيِيدُ بِشَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ وَذَا لِأَنَّهَا لَا تُؤْمَنُ أَنْ تَرْتَكِبَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِأَجْلِ الْمَالِ لِكَوْنِهَا أَيْسَرَ عَلَيْهَا مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ لِأَجْلِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِيمَا عَلِمْت لَكِنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي الشَّارِحِينَ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلنَّاسِ أَوْ لَا وَذِكْرُ جَوَابِهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً لَكِنْ يُشْتَرَطُ الشُّهْرَةُ لِيَصِلَ لِلْقَاضِي الْعِلْمُ بِالشُّهْرَةِ وَذَلِكَ يُفِيدُ كَوْنَهُ لِلنَّاسِ وَإِلَّا فَيُرَدُّ مِثْلُهُ عَلَى قَوْلِهِمْ وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ مَعَ قَوْلِهِمْ بِرَدِّ شَهَادَةِ مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ مَعَ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ مِنْهَا وَمَعَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّهْرَةُ فَحُمِلَ قَوْلُهُمْ مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ شُهْرَةً اهـ. (قَوْلُهُ وَالتَّغَنِّي لِلَّهْوِ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ) بِالنَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ فِي الرَّجُلِ بِأَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ وَكَذَا التَّقْيِيدُ فِي النَّائِحَةِ بِكَوْنِهَا لِلنَّاسِ لِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ فَلَمْ يَبْقَ مَانِعًا إلَّا لِعِلَّةِ الِاشْتِهَارِ فَيَظْهَرُ مَا قُلْنَا إنَّهُ فِي جَانِبِ الْمُغَنِّيَةِ لِنَفْسِهَا بِمُدَاوَمَتِهَا (قَوْلُهُ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ شَرَطَ الْإِدْمَانَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ. اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَافِي وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ اللَّعِبَ بِالطُّيُورِ فِعْلٌ مُسْتَخَفٌّ بِهِ يُوجِبُ فِي الْغَالِبِ اجْتِمَاعًا مَعَ أُنَاسٍ أَرَاذِلَ وَصُحْبَتَهُمْ وَذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ اهـ. (قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ غَيْرَهُ. . . إلَخْ) بِهَذَا لَا يَعْلَمُ حُكْمَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ أَوْ يَأْتِي نَوْعًا مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ) لَيْسَ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْ الْكَبَائِرِ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْجَمِيعِ فَقَالَ وَكُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ هِيَ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَكْلَ الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ قَتْلٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ مَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ كُلُّ مَا كَانَ عَمْدًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ وَالصَّغِيرَةَ اسْمَانِ إضَافِيَّانِ لَا يُعْرَفَانِ بِذَاتِهِمَا وَإِنَّمَا يُعْرَفَانِ بِالْإِضَافَةِ فَكُلُّ ذَنْبٍ إذَا نَسَبْته إلَى مَا دُونَهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَإِذَا نَسَبْته إلَى مَا فَوْقَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ اهـ. وَلِصَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي بَيَانِ أَفْرَادِ كُلٍّ مِنْ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ

بِارْتِكَابِ مَا يُحَدُّ بِهِ لَيْسَ ارْتِكَابُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَدَّ بِهِ بَلْ ارْتِكَابُ مَا يُحَدُّ بِهِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِإِظْهَارِ وَاطِّلَاعِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ (أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا إزَارٍ) لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ (أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا) لِأَنَّهُ فَاسِقٌ وَشَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِأَكْلِ الرِّبَا لِأَنَّ التُّجَّارَ قَلَّمَا يَتَخَلَّصُونَ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِهَارِ (أَوْ يَلْعَبُ بِنَرْدٍ أَوْ يُقَامِرُ بِشِطْرَنْجٍ أَوْ يَتْرُكُ بِهِ) أَيْ بِالشِّطْرَنْجِ (الصَّلَاةَ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا كَبِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ بِدُونِ قِمَارٍ وَتَرْكِ صَلَاةٍ فَلَيْسَ بِفِسْقٍ مَانِعٍ لِلشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا عِنْدَنَا لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا لِكَوْنِهِ مُبَاحًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا (أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) قَيَّدَ لَهُمَا (أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَرْتَكِبُهَا (شَهِدَا) أَيْ ابْنَا الْمَيِّتِ (أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ) أَيْ جَعَلَ هَذَا الشَّخْصَ وَصِيًّا (وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصُ (يَدَّعِيهِ) أَيْ كَوْنُهُ وَصِيًّا (صَحَّتْ) أَيْ شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ وَإِنْ ادَّعَى (كَشَهَادَةِ دَائِنَيْ الْمَيِّتِ) أَيْ غَرِيمَيْنِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ (وَمَدْيُونَيْهِ) أَيْ غَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ (وَالْمُوصَى لَهُمَا) أَيْ رَجُلَيْنِ أَوْصَى لَهُمَا الْمَيِّتُ (وَوَصِيِّهِ عَلَى الْإِيصَاءِ) أَيْ نَصْبِ الْوَصِيِّ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ كَشَهَادَةٍ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا بِشَهَادَتِهِمَا فَيُرَدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَارِثَيْنِ قَصَدَا بِهَا نَصْبَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُمَا وَيَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا وَالْغَرِيمَيْنِ قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ حَقَّهُمَا أَوْ يَبْرَآنِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّيْنِ قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يُعِينُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَالْمُوصَى لَهُمَا قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِمَا حَقَّهُمَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِهَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا رَضِيَ الْوَصِيُّ وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ حِفْظًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي صَلَاحِيَّةِ مَنْ يُنَصِّبُهُ وَأَهْلِيَّتِهِ وَهَؤُلَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ كَفَوْهُ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَلَمْ يُثْبِتُوا بِهَا شَيْئًا فَصَارَ كَالْقُرْعَةِ فِي كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بَلْ دَافِعَةٍ مُؤْنَةَ تَعْيِينِ الْقَاضِي (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ رُدَّتْ) أَيْ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ (ادَّعَى) أَيْ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ (أَوْ لَا) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَقَدْ مَرَّ بُطْلَانُهَا (كَالشَّهَادَةِ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ) وَهُوَ مَا يَفْسُقُ بِهِ الشَّاهِدُ وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ حَقَّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ (كَفَاسِقٍ أَوْ آكِلِ الرِّبَا أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ وَالْفِسْقُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْجَرْحِ لَكِنْ لَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأُجْرَةِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِأَكْلِ الرِّبَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ مُمْكِنٌ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الرِّبَا بِالدُّخُولِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا عِنْدَنَا) يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مُبَاحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا) قَالَ الْكَمَالُ وَلِعْبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلُهُ لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ قُومِرَ بِهِ أَوْ لَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الشَّعْبَذَةِ وَالدِّكَاكِ وَالسِّيمَيَا إذَا أَكَلَ بِهَا وَاِتَّخَذَهَا مَكْسَبَهُ وَأَمَّا مَنْ عَلِمَهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَلَا (قَوْلُهُ وَالْغَرِيمَيْنِ قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ حَقَّهُمَا) يَعْنِي مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ بِدُونِهَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا النَّافِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهَا رَاجِعٌ إلَى الشَّهَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ. . . إلَخْ لَا يُقَالُ إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى شَهَادَةِ الْمَذْكُورِينَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ مُلْزِمَةٌ وَهُوَ عَكْسُ الْمَوْضُوعِ (قَوْلُهُ وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ لِيَتَمَكَّنَ الْقَاضِي مِنْ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا رَضِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ أَوْ كَانَ الْمَوْتُ غَيْرَ ظَاهِرٍ إذْ لَا يَكُونُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ إلَّا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَتَصِيرُ الشَّهَادَةُ مُوجَبَةً فَتَبْطُلُ لِمَعْنَى التُّهْمَةِ وَفِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الْقَبُولِ أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُمَا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لَا بَرَاءَتُهُمَا عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا نَقْبَلُ فِيهَا كَذَا فِي الْكَافِي

اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عِنْدَهُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ فَأَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْجَرْحِ إنْ كَانَ الْجَرْحُ جَرْحًا مُجَرَّدًا لَا يَعْتَبِرُ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ وَإِنَّمَا قُلْت إنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هَذَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ فَأَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَقُولُ حَقِيقَتُهُ أَنَّ جَرْحَ الشَّاهِدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ دَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَهِيَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ وَلِذَا قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَبَعْدَ التَّعْدِيلِ رَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَرْحُ الْمُعْتَبَرُ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَغَيْرِ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَصَلِّفِينَ بِلَا شُعُورٍ عَلَى مُرَادِ الْقَائِلِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ ذَاهِلٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَغَافِلٌ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْغَرَضُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تُعْتَبَرُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَةِ الْمُقَيِّدَةِ وَلِذَلِكَ قُلْت (بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَقَبْلَهُ قُبِلَتْ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى أَنَّ شُهُودَ الْمُدَّعِي فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ) عَلَى إقْرَارِهِمْ (أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ) عَلَى إقْرَارِهِمْ (أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ) وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَاتُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ كَمَا عَرَفْت وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ كَمَا مَرَّ (وَقُبِلَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ) إقْرَارِهِ (بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ أَوْ بِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي دَعْوَاهُ. (وَ) قُبِلَتْ أَيْضًا (عَلَى أَنَّهُمْ) أَيْ الشُّهُودَ (عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ بِقَذْفٍ أَوْ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ) بِأَنْ لَمْ يَزَلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي قَيَّدَ بِعَدَمِ التَّقَادُمِ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ (أَوْ شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى مَالٌ) هُمْ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ (أَوْ قَذَفَةٌ وَالْمَقْذُوفُ يَدَّعِيهِ أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ إيَّاهُ) أَيْ الْأَجْرَ (مِمَّا كَانَ لِي عِنْدَهُ أَوْ إنِّي صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ زُورًا وَشَهِدُوا زُورًا فَأَنَا أَطْلُبُ مَا أَعْطَيْتُهُمْ) وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا حَقَّ اللَّهِ وَفِي بَعْضِهَا حَقَّ الْعَبْدِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إحْيَاءِ هَذِهِ الْحُقُوقِ (مِنْ) أَيِّ شَاهِدٍ (رَدَّهُ قَاضٍ فِي حَادِثَةٍ) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهَا (لَيْسَ لِآخَرَ) أَيْ قَاضٍ غَيْرَهُ (قَبُولُهُ فِيهَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ رَدَّ الْأَوَّلِ لِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الثَّانِي لَهُ (شَهَادَةٌ قَاصِرَةٌ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ تُقْبَلُ فِي مِثْلِ إنْ شَهِدَا بِالدَّارِ بِلَا ذِكْرٍ أَنَّهَا فِي يَدِ الْخَصْمِ فَتَشْهَدُ بِهِ آخَرَانِ) فَإِنَّهُمَا يُقْبَلَانِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ لِإِثْبَاتِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ كِلَا الْحُكْمَيْنِ بِشَهَادَةِ فَرِيقٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقُبِلَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ إقْرَارِهِ بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ) تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ بِرَهْنٍ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَذَبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ صَحَّ الدَّفْعُ (قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ مِنْ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا لَوْ كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ إلَى أَنْ قَالَ مِنْهُ مَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشَّاهِدَ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ زَنَى اهـ فَذِكْرُ الشُّرْبِ وَالزِّنَا فِي كُلٍّ مِنْ صُوَرِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ وَقَعَ فِي عَدِّ صُوَرِ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ وَفِي صُوَرِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ شَرِبَ أَوْ زَنَى لِأَنَّهُ لَيْسَ جَرْحًا مُجَرَّدًا لِتَضَمُّنِهِ دَعْوَى حَقِّ اللَّهِ وَهُوَ الْحَدُّ وَيَحْتَاجُ إلَى جَمْعٍ وَتَأْوِيلٍ. اهـ. (قُلْت) وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَالتَّأْوِيلُ مِمَّا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا أَطْلَقَ فِي أَنَّهُ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ سَرَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ لَا تُقْبَلُ لِلتَّقَادُمِ فَيُحْمَلُ مَا فِي صُوَرِ الْجَرْحِ عَلَى هَذَا وَإِنْ بَيَّنَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتَقَادِمًا تُقْبَلْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي صُوَرِ الْقَبُولِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولَةٌ تَأْوِيلُهُ إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا تُقْبَلُ وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَادِمًا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ زُنَاةً أَوْ زَنَوْا إلَخْ. اهـ. فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبِعَ مَا أَوَّلَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَلَامَهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ

وَاحِدٍ أَوْ فَرِيقَيْنِ ثُمَّ إذَا شَهِدَا أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي أَعَنْ سَمَاعٍ تَشْهَدُونَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا سَمِعُوا إقْرَارَهُ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يُطْلِقُ لَهُمْ الشَّهَادَةَ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَإِنْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ فِي الْمَحْدُودِ وَآخَرَانِ بِالْحُدُودِ) حَيْثُ يُقْبَلَانِ لِمَا ذُكِرَ (وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَمْ يَعْرِفُوا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ الْمُسَمَّى بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَسَيَأْتِي نَظَائِرُهَا (شَهِدَ عَدْلٌ فَقَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي لَمْ يَضُرَّهَا) يَعْنِي بَعْدَمَا شَهِدَ تَذَكَّرَ لَفْظًا تَرَكَهُ فِي شَهَادَتِهِ فَذَكَرَهُ تُقُبِّلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْرَحْ عَنْ مَكَانِهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْمُنَاقَضَةِ وَإِنَّهُ شَرْطٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ (بَيِّنَةُ الْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ بَعْدَ الْبُرْءِ) يَعْنِي جَرَحَ رَجُلٌ إنْسَانًا وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ فَأَقَامَ أَوْلِيَاؤُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ وَأَقَامَ الضَّارِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَرِيءٌ وَمَاتَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَبَيِّنَةُ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَوْلَى (وَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِ الْقِيمَةِ مِثْلَ الثَّمَنِ) يَعْنِي أَنَّ وَصِيًّا بَاعَ كَرْمَ الصَّبِيِّ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَادَّعَى غَبْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّ قِيمَةَ الْكَرْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ إذَا شَهِدَا أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي. . . إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ هَلْ تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا فَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمَا عَايَنَا يَدَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ وَفِي غَيْرِهَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ شَهِدَا بِبَيْعٍ وَتَسْلِيمٍ يَسْأَلُهُمَا الْقَاضِي اشْهَدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَيْسَتْ شَهَادَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ أَقُولُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُعَايَنَةِ قَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَنْ يَبِيعَ وَكَالَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيْعِ شَهَادَةً بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى مُعَايَنَةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فَرْقٌ يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت وَلَا يَخْتَصُّ بِمَا بَحَثَ بِهِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيْعِ لَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ إذْ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَدَّعِيهِ بَعْدَ شَهَادَتِهِ بِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَحْدُودِ وَآخَرَانِ بِالْحُدُودِ حَيْثُ يُقْبَلَانِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تُقْبَلُ (قَوْلُهُ شَهِدَ عَدْلٌ فَقَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي لَمْ يَضُرَّهَا) لَيْسَ الْمُرَادُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مَا لَمْ يَبْرَحْ عَنْ مَكَانِهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي بَعْدَ مَا شَهِدَ تَذَكَّرَ وَقَوْلُهُ أَوْهَمْتُ أَيْ أَخْطَأْتُ لِنِسْيَانٍ عَرَانِي بِزِيَادَةٍ بَاطِلَةٍ بِأَنْ كَانَ شَهِدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ أَوْ بِنَقْصٍ بِأَنْ شَهِدَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ أَوْهَمْتُ إنَّمَا هِيَ أَلْفٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَإِذَا جَازَتْ فِيمَ إذَا يَقْضِي قِيلَ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِقَوْلِهِ أَوْهَمْتُ وَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي الزِّيَادَةَ وَقِيلَ بِمَا بَقِيَ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ لِرَجُلٍ شَهَادَةً ثُمَّ زَادَ فِيهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَا أُوهِمنَا وَهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ قُبِلَ مِنْهُمَا وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي بِالْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ قَالَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أَوْهَمْتُ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْرَحْ. . . إلَخْ) هَذَا وَقَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ شَرْطَ عَدَمِ الْبَرَاحِ بِمَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ كَمَا بَيَّنَّا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ إنْ كَانَ عَدْلًا مَأْمُونًا مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْإِشَارَةَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَجْرِي مُجْرَاهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْكُلِّ) الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ (قَوْلُهُ بَيِّنَةُ الْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ) إلَى آخِرِ الْبَابِ كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِي دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ. (تَنْبِيهٌ) : فِي الشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ عَقَدَ لِذَلِكَ فَصْلًا فِي الْخُلَاصَةِ والتتارخانية وَقَدْ اسْتَفْتَى الْآنَ عَنْ قَبَّانِيٍّ وَنَحْوِهِ شَهِدَ بِالْوَزْنِ وَالتَّسْلِيمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ذَرْعُ الثَّوْبِ لَوْ أَخْبَرَ بِهِ الشَّاهِدُ بِأَنَّهُ ذَرَعَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ. وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَشَهِدَا عَلَى قَبْضِهِ وَقَالَا نَحْنُ وَزَنَّاهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَا زَعَمَا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ كَانَ حَاضِرًا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْوَزْنِ لَا تُقْبَلُ اهـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا انْتَقَلَ قَبْلَ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَكَانَ الشَّاهِدُ شَاهِدًا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا لَوْ وَزَنَ لَهُ الْغَرِيمُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَوَضَعَهُ وَقَالَ خُذْ مَالَكَ فَقَالَ الْمُقْتَضِي لِرَجُلٍ نَاوِلْنِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَنَاوَلَهَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَى الْمُقْتَضَى وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي شُرُوطِهِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الَّذِي كَالَ الْمَكِيلَ وَفِي الْمَذْرُوعِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّرَاعِ. اهـ. وَسَنَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ جَوَازَ شَهَادَةِ الْقَاسِمَيْنِ وَلَوْ قَسَمَا بِأَجْرٍ مُطْلَقًا

[باب الاختلاف في الشهادة]

مِثْلُ الثَّمَنِ فَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ. (وَ) بَيِّنَةُ (كَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ عَاقِلًا أَوْلَى مِنْ) بَيِّنَةِ (كَوْنِهِ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ أَوْ مَجْنُونًا) يَعْنِي أَنَّ أَمَةً أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا دَبَّرَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ وَأَقَامَتْ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا كَانَ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ. فَبَيِّنَةُ الْأَمَةِ أَوْلَى وَكَذَا إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُلْعِ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى كَوْنِهِ عَاقِلًا حِينَئِذٍ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَأَقَامَ وَلِيُّهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَالْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى فِي الْفَصْلَيْنِ (وَ) بَيِّنَةُ (الْإِكْرَاهِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ) يَعْنِي لَوْ أُثْبِتَ إقْرَارُ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ طَائِعًا فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنِّي كُنْت مُكْرَهًا فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ (بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ) اعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى أُصُولٍ مُقَرَّرَةٍ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى مِنْ مُدَّعٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ حُقُوقِهِمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَالَبَتِهِمْ وَلَوْ بِالتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الدَّعْوَى لِأَنَّ إقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِهَا فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى كَانَ الْمُدَّعَى مُكَذِّبَهُمْ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ لِلِاتِّفَاقِ فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ أَزْيَدُ مِنْ الْمُقَيَّدِ لِثُبُوتِهِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْمِلْكَ بِالسَّبَبِ مُقْتَصِرٌ عَلَى وَقْتِ السَّبَبِ وَمِنْهَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ لَيْسَ كَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي الْمَعْنَى وَفِي لَفْظٍ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ وَلَا عِبْرَةَ بِاللَّفْظِ كَذَا فِي الْفُصُولِ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَوْضِيحٍ لَهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا يَنْبَغِي حَيْثُ قَالَ شَرْطُ مُوَافَقَةِ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى كَاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَلِهَذَا قُلْت (تَجِبُ مُطَابَقَةُ الشَّهَادَةِ لِلدَّعْوَى) لَا لَفْظًا وَمَعْنًى مَعًا بَلْ (مَعْنًى) فَقَطْ (فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ) كَدَعْوَى الدَّارِ بِالْإِرْثِ مَثَلًا (قُبِلَتْ) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِلْمُطَابَقَةِ مَعْنًى كَمَا مَرَّ (وَبِعَكْسِهِ) أَيْ لَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ (لَا) أَيْ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَتَبْطُلُ كَمَا مَرَّ. (وَ) يَجِبُ (تَطَابُقُ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَلَفْظٍ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُ) أَيْ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى بِأَنْ يَتَطَابَقَ لَفْظُهُمَا عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا التَّضَمُّنِ وَعِنْدَهُمَا يَكْفِي الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى حَتَّى إذَا ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمْ يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ] (قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ. . . إلَخْ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لَا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى) هَذَا فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ. . . إلَخْ) هَذَا أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا. . . إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُفَرِّعَ بِقَوْلِهِ فَلَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدُوا بِأَلْفٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ التَّطَابُقِ مَعْنًى وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وِزَانِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ فَشَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى بِأَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا أَلْفًا وَقَدْ شَهِدَا بِهِ صَرِيحًا فَتُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ أَيْ لَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَا أَيْ لَا تُقْبَلُ) هَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الْإِرْثِ وَالنِّتَاجِ وَكَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ مَجْهُولٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قَبْلَنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَطَابُقُ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى. . . إلَخْ) مِنْ صُوَرِهِ مَا لَوْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ وَآخَرُ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْبَرَاءَةِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْكَافِي مَعَ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ اهـ. وَذَكَرَ الْكَمَالُ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلْيُرَاجَعْ

مَعْنَى (فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ قُبِلَتْ) لِاتِّحَادِهِمَا مَعْنًى (كَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا) (وَلَوْ) شَهِدَ (أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ أَوْ طَلْقَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ رُدَّتْ) لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ (كَمَا إذَا ادَّعَى غَصْبًا أَوْ قَتْلًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ) حَيْثُ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ (وَقُبِلَتْ عَلَى أَلْفٍ فِي بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) أَيْ فِي شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ (إنْ ادَّعَى) الْمُدَّعِي (الْأَكْثَرَ) وَهُوَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَلْفِ وَتَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا بِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا فَقَطْ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ شَهِدَ بِالزِّيَادَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّيْنِ (وَفِي الْعَبْدِ تُقْبَلُ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ لَهُ وَآخَرُ أَنَّ هَذَا لَهُ قُبِلَتْ عَلَى) الْعَبْدِ (الْوَاحِدِ) الَّذِي اتَّفَقَا فِيهِ (بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الشُّرْبِ مِنْ الْمُحِيطِ (وَفِي الْعَقْدِ لَا) أَيْ لَا تُقْبَلُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ أَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي (فَلَوْ شَهِدَ) وَاحِدٌ (بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ كِتَابَتِهِ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ رُدَّتْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ (كَذَا الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ قَوَدٍ وَالرَّهْنُ وَالْخُلْعُ إنْ ادَّعَى الْعَبْدُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (وَالْقَاتِلُ) فِي الثَّانِيَةِ (وَالرَّاهِنُ) فِي الثَّالِثَةِ (وَالْمَرْأَةُ) فِي الرَّابِعَةِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَقْصِدُونَ إثْبَاتَ الْمَالِ بَلْ إثْبَاتَ الْعَقْدِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ لِمَا عَرَفْت (وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ) بِأَنْ قَالَ مَوْلَى الْعَبْدِ أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي الْأَلْفَ أَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ صَالَحْتُكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ قُبِلَتْ) كَذَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَتْ نِكَاحَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَالْآخَرُ أَنْتِ بَرِيَّةٌ حَيْثُ لَا يَقْضِي بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعًا الْبَيْنُونَةَ وَاخْتِلَافُ اللَّفْظِ وَحْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ قُلْت نَمْنَعُ التَّرَادُفَ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٌ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٌ لُغَةً وَالْوُقُوعَ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُتَبَايِنَانِ قَدْ يَشْتَرِكَانِ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ مَا وَقْتُ الْبَيْنُونَةِ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا) هُوَ النِّحْلَةُ لِاتِّفَاقِ الْمَعْنَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّبَبِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَوَجْهُهُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ الصَّدَقَةَ إخْرَاجُ الْمَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْهِبَةِ إلَى الْعَبْدِ اهـ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي الْقَبُولُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ فَقِيرٍ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ صَدَقَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ. . . إلَخْ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ إنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَكْثَرَ كَمَا فِي الْكَافِي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَ بِأَلْفٍ حَيْثُ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا ادَّعَى غَصْبًا أَوْ قَتْلًا. . . إلَخْ) وَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ وَقَعَ فِي الْفِعْلِ فَمُنِعَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسِّكِّينِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَكَرَّرُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ صِيغَةَ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِنْشَاءِ بِعْتُ وَأَقْرَضْتُ وَفِي الْإِقْرَارِ كُنْتُ بِعْتُ وَأَقْرَضْتُ فَلَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّطَابُقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى عَلَى وِزَانِ تَطَابُقِ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَآخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ رُدَّتْ) كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجَامِعِ ثُمَّ قَالَ. وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ تُقْبَلُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الشِّرَاءِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَكُونُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّارِحِينَ فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَوْ جَازَ لَزِمَ الْقَضَاءُ بِبَيْعٍ بِلَا ثَمَنٍ إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْخُصُومَةِ كَمَا كَانَتْ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ الْمُدَّعَى بِهَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ وَسِيلَةً إلَى إثْبَاتِهَا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ كِتَابَتِهِ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي الْعَبْدَ أَوْ مَوْلَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى الْعَبْدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ كَذَا الْعِتْقُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْكِتَابَةَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ

عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْقَاتِلُ يَدَّعِي الْأَلْفَ وَكَذَا الْبَاقِيَانِ (فَكَدَعْوَى الدَّيْنِ) فِي وُجُوهِهَا إذْ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَبَقِيَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُدَّعِي فِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنَ كَانَ دَعْوَاهُ فِي الدَّيْنِ بِلَا خَفَاءٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّيْنِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الدَّيْنِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِالْأَلْفِ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَيْسَ هَذَا كَدَعْوَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمَدْيُونِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ عِنْدَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ وَعِنْدَ الْآخَرِ بِأَكْثَرَ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ هُوَ الْأَكْثَرُ لَكِنَّهُ قَضَى الزَّائِدَ عَلَى الْأَلْفِ أَوْ يُبْرِئَهُ عَنْهُ عِنْدَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ أَمَّا هَاهُنَا فَالْمَالُ يَثْبُتُ بِتَبَعِيَّةِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ بِالْأَلْفِ غَيْرُ الْعَقْدِ بِالْأَكْثَرِ فَبَقِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَهَادَةٌ فَرُدَّ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ أَقُولُ جَوَابُهُ أَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِجَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ كَدَعْوَى الدَّيْنِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ لَفْظًا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ مَعْنًى فَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْأَكْثَرِ وَإِنْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْعَقْدِ حِينَ الْعَقْدِ وَتَابِعًا لَهُ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِالْعَكْسِ حِينَ الدَّعْوَى لِمَا عَرَفْت أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا اعْتَرَفَ بِالْعَفْوِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْمُدَّعِي فِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْعَقْدُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِالتَّبَعِ لِلدَّيْنِ كَمَا فِي الرَّهْنِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ فَالْمَالُ يَثْبُتُ بِتَبَعِيَّةِ الْعَقْدِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ ثُبُوتِ الْعَقْدِ وَزَوَالِهِ فَتَدَبَّرْ (وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ) لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ (وَكَالدَّيْنِ بَعْدَهَا وَالْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرُ) إذْ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَكَدَعْوَى الدَّيْنِ فِي وُجُوهِهَا) قَالَ الْكَمَالُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ بِالْأَقَلِّ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ يُعْطَفُ مِثْلُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَضَى بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَأَلْفٍ وَأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ اهـ يَعْنِي بِأَنْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِهِمَا وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ إذْ هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِيَّانَا (قَوْلُهُ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ. . . إلَخْ) مُحَصِّلُهُ أَنَّ دَعْوَى الرَّهْنِ لَيْسَتْ كَدَعْوَى الدَّيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ الْأَقَلُّ لِأَنَّ تَطَابُقَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ مُلْزِمٌ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَاتِّحَادِ السَّبَبِ وَلَيْسَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْأَقَلِّ فِي الرَّهْنِ مُلْزَمًا بِهِ لِكَوْنِ الْمَالِ تَابِعًا لِلْعَقْدِ وَقَدْ تَعَدَّدَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَلِكَوْنِهِمَا عَقْدَيْنِ انْفَرَدَ بِكُلِّ فَرْدٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا وَجَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ. . . إلَخْ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بَلْ هُوَ عَيْنُ كَلَامِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ. . . إلَخْ فَحَاصِلُهُ الْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ثُبُوتِ الْعَقْدِ وَزَوَالِهِ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِ الْعَقْدِ تَكُونُ الدَّعْوَى بِالْعَقْدِ وَالْمَالِ تَابِعٌ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْعَقْدِ وَفِي زَوَالِهِ تَكُونُ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَالْعَقْدِ تَابِعٌ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ اهـ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ وَالثُّبُوتِ وَزِيَادَةِ تَحْقِيقٍ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فَإِنْ قِيلَ الرَّهْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَالِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ إذْ الرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدَّيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لِغَيْرِ الْكَمَالِ وَلِذَا عَقَّبَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مِثْلًا هَكَذَا طَالَبَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى الرَّهْنِ لَهُ عِنْدِي فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إلَّا الْمَالَ وَذِكْرُ الرَّهْنِ زِيَادَةٌ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ دَيْنِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ هَكَذَا طَالَبَهُ بِإِعَادَةِ رَهْنِ كَذَا وَكَذَا كَانَ رَهْنُهُ عِنْدِي عَلَى كَذَا ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ) أَيْ لَا تَثْبُتُ بِالِاخْتِلَافِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ادَّعَى الْإِجَارَةَ سَنَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ لَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ فِي الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ تَنَازَعَا قَبْلَ الزَّرْعِ وَالْحَمْلِ فَسَخَهَا الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَكَالدَّيْنِ بَعْدَهَا وَالْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرُ) أَيْ إذَا سُلِّمَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ انْتَفَعَ أَوْ لَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُؤَجِّرُ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ يَقْضِي بِأَلْفٍ وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِأَلْفٍ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ فَهُوَ كَدَعْوَى الْعَقْدِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

(وَالنِّكَاحُ يَصِحُّ بِالْأَقَلِّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَعِنْدَهُمَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إثْبَاتُ السَّبَبِ، وَالنِّكَاحُ بِأَلْفٍ غَيْرُ النِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلَهُ أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَمِنْ حُكْمِ التَّابِعِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَصْلَ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ فَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ إذًا اتِّفَاقًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْحِلُّ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ وَإِذَا وَجَبَ بَقِيَ الْمَهْرُ مَالًا مُنْفَرِدًا فَوَجَبَ الْقَصَاءُ بِأَقَلَّ الْمِقْدَارَيْنِ كَمَا فِي الْمَالِ الْمُنْفَرِدِ (شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ بِأَلْفٍ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ (كَمَا إذَا شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ) أَيْ ذَلِكَ الْقَرْضَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ (إلَّا إذَا شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ) إذْ حِينَئِذٍ يُوجَدُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ (وَلَا يَشْهَدُ مِنْ عِلْمِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ (حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ) لِئَلَّا يَكُونَ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ (شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ يَوْمَ كَذَا بِمَكَّةَ، وَ) شَهِدَ (آخَرَانِ بِقَتْلِهِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (بِالْكُوفَةِ رُدَّتَا) يَعْنِي أَنَّ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ اجْتَمَعُوا عِنْدَ قَاضٍ فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِمَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَالْآخَرَانِ بِمَا ذُكِرَ ثَانِيًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ (فَإِنْ قَضَى بِإِحْدَاهُمَا رُدَّتْ الْأُخْرَى) لِرُجْحَانِ الْأُولَى بِالسَّبْقِ (شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ بَيْضَاءَ وَالْآخَرُ كَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ صَفْرَاءَ وَالْآخَرُ كَانَتْ حَمْرَاءَ (قُطِعَ) وَقَالَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَمْتَنِعُ بِهِ الْقَبُولُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْغَصْبِ ضَمَانٌ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَالثَّابِتُ هُنَا حَدٌّ يَسْقُطُ بِهَا وَلَهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَوْ سَكَتَا عَنْ ذِكْرِ اللَّوْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَالتَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ لِأَنَّ اللَّوْنَيْنِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ شِقَّيْهَا أَسْوَدَ وَالْآخَرُ أَبْيَضَ وَيَرَى أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَحَدَ طَرَفَيْهَا وَالْآخَرُ الْآخَرَ (بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَعِنْدَ الْقُرْبِ لَا يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ يَصِحُّ بِالْأَقَلِّ) كَذَا حَكَى الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ بِخِلَافِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ اهـ أَيْ دَعْوَاهُ وَدَعْوَاهَا (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) إطْلَاقُ الصِّحَّةِ بِإِلْزَامٍ فِي دَعْوَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ أَجْرَى إطْلَاقَهُ يَعْنِي صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي دَعْوَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَصَحَّحَ الصِّحَّةَ سَوَاءٌ ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ قَيَّدَهُ بِدَعْوَى الْأَكْثَرِ حَيْثُ قَالَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَفْهُومُ يُعْتَبَرُ رِوَايَةً وَبِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَيْضًا يُسْتَفَادُ لُزُومُ التَّفْصِيلِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ بَيْنَ كَوْنِهِ الْأَكْثَرَ فَتَصِحُّ عِنْدَهُ أَوْ الْأَقَلَّ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْبُطْلَانِ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي شَاهِدَ الْأَكْثَرِ كَمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَهِيَ تَدَّعِي. . . إلَخْ يُفِيدُ تَقْيِيدَ جَوَابِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلْأَكْثَرِ دُونَهُ فَإِنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالَ شُرُوطٌ فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَدَيْنِ أَلْفٍ. اهـ. (قُلْت) إلَّا أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَشَارَ إلَى جَوَابِ هَذَا فَقَالَ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الْأَقَلِّ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ صَارَ أَكْثَرَ بِالزِّيَادَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي شَاهِدَهُ كَمَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا قُلْنَا التَّكْذِيبُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ كَمَا إذَا شَهِدَا لَهُ بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِآخَرَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا بِخِلَافِهِ فِيمَا شَهِدَا لَهُ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ. . . إلَخْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ) هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي لَوْنَهَا وَلَوْ عَيَّنَ لَوْنَهَا كَحَمْرَاءَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى وَهُوَ أَوْلَى لِإِفَادَتِهِ عَدَمَ الْقَطْعِ وَعَدَمَ ثُبُوتِ الْمَسْرُوقِ اهـ. وَقِيلَ هَذَا فِي لَوْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَأَمَّا فِي لَوْنَيْنِ غَيْرِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَالتَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ) فَإِنْ قِيلَ فِي التَّوْفِيقِ احْتِيَالٌ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَهُوَ يَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لَا لِإِيجَابِهِ قُلْنَا الْقَطْعُ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ وَمَا يُوجِبُ الدَّرْءَ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُوجِبِ لَا فِي غَيْرِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

[باب الشهادة على الشهادة]

فَلَا يَشْتَغِلُ بِالتَّوْفِيقِ. (وَ) بِخِلَافِ (الْغَصْبِ) لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي النَّهَارِ غَالِبًا فَيَتَمَكَّنُ الشَّاهِدُ مِنْ الْقُرْبِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَتَأَمَّلُ فِي جَمِيعِ أَلْوَانِ الْمَغْصُوبِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِالتَّوْفِيقِ (مِلْكُ الْمُورِثِ لَا يَقْضِي لِوَارِثِهِ بِلَا جَرِّ الشَّاهِدَيْنِ) وَبَيَّنَ مَعْنَى الْجَرِّ بِقَوْلِهِ (بِقَوْلِهِمَا مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ أَوْ وَذَا مِلْكُهُ أَوْ فِي يَدِهِ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِيرَاثِ هَلْ تَحْتَاجُ إلَى الْجَرِّ وَالنَّقْلِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ أَوَّلًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا بُدَّ مِنْهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ يَقُولُ إنَّ مِلْكَ الْمُورِثِ مِلْكُ الْوَارِثِ لِكَوْنِ الْوِرَاثَةِ خِلَافَةً وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ فَصَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُورِثِ شَهَادَةً بِهِ لِلْوَارِثِ وَهُمَا يَقُولَانِ مِلْكُ الْوَارِثِ يَتَجَدَّدُ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْرُوثَةِ وَيَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ مَا كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْمُورِثِ الْفَقِيرِ، وَالْمُتَجَدِّدُ يَحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ لِئَلَّا يَكُونَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ مُثْبِتًا لَكِنْ يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُورِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى قِيَامِ يَدِهِ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يُسَوِّيَ أَسْبَابَهُ وَيُبَيِّنَ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَجَعَلَ الْيَدَ عِنْدَ الْمَوْتِ دَلِيلَ الْمِلْكِ (كَذَا) أَيْ كَالْجَرِّ فِي إفَادَةِ فَائِدَتِهِ (قَوْلُهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (كَانَ) أَيْ مَا يَدَّعِيهِ هَذَا الْوَارِثُ (لِأَبِيهِ أَعَارَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ ذَا الْيَدِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ وَأَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبَ الْجَرَّ فِي الشَّهَادَةِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ قِيَامَ الْيَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ يُغْنِي عَنْ الْجَرِّ وَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ يَدُ الْمُعِيرِ وَالْمُودِعِ (شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ مُنْذُ كَذَا رُدَّتْ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ لَمْ تُقْبَلْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ دُفِعَتْ إلَى الْمُدَّعِي اتِّفَاقًا وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُوَ الْيَدُ فَإِنَّهَا الْآنَ مُنْقَطِعَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ فَلَا يُحْكَمُ بِإِعَادَتِهَا بِالشَّكِّ (إلَّا أَنْ يَقُولَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (وَإِنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَحْدَثَ الْيَدَ فِيهِ فَيَقْتَضِي لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بِالْيَدِ وَيُؤْمَرُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) أَيْ الْمُدَّعِي (لَكِنْ لَا يَصِيرُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِهِ) أَيْ بِزَوَالِ الْيَدِ عَنْهُ (مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بِرَهْنٍ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ تُقْبَلُ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعِي (أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَقَرَّ بِيَدِ الْمُدَّعِي) أَيْ بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ (أَوْ) أَقَرَّ (بِمِلْكِهِ أَوْ) شَهِدَا (أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي (دَفَعَ إلَى الْمُدَّعِي) كَذَا فِي الْكَافِي [بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ] اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَهَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَزِمَتْ الْأَصْلَ لَا حَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لِعَدَمِ الْإِجْبَارِ وَالْإِنَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهَا فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهَا لِمَوْتِهِ أَوْ سَفَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ لَأَدَّى إلَى ضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جُوِّزَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ أَعْنِي الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ ثُمَّ وَثُمَّ لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَا لَا يُصَالُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ (وَتُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ) أَيْ أَصْلِ الشَّاهِدِ عَلَى الْقَضِيَّةِ (بِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ) أَيْ يَكُونُ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ بِهِ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ (أَوْ سَفَرٍ) أَيْ يَكُونُ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ وَإِنَّمَا تَمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ بِلَا مِرْيَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيتَ بِأَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ قَالُوا الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. (وَ) بِشَرْطِ (شَهَادَةِ عَدَدٍ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ (وَإِنْ لَمْ يَتَغَايَرْ فَرْعَاهُمَا) يَعْنِي لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَاهِدٍ شَاهِدَانِ مُتَغَايِرَانِ بَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ) مُخَاطِبًا لِلْفَرْعِ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ بِكَذَا) أَيْ بِأَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا مَثَلًا (وَ) يَقُولُ (الْفَرْعُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا وَقَالَ) أَيْ فُلَانٌ (اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْفَرْعِ، وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرِ التَّحَمُّلِ وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ تَفِي بِذَلِكَ كُلِّهِ وَهِيَ وُسْطَى الْعِبَارَاتِ وَلَهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ الْآنَ فَذَلِكَ ثَمَانِ شِينَاتٍ وَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا خَمْسُ شِينَاتٍ وَأَقْصَرُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَفِيهِ شِينَانِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ شَيْءٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (صَحَّ تَعْدِيلُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَدْلًا صَلَحَ لِلتَّزْكِيَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصْلُحْ لِلشَّهَادَةِ لَا يُقَالُ هُوَ مُتَّهَمٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ نَفْسِهِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَعْدِيلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَدْلُ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ لِيَصِيرَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ (كَأَحَدِ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ أَحَدِ (الشَّاهِدَيْنِ لِلْآخَرِ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ) يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ فِيهَا حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ إذْ قَالَ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِيهَا شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتَانِ بِهَا كَمَا لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْفَرْعُ بَدَلًا لِمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا مَعَ أَحَدِ الِاثْنَيْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَيْسَا بِبَدَلٍ عَنْ الَّذِي شَهِدَ مَعَهُمَا بَلْ عَنْ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ) وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْكَمَالُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ كَيْفَ مَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفَرْعُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى تُقْبَلُ وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَهُمَا بِلَا رِضَا الْخَصْمِ وَعِنْدَهُ لَا إلَّا بِرِضَاهُ وَإِلَّا قُطِعَ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُمَا فَقَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ اهـ. (قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ شَهَادَةِ عَدَدٍ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ) الْمُرَادُ بِالْعَدَدِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ الْفَرْعُ اشْهَدْ. . . إلَخْ) مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إذْ هُوَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَإِنْ حَكَى اخْتِيَارَ غَيْرِهِ اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ حِكَايَةِ اخْتِيَارِ الْفَقِيهِ الْآتِي ذِكْرُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى خَمْسِ شِينَاتٍ حَيْثُ حَكَاهُ وَذَكَرَ أَنَّ ثَمَّ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ ثُمَّ قَالَ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ شَارِحُ الْقُدُورِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ أَوْلَى وَأَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَأَقْصَرُ مِنْهُ. . . إلَخْ) مِنْ الْأَقَلِّ سِتُّ شِينَاتٍ وَأَرْبَعُ شِينَاتٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَثَلَاثُ شِينَاتٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ وَأَقْصَرُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ فَانْقَادُوا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَأَحَدِ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ لِلْآخَرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ صَاحِبِهِ لِلتُّهْمَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ اهـ

عَدْلًا إلَى آخِرِهِ (وَإِنْ سَكَتَ) أَيْ الْفَرْعُ عَنْ تَعْدِيلِ الْأَصْلِ (صَحَّ نَقْلُهَا) أَيْ نَقْلُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ (وَعُدِلُوا) أَيْ بِتَعَرُّفِ الْقَاضِي الَّذِي يَسْمَعُ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَدَالَةَ الْأُصُولِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّزْكِيَةِ كَمَا إذَا حَضَرُوا وَشَهِدُوا فَإِنْ ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا (أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَتَهُ بَطَلَ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ) قَالَ فِي الْكَافِي مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا مَا لَنَا شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ أَمَّا مَعَ حَضْرَتِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِنْ لَمْ يُنْكِرُوا وَهَذَا لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَقَدْ فَاتَ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ يَعْنِي خَبَرَ الْأَصْلِ وَخَبَرَ الْفَرْعِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَعْنَاهُ إذَا قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرِ الْأُصُولِ وَخَبَرِ الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْأُصُولَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فَلَا يَثْبُتُ التَّحْمِيلُ مَعَ الِاحْتِمَالِ أَقُولُ قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهِ وَسَائِرُ الْمُعْتَبَرَاتِ هَكَذَا وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْكَافِي وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مُغَايَرَةُ الْإِشْهَادِ لِلشَّهَادَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِهِ وَلَعَلَّ مَنْشَأَ غَلَطِهِ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ فَإِنَّ مَعْنَى التَّحْمِيلِ هُوَ الْإِشْهَادُ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا إذَا أَنْكَرَ أَصْلَ الشَّهَادَةِ بَلْ هَذَا أَبْلَغُ مِنْ إنْكَارِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ الصَّرِيحِ (شَهِدَا عَنْ اثْنَيْنِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَقَالَا أَخْبَرَانَا بِمَعْرِفَتِهَا وَجَاءَ الْمُدَّعِي بِامْرَأَةٍ لَمْ يَعْرِفَا أَنَّهَا هِيَ قِيلَ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا هِيَ) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لِلْحَاضِرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهَا لِلْحَاضِرَةِ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا مَرَّ مِنْ شَهَادَةٍ قَاصِرَةٍ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ (كَذَا الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ (وَلَوْ قَالَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (فِيهِمَا) أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِبَيَانِ النِّسْبَةِ (التَّمِيمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) بِسُكُونِ الْخَاءِ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ (أَوْ جَدِّهَا) إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْرِيفِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ الْعَامَّةِ وَالنِّسْبَةُ إلَى بَنِي تَمِيمٍ عَامَّةٌ إذْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ بِخِلَافِ النِّسْبَةِ إلَى الْفَخْذِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ حَتَّى إنْ ذَكَرَهُ يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ الْجَدِّ لِأَنَّهُ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فَقَامَ مَقَامَ الْجَدِّ الْأَدْنَى (أَشْهَدُ) أَيْ الْأَصْلُ (عَلَى شَهَادَتِهِ ثُمَّ نَهَاهُ) أَيْ الْفَرْعُ (عَنْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ سَكَتَ صَحَّ نَقْلُهَا وَعُدِلُوا) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا مُحَمَّدٌ لَا تُقْبَلُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ النَّاصِحِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ الْفُرُوعُ حِينَ سَأَلَهُمْ عَنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ لَا نُخْبِرُك بِشَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ أَيْ الْفُرُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَرْحًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَيُسْأَلُ غَيْرُهُمَا وَلَوْ قَالَا لَا نَعْرِفُ عَدَالَتَهُمَا وَلَا عَدَمَهَا فَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَيُسْأَلُ عَنْ الْأُصُولِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقِيَ مَسْتُورًا فَيُسْأَلُ عَنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ. . . إلَخْ) قَالَ الْفَاضِلُ الْمَرْحُومُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَقُولُ لَمْ يَرُدَّ الزَّيْلَعِيُّ تَفْسِيرَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِشْهَادِ بَلْ أَرَادَ أَنَّ مَدَارَ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى إنْكَارِ الْأَصْلِ لِلْإِشْهَادِ حَتَّى يَبْطُلَ وَلَوْ قَالَ لِي شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَكِنْ لَمْ أَشْهَدْ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ صُورَتَيْ إنْكَارِ الْإِشْهَادِ وَهِيَ صُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا إذْ لَا شَكَّ فِي فَوَاتِ الْإِشْهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْمَتْنِ حَصَرَ الْبُطْلَانَ بِصُورَةِ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا مَعَ إنْكَارِ أَصْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ خَافِيًا عَلَيْهِ لَوْ تُوُهِّمَ عَدَمُ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ حِينَئِذٍ وَحَاشَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِذْ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْبُطْلَانَ يَعُمُّ صُورَةَ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا وَصُورَةَ الْإِقْرَارِ بِهَا وَإِنْكَارِ الْإِشْهَادِ تَحَقَّقْتَ أَنَّ كَوْنَ التَّرْكِيبِ أَبْلَغَ فِي الْإِنْكَارِ غَيْرُ مُرَادٍ اهـ مَا قَالَهُ الْفَاضِلُ وَصُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بِأَنْ قَالُوا لَيْسَ لَنَا شَهَادَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَغَابُوا أَوْ مَاتُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَوْ قَالُوا لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ شَرْطٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ اهـ وَالْأَمْرُ لَا يَخْتَصُّ بِإِنْكَارِهَا بَلْ لَوْ أَقَرَّتْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ الْعِبْرَةُ لِمَعْرِفَةِ الشُّهُودِ إيَّاهَا حَتَّى إذَا لَمْ يَعْرِفَاهَا يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إثْبَاتَ أَنَّهَا هِيَ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ (قَوْلُهُ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَانَ الْفَخْذِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ بَيَانَ الْفَخْذِ وَالشُّعَبِ وَالْعِمَارَةِ وَالْقَبِيلَةِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ فِي شَرْطِ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا

[باب الرجوع عن الشهادة]

أَيْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ (لَمْ يَصِحَّ) أَيْ نَهْيًا (كَافِرَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْقَضَاءِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ وَعَلَى قَضَاءِ أَبِيهِ فِي الصَّحِيحِ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْأَرْبَعُ مِنْ الْخَانِيَّةِ (مَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا) بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا أَوْ شَهِدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ مَوْتِهِ فَجَاءَ حَيًّا أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَيْسَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ وَنَحْوَ ذَلِكَ (عُزِّرَ بِالتَّشْهِيرِ) قَالَ فِي الْكَافِي أَعْلَمُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً اتَّصَلَ ضَرَرُهَا بِالْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ زَجْرًا لَهُ وَتَنْكِيلًا إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَعْزِيرُهُ تَشْهِيرُهُ فَقَطْ وَقَالَا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُهُ وَلَا يَضْرِبُهُ فَيَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي أَجْمَعِ مَا كَانُوا وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ وَشُرَيْحٌ كَانَ قَاضِيًا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمِثْلُ هَذَا التَّشْهِيرِ لَا يَخْفَى عَلَى الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) (هُوَ أَنْ يَقُولَ كُنْت مُبْطِلًا فِيهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (وَنَحْوَهُ) كَأَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَمَّا شَهِدْتُ بِهِ أَوْ شَهِدْتُ بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْتُ (فَلَا يَكُونُ إنْكَارُهَا رُجُوعًا) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهَا (لَا يَصِحُّ) أَيْ الرُّجُوعُ عَنْهَا (إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ جِنَايَةٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي بَيِّنَةً عَلَيْهِمَا وَلَا يُحَلِّفُهُمَا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالْيَمِينَ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَدَعْوَى الرُّجُوعِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي بَاطِلَةٌ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ وَضَمَّنَهُ الْمَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اللَّقَبِ مَعَ الِاسْمِ هَلْ هُمَا وَاحِدٌ أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ كَافِرَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ. . . إلَخْ) لَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الْقَبُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ اهـ. وَلَمْ يُعَلِّلْهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي اعْلَمْ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ لَا يُعَزَّرُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارُ وَقَدْ انْزَجَرَ بِدَاعِي اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَابُهُمَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وَفِي الْبُرْهَانِ يُرْجَعُ فِي ظُهُورِ تَوْبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ إذْ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ تَعَرُّفُ حَالِهِ فِي التَّوْبَةِ إلَيْهِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يُقَدَّرُ بِعَامٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ بِنِصْفِ عَامٍ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ وَسَخَّمَ وَجْهَهُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقُدُورِ وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَفِي الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا. . . إلَخْ) بَقِيَ مِنْ تَمَامِ عِبَارَةِ الْكَافِي فَكَانَ هَذَا مِنْهُ احْتِجَاجًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا تَقْلِيدِ شُرَيْحٍ لِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْلِيدَ التَّابِعِيِّ انْتَهَى [بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ] (قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا تَوْبَةٌ. . . إلَخْ) كَذَا جَعَلَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ هَذَا وَجْهًا لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ التَّوْبَةِ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ وَجِنَايَتُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَتَخْتَصُّ التَّوْبَةُ بِمَحَلِّهِ وَلَمَّا أَنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بَيَّنُوا لَهُ مُلَازَمَةً شَرْعِيَّةً بِحَدِيثِ «مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ أَوْصِنِي فَقَالَ عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ إلَى أَنْ قَالَ إذَا عَمِلْتَ سُوءًا فَأَحْدِثْ تَوْبَةَ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالْعَلَانِيَةِ» اهـ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَلَانِيَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِعْلَامِ عَلَى مَحَلِّ الذَّنْبِ بِخُصُوصِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَلْ فِي مِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ عَلَانِيَةٌ وَهُوَ إذَا ظَهَرَ لِلنَّاسِ الرُّجُوعُ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَيْفَ لَا يَكُونُ مُعْلِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي فُلَانٍ وَضَمِنَهُ الْمَالَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ) قَيَّدَ إطْلَاقَ مَتْنِهِ بِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ تَضْمِينُ الْقَاضِي مَنْ رَجَعَ عِنْدَهُ الْمَالَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ وَرَجَعَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا قَضَى عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بِالضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِالضَّمَانِ فِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فَكَانَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ يَسْتَبْعِدُ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ

قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِصِحَّةِ السَّبَبِ (وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْضِ الْمَالِ التَّعْزِيرُ وَالتَّضْمِينُ) أَمَّا التَّعْزِيرُ فَلِمَا مَرَّ وَأَمَّا التَّضْمِينُ أَيْ تَضْمِينُ مَا أَتْلَفَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَلِإِقْرَارِهِمَا عَلَى نَفْسِهِمَا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ الْبَاطِلَةُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ حُكْمَ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قَالَ وَقَبْضِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ (وَلَمْ يَنْتَقِضْ) أَيْ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضُ لَا يَنْتَقِضُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ. (وَ) حُكْمُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ (التَّعْزِيرُ) فَقَطْ وَقَدْ مَرَّ (الْعِبْرَةُ) فِي حَقِّ الضَّمَانِ (لِلْبَاقِي لَا الرَّاجِعِ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ) إذْ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقُومُ نِصْفُ الْحُجَّةِ فَبِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى الشَّهَادَةِ تَبْقَى الْحُجَّةُ فِي النِّصْفِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ ضَمَانُ مَا لَمْ تَبْقَ الْحُجَّةُ فِيهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً بِبَعْضِ الْعِلَّةِ ثُمَّ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ الْعِلَّةِ كَابْتِدَاءِ الْحَوْلِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى بَعْضِ النِّصَابِ وَيَبْقَى مُنْعَقِدًا بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الرَّاجِعُ إذْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ (وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا) أَيْ الرَّاجِعَانِ (النِّصْفَ) إذْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْمَالِ (وَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ضَمِنَتْ الرُّبْعَ) إذْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَبْقَى بِهِ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ (وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا النِّصْفَ) لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِهِ النِّصْفُ (وَإِنْ رَجَعَتْ ثَمَانٍ مِنْ رَجُلٍ وَعَشْرَةِ نِسْوَةٍ فَلَا ضَمَانَ) لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْمَالِ وَهُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَتْ التِّسْعُ الرُّبْعَ لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ) إذْ النِّصْفُ يَبْقَى بِالرَّجُلِ وَالرُّبْعُ بِالْبَاقِيَةِ (وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ) أَيْ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ (فَعَلَيْهِ السُّدُسُ عِنْدَهُ وَالنِّصْفُ عِنْدَهُمَا وَمَا بَقِيَ) وَهُوَ خَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ فِي الْأُولَى وَالنِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ (عَلَيْهِنَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ) لَهُمَا أَنَّ النِّسَاءَ وَإِنْ كَثُرْنَ فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يَقُمْنَ إلَّا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ وَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ الْمَالِ وَبِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفَهُ وَلَهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَعَشْرُ نِسْوَةٍ كَخَمْسَةٍ مِنْ الرِّجَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ يَكُونُ أَسْدَاسًا (وَإِنْ رَجَعْنَ) أَيْ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ (فَقَطْ) وَبَقِيَ رَجُلٌ (فَالنِّصْفُ وِفَاقًا) أَمَّا عِنْدَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ نُقِلَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَتَرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُصَنَّفِي الْفَتَاوَى هَذَا الْقَيْدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ تَعْوِيلًا عَلَى هَذَا الِاسْتِبْعَادِ اهـ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ قَبُولِ دَعْوَى الرُّجُوعِ مُطْلَقًا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِهِ صُرِّحَ فِي الصُّغْرَى عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ وَقَبَضَ الْمَالَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ) كَذَا قَالَهُ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْبَزَّازِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا وَكَذَا الْعَقَارُ يَضْمَنُ بَعْدَ الرُّجُوعِ إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ يَعْنِي لَا التَّضْمِينَ وَقَالَ الْكَمَالُ قَالُوا يُعَزَّرُ الشُّهُودُ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ أَوْ التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْهُ مَا قَالَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ هَذَا (قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ) وَهُوَ خَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ فِي الْأُولَى وَالنِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَيْهِنَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْأُولَى أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِالنِّصْفِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِنَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّ مَا بَقِيَ فَهُوَ عَلَيْهِنَّ مُوَزَّعًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِهِمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِنَّ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ كَأَنَّهُنَّ خَمْسَةُ رِجَالٍ وَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَيْهِنَّ نِصْفٌ لِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ لَهُمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ التَّرَاكِيبِ عَلَى الْمَاهِرِ اللَّبِيبِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعْنَ فَقَطْ فَالنِّصْفُ وِفَاقًا) كَذَا عَكْسُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ. وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الرَّجُلَ رَجَعَ وَثَمَانِ نِسْوَةٍ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسْوَةِ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ فَيَجْعَلُ الرَّاجِعَاتِ كَأَنَّهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَخْمَاسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ. اهـ. قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَلِذَا عَلَّلَ بِمَا لَمْ يُعَلِّلْ بِهِ الْإِمَامُ بَلْ بِمَا عَلَّلَا بِهِ إذْ مَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ كَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَالَ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ

فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْمَالِ وَكَذَا عِنْدَهُ إذْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْمَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ (وَضَمِنَ رَجُلَانِ شَهِدَا مَعَ امْرَأَةٍ فَرَجَعُوا) أَيْ الْكُلُّ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَاهِدَةٍ إذْ الْمَرْأَتَانِ كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَكَانَتْ الْوَاحِدَةُ بَعْضَ الشَّاهِدِ فَكَانَ الْقَضَاءُ مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ بِلَا امْرَأَةٍ (وَلَا يَضْمَنُ رَاجِعٌ فِي النِّكَاحِ بِمَهْرٍ مُسَمًّى مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ كَانَ قِصَاصًا أَوْ نِكَاحًا أَوْ نَحْوَهُمَا لَمْ يَضْمَنْ الشُّهُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مَالًا فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ يُعَادِلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا يُعَادِلُهُ فَبِقَدْرِ الْعِوَضِ لَا ضَمَانَ بَلْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِلَا عِوَضٍ أَصْلًا وَجَبَ ضَمَانُ الْكُلِّ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ جَاحِدَةٌ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً يُقْضَى بِالنِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنَا لَهَا شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا الْبُضْعَ بِعِوَضٍ لَا يَعْدِلُهُ وَلَكِنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتْلِفِ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ ضَرُورَةَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ يُقَدَّرُ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَقَدْ صَارَ مُتَقَوِّمًا إظْهَارًا لِخَطَرِهِ (إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا) يَعْنِي إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا الْمَهْرَ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى ضَمِنَا الزِّيَادَةَ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ (وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (رَاجِعٌ فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفٍ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ ثُمَّ رَجَعَا يَضْمَنَانِ أَلْفًا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ (وَلَا) يَضْمَنُ أَيْضًا (رَاجِعٌ فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفَيْنِ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ رَجَعَا يَضْمَنَانِ لِلْمُشْتَرِي أَلْفًا لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ (وَلَا) يَضْمَنُ (فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ إلَّا نِصْفَ مَهْرِهَا) يَعْنِي إذَا شَهِدَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ ثُمَّ رَجَعَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الرِّجَالِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ اهـ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الصَّاحِبَيْنِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَعَ قِيَامِهِنَّ مَقَامَ رَجُلٍ يُقَسَّمُ عَلَيْهِنَّ مَا ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ فِي حَقِّ مَنْ رَجَعَ مِنْهُنَّ فَيَغْرَمْنَ بِقَدْرِهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُنَّ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ الْخُمُسَانِ وَعَلَيْهِنَّ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَةِ أَثْلَاثًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ اهـ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا الِانْقِسَامَ عَلَيْهِنَّ عِنْدَ الرُّجُوعِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا أَنَّ الِانْقِسَامَ عَلَيْهِنَّ بِحَسَبِ عَدَدِهِنَّ فَعَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ النِّصْفِ وَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفٌ كَامِلٌ وَيَبْقَى خُمُسُ نِصْفِ الْمَالِ بِبَقَاءِ الْمَرْأَتَيْنِ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ مَشْيٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ رَجُلَانِ شَهِدَا مَعَ امْرَأَةٍ فَرَجَعُوا) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَمَالِ وَهِيَ لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَرَجَعُوا ضَمِنُوا أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمَرْأَةِ هُنَا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا مُنْفَرِدَةً مَعَ الرَّجُلَيْنِ بِخِلَافِهَا مَعَ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى جَمِيعِهِنَّ (قَوْلُهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ كَانَ قِصَاصًا) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا شَهِدَا بِهِ ثُمَّ رَجَعَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ قِصَاصًا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ يَعْنِي أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَرَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ (قَوْلُهُ إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ وَتَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ. . . إلَخْ) كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ فَلَوْ شَهِدَا بِهِ وَبِنَقْدِ الثَّمَنِ. . . إلَخْ ثُمَّ رَجَعَا فَإِمَّا أَنْ يَنْظِمَاهُمَا فِي شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا بِأَلْفٍ وَأَوْفَاهُ الثَّمَنَ أَوْ فِي شَهَادَتَيْنِ بِأَنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ فَقَطْ ثُمَّ شَهِدَا بِأَنَّ الْمُشْتَرِي أَوْفَاهُ الثَّمَنَ فَفِي الْأَوَّلِ يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ لَا بِالثَّمَنِ وَفِي الثَّانِي يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ وَذَكَرَ الْفَرْقَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِبَيْعٍ بَاتَ أَوْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ وَلَوْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ أَخَذَهُ فِي الْمُدَّةِ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ بِاخْتِيَارٍ كَمَا لَوْ أَجَازَهُ الْبَائِعُ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْخِيَارِ لَهُ بِثَمَنٍ نَاقِصٍ عَنْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ وَلَا فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ إلَّا نِصْفَ مَهْرِهَا) هَذَا إذَا سُمِّيَ مَهْرًا فِي الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَا الْمَنْفَعَةَ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

يَضْمَنَانِ نِصْفَ الْمَهْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا إتْلَافَ (وَضَمِنَ فِي الْعِتْقِ الْقِيمَةَ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ. (وَ) ضَمِنَ (فِي الْقِصَاصِ الدِّيَةَ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ بَكْرًا فَاقْتَصَّ زَيْدٌ ثُمَّ رَجَعَا تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَنَا لَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ جَزَاءُ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ. (وَ) ضَمِنَ (الْفَرْعُ بِرُجُوعِهِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ أُضِيفَ إلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِ فَيَضْمَنُ (لَا بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَلْ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْمُمْضِي لَا يَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا لَا يَنْتَقِضُ بِرُجُوعِهِمْ كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ مَا أَشْهَدْتُهُ) يَعْنِي أَنَّ الْأُصُولَ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا لَمْ يَضْمَنُوا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِمْ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ لِإِنْكَارِهِمْ سَبَبَ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا التَّحْمِيلَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ (أَوْ) بِقَوْلِهِ (أَشْهَدْتُهُ وَغَلِطْتُ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْأُصُولُ أَشْهَدْنَاهُمْ وَلَكِنَّا غَلِطْنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَقَعْ بِشَهَادَتِهِمْ بَلْ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ضَمِنُوا لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَكَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَشَهِدُوا ثُمَّ حَضَرُوا وَرَجَعُوا (وَلَوْ رَجَعَ الْكُلُّ) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ (ضَمِنَ الْفُرُوعُ فَقَطْ) عِنْدَهُمَا لِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَذَا وُجِدَ مِنْ الْفُرُوعِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الْفُرُوعِ وَتَضْمِينِ الْأُصُولِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ عَايَنَ شَهَادَتَهُمْ وَوَقَعَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ عَنْهُمْ نَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ بِأَمْرِهِمْ (وَ) ضَمِنَ (الْمُزَكِّي بِالرُّجُوعِ) يَعْنِي أَنَّ الْمُزَكِّيَ إنْ رَجَعَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ وَهِيَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَالرَّمْيِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِمُضِيِّ السَّهْمِ فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ سَبَبُ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْمَى إلَيْهِ وَهُوَ سَبَبُ الْجُرْحِ وَهُوَ سَبَبُ تَرَادُفِ الْأَلَمِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ ثُمَّ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَى الرَّمْيِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْأُولَى حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقَتْلِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارُوا كَمَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ (لَا شَاهِدُ الْإِحْصَانِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدُوا بِالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا لِأَنَّهُ شَرْطُ مُحْصِنٍ (كَمَا ضَمِنَ بِهِ) أَيْ بِالرُّجُوعِ (شَاهِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ الْكَمَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ضَمَانٌ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْبُضْعِ حَالَةَ الْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ وَفِي التُّحْفَةِ لَمْ يَضْمَنَا إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ إتْلَافًا بِعِوَضٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا اهـ. (قَوْلُهُ وَضَمِنَ فِي الْعِتْقِ الْقِيمَةَ) سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَالْوَلَاءَ لِلْمَوْلَى وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّدْبِيرِ وَقَضَى بِهِ ضَمِنَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَغَيْرَ مُدَبَّرٍ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ رُجُوعِهِمَا فَعَتَقَ مِنْ ثُلُثِ تِرْكَتِهِ كَانَ عَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ عَبْدًا لِوَرَثَتِهِ وَلَوْ شَهِدَ بِالْكِتَابَةِ ضَمِنَا تَمَامَ الْقِيمَةِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِاسْتِيلَادِهَا ضَمِنَا نُقْصَانَ قِيمَتِهَا تُقَوَّمُ أَمَةً وَأُمَّ وَلَدٍ لَوْ جَازَ بَيْعُهَا مَعَ الْأُمُومَةِ فَيَضْمَنَانِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فَعَتَقَتْ كَانَ عَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ قِيمَتِهَا أَمَةً لِلْوَرَثَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ) لَعَلَّهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ كَمَا ضَمِنَ بِهِ أَيْ بِالرُّجُوعِ شَاهِدُ الْيَمِينِ لَا الشَّرْطِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ صَلَحَ عِلَّةً لِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُجْعَلْ عِلَلًا بِذَوَاتِهَا فَاسْتَقَامَ أَنْ يَخْلُفَهَا الشَّرْطُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَى هَذَا مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَإِلَى الْأَوَّلِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّفْوِيضِ وَآخَرَانِ بِأَنَّهَا طَلُقَتْ أَوْ أَعْتَقَ فَالتَّفْوِيضُ كَالشَّرْطِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ فَقَطْ نَفَيْنَا الضَّمَانَ عَنْهُمْ فِي الْأَصَحِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَأَوْجَبَهُ زُفَرُ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ ظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقَالُوا إنَّ الْعِلَّةَ لَا تَصِحُّ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا هُنَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تَتَعَدَّى فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يُجْعَلُ خَلْفًا عَنْ الْعِلَّةِ هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا عِنْدَهُ وَشَبَّهَ هَذَا بِحَفْرِ الْبِئْرِ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ مُبَاشَرَةٌ لِإِتْلَافِ الْمَالِيَّةِ وَعِنْدَ وُجُودِ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ دُونَ الشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي أَوْ لَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ

[كتاب الصلح]

الْيَمِينِ لَا الشَّرْطُ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَقَالَا إنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَشَهِدَ آخَرَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ أَيْ دُخُولِ الدَّارِ وَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لَا شُهُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ إنَّمَا حَصَلَ بِالْإِعْتَاقِ وَالتَّطْلِيقِ وَهُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا تِلْكَ الْكَلِمَةَ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ كَانَ مَانِعًا فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَى عِلَّتِهِ لَا زَوَالِ الْمَانِعِ (كِتَابُ الصُّلْحِ) أَوْرَدَهُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقْرَارٌ وَلَا لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُورَدَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ (هُوَ) لُغَةً اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ خِلَافُ الْمُخَاصَمَةِ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ بِمَعْنَى اسْتِقَامَةِ الْحَالِ وَشَرْعًا (عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى كَذَا أَوْ مِنْ دَعْوَاكَ كَذَا عَلَى كَذَا وَيَقُولَ الْآخَرُ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ وَقَبُولِهِ (وَشَرْطُهُ الْعَقْلُ) وَهُوَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ صُلْحُ الْمَجْنُونِ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ (لَا الْبُلُوغُ فَصَحَّ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ إنْ نَفَعَ أَوْ عَرِيَ عَنْ ضَرَرٍ بَيِّنٍ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ عَلَى إنْسَانٍ دَيْنًا فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ جَازَ الصُّلْحُ إذْ عِنْدَ انْعِدَامِهَا لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْخُصُومَةُ وَالْحَلِفُ وَالْمَالُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّ الْحَطَّ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الدَّيْنَ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ فِي التِّجَارَاتِ كَالْبَالِغِ (وَلَا الْحُرِّيَّةُ) يَعْنِي أَنَّ حُرِّيَّةَ الْمُصَالِحِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَيْضًا (فَصَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ (مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ) إذَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الْحَقِّ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَيَمْلِكُ التَّأْجِيلَ مُطْلَقًا وَحَطَّ بَعْضِ الثَّمَنِ لِلْعَيْبِ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ صَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ جَازَ لِمَا ذُكِرَ فِي الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ. (وَ) مِنْ (الْمُكَاتَبِ) فَإِنَّهُ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ وَيُؤَخِّرَ بَعْضَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ مَحْجُورًا فَلَا يَصِحُّ صُلْحُهُ (وَشَرْطُهُ) أَيْضًا (أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا لِلْمُصَالِحِ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ لَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) فَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا لِلْمُصَالِحِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ ادَّعَتْ مُطَلَّقَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّ صَبِيًّا فِي يَدِهِ ابْنُهَا مِنْهُ وَجَحَدَ فَصَالَحَتْ مِنْ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ بَطَلَ) لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ لَا حَقُّهَا فَلَا تَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ غَيْرِهَا وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ بِقَوْلِهِ (لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بَطَلَ) لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلطَّالِبِ قَبْلَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ هُنَاكَ يَصِيرُ مَمْلُوكًا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ فَيَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ بِالصُّلْحِ (كَذَا الصُّلْحُ مِنْ الشُّفْعَةِ) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الشَّفِيعُ مِنْ الشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى شَيْءٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْمُشْتَرِي فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْعِلَّةُ هُنَاكَ ثِقَلُ الْمَاشِي وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ فِي شَيْءٍ فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ إزَالَةُ الْمَسْكَةِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ. اهـ. [كِتَابُ الصُّلْحِ] [أَرْكَان الصُّلْح] (كِتَابُ الصُّلْحِ) (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقْرَارٌ وَلَا لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ فَيُصَارُ إلَيْهِ وَلَوْ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنْ النِّهَايَةِ رُكْنُهُ الْإِيجَابُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَأَمَّا إذَا وَقَّعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبَ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ [شُرُوط الصُّلْح] (قَوْلُهُ وَلَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ. . . إلَخْ) كَذَا حَكَى الزَّيْلَعِيُّ خِلَافًا فِي سُقُوطِ الْكَفَالَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْهَا هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَرِوَايَةِ صُلْحِ أَبِي حَفْصٍ تَبْطُلُ وَبِهِ يُفْتِي وَفِي صُلْحِ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ اهـ. (قَوْلُهُ كَذَا الصُّلْحُ مِنْ الشُّفْعَةِ) تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ وَتَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً

إذْ لَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَحَلِّ سِوَى حَقِّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوِلَايَةِ كَمَا مَرَّ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ لَا حَقًّا لِلَّهِ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ صَالَحَ عَنْ حَدٍّ بَطَلَ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا لِلَّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ حَقًّا لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ بِأَنْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بِالصُّلْحِ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إمَّا بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ حَقِّهِ أَوْ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ بِأَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ فَالْغَالِبُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَغْلُوبُ مُلْحَقٌ بِالْمَعْدُومِ شَرْعًا (بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ) حَيْثُ يَصْلُحُ الصُّلْحُ عَنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ (وَالْقِصَاصِ) فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِأَنَّهُ أَيْضًا حَقُّ الْعَبْدِ (وَ) شَرْطُهُ أَيْضًا (كَوْنُ الْبَدَلِ مَالًا) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ وَأَشْبَهِهَا رَوْمًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَصَيْدِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ (مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ) وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْلُومِيَّتُهُ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَذَا فِي الْكَافِي (أَوْ مَنْفَعَةٍ) بِأَنْ صَالَحَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ زِرَاعَةِ أَرْضٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ وَقْتًا مَعْلُومًا جَازَ الصُّلْحُ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَقَدْ وُجِدَ (وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّعْوَى) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ (وَهُوَ) أَيْ الصُّلْحُ (إمَّا بِإِقْرَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ سُكُوتٍ) عَنْهُ بِأَنْ لَا يُقِرَّ وَلَا يُنْكِرَ (أَوْ إنْكَارٍ) وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ (الْأَوَّلُ) أَيْ الصُّلْحُ بِإِقْرَارٍ (كَبَيْعٍ) فِي أَحْكَامِهِ (لَوْ) وَقَعَ (عَنْ مَالٍ بِمَالٍ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَمَا مَرَّ (فَيَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الصُّلْحِ (أَحْكَامُهُ) أَيْ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَهِيَ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِعَيْبٍ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَالْفَسَادُ بِجَهَالَةِ الْبَدَلِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُفْضِيَةُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا) كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةِ رَجُلٍ فَعَلِمَ الزَّوْجُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الصُّلْحَ فَصَالَحَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمَا كَانَ بَاطِلًا وَعَفْوُهُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَالرَّجُلُ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْمُحْصَنَةَ حَتَّى وَجَبَ اللِّعَانُ ثُمَّ صَالَحَهَا عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَ اللِّعَانَ كَانَ بَاطِلًا أَوْ عَفْوُهَا بَعْدَ الرَّفْعِ بَاطِلٌ وَقَبْلَ الرَّفْعِ جَائِزٌ (قَوْلُهُ وَشَرِبَ الْخَمْرَ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ قَاضِي خَانْ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي إذَا صَالَحَ شَارِبَ الْخَمْرِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا وَيَعْفُوَ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ) لَا يَخْتَصُّ عَدَمُ الصُّلْحِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ صَالَحَ رَبُّ الْمَالِ سَارِقَهُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ مَا رَفَعَ إلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَرَاءَةِ عِنْدَنَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ) أَيْ بَطَلَ الصُّلْحُ وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا تُبْطِلُ الْحَدَّ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْقِصَاصِ) كَذَا الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا خَطَأٌ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ) كَذَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَفِي غَيْرِهَا عَبَّرَ بِعَنْ وَذَا لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَمَا لَا يَصِحُّ لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ ثُمَّ هَذَا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْمَتْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَوْنُ الْبَدَلِ مَالًا فَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ صَالِحًا لِلْعِوَضِ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِ (قَوْلُهُ أَوْ إنْكَارِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ صَالَحَ الْوَصِيُّ عَنْ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ إنْكَارٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً عَادِلَةً فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى الْأَلْفِ وَكَذَا الْيَتِيمُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَفَ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْبَدَلَ فَلَا يَصِحُّ اهـ. (قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ رَاجِعًا إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] لِمَا قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ خَيْرٌ وَلَا يَعُودُ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ، وَالْعِلَّةُ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ حَسَنٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وَالسَّاقِطَ لَا يُفْضِي إلَيْهَا (وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) عَلَى الْمُدَّعِي (بِالْبَدَلِ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى (أَوْ بَعْضِهِ) فِي الثَّانِيَةِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى بَكْرٍ دَارًا أَوْ بَعْضًا مِنْهَا وَصَالَحَ بَكْرٌ فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي الثَّانِي عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا رَجَعَ بَكْرٌ عَلَى زَيْدٍ فِي الْأَوَّلِ بِالْأَلْفِ وَفِي الثَّانِي بِخَمْسِمِائَةٍ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ الْمُدَّعِي) وَهُوَ زَيْدٌ (عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) وَهُوَ بَكْرٌ (بِالْمُدَّعَى) وَهُوَ الدَّارُ أَوْ بَعْضُهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ فَأَيُّهُمَا أَخَذَ مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ إنْ كُلًّا فَبِالْكُلِّ وَإِنْ بَعْضًا فَبِالْبَعْضِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ (وَكَإِجَارَةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَبَيْعٍ (لَوْ) وَقَعَ الصُّلْحُ (عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَهَذَا الصُّلْحُ كَذَلِكَ (فَشُرِطَ التَّوْقِيتُ فِيهِ وَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ وَقَدْ مَرَّ (وَالْأَخِيرَانِ) أَيْ الصُّلْحُ بِسُكُوتٍ وَإِنْكَارٍ (مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ (وَفِدَاءُ يَمِينٍ وَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ) إذْ لَوْلَاهُ لَبَقِيَ النِّزَاعُ وَلَزِمَ الْيَمِينُ وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي السُّكُوتِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ عِوَضًا فِي حَقِّهِ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ دَعْوَى تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ وَهُوَ الْأَصْلُ (فَلَا شُفْعَةَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَارٍ مَعَ أَحَدِهِمَا) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارِهِ فَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ عَنْهَا بِدَفْعِ شَيْءٍ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْتَبْقِي الدَّارَ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَيَدْفَعُ خُصُومَةَ الْمُدَّعِي عَنْ نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَلْزَمُهُ (وَتَجِبُ) أَيْ الشُّفْعَةُ (لَوْ) وَقَعَ (الصُّلْحُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الدَّارِ بِأَنْ تَكُونَ بَدَلًا (بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الْإِنْكَارِ أَوْ السُّكُوتِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ فَيُعَامَلُ بِزَعْمِهِ، وَالْإِقْرَارُ هَاهُنَا مِثْلُهُمَا (وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ) فِي صُورَةِ الصُّلْحِ بِسُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ (يَرُدَّ الْمُدَّعِي الْبَدَلَ) أَيْ بَدَلَ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ (وَيُخَاصِمُ مَعَ الْمُسْتَحِقِّ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَبْقَى الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ بِلَا خُصُومَةِ أَحَدٍ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ (وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ) إنْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْعِوَضِ (أَوْ بَعْضِهِ) إنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَتْرُكْ الدَّعْوَى إلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ الْبَدَلُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْبَدَلُ رَجَعَ بِالْبَدَلِ (هَلَاكُ الْبَدَلِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) إلَى الْمُدَّعِي (كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَيْ فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفَصْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ أَوْ بَعْضِهِ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي تَصْوِيرِ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ اتِّحَادِ الْحُكْمِ فِي الرُّجُوعِ بِكُلِّ الْبَدَلِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَالتَّصْوِيرُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَكَذَا ادَّعَى دَارًا أَوْ بَعْضَهَا مُعَيِّنًا عَلَى آخَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ فَاسْتَحَقَّ الْمُدَّعِي بَعْضَهُ رَجَعَ بِكُلِّ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضِهِ فَبِقَدْرِهِ مِنْ الْبَدَلِ (قَوْلُهُ فَأَيُّهُمَا أَخَذَ مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ) الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ رَجَعَ بِمَا ادَّعَى لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ دَفْعٌ بَلْ دَعْوَى (قَوْلُهُ وَكَإِجَارَةٍ لَوْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ فَشُرِطَ التَّوْقِيتُ فِيهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ بِأَنْ ادَّعَى شَيْئًا فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ أَوْ سُكْنَى سَنَةٍ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى صَبْغِ الثَّوَابِ أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ فَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَطَلَ الصُّلْحُ فَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى وَلَوْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى بِقَدْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ الْمُدَّعِي يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا وَيَبْطُلُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلَيْسَ الثَّوْبُ وَالتَّوْجِيهُ وَتَمَامُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي السُّكُوتِ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى إيهَامُ عَدَمِ الظُّهُورِ فِي السُّكُوتِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْإِنْكَارِ أَنَّ مَا يُعْطِيهِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِدَاءِ الْيَمِينِ وَكَذَا فِي السُّكُوتِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ وَجِهَةُ الْإِنْكَارِ رَاجِحَةٌ إذْ الْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ كَوْنُ مَا فِي يَدِهِ عِوَضًا عَمَّا وَقَعَ بِالشَّكِّ (قَوْلُهُ فَلَا شُفْعَةَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَارٍ مَعَ أَحَدِهِمَا) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَكِنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْمُدَّعِي فَيُدْلِي بِحُجَّتِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا الشَّفِيعُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ اهـ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَامَةِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى) هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ بِهَذَا وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْتُ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى نَفْسِهِ لَا بِالدَّعْوَى لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْمُبَايَعَةِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِيَّةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ

السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى (صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ لَمْ يَصِحَّ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى كَانَ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطًا لِلْبَعْضِ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالدَّيْنِ حَتَّى إذَا مَاتَ وَاحِدٌ وَتَرَكَ مِيرَاثًا فَبَرِئَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ بَرَاءَةً عَنْ الْأَعْيَانِ (إلَّا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي) هَذَا مَا قَالُوا مِنْ الْحِيلَةِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى بَدَلِ الصُّلْحِ دَوْمًا مَثَلًا لِيَكُونَ مُسْتَوْفِيًا بَعْضَ حَقِّهِ وَأَخَذَ الْعِوَضَ عَنْ الْبَعْضِ أَوْ يُلْحِقُ بِهِ ذِكْرَ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ دَعْوَى الْعَيْنِ جَائِزٌ (صَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ (عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ صُلْحُهُ. (وَ) عَنْ دَعْوَى (الْمَنْفَعَةِ) كَأَنْ يَدَّعِيَ فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً مِنْ صَاحِبِهَا فَجَحَدَ الْوَارِثُ أَوْ أَقَرَّ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ جَازَ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ جَائِزٌ فَكَذَا الصُّلْحُ لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ (وَ) عَنْ دَعْوَى (الرِّقِّ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ جَازَ (وَكَانَ عِتْقًا بِمَالٍ مُطْلَقًا) أَيْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ (لَوْ) وَقَعَ الصُّلْحُ (بِإِقْرَارٍ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ (فَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعِتْقٌ بِمَالٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي) حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْوَلَاءُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَتُقْبَلَ وَيَثْبُتَ الْوَلَاءُ. (وَ) عَنْ دَعْوَى (الزَّوْجِ النِّكَاحَ وَكَانَ خُلْعًا) يَعْنِي صَحَّ الصُّلْحُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الصِّحَّةِ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَنْ تَرْكِ الْبُضْعِ خُلْعٌ وَالصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَفِي حَقِّهَا لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ (لَا عَنْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ) أَيْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي الْمَرْأَةَ بِأَنْ تَدَّعِيَ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهَا عَلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهَا لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَلَا عِوَضَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْفُرْقَةِ كَمَا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ فُرْقَةً فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمَّا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ دَعْوَاهَا عَلَى حَالِهَا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي زَعْمِهَا فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَكَانَ رِشْوَةً وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ لَا الزِّيَادَةِ فَسَقَطَ الْأَصْلُ لَا الزِّيَادَةُ. (وَ) لَا عَنْ (دَعْوَى حَدٍّ) لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَجْرِي فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (وَ) دَعْوَى (نَسَبٍ) لِأَنَّ الصُّلْحَ إمَّا إسْقَاطٌ أَوْ مُعَاوَضَةٌ، وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُهُمَا (وَلَا إذَا قَتَلَ مَأْذُونٌ رَجُلًا عَمْدًا وَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا ثُمَّ صُلْحُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحْ لَكِنْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَهُ فَقَدْ عَفَا عَنْهُ بِبَدَلٍ فَصَحَّ الْعَفْوُ وَلَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَلْ تَأَخَّرَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ صُلْحَهُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى) يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِهِ يَبْطُلُ بِقَدْرِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْهَلَاكُ (قَوْلُهُ صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ بَرَاءَتَهُ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي أَوْ يَزِيدَهُ دِرْهَمًا وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ صَحَّ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ) يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا فِيمَا إذَا وَقَعَ عَنْهُ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَقَطْ وَإِنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَنَافِعَ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ دَعْوَى الْمَنْفَعَةِ كَأَنْ يَدَّعِي فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً) يَعْنِي أَوْ ادَّعَى الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ صُورَةُ دَعْوَى الْمَنَافِعِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ تَصَالَحَا لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ وَعَنْ دَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ) لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الزَّوْجِ لَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ الْمُدَّعِي فَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ (قَوْلُهُ لَا عَنْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْوِقَايَةِ وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَالْأَوَّلُ فِي بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا

نَفْسِهِ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَأَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى بَدَلٍ مُؤَجَّلٍ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ الصُّلْحُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (وَصَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ يَعْنِي صُلْحَ الْمَوْلَى (عَنْ نَفْسِ عَبْدٍ لَهُ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ الْقَتْلَ عَمْدًا لِأَنَّ عَبْدَهُ مِنْ كَسْبِهِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَاسْتِخْلَاصُهُ (وَ) صَحَّ (صُلْحُ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَهَذَا إنْ ادَّعَى أَحَدٌ رِقِّيَّتَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ وَإِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ وَإِذَا قُتِلَ لَا يَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى بَلْ لِوَرَثَتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِهَا كِتَابَتَهُ وَيَحْكُمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَيَكُونَ الْفَضْلُ لَهُمْ فَصَارَ كَالْحُرِّ فَيَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَ) صَحَّ (الصُّلْحُ عَنْ مَغْصُوبٍ تَلِفَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ عَرْضٍ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ عَرْضٍ جَازَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقِيمَةِ فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا رِبًا وَلَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَالِكِ بَاقٍ مَا لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِالضَّمَانِ حَتَّى إذَا تَرَكَ التَّضْمِينَ بَقِيَ الْعَبْدُ هَالِكًا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ فَاعْتِيَاضُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَكُونُ رِبًا إذْ الزَّائِدُ عَلَى الْمَالِيَّةِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الصُّورَةِ الْبَاقِيَةِ حُكْمًا لَا الْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى الْأَكْثَرِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ بِالْقَضَاءِ إلَى الْقِيمَةِ وَكَذَا الصُّلْحُ بِعَرْضٍ صَحَّ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مَغْصُوبٍ تَلِفَ لِعَدَمِ الرِّبَا. (وَ) صَحَّ (فِي الْعَمْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ وَفِي الْخَطَأِ لَا) لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ مُقَدَّرَةٌ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهَا تَكُونُ رِبًا فَيَبْطُلُ الْفَضْلُ وَالْوَاجِبُ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الرَّبَّا فَلَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى غَيْرِهَا صَحَّ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ بِهَا لَكِنْ يَشْتَرِطُ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ كَذَا فِي الْكَافِي (كَمَا فِي مُوسِرٍ أَعْتَقَ نِصْفًا لَهُ وَصَالَحَ عَنْ بَاقِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ) يَعْنِي عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَصَالَحَ عَنْ بَاقِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ بَطَلَ الْفَضْلُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَتَقْدِيرُ الشَّرْعِ لَيْسَ أَدْنَى مِنْ تَقْدِيرِ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ (وَلَوْ) صَالَحَ عَنْ بَاقِيهِ (بِعَرْضٍ صَحَّ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ نِصْفِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ (وَكَّلَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ عَلَى بَعْضِ دَيْنٍ يَدَّعِيهِ) مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ (لَزِمَ بَدَلُهُ الْمُوَكِّلَ) دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا مَحْضًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ (إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِالضَّمَانِ لَا بِالصُّلْحِ (وَفِيمَا هُوَ كَبَيْعٍ) وَهُوَ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ (لَزِمَ وَكِيلَهُ) لِأَنَّ الْحُقُوقَ حِينَئِذٍ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ (صَالَحَ فُضُولِيٌّ وَضَمِنَ الْبَدَلَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِهِ) بِأَنْ قَالَ عَلَى أَلْفَيْ هَذَا (أَوْ أَشَارَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ بِلَا نِسْبَةٍ إلَى نَفْسِهِ) بِأَنْ قَالَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ (أَوْ أَطْلَقَ) بِأَنْ قَالَ عَلَى أَلْفٍ (وَنَقَدَ) أَيْ سَلَّمَ (صَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ (وَصَارَ) أَيْ الْمُصَالِحُ (مُتَبَرِّعًا هُنَا) أَيْ فِي الصُّورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَصَحَّ أَيْ الصُّلْحُ يَعْنِي صُلْحُ الْمَوْلَى عَنْ نَفْسِ عَبْدٍ لَهُ) الْمُرَادُ بِالْمَوْلَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ لِلْمَوْلَى الَّذِي هُوَ الْمَأْذُونُ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَذْكُرَ بَدَلَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدَ رَقَبَتِهِ) صَوَابُهُ وَلِهَذَا لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ وَهِيَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ عَرْضٍ إذْ الصُّلْحُ عَلَى عَرْضٍ لَا خِلَافَ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا سَنَذْكُرُ (قَوْلُهُ وَكَذَا الصُّلْحُ بِعَرْضٍ صَحَّ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهُ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ فِيهِ إيهَامُ الْخِلَافِ فَدَفَعَهُ بِالتَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الرِّبَا وَنَصَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَطَأِ لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَالصُّلْحُ صَحِيحٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيَبْطُلُ الْفَضْلُ (قَوْلُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ) يَعْنِي بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ

الرَّابِعَةُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَلْ إذْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ) أَيْ لَمْ يُسَلِّمْ الْفُضُولِيُّ الْبَدَلَ (وُقِفَ) أَيْ صَارَ الصُّلْحُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ (فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ (وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ (رُدَّ) أَيْ الصُّلْحُ هَذِهِ صُوَرٌ خَمْسٌ لِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ فَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُشِرْ فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مَجَّانًا لِعَدَمِ رِضَائِهِ بِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَشْرُوطُ لِالْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَرَاءَةُ وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ فَقَدْ شَرَطَ لَهُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَصَارَ الْعَقْدُ تَامًّا بِقَبُولِهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْعَبْدَ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أَوْ وَجَدَهُ حُرًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَمْ يَضْمَنْ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ دَلَالَةَ التَّسْلِيمِ عَلَى رِضَى الْمُدَّعِي فَوْقَ دَلَالَةِ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ عَلَى رِضَاهُ وَأَمَّا الْخَامِسُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَبَاقِي الْوُجُوهِ لَمْ يُفِدْ صِحَّةَ الصُّلْحِ (الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا لَهُ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مِنْ جِنْسِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَقْدِ مُدَايَنَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمَا فَالصُّلْحُ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَحَطٌّ لِبَاقِيهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ يُصَحَّحُ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا (فَصَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ (عَنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَ) عَنْ (أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ) فَجُعِلَ حَطًّا لِلْبَعْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْبَعْضِ وَالصِّفَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ عَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي الدَّيْنُ بِهِ. (وَ) عَنْ (أَلْفٍ حَالٍّ عَلَى) أَلْفٍ (مُؤَجَّلٍ) إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى تَأْخِيرٍ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ. (وَ) عَنْ (عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إذْ يُعْتَبَرُ حَطًّا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَبَعْضِ الدَّرَاهِمِ وَتَأْجِيلًا لِلْبَعْضِ لَا مُعَاوَضَةً لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ لَازِمٌ فِي الصُّلْحِ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ حَطًّا وَإِسْقَاطًا لَمْ يُعْتَبَرْ مُعَاوَضَةً (لَا عَنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ) لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ. (وَ) لَا (عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا) لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ إذْ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ هُوَ الْمُؤَجَّلُ وَالْمُعَجَّلُ خَيْرٌ مِنْهُ فَقَدْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً وَالْأَجَلُ كَانَ حَقَّ الْمَدْيُونِ وَقَدْ تَرَكَهُ بِإِزَاءِ مَا حَطَّ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ فَكَانَ اعْتِيَاضًا عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ أَلَا يَرَى أَنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ حُرِّمَ لِشُبْهَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْأَجَلِ فَلَأَنْ تَحْرُمَ حَقِيقَتُهُ أَوْلَى (وَ) لَا (عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى نِصْفِهِ بِيضًا) لِأَنَّ الْبِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّودُ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِيضَ فَقَدْ صَالَحَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا لَهُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) عَدَلَ بِهِ عَنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ الَّتِي هِيَ الصُّلْحُ عَمَّا اسْتَحَقَّ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ هَذَا سَهْوًا لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَمِيعُ صُوَرِهِ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطًا لِلْبَاقِي وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ بِجِنْسٍ آخَرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَالصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ الصُّلْحُ عَلَى مَا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَصْلًا جَيِّدًا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ نَقْضٌ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْجَوَابُ عَنْ الْكَنْزِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَخَذَ لِبَعْضِ حَقِّهِ لَا يَكُونُ إلَّا وَبَدَلُ الصُّلْحِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِخْبَارُهُ بِأَخْذٍ مَخْصُوصٍ بِبَعْضِ حَقِّهِ مُبَيِّنٌ لَهُ بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَمُؤَدَّى عِبَارَتِهِ الصُّلْحُ عَمَّا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ بِجُزْءٍ مِنْهُ أَخَذَ لِبَعْضِ حَقِّهِ. . . إلَخْ فَلَا عُمُومَ وَلَا سَهْوَ وَلَا اعْتِرَاضَ (قَوْلُهُ بِعَقْدِ مُدَايَنَةٍ) صُوَرُ الْمَتْنِ بِهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ لِشُمُولِهِ مَا عَلَيْهِ بِغَصْبٍ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَكَانَ الْأَوْلَى بَيَانُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَتْنُ مِنْ الْمُدَايَنَةِ وَالْغَصْبِ (قَوْلُهُ وَعَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ زُيُوفٌ وَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْجِيَادِ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً ضَرُورَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا. . . إلَخْ) هَذَا فِي غَيْرِ صُلْحِ الْمَوْلَى مُكَاتَبَةً عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى نِصْفِهَا حَالًّا حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ

مَا لَا يَسْتَحِقُّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَكَانَ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفِ الْجَوْدَةِ فَكَانَ رِبًا. (وَ) لَا عَنْ (دَيْنٍ عَلَيْهِ عَلَى جِنْسٍ غَيَّرَهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ لَا يَكُون إلَّا مُعَاوَضَةً وَجَهَالَةُ الْبَدَلِ تُبْطِلُهَا (صَالَحَ عَنْ كُرِّ حِنْطَةٍ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ قَبَضَ) أَيْ الْعَشَرَةَ (فِي الْمَجْلِسِ جَازَ) أَيْ الصُّلْحُ لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الصُّلْحَ فِي صُورَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَجِبُ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ فَلَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ (وَإِنْ قَبَضَ خَمْسَةً وَبَقِيَ خَمْسَةٌ فَتَفَرَّقَا صَحَّ فِي النِّصْفِ فَقَطْ) لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ (كَذَا الْعَكْسُ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَ عَنْ عَشَرَةٍ عَلَيْهِ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَإِنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِمَا عَرَفْتَ (قَالَ ادْفَعْ لِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي فَإِنْ دَفَعَ غَدًا بَرِئَ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ لَمْ يَبْرَأْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْرَأُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَهُمَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ وَالْمُقَيَّدَ بِهِ يَفُوتُ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ فِي الْغَدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ غَرَضًا حَذَرَ إفْلَاسِهِ أَوْ تَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَكَلِمَةُ عَلَى وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ لَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَقَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَحُمِلَ عَلَى الشَّرْطِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا ذُكِرَ وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ صَالَحْتُكَ) أَيْ عَنْ الْأَلْفِ (عَلَى خَمْسِمِائَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ غَدًا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّكَ إنْ لَمْ تَدْفَعْهَا غَدًا فَالْكُلُّ عَلَيْكَ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ) يَعْنِي إنْ قَبِلَ وَأَدَّى بَرِئَ عَنْ الْبَاقِي وَإِلَّا فَالْكُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ التَّقْيِيدِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَطَلَ وَالثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا بَرِئَ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُعْطِهَا) لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْإِبْرَاءَ وَأَدَاءَ خَمْسِمِائَةٍ غَدًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا مَعَ الشَّكِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مَقْرُونًا بِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا يَقَعُ مُطْلَقًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا لَا يَقَعُ مُطْلَقًا فَلَا يَثْبُتُ الْإِطْلَاقُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا لَمْ يُؤَقِّتْ) أَيْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ غَدًا بَلْ قَالَ ادْفَعْ لِي خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي (بَرِئَ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا لَمْ يَكُنْ الْأَدَاءُ غَرَضًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بَلْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الْغَدِ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ عَلَّقَ صَرِيحًا لَمْ يَصِحَّ) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَوْ مَتَى أَوْ إذَا فَأَنْتَ بَرِيءٌ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ فِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَمَا لَا يَبْطُلُ (قَالَ) أَيْ الْمَدْيُونُ (سِرًّا لِلدَّائِنِ لَا أُقِرُّ لَكَ بِمَا لَكَ حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ فَفَعَلَ) أَيْ التَّأْخِيرَ أَوْ الْحَطَّ (صَحَّ) أَيْ التَّأْخِيرُ وَالْحَطُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ (عَلَيْهِ) أَيْ الدَّائِنُ حَتَّى إنَّهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِّ وَفِي الْحَطِّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَةِ مَا حَطَّهُ أَبَدًا (وَلَوْ أَعْلَنَ) أَيْ مَا قَالَهُ سِرًّا (أَخَذَ الْآنَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَا عَنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ عَلَى جِنْسِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ عَرْضًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ عَنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَإِذَا كَانَ الْعَرْضُ مُعَيَّنًا صَلَحَ الصُّلْحُ وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ كَدَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي عَقْدِهِ ثُمَّ أَدَّى مِثْلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ كَمَا فِي الصَّرْفِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَصَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ. اهـ.

أَيْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُقِرِّ فِي الْحَالِ بِلَا تَأْخِيرٍ وَحَطٍّ (الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ شَارَكَهُ الْآخَرُ فِيهِ) هَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ مَلَكَهُ مَشَاعًا كَأَصْلِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ وَإِنْ ازْدَادَ بِالْقَبْضِ إذْ مَالِيَّةُ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَةِ الْقَبْضِ لَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ رَاجِعَةٌ إلَى أَصْلِ الْحَقِّ فَتَصِيرُ كَزِيَادَةِ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ فَلَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ وَلَكِنَّهُ قَبْلَ الْمُشَارَكَةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْقَابِضِ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَضْمَنَ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا اتَّحَدَ الصَّفْقَةُ وَثَمَنُ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَرَجَعَا عَلَى الْغَرِيمِ بِالْبَاقِي) لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي كَذَلِكَ وَفَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ أَخَذَ) الشَّرِيكُ (الْآخَرُ نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الدَّيْنِ (مِنْ غَرِيمِهِ) لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهِ فَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ (أَوْ) أَخَذَ (نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَنْ نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ مَشَاعٌ لِأَنَّ قِسْمَةَ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ وَحَقَّ الشَّرِيكِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَأَخْذُهُ النِّصْفَ دَالٌّ عَلَى إجَازَةِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَضْمَنَ) أَيْ شَرِيكُهُ (لَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ (وَلَوْ لَمْ يُصَالِحْ) أَحَدُهُمَا (بَلْ اشْتَرَى بِنِصْفِهِ) أَيْ نِصْفِ الدَّيْنِ (شَيْئًا ضَمَّنَهُ) أَيْ ضَمَّنَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (الرُّبْعَ) أَيْ رُبْعَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ بِالْمُقَاصَّةِ بِلَا حَطٍّ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ فَصَارَ كَقَبْضِهِ نِصْفَ الدَّيْنِ فَيَكُونُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالرُّبْعِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُرَابَحَةً فَكَأَنَّ الْمُصَالِحَ بِالصُّلْحِ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِهِ نَصِيبُهُ وَقَبْضُ بَعْضِهِ فَإِذَا أَلْزَمْنَا دَفْعَ رُبْعِ الدَّيْنِ تَضَرَّرَ بِهِ الْمُصَالِحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ تَمَامَ نِصْفِ الدَّيْنِ فَلِذَا خَيَّرْنَاهُ (وَفِي الْإِبْرَاءِ عَنْ حِصَّتِهِ) أَيْ إذَا أَبْرَأَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ذِمَّةَ الْمَدْيُونِ عَنْ حِصَّتِهِ. (وَفِي الْمُقَاصَّةِ بِدَيْنٍ سَبَقَ) أَيْ إذَا كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِ الطَّالِبَيْنِ دَيْنٌ بِسَبَبٍ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمَا عَلَيْهِ فَصَارَ قِصَاصًا (لَمْ يَرْجِعْ الشَّرِيكُ) عَلَى الْمَدْيُونِ بِحِصَّتِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إتْلَافٌ وَلَيْسَ بِقَبْضٍ فَلَمْ يَزْدَدْ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي بِالْبَرَاءَةِ فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّيْنَيْنِ إذَا الْتَقَيَا قَضَاءً أَنْ يَصِيرَ الْأَوَّلُ مَقْضِيًّا بِالثَّانِي وَالْمُشَارَكَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الِاقْتِضَاءِ (وَفِي بَعْضِهَا قُسِّمَ الْبَاقِي عَلَى سِهَامِهِ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِ حِصَّتِهِ كَانَ قِسْمَةُ الْبَاقِي عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ لِأَنَّ الْحَقَّ عَادَ إلَى هَذَا الْقَدْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَى الْمَدْيُونِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَأَبْرَأَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ نِصْفِ نَصِيبِهِ كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَمْسَةِ وَلِلسَّاكِتِ الْمُطَالَبَةُ بِالْعَشَرَةِ (صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ فَظَهَرَ عَدَمُهُ أَوْ زَالَ بَطَلَ الصُّلْحُ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى عَيْبًا فِي جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَاصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يُبْرِئَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ. . . إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِي كَوْنُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْرِيعِ جُزْئِيًّا لِلْأَصْلِ وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ نَفْسُ الْأَصْلِ وَالْمُفَرَّعُ غَيْرُ مَا فَرَّعَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ. . . إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَشْتَرِكَا بِأَنْ كَانَ عَيْنَيْنِ لِكُلِّ عَيْنٍ بِيعَتَا صَفْقَةً بِلَا تَفْصِيلِ ثَمَنٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ. . . إلَخْ) فِي التَّفْرِيعِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا وَهَذَا صُلْحٌ عَنْهُ ثُمَّ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَدَلِ الصُّلْحِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَفِي الدَّيْنِ إذَا رَجَعَ عَلَى الْمُصَالِحِ أَثْبَتْنَا لِلْمُصَالِحِ الْخِيَارَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَوْ رُبْعَ الدَّيْنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِي الْإِبْرَاءِ عَنْ حِصَّتِهِ وَالْمُعَاوَضَةِ بِدَيْنٍ سَبَقَ لَمْ يَرْجِعْ الشَّرِيكُ عَلَى الْمَدْيُونِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَمْ يَرْجِعْ الشَّرِيكُ عَلَى شَرِيكِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ عَلَى الشَّرِيكِ لَفْظَ الْمَدْيُونِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِمَنْ لَهُمَا عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَكِنْ فِيهِ خَفَاءٌ اهـ. وَالتَّزَوُّجُ بِنَصِيبِهِ إتْلَافٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ لِوُقُوعِ الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ إتْلَافٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِهِمَا قَسَّمَ الْبَاقِي عَلَى سِهَامِهِ أَيْ لَوْ أَبْرَأَهُ. . . إلَخْ) كَانَ الْأَوْلَى التَّعْمِيمَ فَيُقَالُ وَفِي بَعْضِهَا أَيْ فِي الْبَرَاءَةِ عَنْ الْبَعْضِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ قَسَّمَ الْبَاقِي (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَى الْمَدْيُونِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَأَبْرَأَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ نِصْفِ نَصِيبِهِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَوْ قَاصَصَهُ عَنْ نِصْفِهِ بِدَيْنِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ تَأْجِيلُ نَصِيبِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَى شَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَافِذٌ عِنْدَهُمَا وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. اهـ.

أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا عَيْبٌ أَوْ كَانَ وَلَكِنَّهُ قَدْ زَالَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ بَدَلَ الصُّلْحِ (صَالَحَ أَحَدُ رَبَّيْ سَلَمٍ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ فَإِنْ أَجَازَهُ الْآخَرُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ رَجُلَانِ إلَى آخَرَ فِي طَعَامٍ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ السَّلَمِ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْآخَرِ فَإِنْ أَجَازَ جَازَ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَمَا بَقِيَ مِنْ السَّلَمِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُجِزْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ جَازَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنَّ أَحَدَ الدَّائِنَيْنِ إذَا صَالَحَ الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى بَدَلٍ جَازَ فَكَانَ الْآخَرُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ بِنَصِيبِهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي النِّصْفِ مِنْ النَّصِيبَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ خُصُوصِيَّةَ نَصِيبِهِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِالتَّمَيُّزِ وَلَا تَمَيُّزَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهَا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ فَسَخَ عَلَى شَرِيكِهِ عَقْدَهُ فَيَفْتَقِرُ إلَى رِضَاهُ (أَخْرَجَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ بِمَالٍ أَوْ) أَخْرَجَ عَنْ (ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ) أَيْ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ (أَوْ) عَنْ (نَقْدَيْنِ بِهِمَا) أَيْ بِالنَّقْدَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ أَيْضًا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ (صَحَّ) أَيْ الصُّلْحُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ (قَلَّ بَدَلُهُ أَوْ لَا) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ فِي النَّقْدَيْنِ التَّسَاوِي بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فَإِنْ وُجِدَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا. (وَفِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا) أَيْ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا (إلَّا إذَا كَانَ الْمُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ) لِتَكُونَ حِصَّتُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ حَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ صَوْنًا عَنْ الرِّبَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ (وَبَطَلَ إنْ شَرَطَ لَهُمْ الدَّيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُمَلِّكًا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ بِمَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ مِنْ الْعَيْنِ وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ تَعَوَّضَ وَإِذَا بَطَلَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ (إلَّا إذَا شَرَطُوا بَرَاءَةَ الْغُرَمَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (أَوْ قَضَوْا نَصِيبَ الْمُصَالِحِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (تَبَرُّعًا) ثُمَّ تَصَالَحُوا عَمَّا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهَا مِنْ ضَرَرِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ أَقْرَضُوهُ) أَيْ الْمُصَالِحَ (قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ (وَصَالَحُوا عَنْ غَيْرِهِ وَأَحَالَهُمْ) أَيْ أَحَالَ الْمُصَالِحُ الْوَرَثَةَ (بِالْقَرْضِ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُمْ (عَلَى الْغُرَمَاءِ) وَتَقَبَّلُوا الْحَوَالَةَ (وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْ تَرِكَةٍ مَجْهُولَةٍ لَا دَيْنَ فِيهَا) قَوْلُهُ (عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالصُّلْحِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَأُرِيدَ الصُّلْحُ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ فَيَكُونُ رِبًا وَقِيلَ يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَإِنْ كَانَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ أَقَلَّ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ صَالَحَ أَحَدَ رَبَّيْ سَلَمٍ. . . إلَخْ) الْخِلَافُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمْ عَلَى الصَّحِيحُ سَوَاءٌ خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ أَوْ لَا وَقِيلَ إنْ لَمْ يَخْلِطَا رَأْسَ الْمَالِ جَازَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَفِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ. . . إلَخْ) كَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا حَالَةَ التَّصَادُقِ وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرْضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ (قَوْلُهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ) قَائِلُهُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقِيلَ يَصِحُّ قَائِلُهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

[كتاب القضاء]

فَكَانَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مُؤَدِّيًا إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا (وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ عَنْ) تَرِكَةٍ (مَجْهُولَةٍ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ) مِنْ الْوَرَثَةِ (غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إذْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنٌ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ (كِتَابُ الْقَضَاءِ) أَوْرَدَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ صُلْحٌ (هُوَ) لُغَةً الْأَحْكَامُ وَشَرْعًا (إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ) لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ (وَأَهْلُهُ أَهْلَ الشَّهَادَةِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلْزَامٌ إذْ الشَّهَادَةُ مُلْزَمَةٌ عَلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ مُلْزَمٌ عَلَى الْخَصْمِ فَمَا يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ (وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطُ أَهْلِيَّتِهِ) وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ (وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَيَكُونُ أَهْلَهُ لَكِنَّهُ لَا يُقَلَّدُ) إذْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِوَاسِطَةِ فِسْقِهِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ كَانَ الْمُقَلِّدُ آثِمًا (كَمَا يَصِحُّ قَبُولُ شَهَادَتِهِ) لِوُجُودِ أَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ (وَلَا تُقْبَلُ) لِمَا ذُكِرَ حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهَا كَانَ آثِمًا لَكِنَّهُ يَنْفُذُ. وَفِي الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةِ هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ (اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْمِصْرِ شَرْطًا لِنَفَاذِهِ وَكَوْنِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَعْمَالِهِ) الْمِصْرُ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذُوا بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا بِالْقِسْمَةِ فِي الرُّسْتَاقِ جَازَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَالِ الْقَضَاءِ وَكَذَا إذَا خَرَجَ إلَى الْقُرَى وَنَصَبَ قَيِّمًا فِي أُمُورِ الصِّغَارِ أَوْ الْوَقْفِ أَوْ نِكَاحِ الصِّغَارِ كَذَا حَكَى فَتْوَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ وَلَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ شَهَادَاتِ الْمُحِيطِ إنَّ هَذَا مُشْكِلٌ عِنْدِي لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَضَاءِ (أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْقَاضِي إذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ هَلْ يَصِيرُ قَاضِيًا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا وَلَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ (وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِهَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ) لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ (وَقِيلَ يَنْعَزِلُ) لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَقَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ بِدُونِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْقَضَاءِ] ِ) (قَوْلُهُ وَشَرْعًا إلْزَامُ الْغَيْرِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) إطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْإِقْرَارِ فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ إعَانَةٌ لِلْمُدَّعِي لَا قَضَاءٌ لِأَنَّهُ كَمَا سَيَذْكُرُ فَصْلَ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ مَعَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ إلْزَامَهُ لِنَفْسِهِ فَوْقَ إلْزَامِ الْقَاضِي فَلَا يَحْتَاجُ لِإِلْزَامِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ) يَعْنِي الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِلْزَامِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْقَضَاءُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ نَصْبُ الْقَاضِي فَرْضٌ وَنَصْبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرَ) يَعْنِي مِنْ قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ فَالنَّهْيُ لِلْإِيجَابِ يَعْنِي يَجِبُ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لَكِنْ لَوْ قَبِلَ صَحَّ الْحُكْمُ بِهِ وَكَانَ الْقَاضِي آثِمًا (قَوْلُهُ الْمِصْرِ) شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ كِتَابَ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إلَى الْقَاضِي هَلْ يَصِحُّ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِقَاضٍ وَعَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَصِحُّ وَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ وَالثَّانِيَةُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي فِي الرَّسَاتِيقِ بِحَادِثَةٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي عَلِمَ قَبْلَ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ اهـ كَذَا فِي الصُّغْرَى وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْمِصْرَ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَطَرِيقَةُ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْضِي قَضَاءَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَثِيرٌ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ إذَا خَرَجَ الْقَاضِي إلَى الْمَحْدُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَمِعَ الدَّعْوَى ثَمَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ هُنَاكَ كَيْفَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي كَذَا فِي الصُّغْرَى. (تَنْبِيهٌ) : إذَا قَلَّدَ السُّلْطَانُ إنْسَانًا قَضَاءَ بَلْدَةٍ كَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْقُرَى مَا لَمْ يَكْتُبْ فِي رَسْمِهِ وَمَنْشُورِهِ الْبَلْدَةَ وَالسَّوَادَ فِي بَابِ الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الصُّغْرَى اهـ. وَبِهِ جَزَمَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ [أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةِ] (قَوْلُهُ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا كَمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِهَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ) يَعْنِي وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَعَلِيٌّ الرَّازِيّ صَاحِبُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارٌ حَسَنٌ لِعَدَمِ ائْتِمَانِ النَّاسِ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ

وَقَالَ قَاضِي خَانْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ) وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْحَرَامِ (وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ) وَهِيَ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالْآثَارِ) وَهِيَ مَا يُرْوَى عَنْ الْأَصْحَابِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - (وَوُجُوهِ الْفِقْهِ) أَيْ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَحْكَامِ الْوَقَائِعِ (وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوَّلِيَّةِ) لَا الْجَوَازُ (كَذَا الْمُفْتِي) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا الِاجْتِهَادُ (وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) أَيْ بِالْقَلْبِ (وَلَا يَسْأَلُ) أَيْ بِاللِّسَانِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِّلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ أَيْ يُلْهِمُهُ الرُّشْدَ وَيُوَفِّقُهُ لِلصَّوَابِ» (وَيَخْتَارُ الْأَقْدَرَ وَالْأَوْلَى) أَيْ يَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَخْتَارَ لِلْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَقْدَرُ وَأَوْلَى بِهِ (وَلَا يَكُونُ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا) لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَضَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَلَّدَ غَيْرَهُ عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ وَخَانَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» وَعَمَلُ الْقَضَاءِ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ وَأَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ (وَيُكْرَهُ التَّقَلُّدُ) أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ (لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ) أَيْ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ أَمِنَ مِنْهُ لَا يُكْرَهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ بِلَا إكْرَاهٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَقِيلَ قَدْ ازْدَرَاهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ هَكَذَا ثُمَّ دَعَا فِي مَجْلِسِهِ بِمَنْ يُسَوِّي شَعْرَهُ فَجَعَلَ الْحَلَّاقَ يَحْلِقُ بَعْضَ أَشْعَارِ ذَقَنِهِ فَعَطَسَ فَأَصَابَ الْمُوسَى حَلْقَهُ وَأَلْقَى رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَيَجُوزُ تَقَلُّدُهُ مِنْ الْجَائِرِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْعَادِلِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ الْخِلَافَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَتَقَلَّدُوا مِنْ يَزِيدَ مَعَ فِسْقِهِ وَجَوْرِهِ وَالتَّابِعُونَ تَقَلَّدُوا مِنْ الْحَجَّاجِ مَعَ كَوْنِهِ أَظْلَمَ زَمَانِهِ (وَ) مِنْ (أَهْلِ الْبَغْيِ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ التَّقَلُّدُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ يَصِحُّ وَبِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا يَنْعَزِلُ قُضَاةُ الْعَدْلِ وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ السُّلْطَانُ الْعَدْلُ (فَإِنْ تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) وَهِيَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا نُسَخُ السِّجِلَّاتِ وَالصُّكُوكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ أَحَدُهُمَا تَكُونُ فِي يَدِ الْخَصْمِ وَالْأُخْرَى فِي دِيوَانِ الْقَاضِي إذْ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ثُمَّ الْوَرَقُ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ هَذِهِ النُّسَخَ إنْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ صَارَ الْعَمَلُ لِغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ الْخُصُومِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مَا اتَّخَذَهُ لِلتَّمَوُّلِ بَلْ لِلتَّدَيُّنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ) حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى فَكَأَنَّ الْقَاضِيَ فَخْرَ الدِّينِ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الْقِيلَ وَاعْتَبَرَ قَوْلَ الْأَكْثَرِ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ فِي عَدَمِ نُفُوذِهِ فِيهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ قَضَايَاهُ فِيمَا ارْتَشَى وَفِيمَا لَمْ يَرْتَشِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ كَانَ كَارْتِشَائِهِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَكَانَ عَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّ مَا قَبَضَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَهْمِهِ) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يُوثَقَ بِهِ فِي فَهْمِهِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ فَيُجْعَلُ سَمْعُهُ وَفَهْمُهُ وَقَلْبُهُ إلَى كَلَامِ الْخَصْمَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُمَا يُضَيِّعُ الْحَقَّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قَلِقًا وَلَا ضَجِرًا وَلَا غَضْبَانَ وَلَا جَائِعًا وَلَا عَطْشَانَ وَلَا مُمْتَلِئًا وَلَا مَاشِيًا وَقْتَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ) فَإِنْ طَلَبَ لَا يُوَلَّى (قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ فَظًّا سَيِّئَ الْخُلُقِ غَلِيظًا قَاسِيًا جَبَّارًا عَنِيدًا) يَعْنِي فَيَكُونُ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فَمَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَهَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَإِنْ أُمِنَ مِنْهُ لَا يُكْرَهُ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا عُرِضَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ عَدَدٌ يَصْلُحُونَ لِلْقَضَاءِ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ بَلْ هُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْقَبُولِ وَالتَّرْكِ ثُمَّ إذَا جَازَ لَهُ التَّرْكُ وَالْقَبُولُ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ بِلَا إكْرَاهٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. . . إلَخْ) احْتَجَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِصُنْعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَصُنْعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالصَّالِحِينَ لِأَنَّ لَنَا بِهِمْ قُدْوَةً وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ إذَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عِبَادَةً خَالِصَةً بَلْ هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَدْلُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً» وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَاضِي الْجَاهِلِ أَوْ الْعَالِمِ الْفَاسِقِ أَوْ الطَّالِبِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الرِّشْوَةَ فَيَخَافُ أَنْ يَمِيلَ إلَيْهَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ اهـ. (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَقَلُّدُهُ مِنْ الْجَائِرِ) إنَّمَا يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ إذَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ أَمَّا إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ فَلَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّقَلُّدِ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَبْعَثُ عَدْلَيْنِ مِنْ أُمَنَائِهِ أَوْ عَدْلًا وَاحِدًا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ لِيَقْبِضَا دِيوَانَ الْمَعْزُولِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ عَنْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا لِكَشْفِ الْإِشْكَالِ عَنْهُمَا وَيَضَعَانِ كُلَّ شَيْءٍ فِي خَرِيطَةٍ بِمُفْرَدِهِ. اهـ.

وَكَذَا الْخُصُومُ تَرَكُوهُ فِي يَدِهِ فِي عَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ الْعَمَلُ إلَى غَيْرِهِ (وَأَلْزَمَ مَحْبُوسًا أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) يَعْنِي نَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ أَنْكَرَ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ (وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِأَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا، وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِمْ بَيِّنَةً (نَادَى عَلَيْهِ) أَيْ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادِيَ عَلَيْهِ أَيْ يَأْمُرَ مُنَادِيًا يُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ إذَا جَلَسَ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ الْفُلَانِيَّ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ خَصْمٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ (وَخَلَّاهُ) أَيْ أَطْلَقَهُ (وَنَظَرَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ) الَّتِي وَضَعَهَا الْمَعْزُولُ فِي أَيْدِي الْأُمَنَاءِ (وَعَمِلَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ ذِي الْيَدِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ (لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ) لِمَا مَرَّ (إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ) إذْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْقَاضِي كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ مَالٌ إذَا أَقَرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (وَجَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَوْلَى) لِأَنَّهُ أَشْهَرُ مَوَاضِعِ الْبَلْدَةِ (أَوْ) جَلَسَ (فِي دَارِهِ وَأَذِنَ) لِلنَّاسِ (بِالدُّخُولِ فِيهَا وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ قَبْلُ) لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي دَارِهِ وَحْدَهُ يُوَرِّثُ التُّهْمَةَ (وَرَدَّ) أَيْ لَمْ يَقْبَلْ (هَدِيَّةً) لِأَنَّ قَبُولَهَا يُؤَدِّي إلَى مُرَاعَاةِ الْمُهْدِي (إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ اعْتَادَ مُهَادَاتَهُ) أَيْ لَا يَرُدُّ مِنْهُمَا (قَدْرًا عُهِدَ) أَيْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالثَّانِي لَيْسَ لِلْقَضَاءِ بَلْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا خُصُومَةٌ) إذْ لَوْ كَانَتْ لَكَانَ آكِلًا بِقَضَائِهِ (وَشَهِدَ الْجِنَازَةَ) لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ (لَا الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ) وَهِيَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضِيفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا لِأَنَّ الْخَاصَّةَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ (وَيَعُودُ مَرِيضًا) لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ (وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ جُلُوسًا وَإِقْبَالًا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ» (وَلَا يُضَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً) لِلتُّهْمَةِ (وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ) لِأَنَّهُ إغْرَاءٌ عَلَى خَصْمِهِ (وَلَا يَمْزَحُ مُطْلَقًا) أَيْ لَا يُمَازِحُهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَهَابَةَ الْقَضَاءِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً لِلتُّهْمَةِ (وَلَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ) بِأَنْ يَقُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَيْ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ) لَوْ قَالَ يُنَادِي عَلَيْهِ أَيَّامًا كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ) أَيْ فَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْقَاضِي إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِ الثَّانِي وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَجَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَوْلَى) يَعْنِي إذَا كَانَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرَفِ يَخْتَارُ الْجُلُوسَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْقِدَ فِي الطَّرِيقِ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ التُّهْمَةَ وَإِنْ جَلَسَ وَحْدَهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَرِيبًا مِنْهُ لِلْمَشُورَةِ وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَانِ حَيْثُ يَكُونُونَ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَجْلِ الْهَيْبَةِ اهـ. وَأَطْلَقَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ قَيْدِ الْجَهْلِ فَقَالَ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يُشَاوِرُهُمْ وَيَسْتَعِينُ بِرَأْيِهِمْ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْلِسَ مَعَهُ مَنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ لِيَهْدِيَهُ إلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَاوِرَهُمْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِإِذْهَابِهِ بِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ وَاتِّهَامِهِ بِالْجَهْلِ وَلَكِنْ يُقِيمُ النَّاسَ ثُمَّ يُشَاوِرُهُمْ أَوْ يَكْتُبُ فِي رُقْعَةٍ أَوْ يُكَلِّمُهُمْ بِلُغَةٍ لَا يَفْهَمُهَا الْخَصْمَانِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ حَصْرٌ بِإِجْلَاسِهِمْ عِنْدَهُ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ الْكَلَامِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَإِنْ كَانَ لَا يُجْلِسُهُمْ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ حَادِثَةٌ بَعَثَ إلَيْهِمْ (قَوْلُهُ لَا الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ) هَذَا فِي دَعْوَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي دَعْوَةِ الْقَرِيبِ يُجِيبُهَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُجِيبُ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُجِيبُ وَإِنَّمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَتَّخِذْ الدَّعْوَةَ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهِدَايَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَجَازَ لَهُ مُحَمَّدٌ حُضُورَ دَعْوَةِ قَرِيبِهِ الْخَاصَّةِ كَالْعَامَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعْنَاهُ مِنْهَا لِمَكَانِ التُّهْمَةِ وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ كُلَّ مَا يَمْتَنِعُ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ مِنْ اتِّخَاذِهَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجِيبُ فَهِيَ الْخَاصَّةُ وَإِلَّا فَهِيَ الْعَامَّةُ (قَوْلُهُ وَيَعُودُ مَرِيضًا) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ دَعْوَى وَكَذَا الْجِنَازَةُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُمَازِحُهُمَا. . . إلَخْ) . أَيْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي بَدْئِهِمَا بِالْكَلَامِ وَسُكُوتِهِ إلَى أَنْ يَبْدَأَهُ بِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي زَحْمَةٍ بَلْ يَجْعَلُ الرِّجَالَ نَاحِيَةً وَالنِّسَاءَ نَاحِيَةً (قَوْلُهُ وَلَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

لَهُ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَيُكْرَهُ كَتَلْقِينِ الْخَصْمِ (وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُحْصَرُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ تَلْقِينُهُ إحْيَاءً لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ إحْصَارِ الْخَصْمِ وَالتَّكْفِيلِ (وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَى الْخَصْمِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَمَرَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمُقِرَّ (بِدَفْعِهِ) أَيْ دَفْعِ الْحَقِّ (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ عَنْ الدَّفْعِ (حَبَسَهُ) شَرَطَ الْإِبَاءَ بَعْدَ أَمْرِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ كَمَا ثَبَتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ إذْ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ وَمِثْلُهُ حُكِيَ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَكْسُهُ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَعْتَذِرُ وَيَقُولُ مَا عَلِمْت أَنَّ لَهُ عَلَيَّ دَيْنًا إلَّا السَّاعَةَ فَإِذَا عَلِمْتُ قَضَيْتُ وَلَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ وَالْأَحْسَنُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَدْرَ مَا يَرَى) اُخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ الْحَبْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلْإِيذَاءِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُتَفَاوِتَةٌ (بِطَلَبِ ذِي الْحَقِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حَبَسَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ (فِيمَا لَزِمَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ (بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ لَهُ كَثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَدَيْنِ الْكَفَالَةِ) لِأَنَّ الْمَالَ إذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ وَإِقْدَامَهُ عَلَى الْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ يَسَارِهِ. (وَفِي غَيْرِهَا) مِنْ الدُّيُونِ (لَا) أَيْ لَا يُحْبَسُ (إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ) إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْيَسَارِ (إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ) فَيَحْبِسَهُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ دَلِيلَ الْيَسَارِ إذَا لَمْ يُوجَدْ كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ غِنَاهُ فَيَحْبِسُهُ (ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ أَطْلَقَهُ) فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ فَحَبْسُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ ظُلْمًا (وَلَمْ يَمْنَعْ غُرَمَاءَهُ عَنْهُ) لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ طَلَبَ الْآخَرِ حَقَّهُ مِنْهُ (وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ) لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْحَبْسُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ (وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَوْلَى) يَعْنِي إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الْيَسَارِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْإِعْسَارِ فَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَوْلَى لِأَنَّهُ عَارَضَ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ (وَأَبَّدَ حَبْسَ الْمُوسِرِ) لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ) رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ (قَوْلُهُ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ) مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ خَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ عِلْمًا وَوَفَّقَ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا وَفَّقَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ وَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَهُ وَالصَّوَابُ لَا يَحْبِسُهُ فِيهِمَا أَيْ فِي صُورَتَيْ لُزُومِ الْمَالِ بِعَقْدٍ أَوْ مُبَادَلَةٍ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالَ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ لَهُ مَالٌ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّ لَهُ مَالًا فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ فَإِنْ أَبِي حَبَسَهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا وَهُوَ يُنْكِرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ. اهـ. (تَنْبِيهٌ) : هَذَا فِي غَيْرِ دَيْنِ الْوَلَدِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَمَوْلَى الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَدَيْنِ الْكَفَالَةِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَفِيلًا عَنْ أَصْلٍ كَكَفِيلِ أُمٍّ فَلَا يَحْبِسُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِحَبْسِهِ أَنْ يَحْبِسَ الْكَفِيلُ الْأُمَّ وَلَا يَجُوزُ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سُؤَالُ الْقَاضِي عَنْ حَالِهِ بَعْدَ الْحَبْسِ احْتِيَاطًا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ وَلَا يَسْأَلُ وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ مَعَ هَذَا كَانَ أَحْوَطَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَمْنَعْ غُرَمَاءَهُ عَنْهُ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيُلَازِمُونَهُ وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُ إذْ الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عُسْرَتِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصْلُحُ لِدَفْعِ الْحَبْسِ عَنْ الْمَدْيُونِ لَا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَرِيمِ فِي الْمُلَازَمَةِ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْهُمَا أَيْ الْمُلَازَمَةِ وَأَخَذَ فَضْلَ الْكَسْبِ إلَى أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اكْتَسَبَ مَالًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى الْإِفْلَاسِ قَبْلَ حَبْسِهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَبْسِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا السُّؤَالُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَقَبُولِ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ وَبِهِ أَفْتَى مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ حَتَّى تَتَأَيَّدَ بِمُؤَيِّدٍ وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَأَيَّدَتْ اهـ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ سَمِعَهَا قَبْلَ الْحَبْسِ ثُمَّ حَبَسَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ لَا مَانِعَ مِنْ اعْتِمَادِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْإِخْبَارِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ اهـ وَفِي إطْلَاقِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِحَالَةِ تَسَامُحٍ لِمَا قَالَ فِي الصُّغْرَى خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَلَا يَشْتَرِطُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ اهـ. وَكَيْفِيَّةُ الْإِخْبَارِ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَالُ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالَهُ ضَيِّقَةٌ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ طَلَبَ الْمَدْيُونُ يَمِينَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ أَطْلَقَهُ وَلَوْ قَبْلَ الْحَبْسِ وَإِنْ حَلَفَ حَبَسَهُ اهـ. وَمِثْلُهُ

[ما تقضي فيه المرأة]

امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ظَهَرَ ظُلْمُهُ فَيُجَازَى بِتَأْبِيدِ حَبْسِهِ (لَا يَحْبِسُهُ لِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ) لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَلَا يُحْبَسُ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (بَلْ) يُحْبَسُ (فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا إذَا أَبَى) عَنْ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَفِي تَرْكِهِ قَصْدَ إهْلَاكِهِمَا فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ هَلَاكِهِمَا (تَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ يُسْتَقَى مِنْ الشَّهَادَةِ وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ فِي غَيْرِهِمَا فَكَذَا قَضَاؤُهَا فِيهِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ (وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ) أَيْ لَا يُنَصِّبُ نَائِبًا لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا التَّقْلِيدُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ (إلَّا إذَا فُوِّضَ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ (إلَيْهِ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ وَلِّ مَنْ شِئْتَ (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ) وَهُوَ الْخَطِيبُ (فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ) لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ (مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ) مَفْعُولُ يَسْتَخْلِفُ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَنَائِبُ الْقَاضِي الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ) يَعْنِي السُّلْطَانَ (فَلَا يَعْزِلُهُ) أَيْ إذَا كَانَ نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي (إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ اسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْتَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الْعَزْلُ (وَلَا يَنْعَزِلُ) أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي (بِخُرُوجِهِ) أَيْ الْقَاضِي (عَنْ الْقَضَاءِ) هَذَا أَيْضًا فَرْعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (وَنَائِبُ غَيْرِهِ) أَيْ نَائِبُ غَيْرِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ أَجَازَهُ) أَيْ لَمْ يَقْضِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ قَضَى فِي غَيْبَتِهِ وَأَجَازَهُ (صَحَّ) قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ وُجِدَ (يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ) يَعْنِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ (لَا مَا خَالَفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ) إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ فَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي أَوْ بِثُبُوتِ حِلِّ الْوَطْءِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ فِي مُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَنْفُذُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمُخَالِفَتِهِ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] هَذَا إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَلَا مَزِيدَ عَلَى الْأَدْنَى وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الصُّغْرَى إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ حَلَفَ أَبَّدَ الْحَبْسَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ اهـ. وَفِي إطْلَاقِ التَّأْبِيدِ تَسَامُحٌ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ لِتَعَرُّفِ حَالِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لَا يَحْبِسُهُ لِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ) كَذَا كُلُّ دَيْنٍ غَيْرَهَا لِوَلَدِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الْكِسْوَةُ الْمَاضِيَةُ الْمُقَرَّرَةُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً بِعَقْدٍ وَهِيَ مِنْ النَّفَقَةِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَالٍ (قَوْلُهُ بَلْ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا إذَا أَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ) قَالَ الْكَمَالُ يَحْبِسُ كُلَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا. اهـ. (تَنْبِيهٌ) : وَهَلْ يَحْبِسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ لَهُ فَلْيُنْظَرْ. (تَتِمَّةٌ) : لَا يَحْبِسُ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَكَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ سَوَاءٌ بَعُدَ مَحَلُّهُ أَوْ قَرُبَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ مَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي سَفَرِهِ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ دَيْنَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ [مَا تَقْضِي فِيهِ الْمَرْأَة] (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي بِخُرُوجِهِ أَيْ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ) حَكَى فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِخُرُوجِ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ الْأَصْلِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّوَّابَ الْآنَ يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِ الْقَاضِي وَمَوْتِهِ لِأَنَّهُمْ نُوَّابُ الْقَاضِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ الْآنَ أَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ وَنَائِبُ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ نَائِبُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَنَائِبُ غَيْرِهِ إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ أَجَازَهُ صَحَّ) يَعْنِي إنْ صَلَحَ النَّائِبُ قَاضِيًا كَأَنْ لَا يَكُونَ رَقِيقًا وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ (قَوْلُهُ يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ) قَالُوا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَلَا يُمْضِيهِ الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا) كَذَا فِي نُسَخٍ وَلَيْسَ التِّلَاوَةُ فَإِنَّهَا {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِأَنَّهُ قَالَ {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا

الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَمْضَى) جَزَاءُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي نَفَذَ (قَضَاءُ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ وَتَابَ أَوْ) قَضَاءُ (الْأَعْمَى أَوْ) قَضَاءُ (امْرَأَةٍ) قَوْلُهُ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَضَاءُ (أَوْ) قَضَاءُ (قَاضٍ لِامْرَأَتِهِ، وَ) قَاضٍ (بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ التَّائِبِ، وَ) شَهَادَةِ (الْأَعْمَى، وَ) قَاضٍ (لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا، وَ) قَاضٍ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ بِشَهَادَتِهَا) أَيْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ (نَفَذَ) أَمْرُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَلَمْ يُخَالِفْ مَا ذُكِرَ (حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ الثَّالِثُ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ كَالثَّانِي وَالْأَوَّلَ تَأَيَّدَ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يَتَأَيَّدْ بِهِ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالْقَضَاءُ حَقُّ الشَّرْعِ يَجِبُ صِيَانَتُهُ وَمِنْ صِيَانَتِهِ أَنْ يَلْزَمَ وَلَا يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ (وَأَمَّا قَضَاءُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ. (وَ) قَضَاءُ (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا يَنْفُذُ أَبَدًا) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ عَلَيْهِ (يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقَتْلِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ فِي يَوْمِ كَذَا وَقَضَى بِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ الْمَيِّتَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَسْمَعُ وَيَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَلَوْ ادَّعَى قَتْلَهُ فِيهِ وَقَضَى بِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ بَعْدَهُ كَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا مِيرَاثًا لِأُمِّي وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ مِيرَاثًا لِي وَقَضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّ أُمَّكَ الَّتِي تَدَّعِي الْإِرْثَ عَنْهَا مَاتَتْ قَبْلَ فُلَانٍ الَّذِي تَدَّعِي أَنَّهُ مَاتَ أَوَّلًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَسِرُّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ النِّزَاعِ، وَالْمَوْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْتٌ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لِيَرْتَفِعَ بِإِثْبَاتِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَحَلٌّ لِلنِّزَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى (الْقَضَاءُ بِحِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ) يَعْنِي الْعُقُودَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْفُسُوخَ كَالْإِقَالَةِ وَالْفُرْقَةِ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِينَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا (بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَسْبَابِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَفِي النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يُقَدَّمُ النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ تَصْحِيحًا لِلْقَضَاءِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفَاذِ ظَاهِرًا أَنْ يُسَلِّمَ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا إلَى الرَّجُلِ وَيَقُولَ سَلِّمِي نَفْسَكِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَبِالنَّفَاذِ بَاطِنًا أَنْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَحِلَّ لَهَا التَّمْكِينُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِقَضَائِهِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَكَانَ الشُّهُودُ زُورًا بِدَلِيلِ الْقِصَّةِ (الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ) الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ (بِخِلَافِ رَأْيِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضَاءِ الْمُرَادُ بِخِلَافِ الرَّأْيِ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ نَحْوِهِ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِي يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) الْمُرَادُ بِالْبَاقِينَ الصَّاحِبَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقَضَاؤُهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ نَافِذًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَصَرَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِظُهُورِ أَدِلَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلِيلِهِ وَإِنْ بَالَغَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فِي تَوْجِيهِهِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ اهـ

إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ (لَوْ) كَانَ قَضَاؤُهُ (نَاسِيًا مَذْهَبَهُ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ (قِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ فِيهِمَا) فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ بَلْ يَرَى خِلَافَهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي (لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ الْآخَرَ» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ (إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ وَوَصِيِّهِ أَوْ شَرْعًا كَوَصِيِّ الْقَاضِي أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ) وَيَصِيرُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (كَمَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى ذِي يَدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الْمُدَّعَى مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ عَلَى الْحَاضِرِ كَانَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ) يَعْنِي ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذِي الْيَدِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُدَّعِي لَا يَتَوَسَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ (وَلَوْ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ (شَرْطًا) لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ (لَا) أَيْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ (إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ) كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَقَامَتْ زَوْجَةُ الْحَالِفِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْغَائِبِ لِإِبْطَالِ نِكَاحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِدُخُولِ فُلَانٍ الدَّارَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَائِبِ وَهَاهُنَا زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ ذُكِرَتْ فِي الْمُنْيَةِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيَنْظُرْ فِيهَا (وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَائِبِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ (فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ عِنْدَنَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (التَّرِكَةُ إذَا اُسْتُغْرِقَتْ بِالدَّيْنِ فَوِلَايَةُ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي لَا لِلْوَرَثَةِ) إذْ لَا مِلْكَ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْبَيْعِ (يُقْرِضُ) أَيْ الْقَاضِي (مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ وَيُكْتَبُ) أَيْ الصَّكُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. . . إلَخْ) الْخِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ وَجْهِ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَتْرُكُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلِّدِ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ. وَنُقِلَ هَذَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ. اهـ. (فَائِدَةٌ) الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ إذَا فُسِخَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ حُكِيَ عَنْ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا كَمَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا تُقْبَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا وَمِنْهُمْ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهُوَ كَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ التَّرِكَةُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي إلَّا بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ. اهـ. فَكَذَلِكَ لَا تُبَاعُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا لَهُمْ مِنْ حَقِّ إمْسَاكِهَا وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِمْ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِلْوَارِثِ كَالْمَوْلَى (قَوْلُهُ يُقْرِضُ مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ) يَعْنِي مِنْ مَلِيءٍ يُؤْتَمَنُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْجُحُودَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ مَالَ الْأَيْتَامِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ حَالُ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ لَكِنْ إنَّمَا يَقْدِرُ مِنْ الْغَنِيِّ لَا مِنْ الْفَقِيرِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ الْمُعْسِرَ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ انْتِهَاءً كَذَا فِي التَّبْيِينِ

لِذِكْرِ الْحَقِّ (لَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ) أَيْ لَا يُقْرِضُ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ وَلَا الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ (قَضَى بِالْجَوْرِ مُتَعَمِّدًا وَأَقَرَّ بِهِ فَالْغُرْمُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ) قَضَى بِالْجَوْرِ (خَطَأً فَعَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْوَاقِعَاتِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ (حَكَّمَا) أَيْ جَعَلَ الْخَصْمَانِ بَيْنَهُمَا حَكَمًا (مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا يُنَافِي الْقَضَاءَ (فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ رَفْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا بِهَا وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ الْإِلْزَامُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمُوجِبِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (أَوْ نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ دِيَةٍ عَلَى الْعَصَبَةِ وَرَضِيَا) بِحُكْمِهِ (صَحَّ) الْأَصْلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فَمَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالصُّلْحِ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا وَاسْتِيفَاءَ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا (وَلَا يُفْتَى بِهِ) أَيْ بِصِحَّتِهِ (فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ) لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ (كَذَا) أَيْ صَحَّ (إخْبَارُهُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَبِعَدَالَةِ شَاهِدٍ حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ بَقَاءِ تَحْكِيمِهِمَا (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ (بِحُكْمِهِ) لِانْقِضَاءِ وِلَايَتِهِ كَالْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا قَالَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ حُكْمِهِ) لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَيَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى رِضَاهُمَا فَإِنْ قِيلَ التَّحْكِيمُ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا قُلْنَا شَرْطُ وُجُودِ الشَّيْءِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ شَرْطًا لِبَقَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا قَضَى ثُمَّ عُزِلَ لَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ (لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ) كَحُكْمِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى إذْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ لِلتُّهْمَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ قَضَاؤُهُ لَهُمْ (بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا) أَيْ الْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمِ (عَلَيْهِمْ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهِ (وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا) حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالرِّضَا بِرَأْيِ الْمُثَنَّى فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لَا يَكُونُ رِضًا بِرَأْيِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا (رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْمَوْلَى إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي أَحْكَامِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ خَالَفَ (أَبْطَلَهُ) فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي قَضِيَّةُ قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُحَكِّمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَالْقَاضِي الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُهُ غَيْرُهُمَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَكَانَ كَالصُّلْحِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّهُ إذَا صَادَفَ الْقَضَاءَ مَحَلَّهُ بِأَنْ يَكُونَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ (فَائِدَةٌ) : إذَا غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ غَابَ الْوَكِيلُ أَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ غَابَ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ حَضَرَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِهَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ لَا الْأَبُ) هَذَا عَلَى أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الرَّهَاوِيُّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ قَاضِيًا لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَلَدِهِ فَتَنْتِفِي الْعِلَّةُ الْمُسَوِّغَةُ لِجَوَازِ إقْرَاضِهِ اهـ. وَفِي أَخْذِهِ مَالَ طِفْلِهِ قَرْضًا رِوَايَتَانِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ حَكَّمَا مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا) يَتَنَاوَلُ تَحْكِيمَ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ وَلِذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ قَوَدٍ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَأَجَازَ فِي الْمُحِيطِ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوْهَرَةُ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْتِي بِهِ أَيْ بِصِحَّتِهِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرَ لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِئَلَّا يَذْهَبَ مَهَابَةُ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ. . . إلَخْ) أَصْلُهُ مِنْ كَافِي النَّسَفِيِّ وَتَصَرَّفَ فِي الْجَوَابِ بِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ بِمَا أَدَّى إلَى تَسْمِيَةِ الرُّكْنِ شَرْطًا وَبِانْعِدَامِ الرُّكْنِ يَفُوتُ الشَّيْءُ لِأَنَّ تَحْكِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا رُكْنٌ وَالْأَهْلِيَّةَ شَرْطٌ فَقَوْلُهُ قُلْنَا. . . إلَخْ الْمَنْفِيُّ اشْتِرَاطُ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى إبْطَالِ التَّحْكِيمِ فَيَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِبْطَالِهِ فَقَوْلُهُ كَمَا فِي الْبِنَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ فَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَقَاءُ مُشَبَّهًا بِالِابْتِدَاءِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً لِمُبَايَنَتِهِ لَهُ وَلَمْ يَأْتِ مُحَشِّي الْكِتَابِ الْوَانِيِّ بِأَزْيَدَ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ شَرْطًا لِبَقَاءِ) أَقُولُ هَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاقِلِ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَصَوَابُهُ شَرْطَ انْتِفَاءٍ وَأَوْضَحْتُهُ بِرِسَالَةٍ (قَوْلُهُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي) جَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلَ الثَّانِي كَذَا بِخَطِّ الْمَرْحُومِ الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ يَقْضِي. وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ أَوْفَقُ بِالنَّاسِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[باب كتاب القاضي إلى القاضي]

الْوَارِثِ وَكَذَا لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْوَارِثِ الْآخَرِ وَكَذَا لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى نَائِبِ الصَّغِيرِ ثُمَّ بَلَغَ الصَّغِيرُ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ (بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُسَخَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ وَكِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا اُحْتِيجَ إلَى كِتَابِ قَاضٍ آخَرَ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي قَدْ تَمَّ عَلَى الْأَوَّلِ أَقُولُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالذَّاتِ فِي هَذَا الْبَابِ بَلْ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ، وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ خَصْمٍ لَمْ يُحْكَمْ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَتَرَكَ هَاهُنَا قَوْلَهُ: إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا الْبَابَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ بَيَّنَ فِيهِ السِّجِلَّ، وَالْمَحْضَرَ، وَالصَّكَّ، وَالْوَثِيقَةَ. (شَهِدَا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ) أَيْ الْقَاضِي (بِهَا) أَيْ بِشَهَادَتِهِمَا (وَكَتَبَ بِهِ) أَيْ بِحُكْمِهِ (وَهُوَ السِّجِلُّ) فِي الْمُغْرِبِ السِّجِلُّ كِتَابُ الْحُكْمِ وَقَدْ سَجَّلَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِهِ فَالسِّجِلُّ كِتَابُ قَاضٍ ذَكَرَ فِيهِ حُكْمَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ لَا الثَّانِي ظَاهِرٌ، وَالْأَوَّلُ يَكُونُ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى بَائِعِهِ وَهُوَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ حُكْمَهُ إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِيُحَصِّلَ حَقَّهُ يَكْتُبُهُ الْقَاضِي وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا سِجِلًّا لِتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ. (أَوْ) شَهِدَا (عَلَى) خَصْمٍ (غَائِبٍ لَمْ يَحْكُمْ) بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ (وَكَتَبَ بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ (إلَى قَاضٍ) يَكُونُ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ (لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ حُكْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ. (وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي نَقْلُ الشَّهَادَةِ حَقِيقَةً) لِأَنَّ مَضْمُونَهُ ذَلِكَ (وَيُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ الْحَدِّ، وَالْقَوَدِ لِمَا سَيَأْتِي (كَالدَّيْنِ) فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِالْقَدْرِ، وَالْوَصْفِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ الْإِشَارَةَ (وَالْعَقَارِ) فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِالتَّحْدِيدِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ (وَالنِّكَاحِ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحًا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَرَادَ كِتَابَ الْقَاضِي بِذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ (وَالطَّلَاقِ) بِأَنْ ادَّعَتْ طَلَاقًا عَلَى زَوْجِهَا (وَالْعَتَاقِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالنَّسَبِ) مِنْ الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ (وَالْمَغْصُوبِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَتَيْنِ، وَالشُّفْعَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَفَاةِ، وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ الْمَالَ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ (وَالْوِرَاثَةِ) فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ (وَكَالْمَنْقُولِ فِي الْمُخْتَارِ) إنَّمَا قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ كَالثِّيَابِ، وَالْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ وَنَحْوِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ فِيمَا يُنْقَلُ عِنْدَ الدَّعْوَى، وَالشَّهَادَةِ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَقَالَ إنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْعَبْدِ لَا الْأَمَةِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ يَغْلِبُ فِي الْعَبِيدِ دُونَ الْإِمَاءِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ مَا يُنْقَلُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي (لَا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي] [بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ] بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لَمَّا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ أَوْ لَا يَنْفُذُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي النَّفَاذِ (قَوْلُهُ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ) يَعْنِي إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ يَعْنِي عَلَى الْغَائِبِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يُنَفِّذُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ، وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اهـ. وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ذَهَابُ الشَّاهِدِ وَإِيَابُهُ فِي يَوْمِهِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ نَقْلُ شَهَادَةٍ حَقِيقَةً) يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يُحْكَمُ بِرَأْيِهِ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيُهُ رَأْيَ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي الْحَادِثَةِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطِهِ) هِيَ كَأَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ وَهُوَ الْيَوْمَ فِي يَدِ فُلَانٍ وَيُعَرِّفَ الْعَبْدَ غَايَةَ التَّعْرِيفِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.

فِي إثْبَاتِهِمَا. (وَذَكَرَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَتَبَ بِهَا (اسْمَهُ) أَيْ اسْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ (وَنَسَبَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ وَأَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَهِدَ غِبَّ الدَّعْوَى الصَّادِرَةِ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ غِبَّ الدَّعْوَى وَلَا يَكْفِي أَنْ يَكْتُبَ عَمَّنْ لَهُ ذَلِكَ. (وَ) غِبَّ (الِاسْتِشْهَادِ) حَتَّى إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ لَا يُقْبَلُ (شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ مُتَّفِقَةُ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى) قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالِاتِّفَاقِ لَفْظًا وَمَعْنًى (وَقَرَأَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ (عَلَى مَنْ أَشْهَدَهُمْ) لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ (أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ) إنْ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ إذْ لَا شَهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ (وَكَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ) أَيْ أَسْمَاءَ شُهُودِ الطَّرِيقِ وَأَنْسَابَهُمْ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ فَإِنَّ كَوْنَهُ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمْ بِدُونِ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَ) كَتَبَ (تَارِيخَ الْكِتَابِ) وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ فِيهِ التَّارِيخَ لَا يَقْبَلُهُ، وَإِنْ كَتَبَ يُنْظَرُ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا وَلَا يَكْتَفِي بِالشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا (وَخَتَمَهُ عِنْدَهُمْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ) لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذْ عِنْدَهُمَا عِلْمُ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِهِ (وَأَبُو يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ ذِكْرَ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبِهِ) بَلْ جَوَّزَ أَنْ يَكْتُبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ الْقُضَاةِ (وَلَا الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَهُ) فَسَهُلَ فِي ذَلِكَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ (وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ) تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ سِجِلَّ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي الَّذِي هُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى الْمَعْلُومِ أَيْ الْمُدَّعِي عَلَى مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْعَمَلِ بِكِتَابِ الْقَاضِي لِأَنَّ كِتَابَهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ خِطَابِهِ وَلَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ صَارَ وَاحِدًا مِنْ الرَّعَايَا فَكَذَا إذَا كَتَبَ إلَيْهِ لَكِنَّهُ جُوِّزَ فِيمَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ إذْ قَدْ يَكُونُ الشَّاهِدُ لِلْمَرْءِ عَلَى حَقِّهِ فِي بَلْدَةٍ، وَخَصْمُهُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَيَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا إذْ أَكْثَرُ النَّاسِ يَعْجَزُونَ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا فَيُحْتَاجُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ إلَى مَجْلِسِ ذَلِكَ الْقَاضِي. (لَا يُقْبَلُ) أَيْ نَقْلُ الشَّهَادَةِ (إلَّا مِنْ) قَاضٍ (مُوَلًّى) مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُحَكَّمِ (وَيَمْلِكُ الْجُمُعَةَ) أَيْ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ. (وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ شُهُودِ الطَّرِيقِ كُفَّارًا وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَافِرًا) لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُلْزِمَةٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي فَتَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْخَصْمِ. (ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ مَالًا وَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلَهُ) لِتَحْصِيلِهِ (اسْتَحْلَفَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (الْقَاضِيَ) بِأَنَّك (مَا قَبَضْته كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَمَا أَبْرَأْت ذِمَّتَهُ وَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولًا أَوْ وَكِيلًا لَك قَبَضَ مِنْهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَائِبَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى ذَلِكَ الْمَالَ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَفَ قِيلَ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ وَتَقْصُرُ الْمَسَافَةُ. (فَإِنْ انْقَطَعَ الشُّهُودُ) أَيْ شُهُودُ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (أَوْ وَصَلُوا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَوُجِدَ الْخَصْمُ فِي وِلَايَةِ قَاضٍ آخَرَ) أَشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ شَهِدَ غِبَّ الدَّعْوَى) أَيْ بَعْدَ الدَّعْوَى. (قَوْلُهُ لَا يُقْبَلُ أَيْ نَقْلُ الشَّهَادَةِ إلَّا مِنْ قَاضٍ. . . إلَخْ) قَالَ الْكَمَالِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ بَعْدَ عَدَالَةِ شُهُودِ الْأَصْلِ، وَالْكِتَابِ لَا فَرْقَ أَيْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ

[بيان الأحكام المتعلقة بجانب القاضي المكتوب إليه]

رَجُلَيْنِ (آخَرِينَ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكَتَبَهُمَا عَلَى طَرِيقِهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ (بَدَلَهُمَا) أَيْ بَدَلَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ (فَأَنْهَاهُ) أَيْ مَا كَتَبَ بَدَلَهُمَا (إلَى مَنْ أَنْهَى إلَيْهِ الْأَصْلَ) أَيْ الْأَصْلَ الْمَكْتُوبَ إنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي بَلَدِهِ (أَوْ إلَى قَاضٍ آخَرَ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ (ثُمَّ) إلَى آخَرَ (وَثُمَّ) إلَى آخَرَ (إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَنْ يَكُونُ الْخَصْمُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ) . [بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ] لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَقَالَ (ثُمَّ إنَّهُ) أَيْ مَنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ سَوَاءً كَانَ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً (لَا يَقْبَلُهُ) أَيْ نَقْلَ الشَّهَادَةِ (إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إذْ الْكَاتِبُ يَنْقُلُ أَلْفَاظَ الشُّهُودِ بِكِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ يَنْقُلُ شَهَادَةَ شُهُودِ الْأَصْلِ بِعِبَارَتِهِ وَكَمَا لَا يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ فَكَذَا لَا يَفْتَحُ الْكِتَابَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ وَهَذَا لِلْحُكْمِ (قِيلَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَيْضًا أَبُو يُوسُفَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَخْتَصُّ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ، وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. (وَ) لَا يَقْبَلُهُ أَيْضًا إلَّا (بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُزَوَّرُ إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَأَيْضًا كِتَابُ الْقَاضِي مُلْزِمٌ إذْ يَجِبُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيَعْمَلَ بِهِ وَلَا إلْزَامَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. (فَإِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ) أَيْ شَاهِدَا الطَّرِيقِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَعَدَلُوا فَتَحَهُ) قَالَ فِي الْكَافِي الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَحُ الْكِتَابُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ فَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الشُّهُودِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يُمْكِنُ بَعْدَ قِيَامِ الْخَصْمِ (وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ إنْ بَقِيَ كَاتِبُهُ قَاضِيًا فَيَبْطُلُ) أَيْ كِتَابُ الْقَاضِي (إنْ زَالَ عَنْ الْقَضَاءِ) بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ عَنْهُ (قَبْلَ وُصُولِهِ) أَيْ الْكِتَابِ (إلَيْهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ وَإِنَّمَا قَبُولُهُ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَادَ الْأَمْرُ إلَى الْأَصْلِ وَلِهَذَا لَوْ الْتَقَى قَاضِيَانِ فِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي مِصْرٍ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا فَاعْمَلْ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ. (كَذَا زَوَالُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَضَاءِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَسْبَاب فَإِنَّهُ أَيْضًا سَبَبُ بُطْلَانِ كِتَابِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ (إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ) أَيْ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) فَإِنَّهُ لَمَّا عَرَفَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ كِتَابَةُ الْقَاضِي إلَيْهِ فَيُجْعَلُ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا. (وَإِنْ كَتَبَهُ) أَيْ قَوْلَهُ إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ (ابْتِدَاءً) أَيْ بِلَا تَسْمِيَةِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (جَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ) فَإِنَّهُ تَوَسَّعَ بَعْدَ مَا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ. (فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ) بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ (لَسْت الَّذِي كَتَبَ فِيهِ فَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَانُهُ) بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ أَوْ طَعَنَ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي فِي الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ أَوْ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْحَقِّ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ الْكِتَابَ. وَقَالَ لِهَذَا الْقَاضِي إنِّي آتِيك بِمَا أُوضِحُ بِهِ هَذَا عِنْدَك أَوْ قَالَ لَهُ سَلْ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ قِيلَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَيْضًا أَبُو يُوسُفَ. . . إلَخْ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ. وَهَذَا أَوْلَى إذْ يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُ ضَعِيفٍ وَأَيْضًا اسْتِدْلَالُهُ بِقِيلِ لَا يُطَابِقُهُ (قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ الْمُرْسَلِ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي الصَّحِيحُ. . . إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَصَحُّ أَيْ يَجُوزُ الْفَتْحُ قَبْلَ ظُهُورِهَا أَيْ الْعَدَالَةِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ (قَوْلُهُ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) يَعْنِي بَعْدَ ثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِهِ) أَيْ الْكِتَابِ إلَيْهِ يَعْنِي قَبْلَ قِرَاءَتِهِ لَا مُجَرَّدُ وُصُولِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلِذَا قَالَ الْكَمَالِ الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يُقَالَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا قَبْلَ وُصُولِهِ لِأَنَّ وُصُولَهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقِرَاءَتِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ لَسْت الَّذِي كَتَبَ فِيهِ فَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُهُ) لَيْسَ الْإِنْكَارُ شَرْطًا بَلْ كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ

ذَلِكَ فَإِنَّك تَجِدُهُ عَلَى مَا قُلْت، وَقَالَ فِيهِمْ مَا سَقَطَ بِهِ عَدَالَتُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَمِعَ الْقَاضِي هَذَا الطَّعْنَ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ الْكِتَابَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِجَرْحٍ مُفْرَدٍ فَلَا يَمْتَنِعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْح الْمُفْرَدِ مَقْبُولَةٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِجَرْحٍ مُفْرَدٍ هَذَا إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ، وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ يَعْنِي أَنَّهُ تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَتَقَعُ الشُّبْهَةُ فِي الْقَضَاءِ، وَالْقَضَاءُ مَعَ الشُّبْهَةِ لَا يَجُوزُ فَيَتَفَحَّصُ فَإِنْ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ هَذَا الْوَاحِدُ فَلَا يَقْضِي بِالْكِتَابِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ. (وَإِنْ مَاتَ) الْخَصْمُ (نَفَذَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْكِتَابَ (عَلَى وَارِثِهِ أَوْ وَصِيُّهُ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ. (جَازَ نَقْلُ شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى دَعْوَى وَلَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي بَلْدَتِهِ وَآخَرُ فِي بَلْدَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ شَهَادَةَ مَنْ فِي بَلْدَتِهِ وَيَدَّعِي عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصُ وَيَتَمَسَّكُ بِكِتَابِ الشَّهَادَةِ وَيُشَاهَدُ هُنَاكَ جَازَ. (وَ) جَازَ (كَتْبُ تَوْكِيلِ غَائِبٍ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى دَعْوَى وَأَرَادَ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِيُخَاصِمَ مِنْ جَانِبِهِ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلَ جَازَ أَيْضًا. (وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ) أَيْ الْقَاضِي (بِعِلْمِهِ) قَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ عِلْمَ الْقَاضِي حَتَّى قَالَ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ زَيْدًا غَصَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهُ مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا جَوَابُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ، وَإِنْ اسْتَفَادَ الْعِلْمَ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ. قَالَ لَعَلَّ الْقَاضِيَ يَكُونُ غَالِطًا فِيمَا يَقُولُ فَيُشْتَرَطُ مَعَ عِلْمِهِ شَاهِدٌ آخَرُ حَتَّى يَكُونَ عِلْمُهُ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدٍ آخَرَ بِمَعْنَى شَاهِدَيْنِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ السِّجِلِّ وَبَيَانِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَحْضَرِ وَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ وَفِي السِّجِلِّ مِنْ تَمَامِ التَّبْيِينِ وَبَيَانِ الصَّكِّ، وَالْحُجَّةِ، وَالْوَثِيقَةِ فَقَالَ (وَالْمَحْضَرُ مَا كُتِبَ فِيهِ حُضُورُ الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِقْرَارِ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ الْإِنْكَارِ) مِنْهُ (أَوْ الْحُكْمِ) بَعْدَ إنْكَارِهِ (بِالْبَيِّنَةِ) مِنْ الْمُدَّعِي (أَوْ النُّكُولِ) عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاشْتِبَاهَ وَكَذَا السِّجِلُّ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: إنَّ الْإِشَارَةَ فِي الدَّعَاوَى، وَالْمَحَاضِرِ وَلَفْظَ الشَّهَادَةِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ أَهَمَّ قَطْعًا لِلِاحْتِمَالِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِدَعْوَاهُ يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالشُّهُودُ بِشَهَادَتِهِمْ يُثْبِتُونَ اسْتِحْقَاقَهُ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَكَذَا فِي السِّجِلَّاتِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ حَتَّى قَالُوا إذَا كَتَبَ فِي مَحْضَرِ الدَّعْوَى: حَضَرَ فُلَانٌ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ فُلَانًا فَادَّعَى هَذَا الَّذِي أُحْضِرَ عَلَيْهِ لَا يُفْتَى بِصِحَّةِ الْمُحْضَرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ إذْ بِدُونِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ أَحْضَرَ هَذَا وَادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمَحْضَرِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذَا فَيَكْتُبُ الْمُدَّعِي هَذَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ كَانُوا لَا يُفْتُونَ بِالصِّحَّةِ بِدُونِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ سَمِعَ الْقَاضِي هَذَا الطَّعْنَ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ ثَبَتَتْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْكَمَالِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَذْكُرُ أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ إنَّهُ عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ عَدَلُوا لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَحْضَرَهُ الثَّانِي قَدْ يَكُونُ لَهُ مَطْعَنٌ فِيهِمْ أَوْ فِي أَحَدِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِمْ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الطَّعْنِ إنْ كَانَ (قَوْلُهُ وَجَازَ كَتْبُ تَوْكِيلِ غَائِبٍ) لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِدُونِهِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ. (قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ أَيْ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ) الْمُخْتَارُ عَدَمُ حُكْمِهِ بِهِ فِي زَمَانِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مسائل شتى في القضاء]

وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي السِّجِلَّاتِ: إذَا كَتَبَ وَقَضَيْت لِمُحَمَّدٍ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى أَحْمَدَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالُوا إذَا كَتَبَ فِي الْمَحْضَرِ عِنْدَ ذِكْرِ شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ وَأَشَارُوا إلَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا يُفْتَى بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْإِشَارَةُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي مَوْضِعِهَا وَلَعَلَّهُمْ أَشَارُوا إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمُدَّعِي وَأَشَارُوا إلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَلَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ قَطْعًا لِلْوَهْمِ (وَالصَّكُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ، وَالرَّهْنُ، وَالْإِقْرَارُ وَنَحْوُهَا) فِي الْمُغْرِبِ: الصَّكُّ كِتَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ، وَالْحُجَّةُ، وَالْوَثِيقَةُ تَتَنَاوَلَانِ الثَّلَاثَةَ يَعْنِي السِّجِلَّ، وَالْمَحْضَرَ، وَالصَّكَّ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنَى الْحُجِّيَّةِ، وَالْوَثَاقَةِ. [مَسَائِلُ شَتَّى فِي الْقَضَاء] (مَسَائِلُ شَتَّى) جَمْعُ شَتِيتٍ بِمَعْنَى مُتَفَرِّقٍ (لَا يَتِدُ ذُو سُفْلٍ فِيهِ) أَيْ فِي السُّفْلِ (وَلَا يَنْقُبُ كُوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ) يَعْنِي إذَا كَانَ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا وَلَا أَنْ يَنْقُبَ كُوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ كَانَ مُضِرًّا لِذِي الْعُلْوِ أَوْ لَا، وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْعُلْوِ بَيْتًا أَوْ يَصْنَعَ جُذُوعًا أَوْ يُحْدِثَ كَنِيفًا. (زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةً تَنْشَعِبُ عَنْهَا زَائِغَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى) مِنْ حَائِطِ دَارِهِمْ (بَابًا فِي الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِي الزَّائِغَةِ السُّفْلَى بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِهَا لِأَنَّهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا حَتَّى لَوْ بِيعَ فِيهَا دَارٌ لَا يَكُونُ لِأَهْلِ الْأُولَى حَقُّ الشُّفْعَةِ فَإِذَا أَرَادَ وَاحِدٌ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ طَرِيقًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَيُحْدِثَ لِنَفْسِهِ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيهَا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ النَّافِذَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهَا لِلْعَامَّةِ. (بِخِلَافِ زَائِغَةٍ مُسْتَدِيرَةً لَزِقَ طَرَفَاهَا) حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتَحَ بَابًا فِي حَائِطِهِ فِي أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ لِأَنَّ هَذِهِ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّكَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي دَارٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا وَلِهَذَا لَوْ بِيعَتْ فِيهَا دَارٌ كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِلْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ فَيُفْتَحُ الْبَابُ لَا يُحْدِثُ لِنَفْسِهِ حَقًّا فَلَا يُمْنَعُ. (ادَّعَى هِبَةً فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ بَيِّنَةً فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ قُبِلَ وَقَبْلَهُ لَا) يَعْنِي ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا فَسَأَلَهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ فَقَالَ: إنَّهُ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَادَّعَى وَقْتًا بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى وَقْتًا قَبْلَ وَقْتِ الْهِبَةِ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْفِيقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مُمْكِنٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ: وَهَبَ لِي مُنْذُ شَهْرٍ ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مُنْذُ أُسْبُوعٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ. (قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ: اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ) أَيْ الْآخَرُ الشِّرَاءَ (لِلْقَائِلِ) أَيْ جَازَ لِمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت (وَطْؤُهَا) وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِإِقْرَارِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ (إنْ تَرَكَ) أَيْ الْبَائِعُ (الْخُصُومَةَ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ فَإِذَا تَرَكَ الْبَائِعُ الْخُصُومَةَ تَمَّ الْفَسْخُ بِاقْتِرَانِ الْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا. (أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا) أَيْ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ، وَالزُّيُوفِ، وَالنَّبَهْرَجَةِ دُونَ السَّتُّوقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [بَيَانِ الْمَحْضَرِ وَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ] مَسَائِلُ شَتَّى (قَوْلُهُ: وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِثْلُ مَا قَالَا وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ حَقِيقَةً وَلَوْ تَصَرَّفَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى بَابًا فِي الثَّانِيَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُونَ لِأَنَّهُ رَفْعُ جِدَارِهِمْ وَلَهُمْ نَقْضُ كُلِّهِ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بِيعَ فِيهَا دَارٌ لَا يَكُونُ لِأَهْلِ الْأُولَى حَقُّ الشُّفْعَةِ فِيهَا) أَيْ بِحَقِّ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ إذْ لَوْ كَانَ جَارًا مُلَاصِقًا كَانَ لَهُ بِهِ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَّهُ جَحَدَنِي الْهِبَةَ) ذِكْرُ الْجُحُودِ لَيْسَ شَرْطًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ أَوْ لَا فَكَانَ يَنْبَغِي حَذْفُهُ كَمَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَادَّعَى وَقْتًا بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ. . . إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُجْعَلَ الشِّرَاءُ مُتَأَخِّرًا. (قَوْلُهُ قَالَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ. . . إلَخْ) وَلِلْقَائِلِ رَدُّهَا عَلَى بَائِعِهَا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَفِي النِّهَايَة إذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَبْلَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ) عَبَّرَ بِثُمَّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَهُ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا مَفْصُولًا أَوْ مَوْصُولًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ

وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ فِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ بِالزُّيُوفِ، وَالنَّبَهْرَجَةِ لَا بِالسَّتُّوقَةِ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَعْوَى الزِّيَافَةِ أَوْ النَّبَهْرَجَةِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ فَيُقْبَلُ (كَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ أَوْ حَقِّهِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ) أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ بِوَصْفِ التَّمَامِ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ الزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَالسَّتُّوقَةُ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغِشُّ. (قَالَ) رَجُلٌ (لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ) أَيْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ (ثُمَّ صَدَّقَهُ) أَيْ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ (لَغَا تَصْدِيقُهُ بِلَا حُجَّةٍ) أَيْ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُقِرِّ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا قَالَ: لَا شَيْءَ لِي عَلَيْك فَقَدْ رَدَّ إقْرَارَهُ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَمَلَكَ إبْطَالَهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا بَطَلَ بِرَدِّهِ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ خَصْمِهِ. (ادَّعَى خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَوْفَيْتُكَهَا فَجَاءَ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّهَا مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَبَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَاءٍ وَأَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ رُدَّتْ بَيِّنَةُ بَائِعِهِ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بَعْدَ إنْكَارِهِ بَيْعَهُ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الْأَمَةَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا وَأَرَادَ رَدَّهَا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ إذْ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ تُصْرَفُ فِي الْعَقْدِ بِتَغْيِيرِهِ عَنْ اقْتِضَاءِ صِفَةِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهَا وَتَغْيِيرُ الْعَقْدِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ بِلَا عَقْدٍ مُحَالٌ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْفِيقُ ظَهَرَ التَّنَاقُضُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُقْبَلُ اعْتِبَارًا بِفَصْلِ الدَّيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يُقْضَى، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا كَمَا مَرَّ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا. (بَطَلَ صَكٌّ كَتَبَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " فِي آخِرِهِ) أَيْ إذَا كَتَبَ رَجُلٌ إقْرَارَهُ بِدَيْنِهِ فِي صَكٍّ ثُمَّ كَتَبَ فِي آخِرِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ يَعْنِي مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الصَّكَّ وَطَلَبَ مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى قَوْلِهِ مَنْ قَامَ. . . إلَخْ. وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَلَوْ صَرَفَ إلَى الْكُلِّ يَكُونُ لِلْإِبْطَالِ وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ. (مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ: عِرْسُهُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَ: وَرَثَتُهُ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقُوا) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ، وَالْحَالُ تَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ، وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ حَيْثُ يَحْكُمُ الْحَالُ وَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْمَاضِي وَهَذَا ظَاهِرٌ يُعْتَبَرُ لِلدَّفْعِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ لِلِاسْتِحْقَاقِ (كَمَا فِي مُسْلِمٍ مَاتَ فَقَالَتْ عِرْسُهُ: أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالُوا بَعْدَهُ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَمْرًا حَادِثًا، وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ يُضَافَ حُدُوثُهَا إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ. (قَالَ هَذَا ابْنُ مُودِعِي الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دَفَعَهَا إلَيْهِ) يَعْنِي مَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُودِعُ لِرَجُلٍ آخَرَ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ أَوْ حَقُّهُ أَوْ الثَّمَنُ أَوْ الِاسْتِيفَاءُ) مَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ دَعْوَاهُ الزِّيَافَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا إذَا فَصَلَ وَأَمَّا إذَا وَصَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا، وَقَالَ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ الزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هِيَ الْمَغْشُوشَةُ، وَالنَّبَهْرَجَةُ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ، وَالسَّتُّوقَةُ صَفَرٌ مُمَوَّهَةٌ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ السَّتُّوقَةُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّفَرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبَ (قَوْلُهُ مَاتَ ذِمِّيٌّ. . . إلَخْ) جَوَابُ مَا أُورِدَ نَقْضًا عَلَى هَذَا مَذْكُورٌ فِي التَّبْيِينِ، وَالْكَافِي.

أَنَّهُ حَقُّ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ (فَإِنْ أَقَرَّ بِابْنٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُفِدْ إذَا كَانَ كَذَّبَهُ الْأَوَّلُ) بَلْ يَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ يَدِهِ عَنْ الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا. (تَرِكَةٌ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِشُهُودٍ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا آخَرَ لَمْ يُكَلَّفُوا) أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يُؤْخَذُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ، وَالْمَوْتُ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يُمْكِنُ لَهُ بَيَانُ كُلِّ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ غَرِيمٌ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاحْتِيَاطُ بِالتَّكْفِيلِ مُبَالَغَةً فِي الْإِحْيَاءِ وَتَفَادَيَا عَنْ الْإِتْوَاءِ وَلَهُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تُبْطِلُ الْكَفَالَةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِهَا. (ادَّعَى دَارًا) فِي يَدِ رَجُلٍ (لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَخَذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى وَتَرَكَ بَاقِيَهُ مَعَ ذِي الْيَدِ بِلَا تَكْفِيلِهِ جَحَدَ دَعْوَاهُ أَوْ لَا) ، وَقَالَا إذَا جَحَدَهَا ذُو الْيَدِ أَخَذَهَا الْقَاضِي مِنْهُ وَيَجْعَلُهَا فِي يَدِ أَمِينٍ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِهِ حَتَّى يَقْدَمَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَالْمُقِرُّ أَمِينٌ فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ وَلَهُ أَنَّ الْيَدَ الثَّابِتَةَ لَا تُنْزَعُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ بِالْكُلِّ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَالَ هَذَا مِيرَاثٌ وَلَا وَارِثَ إلَّا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُوَرِّثِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ ثَابِتٌ فَلَا يَنْقُضُ يَدَهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِرًّا وَبَطَلَ جُحُودُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْحَدُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَلِذِي الْيَدِ وَجُحُودُهُ بِاعْتِبَارِ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَقَدْ زَالَ (كَذَا الْمَنْقُولُ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ فَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ اتِّفَاقًا لِاحْتِيَاجِ الْمَنْقُولِ إلَى الْحِفْظِ، وَالنَّزْعُ مِنْ يَدِهِ أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ كَيْ لَا يُتْلِفَهُ وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا يَعْنِي يَتْرُكُ النِّصْفَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ، وَالتَّرْكُ فِي يَدِهِ أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الضَّمِينِ أَشَدُّ حِفْظًا وَبِالْإِنْكَارِ صَارَ ضَامِنًا وَلَوْ وُضِعَ فِي يَدِ عَدْلٍ كَانَ أَمِينًا فِيهِ فَلَوْ تَلِفَ لَمْ يُضْمَنْ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ خُصُومَةٍ، وَالْقَاضِي وُضِعَ لِقَطْعِهَا لَا إنْشَائِهَا. (وَصِيَّتُهُ بِثُلُثِ مَالِهِ تَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَ) إذَا قَالَ (مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ يَقَعُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ) ، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ عَامٌّ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَالِهِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَنَا أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُضَافَةِ إلَى مَالٍ مُطْلَقٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] انْصَرَفَ إلَى الْفُضُولِ لَا إلَى كُلِّ الْمَالِ فَكَذَا مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ لِكَوْنِهَا خِلَافَةً كَالْوِرَاثَةِ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ مَالِ الزَّكَاةِ (أَمْسَكَ مِنْهُ قُوتَهُ فَإِذَا مَلَكَ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ) لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ ثُمَّ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِابْنٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُفِدْ إذَا كَذَّبَهُ الْأَوَّلُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَضْمَنُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي نَصِيبَهُ إنْ دَفَعَ لِلْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ. (قَوْلُهُ تَرِكَةٌ قُسِمَتْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِشُهُودٍ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا آخَرَ لَمْ يَكْفُلُوا) إنَّمَا قَيَّدَ بِكَوْنِهَا قُسِمَتْ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا لِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَإِذَا ثَبَتَ الْإِرْثُ أَوْ الدَّيْنُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ، وَقَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ) وَهَذَا أَيْ أَخْذُ الْكَفِيلِ شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ. (قَوْلُهُ وَلَا وَارِثَ إلَّا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُوَرَّثِ) لَعَلَّهُ وَلَا إرْثَ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا) يَعْنِي يَتْرُكُ النِّصْفَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ فَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا لَكِنَّ تَرْكَهُ لِقَوْلِهِ أَيْضًا إذْ بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ وَهَذَا أَصَحُّ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ يَعْنِي يَتْرُكُ النِّصْفَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْمُدَّعَى وَإِفَادَتُهُ أَنَّ الصِّحَّةَ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا ثُبُوتَ الصِّحَّةِ لِتَرْكِ النِّصْفِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ. (قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ يَقَعُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ) يَعْنِي عَلَى جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَذَلِكَ كَالسَّوَائِمِ، وَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَبْلُغْ قَدْرَ النِّصَابِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا وَلَا شَرَائِطُهَا وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَلَا تَدْخُلُ الْأَرَاضِي الْخَرَاجِيَّةُ وَلَا رَقِيقُ الْخِدْمَةِ وَلَا الْعَقَارُ وَأَثَاثُ الْمَنْزِلِ وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ مَالِي أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

كَانَ صَاحِبَ حِرْفَةٍ يُمْسِكُ قُوتَ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ دُورٍ وَحَوَانِيتَ يُمْسِكُ قُوتَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ ضَيْعَةٍ يُمْسِكُ قُوتَ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا يُمْسِكُ مِقْدَارَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مَالُهُ. (صَحَّ الْإِيصَاءُ بِلَا عِلْمِ الْوَصِيِّ لَا التَّوْكِيلِ بِلَا عِلْمِ الْوَكِيلِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى رَجُلٌ إلَى آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَصِيُّ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَهُوَ وَصِيٌّ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَعْلَمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ، وَالتَّوْكِيلُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَا اسْتِخْلَافَ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِ مَنْ يُثْبِتُ لَهُ الْوِلَايَةَ (فَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِالْوَكَالَةِ إثْبَاتُ حَقٍّ لِلْوَكِيلِ لِيَسْتَوْفِيَهُ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ لِيَشْتَرِطَ شَرَائِطَ الْإِلْزَامِ (وَيُشْتَرَطُ لِعَزْلِهِ خَبَرٌ عَدْلٌ أَوْ مَسْتُورِينَ كَعِلْمِ السَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ، وَالشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ، وَالْبِكْرِ بِالنِّكَاحِ وَمُسْلِمٌ لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ) لِأَنَّ الْخَبَرَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ يُشْبِهُ التَّوْكِيلَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُتَصَرِّفَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ وَيُشْبِهُ الْإِلْزَامَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ يَلْزَمُ الْآخَرَ مِنْ حَيْثُ مَنْعُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدَ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَقَّهُمَا. (بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ) مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي (لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى أَمْثَالِ هَذَا كَثِيرًا فَلَوْ رَجَّعَ الْحُقُوقَ إلَيْهِمْ لَتَقَاعَدُوا عَنْ إقَامَتِهَا فَتَخْتَلُّ مَصَالِحُ النَّاسِ (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَرْجِعْ عُهْدَتَهُ عَلَى الْعَاقِدِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَقْدُ، وَالْبَيْعُ وَاقِعٌ لِلْغُرَمَاءِ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورَيْنِ وَقَدْ تَوَكَّلَا عَنْ غَيْرِهِمَا بِالْبَيْعِ فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ. (وَإِنْ بَاعَ الْوَصِيُّ لَهُمْ) أَيْ لِلْغُرَمَاءِ (بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَضَاعَ مِنْ يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ الثَّمَنِ (رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَحُقُوقُهُ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ، وَهُوَ الْوَصِيُّ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ، وَإِنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي فَإِنَّمَا نَصَبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْقَاضِي وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ لَوْ بَاشَرَهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا تَرْجِعُ إلَى مَنْ قَامَ مَقَامَهُ (وَهُوَ) أَيْ الْوَصِيُّ (عَلَيْهِمْ) أَيْ يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ بَاعَ لَهُمْ فَكَانَ عَامِلًا لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا وَلَحِقَهُ فِيهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَمَلُ وَلَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا بِمَا غَرِمَ لِلْوَصِيِّ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَصِيِّ كَقَبْضِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي. (الْقَاضِي أَخْرَجَ الثُّلُثَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُعْطِهِمْ إيَّاهُ حَتَّى هَلَكَ) كَانَ مِنْ مَالِهِمْ أَيْ الْفُقَرَاءِ (وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ) كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ. (أَمَرَك قَاضٍ عَالِمٌ عَدْلٌ بِرَجْمٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ ضَرْبٍ قُضِيَ بِهِ عَلَى شَخْصٍ وَسِعَك فِعْلُهُ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: آخِرًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَتَّى تُعَايِنَ الْحُجَّةَ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ، وَالتَّدَارُكُ لَا يُمْكِنُ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِهِ، فَقَالُوا مَا أَحْسَنَ هَذَا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْقُضَاةَ قَدْ فَسَدُوا فَلَا يُؤْتَمَنُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ صَاحِبَ حِرْفَةٍ. . . إلَخْ) الْمُرَادُ إمْسَاكُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ، وَالْعِيَالِ. (قَوْلُهُ فَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) كَذَا لَوْ مِنْ صَغِيرٍ مُمَيَّزٍ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِعَزْلِهِ خَبَرُ عَدْلٍ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ إلَّا التَّمْيِيزُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَهَذَا فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ إذَا بَلَغَهُ الْعَزْلُ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِذَا كَانَ الْعَزْلُ حُكْمِيًّا لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ (قَوْلُهُ وَمُسْلِمٌ لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِخَبَرِهِ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَلَا فَلْيُبَلِّغْ الْحَدِيثَ وَفِي الرَّسُولِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ. (قَوْلُهُ بَاعَ الْقَاضِي. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَضَاعَ فِي يَدِهِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْقَاضِي وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ. (قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْوَصِيُّ لَهُمْ. . . إلَخْ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَمَنْصُوبِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْ الثَّمَنِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) صَوَابُهُ أَنْ يُفَسَّرَ الضَّمِيرُ فِي قَبْضِهِ بِالْمُثَمَّنِ الَّذِي هُوَ الْمَبِيعُ لَا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّفْسِيرُ لِلضَّمِيرِ فِي الْكَافِي لِأَنَّ عِبَارَتَهُ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لِلْغُرَمَاءِ فَبَاعَهُ لَهُمْ وَقَبَضَ الْمَالَ وَضَاعَ مِنْ يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ اِ هـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا بِمَا غَرِمَ لِلْوَصِيِّ) يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي لَيْسَ حُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ وَلَمْ تَقَعْ فِي الْكَافِي عَلَى مَا رَأَيْت فَقَوْلُهُ كَذَا فِي الْكَافِي لَيْسَ إلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَا

[كتاب القسمة]

عَلَى نُفُوسِ النَّاسِ وَدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهِ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلضَّرُورَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأُولَى أَنَّ الْقَاضِيَ أَمِينٌ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَطَاعَتِهِ فِي تَصْدِيقِهِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا عَادِلًا يَجِبُ قَبُولُ قَوْله لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَعَدَمُ تُهْمَةِ الْخَطَأِ، وَالْخِيَانَةِ. (وَصُدِّقَ عَدْلٌ جَاهِلٌ سُئِلَ فَأَحْسَنَ تَفْسِيرَهُ) بِأَنْ يَقُولَ فِي الزِّنَا إنِّي اسْتَفْسَرْت الْمُقِرَّ بِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَيَقُولُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ: إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَفِي الْقِصَاص: إنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ وَقَبُولُ قَوْلِهِ. (وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ غَيْرِهِمَا) وَهُوَ جَاهِلٌ عَادِلٌ وَعَالِمٌ فَاسِقٌ لِتُهْمَةِ الْخَطَأ بِالْجَهْلِ، وَالْخِيَانَةِ بِالْفِسْقِ (إلَّا أَنْ يُعَايِنَ سَبَبَ الْحُكْمِ) يَعْنِي سَبَبًا شَرْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ قَوْلَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. (صُدِّقَ مَعْزُولٌ قَالَ لِزَيْدٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا قَضَيْت بِهِ لِبَكْرٍ وَدَفَعْت إلَيْهِ، أَوْ قَالَ قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ وَادَّعَى زَيْدٌ أَخْذَهُ وَقَطَعَهُ ظُلْمًا وَأَقَرَّ) أَيْ زَيْدٌ (بِكَوْنِهِمَا فِي قَضَائِهِ) يَعْنِي إذَا قَالَ قَاضٍ مَعْزُولٌ لِرَجُلِ: أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ وَقَضَيْت بِهِ لَهُ عَلَيْك، فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْت ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك بِحَقٍّ، وَقَالَ: فَعَلْته ظُلْمًا فَالْقَاضِي يُصَدَّقُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ أَوْ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ حَالَ قَضَائِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ صَارَ مُقِرًّا بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِلْقَاضِي لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِلَا يَمِينٍ إذْ لَوْ لَزِمَهُ الْيَمِينُ صَارَ خَصْمًا وَقَضَاءُ الْخَصْمِ لَا يَنْفُذُ وَلَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ قَاضِيًا يَوْمئِذٍ، وَقَالَ فَعَلْته قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا صَحَّتْ إضَافَةُ الْأَخْذِ إلَى حَالَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا مَعْهُودَةٌ وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلضَّمَانِ فَصَارَ الْقَاضِي بِالْإِضَافَةِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا [كِتَابُ الْقِسْمَةِ] [أَرْكَان الْقِسْمَة] (كِتَابُ الْقِسْمَةِ) لَا يَخْفَى وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَكِتَابِ الْقِسْمَةِ (هِيَ) لُغَةً: اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْرَةِ لِلِاقْتِدَاءِ، وَشَرْعًا: (تَمْيِيزٌ بَيْنَ الْحُقُوقِ الشَّائِعَةِ) بَيْنَ الْمُتَقَاسِمَيْنِ (وَرُكْنُهَا فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ) بَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ كَالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ، وَالْعَدَدِ، وَالذَّرْعِ فِي الْكَيْلِيِّ، وَالْوَزْنِيِّ، وَالْعَدَدِيِّ، وَالذَّرْعِيِّ. (وَسَبَبُهَا طَلَبُ الشُّرَكَاءِ أَوْ أَحَدِهِمْ الِانْتِفَاعَ بِحِصَّتِهِ) حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الطَّلَبُ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ. [شُرُوط الْقِسْمَة] (وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ) فَإِنَّهَا إفْرَازٌ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ قَبِلَ الْقِسْمَةَ مِنْ الْمِلْكِ، وَالْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إذَا بَقِيَ الْمُفْرَزُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ بِأَصْلِهِ وَمَنَافِعِهِ وَأَمَّا إذَا تَبَدَّلَ فَيَكُونُ تَبْدِيلًا لَا إفْرَازًا. (وَحُكْمُهَا تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ) لِأَنَّهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا (وَلَا تُعْرَى مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءً كَانَتْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَوْ الْقِيَمِيَّاتِ (عَنْ مَعْنَى إفْرَازٍ هُوَ أَخْذُ عَيْنِ حَقِّهِ، وَ) مَعْنَى (مُبَادَلَةٍ هِيَ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ) أَيْ عَنْ حَقِّهِ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ صَاحِبِهِ فَكَانَ إفْرَازًا، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَصَارَ لَهُ عِوَضًا عَمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) جَوَابٌ عَمَّا ذُكِرَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ذَكَرَ كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأُولَى) أَيْ فِي أَمْرِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ. . . إلَخْ) هَذَا. وَفِي الذَّخِيرَةِ الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ عَالِمٌ عَادِلٌ وَعَالَمٌ جَائِرٌ وَجَاهِلٌ عَادِلٌ وَجَاهِلٌ جَائِرٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَالثَّالِث مُفَسَّرًا لَا مُجْمَلًا لَا الثَّانِي، وَالرَّابِعُ مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كِتَاب الْقِسْمَة (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا فِعْلٌ) قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقُولُ فِي جَعْلِ الرُّكْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ الْأَنْصِبَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ تَأَمَّلْ [سَبَبُ الْقِسْمَة] (قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ) أَيْ شَرْطُ لُزُومِهَا بِطَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ حَائِطٌ وَحَمَّامٌ وَنَحْوُهُمَا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا. اهـ.

[أنواع القسمة]

فَكَانَ مُبَادَلَةً. (وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (غَلَبَ الْأَوَّلُ) أَيْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ، وَالتَّمْيِيزِ (فِي الْمِثْلِيَّاتِ) وَهِيَ الْمَكِيلَاتُ، وَالْمَوْزُونَاتُ، وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِثْلُ حَقِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ (وَإِنْ) غَلَبَ (الثَّانِي) أَيْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ (فِي غَيْرِهَا) يَعْنِي الْحَيَوَانَاتِ، وَالْعُرُوضَ لِوُجُودِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَبْعَاضِهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ وَفَرَّعَ عَلَى مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ (فَيَأْخُذُ شَرِيكٌ حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ فِي الْأَوَّلِ) لِكَوْنِهِ عَيْنَ حَقِّهِ (لَا الثَّانِي) لِكَوْنِهِ غَيْرَ حَقِّهِ. [أَنْوَاع الْقِسْمَةُ] (وَلِمَعْنَى الْإِفْرَازِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ) مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ (عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ) يَعْنِي أَنَّ الْمُبَادَلَةَ لَمَّا كَانَتْ غَالِبَةً فِي الْقِيَمِيَّاتِ كَالْحَيَوَانَاتِ، وَالْعُرُوضِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهَا لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ بِطَلَبِهِ الْقِسْمَة يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيُمْنَعُ الْآخَرُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُبَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَلَوْ تَوَافَقُوا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ. (وَيُسْتَحَبُّ نَصْبُ قَاسِمٍ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ لِتَمَامِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بِهَا فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي. (وَصَحَّ نَصْبُهُ بِأَجْرٍ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ) أَيْ رُءُوسِ الْمِلْكِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَهُ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ ثُمَّ إنَّ الْأَجْرَ هُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فَإِنْ بَاشَرَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ الْقِسْمَةَ فَعَلَى رِوَايَةِ كَوْنِ الْقِسْمَةِ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ كَوْنِهَا مِنْهُ جَازَ. (وَيَجِبُ كَوْنُهُ عَدْلًا عَالِمًا بِهَا) أَيْ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ وَهِيَ بِالْعِلْمِ وَمِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ، وَهُوَ بِالْعَدَالَةِ. (وَلَا يُعَيَّنُ وَاحِدٌ لَهَا) إذْ لَوْ تَعَيَّنَ لَحُكِمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ. (وَلَا يَشْتَرِكُ الْقَسَّامُ) لِئَلَّا يَتَوَاضَعُوا عَلَى مُغَالَاةِ الْأَجْرِ فَيُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ (وَصَحَّتْ بِرِضَاءِ الشُّرَكَاءِ) لِوِلَايَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ (إلَّا عِنْدَ صِغَرِ أَحَدِهِمْ) فَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى أَمْرِ الْقَاضِي لِقُصُورِ وِلَايَتِهِمْ عَنْهُ. (قَسَمَ نَقْلِيًّا ادَّعَوْا إرْثَهُ أَوْ عَقَارًا ادَّعَوْا شِرَاءَهُ أَوْ مِلْكَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ ادَّعَوْا إرْثَهُ عَنْ زَيْدٍ) أَيْ لَا يُقْسَمُ (حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ) لَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَفِي هَذَا خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ لَهُمَا أَنَّهُ فِي أَيْدِيهمَا وَهُوَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَالْإِقْرَارُ إمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ، وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرِي، وَالْبَيِّنَةِ لَا تُفِيدُ لِأَنَّهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَلِمَعْنَى الْإِفْرَازِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي مُتَّحِد الْجِنْسِ الْمِثْلِيِّ لَا يُجْبَرُ الْأَبِيُّ عَلَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَأَطْلَقَ الْجَبْرَ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ الْقِيَمِيِّ وَلَا يَشْمَلُ الْعَبِيدَ فِي غَيْرِ الْمَغْنَمِ لِأَنَّ رَقِيقَ الْمَغْنَمِ يُقَسَّمُ بِالِاتِّفَاقِ وَرَقِيقُ غَيْرِ الْمَغْنَمِ لَا يُقَسَّمُ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ وَلَوْ كَانَ إمَاءً خُلَّصًا أَوْ عَبِيدًا خُلَّصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فُحْشُ تَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكَيَاسَةِ وَبَيْنَ الْغَانِمِينَ وَغَيْرِهِمْ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْغَنَائِمِ وَقَسْمُ ثَمَنِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ (تَنْبِيهٌ) : زَرَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَرْضٍ لَهُمَا أَرَادَا قِسْمَةَ الزَّرْعِ دُونَ الْأَرْضِ وَقَدُّ سَنْبَلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُجَازَفَةٌ وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ أَدْرَكَ وَشَرَطَ الْحَصَادَ جَازَتْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ الْكُلِّ اهـ. فَلْيُنْظَرْ مَا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ. (تَنْبِيهٌ آخَرُ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ. وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ شَرْطٍ وَخِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ تَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ الْجَمِيعُ وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالرُّؤْيَةِ وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَالشَّرْطِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَثْبُتُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْقِسْمَةِ ذَكَرْنَا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إنْ أَرَادَ بِهِ النَّوْعَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ النَّوْعَ الثَّانِيَ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَرَنَ بِهِ الشُّفْعَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّوْعَ الثَّالِثَ فَيَكُونُ صَالِحًا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ قِسْمَةٍ شَرْحِ الْكَافِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ نَصْبُهُ بِأَجْرٍ) يَعْنِي صَحَّ نَصْبُهُ لِيُقْسِمَ بِأَجْرٍ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ أَنَّهَا عَلَى طَالِبِ الْقِسْمَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَضَرَرُ الْمُمْتَنِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُعَيَّنُ وَاحِدٌ لَهَا) لِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْقَسَّامِ

صَكِّ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى شَرِيكٍ آخَرَ لَهُمْ وَلَهُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي وَقَوْلُ الشُّرَكَاءِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَثْبُتَ بِهَا الْقَضَاءُ عَلَى الْمَيِّت فَإِنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الزَّوَائِدِ كَأَوْلَادِ مِلْكِهِ وَأَرْبَاحِهِ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهَا دُيُونَهُ وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ وَبِالْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَيِّتِ عَنْ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ حَقُّهُ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ الزَّوَائِدِ فَكَانَ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ بِقَطْعِ حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَيَصِيرُ بَعْضُهُمْ حِينَئِذٍ مُدَّعِيًا، وَالْبَعْضُ خَصْمًا، وَإِنْ كَانَ مُقَرَّرًا. (وَ) لَا (إنْ بَرْهَنَا أَنَّهُ) أَيْ الْعَقَارَ (مَعَهُمَا حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا) يَعْنِي إنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَاصَّةً وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ ضَرْبَانِ لِحَقِّ الْمِلْكِ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِحَقِّ الْيَدِ تَتْمِيمًا لِلْحِفْظِ وَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ هُنَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَكَذَا الثَّانِي لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْكَافِي. (بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَهُوَ) أَيْ الْعَقَارُ (مَعَهُمْ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ غَائِبٌ قَسَمَ وَنُصِّبَ قَابِضٌ لَهُمَا) هُوَ وَصِيٌّ مِنْ الطِّفْلِ وَوَكِيلٌ مِنْ الْغَائِبِ لِأَنَّ فِي هَذَا النَّصْبِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ، وَالصَّغِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَالصَّغِيرِ بِقَوْلِهِمْ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَيُعْزَلُ حَقُّ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ، وَيَشْهَدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِ الْكِبَارِ الْحُضُورِ وَأَنَّ الْغَائِبَ أَوْ الصَّغِيرَ عَلَى حُجَّتِهِ. (وَإِنْ بَرْهَنَ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ شَرَوْا) أَيْ الشُّرَكَاءَ (وَغَابَ أَحَدُهُمْ أَوْ كَانَ) أَيْ الْعَقَارُ (مَعَ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ) كَانَ مَعَهُ (شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَقَارِ (لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ الْقِسْمَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ إذَا بَرْهَنَ وَاحِدٌ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ خَصْمٌ وَهُوَ إنْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ خَصْمًا عَنْهُمَا فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخَاصِمُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْحَاضِرُ مِنْ الْوَرَثَةِ اثْنَيْنِ حَيْثُ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ إذَا شَرَوْا وَغَابَ أَحَدُهُمْ فَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِرْثِ، وَالشِّرَاءِ فَإِنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ الْمُوَرَّثِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرَّثِ حَتَّى لَوْ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا مُوَرِّثُهُ فَوَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْوَارِثُ عَلَى بَائِعِ مُوَرِّثِهِ بِثَمَنِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدِ لِلْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ، وَأَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَمِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فِي نَصِيبِهِ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعٍ بَاعَهُ فَلَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ قَائِمَةً بِلَا خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ الْعَقَارُ مَعَ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ الْحَاضِرِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ يَدِهِ بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا. (وَقَسْمٌ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ وَبِطَلَبِ ذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَا إنْ بَرْهَنَا أَنَّهُ أَيْ الْعَقَارُ مَعَهُمَا حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا) كَذَا فِي الْكَنْزِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا قُبَيْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا أَنْ يَدَّعُوا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَشَرْطُهُ هُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَذَا. وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ كَذَا لِأَنَّ الصُّورَةَ مُتَّحِدَةٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا رَأَيْت وَفِي مِثْلِهِ تَبَيُّنُ الرِّوَايَاتِ وَلَا يَذْكُرُونَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ اخْتِلَافَ الصُّوَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ إلَّا ذِكْرُ أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنُصِّبَ قَابِضٍ لَهُمَا) قَالَ ابْنُ الضِّيَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُنَصَّبُ عَنْ الصَّبِيِّ الْحَاضِرِ أَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَلَا اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْغَائِبِ الْبَالِغِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْحَاضِرُ مِنْ الْوَرَثَةِ اثْنَيْنِ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ: لَوْ جَاءَ الْبَالِغُ مَعَ صَغِيرٍ نَصَّبَ الْقَاضِيَ عَنْ الصَّغِيرِ مَنْ يَقْسِمُ وَيَأْمُرُهُ بِالْقِسْمَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ. . . إلَخْ) هُوَ الصَّحِيحُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ يَقْسِمُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

الْكَثِيرِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْآخَرُ لِقِلَّةِ حِصَّتِهِ) يَعْنِي إذَا انْتَفَعَ كُلٌّ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِنَصِيبِهِ قُسِمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلَ الْمَنْفَعَةِ وَكَانَتْ حَتْمًا لَازِمًا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمْ، وَإِنْ انْتَفَعَ أَحَدُهُمْ بِنَصِيبِهِ إذَا قَسَمَ وَتَضَرَّرَ الْآخَرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قُسِمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يُقْسَمْ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَكْسَهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ قَسَمَ الْقَاضِي قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ فِي الْكَافِي مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَصَحُّ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لَا) أَيْ لَا يُقْسَمُ (إنْ تَضَرَّرَ كُلٌّ لِلْقِلَّةِ إلَّا بِطَلَبِهِمْ) لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةُ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهَا بِالنَّقْضِ وَتَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ. (وَلَا الْجِنْسَيْنِ بِالتَّدَاخُلِ) يَعْنِي لَا يُقْسَمُ الْجِنْسَيْنِ بِإِدْخَالِ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ بِأَنْ أَعْطَى أَحَدَ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بَعِيرًا، وَالْآخَرَ شَاتَيْنِ مَثَلًا جَاعِلًا بَعْضَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ ذَاكَ إذْ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْتَمَدُ التَّرَاضِي دُونَ الْجَبْرِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ لِلْقَاضِي تَثْبُتُ بِمَعْنَى التَّمْيِيزِ لَا الْمُعَاوَضَةِ. (وَ) لَا (الرَّقِيقِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَهُوَ الْعَبِيدُ، وَالْإِمَاءُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ يَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ جَبْرًا كَالْغَنَمِ، وَالثِّيَابِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ صَحَّ الْقِسْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُجْعَلُ الَّذِي مَعَ الرَّقِيقِ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا وَيُجْعَلُ الرَّقِيقُ تَابِعًا لَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَقَدْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِشَيْءٍ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَالشُّرْبِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لَمْ يُقْسَمْ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُجْبِرُهُمَا عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَا يُجْبِرُهُمَا عَلَيْهَا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ، وَالْغَنَمِ وَلَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكَيَاسَةِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةً وَإِفْرَازًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَلَا يُرَى أَنَّ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ. (وَ) لَا (الْجَوَاهِرِ) قِيلَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَاللَّآلِئِ، وَالْيَوَاقِيتِ لَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَمَّا اخْتَلَفَ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَقِيلَ لَا يُقْسَمُ الْكِبَارُ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَيُقْسَمُ الصِّغَارُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ الْجَوَابُ مَجْرِيٌّ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجَوَاهِرِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الرَّقِيقِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَيَّ لُؤْلُؤَةٍ أَوْ يَاقُوتَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَلَوْ خَالَعَ أَوْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ يَصِحُّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ. (وَ) لَا (الْحَمَّامِ، وَالْبِئْرِ، وَالرَّحَى إلَّا بِرِضَاهُمْ) وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ نَصِيبٍ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ فَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بِخِلَافِ التَّرَاضِي لِالْتِزَامِهِمْ الضَّرَرَ. (دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلٌّ وَحْدَهُ) هَاهُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الدُّورُ، وَالْبُيُوتُ، وَالْمَنَازِلُ فَالدُّورُ مُتَلَازِقَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً لَا تُقْسَمُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ مُطْلَقًا لِتُقَارِبهَا فِي مَعْنَى السُّكْنَى، وَالْمَنَازِلُ إنْ كَانَتْ مُجْتَمَعَةً فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ مُتَلَاصِقًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قُسِمَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ. . . إلَخْ) هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ صَوَّرَهَا فِي دَارٍ.

[كيفية القسمة]

قِسْمَةً وَاحِدَةً وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ فَالْتَحَقَتْ الْمَنَازِلُ بِالْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً وَبِالدُّورِ إذَا كَانَتْ مُتَبَايِنَةً، وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلُّهَا يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدَلِ الْوُجُوهِ وَيَمْضِي بِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الدُّورُ، وَالضَّيْعَةُ أَوْ الدُّورُ، وَالْحَانُوتُ فَيُقْسَمُ كُلٌّ مِنْهَا وَحْدَهَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِسْمَةِ وَبَيَانِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ، فَقَالَ (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُ) أَيْ يَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ عَلَى الْقِرْطَاسِ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ (وَيَعْدِلُهُ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ (وَيَذْرَعُهُ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ (وَيُقَوِّمَ بِنَاءَهُ) إذْ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالْآخِرَةِ (وَيُفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ بِطَرِيقِهِ) أَيْ يُمَيِّزُهُ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقَةٍ (وَشِرْبِهِ) لِئَلَّا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّمْيِيزِ، وَالْإِفْرَازِ عَلَى الْكَمَالِ. (فَإِذَا كَانَ) أَيْ مَا يَقْسِمُ (بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَهُمْ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ مَثَلًا يَجْعَلُهُ) أَيْ يَجْعَلُ مَا يَقْسِمُ (سِتَّةَ أَسْهُمٍ وَيُلَقِّبُ الْأَوَّلَ بِالسَّهْمِ الْأَوَّلِ وَمَا يَلِيهِ بِالثَّانِي، وَالثَّالِثَ إلَى السَّادِسِ وَيَكْتُبُ أَسَامِيَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ السُّدُسِ أَخَذَ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ النِّصْفِ أَخَذَهُ وَاَلَّذِينَ يَلِيَانِهِ وَلَا يُدْخِلُ دَرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَأَرَادُوا قِسْمَتَهَا وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلُ بِنَاءٍ فَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ، وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِوَضَ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُكَلِّفُ الَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَرُدَّ بِإِزَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لِلْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ، وَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ لَا فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ مَا لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ (فَإِنْ وَقَعَ مَسِيلٌ قَسَمَ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: وَيَفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْأَوَّلِ (أَوْ طَرِيقُهُ فِي قَسْمٍ الْآخَرِ بِلَا شَرْطٍ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِسْمَةِ (صَرْفٌ) أَيْ الْمَسِيلِ أَوْ الطَّرِيقِ (عَنْهُ) إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ (إنْ أَمْكَنَ) لِيَحْصُلَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَطْعُ الشَّرِكَةِ وَتَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا ضَرَرٍ (وَإِلَّا فُسِخَتْ) أَيْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَحْصُلْ فَتُفْسَخُ وَتُسْتَأْنَفُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَجْعَلَ مَسِيلًا أَوْ طَرِيقًا. (جَازَ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ) فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلُّهَا يَنْظُرُ الْقَاضِي) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: هَذَا إذَا كَانَتْ الدُّورُ كُلُّهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مِصْرَيْنِ لَا يُقْسَمُ عَلَى هَذَا بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْسَمُ [كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ] (قَوْلُهُ: وَيُصَوَّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُ) هُوَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى قِرْطَاسٍ أَنَّ فُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا وَفُلَانًا كَذَا (قَوْلُهُ: وَيَعْدِلُهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَرُوِيَ يَعْزِلُهُ بِالزَّايِ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيَذْرَعُهُ) شَامِلٌ لِلْبِنَاءِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوَّمُ الْبِنَاءُ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ، وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَإِنْ لَمْ يُفْرِزْهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَ أَيْ مَا يَقْسِمُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ. . . إلَخْ) أَصْلُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيَجْعَلُهَا مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى إذَا كَانَ الْأَقَلُّ ثُلُثًا جَعَلَهَا أَثْلَاثًا أَوْ رُبُعًا جَعَلَهَا أَرْبَاعًا وَهَكَذَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيهِ) ثُمَّ إذَا خَرَجَ عَقِبُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَ الثَّالِثُ وَتَعَيَّنَ مَا بَقِيَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَوْ النِّصْفُ أَخَذَهُ إلَى الْخَامِسِ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُدْخِلُ دَرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ) كَوْنُ الدَّرَاهِمِ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ غَيْرُ مُحْتَرَزٍ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ التَّرِكَةِ إذْ لَا يَدْخُلُهَا مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَلَوْ قَالَ كَالْكَنْزِ: وَلَا يُدْخِلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمَ إلَّا بِرِضَاهُمْ لَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لَهُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَا يُدْخِلُ الدَّرَاهِمَ يُرِيدُ إذَا أَمْكَنَتْهُ الْقِسْمَةُ بِدُونِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَدْلُ أَضْعَفِ الْأَنْصِبَاءِ بِالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يُدْخِلَ الدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَتَرْكُهُ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُدْخِلَ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا الدَّرَاهِمَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ إلَّا كَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا يُدْخِلُهَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ: بِلَا شَرْطٍ فِيهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَرَطُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ فَهُوَ لَهُ بِحُقُوقِهِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ وَتَرَكَ الطَّرِيقَ، وَالْمَسِيلَ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَقًّا لَهُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ. (قَوْلُهُ: جَازَ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ شَهَادَةِ قَاسِمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَقَاسِمِينَ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَذَلِكَ بِأَنْ أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ. . . إلَخْ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ

أَنْفُسِهِمَا فَتَبْطُلُ وَلَهُمَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا. (سُفْلٌ ذُو عُلْوٍ وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ مُجَرَّدَانِ عَنْ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ قُوِّمَ كُلٌّ وَحْدَهُ وَقُسِمَ بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلْوُ كَالْبِئْرِ، وَالسِّرْدَابِ، وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَصَارَا كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ. (أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ ادَّعَى الْغَلَطَ) فِي الْقِسْمَةِ وَزَعَمَ أَنَّ بَعْضًا مِمَّا أَصَابَهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ (لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَمُدَّعِي الْغَلَطِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الْفَسْخِ بَعْدَ لُزُومِ سَبَبِ ظُهُورِ الْعَقْدِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا لَزِمَهُمْ، وَإِنْ أَنْكَرُوا حَلَفُوا عَلَيْهِ لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ تَخَلَّصْ وَمَنْ نَكَلَ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِهِ وَنُصِبْ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا لِأَنَّ النَّاكِلَ كَالْمُقِرِّ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِلتَّنَاقُضِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاسِمَ أَمِينٌ وَهُوَ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ فَأَقَرَّ ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي فِعْلِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ. (وَإِنْ قَالَ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (قَبَضْتُهُ) يَعْنِي نَصِيبَهُ (فَأَخَذَ شَرِيكِي بَعْضَهُ وَأَنْكَرَ) أَيْ شَرِيكُهُ (حَلَفَ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ (وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ) بِالِاسْتِيفَاءِ (أَصَابَنِي مِنْ كَذَا إلَى كَذَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ) أَيْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ كَمَا ذُكِرَ فِي أَحْكَامِ التَّحَالُفِ فِي الدَّعْوَى وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَالْغَبَنُ فَاحِشٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ. (وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلًّا طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِنْ نَصِيبِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْعِبْرَةُ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ خَارِجٌ. (إنْ اسْتَحَقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ) اتِّفَاقًا. (وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ) أَيْ الْقِسْمَةُ اتِّفَاقًا. (وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لَا تُفْسَخُ لَكِنْ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ (بَلْ يَرْجِعُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ وَمَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْكَافِي. (ظَهَرَ دَيْنٌ فِي التَّرِكَةِ الْمَقْسُومَةِ تُفْسَخُ) أَيْ الْقِسْمَةُ (إلَّا إذَا قَضَوْهُ) أَيْ الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ (أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ) ذِمَمَ الْوَرَثَةِ (أَوْ بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ يَعْنِي إذَا قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُحِيطٌ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ اقْضُوهُ فَإِنْ قَضَوْا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَإِلَّا فُسِخَتْ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُمْنَعُ وُقُوعُ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا إلَّا إذَا قَضَوْا الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ ذِمَمَهُمْ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهَا إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تُفْسَخُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. (وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ بِالْقَضَاءِ يَبْطُلُ) عِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْمُسْتَصْفَى شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ سَوَاءٌ قَسَمَا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي السَّرَّاجُ وَسَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى الْقِسْمَةِ لَا غَيْرُ ابْتِدَاءً ثُمَّ قَالَا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْنُ قَسَمْنَا أَوْ شَهِدَا عَلَى قِسْمَةِ أَنْفُسِهِمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَبَّانِيِّينَ إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ حَاضِرًا حَالَ الْوَزْنِ، وَالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ: سُفْلٌ ذُو عُلْوٍ. . . إلَخْ) هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي سُفْلٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلْوٍ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَرَادَا قِسْمَتَهُمَا يُقْسَمُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْعَرْصَةُ فَتُقْسَمُ بِالذَّرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعَيْنِ عَلَى الثُّلُثِ، وَالثُّلُثَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَيْتٌ تَامٌّ عُلْوٌ وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُحْسَبُ فِي الْقِسْمَةِ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلْوِ، وَالسُّفْلِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلْوِ أَرْبَاعًا عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَرْبَاعًا،. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ، وَالْعُلْوِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ لِاسْتِوَاءِ السُّفْلِ، وَالْعُلْوِ عِنْدَهُ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَيْتٌ تَامٌّ سُفْلٌ وَعُلْوٌ، وَسُفْلٌ آخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحْسَبُ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ، وَالْعُلْوِ بِذِرَاعٍ وَنِصْفٍ مِنْ السُّفْلِ وَذِرَاعٌ مِنْ سُفْلِ الْبَيْتِ التَّامِّ بِذِرَاعٍ مِنْ الْآخَرِ وَذِرَاعٌ مِنْ عُلْوٍ بِنِصْفِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْآخَرِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذِرَاعٌ مِنْ التَّامِّ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ السُّفْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إقْرَارٌ أَصْلًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ. . . إلَخْ) سَيَذْكُرُهُ مَتْنًا وَيُفْسَخُ فِي الصَّحِيحِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي

[أحكام المهايأة]

الْكُلِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ فَقَدْ قِيلَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيه لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي. (ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ) حَتَّى إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ تَكُنْ قِسْمَتُهُ إبْرَاءً مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُصَادِقُ الصُّورَةَ وَحَقُّ الْغَرِيمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى (وَلَوْ) ادَّعَى (عَيْنًا لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ مُشْتَرَكٌ. (وَصَحَّتْ الْمُهَايَأَةُ) وَهِيَ لُغَةً: مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا، وَهِيَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ رَضِيَ بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَارَهَا، وَشَرْعًا: قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا لَكِنَّهَا جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ (فِي سُكُونِ هَذَا بَعْضًا مِنْ دَارٍ وَذَاكَ بَعْضًا وَ) سُكُونِ (هَذَا عُلْوَهَا وَذَاكَ سُفْلَهَا، وَ) فِي (خِدْمَةِ عَبْدٍ) بِأَنْ يَخْدُمَ الْعَبْدُ (هَذَا) الشَّرِيكَ (يَوْمًا وَذَاكَ) الشَّرِيكَ (يَوْمًا كَسُكْنَى بَيْتٍ صَغِيرٍ) بِأَنْ يَسْكُنَهُ هَذَا الشَّرِيكُ يَوْمًا وَذَاكَ يَوْمًا. (وَ) خِدْمَةِ (عَبْدَيْنِ) بِأَنْ يَخْدِمَ (زَيْدًا هَذَا) الْعَبْدُ. (وَ) يَخْدِمَ (بَكْرًا) الْعَبْدُ (الْآخَرُ) إذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَكَانِ كَانَتْ إفْرَازًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ وَجَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ، وَالْإِجَارَةُ وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ، وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ كَالْعَبْدِ. (لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ) غَلَّةِ (بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إمَّا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ بِخِلَافِ الْمُهَايَأَةِ فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ تَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا فِي عَبْدَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا تُقْسَمُ وَأَمَّا فِي رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِأَنَّ الرُّكُوبَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّسْوِيَةُ فَلَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ وَنَحْوِهِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ مُخْتَصٌّ بِالْمَنَافِعِ وَلَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ، وَالضَّرُورَةُ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَنَافِعِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ (كِتَابُ الْوَصَايَا) وَجْهُ إيرَادِ هَذَا الْكِتَابِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةُ وَقْتِ الْمَوْتِ وَلَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِكِتَابِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُوصَى بِهِ، وَالْإِيصَاءُ لُغَةً طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي غَيْبَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ تَارَةً بِاللَّامِ يُقَالُ: أَوْصَى فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِكَذَا بِمَعْنَى مَلَّكَهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ) عَلَى حَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا لَا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: أَيْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ. اهـ. [أَحْكَام الْمُهَايَأَة] (قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ الْمُهَايَأَةُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَيَجْرِي فِيهَا جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا يَجْرِي فِي قَسْمِ الْأَعْيَانِ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا اهـ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ) كَذَا بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَهَا شِرْبٌ} [الشعراء: 155] الْآيَةَ. وَالسُّنَّةُ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَهَايَئُونَ» كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَخِدْمَةُ عَبْدَيْنِ) كَذَا يَصِحُّ فِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَكَانِ كَانَتْ إفْرَازًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) هُوَ الْأَوْجَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ) وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَلِذَلِكَ إذَا تَهَايَآ فِي دَارٍ فَزَادَتْ غَلَّةُ الدَّارِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ فِي الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ وَفَضَلَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ. . . إلَخْ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَفِي اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالتَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَفِي الْعَبْدَيْنِ، وَالْبَغْلَيْنِ اخْتِلَافٌ، وَالتَّهَايُؤُ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي غَلَّتِهَا وَكَذَا فِي سُكْنَى دَارَيْنِ وَغَلَّتِهِمَا خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَرُكُوبُ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

[كتاب الوصايا.]

وَيُسْتَعْمَلُ أُخْرَى بِإِلَى يُقَالُ أَوْصَى فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ بِمَعْنَى جَعَلَهُ وَصِيًّا لَهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ وَأَطْفَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْقَوْمُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَبَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِاسْتِقْلَالِ بَلْ ذَكَرُوهُمَا فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ بُيِّنَ مِنْهُمَا هَاهُنَا بِانْفِرَادِهِ وَلَمَّا امْتَنَعَ تَعْرِيفُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ بِمَفْهُومٍ وَاحِدٍ عَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِدْخَالٍ أَوْ الْمُقَسَّمَةِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ (الْإِيصَاءُ جَعْلٌ لِلْغَيْرِ مَالِكًا لِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ تَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَمَصَالِحِ أَطْفَالِهِ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَاهُنَا بَابَانِ) لِبَيَانِ الْمَعْنَيَيْنِ (الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ بِالْمَنْفَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي (رُكْنُهَا قَوْلُهُ أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا (وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ) فَلَا تَجُوزُ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُونِ (وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَ) كَوْنُ (الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَهَا) إذْ لَوْ كَانَ مَيِّتًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ (وَ) كَوْنُهُ (غَيْرَ وَارِثٍ وَلَا قَاتِلٍ) كَمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَالْقَاتِلِ (وَكَوْنُ الْمُوصَى بِهِ قَابِلًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) مَالًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً (وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا لِلْمُوصَى لَهُ) لِإِقَامَةِ الْمُوصِي إيَّاهُ مُقَامَ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِلْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا. (جَازَتْ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَارِثُ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ» وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّمْلِيكِ حَتَّى إذَا أَوْصَى لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَلَوْ عُكِسَ بِأَنْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا (لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِهِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ تَقْصِيرَهُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِإِيثَارِ الْبَعْضِ (إلَّا أَنْ يُجِيزَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَهُمْ كِبَارٌ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ وَهُمْ أَسْقَطُوهُ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ. (وَنُدِبَتْ بِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الثُّلُثِ (عِنْدَ غِنَى وَرَثَتِهِ أَوْ اسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ) لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ لِلْقَرِيبِ، وَالْأُولَى أَوْلَى إذْ يَبْتَغِي بِهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [كِتَابُ الْوَصَايَا.] [الْبَاب الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ] (كِتَابُ الْوَصَايَا) (قَوْلُهُ: فَهَهُنَا بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ) يَشْتَمِلُ عَلَى بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَبَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَبَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَبَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ اهـ. وَالْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ اهـ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى بَابٍ وَقَدْ ضَمِنَ أَمْثَالَهُ (قَوْلُهُ: رُكْنُهَا قَوْلُهُ: أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَنَحْوِهِ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ شَرْطٌ، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْوَصِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ وَذَلِكَ بِالصَّرِيحِ أَوْ بِالدَّلَالَةِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي اهـ. وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا رُكْنُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ أَيْ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ هُوَ: الْإِيجَابُ، وَالْقَبُولُ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَمَا لَمْ يُوجَدَا جَمِيعًا لَا يَتِمُّ الرُّكْنُ، وَإِنْ شِئْت قُلْت رُكْنُ الْوَصِيَّةِ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّهِ وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا نَذْكُرُ. وَقَالَ زُفَرُ: الرُّكْنُ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي فَقَطْ اهـ. وَذَكَرَ التَّوْجِيهَ لِكُلٍّ (قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَلَوْ مُكَاتَبًا) يَعْنِي مَا لَمْ يُضَفْ إلَى الْعِتْقِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالصَّغِيرِ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ تَجْهِيزُهُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَكَوْنُ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَهَا) يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ إذْ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا حَيَاتُهُ لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ وِجْدَانِهِ وَقْتَهَا غَيْرَ حَيٍّ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ غَيْرَ وَارِثٍ) يَعْنِي وَقْتَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: لِمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ) الْمُرَادُ عَدَمُ النُّفُوذِ (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمُوصَى بِهِ. . . إلَخْ) هَذَا فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُوصِي فَهُوَ عَلَى أَقْسَامٍ مَنْدُوبَةٍ وَاجِبَةٍ مَكْرُوهَةٍ مُبَاحَةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: جَازَتْ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ) يَعْنِي نَفَذَتْ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُجِيزَ وَرَثَتُهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ نَفَذَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَإِذَا وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَمَلَّكَهُ الْمَجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ: وَنُدِبَتْ. . . إلَخْ) الْوَصِيَّةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبَةٌ: كَالْوَصِيَّةِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَالدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ، وَمُسْتَحَبَّةٌ: كَالْوَصِيَّةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَفِدْيَةِ الصَّلَوَاتِ، وَالصِّيَامَاتِ، وَمُبَاحَةٌ: كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَالْأَقَارِبِ، وَمَكْرُوهَةٌ: كَالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ، وَالْمَعَاصِي كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ الْوَصِيَّةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقَدْرُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَيْ دِرْهَمٍ دُونَ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ عَشَرَةُ آلَافٍ اهـ.

(وَلَوْلَاهُمَا) أَيْ لَوْلَا غِنَاهُمْ (وَلَا اسْتِغْنَاؤُهُمْ بِحِصَّتِهِمْ فَالتَّرْكُ أَوْلَى) لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْوَصِيَّةِ صَدَقَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَصَدُّقٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَالْأُولَى أَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» (كَتَرْكِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ لَا يَسْتَغْنُونَ بِحِصَّتِهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ فَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى. (وَوَجَبَتْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَّرَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ بَعْدَ مَمَاتِهِ تَخْلِيَةً لِذِمَّتِهِ. (وَتُؤَخَّرُ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (عَنْ الدَّيْنِ) لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَاجَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ. (وَصَحَّتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ مَالِهِ (عِنْدَ عَدَمِ وَارِثِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَارِثِ فَإِذَا انْتَفَى تَصِحُّ. (وَ) صَحَّتْ (لِمَمْلُوكِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ) فِي الْخُلَاصَةِ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَا تَصِحُّ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَهُ مُطْلَقًا تَصِحُّ وَتَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعِتْقِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَتَقَ كُلُّهُ بِغَيْرِ سِعَايَةٍ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَتَقَ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُرْسَلَةِ قَالَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُنْيَةِ: لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ أَوْ لِأَمَتِهِ الْقِنَّةِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَأَمَّا أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا سِوَى الْعَيْنِ أَوْ يُطْلَقَ وَيُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِ نَفْسِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِ نَفْسِهِ جَازَ الْكُلُّ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ أَوْ لِأَمَتِهِ الْقِنَّةِ ثُمَّ مَاتَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي كُلِّهِمْ إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقِنِّ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ مَجَّانًا وَعَلَيْهِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ وَلَهُ ثُلُثُ مَالِهِ مِنْ سَائِرِ التَّرِكَةِ فَيَتَقَاصَّانِ وَيُتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ أَوَّلًا إلَى الْعِتْقِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ كَانَ الْفَضْلُ لِلْعَبْدِ. (وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ) بِأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت لِحَمْلِ فُلَانَةَ كَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ» . . . إلَخْ) لَعَلَّهُ لَيْسَ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا أَشَارَ إلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلًا عَقْلِيًّا وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَتَرْكُهَا أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ، وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» . وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ وَذُو رَحِمٍ مُحْتَاجٌ» وَهُوَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فَتَكُونُ صَدَقَةً، وَقَرِيبٌ فَتَكُونُ صِلَةً وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِمِيرَاثِهِمْ فَقِيلَ الْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَقِيلَ يُخَيَّرُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ أَوْ مَبَرَّةٌ وَتَرْكُهَا صِلَةٌ، وَالْكُلُّ خَيْرٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْلَاهُمَا أَيْ لَوْلَا غِنَاهُمْ وَلَا اسْتِغْنَاؤُهُمْ بِحِصَّتِهِمْ) أَيْ كَائِنٌ بِأَنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِحِصَّتِهِمْ فَالتَّرْكُ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: كَتَرْكِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا أَوْلَى مَعَ وُجُودِ الْغِنَى فَقَطْ وَكَذَا مَعَ وُجُودِ الِاسْتِغْنَاءِ فَقَطْ فَيُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهَا مَنْدُوبَةً عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ مَعَ أَحَدِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَتَكَلَّفَ بَعْضٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ قَوْلُهُ: كَتَرْكِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا هَكَذَا فِي النُّسَخِ الْمُتَدَاوَلَةِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كَلِمَةَ لَا سَاقِطَةٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْمَعْنَى كَتَرْكِهَا لَا مَعَ أَحَدِهِمَا بِقَرِينَةِ تَفْسِيرِهِ بِقَوْلِهِ أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ مَعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ اهـ. وَاعْتَرَضَهُ فَاضِلٌ ثَالِثٌ فَقَالَ وَفِيهِ بَحْثٌ أَيْ فِي كَلَامِ الثَّانِي لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُؤَدَّى قَوْلِهِ لَا مَعَ أَحَدِهِمَا عَدَمُهُمَا مَعًا فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْلَاهُمَا. . . إلَخْ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ أَحَدِهِمَا يَكُونُ ذَلِكَ صُورَةَ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ مَنْدُوبَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَآخِرُ كَلَامِهِ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَنَصُّ الْمَذْهَبِ مَا قَالَ فِي الْكَافِي الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالْهِبَةِ لِلْقَرِيبِ، وَالْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا رِضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ يُخَيَّرُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ صَدَقَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ تَصَدُّقٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ» . اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَّرَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ بَعْدَ مَمَاتِهِ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عِنْدَ مَمَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِمَّا أَنْ يُقَيِّدَ هَذَا بِمَا سِوَى الْعَيْنِ) فِيهِ تَأَمُّلٌ إذْ يَشْمَلُ الدَّرَاهِمَ الْمُرْسَلَةَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِمَا سِوَى الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ (قَوْلُهُ: جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي كُلِّهِمْ) عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ فِي قَوْلِهِمْ (قَوْلُهُ: وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَنْزِ. وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ: يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُ أَوْ بِهِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَوْ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نُكَتِ الْوَصَايَا، وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ اهـ. وَفِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت لِحَمْلِ فُلَانَةَ كَذَا دِرْهَمًا) يَنْبَغِي بِكَذَا دِرْهَمًا

دِرْهَمًا (وَبِهِ) أَيْ بِالْحَمْلِ أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِحَمْلِ جَارِيَتِي هَذِهِ لِفُلَانٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ تَصِحَّانِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي الصُّورَتَيْنِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا لَكِنَّ الثَّانِيَةَ إنَّمَا تَصِحُّ (إنْ وُلِدَ) أَيْ الْحَمْلُ (لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ صِحَّةَ وَصِيَّةِ الْحَمْلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِهِ وَإِنَّمَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِهِ إذَا وُلِدَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ. (وَبِالْأَمَةِ إلَّا حَمْلَهَا) فَإِنَّهَا أَيْضًا تَصِحُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمَا لَا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ. (وَمِنْ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ) فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ، وَالثَّانِي لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا فِي الْمَمَاتِ. (لَا حَرْبِيٍّ فِي دَارِهِ) فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ وَهُوَ فِي دَارِهِمْ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا بِرٌّ وَصِلَةٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [الممتحنة: 9] الْآيَةُ. وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ، وَإِنْ فُعِلَ جَازَ كَذَا فِي الْكَافِي، وَالنِّهَايَةِ أَقُولُ: لَا يَخْفَى بُعْدُهُ بَلْ وَجْهُ التَّوْفِيق مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ فِي دَارِهِمْ فَإِنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ حَرْبِيٍّ لَيْسَ فِي دَارِهِمْ وَهُوَ الْمُسْتَأْمَنُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِمَّنْ يُقَاتِلُنَا بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِمَّا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ (وَلَوْ لِوَارِثِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» (وَقَاتِلِهِ مُبَاشَرَةً) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا لِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا تَصِحُّ إنْ وُلِدَ الْحَمْلُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا) لَعَلَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى مَشْيًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ بِهِ حُكْمُ ابْتِدَاءِ الْمَجِيءِ بِالْحَمْلِ فِي الْأُولَى فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ هَذَا الْقَيْدِ فِي الثَّانِيَةِ وَيُعْلَمُ ابْتِدَاءً وَقْتُ الْمَجِيءِ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ مِنْ مَتْنِهِ. (تَنْبِيهٌ) : إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُعْتَدَّةً حِينَ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ الْوِلَادَةُ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى سَنَتَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَالْمُرَادُ أَقَلُّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِمَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ كَذَا ذَكَرَهُ شُرَّاح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُمْ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ قَوْلَهُمْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ. . . إلَخْ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ، وَلَعَلَّ الْحَقَّ رَأْيُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ اهـ. وَقَالَ الْمَرْحُومُ جُوَيْ زَادَهْ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي السِّيَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ: أَقُولُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَلَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ امْتِنَاعَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ بِحَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَانَا عَنْ بِرِّهِمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الصَّحِيحِ بِرُّ الْحَرْبِيِّ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ مَا امْتَنَعَ جَوَازُهَا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْ بِرِّهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ بَرَّهُ الْمُوَرِّثُ فِي صِحَّتِهِ يَجُوزُ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ جَوَازُهَا لِحَقِّ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَتَجُوزَانِ بِإِجَازَتِهِمْ وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّنَا، وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَيِّتِ بَاطِلَةٌ كَذَا ذَكَرَهُ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ فِي وَصَايَا الْأَصْلِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالُوا وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ وَذَكَرَ مَا فِي الْكَافِي وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ هَكَذَا قَالُوا، وَالْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ بَاطِلَةٌ، وَصُورَةُ الْمَذْكُورِ ثَمَّةَ لَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ وَرَأَيْت الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَقَدْ فَصَّلَهَا تَفْصِيلًا وَافِيًا وَتَتَبَّعْتهَا كَثِيرًا لِأَظْفَرَ بِمَا قَالُوا إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ فَنَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا: أَنَّهُ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا وَأَمَرَ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِيُفَرَّقَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَبُو صَفْوَانَ» قَالَ: وَبِهِ نَأْخُذُ وَلِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ وَفِي كُلِّ دِينٍ، وَالْإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا اهـ. مُخْتَصَرًا فَلَمْ أَشُكَّ فِي أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ كَلَامُهُ هَذَا لَكِنْ مَنْ أَرَادَ التَّوْفِيقَ لَمْ يَطَّلِعْ عَنْ الْمُرَادِ فَوَفَّقَ رَجْمًا بِالْغَيْبِ مَعَ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهِمَا أَوَّلًا الْفَرْقُ الثَّانِي الَّذِي بَنَى السَّرَخْسِيِّ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ لَدَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهَا مَحْمُودَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ وَلَوْ كَانَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ ثُمَّ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفَرْقَيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ فَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ صِلَةِ الْحَرْبِيِّ وَعَدَمِهِ لَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَعَدَمُهُ لِاقْتِضَاءِ الْفَرْقِ الثَّانِي عَدَمَ جَوَازِهَا اهـ. عِبَارَةُ الْمَرْحُومِ جَوِي زَادَهْ إلَّا أَنَّهُ يُتَأَمَّلُ فِي قَوْلِهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الصَّحِيحِ بِرُّ الْحَرْبِيِّ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ لَا بَأْسَ أَنْ يَصِلَ الْمُسْلِمُ الرَّجُلَ الْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. (قَوْلُهُ: وَجْهُ التَّوْفِيقِ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَرْحُومُ جُوَيْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا احْتِيَاجَ إلَى هَذَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَا يُجَوِّزُ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ: أَقُولُ لَا يَخْفَى بَعْدَهُ بَلْ وَجْهُ التَّوْفِيقِ. . . إلَخْ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَقُولُ هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ لَفْظَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ» وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِعْجَالَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ، وَقَوْلُهُ مُبَاشَرَةً احْتِرَازٌ عَنْ التَّسْبِيبِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ (إلَّا بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ (أَوْ يَكُونُ الْقَاتِلُ صَبِيًّا) ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ. (وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيَّزٍ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَيَّزًا لَمْ يَجُزْ أَصْلًا (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يَعْنِي إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَمْ تَجُزْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ (أَوْ أَضَافَهَا إلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ: إذَا أَدْرَكْتُ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ. (وَ) لَا (مِنْ عَبْدٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ (وَمُكَاتَبٍ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ فِي صُورَةِ تَرْكِ الْوَفَاءَ (إلَّا إذَا أَضَافَاهَا) أَيْ أَضَافَ الْعَبْدَ، وَالْمُكَاتَبَ الْوَصِيَّةَ (إلَى الْعِتْقِ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا تَامَّةٌ، وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ إسْقَاطِهِ. (وَلَا مِنْ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ بِالْإِشَارَةِ) اعْلَمْ أَنَّ إيمَاءَ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتَهُ كَالْبَيَانِ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ فِي وَصِيَّةٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ إذَا كَانَتْ مَعْهُودَةً وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ وَصَارَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْهُودَةٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ وَقُدِّرَ الِامْتِدَادُ بِسَنَةٍ، وَقِيلَ إنْ دَامَتْ الْعَقْلَةُ إلَى الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ (فَيَبْطُلُ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا عَلَى دِرْهَمٍ فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا بَاطِلٌ قَبْلَ الْغَدِ كَمَا مَرَّ. (وَبِهِ) أَيْ بِالْقَبُولِ (يُمْلَكُ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْلَكُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِلَا اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُهُ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ الْأَحْكَامُ جَبْرًا مِنْ الشَّارِعِ بِلَا قَبُولٍ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ (إلَّا إذَا مَاتَ مُوصِيهِ ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِلَا قَبُولٍ (فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (لِوَرَثَتِهِ) أَيْ وَرَثَةُ الْمُوصَى لَهُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَمُشْتَرٍ مَاتَ قَبْلَ قَبُولِهِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ. (وَلَهُ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمُوصِي (الرُّجُوعُ عَنْهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (بِقَوْلٍ صَرِيحٍ) نَحْوُ رَجَعْت عَمَّا أَوْصَيْت لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ كَالْهِبَةِ (وَفِعْلٍ يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَغْصُوبِ) كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ (أَوْ يَزِيدُ فِي الْمُوصَى بِهِ مَا يَمْنَعُ تَسْلِيمَهُ بِدُونِهِ كَالْبِنَاءِ أَوْ يُزِيلُ مِلْكَهُ كَالْبَيْعِ) فَإِنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا بَاعَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا فِي مِلْكِهِ فَإِذَا زَالَ عَنْهُ كَانَ رُجُوعًا وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا رُجُوعٌ لِأَنَّهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَوْ وَصَّى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ اهـ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْمَنُ هُوَ الْمُرَادَ مِمَّا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ) لَعَلَّ صَوَابَهُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ إذْ الْكَلَامُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لَا الْإِرْثِ (قَوْلُهُ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَجُوزُ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ عَمْدًا بَعْدَهَا أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُلْغَاةً بِالِاتِّفَاقِ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُ الْقَاتِلُ صَبِيًّا) مَعْطُوفٌ عَلَى بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَلَا يُحْتَاجُ هُنَا إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَلِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ خَطَأً أَنَّ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَقَصْدُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الِاسْتِعْجَالِ (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ صَبِيٍّ إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ) لَكِنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ يُكَفَّنُ بِكَفَنٍ وَسَطٍ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ لَا يُرَاعَى شَرَائِطُ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ سِتَّةِ أَثْوَابٍ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا بِقُرْبِ فُلَانٍ الزَّاهِدِ يُرَاعَى شَرْطُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ فِي التَّرِكَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُقْبَرَ مَعَ فُلَانٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لَا يُرَاعَى شَرْطُهُ (قَوْلُهُ: قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) كَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَا تَصِحُّ بِإِشَارَةِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ إلَّا إذَا دَامَ إلَى الْمَوْتِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ. اهـ.

عَادَةً فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى أَصْلًا أَيْضًا (بِخِلَافِ غَسْلِ ثَوْبٍ أَوْصَى بِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا. (الْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي، وَالْحَالِ فَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً. (كَذَا كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا فَحَرَامٌ أَوْ رِبَا) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّ وَصْفَ الْحُرْمَةِ، وَالرِّبَوِيَّةِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَصْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرُّجُوعُ. (وَ) قَوْلُهُ (كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا أَخَّرْتهَا بِخِلَافِ تَرَكْتُهَا) فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَالثَّانِيَ رُجُوعٌ لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ إسْقَاطٌ، وَالتَّأْخِيرُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ فَإِنَّ الدَّائِنَ إذَا قَالَ لِمَدْيُونِهِ: تَرَكْت لَك دَيْنَك كَانَ إبْرَاءً لَهُ وَلَوْ قَالَ: أَخَّرْت عَنْك لَا يَكُونُ إبْرَاءً كَذَا فِي الْمُحِيطِ. (وَ) بِخِلَافِ كُلِّ (وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ) فَإِنَّهُ أَيْضًا رُجُوعٌ لِأَنَّ الْبَاطِلَ ذَاهِبٌ مُتَلَاشٍ لَا أَصْلَ لَهُ. (أَوْ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَهُوَ لِعَمْرٍو أَوْ لِفُلَانٍ وَارِثِي) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَإِثْبَاتِ التَّخْصِيصِ لَهُ فَاقْتَضَى رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَجَازُوا، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُهَا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا (وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ مَيِّتًا وَقْتَهَا فَالْأُولَى) مِنْ الْوَصِيَّتَيْنِ (بِحَالِهَا) لِأَنَّ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِثْبَاتِ لِلثَّانِي فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ (وَلَوْ) كَانَ فُلَانٌ (حَيًّا) وَقْتَهَا (فَمَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي فَهِيَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ لِأَنَّ لَمَّا ثَبَتَ لِلثَّانِي كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَبَطَلَتْ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَصَحَّتْ فِي حَقِّ الثَّانِي ثُمَّ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ قَبْل مَوْتِ الْمُوصِي. (تَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِمَنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ كَوْنَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَفَسَادِهَا يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْإِقْرَارِ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ لِجَوَازِهِ وَفَسَادِهِ فَإِذَا أَوْصَى الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا شَيْئًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ، وَالْهِبَةُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّهَا إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ وَأَمَّا الْهِبَةُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْجَزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْوَصَايَا لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ يَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ. (بِخِلَافِ إقْرَارِهِ) فَإِنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ إقْرَارُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فِيهِ. (وَ) تَبْطُلُ (وَصِيَّتُهُ وَهِبَتُهُ وَإِقْرَارُهُ لِابْنِهِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا إنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالْهِبَةُ فَلِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا حَالُ الْمَوْتِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ لَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ مُلْحَقًا بِالْوَصَايَا. (الْمُقْعَدُ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْمَشْيِ لِدَاءٍ فِي رِجْلَيْهِ (وَالْمَفْلُوجِ) الْفَالِجُ دَاءٌ يَعْرِضُ لِنِصْفِ الْبَدَنِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ الْحِسِّ، وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ (، وَالْأَشَلِّ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ ارْتِعَاشٌ وَحَرَكَةٌ (، وَالْمَسْلُولُ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عِلَّةُ السُّلِّ وَهُوَ قُرْحٌ يَكُونُ فِي الرِّئَةِ (إنْ طَالَ مُدَّتُهُ سَنَةً كَالصَّحِيحِ وَإِلَّا فَكَالْمَرِيضِ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ أَمْرَاضٌ مُزْمِنَةٌ فَمَنْ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: الْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ) هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبُرْهَانِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: هُوَ رُجُوعٌ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْمُحِيطِ) وَذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ، وَالْكَافِي (قَوْلُهُ: فَهُوَ لِعَمْرٍو وَلِفُلَانٍ وَارِثِي) الْقَيْدُ بِالْوَارِثِ خَاصٌّ بِالْأَخِيرِ وَهُوَ فُلَانٌ فَقَطْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ) يَعْنِي فِي تَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ لِفُلَانٍ الْوَارِثِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا عَمْرٌو فَالْوَصِيَّةُ لَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إقْرَارِهِ) يَعْنِي لِلْمَرْأَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: إنْ طَالَ مُدَّتُهُ سَنَةً كَالصَّحِيحِ وَإِلَّا فَكَالْمَرِيضِ) كَذَا فَسَّرَ الطُّولَ بِسَنَةٍ فِي الْخَانِيَّةِ وَقُيِّدَ هَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ فَقَالَ إذَا طَالَ بِهِ الْمَرَضُ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ، وَالشَّلَلِ إذَا كَانَ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ فَهَذَا لَا يَكُونُ حُكْمُ الْمَرِيضِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ فَمَا فَعَلَ فِي حَالَةِ التَّغَيُّرِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[باب الوصية بالثلث]

مِنْ التَّبَرُّعَاتِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ الْمَرَضُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِهَا لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي الْفُصُولِ الَّتِي كُلٌّ مِنْهَا مَظِنَّةُ الْهَلَاكِ صَارَ الْمَرَضُ بِمَنْزِلَةِ طَبْعٍ مِنْ طَبَائِعِهِ وَخَرَجَ صَاحِبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرِيضِ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ بِالتَّدَاوِي. (اجْتَمَعَ الْوَصَايَا) وَكَانَ بَعْضُهَا فَرْضًا وَبَعْضُهَا نَفْلًا (وَضَاقَ الثُّلُثُ فَفِي الْفَرْضِ، وَالنَّفَلِ قُدِّمَ الْفَرْضُ) سَوَاءٌ قَدَّمَهُ الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهُ كَالْحَجِّ، وَالزَّكَاةِ، وَالْكَفَّارَاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَهَمُّ (وَإِنْ تَسَاوَتْ) فِي الْقُوَّةِ (قَدَّمَ مَا قَدَّمَ) أَيْ الْمُوصَى فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ، وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلَوْ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِ مَا بَدَأَ بِهِ لَزِمَنَا تَقْدِيمُهُ كَذَا هُنَا أَوْصَى بِحَجٍّ حُجَّ عَنْهُ رَاكِبًا مِنْ بَلْدَةٍ إنْ كَفَى نَفَقَتَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَلَهَا يَعْتَبِرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ، وَالْوَصِيَّةِ لِأَدَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَيَحُجُّ رَاكِبًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تَكْفِ (فَمِنْ حَيْثُ تَكْفِي) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ بِصِفَةٍ وَقَدْ عُدِمَتْ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ غَرَضَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَتَنْفُذُ مَا أَمْكَنَ. (مَاتَ حَاجٌّ فِي طَرِيقِهِ وَأَوْصَى بِهِ) أَيْ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ (يَحُجُّ كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كُفِيَ نَفَقَتَهُ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ تَكْفِي، وَقَالَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ، وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. (أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ) اسْتِحْسَانًا (وَإِنْ لَمْ يُهْلِكْ شَيْءٌ حَجَّ بِهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ رُدَّ عَلَى الْوَارِثِ) لِأَنَّ التَّرِكَةَ حَقُّ الْوَرَثَةِ إلَّا مَا اُشْتُغِلَ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ عَنْهُ) أَيْ بِهَذِهِ الْمِائَةِ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ (حَيْثُ لَمْ يُعْتَقْ بِالْبَاقِي) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا وَجَبَتْ لِمُسْتَحِقٍّ لَمْ يَصِحَّ تَنْفِيذُهَا لِغَيْرِهِ وَهَاهُنَا أَوْصَى بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمَا سُمِّيَ فَلَمْ يَصِحَّ تَنْفِيذُهَا فِي عَبْدٍ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَكَانَ فِيهِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ، وَذَا لَا يَجُوزُ. (أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيُعْتَقُ عَنْهُ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ) بَطَلَتْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى بِالْكُلِّ مُغَايِرٌ لِمَا يُشْتَرَى بِالثُّلُثِ. (كَذَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ عَبْدٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَزَادَ الْأَلْفُ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ تَجُزْ) لِلتَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ) (أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالثُّلُثُ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا. (وَلَوْ) أَوْصَى (لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِكُلِّهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ الثُّلُثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا (وَعِنْدَهُمَا يُرَبَّعُ) أَيْ يُجْعَلُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ حَقًّا عَلَى الْوَارِثِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ مِنْ الثُّلُثِ بِحِصَّتِهِ ذَلِكَ الزَّائِدَ إذْ لَا مُوجِبَ لِإِبْطَالِ هَذَا الْمَعْنَى فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَالثُّلُثُ وَاحِدٌ، وَالْكُلُّ ثَلَاثَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِكُلِّهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ الثُّلُثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا) وَيَكُونُ تَصْحِيحُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ أَصْلَهَا ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُمَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِمَا فَيُضْرَبُ اثْنَانِ فِي أَصْلِهَا تَبْلُغُ سِتَّةً ثُلُثُهَا اثْنَانِ بَيْنَهُمَا، وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ

فَصَارَتْ أَرْبَعَةً فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بِهَذِهِ السِّهَامِ. (وَلَوْ لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ) لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ سُدُسٍ سَهْمًا (وَثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ النِّصْفِ) لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ وَلَوْ لَهُ بِالسُّدُسِ وَلِآخَرَ بِالثُّلُثِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عِنْدَهُمْ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ مُقَرَّرٍ بَيْنَهُمْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ. (وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا يَجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ مِنْ مَالِهِ سَهْمًا أَيْ جَعَلَ وَمَفْعُولُ لَا يَضْرِبُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا يَضْرِبُ شَيْئًا. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الضَّرْبُ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْحِسَابِ فَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَالْكُلُّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفٌ يُضْرَبُ النِّصْفُ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَالنِّصْفُ فِي الثُّلُثِ يَكُونُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلِكُلِّ سُدُسِ الْمَالِ وَعِنْدَهُمَا سِهَامُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ، وَالْوَاحِدُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ رُبُعٌ فَيُضْرَبُ الرُّبُعُ فِي ثُلُثٍ يَكُونُ رُبُعَ الثُّلُثِ ثُمَّ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ فَيُضْرَبُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ فِي الثُّلُثِ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَيَضْرِبُ الْوَاحِدَةَ فِي الثُّلُثِ وَهُوَ الرُّبُعُ يَعْنِي رُبُعَ الثُّلُثِ. (إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ) صُورَتُهَا عَبْدَانِ لِرَجُلٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ، وَالْآخَرُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُحَابَاةَ حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ لِكَوْنِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ. . . إلَخْ) فِي مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ خَفَاءٌ، وَالطَّرِيقَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ هَهُنَا وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ، وَوَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ فَيُؤْخَذُ ثُلُثُهَا لِلْوَصِيَّةِ فَجَعَلْنَاهُ أَثْلَاثًا، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ يَدَّعِي الْكُلَّ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَدَّعِي ثُلُثَهُ وَهُوَ سَهْمٌ فَتَعُولُ إلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْمَالَ أَرْبَاعًا عِنْدَهُمَا وَطَرِيقُهُ أَنْ تَقُولَ الْإِجَازَةُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالْوَاحِدُ عَلَيْهِمَا لَا يَسْتَقِيمُ فَيُضْرَبُ مَخْرَجُ النِّصْفِ فِي الثَّلَاثَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغْ سِتَّةً فَثُلُثُهَا بَيْنَهُمَا وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِيهَا وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي سَهْمًا وَاحِدًا لِيَتِمَّ لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فَيُسَلِّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَيَسْتَوِي مُنَازَعَتُهُمَا فِي السَّهْمِ الْبَاقِي فَيُنَصَّفُ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْوَاحِدُ عَلَى مَخْرَجِ النِّصْفِ فَضَرَبْنَا مَخْرَجَ النِّصْفِ فِي سِتَّةٍ فَحَصَلَ اثْنَا عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ فَضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ تِسْعَةً وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ فَضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ ثَلَاثَةً وَهِيَ رُبْعُ جَمِيعِ الْمَالِ انْتَهَى الْحُكْمُ عِنْدَهُمَا. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ، وَالثُّلُثِ يُقَسَّمُ الْمَالُ أَسْدَاسًا يُفْرَضُ الْمَالُ سِتَّةً وَلَا نِزَاعَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فِي أَرْبَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي سَهْمَيْنِ فَيُنَصَّفَانِ فَصَارَ لِصَاحِبِ الْكُلِّ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قُلْت فَاسْتَوَى لِصَاحِبِ الثُّلُثِ نَصِيبُهُ فِي حَالَتَيْ الرَّدِّ، وَالْإِجَازَةِ اهـ. وَنَقَلَ مِثْلَ هَذَا الشَّيْخُ إمَامُ الْفَرْضَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ الشِّنْشَوْرِيُّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِلتَّرْتِيبِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ قَالَ عَنْ مُصَنِّفِ التَّرْتِيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ نَصِيبُ مُوصَى لَهُ فِي حَالَتَيْ الْإِجَازَةِ، وَالرَّدِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ) وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِاجْتِمَاعِ النِّصْفِ، وَالثُّلُثِ وَتَبَايُنِهِمَا فَيُؤْخَذُ ثُلُثُهَا اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَتَصِحُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ، وَالنِّصْفِ سِتَّةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا مِنْهَا خَمْسَةٌ وَثُلُثُ الْمَالِ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْخَمْسَةِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي سِهَامِ الْوَصِيَّةِ تَبْلُغْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَثُلُثُهَا خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِصَاحِبِ النِّصْفِ، وَاثْنَانِ مِنْهَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ، وَالْعَشَرَةُ لِلْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ سُدُسٍ سَهْمًا) يَعْنِي كُلُّ سُدُسٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سَهْمًا مِنْ تَصْحِيحِهَا بَيَانُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ النِّصْفُ، وَالثُّلُثُ وَخَصَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ مِنْ الْحَاصِلِ اثْنَانِ وَهُمَا سُدُسَانِ بِنِسْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مُحَصَّلِ مَخْرَجِ النِّصْفِ، وَالثُّلُثِ أُعْطِيَ سَهْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ) أَيْ ضَرْبِ سِهَامِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ مِنْ مُحَصَّلِ ضَرْبِ مَخْرَجِ الثُّلُثِ، وَالنِّصْفِ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَفِي عِبَارَتِهِ تَفَنُّنٌ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالضَّرْبِ هُوَ مَعْنَى جَعْلِ كُلِّ سُدُسٍ سَهْمًا كَمَا بَيَّنَّاهُ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا يُجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ مِنْ مَالِهِ سَهْمًا) أَيْ جَعَلَ فِي التَّرْكِيبِ تَأَمَّلْ هَذَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرُ " ضَرَبَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ يُشَارِكُ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ يُجْعَلُ أَخْذًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ الَّتِي هِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي الرِّبْحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّفْسِيرُ بِجَعْلٍ فِي تَمَامِ الْكَلَامِ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ، وَيُقَالُ ضَرَبَ فِي الْجَزُورِ إذَا أَشْرَكَ فِيهَا وَفُلَانٌ يَضْرِبُ فِيهِ بِالثُّلُثِ أَيْ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا بِحُكْمِ مَالِهِ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. وَعَدَلَ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الْبُرْهَانِ حَيْثُ قَالَ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُفَضَّلُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ، وَالسِّعَايَةِ، وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ وَفَضَّلَاهُ أَيْ فَضَّلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَكْثَرِ مُطْلَقًا. اهـ.

جَازَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ الْأَلْفُ، وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفٍ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ. (وَالسِّعَايَةُ) صُورَتُهَا أَنْ يُوصَى بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي. (وَالدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ) أَيْ الْمُطْلَقَةُ عَنْ كَوْنِهَا ثُلُثًا أَوْ نِصْفًا أَوْ نَحْوَهُمَا صُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفَيْنِ وَلِآخَرَ بِأَلْفٍ وَثُلُثِ مَالِهِ أَلْفٌ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَخْرُجُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ فَرْقِ الْإِمَامِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا كَانَتْ مَقْدِرَةً بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَرِيحًا كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثَيْنِ وَنَحْوِهِمَا، وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ فِي الزَّائِدِ يَكُونُ ذِكْرُهُ لَغْوًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ مَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَاتَّفَقَ أَنَّ مَالَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ بَاطِلَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَوْقَ الْمِائَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً بِالْكُلِّيَّةِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الضَّرْبِ. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِنَصِيبِ ابْنِهِ بَطَلَ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا هُوَ حَقُّ الِابْنِ لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِ. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ (لَا) أَيْ لَا تَبْطُلُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ. (وَ) لَوْ أَوْصَى (بِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ) أَيْ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِسَهْمٍ مِنْ مَالِي أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ (لَهُ بَيْنَ وَارِثِهِ) أَيْ يُقَالُ لِلْوَارِثِ أَعْطِ مَا شِئْت لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَارِثِ هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمَشَايِخُ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ أَنَّ السَّهْمَ كَالْجُزْءِ وَأَمَّا أَصْلُ الرِّوَايَةِ فَبِخِلَافِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْوِقَايَةِ. (وَ) لَوْ أَوْصَى (بِسُدُسٍ مَالِهِ ثُمَّ بِثُلُثِهِ وَأُجِيزَ لَهُ ثُلُثُهُ) أَيْ يَكُونُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ إنْ كَانَ إخْبَارًا فَكَاذِبٌ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّدُسِ إخْبَارًا، وَفِي الثُّلُثِ إنْشَاءً فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ نَخْتَارُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَوْ كَانَ النِّصْفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ السُّدُسَ، وَالثُّلُثَ فِي كَلَامِهِ شَائِعٌ وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَكْثَرُ مُقَدَّمًا كَانَ أَوْ مُؤَخَّرًا وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَعْلِيلِهِ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُتَضَمِّنٌ لِلسُّدُسِ فَإِنَّ التَّضَمُّنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الشَّائِعِ وَضَمُّ السُّدُسِ الشَّائِعِ إلَى الثُّلُثِ الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةً فِي الْعَدَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفَائِدَةُ الْإِجَازَةِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا يَكُونُ مُتَنَاوَلَ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَكَانَ بِرًّا مُسْتَأْنَفًا لَا إجَازَةً وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْقُولِ إنَّ ضَمَّ الْكُلِّيِّ إلَى الْكُلِّيِّ لَا يُفِيدُ الْجُزْئِيَّةَ. (وَفِي سُدُسِ مَالِي مُكَرَّرًا لَهُ سُدُسُهُ) يَعْنِي إذَا قَالَ: سُدُسُ مَالِي لَهُ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسُ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ سُدُسُ مَالِي لَهُ كَانَ لَهُ سُدُسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً. (وَبِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ غَنَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ هُنَا (قَوْلُهُ: وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ) لِقَائِلٍ أَنْ لَا يُسَلِّمَ ذَلِكَ إذْ الزِّيَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ مُتَضَمِّنًا لِلسُّدُسِ فَلَا يُمْنَعُ ضَمُّهُ إلَيْهِ فَتَحْصُلُ الزِّيَادَةُ وَلَا يُمْنَعُ الْمَنْعُ قَوْلُ الْعِنَايَةِ جَوَابًا عَمَّا أُورِدَ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ، لِقَوْلِهِ: وَإِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فَائِدَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأُولَى حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ اهـ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ وَهُوَ الْوَارِثُ رَضِيَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُوصِي فَاتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ بِاجْتِمَاعِ الثُّلُثِ مَعَ السُّدُسِ وَامْتِنَاعِ مَا كَانَ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ لَحِقَ الْوَارِثِ فَبَعْدَ أَنْ رَضِيَ كَيْفَ يَتَكَلَّفُ لِلْمَنْعِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت لِقَاضِي زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَحْثًا فِي جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَنَصُّهُ: أَقُولُ فِي قَوْلِهِ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ إنَّمَا هُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَأَمَّا إذَا أَجَازَتْ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ هَهُنَا فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَيْضًا وَيَتَمَلَّكُهُ الْمَجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا تَتِمُّ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَتَدَبَّرْ

وَهَلَكَ ثُلُثَاهُ لَهُ مَا بَقِيَ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ ثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ، وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يُتْوَى مَا تَوَى مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً وَلَنَا أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمُوصِي جَعَلَ حَاجَتَهُ فِي هَذَا الْمَعِينِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ الْمُوصَى بِهِ فَكَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ كَالتَّبَعِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ كَالْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ فِي مَالٍ اشْتَمَلَ عَلَى أَصْلٍ وَتَبَعٍ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ الْهَالِكَ مِنْ التَّبَعِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ حَيْثُ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ ثُمَّ وَثُمَّ. (وَ) لَوْ أَوْصَى (بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابِهِ مُخْتَلِفَةً أَوْ دُورِهِ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثُ مَا بَقِيَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا فَتَكُونُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ. (وَ) لَوْ أَوْصَى بِأَلْفٍ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُوصِي (نَقْدٌ وَدَيْنٌ) عَلَى الْغَيْرِ مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ (هُوَ) أَيْ الْأَلْفُ الْمُوصَى بِهِ (نَقَدَ إنْ خَرَجَ) أَيْ الْأَلْفُ (مِنْ ثُلُثِهِ) أَيْ ثُلُثِ النَّقْدِ لِإِمْكَانِ إيفَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِلَا بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ (وَإِلَّا فَثُلُثُ النَّقْدِ وَثُلُثُ الْمَأْخُوذِ مِنْ الدَّيْنِ) يَعْنِي كُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ. (وَ) لَوْ أَوْصَى (بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَبَكْرٍ الْمَيِّتِ كَانَ لِزَيْدٍ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عُلِمَ مَوْتُ بَكْرٍ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي مَوْتَهُ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ لِبَكْرٍ فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ مَوْتَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِبَكْرٍ لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِزَيْدٍ. (كَذَا لَوْ) أَوْصَى (لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ) كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَسْتَحِقُّ مَالًا. (أَوْ) أَوْصَى (لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (وَلِعَقِبِهِ) كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ لِأَنَّ الْعَقِبَ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ. (أَوْ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (وَلِوَلَدِ بَكْرٍ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ لَهُ وَلِفُقَرَاءِ وَلَدِهِ أَوْ لِمَنْ افْتَقَرَ مِنْ وَلَدِهِ وَفَاتَ شَرْطُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي) فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَلَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِزَيْدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ. (وَإِنْ قَالَ) ثُلُثُ مَالِي (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ زَيْدٍ وَبَكْرٍ (وَبَكْرٌ مَيِّتٌ فَنِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثِ (لِزَيْدٍ) لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ. (أَوْصَى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِثُلُثِهِ وَهُوَ) أَيْ الْمُوصِي (فَقِيرٌ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (ثُلُثُ مَالِهِ) أَيْ الْمُوصِي (عِنْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلُ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَ) أَيْ الْإِيصَاءُ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ. (كَذَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ) فَإِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ) ذَكَرَ وَصْفَ الثِّيَابِ بِالِاخْتِلَافِ دُونَ الرَّقِيقِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ: وَبَكْرٍ الْمَيِّتِ) لَوْ قَالَ وَهُوَ مَيِّتٌ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الصِّفَةَ مِنْ كَلَامِ الْمُوصِي وَلْيَحْسُنْ قَوْلُهُ: سَوَاءٌ عَلِمَ مَوْتَ بَكْرٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: كَانَ لِزَيْدِ مُطْلَقًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ مَعْدُومًا مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا كَانَ خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ وَلَا يُسَلَّمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ لَهُمَا وَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَبُطْلَانُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ حَقِّ الْآخَرِ وَذَكَرَ مِثَالَهُ (قَوْلُهُ: كَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ) هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَلِعَمْرٍو إنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَ الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ) لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُولَدْ الْعَقِبُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُشَارَكَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَهُمَا. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي وَيَعُودُ نَصِيبُهُ إلَى مِلْكِ الْمُوصِي وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْمُوصِي كَانَ نَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ) يَعْنِي وَلَمْ يَسْتَفِدْ غَنَمًا بَعْدَ هَذَا وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ بِمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ وَلَا مَلَكَهُ بَعْدَهُ بَطَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَهُ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَذَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي) أَضَافَ الشَّاةَ إذْ لَوْ لَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا يُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ

الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ. (وَ) فِي قَوْلِهِ: أَوْصَيْت (بِشَاةٍ مِنْ مَالِي لَهُ قِيمَتُهَا مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: مِنْ مَالِي دَلَّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ. (وَ) لَوْ أَوْصَى (بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ لَهُنَّ) أَيْ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ (ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ) مِنْ الثُّلُثِ (وَلَهُمَا) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ (الْبَاقِيَانِ) مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَخْمَاسِ بِالْمُنَاصَفَةِ هَذَا عِنْدَهُمَا،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، وَتَبْطُلُ الْجَمْعِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] فَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ فَيُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةٍ وَلَهُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِثَلَاثَةٍ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ نُصِفَ بَيْنَهُمَا) عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا. (وَلَوْ) أَوْصَى (بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَمِائَةٍ لِبِكْرٍ أَوْ أَوْصَى بِهَا) أَيْ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَخَمْسِينَ لِبَكْرٍ (إنْ أَشْرَكَ آخَرُ مَعَهُمَا) أَيْ قَالَ لِآخَر: أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا (فَلَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْآخَرِ (ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ فِي الْأَوَّلِ) لِأَنَّ نَصِيبَ زَيْدٍ وَبَكْرٍ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَقَدْ أَشْرَكَ آخَرَ مَعَهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَهُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَهُوَ ثُلُثُ الْمِائَةِ (وَنِصْفٍ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الثَّانِي) لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ لَفْظِ الِاشْتِرَاكِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. (وَفِي لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ صُدِّقَ عَلَى الثُّلُثِ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمَرِيضُ مُخَاطِبًا لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ فِيمَا قَالَ صُدِّقَ فُلَانٌ إلَى الثُّلُثِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ إقْرَارٌ بِالْمَجْهُولِ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَدْ فَاتَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى مَالٍ بِمَا أَوْصَى وَهُوَ يَمْلِكُ هَذَا التَّسْلِيطَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ بِأَنْ يُوصِيَهُ لَهُ ابْتِدَاءً فَيَصِحُّ تَسْلِيطُهُ أَيْضًا بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِدَيْنٍ مَجْهُولٍ، وَالْمَرْءُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ الْحَقِّ وَلَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَيُجْعَلُ وَصِيَّةً فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَجُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ فِي الثُّلُثِ لَا الزِّيَادَةِ (فَإِنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلُ بِلَا رُجُوعٍ عَنْهُ (عُزِلَ) أَيْ الثُّلُثُ (لَهُمَا) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْمُوصَى لَهُ (وَالْبَاقِي) وَهُوَ الثُّلُثَانِ (لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحَمُ الْمَعْلُومُ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ (فَيُقَالُ) أَيْ بَعْدَ مَا عُزِلَ يُقَال (لِكُلٍّ) مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةِ (صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فِي جَوَابِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنْكِرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ ثُمَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ اللَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَمْلُوكِهِ بِالْمَالِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ عِتْقًا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِإِضَافَتِهَا إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ لَا حَالَّ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي (قَوْلُهُ: نُصِفَ بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا) يَعْنِي بَيْنَ زَيْدٍ، وَالْمَسَاكِينِ وَيَجُوزُ صَرْفُ مَا لِلْمَسَاكِينِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا يَعْنِي ثُلُثُهُ لِزَيْدٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مَا لِلْمَسَاكِينِ لِأَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَى مَسَاكِينَ إذَا لَوْ أَشَارَ إلَى جَمَاعَةٍ، وَقَالَ ثُلُثُ مَالِي لِهَذِهِ الْمَسَاكِينِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى وَاحِدٍ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلْخَ فَأَعْطَى غَيْرَهُمْ جَازَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْأَفْضَلُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ مِثْلُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ ثُلُثُ الْمِائَةِ) صَوَابُهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ بِتَثْنِيَةِ الثُّلُثِ أَوْ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ بِتَثْنِيَةِ الْمِائَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي) أَيْ لُزُومُ تَصْدِيقِ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ (قَوْلُهُ: عُزِلَ أَيْ الثُّلُثُ لَهُمَا أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَالْمُوصَى لَهُ) لَعَلَّ صَوَابَهُ عَزَلَ أَيْ الثُّلُثَ لَهُ أَوْ لِلْمُوصَى لَهُ أَوْ لَهَا أَيْ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا عَزَلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ صَارَ الْمُقَرُّ لَهُ شَرِيكًا فَكَيْفَ يُقَالُ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَأَيْضًا لَا يُطَابِقُهُ التَّعْلِيلُ لِلْعَزْلِ خُصُوصًا قَوْلَهُ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُقَالَ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ عِبَارَةُ جَمِيعِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِنَا اهـ. (قَوْلُهُ: فَيُقَالُ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ) اسْتَشْكَلَ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا مُحَصِّلُهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَهُنَا إذَا اسْتَغْرَقَتْ الْوَصِيَّةُ الثُّلُثَ وَقِيلَ بَعْدَ إفْرَازِهِ لِلْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ إيجَابُ التَّصْدِيقِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخُصُّهُمْ وَهُوَ الثُّلُثَانِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ اهـ. ، وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ أَقُولُ هَذَا الْإِشْكَالُ سَاقِطٌ جِدًّا إذْ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ إلَى الثُّلُثِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ

الثُّلُثِ فَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا) لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَفِي الْعَزْلِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ، وَالْآخَرُ أَلَدُّ وَأَلَجُّ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَإِذَا عَزَلْنَا قُلْنَا عَلِمْنَا أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي كُلِّ التَّرِكَةِ فَأُمِرَ أَصْحَابُ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةُ بِبَيَانِهِ (وَإِذَا بَيَّنُوا) شَيْئًا (يُؤْخَذُ أَصْحَابُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ، وَالْبَاقِي لَهُمْ وَيُؤْخَذُ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ) لِيَنْفُذَ إقْرَارُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ (وَيَحْلِفُ كُلٌّ) أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ (عَلَى الْعِلْمِ فِي دَعْوَى الزِّيَادَةِ) أَيْ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. (وَفِي بِأَلْفٍ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ لَهُ نِصْفُهُ وَخَابَ الْوَارِثُ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِهِ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. (وَفِي الْحَيِّ، وَالْمَيِّتِ الْكُلُّ لِلْحَيِّ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ، وَالْوَارِثِ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ لَكِنَّهُ حَرُمَ لِعَارِضٍ. (وَبِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِكُلٍّ لِرَجُلٍ إنْ ضَاعَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيٌّ هُوَ، وَالْوَرَثَةُ تَقُولُ لِكُلٍّ تَوَى حَقُّك بَطَلَتْ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ أَثْوَابٌ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ فَأَوْصَى بِكُلِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ وَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَا يُدْرَى أَيَّهَا هُوَ، وَالْوَرَثَةُ تَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ ضَاعَ فَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ (وَإِنْ سَلَّمُوا الْبَاقِيَيْنِ) زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْجُحُودُ وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ (أَخَذَ ذُو الْجَيِّدِ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَذُو الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ وَذُو الْوَسَطِ ثُلُثَيْ كُلٍّ) مِنْ الْجَيِّدِ، وَالرَّدِيءِ لِأَنَّ الثَّوْبَيْنِ إنَّمَا يُقْسَمَانِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الثَّوْبِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ صَاحِبِ الْجَيِّدِ فِي الْجَيِّدِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَيِّدَ الْأَصْلِيَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَجْوَدُ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلْ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ صَاحِبُ الرَّدِيءِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَرْدَأَ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْآخَرِ فِي ثُلُثِ كُلٍّ مِنْ الثَّوْبَيْنِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَمَّا أَخَذَ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْكَافِي. (وَبِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ تُقْسَمُ فَإِنْ أَصَابَ) أَيْ الْبَيْتَ الْمُعَيَّنَ (الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ (فَلَهُ قَدْرُهُ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِبَيْتٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ، وَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ عِنْدَهُمَا،. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ الْبَيْتِ فِيمَا أَصَابَ الْمُوصِي عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ (كَمَا فِي الْإِقْرَارِ) يَعْنِي إذَا كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ لَهُمْ وَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِيمَا شَاءُوا فَإِنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا الْمُسْتَغْرِقَةَ لِلثُّلُثِ لَا يَأْخُذُونَهُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ التَّامِّ بَلْ بِطَرِيقِ الْعَزْلِ، وَالْإِفْرَازِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِيهِ بِتَصْدِيقِهِمْ الْمُدَّعِي فِيمَا شَاءُوا وَلَا يَضُرُّ بِذَلِكَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَئِنْ سُلِّمَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ الْمَخْصُوصِ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ حَتَّى مِنْ جِهَةِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي أَيْضًا فَيَكْفِي جَوَازُ التَّصَرُّفِ لَهُمْ فِي مُطْلَقِ الثُّلُثِ الشَّائِعِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَعَنْ هَذَا قَالُوا إنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ، وَالْوَصِيَّةَ فَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ وَلَا يَخُصُّ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ تَأَمَّلْ تَرْشَدْ اهـ. قُلْت لَيْسَ فِيهِ تَوْجِيهٌ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ سُقُوطِ إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا دَافِعَ لِمَا أَقَرُّوا بِهِ وَلَا مُبْطِلَ لِمَا أَوْصَى بِهِ فَلَزِمَ انْتِقَاضُ الثُّلُثَيْنِ بِهَذَا وَلَزِمَ التَّصْدِيقُ مَعَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اجْتِمَاعُ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ اخْتَصُّوا بِالثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ التَّصْدِيقُ بِمَا يَنْقُصُهُمَا وَقَدْ اجْتَمَعْنَا هُنَا فَلَزِمَ ضَرُورَةً تَصْدِيقُهُمْ، وَالِانْتِقَاصُ بِهِ فَلَمْ يَخْتَصُّوا بِثُلُثَيْ جَمِيعِ الْمَالِ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: وَفِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ الْكُلُّ لِلْحَيِّ) مُسْتَدْرَكٌ وَإِعَادَتُهُ لِذِكْرِ الْفَرْقِ شَرْحًا لَيْسَ مُسَوِّغًا لِلتَّكْرَارِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ) لَا مَحَلَّ لِلَفْظَةِ " مِثْلُهُ " (قَوْلُهُ: فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتُهُ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ حَقُّهُ أَوْلَى) عِبَارَةُ الْكَافِي مِنْ مَحَلٍّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ (قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْكَافِي) عُلِمَتْ عِبَارَتُهُ وَتَمَامُهَا وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الضَّائِعُ أَجْوَدَ فَيَكُونُ هَذَا وَسَطًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ الضَّائِعُ أَرْدَأَ فَيَكُونَ هَذَا وَسَطًا فَكَانَ هَذَا تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ كَذَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَبِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ) ذَكَرَ فِي الْكَافِي، وَالتَّبْيِينِ كَيْفِيَّةَ قِسْمَتِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِقْرَارِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ تَمَلَّكَهُ بَعْدَهُ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ ثُمَّ مَاتَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا تُنَفَّذُ

[باب العتق في المرض]

مَكَانَ الْوَصِيَّةِ إقْرَارٌ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ قِيلَ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ فِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ. (وَبِأَلْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِ زَيْدٍ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَالْمَنْعُ بَعْدَهَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِعَيْنِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَ كَانَ تَبَرُّعًا مِنْهُ أَيْضًا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ، وَالِامْتِنَاعُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَتَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. (أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ دَفَعَ ثُلُثَ نَصِيبِهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَشَرِيكُ الْوَارِثِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ. (وَلَدَتْ الْمُوصِي بِهَا لِزَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ فَهُمَا لَهُ إنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا أَخَذَ الثُّلُثَ مِنْهَا ثُمَّ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً، وَالْوَلَدُ تَبَعًا لِاتِّصَالِهِ بِالْأُمِّ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَالتَّرِكَةُ قَبْلُهَا مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ وَتُقْضَى دُيُونُهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كَأَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِمَا الْوَصِيَّةَ فَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ يَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ أَوَّلًا مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ مِنْ الْوَلَدِ هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ (وَلَوْ) وَلَدَتْ (بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ (فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَحَدَثَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى خَالِصِ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ (وَلَوْ) وَلَدَتْ (بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَهَا) أَيْ الْقِسْمَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوصًى بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَمَشَايِخُنَا (قَالُوا: يَصِيرُ مُوصًى بِهِ) حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ (وَلَوْ) وَلَدَتْ (قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي) لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بَلْ (يَبْقَى عَلَى) حُكْمِ (مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ قَصْدًا وَلَا سِرَايَةً، وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْكَافِي (بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ) الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخْرَجَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ (الْمُعْتَبَرُ حَالُ الْعَقْدِ فِي تَصَرُّفٍ إنْشَائِيٍّ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ) احْتِرَازٌ عَنْ تَصَرُّفٍ إخْبَارِيٍّ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ نَفَذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَكَذَا النِّكَاحُ فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ نَفَذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ (فَلَوْ كَانَ) ذَلِكَ التَّصَرُّفُ الْإِنْشَائِيُّ (فِي الصِّحَّةِ فَمِنْ) أَيْ يُعْتَبَرُ مِنْ (كُلِّ مَالِهِ وَإِلَّا فَمِنْ ثُلُثِهِ) بِخِلَافِ الْإِخْبَارِيِّ وَمَا لَيْسَ فِيهِ تَبَرُّعٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَالْمُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ فِي الْإِضَافَةِ إلَيْهِ) فَيَكُونُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ الْإِنْشَائِيُّ (مِنْ ثُلُثِهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ (إذَا مَاتَ) لِوُجُودِ الْمُضَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: دَفَعَ ثُلُثَ نَصِيبِهِ) هُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِغَيْرِهِ) يَعْنِي فَيُدْفَعُ إلَيْهِ كُلُّ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ أَوَّلًا مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ مِنْ الْوَلَدِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَعِنْدَهُمَا تُنَفَّذُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَجُعِلَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَقَالَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضُرِبَ بِالثُّلُثِ وَأُخِذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ ثُمَّ قَالَ، وَهَذَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مِثْلُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ] (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِخْبَارِيِّ) يَعْنِي كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَمَا لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ يَعْنِي كَالنِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ يَعْنِي لَا يَكُون مُعْتَبَرًا بِحَالِ صُدُورِهِ مِنْ الْمَرِيضِ بَلْ يَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَإِعْتَاقُهُ. . . إلَخْ) الْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ بِالْفَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا جَعَلَهُ أَصْلًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ) شُبِّهَتْ بِالْوَصِيَّةِ وَلَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنَجَّزَةٌ فِي الْحَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ فِي الْمَرَضِ صَارَتْ كَحُكْمِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ. . . إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ الْمُحَابَاةُ، وَالْهِبَةُ. . . إلَخْ إذَا لَمْ يَضِقْ الثُّلُثُ أَخْرَجَ الْجَمِيعَ مِنْهُ أَمَّا لَوْ ضَاقَ فَحَابَى فَأُعْتِقَ فَهِيَ أَحَقُّ

إلَيْهِ (وَمَرَضٌ صَحَّ مِنْهُ كَالصِّحَّةِ) لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ أَوْ الْغَرِيمِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَبِالْبُرْءِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَإِعْتَاقُهُ) أَيْ الْمَرِيضِ (وَمُحَابَاتُهُ وَهِبَتُهُ وَضَمَانُهُ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا فِي الْمَرَضِ (فَإِنْ حَابَى فَأَعْتَقَ فَهِيَ) أَيْ الْمُحَابَاةُ (أَحَقُّ) مِنْ الْعِتْقِ (وَهُمَا) أَيْ الْمُحَابَاةُ، وَالْعِتْقُ (فِي عَكْسِهِ) أَيْ إذَا أَعْتَقَ فَحَابَى (سَوَاءٌ) صُورَةُ الْمُحَابَاةِ ثُمَّ الْإِعْتَاقُ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَى الْمُحَابَاةِ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي كُلِّ قِيمَتِهِ، وَصُورَةُ الْعَكْسِ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ وَهُوَ الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَالْعَبْدُ الْمُعْتَقُ يُعْتَقُ نِصْفُهُ مُحَابَاةً وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَابَاةِ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْآخَرَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ (وَعِنْدَهُمَا عِتْقُهُ أَوْلَى فِيهِمَا) إذْ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَكِنْ إنْ وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ يُزَاحِمُ الْمُحَابَاةَ (فَفِي عِتْقِهِ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفٌ) مِنْ الثُّلُثِ (لِلْأُولَى) مِنْ الْمُحَابَاتَيْنِ (وَنِصْفٌ لِلْأَخِيرَيْنِ) يَعْنِي الْعِتْقِ، وَالْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ. (وَفِي عَكْسِهِ) يَعْنِي إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ (لَهَا) أَيْ لِلْمُحَابَاةِ (نِصْفٌ وَلَهُمَا) أَيْ لِلْعِتْقَيْنِ (نِصْفٌ) يَعْنِي يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ، وَالْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي. (تَبْطُلُ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بِعِتْقِ عَبْدِهِ إنْ جَنَى بَعْدَ مَوْتِهِ فَدُفِعَ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً، وَدُفِعَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالدَّفْعِ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمُوصِي أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَنْ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَقَدْ أَوْصَى بِعِتْقِ الْعَبْدِ بِيعَ الْعَبْدُ بِدَيْنِهِ (وَإِنْ فَدَى لَا) أَيْ إنْ فِدَاهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْفِدَاءُ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ ظَهَرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَيُنَفِّذُ الْوَصِيَّةَ. (أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي صِحَّتِهِ، وَالْوَارِثُ فِي مَرَضِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى رَجُلٌ لَهُ وَارِثٌ لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَتَرَكَ عَبْدًا فَأَقَرَّ كُلٌّ مِنْ الْوَارِثِ وَزَيْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لَكِنْ ادَّعَى زَيْدٌ إعْتَاقَهُ فِي صِحَّتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ وَصِيَّةً تُنَفَّذُ مِنْ الثُّلُثِ وَادَّعَى الْوَارِثُ إعْتَاقَهُ فِي مَرَضِهِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً (صُدِّقَ الْوَارِثُ وَحُرِمَ زَيْدٌ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَلِهَذَا يُنَفَّذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْوَارِثُ يُنْكِرُهُ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَكَانَ مُنْكِرًا، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ (إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ) عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ إذْ لَا مُزَاحِمَ (أَوْ يُبَرْهِنُ) أَيْ زَيْدٌ (عَلَى دَعْوَاهُ) أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الصِّحَّةِ فَلَهُ الْمَالُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عَيَانًا وَهُوَ خَصْمٌ فِي إقَامَتِهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ. (ادَّعَى زَيْدٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ وَادَّعَى عَبْدُهُ إعْتَاقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَصَدَّقَهُمَا وَارِثُهُ سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ) أَيْ تِلْكَ الْقِيمَةُ (إلَى الْغَرِيمِ. وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ) لِأَنَّ الْعِتْقَ، وَالدَّيْنَ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي التَّعْلِيلِ لِلْإِمَامِ عَلَى مَا ذُكِرَ فَيُذْكَرُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَة فَكَانَتْ تَبَرُّعًا مَعْنًى لَا صِيغَةً، وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنَى فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دَفَعْت الْأَضْعَفَ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: وَادَّعَى عَبْدُهُ إعْتَاقَهُ) أَيْ وَلَا مَالَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُ

[باب الوصية للأقارب وغيرهم]

وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْعَ الْعَبْدُ لَهُ فِي شَيْءٍ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَيْسَ هُوَ بِوَصِيَّةٍ مِنْ الْمَرِيضِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ أَصْلًا لَكِنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ فَنَقَضْنَاهُ مَعْنًى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ. (مَاتَ وَتَرَك ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ: لِي عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَ) قَالَ رَجُلٌ (آخَرُ الْأَلْفُ الْمَتْرُوكُ وَدِيعَةٌ لِي وَصَدَّقَهُمَا) أَيْ الِابْنُ (قِيلَ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْوَدِيعَةُ أَوْلَى) هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَافِي (بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) (أَقَارِبُهُ) هَذَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي مَحْرَمَاهُ فَصَاعِدًا (وَأَقْرِبَاؤُهُ وَذُو قَرَابَتِهِ وَذُو أَنْسَابِهِ مَحْرَمَاهُ فَصَاعِدًا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الْأَقْرَبِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ (سِوَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ) إذْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْقَرِيبِ وَمَنْ سَمَّى، وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ عَاقًّا لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ غَيْرُهُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ، وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِمَا لَا بِغَيْرِهِمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَقْرَبِيَّةَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَهِيَ تُعْتَبَرُ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِيهَا، وَالْجَمْعُ الْمَذْكُورُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الْمَحْرَمِيَّةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ صِلَةُ الْقَرِيبِ فَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصِّلَةَ مِنْ قَرَابَتِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ، وَالْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ قَرِيبٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ إلَى أَقْصَى ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي بَلْ ذَكَرَ الْخِلَافَ كَمَا ذُكِرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارُهُ وَعِبَارَتُهُ كَمَا ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَالَ أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَنْ تَرَكَ عَبْدًا فَقَالَ لِلْوَارِثِ: أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَ رَجُلٌ: لِي عَلَى أَبِيك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ، وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتَق دَيْنٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ، وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ لِي عِنْدَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ أَيْ الدَّيْنُ، الْوَدِيعَةُ سَوَاءٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ نَحْوَ الْمَنْظُومَةِ وَشُرُوحِهَا، وَالْكَافِي ذَكَرُوا الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرُوا فِيهِمَا. وَقَالَ الْأَتْرَازِيُّ: جَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْوَدِيعَةَ أَقْوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَعَلَ الدَّيْنَ، وَالْوَدِيعَةَ سَوَاءً عِنْدَ صَاحِبَيْهِ، وَالْكِبَارُ قَبْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ذَكَرُوا الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ هَذَا ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَعْدَ ذِكْرِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى وَنَقَلَ عَنْ الْمَنْظُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّقْرِيبِ هَكَذَا وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْمَنْظُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ، فَقَالَ لَوْ تَرَكَ أَلْفًا وَهَذَا يَدَّعِي دَيْنًا، وَذَاكَ قَالَ هَذَا مُودِعِي، وَالِابْنُ قَدْ صَدَّقَ هَذَيْنِ مَعًا فَاسْتَوَيَا وَأَعْطَيَا مَنْ أَوْدَعَا اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: بَعْدَ ذِكْرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةَ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَذُكِرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مَا يُؤَيِّدُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَالْكَيْسَانِيَّ ثُمَّ ذَكَرَ النَّظْمَ وَوَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَجُعِلَ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ اهـ. (قَوْلُهُ: هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَافِي) يَعْنِي النَّسَفِيَّ وَعِبَارَتُهُ وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَعَبْدًا فَقَالَ رَجُلٌ: لِي عَلَى أَبِيك أَلْفٌ دَيْنٌ، وَقَالَ الْعَبْدُ: أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَيَدْفَعُ الْقِيمَةَ إلَى الْغَرِيمِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا الْأَلْفُ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوك كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ أَبِيك، وَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا فَعِنْدَهُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْوَدِيعَةُ إلَّا، وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهَا فَيَتَحَاصَّانِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ، وَقَالَا الْوَدِيعَةُ أَحَقُّ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي عَيْنِ الْمَالِ، وَالدَّيْنُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ أَسْبَقَ فَكَانَ صَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَرِّثُ حَيًّا، وَقَالَ: صَدَقْتُمَا بَعْدَ مَا قَالَا قُلْنَا الْإِقْرَارُ مِنْ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ التَّرِكَةَ لَا الذِّمَّةَ فَقَدْ وَقَعَا بِخِلَافِ الْمُوَرِّثِ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَبِهِ يَنْطِقُ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحُ الْمَنْظُومَةِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ] (بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ) (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ. . . إلَخْ) غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَتْنِ. (قَوْلُهُ: سِوَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ إيهَامُ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) كَذَا فِي الْكَافِي، وَالتَّبْيِينِ وَرَأَيْت مَعْزُوًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالْجَمْعُ، وَالْكَافِرُ، وَالْمُسْلِمُ وَاخْتَلَفَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِ أَقْصَى الْأَبِ. وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ: الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَهُوَ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (لِعَمَّيْهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّيْنٍ وَخَالَانِ فَالْمُوصَى بِهِ لِعَمَّيْهِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِأَنَّ اسْمَ الْقَرِيبِ يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبِيَّةَ. (وَفِي عَمٍّ وَخَالَيْنِ نِصْفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا) أَيْ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ لِلْعَمِّ وَنِصْفُهُ لِلْخَالَيْنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فَيُضَمُّ إلَى الْعَمِّ الْخَالَانِ لِيَصِيرَ جَمْعًا فَيَأْخُذُ هُوَ النِّصْفَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَيَأْخُذَانِ النِّصْفَ لِعَدَمِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْعَمِّ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيُحْرِزُ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ (وَفِي عَمٍّ لَهُ نِصْفٌ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَأَخْذُ النِّصْفِ. (وَفِي عَمٍّ وَعَمَّةٍ اسْتَوَيَا) لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِمَا فَاسْتَحَقُّوا. (وَجِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْجَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْجَارَ الْمُلَاصِقَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» أَيْ بِقُرْبِهِ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْمُلَازِقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا هُوَ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةُ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ مَحَلَّتِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى جِيرَانًا عُرْفًا. (وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَخْرَجَ كُلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالْوَاحِدُ، وَالْجَمْعُ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَمْعِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَمَّا لَوْ قَالَ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْأَقْرَبَ اسْمُ فَرْدٍ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ بِصَرِيحِ شَرْطِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْحَقَائِقِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ) لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ، وَالْأَوْلَى مَا قَالَ فِي الْكَافِي لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا اهـ. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَةٌ (قَوْلُهُ: وَجِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ) وَيَسْتَوِي السَّاكِنُ، وَالْمَالِكُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالذِّمِّيُّ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبِيدُ، وَالْإِمَاءُ، وَالْمُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهُمْ لَا جِوَارَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ فِي السُّكْنَى، وَالْمُكَاتَبُ يَدْخُلُ كَذَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَالْمُحِيطِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ لِإِطْلَاقِهِ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ كَذَا فِي الْكَافِي. وَفِي التَّبْيِينِ وَتَدْخُلُ الْأَرْمَلَةُ لِأَنَّ سُكْنَاهَا يُضَافُ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَبِي عُبَيْدٍ اهـ. وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ قَالَ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ اهـ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ: فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْرَازِيُّ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْ ابْنِ الْحَسَنِ حُجَّةُ اللُّغَةِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ قَالَ الْخَلِيلُ: لَا يُقَالُ لِأَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ إلَّا الْأَصْهَارُ وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ نَظَمَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي نَظْمِهِ لِكِتَابِ الزِّيَادَاتِ بَيْتَيْنِ يَشْتَمِلَانِ عَلَى مَعْنَى الصِّهْرِ، وَالْخَتْنِ فَقَالَ أَصْهَارُ مَنْ يُوصِي أَقَارِبَ حُرْمَتِهِ ... وَيَزُولُ ذَاكَ بِبَائِنٍ وَحَرَامِ أَخْتَانُهُ أَزْوَاجُ كُلُّ مَحَارِمٍ ... وَمَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ بِالْأَرْحَامِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ: فَأَمَّا الصِّهْرُ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْخَتْنِ لَكِنَّ الْغَالِبَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ حَاتِمُ بْنُ عَدِيٍّ: وَلَوْ كُنْت صِهْرًا لِابْنِ مَرْوَانَ قُرِّبَتْ رِكَابِي إلَى الْمَعْرُوفِ، وَالظَّعْنِ الرَّحْبِ وَلَكِنَّنِي صِهْرٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَخَالُ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَالْخَالُ كَالْأَبِ سَمَّى نَفْسَهُ صِهْرًا وَكَانَ أَخَا امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ اهـ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا بَائِنٌ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنَّ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّتِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ وَفِي عِدَّةِ مِنْهُ، وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا اهـ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ وَتَكُونُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَامْرَأَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلُّ أَصْهَارٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ» ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَالتَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَوْلُهُ: صَفِيَّةُ ثُمَّ صَوَابُهُ جُوَيْرِيَةُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الْعَتَاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَنْ نَفْسِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً مَلَّاحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابَتِهَا فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ رَأَيْتهَا فَكَرِهْت مَكَانَهَا وَعَرَفْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْت فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْك، وَإِنِّي وَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ شَمَّاسٍ وَإِنَّنِي كَاتَبْت عَلَى نَفْسِي فَجِئْت

مَنْ مُلِكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . (وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ، وَالْأَخَوَاتِ، وَالْعَمَّاتِ، وَالْخَالَات (وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِ هَؤُلَاءِ) قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ أَزْوَاجَ الْمَحَارِمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَشْمَلُ الْكُلَّ. (وَأَهْلُهُ امْرَأَتُهُ) لِأَنَّهَا الْمُرَادُ بِهِ لُغَةً وَعُرْفًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ} [النمل: 7] أَيْ لِامْرَأَتِهِ يُقَالُ تَأَهَّلَ أَيْ تَزَوَّجَ وَعِنْدَهُمَا مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَنَفَقَتِهِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ} [الأعراف: 83] ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ. (وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ) لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ، وَالْأَبْعَدُ، وَالذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى، وَالْمُسْلِمُ، وَالْكَافِرُ، وَالصَّغِيرُ، وَالْكَبِيرُ (وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْهُمْ) لِأَنَّ الْأَبَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَكَذَا الْجَدُّ. (وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ. (وَأَهْلُ بَيْتِهَا وَجِنْسُهَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَتْ امْرَأَةٌ لِأَهْلِ بَيْتِهَا أَوْ لِجِنْسِهَا (لَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَهَا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا) كَذَا فِي الْكَافِي. (وَوَلَدُ زَيْدٍ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى) لِوُجُودِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ فِيهِمَا (وَفِي وَرَثَتِهِ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَيَيْنِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَهِيَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ. (وَأَيْتَامُ بَنِي فُلَانٍ وَعُمْيَانُهُمْ وَزَمْنَاهُمْ وَأَرَامِلُهُمْ يَتَنَاوَلُ فَقِيرَهُمْ وَغَنِيَّهُمْ وَذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ إنْ أُحْصُوا) إذَا أَمْكَنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْأَلُك فِي كِتَابَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَهَلْ لَك إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ قَالَ: أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَدْ فَعَلْت قَالَ فَتَسَامَعَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ يَعْنِي مِنْ السَّبْيِ فَأَعْتَقُوهُمْ وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ فَمَا رَأَيْت امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ» اهـ. وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَفِيهِ وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ رَأْسُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسَيِّدُهُمْ وَكَانَتْ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بُرَّةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُوَيْرِيَةَ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَرَّةُ وَيُقَالُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَيُقَالُ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا اهـ. (قُلْت) وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَالْبَزَّارِ وَابْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ ثُمَّ قَسَّمَ بَيْنَ النَّاسِ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا فَوَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي قَسْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ إلَى أَنْ قَالَتْ فَدَخَلَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ أَصَابَنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت فَوَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَكَاتَبَنِي عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي رَجَوْتُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك - فَأَعِنِّي فِي فِكَاكِي فَقَالَ أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مَا هُوَ قَالَ: أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوَّجُك قَالَتْ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَعَلْت فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا وَتَزَوَّجَهَا فَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ فَقَالُوا أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْتَرَقُّونَ فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَتْ فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا» اهـ. (قُلْت) لَكِنْ جَزَمَ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ صَفِيَّةُ وَهْمٌ وَصَوَابُهُ جُوَيْرِيَةُ يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ «أَعْتَقَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيث ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ وَقَعَ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ لَكِنْ أَعَلَّهَا ابْنُ حَزْمٍ بِيَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا كَمَا جُزِمَ بِتَضْعِيفِهِ اهـ. وَتُغْتَنَمُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ وَتُغْتَفَرُ إطَالَتُهَا (قَوْلُهُ: أُخْرِجَ كُلُّ مَنْ مُلِكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا) قَدْ عَلِمْت بِمَا سَبَقَ أَنَّ السَّبْيَ كَانَ قَدْ قُسِمَ فَالْمُخْرَجُ الصَّحَابَةُ إكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ الصِّهْرَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ تَأَمَّلْ لِمَا قَدْ عَلِمْت مِنْ الْقِصَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَهْلُهُ امْرَأَتُهُ) أُجِيبَ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ وَالْوَارِثَ غَيْرُ دَاخِلٍ (قَوْلُهُ: وَوَلَدُ زَيْدٍ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ الذَّكَرُ، وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ وَلَدٌ صُلْبٌ فَالْوَصِيَّةُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لَهُ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ شَيْءٌ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَجَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ وَلَدٌ لِصُلْبٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ كَانَ الثُّلُثُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَلَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لِصُلْبِهِ وَاحِدٌ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِلَّذِي لِصُلْبِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ

[باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة]

تَحْقِيقُ التَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِمْ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُحْصُوا (فَلِفُقَرَائِهِمْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ وَهِيَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَرَدُّ الْجَوْعَةِ وَهَذِهِ الْأَسَامِي تُشْعِرُ بِتَحْقِيقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ حَمْلُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ يَجِبُ الصَّرْفُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا لِمَعْنَى الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فِي الْوَصَايَا كَمَا مَرَّ. (وَبَنُو فُلَانٍ يَخْتَصُّ بِذُكُورِهِمْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلَ قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْمِ لِلذُّكُورِ وَانْتِظَامُهُ الْإِنَاثَ تَجَوُّزٌ، وَالْكَلَامُ بِحَقِيقَتِهِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى الذُّكُورِ لَا غَيْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا. وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ: وَفِي بَنِي فُلَانٍ الْأُنْثَى مِنْهُمْ أَقُولُ لَمْ يَظْهَرْ لِي سِرُّ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ الْقَوْلَ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ الْإِمَامُ وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ (إلَّا إذَا كَانَ اسْمَ قَبِيلَةٍ أَوْ فَخْذٍ) الْفَخْذُ فِي الْعَشَائِرِ أَقَلُّ مِنْ الْبَطْنِ أَوَّلُهَا الشِّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخْذُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (فَيَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَمَوَالِيَ الْعَتَاقَةِ، وَالْمُوَالَاةَ وَحُلَفَاءَهُمْ) إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا أَعْيَانَهُمْ بَلْ مُجَرَّدُ الِانْتِسَابِ كَبَنِي آدَمَ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، وَالْمُوَالَاةِ وَحُلَفَاؤُهُمْ. (أَوْصَى لِمَوَالِيهِ مَنْ لَهُ مُعْتَقُونَ وَمُعْتَقٌ مُعْتَقُونَ بَطَلَتْ) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَوْلَى النِّعْمَةِ، وَالْآخَرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى، وَالْأَسْفَلَ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ وَلَا تَنَافِي فِيهِ (إلَّا أَنْ يُبَيِّنَهُ فِي حَيَاتِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي: فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَقُومَ الْبَيَانُ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ ضَرُورَةً (وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَوَالِي (مَنْ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ) لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ إيَّاهُمْ (لَا مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ) لِأَنَّ عِتْقَهُمْ يَحْصُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْمِ قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقُ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمْ فَيُطْلَقُ اسْمُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالثَّمَرَةِ) (صَحَّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَأَبَدًا) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَبِدُونِهِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْأَعْيَانِ وَيَكُونُ مَحْبُوسًا فِي مِلْكِهِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَيَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَصْلِنَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُهُ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُوَرَّثُ وَهُوَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى، وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى حَتَّى إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ إذَا مَاتَ لَا تُورَثُ عَنْهُ (وَبِغَلَّتِهِمَا) أَيْ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ عَبْدٍ وَغَلَّةِ دَارٍ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا (فَإِنْ خَرَجَتْ رَقَبَتُهُمَا) أَيْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ، وَالدَّارُ (سُلِكَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُوصَى لَهُ (لَهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَكَانَ مَا بَقِيَ لِوَلَدِ وَلَدِهِ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ وَمَنْ قَرُبَ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَرُ فِيهِ، وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ. . (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ الشَّابُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الشَّمَطُ، وَالْكَهْلُ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً إلَى آخِرِ عُمْرِهِ، وَالشَّيْخُ مَا زَادَ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الشَّيْخَ، وَالْكَهْلَ سَوَاءً فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْغُلَامُ مَا كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَالْفَتَى مَنْ بَلَغَ خَمْسَةَ عَشَرَةَ وَفَوْقَ ذَلِكَ، وَالْكَهْلُ إذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَزَادَ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الشَّيْبُ حَتَّى يَكُونَ شَيْخًا وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْكَهْلُ ابْنُ ثَلَاثِينَ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ فَإِذَا جَاوَزَ خَمْسِينَ يَكُونُ شَيْخًا إلَى أَنْ يَمُوتَ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: أَوْصَى لِمَوَالِيهِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يُعْتَقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ الْمُوصِي كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَضْرِبْك فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ ضَرْبِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصِي مِنْ الْعَرَبِ فَأَوْصَى لِمَوَالِيهِ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تُسْتَرَقُّ وَلَا تُسْبَى فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَّا الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَبَطَلَ الِاشْتِرَاكُ فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ]

أَيْ لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ رَقَبَتَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ (يُهَايَأُ الْعَبْدُ) أَيْ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ إيفَاءً لِلْحَقَّيْنِ. (وَيَقْسِمُ الدَّارَ أَثْلَاثًا) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى الدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَقْسِمُ عَيْنَ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاءِ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا (أَوْ مُهَايَأَةً) أَيْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى (وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ثُلُثَيْهَا) أَيْ الدَّارِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ خَالِصَ مِلْكِهِمْ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ بِأَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَكَذَا لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِيمَا فِي أَيْدِيهمْ إذَا خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ، وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَمُنِعُوا عَنْهُ. (وَتَبْطُلُ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ (فِي حَيَاةِ مُوصِيهِ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ إيجَابَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِيجَابُ كَمَا لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِهِ (وَبَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ (يَعُودُ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ (إلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِلَا رِضَاهُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. (وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا وَفِي تَمْلِيكِهَا بِالْمَالِ إحْدَاثُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا بَعْدَ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا بِهَا أَمَّا إذَا تَمَلَّكَهَا مَقْصُودَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَلَّكَهَا مَعْنًى وَهُوَ لَا يَجُوزُ. (وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اسْتِخْدَامُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (أَوْ سُكْنَاهَا) أَيْ الدَّارِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ نَفْسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَمُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِاسْتِرْدَادِهَا مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ نَفْسَهَا. (وَ) لَا (أَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ الْبَلْدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِهَا فَيُخْرِجُهُ لِلْخِدْمَةِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي فَإِذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَبْدُ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ وَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرٍ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ بَلَدِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (فَلَا) أَيْ لَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ (إلَّا بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ) لِبَقَاءِ حَقِّهِمْ فِيهِ. (أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلِآخَرَ بِخِدْمَتِهِ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُجِيزُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (خَدَمَهُمْ) أَيْ الْعَبْدُ الْوَرَثَةَ (سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَ) خَدَمَ (الْمُوصَى لَهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَوْمًا لِصَاحِبِ السَّنَةِ وَيَوْمَيْنِ لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ حَتَّى يَمْضِيَ تِسْعُ سِنِينَ) لِأَنَّ عَيْنَ الْعَبْدِ لَا يُقْسَمُ فَيُقْسَمُ بِالتَّهَايُؤِ زَمَانًا تَوْقِيرًا لِحُقُوقِهِمْ. (أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّ) أَيْ الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا وَمَا أَوْجَبَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَتُقْسَمُ الدَّارُ ثَلَاثًا) لَا يَخْفَى إيهَامُ ظَاهِرِ مَتْنِهِ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَسُكْنَاهَا وَلَيْسَ هَذَا إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْقِسْمَةُ، وَالْمُهَايَأَةُ كَمَا ذُكِرَ لَا فِي الْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ الدَّارِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ الدَّارِ يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ ثُلُثَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَالشَّرِيكِ وَلَنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ تُبْنَى عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ اهـ. وَلِهَذَا صَرَفَ الْمُصَنِّفُ عُمُومَ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ شَرْحًا يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى الدَّارِ فَقَصَرَ الْحُكْمَ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِالسُّكْنَى وَسَنَذْكُرُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا سُكْنَى لَهُ فِي الْأَصَحِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ (قَوْلُهُ: أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلِآخَرَ بِخِدْمَتِهِ سَنَتَيْنِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لِفُلَانٍ هَذِهِ السَّنَةُ وَلِفُلَانٍ هَذِهِ وَسَنَةٌ أُخْرَى يَخْدُمُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى الْوَرَثَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَلَهُمَا يَوْمَيْنِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا لِانْقِضَاءِ وَصِيَّةِ الْآخَرِ. اهـ. . (قَوْلُهُ: أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ) قَالَهُ الْعَيْنِيُّ: فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَنَفَقَتُهُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْخِدْمَةَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ لِأَنَّ بِهَا نُمُوَّ الْعَيْنِ وَهُوَ يَقَعُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا أَدْرَكَ الْخِدْمَةَ صَارَ كَالْكَبِيرِ، وَالنَّفَقَةُ فِي الْكَبِيرِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ وَإِنْ أَبَى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ رَدَّهُ إلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ كَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ الْمُعِيرِ وَإِنْ جَنَى فَالْفِدَاءُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ وَلَوْ أَبَى فَدَاهُ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ أَوْ يَدْفَعُهُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ

يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا أَوْجَبَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فَلَوْ لَمْ يُوصِ فِي الرَّقَبَةِ بِشَيْءٍ لَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كَوْنِ الْخِدْمَة لِلْمُوصَى لَهُ فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْمِيرَاثِ فِي كَوْنِ الْمِلْكِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ. (وَ) أَوْصَى (لِرَجُلٍ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ) أَيْ الْمُوصِي (وَفِيهِ ثَمَرَةٌ تَكُونُ لَهُ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ (هَذِهِ الثَّمَرَةُ فَقَطْ) لَا مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا (وَإِنْ ضَمَّ) أَيْ الْمُوصِي (أَبَدًا) بِأَنْ قَالَ: ثَمَرَةُ بُسْتَانِي لَهُ أَبَدًا (فَلَهُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ الثَّمَرَةِ الْأُولَى (مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا) مُطْلَقًا (كَمَا فِي غَلَّةِ بُسْتَانِهِ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ، وَالْمَعْدُومُ مِمَّا يُذْكَرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَمَا هُوَ بِعَرْضِيَّةٍ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ يَتَنَاوَلُهُمَا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ إذَا أُطْلِقَتْ حَيْثُ لَا يُرَادُ بِهَا إلَّا الْمَوْجُودُ فَلِهَذَا يَفْتَقِرُ الصَّرْفُ عَنْهُ إلَى دَلِيلٍ زَائِدٍ. (وَأَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ مَا فِي وَقْتِ مَوْتِهِ ضَمَّ أَبَدًا أَوْ لَا) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصَى سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَئِذٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ، وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ، وَالْإِجَارَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ أَمَّا الْوَلَدُ، وَالصُّوفُ، وَاللَّبَنُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا وَلَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا، وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ. (أَوْصَى بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَأَجَازُوا) أَيْ الْوَرَثَةُ (تُجْعَلُ مَسْجِدًا) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَجَازُوا زَالَ الْمَانِعُ (فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُجْعَلُ ثُلُثُهَا مَسْجِدًا) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَارِثِ، وَالْوَصِيَّةِ. (وَ) أَوْصَى (بِظَهْرِ مَرْكَبِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ. (إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ وَذِكْرُ النَّفَقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجُوزُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمْرِ بِالصَّرْفِ إلَى مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ. (قَالَ: أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ (وَعِنْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ:) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصِي لَهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَخَرَاجُهُ وَمَا فِيهِ صَلَاحُهُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ:، وَالْمَعْدُومُ مِمَّا يُذْكَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهَذَا كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا عِنْدَ الْمَوْتِ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ مَذْكُورٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَهَذَا نَفْيٌ لِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتِدْلَالِهِمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ. . . إلَخْ) مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ، وَالسُّكْنَى، وَالْغَلَّةِ، وَالثَّمَرَةِ وَلَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ، وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ: وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا) صُورَتُهُ قَالَتْ: لِزَوْجِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي صَحَّ وَلَهُ مَا فِي بَطْنِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَطْنِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ تَغْرَمْ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حَمْلُ جَارِيَتِي وَلَيْسَ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ تَرُدُّ الْمَهْرَ كَذَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ نَقْلًا عَنْ الشَّامِلِ (قَوْلُهُ: أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ. . . إلَخْ) كَذَا فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْوَصِيَّةُ لِمَسْجِدِ كَذَا أَوْ لِقَنْطَرَةِ كَذَا جَائِزَةٌ وَهُوَ لِمَرَمَّتِهَا وَإِصْلَاحِهَا كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ اهـ. وَقَالَ قَاضِي خَانْ: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمَسْجِدِ وَعَيَّنَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفِقَ ثُلُثَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْكَعْبَةِ جَازَ لِمَسَاكِينِ مَكَّةَ وَلِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيُصْرَفُ إلَى سِرَاجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْخَانِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[فصل وصايا الذمي]

أَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَخْذِ الثُّلُثِ) كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ) فَأَيُّهُمَا شَاءُوا أَعْطَوْا لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ كَذَا فِي الْكَافِي. [فَصْلٌ وَصَايَا الذِّمِّيِّ] (فَصْلٌ) (وَصَايَا الذِّمِّيِّ) عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهَا (إمَّا بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لِلْمُغَنِّيَاتِ، وَالنَّائِحَاتِ فَتَصِحُّ) لَوْ كَانَتْ (لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ تَمْلِيكًا مِنْ الثُّلُثِ) فَإِنَّهُمْ لَمَّا تَعَيَّنُوا جَازَ تَمْلِيكُهُمْ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ (فَلَا) أَيْ لَا تَصِحُّ أَصْلًا أَمَّا تَمْلِيكًا فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ لِلْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا قُرْبَةً فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ فَكَيْفَ تَصِحُّ قُرْبَةً (وَأَمَّا بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَهُمْ وَقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ الْإِسْرَاجِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تَصِحُّ اتِّفَاقًا) اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّا نَعْمَلُ مَعَهُمْ بِدِيَانَتِهِمْ (إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيُنِهِمْ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ تَمْلِيكًا مِنْهُمْ وَذِكْرُ الْجِهَةِ مَشُورَةٌ (وَإِمَّا بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَجَعْلِ ثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْإِسْرَاجِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَتَصِحُّ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الدِّيَانَةَ مُتَّفِقَةٌ مِنْ الْكُلِّ (وَإِمَّا بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ وَمَعْصِيَةٍ عِنْدَنَا كَجَعْلِ دَارِهِ بِيعَةً) لِلْيَهُودِ (أَوْ كَنِيسَةً) لِلنَّصَارَى (أَوْ بَيْتَ نَارٍ) لِلْمَجُوسِ (فَتَصِحُّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ قَوْمًا أَوْ لَا (وَعِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوصَى (لِمُعَيَّنِينَ) لَهُمَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْمَعْصِيَةِ وَفِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرٌ لِلْمَعْصِيَةِ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعْصِيَةِ رَدُّهَا لَا تَنْفِيذُهَا وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَهِيَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَتَصِحُّ. (وَتُورَثُ) أَيْ الْبِيعَةُ، وَالْكَنِيسَةُ وَبَيْتُ النَّارِ (إنْ صُنِعَتْ فِي الصِّحَّةِ) يَعْنِي إذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ بِيعَةً أَوْ نَصْرَانِيٌّ كَنِيسَةً وَمَجُوسِيٌّ بَيْتَ نَارٍ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يُسَجَّلْ فَكَذَا هَذَا، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ. (وَذُو هَوًى) أَيْ مَنْ يَتَّبِعُ هَوَى نَفْسِهِ مَيْلًا إلَى الْبِدَعِ (إنْ أُكْفِرَ) أَيْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ كَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ يَقُولُونَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ (فَكَالْمُرْتَدِّ) فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، وَفِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنْ تُصَحَّحَ وَصَايَاهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ (فَكَالْمُسْلِمِ فِي وَصَايَاهُ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ. (تَنْبِيهٌ) : لَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ فُهِمَتْ مِمَّا سَبَقَ ضِمْنًا وَكَانَ يَجِبُ حِفْظُهَا، وَالِاهْتِمَامُ بِهَا أَصَالَةً لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَغَفْلَةِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَنْهَا أَوْرَدَهَا هَاهُنَا، وَصَدَّرَهَا بِالتَّنْبِيهِ إشَارَةً إلَى مَا ذُكِرَ (الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ) : بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي أَوْ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ أَوْ أَوْصَيْت هَذَا الْقَدْرَ مِنْ مَالِي أَوْ ثُلُثَ مَالِي (لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ) لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى الْغَنِيِّ حَرَامٌ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (عُمِّمَتْ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُوصِي يَأْكُلُ مِنْهَا الْفَقِيرُ، وَالْغَنِيُّ لِأَنَّ أَكْلَ الْغَنِيِّ مِنْ الْوَصِيَّةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَصِحُّ إلَّا لِلْمُعَيَّنِ، وَالْغَنِيُّ لَا يُعَيَّنُ وَلَا يُحْصَى. (وَإِذَا خُصَّتْ) أَيْ الْوَصِيَّةُ (بِغَنِيٍّ) بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي أَوْصَيْته لِزَيْدٍ وَهُوَ غَنِيٌّ (أَوْ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ مَحْصُورِينَ حَلَّتْ لَهُمْ) لِصِحَّةِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ لِتَعَيُّنِهِمْ (كَذَا الْحَالُ فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُطْلَقَ مُخْتَصٌّ بِالْفُقَرَاءِ لَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ، وَإِنْ عُمِّمَ وَإِذَا خُصَّ بِغَنِيٍّ مُعَيَّنٍ أَوْ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ أَغْنِيَاءَ حَلَّ لَهُمْ وَيَمْلِكُونَ مَنَافِعَهُ لَا عَيْنَهُ حَتَّى إذَا مَاتُوا يَتَقَرَّرُ عَيْنُهُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لِلْمُغَنِّيَاتِ، وَالنَّائِحَاتِ فَتَصِحُّ لَوْ كَانَتْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ) يَعْنِي وَهُمْ يُحْصُونَ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ) يَعْنِي كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَكَذَا الْإِسْرَاجُ يَعْنِي فِي مَسْجِدِ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ الْجِهَةِ مَشُورَةٌ) أَيْ أَنَّ كَلَامَ الْمُوصِي فِي صَرْفِ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ إلَى اسْتِضَاءَةِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ قَالَ قَاضِي خَانْ فَلَوْ كَانَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ صَحَّتْ وَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْهُمْ وَتَبْطُلُ الْجِهَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا إنْ شَاءُوا فَعَلُوا وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: بِيعَةٌ لِلْيَهُودِ أَوْ كَنِيسَةٌ لِلنَّصَارَى) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ شَارِحُهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْبِيعَةَ لِلنَّصَارَى، وَالْكَنِيسَةَ لِلْيَهُودِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَتَصِحُّ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ قَوْمًا أَوْ لَا) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ بِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يُسَجَّلْ فَكَذَا هَذَا) فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ اللُّزُومُ بِغَيْرِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا حَصْرَ، وَثَانِيًا فِيهِ إيهَامُ أَنَّهُ إذَا سُجِّلَ صَارَ لَازِمًا كَالْوَقْفِ وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّ مَا صَنَعَهُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ يُورَثُ كَالْوَقْفِ الَّذِي لَمْ يُسَجَّلْ وَلَا يَكُونُ كَالْوَقْفِ إذَا سُجِّلَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ) مُحَصِّلُ الْخِلَافِ فِي التَّخْرِيجِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْرِيثِ مَا بَنَاهُ مِنْ الْبِيعَةِ، وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ فِي صِحَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ) كَذَا فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَعِتْقُهُ وَرَهْنُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَأَجَازَاهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الصَّحِيحِ حَتَّى تُعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنَفَّذُ مِنْ الْمَرِيضِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اِ هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الباب الثاني في الإيصاء]

مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ وَإِذَا مَاتُوا يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ. [الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ) بِمَعْنَى جَعْلِ الْغَيْرِ وَصِيًّا (أَوْصَى إلَى زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا (وَقَبِلَ عِنْدَهُ فَإِنْ رَدَّهُ عِنْدَهُ رُدَّ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ شَاءَ دَامَ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إذْ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إلْزَامِ التَّصَرُّفِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ فِي الرُّجُوعِ تَغْرِيرٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوصِيَ غَيْرَهُ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ رَدَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ (فَلَا) أَيْ فَلَا يَرُدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِي وَجْهِهِ اعْتَمَدَ الْمُوصِي عَلَى قَبُولِهِ فَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا رَدَّهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَصَارَ الْمَيِّتُ مَغْرُورًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ (إنْ سَكَتَ) أَيْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ (فَمَاتَ الْمُوصِي فَلَهُ رَدُّهُ وَقَبُولُهُ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي التَّصَرُّفِ لِلْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بِلَا قَبُولِهِ كَالْوَكَالَةِ وَلَا تَغْرِيرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّفْ عَلَى حَالِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْوِصَايَةَ أَمْ لَا. (وَإِنْ رَدَّ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إلَّا إذَا أَنْفَذَ رَدَّهُ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ قَالَ: لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ حِينَ قَالَ: لَا أَقْبَلُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ، وَالضَّرَرُ وَاجِبُ الدَّفْعِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ عَنْ الْإِيصَاءِ حِينَ قَالَ: لَا أَقْبَلُ فَإِذَا قَبِلَ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ قَدْ صَحَّ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ إذْ الرَّدُّ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ. (وَلَزِمَ) أَيْ الْإِيصَاءُ بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ (وَإِنْ جَهِلَ) أَيْ الْوَصِيُّ (بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ وَصِيًّا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْقَبُولِ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّصَرُّفُ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدِ الْمَوْت لِأَنَّ أَوَانَ وِلَايَتِهِ بَعْدَهُ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ عَنْ الْوَصِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ وَصِيًّا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ بِالْبَيْعِ فَبَاعَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِوَكَالَتِهِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إثْبَاتُ خِلَافَتِهِ لِثُبُوتِ أَوَانِ انْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ، وَإِذَا كَانَ اسْتِخْلَافًا صَحَّ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْوِرَاثَةِ فَأَمَّا التَّوْكِيلُ فَإِثْبَاتُ الْوِلَايَةِ وَلَيْسَ بِاسْتِخْلَافٍ لِثُبُوتِهِ حَالَ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ عِلْمِ مَنْ تَثْبُتُ عَلَيْهِ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ. (وَ) أَوْصَى (إلَى عَبْدٍ لِغَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ بَدَّلَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِهِ) هَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ الْمَفْهُومَ مِنْ التَّبْدِيلِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِيصَاءِ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ مَعْنَاهُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَعَدَمِ اسْتِبْدَالِهِ وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ وَقِيلَ فِي الْكَافِي بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ أَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الْغَيْرِ إنَّمَا يَجُوزُ شَرْعًا لِيَتِمَّ بِهِ نَظَرُ الْمُوصِي لِنَفْسِهِ وَلِأَوْلَادِهِ وَبِالْإِيصَاءِ إلَى هَؤُلَاءِ لَا يَتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ، وَإِنْ وُجِدَ أَهْلُ النَّظَرِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَيْسَ بِمُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ وَلِكَوْنِ الْفَاسِقِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ مَعْنًى، وَالْخِلَافَةِ إرْثًا وَتَصَرُّفًا حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى نَفَذَ شِرَاؤُهَا عَبْدًا مُسْلِمًا وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ سَيِّدِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا وَاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَيُتَوَهَّمُ التَّقْصِيرُ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمَيِّتِ وَتَوَهُّمُ الْحَيَاةِ مِنْ الْكَافِرِ لِلْمُعَادَاةِ الدِّينِيَّةِ وَمِنْ الْفَاسِقِ بِفِسْقِهِ فَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ، وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ تَتْمِيمًا لِلنَّظَرِ. (وَ) أَوْصَى (إلَى عَبْدِهِ صَحَّ لِوَرَثَةٍ صِغَارٍ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ) (قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَدَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ وَرُدَّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ فَلَا أَيْ لَا يُرَدُّ. . . إلَخْ) الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي الْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ بِرَدِّ الْوَصِيِّ لِمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا أَيْ الْوَصِيَّةَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي فَلَيْسَ بِرَدٍّ اهـ. وَلِمَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى كَمَا رَأَيْته مَعْزُوًّا بِخَطِّ ثِقَةٍ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى قُلْت الْمُصَنِّفُ بِوَجْهِهِ يَعْنِي قَوْلُهُ: وَصَحَّ رَدُّهُ فِي وَجْهِهِ وَاتَّبَعَهُ الشَّارِحُونَ حَتَّى اُشْتُبِهَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا فَوَجَدْت الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةً بِحَمْدِ اللَّهِ فِي التُّحْفَةِ السَّمَرْقَنْدِيَّة قَالَ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بِدُونِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُوصِي أَوْ عِلْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ وَصِيًّا) هَذِهِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ رِوَايَاتِ الْمَأْذُونِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ أَيْضًا يَعْنِي كَالْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوِصَايَةِ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نِيَابَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ: وَإِلَى عَبْدِ الْغَيْرِ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ، وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ صَحَّ (قَوْلُهُ: وَبِالْإِيصَاءِ إلَى هَؤُلَاءِ لَا يَتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَلَوْ زَالَ الرِّقُّ، وَالْكُفْرُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ إخْرَاجِ الْقَاضِي لَا يُخْرِجُهُمْ اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ زَوَالَ الْفِسْقِ وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَدَ أَهْلُ النَّظَرِ) عِبَارَةُ الْكَافِي أَصْلُ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَيْسَ بِمَوْلَى عَلَيْهِ) لَعَلَّهُ وَلَيْسَ بِوَاوِ الْعَطْفِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ) يَعْنِي وَتَوَهَّمَ الْخِيَانَةَ مِنْ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ فَجَعَلَ الْفِسْقَ لِذَاتِهِ مُوجِبًا لِإِخْرَاجِهِ وَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالنَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مُتَّهَمًا مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ

حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمُلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَلَهُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ، وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَكِنْ لَمَّا أَقَامَهُ أَبُوهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ صَارَ مُسْتَبِدًّا بِالتَّصَرُّفِ مِثْلَهُ بِلَا وِلَايَةٍ لَهُمْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لِأَنَّهُ يَبِيعُ نَصِيبَهُ أَوْ يَمْنَعُهُ فَيَعْجَزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْأَدَاءِ بِحَقِّهِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ. (وَ) أَوْصَى (إلَى عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا) أَيْ بِالْوِصَايَةِ لَمْ يَعْزِلْهُ الْقَاضِي بَلْ (ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقَّ الْمُوصِي وَحَقَّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. (وَيُبْقَى عَلَى الْوِصَايَةِ أَمِينٌ يَقْدِرُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ دُونَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ كَمَالِ شَفَقَتِهِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى. (وَ) أَوْصَى (إلَى اثْنَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا) بِالتَّصَرُّفِ بِدُونِ الْآخَرِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ إيصَاؤُهُ (إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا فِي أَشْيَاءَ سَتُبَيَّنُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ إذَا ثَبَتَتْ لِاثْنَيْنِ شَرْعًا ثَبَتَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا عَلَى الِانْفِرَادِ كَالْأَخَوَيْنِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَتْ شَرْطًا فَإِنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ لِكَوْنِهَا عِبَارَةً عَنْ الْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا رَأْيِ أَحَدِهِمَا لِفَرْقٍ بَيِّنٍ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّةَ الْإِخْوَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِكُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْكَمَالِ، وَالسَّبَبُ هُنَا الْإِيصَاءُ وَهُوَ إلَيْهِمَا لَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِهِ (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ وَتَجْهِيزِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَبْتَنِي عَلَى الْوِلَايَةِ وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَفِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمَا فَسَادُ الْمَيِّتِ وَلَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جِيرَانُهُ جَازَ (وَالْخُصُومَةُ فِي حُقُوقِهِ) لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهِ عَادَةً وَلَوْ اجْتَمَعَا لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا (وَشِرَاءُ حَاجَةِ الطِّفْلِ) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَوْفَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ (وَالِاتِّهَابُ لَهُ) أَيْ قَبُولُ الْهِبَةِ لِلطِّفْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ (وَإِعْتَاقُ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَرَدُّ وَدِيعَةٍ وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَتَيْنِ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ وَبَيْعُ مَا يَخَافُ تَلَفُهُ وَجَمْعُ أَمْوَالٍ ضَائِعَةٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً. (وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَوْصَى إلَى الْحَيِّ أَوْ إلَى آخِرِهِ فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَيَّ أَوْ آخَرَ (التَّصَرُّفُ) فِي التَّرِكَةِ (وَحْدَهُ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْقَاضِي وَصِيًّا (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ الْوَصِيُّ (ضَمَّ) أَيْ الْقَاضِي (إلَيْهِ غَيْرَهُ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ وَأَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِنَصِيبِ وَصِيٍّ آخَرَ. (نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا أَمِينًا كَافِيًا لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ) لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَدْلًا (فَيَعْزِلُهُ وَيَنْصِبُ عَدْلًا وَلَوْ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ ضَمَّ إلَيْهِ كَافِيًا وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ قِيلَ) قَائِلُهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي مَجْمُوعَاتِهِ (وَيَنْعَزِلُ بِهِ أَيْضًا) أَيْ بِعَزْلِ الْقَاضِي (الْعَدْلُ الْكَافِي وَاسْتُبْعِدَ) أَيْ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا) هُوَ الْقِيَاسُ وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ، ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ فَلَا يُجِيبُهُ. . . إلَخْ) كَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اخْتَارَهُ، وَالشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ ظَالِمًا فِي شَكْوَاهُ كَذَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ: وَيُبْقَى عَلَى الْوِصَايَةِ أَمِينٌ) يُبْقَى مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَأَمِينٌ نَائِبُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي الْجَمِيعِ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الصَّفَّارِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ. وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ: إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ. . . إلَخْ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى ذَلِكَ رُدَّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَحِفْظُ الْمَالِ فَيَنْفَرِدُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ) أَيْ يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ الْكَافِي الَّذِي نَصَبَهُ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْجَازِمِ بِعَدَمِ عَزْلِ الْعَدْلِ الْكَافِي وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَانُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُذْكَرْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّنَاقُضَ بِلَا وَجْهٍ لَهُ (قَوْلُهُ: وَيَنْعَزِلُ بِهِ أَيْضًا أَيْ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْعَدْلِ الْكَافِي) أَقُولُ يَعْنِي يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ بِعَزْلِ الْقَاضِي لَهُ كَعَزْلِهِ مَنْصُوبُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا وَإِنْ كَانَ يَخْفَى عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ مَتْنِهِ فَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الشَّرْحِ بِقَوْلِهِ اسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ بِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ

اسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ بِأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ فَإِذَا انْعَزَلَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي. (وَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ لَهُمَا) يَعْنِي إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيَّةٌ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ. (وَقِسْمَتُهُ) أَيْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ نَائِبًا (عَنْ وَرَثَتِهِ غُيَّبٌ مَعَ الْمُوصَى لَهُ تَصِحُّ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ لَهُ وَرَثَةٌ غُيَّبٌ أَوْ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَلِبَكْرٍ بِمَبْلَغٍ جَازَ لِزَيْدٍ الْوَصِيِّ أَنْ يَقْسِمَ تَرِكَتَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْغُيَّبِ، وَبَيْنَ بَكْرٍ الْمُوصَى لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَيُسَلِّمَ الْبَاقِيَ إلَى الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ لَهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرَّثِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَالْوَصِيُّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَيَكُونُ خَصْمًا لِلْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ (فَلَا يَرْجِعُونَ) أَيْ الْوَرَثَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ (إنْ ضَاعَ قِسْطُهُمْ) أَيْ حِصَّةُ الْوَرَثَةِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عَلَى مَا وَقَعَ الْهَلَاكُ فِي قِسْمَتِهِ. (وَقِسْمَتُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (عَنْ الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ مَعَهُمْ) أَيْ مَعَ الْوَرَثَةِ (لَا) أَيْ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَيْسَ خَلِيفَةً عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ حَتَّى لَا يُرَدَّ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ الْوَصِيُّ خَلِيفَةً عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ (فَيَرْجِعُ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ إنْ ضَاعَ قِسْطُهُ مَعَ الْوَصِيِّ (بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا. (وَلِلْقَاضِي قِسْمَتُهَا وَأَخْذُ قِسْطِهِ) أَيْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ التَّرِكَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ مَعَ الْوَرَثَةِ وَأَخْذُ قِسْطِ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لَا سِيَّمَا فِي الْمَوْتَى، وَالْغُيَّبِ وَمِنْ النَّظَرِ إفْرَازُ قِسْطِ الْغَائِبِ وَقَبْضِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ وَصَحَّ حَتَّى وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ ضَاعَ الْمَقْبُوضُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ. (قَاسَمَهُمْ) أَيْ الْوَصِيُّ مَعَ الْوَرَثَةِ (فِي الْوَصِيَّةِ بِحَجٍّ) وَأَخَذَ الْوَصِيُّ الْمَالَ (فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ مَنْ يَحُجُّ) عَنْ الْمُوصِي (حَجَّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) مِنْ التَّرِكَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَلَمْ تُعْتَبَرْ دُونَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ. (صَحَّ بَيْعُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَلَوْ تَوَلَّاهُ حَيًّا بِنَفْسِهِ بِغَيْبَتِهِمْ جَازَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَسِرُّهُ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الثَّمَنِ. (بَاعَ) أَيْ الْوَصِيُّ (مَا أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ فَاسْتَحَقَّ) أَيْ الْمَبِيعَ (بَعْد أَنْ هَلَكَ ثَمَنُهُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ (ضَمِنَ) أَيْ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ قَدْ يَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ مَا رَضِيَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَلَّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ الْبَائِعُ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ (وَرَجَعَ فِي التَّرِكَةِ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ (كَوَصِيٍّ بَاعَ حِصَّةَ الصَّغِيرِ وَهَلَكَ ثَمَنُهُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ (فَاسْتَحَقَّ) أَيْ الْعَبْدُ (فَإِنَّهُ) أَيْ الْوَصِيَّ (يَرْجِعُ فِي مَالِهِ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ (وَهُوَ) أَيْ الصَّغِيرُ (يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ) لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ (أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الصَّغِيرِ وَيَدْفَعَ مُضَارَبَةً وَبِضَاعَةً وَيُوكِلَ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَيُودِعَ مَالَهُ وَيُكَاتِبَ قِنَّهُ وَيُزَوِّجَ أَمَتَهُ لَا قِنَّةً وَيَرْهَنَ مَالَهُ بِدَيْنِهِ وَبِدَيْنِ نَفْسِهِ فَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَإِذَا انْعَزَلَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي) أَقُولُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ بَلْ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ تَوْجِيهًا لِصِحَّةِ عَزْلِ مَنْصُوبِ الْقَاضِي فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ إيضَاحُهُ دَفْعًا لِلَّبْسِ وَتَوْضِيحُ مَا قُلْنَاهُ بِمَا نَصُّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا أَمِينًا كَافِيًا ثُمَّ عَزَلَهُ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ (صعر) الْوَصِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَيَنْصِبُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ ضَمَّ إلَيْهِ كَافِيًا وَلَوْ عَزَلَهُ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْعَدْلُ الْكَافِي يَنْعَزِلُ (سب) وَاسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ، وَقَالَ إنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُحْتَارُ الْمَيِّتِ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَإِذَا كَانَ يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي اهـ. مَا فِي الْقُنْيَةِ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْوَصِيُّ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ عَدْلًا كَافِيًا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَعْزِلُهُ وَيَنْصِبُ وَصِيًّا آخَرَ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ لَا يَعْزِلُهُ لَكِنْ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيًا، وَلَوْ عَزَلَهُ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ عُزِلَ الْعَدْلُ الْكَافِي يَنْعَزِلُ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا. وَذَكَرَ فِي الْقُدُورِيِّ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ مِنْ الْوِصَايَةِ وَلَا يُدْخِلَ فِيهَا غَيْرُهُ مَعَهُ فَإِنْ ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ أَوْ كَانَ فَاسِقًا مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ أَخْرَجَهُ وَنَصَبَ غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ ثِقَةً ضَعِيفًا أَدْخَلَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَهَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي وَصَايَا الْأَصْلِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ لَا يَنْعَزِلُ اهـ عِبَارَةُ الصُّغْرَى

قَدْرَ الْمُؤَدَّى مِنْ دَيْنِهِ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَإِلَّا صُدِّقَ دِيَانَةً وَيَكُونُ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلصَّبِيِّ قَضَاءً وَيُمَاثِلُهُ الْأَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَحْرِيرُ قِنِّهِ وَلَوْ بِمَالٍ وَلَا أَنْ يَهَبَ مَالَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (وَلَهُ) أَيْ لِلْوَصِيِّ (التِّجَارَةُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِلْيَتِيمِ لَا لِنَفْسِهِ بِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ التِّجَارَةُ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ سَوَاءٌ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ تَمَلَّكَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَلَا بِمَالِ الْمَيِّتِ (فَإِنْ فَعَلَ وَرَبِحَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ وَتَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلِّمُ لَهُ الرِّبْحَ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. (وَيَحْتَالُ) أَيْ يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ (عَلَى الْإِمْلَاءِ لَا الِاعْتِبَارِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ (وَلَا يُقْرِضُ) أَيْ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِخْلَاصِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلِذَا لَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ وَمَالُ الْوَقْفِ، وَالْغَائِبِ. (وَلَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ نَظَرِيٌّ وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ إذْ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادُ بَابِ الْبَيْعِ. (وَيَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لَا الْعَقَارِ) لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلِيَهُ الْوَصِيُّ إذْ لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ. (إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ) فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْعَقَارِ لِلْوَصِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ فَيَمْلِكُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ (وَيَبِيعُهُ) أَيْ الْوَصِيُّ الْعَقَارَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ (بِضَعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ لِلدَّيْنِ) كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ. (أَوْ النَّفَقَةِ) أَيْ نَفَقَةِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ النَّفَقَةِ: الْأَبُ إذَا بَاعَ الْعَقَارَ أَوْ الْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نَفَقَتَهُ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ (أَوْ وَصِيَّةٌ مُرْسَلَةً) أَيْ مُطْلَقَةً بِأَنْ يَقُولَ: ثُلُثُ مَالِي أَوْ رُبُعُهُ مَثَلًا وَصِيَّةٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ (أَوْ زِيَادَةٌ خَرَّجَهُ عَلَى غَلَّتِهِ أَوْ إشْرَافِهِ) أَيْ قَرَّبَهُ (إلَى الْخَرَابِ) حَتَّى إذَا لَمْ يَبِعْ كَانَ خَرَابًا فَهَذِهِ أَعْذَارٌ سِتَّةٌ. (لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ) أَيْ الْوَصِيِّ (بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهِ) أَنَّهُ لِفُلَانٍ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُقِرُّ (وَارِثًا فَيَصِحُّ فِي حِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ. (أَقَرَّ) أَيْ الْوَصِيُّ (بِعَيْنٍ لِآخَرَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِلصَّغِيرِ لَا يُسْمَعُ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ. (شَهِدَ وَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ مَعَهُمَا أَوْ ابْنَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى زَيْدٍ بَطَلَتْ) أَيْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ أَمَّا الْوَصِيَّانِ فَلِإِثْبَاتِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا مُعَيَّنًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ فَتُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً وَوِلَايَةَ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِمَا فَهُمَا أَسْقَطَا مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ عَنْ الْقَاضِي وَأَمَّا الِابْنَانِ فَلِجَرِّهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ (كَذَا شَهَادَتُهُمَا لِلصَّغِيرِ بِمَالٍ) سَوَاءً انْتَقَلَ إلَيْهِ عَنْ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ) فَإِنَّهَا أَيْضًا بَاطِلَةٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْوَصِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ لَا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ مَالَ الْكَبِيرِ إنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ غَائِبًا. (وَصَحَّتْ) أَيْ الشَّهَادَةُ (فِي مَالِ غَيْرِهِ) أَيْ مَالِ غَيْرِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ مَالَ الْكَبِيرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التَّرِكَةِ فَلَا تَصَرُّفَ لِلْوَصِيِّ فِيهِ فَتَجُوزُ (شَهَادَتُهُ) . (وَ) صَحَّتْ (شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

لِآخَرَ بِمَبْلَغِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالْآخَرَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِوَصِيَّةٍ أَلْفٍ) هَذَا قَوْلُهُمَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُثْبَتَةً حَتَّى الشَّرِكَةَ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً (أَوْ) شَهَادَةُ (الْأَوَّلِينَ بِعَبْدٍ، وَالْآخَرِينَ بِثُلُثِ مَالِهِ) حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ شَرِكَةً فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. (أَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي كَأَقْوَى الْوَصِيِّينَ (وَهُوَ وَصِيُّ الْأُمِّ، وَالْأَخِ، وَالْعَمِّ فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ وَهُوَ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَأَقْوَى الْوَصِيِّينَ وَهُوَ وَصِيُّ الْأَبِ، وَالْجَدِّ، وَالْقَاضِي فِي أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ وَهُوَ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْمُوصِي فَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مِقْدَارِ تَصَرُّفِ مُوصِيهِ فَوَصِيُّ الْأُمِّ حَالَ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ (لِلْأَضْعَفِ) كَوَصِيِّ الْأُمِّ مَثَلًا (بَيْعُ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَقْوَى) لِلضَّرُورَةِ (وَلَا يَشْتَرِي) أَيْ الْأَضْعَفُ (إلَّا مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ وَلَا يَتَصَرَّفُ مُطْلَقًا فِيمَا اسْتَفَادَ الصَّغِيرُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ تَصَرُّفَهُ عَلَى مِقْدَارِ تَصَرُّفِ مُوصِيهِ. (وَصِيُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ) لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ فَكَذَا مُخْتَارُهُ وَلِأَنَّ اخْتِيَارَهُ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْفَعُ لِابْنِهِ مِنْ تَصَرُّفِ أَبِيهِ، وَهُوَ الْجَدُّ (وَإِنْ لَمْ يُوصِ) أَيْ لَمْ يَنْصِبْ وَصِيًّا (فَالْجَدُّ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْأَبِ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ. وَهَاهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ نَقَلْنَاهَا مِنْ الْخَانِيَّةِ مِنْهَا رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَةً فَبَلَغَهُمْ أَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَعْلَمُونَ مَا أَوْصَى بِهِ فَقَالُوا قَدْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَجَازُوا بَعْدَ الْعِلْمِ،. وَفِي الْمُنْتَقَى: إذَا دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَأَشْهَدَ الْيَتِيمُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ جَمِيعَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَلَمْ تَبْقَ لَهُ تَرِكَةُ وَالِدِهِ عِنْدَهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إلَّا وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ، وَقَالَ هُوَ مِنْ تَرِكَةِ أَبِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ وَقَدْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ مَا تَرَكَ، وَالِدُهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهَهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ) ذُكِرَتْ هُنَا لِمُنَاسِبَتِهَا لِبَابِ الْوَصِيِّ وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كِتَابَ الْفَرَائِضِ، وَالْخُنْثَى وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِمَّا أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَلْحَقَهُ بِكَلَامِهِ (قَوْلُهُ: فَبَلَغَهُمْ أَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَعْلَمُونَ) أَقُولُ يَعْنِي لَا يَعْلَمُونَ مِقْدَارَهَا وَلَا وَصْفَهَا (قَوْلُهُ: فَقَالُوا قَدْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ) يَعْنِي عَلَى الْعُمُومِ الَّذِي لَمْ يُبَيَّنْ مِقْدَارُهُ وَلَا ذَاتُهُ (قَوْلُهُ: ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ) أَقُولُ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُمْ بِالْإِجَازَةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (قَوْلُهُ: إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَجَازُوا بَعْدَ الْعِلْمِ) أَقُولُ الْمُرَادُ نَفْيُ اللُّزُومِ كَمَا عَلِمْت فِيمَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي الثُّلُثِ بِدُونِ الْإِجَازَةِ مِنْهُمْ وَيَتَوَقَّفُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ رِضَا بِالزَّائِدِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ يَقِينًا فَلَهُمْ إبْطَالُ الزَّائِدِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِنَحْرِ بَقَرَةٍ لِزَيْدٍ فَقَبِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ الْوَصِيَّةَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهَا وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَهَا بِالْقَبُولِ فَلَزِمَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْبَقَرَةِ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهَا، وَالتَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقُرْبَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِالشَّخْصِ بَلْ بِالْجِنْسِ، وَدَفْعُ الْقِيمَةِ صَدَقَةً وَقُرْبَةً كَدَفْعِ الْعَيْنِ فَإِجَازَتُهُمْ الْوَصِيَّةَ بِهَا لِلْفُقَرَاءِ لَا يَلْزَمُهُمْ دَفْعُ عَيْنِهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُسْتَحَقِّ عَيْنًا فَجَازَ دَفْعُ قِيمَتِهَا لِلْفُقَرَاءِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى أَنَّ إجَازَتَهُمْ مَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فِي حَالِ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِمْ لَا تُعْتَبَرُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَلِّ لِهَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ. . . إلَخْ) أَقُولُ وَصِحَّة دَعْوَاهُ بِهِ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ تَرِكَةِ، وَالِدِهِ. . . إلَخْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءُ الْمَعْلُومِ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا اشْتِبَاهٌ لِصَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَجَعَلَهَا غَيْرَ مَانِعَةٍ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْدَ صُدُورِهَا عَامَّةً فِيمَا بَيْنَهُمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَظَنَّ أَنَّهَا تُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ، وَسَاقَ مَسَائِلَ أُخَرَ ظَنَّهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَقَدْ حَرَّرْت الْحُكْمَ فِيهَا وَبَيَّنْت أَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَا ظَنَّهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ شَيْءٌ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الدَّعْوَى بِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَأَوْضَحْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَنْقِيحُ الْأَحْكَامِ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ، وَالْإِبْرَاءِ الْعَامِّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى. . . إلَخْ) كَذَلِكَ الْحُكْمُ فَلَا يَمْنَعُ هَذَا الْإِقْرَارُ دَعْوَى الْوَارِثِ بِدَيْنٍ لِمُوَرَّثِهِ عَلَى خَصْمٍ لَهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ إبْرَائِهِ شَخْصًا مُعَيَّنًا أَوْ قَبِيلَةً مُعَيَّنَةً وَهُمْ يُحْصُونَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ لِكُلِّ مَنْ يَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَبِهِ يُفْتَى وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَقَوْلِ زَيْدٍ لِعَمْرِو حَالِلْنِي مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَك عَلَيَّ فَفَعَلَ بَرِئَ مِمَّا عَلِمَ وَمِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

تُسْمَعُ دَعْوَاهُ. وَمِنْهَا وَصِيٌّ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالُوا إنْ كَانَ هَذَا الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعِبَادِ يَرْجِعُ لِأَنَّ لَهَا مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَارِثِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ أَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَكَذَا الْوَصِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمِنْهَا وَصِيٌّ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ. . . إلَخْ) يَعْنِي وَقَدْ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَقَضَى بِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ، وَالْمُوصَى بِهِ مِنْ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّرِكَةِ وَإِلَّا فَالتَّصَرُّفُ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ بَيْعَ الْوَصِيِّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعُرُوضِ جَبْرًا لِأَخْذِ الْوَصِيَّةِ وَلِلْوَارِثِ أَخْذُ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَدَفْعُ قَدْرِ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ وَارِثًا مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَيَسْتَلْزِمُ الْإِطْلَاقَ أَيْضًا، وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مَا لِلْكَبِيرِ مِنْهَا وَلَا تَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهُ وَفِي شِرَائِهِ حِصَّةَ الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يُسَاوِيهِ بِشَطْرِ قِيمَتِهِ كَاَلَّذِي يُسَاوِي عَشَرَةً فَيَشْتَرِيهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَصِيِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حُكْمٌ لِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ خِلَافٌ ذُكِرَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَاحْتُرِزَ بِالْوَصِيِّ لِأَنَّ الْجَدَّ إذَا بَاعَ التَّرِكَةَ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِ التَّنْفِيذِ هَلْ يَمْلِكُ بَيْعَ مَا زَادَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى كِسْوَةً. . . إلَخْ) لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْإِشْهَادَ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنْفَقَ الْوَصِيُّ عَلَى الْيَتِيمِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَمَالُ الْيَتِيمِ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ ضَمِنَ الْأَبُ مَهْرَ امْرَأَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الرُّجُوعَ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ وَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يَرْجِعُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْلِهِ الضَّمَانَ اَ هـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَيُخَالِفُهُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ الْفُصُولِ وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا مَا فِي الْفُصُولِ الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى الطَّعَامَ أَوْ الْكِسْوَةَ لِلْيَتِيمِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِهِ اهـ. فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ نَفْسٍ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَارِثِ) يَعْنِي الْوَارِثَ الْكَبِيرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ صَغِيرًا وَقَضَاهُ بِدُونِ أَمْرِ الْقَاضِي وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا، وَأَقُولُ اشْتِرَاطُهُ الْإِشْهَادَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَوْلِهِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِرُجُوعِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ) أَقُولُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَالدَّيْنُ لَمْ يُبَيَّنْ كَوْنُهُ ثَابِتًا بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْحُجَّةِ وَهُوَ مُفْتَرِقٌ لِمَا قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَضَى بِهِ فَأَدَّى أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَوْ دَفَعَ مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ لَا يُجِيزَ وَيَسْتَرِدَّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، وَلَوْ دَفَعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الدَّيْنُ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَكَذَا الْوَصِيُّ لَا يُؤَدِّي وَدِيعَةً لِمُدَّعِيهَا وَلَا دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الْقَاسِمُ إنْ ادَّعَتْ مِقْدَارَ مَهْرِ مِثْلِهَا فَذَلِكَ وَاجِبٌ وَكَفَى بِالنِّكَاحِ شَاهِدًا قَالَ الْفَقِيهُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ بَنَى بِهَا يَمْنَعُ عَنْهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لِلْوَرَثَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) أَقُولُ كَذَا أَطْلَقَهُ وَكَذَا فِيمَا سَيَأْتِي وَجَعَلَ الْوَارِثَ، وَالْوَصِيَّ سَوَاءً فِي الرُّجُوعِ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْكَفَنِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ بِحَسَبِ مَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ كَفَنِ السُّنَّةِ وَمُرَاعَاةِ حَالِ الرَّجُلِ بِمَا يَلْبَسُهُ فِي الْأَعْيَادِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَتَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ لِلزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا) أَقُولُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ: قَالَ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى كِسْوَةَ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَا أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيٌّ أَجْنَبِيٌّ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ وَيُكَفِّنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَصِيِّ وَيَرْجِعَ فِي الْمِيرَاثِ اهـ. لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْفُصُولِ أَيْضًا، قَالَ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَفِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَعَقَارٌ تَوَى بَعْضُ الْمَالِ وَأَنْفَقَ الْكِبَارُ الْبَعْضَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى الصِّغَارِ فَمَا تَوَى فَهُوَ عَلَى كُلِّهِمْ وَمَا أَنْفَقَهُ الْكِبَارُ ضَمِنُوا حِصَّةَ الصِّغَارِ إنْ كَانُوا أَنْفَقُوا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيِّ وَمَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِمْ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيِّ حُسِبَ لَهُمْ إلَى نَفَقَةِ مِثْلِهِمْ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْأَلْفِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَصِيٍّ قَالَ هُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا فَأَطْعَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ، وَأَلْبَسَهُ الثَّوْبَ اسْتَحْسَنْتُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْكَبِيرِ ضَمَانٌ فِي ذَلِكَ اهـ. وَفِي شَرْحِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَا يَحِلُّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ حَطَبٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَأَقُولُ هَذَا فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْكَبِيرِ أَخْذُ قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِغَلَبَةِ الْإِفْرَازِ فِيهِ عَلَى الْمُبَادَلَةِ بِدُونِ قِسْمَةٍ

لَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْيَتِيمِ أَوْ عَشَرَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ كَفَّنَ الْوَصِيُّ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ. وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ إنْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ، وَالْأَمَانَةِ أَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى مَنْ يَزِيدُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَا يَنْتَقِضُ بَيْعُ الْوَصِيِّ لِأَجْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ، وَالْأَمَانَةِ فَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَوْلُ الْوَاحِدِ يَكْفِي كَمَا فِي التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا أُقِيمَ الْوَقْفُ إذَا آجَرَ مُسْتَغِلُّ الْوَقْفِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَزِيدُ فِي الْأَجْرِ. وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ تَرِكَتَهُ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي فَحَلَّفَهُ الْوَصِيُّ فَحَلَفَ، وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْوَصِيِّ: إنْ كُنْت صَادِقًا فَقَدْ فَسَخْت الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ كَانَ فَسْخًا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَايَلَا حَقِيقَةً فَإِذَا فَسَخَ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ إقَالَةً فَلَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ. هَذَا آخِرُ مَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بِلُطْفِهِ مِنْ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ الْمُسَمَّى بِدُرَرِ الْحُكَّامِ حَيْثُ وَفَّقَنِي لِجَمْعِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَعَلَى أَحْسَنِ الصُّوَرِ لِتَصْوِيرِهِ حَاوِيًا لِمُهِمَّاتٍ خَلَتْ عَنْهَا الْكُتُبُ الْمَشْهُورَةُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ مَسْطُورَةً وَلَقَدْ بَذَلْت مَجْهُودِي فِي التَّنْفِيرِ، وَالتَّنْقِيحِ، وَالتَّهْذِيبِ، وَالتَّوْضِيحِ وَتَتَبُّعِ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْكِرَامِ وَاسْتِطْلَاعِ آرَاءِ فُضَلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ حَتَّى عَثَرْت عَلَى مَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ مِنْ الْعَثَرَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْبَشَرِيَّةِ وَوَقَفْت عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْأَمَاثِلِ مِنْ زَلَّاتٍ لَيْسَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ عَنْهَا عَرِيَّةً وَلَا عَتْبَ فَإِنَّ سَائِرَ الْعُلُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعِلْمِ كَنِسْبَةِ الْقَطْرَةِ إلَى الْبَحْرِ الْمُتَلَاطِمِ الْأَمْوَاجِ لَا يَغُوصُ عَلَى فَرَائِدِهِ كُلُّ غَوَّاصٍ قَوِيٍّ فَضْلًا عَنْ الزَّجَّاجِ وَلِذَا تَرَى الْعُلَمَاءَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ كَمَالِهِمْ فِي الْفُنُونِ الْآلِيَّةِ وَتَصْنِيفِهِمْ فِيهَا كُتُبًا مُعْتَبَرَةً لَمْ يَحُومُوا حَوْلَ هَذَا الْعِلْمِ وَلَمْ يُصَنِّفُوا فِيهِ وَلَوْ رِسَالَةً مُخْتَصَرَةً وَهَذَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ الْغَنِيِّ مَعَ مُطَارَحَتِهِ مَعَهُمْ فِي تَصَانِيفِهِمْ فِيمَا انْتَسَبُوا إلَيْهِ وَمُعَارَضَتِهِ إيَّاهُمْ فِي مُؤَلَّفَاتِهِمْ فِيمَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ بِحَيْثُ قَبِلَهَا عُلَمَاءُ الْعَصْرِ وَفُضَلَاءُ الدَّهْرِ امْتَازَ عَنْهُمْ بِكَتْبِ هَذَا الْمَتْنِ اللَّطِيفِ الْمَشْحُونِ بِالْفَوَائِدِ، وَالشَّرْحِ الشَّرِيفِ الْمَمْلُوءِ بِالْفَرَائِدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَأَعَانَنَا عَلَيْهِ وَمَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَيْهِ لَوْلَا أَنْ أَعَانَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ التَّمَدُّحَ بَلْ الِامْتِثَالُ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] وَقَدْ وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ تَأْلِيفِهِ يَوْمَ السَّبْتِ الثَّانِي مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَ الْبُدَاءَةُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عَلَى يَدِ أَضْعَفِ عِبَادِ اللَّه تَعَالَى وَأَحْوَجِهِمْ إلَى رَحْمَتِهِ مُؤَلَّفِ الْكِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَامُرْزِ بْنِ عَلِيٍّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْخَفِيِّ، وَالْجَلِيِّ آمِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ جَحَدَ الشِّرَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فَسَخْتُ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا) عِبَارَةُ الْقَاضِي بَيْنَكُمَا (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَابَلَا حَقِيقَةً) أَقُولُ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْإِقَالَةُ فَسْخًا بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ ثَالِثِ هُوَ الْيَتِيمُ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ الثَّمَنُ، وَالْمَبِيعُ لَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ. وَفِي الْعِمَادِيَّةِ خِلَافُهُ قَالَ فِي صُلْحِ الْمَبْسُوطِ: وَأَمَّا إقَالَتُهُ فَتَجُوزُ لِأَنَّهَا كَالشِّرَاءِ. وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي إذَا بَاعَ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ: الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِلصَّغِيرِ ثُمَّ أَقَالَ إنْ كَانَ فِي الْإِقَالَةِ نَظَرٌ لِلْيَتِيمِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. قُلْت فَاَلَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقَالَةِ نَفْعٌ لِلْيَتِيمِ وَإِذَا انْتَفَى النَّفْعُ يَصِيرُ الْمَبِيعُ لَهُ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْيَتِيمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ لِلْيَتِيمِ وَتَفْسِيرُ الْخَيْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ مَالَ نَفْسِهِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ خَيْرٌ، وَبِمَا فَوْقَهَا لَا وَهَذَا يُحْفَظُ وَبِهِ يُفْتَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[خاتمة الكتاب]

حَمْدًا لِمَنْ زَيَّنَ سَمَاءَ الْمَعْقُولِ بِزَوَاهِرِ جَوَاهِرِ الْمَنْقُولِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمَبْسُوطِ فَضْلِهِ وَغَمَرَنَا فِي بِحَارِ مَنْحِهِ وَنَيْلِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ جَاءَ بِالْفَتْحِ الْمُبِينِ فَاسْتَبَانَ بِنُورِ هِدَايَتِهِ أَعْلَامُ الدِّينِ الْمَتِينِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ كُنُوزِ الْحَقَائِقِ وَمَرَاكِزِ مُحِيطِ الدَّقَائِقِ مَا تُلِيَتْ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ فِي صَحَائِفِ مَجْمُوعِ الْكَائِنَاتِ. (وَبَعْدُ) فَلَا يَخْفَى أَنَّ كِتَابَ الدُّرَرِ، وَالْغُرُرِ الَّذِي طَارَ صِيتُهُ فِي الْأَقْطَارِ وَانْتَشَرَ مِنْ أَعْظَمِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْجَمِيلَةِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعَاتِ الْجَلِيلَةِ فَإِنَّهُ جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ وَكَشَفَ النِّقَابَ عَنْ مُشْكِلَاتِهَا الْمُدْلَهِمَّةِ وَلَا غَرْوَ فَإِنَّ مُؤَلِّفَهُ قَدْ حَازَ قَصَبَ السَّبْقِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْأُصُولِ وَشَهِدَتْ بِذَلِكَ تَآلِيفُهُ الْمَلْحُوظَةُ بِعَيْنِ الْقَبُولِ فَأَرَدْنَا الِانْتِسَابَ لِجَنَابِهِ بِطَبْعِ كِتَابِهِ فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَمْلَأُ الْعُيُونَ نُورًا، وَالْقُلُوبَ سُرُورًا لَا سِيَّمَا وَقَدْ طَرَّزْنَا بِحَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيِّ الْجَامِعَةِ لِلدُّرَرِ، وَاللَّآلِئِ وَقَدْ بَذَلْنَا الْجُهْدَ فِي تَنْقِيحِهِ مِنْ التَّحْرِيفِ فِي الْأَلْفَاظِ، وَالْمَبَانِي الَّتِي تُشَوِّشُ ذِهْنَ الطَّالِبِ الْمَعَانِي لِلْمَعَانِي وَكَانَ تَمَامُ طَبْعِهِ وَبَسْطُ مَوَائِدِ نَفْعِهِ بِالْمَطْبَعَةِ الْكَامِلِيَّةِ إحْدَى الْمَطَابِعِ الْعَلِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ جُمَادَى الثَّانِي مِنْ سَنَةِ 1330 مِنْ الْهِجْرَةِ الْفَاخِرَةِ الزَّاهِيَةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، وَالتَّسْلِيمِ وَأَتَمُّ التَّحِيَّةِ، وَالتَّعْظِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [خَاتِمَة الْكتاب] (أَقُولُ هَذَا آخِرُ مَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بِلُطْفِهِ مِنْ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ) كَذَلِكَ أَقُولُ: وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنِي لِجَمْعِ تَحْرِيرِهِ وَتَتَبُّعِ مَسَائِلِهِ وَتَصْوِيرِهِ فَتَحَلَّى بِهِ مَا أَبْرَزَهُ مِنْ مُبْتَكَرَاتِهِ، وَتَجَلَّى بِهِ مَا نَقَلَهُ مِنْ مُقْتَنِصَاتِهِ جَزَى اللَّهُ تَعَالَى أُسْتَاذِي عَنِّي خَيْرَ الْجَزَاءِ لِإِرْشَادِي لِهَذَا الْخَيْرِ الْعَظِيمِ وَتَسْطِيرِ هَذِهِ الْفَوَائِدِ بِحُلُولِ نَظَرِهِمَا الْكَرِيمِ وَإِنِّي لَمُقِرٌّ بِمَزِيدِ الْعَجْزِ عَنْ الْوُصُولِ لِأَدْنَى دَرَجَاتِ صَاحِبِ هَذَا التَّصْنِيفِ وَمُبْتَكِرِ هَذَا التَّحْرِيرِ، وَالتَّرْصِيفِ وَلَكِنْ جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ الْكَرِيمِ الْجَوَّادِ بِخِدْمَةِ الْأَحْفَادِ لِلْأَجْدَادِ، وَالْوَالِدُ هُوَ وَالِدُ التَّرْبِيَةِ فَرُتْبَتُهُ فَائِقَةٌ رُتْبَةَ وَالِدِ التَّبْنِيَةِ جَمَعَنَا اللَّهُ وَأُصُولَنَا وَفُرُوعَنَا وَحَوَاشِينَا وَمُحِبِّينَا بِدَارِ السَّلَامِ وَمَتَّعَنَا بِالْمُشَاهَدَةِ لِذَاتِهِ فَهِيَ لَنِعْمَ الْخِتَامُ وَأَشْرَفُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ، وَالصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِخَيْرٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامِ، (وَقَدْ انْتَهَى) تَأْلِيفُ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ الْمُسَمَّاةِ بِغُنْيَةِ ذَوِي الْأَحْكَامِ فِي بُغْيَةِ دُرَرِ الْأَحْكَامِ فِي أَوَاخِرِ سَنَةِ 1035 خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَأَلْفٍ مِنْ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ بِيَدِ مُؤَلِّفِهَا الْفَقِيرِ إلَى لُطْفِ اللَّهِ الْجَلِيِّ، وَالْخَفِيِّ حَسَنِ بْنِ عِمَادِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَفَائِيِّ الشُّرُنْبُلَالِيِّ الْحَنَفِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ، وَالْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ

§1/1